ما انفرد به الامام يعقوب من القراءات دراسة وصفية وتحليلية
مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في علم القراءات
اعداد الطالب : منير كيدل
اشراف الدكتور : امحمد بنبري
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
ما انفرد به الامام يعقوب من القراءات
1. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الحاج لخضر – باتنة – نيابة العمادة لما بعد التدرج
كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية والبحث العلمي والعلاقات الخارجية
قسم: أصول الدين
ء
2. و
درا
مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في: علم القراءات
مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في: علم القراءات
إعداد الطالب : إشراف الدكتور:
منير كيحل امحمد بنبري
: ء ا
أ
3. أ. د/ لخضر شايب أستاذ التعليم العالي جامعة باتنة رئيسًا
د/ امحمد بنبري أستاذ محاضر جامعة باتنة مقررًا
أ. د/ سامي الكناني أستاذ محاضر جامعة قسنطينة عضوًا
د/ صالح عسكر أستاذ محاضر جامعة باتنة عضوًا
2009 م / السنة الجامعية: 1429 هـ - 2008
4. أتقدم بجزيل الشكر وحسن الثناء إلى الأستاذ الدكتور امحمد بنبري الذي أشرف
على تبييض هذا البحث منذ أن رسمت خطّته إلى آخر حرف منه، سائ ً لا المولى جلّ وعلا
أن يمد في عمره ويرزقه العافية في الدنيا والآخرة وأن ينفع به الطلبة في الجامعة وخارجها.
كما أتقدم بالشكر إلى أعضاء اللجنة العلمية الموقّرة الذين تحملوا عبء القـراءة
والتوجيه مع قلّة الوقت وكثرة المشاغل، سائ ً لا المولى جلّ وعلا أن يجزيهم عنا خير الجزاء
وأن ينفعني بما سيسدونه إليّ من التوجيهات والتصحيحات فهم أجدر بذلك ... والله لا
يضيع أجر المحسنين.
والشكر موصول إلى كلّ من كان عونًا لي على إنجاز هذا البحث ممـن أعـارني
كتابًا أو أسدى إليّ نصيحًة أو أصلح فكرًة أو بيض ورقًة ...، ولا أنسى كلّ الأصحاب
والإخوان الذين طالما تشوفوا إلى إاء البحث وحضور المناقشة.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به من قـرأه وأن
يوفّقنا لما يحبه ويرضاه، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آلـه وأصـحابه
والتابعين
5. المقدمة 4
المقدمة
إ ّ ن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سـيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مض ّ ل له، ومن يضلل فلا هاد ي له، وأشهد أ ْ ن لا إله إ ّ لا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أ ّ ن مح مدا عبده ورسوله، أما بعد:
فلا ش ك أ ّ ن علم القراءات من أج ّ ل العلوم وأشرفها، وذلك لتعّلقه بكتاب الله عـز
وج ّ ل أشر ف الكتب وأعظ مها وأبلغها، وهو أيضًا من أه م العلوم وأنفعها، وذلـك لأثـر
القراءات في مختلف الفنون الشرعية والعربية من فقه وحديث وتفسير ولغة وغير ذلك، فهو
بح ق د ر نثير وعلم غزير، بدا في صورته الأولى مقتصرًا على تجميع الروايات والطرق ّ ثم تع دى
إلى سبر القراءات وفرز صحيحها من سقيمها، ومتواترها من شاّذها، لتصبح فيما بع د حق ً لا
مترامي الأطراف لمختلف الدراسات، حيث اتجهت هم م كث ٍ ير من العلماء إلى التـدوين في
علم القراءات، فمنهم من اقتصر على جانب الأداء والتجويد، فلم يتعـ د جمـع الأصـول
والفرشيات، ومنهم من اهت م بتوجيه ما أ وه م الإشكال من هذه القراءات، سواء من جهـة
المعنى أم من جهة الإعراب، ومنهم من اهت م بالترجمة لأصحاب هذه القراءات، ومنهم مـن
تص دى للذ ب عن حمى هذه القراءات برد شبه المغرضين وإحباط عزائم الرامين إلى الطعـن
في الإسلام بالطعن في القراءات القرآنية، والتشكيك في مصدرها، وبالتـالي التشـكيك في
القرآن الكريم الذي عليه مدا ر الإسلام ...، فأثمرت جهودهم ثراءً علميًا كبيرًا زخرت بـه
المكتبة الإسلامية.
كما لم تخل بعض الكتب من بعض الانحرافات الباطلة واازفات الخطيرة التي ربما
عكست مذهبا عقديا أو اتجاها فقهيا، أو خالفت رأيًا لغويا مما هو شائع في لغـة العـر ب
وذائع في لهجام وطباعهم، فلا يجد المف سر أو النحو ي حينئذ من سبيل إ ّ لا أ ْ ن يـرد هـذه
القراءة ويطعن فيها، وقد خفي عليه أ ّ ن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأ ول، وربمـا
ألجأه إلى ذلك ما غلب على ظنه أنه يجوز الاجتهاد في هذا الباب.
6. المقدمة 5
وَل ما كان الأمر كذلك آثرت أنْ أبين في ثنايا هذا البحث أثر قراءة من القـراءات
العشر - أصو ً لا وفرشًا - في مختلف المستويات الّلغوية ألا وهي قـراءة الإمـام ي عقـوب
الحضرمي- رحمه الله تعالى -، بادئًا بالمستوى الصوتي، ومثنيًا إياه بالمسـت وى الصـرفي، ّ ثم
المستوى الإعرابي، ومنتهيًا بالمستوى الدلالي الذي يع د زبدة هذه المستويات وغايتها.
إشكالية البحث
كانت القراءات ولا تزال مح ّ ل نظر واهتمام كث ٍ ير من الباحثين، وهو ما يعكس أهمية
القراءات عمومًا في الن ص القرآني من حيث بيان معاني الآيات القرآنية و تجليتـه ا، كمـا
يو ضح أيضًا علاقة القراءات القرآنية باللغة العربية بمختلف مستوياا.
فالقراء بالنظر إلى تب حرهم في علوم القراءات هم قبل ذلك فحو ٌ ل عـارفون باللغـة
العربية وفنوا وأساليب العرب ولهجام وطرق كلامهم، يظهر ذلك من خلال النظـر في
سيرهم وتراجمهم، فلا تكاد تقلّب صفحة من صفحات حيام إ ّ لا وتستبين تف وقهم ويتجّلى
أمام ناظريك تضّلعهم ومعرفتهم الواسعة باللغة العربية، بل كانوا أئ مة في اللغة لا يش ق لهـم
غبار، وهو ما تطمئ ن النفس للزوم منهجهم واقتفاء أثرهم في الأخذ بالقراءات القرآنية.
لكن عند النظر في كتب التفسير والتوجيه عمومًا وفي بعض كتب اللغة، فإ ّ ن القارئ
يقف على العديد من المواطن القرائية التي طاَلتها أيدي الكبار من خدمة التفسير وأربـاب
اللغة والبيان بالتضعيف والرد. فبالإضافة إلى كوم ممن يعتمد على القـراءات القرآنيـة في
إظهار أوجه التع دد في تفسير الآية القرآنية والاستشهاد للقواعد النحوية أو ل ما هو فـا ٍ ش في
لغة العرب، فإننا نجد العديد منهم يقع في رد القراءات القرآنية ولو كانت مما ثبت متـواترًا
. عن الن بي
كما لم تخل بع ض الكتب من بعض الافتراءات عند حديثها عن مصدر القـراءات
القرآنية وأنها محض اجتهاد من علماء القراءات، أو أنها كانت نتيجة للرسم العثماني الذي
كان خاليًا من النقط، أو أ ّ ن مصدرها لهجات العرب، وَأ ع ظ م ا من فرية لل ّ طعن في القرآن
الكريم.
7. المقدمة 6
وعليه يمكن طرح الأسئلة الآتية:
- ما معنى القراءات القرآنية، وما علاقتها بالقرآن الكريم، وهل ك ّ ل قراءة هي داخلة في
مس مى القرآن ؟
- ما هي ضوابط القراءة المقبولة ؟
- ما هو مصدر القراءات القرآنية، أهو لهجات العرب، أم هو رسم المصحف العثماني
الذي كان خاليًا من النقط، أم هو السماع والنقل ؟
- ما هي أهم المواضع التي أشكلت على العلماء في قراءة يعقوب ؟
- ما أثر قراءة يعقوب في المستويات اللغوية ؟
- وقبل هذا كّله جدير بنا أ ْ ن نتساءل عن صاحب هذه القراءة، عن مولده ووفاته وعن
حياته وعن شيوخه وتلاميذه وعن أهم آثاره، وعن منهجه في القراءة ومميزات قراءته.
ك ّ ل هذه الأسئلة كانت سببًا محّفزًا إلى تناول هذه القراءة بالدراسة - إن شاء الله تعالى-.
أسباب اختيار الموضوع:
هناك أسباب ذاتية وأخرى موضوعية دعتني إلى اختيار هذا الموضوع؛
فأما الذاتية فهي:
-1 الرغبة في الا ّ طلاع في كتب اللغة ومحاولة التعرف إلى أكبر قدر منها ومعرفة ما
احتوته خصوصًا ما تعّلق منها بالقراءات القرآنية، والرغبة في تحسين المستوى العلمي في هذا
الجانب.
أما الأسباب الموضوعية، فأذكر منها:
-1 أنه ّلما كنت أطّلع على أصول قراءة الإمام يعقوب - رحمه الله – وفرش ـياا،
تبين لي العدي د من الانفرادات التي تميزت ا هذه القراءة من قـراءات الجمهـور، وعنـد
الرجوع إلى كتب التوجيه وكتب اللغة والتفسير وجد ت أ ّ ن لهذه الانفرادات أثرًا بـارزًا في
مدلول بعض الآيات القرآنية وما احتوته من الظواهر اللغوية التي ربما نـتج عنـها بعـض
المسائل الجديدة في الدرس اللغوي.
-2 ما رأيته أشكل على بعض العلماء من قراءة الإمام يعقـوب - رحمـه الله -،
فآثرت أن أجمع هذه الانفرادات وأبين أثرها وفي الوقت ذاته توجيه ما أشكل منها.
8. المقدمة 7
-3 جمع كل ما يتعّلق بقراءة الإمام يعقوب في مكان واحد حيث يسهل تناوله.
-4 إرادة التبين من مواقف علماء اللغة من القراءات القرآنية وما مدى استشهادهم
ا في تقرير المسائل اللغوية.
-5 احتواء القراءات القرآنية على كثير من اللهجات العربيـة، مـا أدى بـ بعض
المغرضين والمستشرقين إلى التشكيك في مصدر القراءات القرآنية.
ك ّ ل هذه الأسباب وغيرها، كانت داعيًا لتناولي هذه القراءة بالدراسة - أسـأل الله
تبارك وتعالى التوفيق والسداد -.
عنوان البحث:
لقد اخترت أ ْ ن يكون عنوان البحث: ما انفرد به الإمام يعقـوب مـن القـراءات
القرآنية- دراسة وصفية تحليلية- ، والناظر في هذا العنوان أ ول ما يتبادر إليه أ ّ ن الدراسـة
ستخ ص ما انفرد به الإمام يعقوب الحضرمي من القراءات عن جمهور القراء أصو ً لا وفرشًا،
كما ستشمل شخصية الإمام يعقوب بالترجمة.
أهمية الموضوع:
إ ّ ن الناظر في كتب التفسير يلحظ مدى تأثير تن وع القراءات القرآنية في الن ص القرآني
من حيث بيان مدلوله، وقد يتبادر إلى ذهن المف سر معنى ترت ب على قراءة من القراءات يتنافى
هذا المعنى مع معتقده أو مذهبه الفقهي، أو يتنافى مع بعض ما ألفه من لغة العرب ولهجاا،
فيسرع إلى رد هذه القراءة وتخطئتها ولو كانت متواترة، وربما ألجـأه ظن ـه إلى أ ّ ن هـذه
القراءات ما هي إ ّ لا آراء انبثقت عن أصحاا قابلة للنقد أو التعضيد. ومث ُ ل هذا أيضـ ًا مـا
نجده عند بعض أعلام اللغة وأرباب البيان، فقد يصادف الواحد منهم قراءة تخالف القيـاس
اللغوي أو تخرج عن الفاشي في العربية فلا يجد ب دا من ردها والطعن فيها...، فمثـل هـذا
يدعو الباحث أو من له تمكن ذا الف ن - علم القراءات -، يدعوه إلى الإدلاء بدلوه لرفـع
اللثام وتنحية الغطاء عن مدى ص حة القراءات ووجوب الانتصار لها ولو خالفت الفاشـي
والأقيس في العربية، كيف لا وقد نجد كث يرا من هؤلاء الذين يردون القراءات ربما يستشهد
الواحد منهم ببيت من الشعر لم يعرف قائله، أو بقطعة من النثر من كلام سـافلة الن ـاس
9. المقدمة 8
وأراذلهم، وإذا صادف قراءة إمام ثقة عالم عارف باللغة ووجوهها ضاق ا صدره وطفـق
يردها ويطعن فيها.
وقراءة الإمام يعقوب الحضرمي- رحمه الله - من القراءات التي نالها قسط من الطعن
أو التضعيف من قبل جهابذة من أهل اللغة والتفسير كانت لهم القدم الراسخة في العلم واليد
الطولى في خدمة كتاب الله عز وج ّ ل من أمثال الطبري والزمخشري...وغيرهما رحمهـم ا لله
تعالى.
من كل هذا يتضح لنا أهمية الموضوع من خلال بيان ص حة القراءة بقراءة الإمام يعقوب
وأنها ذات آثار في المستويات اللغوية والتفسيرية للقرآن - رحمه الله - واتصالها إلى الن بي
الكريم.
أهداف الموضوع:
مما سبق يتضح بجلاء أهداف هذا البحث متمّثلة في:
-1 بيان ما انفرد به الإمام يعقوب - رحمه الله - في قراءته عن الجمهور، هذا من
جهة.
-2 إبراز أثر قراءة الإمام يعقوب في الدرس اللغوي من خـلال تنـاول الجانـب
الصوتي، والجانب الصرفي، والجانبين النحوي والدلالي.
-3 كما يهدف البحث إلى إبراز أثر هذه الانفرادات في مدلول النص القرآني، من
حيث توسيع المعاني أو تنويعها، إذ الخلاف الجاري بين القراءات وأثرها من قبيل الخـلاف
الجائز أي خلاف التن وع لا التضاد.
-4 هناك بعض الانفرادات التي ع دها بعض أهل اللغة والتفسير مـن المشـكلات،
فالبحث يهدف أيضًا إلى توجيه ما أشكل من هذه الانفرادات.
-5 كما يهدف البحث إلى التعريف بشخصية الإمام يعقوب - رحمه الله – مـن
خلال التعرف إلى حياته العلمية عمومًا والتعرف إلى شيوخه وتلامذته وأه م آثاره.
فهذه بعض الأهداف التي يرجى بيانها في هذا الموضوع بإذن الله تعالى.
10. المقدمة 9
الدراسات السابقة:
فيما يخص قراءة الإمام يعقوب فإني لم أجد في - حدود ما اطلعت عليه - دراسـًة
اهت مت بما انفرد به الإمام يعقوب عن قراءات الجمهور، ولئن وجد شيءٌ من ذلك فإنما في
كتب التوجيه وكتب التفسير، مع الإشارة أ ّ ن ما في كتب التفسير قد يقف المف سر موقـف
المو جه ل ما أوهم الإشكال من القراءة أو يرد القراءة إ ْ ن لم يجد ح لا لما أشكل عليـه منـها،
وليس هذا - بطبيعة الحال - م ّ طردًا بالنسبة لك ّ ل المف سرين، إذ أغلبهم يعتمد على القراءات
ويستشهد لها وا ويو جه ما أشكل منها، أما كتب التوجيه فقد اهت مت في بداية ظهوره ـا
بالقراءات السبع، وأشهر من ألف في الاحتجاج للسبعة ابن خالويه، وم ّ كي بن أبي طالـب
القيسي، وابن زنجلة، وأبو علي الفارسي... وغيرهم - رحمهم الله- من دون تخصيص قراءة
» على انفراد، ثم د ون بعد ذلك في الاحتجاج للقراءات العشر على العموم كما في كتـاب
وغيرهما، وفي الآونة الأخيرة أخذت اتجاهات الدارسين ... « القلائد » و ،« شرح الهداية
لعلوم القراءات تنحو إلى إفراد كل قراءة بدراسة مستقّلة، سواء كانت القراءة من القراءات
العشر أم مما زاد على العشر، فتناولوا قراءة نافع وقراءة عاصم وقراءة الأعمش... وقراءات
غيرهم – رحمهم الله-، أما بخصوص قراءة يعقوب فكما أسلفت ذكرا، أنه لم يفردها أحـ د
بالدراسة والتحليل.
لكن وبعد الخروج من ثنايا هذا البحث، وجدت وأنا أقرأ في كتاب توجيه مشكل
القراءات العشرية الفرشية لعبد العزيز بن علي الحربي، وجد ت أنه ذكر كتابـًا بعنـوان
الجمع والتوجيه لما انفرد به الإمام يعقوب الحضرمي لأبي الحسن شريح بن مح مد الرعيني
المتوّفى سنة 539 هـ، وحّققه الأستاذ غانم الحمد المد رس بجامعة بغداد، ولم أعثر على هذا
الكتاب.
وفي هذا البحث محاولة لجمع ما تشتت من المسائل المتعّلقة بقراءة يعقوب - رحمـه
الله-، معتمدًا في ذلك على مختلف كتب التفسير، وكتب التوجيه، وكتب اللغة وغيرها.
11. المقدمة 10
المنهج المتبع:
من خلال العنوان نجد أ ّ ن البحث سيكتنفه منهجان رئيسان وهما:
أو ً لا: المنهج الوصفي: يظهر ذلك عند التطرق إلى حصر أصول قراءة يعقوب وفرشـياا،
فيما انفرد به الإمام يعقوب عن جمهور القراء، وعند التعريف بالقراءات القرآنيـة وبيـان
أقسامها وبيان ضوابط القراءة المقبولة ...
ثانيًا: المنهج التحليلي: في بيان آثار قراءة الإمام يعقوب في مختلف المستويات اللغوية؛ صوتًا
وصرفًا وتركيبًا ودلالة.
منهجية البحث:
و قد راعي ت في كتابة هذا البحث ما يلي :
- كتابة الآيات القرآنية وفقًا للمصحف الإلكتروني مع الملك فهد ( وهو برواية حفـص
عن عاصم ) وتخريجها في المتن، وفي فهرس الآيات جعلتها مرتبًة حسب ورودها في القـرآن
الكريم، ترتيبًا تنازليًا من سورة البقرة إلى آخر القرآن.
- تخريج القراءات الشاّذة من مظانها.
- تخريج ك ّ ل الأحاديث النبوية الواردة في متن البحث تخريجًا مخت صرًا، فما كان واردًا منها
في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت به، وما كان واردًا في غيرهما من كتب السنة بينـت
درجة ص حته استنادًا إلى أقوال المتخ صصين في التصحيح والتضعيف، وما لم أهتد إلى درجة
ص حته أو ضعفه سك ت عنه وهو حديث واحد. أما ترتيبها في الفهرس فجعلته ترتيبًا ألفبائيًا
مبتدئًا بطرف الحديث.
- الترجمة للأعلام غير المشهورين، أما من كان مشهورًا كالإمام الطـبري، والزمخشـري
والشنقيطي... وغيرهم فلم أترجم لهم، وكذا الذين ذكرم في المتن ولم يكن لهم اتصـال
مباشر بمسائل البحث، ورتبتهم أيضًا في فهرس الأعلام المترجم لهم ترتيبًا ألفبائيًا.
- تخريج جميع الأبيات الشعرية من مظانها، ورتبتها في فهرس الأشعار ترتيبا ألفبائيًا حسب
القوافي.
- التزم ت كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري في تخريج قراءة يعقوب وبـاقي
القراءات، كما التزمت أيضًا ببيان أثر ما انفرد به الإمام يعقوب -رحمه الله – من القراءات
12. المقدمة 11
القرآنية عن القراء العشرة فقط، وما تطرقت إليه من القراءات الشاّذة وغيرها فهو من بـاب
الاستئناس.
- سلك ت سبيل الاختصار في معظم نقاط البحث خاصة الفصل الأ ول منه، ذلك لأ ّ ن ج ّ ل
مسائله قد تطرق إليها العلماء.
- كتابة معلومات النشر عند أ ول ذكر للكتاب فقط.
الصعوبات:
لا ش ك أ ّ ن ك ّ ل باحث تعترضه بعض الصعوبات حال إنجازه بحثه، أما الصعوبات التي
واجهتها في هذا البحث، فمنها:
- خل و المكتبة من بعض الكتب التي تخدم البحث بشكل مباشر، مثل كتاب معـاني
القرآن للز جاج، ومعاني القرآن للن حاس، وكتاب أثر القراءات القرآنية في علـوم الع ربي ـة،
لسالم محيسن، وخل وها أيضا من بعض دواوين الشعر وغيرها، مما جعلني أستغرق وقتـًا في
البحث عنها.
- صعوبة البحث في علم القراءات عمومًا وصعوبة التح ّ كم في المادة العلمية.
خطة البحث:
وقد ق سمت البحث بعد هذه المق دمة إلى ثلاثة فصول وخاتمة.
أما الفصل الأ ول فكان مدخ ً لا إلى القراءات القرآنية، وق سمته إلى مبحثين؛
فجاء المبحث الأ ول مكرسًا لبيان ماهية القراءات القرآنية والقرآن، والنسبة بينهما،
كما تناول الحديث عن مصدر القراءات القرآنية، وأقسامها، وضوابط القراءة المقبولة.
وجاء الحدي ُ ث في المبحث الثاني عن تع دد القراءات القرآنية، وتراجم القراء الأربعـة
عشر، وعن أحاديث الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات السبع أو العشر، و ختم ببيان فوائد
تع دد القراءات القرآنية.
وأما الفصل الثاني، ف جعل للحديث عن قراءة يعقوب، وهو مق سم إلى مبحثين؛
ف جعل الكلام في المبحث الأ ول عن الإمام يعقوب؛ مولده، وحياتـه، وشـيوخه،
وتلامذته، وآثاره، وثناء العلماء عليه.
13. المقدمة 12
وفي المبحث الثاني بيا ٌ ن لإسناد قراءة الإمام يعقوب وذكر لما انفرد به الإمام في باب
الأصول والفرشيات عن بقية القراء أصحاب القراءات العشر.
وأما الفصل الثالث فتح دثت فيه عن أثر قراءة الإمام يعقوب في المستويات اللغويـة،
وق سمته إلى أربعة مباحث؛
تكّلمت في المبحث الأ ول عن أثر قراءة يعقوب في المستوى الصوتي، فتناولت فيـه
بعض الظواهر الصوتية كظاهرتي التخفيف والتشديد، وظاهرة الإبدال الحرك ـي، وكـذا
ظاهرة الوقف على هاء السكت.
وفي المبحث الثاني دار الحديث عن أثر قراءة يعقوب في المستوى الصرفي، من خلال
بيان أثر التغاير في الأوزان الصرفية بين قراءة يعقوب وقراءات الجمهور.
وأما المبحث الثالث فبين ت فيه أثر قراءة يعقوب في المستوى التركيبي أي الإعـرابي،
فتناولت الحديث عن بعض الظواهر الإعرابية الناتجة ع ما انفرد به الإمام يعقوب عن بقيـة
القرّاء مع توضي ٍ ح لبعض المواضع التي أشكلت في قراءة يعقوب.
وتناول ت في المبحث الرابع من هذا الفصل أثر قراءة الإمام يعقـوب في المسـتوى
الدلالي، حيث بينت علاقَة القراءات القرآنية بالتفسير، وأثر قراءة الإمام يعقوب في معـاني
الآيات القرآنية.
أما الخاتمة فقد ذكرت فيها أه م النتائج التي تو صلت إليها.
وفي الختام، لا يسعني إ ّ لا أن أشكر الأستاذ الدكتور امحمد بنبري، الذي م د إ ّ لي يـد
المعونة منذ أن س ّ طرت خ ّ طة البحث وإلى غاية إائه والخروج من ثناياه والإذن بطباعتـ ه،
فجزاه الله خيرًا على ما ق دم، وعلى ما أصلح وقيم، وبارك فيه وفي أعماله، ونفع به الطلبـة
حيثما كان.
والله أسأل أن يوّفقنا لما يح ب ويرضى، وأن يهدينا لعمل الخير، وخير العمل، وصّلى
الله وسّلم وبارك على نبينا مح مد وعلى آله وصحبه وسّلم.
- وبالله التوفيق -
17. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 15
المبحث الأول
ماهية القراءات القرآنية
المطلب الأول
تعريف القراءات والقرآن والفرق بينهما
الفرع الأول: تعريف القراءات القرآنية
يمكن تعريف هذا الف ن باعتبار مفرديه وباعتباره مركبًَا واحدًا
أو ً لا: تعريف القراءات لغة: جمع قراءة، وهي مصدر قرأ يقرأ قراءًة بمعـنى جمـع
وقرأت الشيء قرآنًا: جمعته وضممت بعضه إلى بعض ومنه » : وض م، جاء في لسان العرب
قولهم: ما قرأت هذه الناقة سًلى ق ّ ط وما قرأت جنينًا ق ّ ط، أي لم يضطم ر حمها على ولـد،
.(1) « ومعنى قرأ ت القرآن: لفظ ت به مجموعًا
والأصل في هذه اللفظة الجمع، وك ّ ل شيء جمعتـه أي » :( وقال ابن الأثير (ت 606 هـ
.(2) « قرأته
قرأ واقترأ بمعنى: بمترلة علا » : ونقل ابن منظور (ت 711 هـ) عن سيبويه معنى آخر فقال
.(3) « قرنه واستعلاه
129 . وأما قول الراغب: لا يقال لك ّ ل جمع - 1) ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، ج 1، ص 128 )
قرآن ولا لجمع ك ّ ل كلام قرآن فقد تعّقبه الزركشي بقوله: ولع ّ ل مراده بذلك في العـرف لا أصـل ال لغـ ة.
1400 هـ ـ/ ) ، الزركشي، بدر الدين، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: إبراهيم أبو الفضل، دار الفكـر، ط 3
. 1980 م)، ج 1، ص 177
2) ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن مح مد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: محمود مح مد الطناحي، )
. بيروت، لبنان، ( 1399 هـ/ 1989 م)، ج 4، ص 30
.129- 3) لسان العرب، ج 1، ص 128 )
18. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 16
ثانيًا: تعريف القرآن لغة: اختلف في أصل اشتقاق كلمة القرآن أهي مهموزة أم
أنه قرأ القرآن على إسماعيل بـن قسـطنط ين لا، فروي عن الشافعي (ت 204 هـ)
وكان يقول: القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ، ولكنه اس م لكتـاب ا لله
إذا قـرأت » : كمـا تقـو ل « القرآن » مثل التوراة والإنجيل ويهمز قرأت ولا يهمز
.( براء مفتوحة وألف بعدها -، وبه قرأ ابن كثير ... ( 1 - « القران
وعلى هذا القول فالقرآن عَلم مرتجل للقرآن الكريم، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى
والقرآن اسم لكتاب الله خا صة، ولا يس مى به شيءٌ من سائر الكتب » :( (ت 209 هـ)( 2
.(3) « غ يره وإنما س مي قرآنًا لأنه يجمع السور فيض مها
وقيل: القرآن وصف مشتق من التلاوة والقراءة، وهذا القول اختيار ابـن جريـر
الطبـري (ت 310 هـ ـ) حيث قال: والواجب أ ْ ن يكون تأويله – على قول ابن عباس -
من التلاوة والقراءة ، وأ ْ ن يكون مصدرًا من قول القائل: قرأت ، كقولك: الخسران
من خسرت ، و الغفران من غفر الله لك ، و الكفـران م ـن كفرتـك ،
.( و الفرقان من فرق الله يين الح ق والباطل ( 4
القرآن في الأصل مصدر علـى وزن فعـلان بالضـ م كـ ـ » : قال د. محمد دراز
الغفران و الشكران و التكلان ، تقول: قرأته قرءًا وقراءًة وقرآنًا بمعنى واحد، أي:
.(5) « تلوته تلاوة
1) المصدر السابق، ج 1، ص 177 . ابن الجزري، شمس الدين مح مد أبو الخير، النشر في القراءات العشر، تقديم: علي )
. 1423 هـ/ 2002 م)، ج 1، ص 321 ) ، مح مد الضباع، دار الكتب العلمية، ط 2
2) أبو عبيدة معمر بن المثنى، التيمي بالولاء البصري، الع ّ لامة النحو ي صاحب الفنون، عالم بالغريب وأيام العرب، )
ولد في رجب سنة 110 هـ، روي عنه العلم، وأخذ عنه الأئ مة، كأبي عبيد القاسم بـن سـ ّ لام وأبي حـاتم
السجستاني، أّلف وأكثر الكتابة حتى قيل إنها تقارب مائتي تصنيف، منها مجاز القرآن ومعاني القرآن وغيرهـ ا
توّفي رحمه الله سنة 209 هـ . ابن خّلكان، وفيات الأعيان وإنباء أبناء الزمان، دار صـادر، ( 1397 هـ ـ/
.243- 1977 م)، ج 5، ص 235
. 3) أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي، مجاز القرآن، تعليق: مح مد فؤاد سزكين، دار الخانجي، القاهرة، ج 1، ص 1 )
. 4) ابن جرير الطبري، تفسير الطبري، مح مد أبو جعفر، دار الفكر، بيروت، ( 1398 هـ/ 1978 م)، ج 1، ص 32 )
. 1405 هـ/ 1984 م)، ص 12 ) ، 5) عبد الله دراز، النبأ العظيم، دار القلم، الكويت، ط 6 )
19. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 17
وقيل في اشتقاق لفظة القرآن غ ير ذلك، ولع ّ ل الراجح من ذلك جميعه أ ّ ن القرآن »
:( مصدر مشت ق من قرأ يقرأ قراءًة وقرآنًا، وير جح هذا ما يلي ( 1
- أ ّ ن من قال: إنه غير مهموز قد أبعد في مورد الاشتقاق.
- أ ّ ن القراء السبعة غير ابن كثير على همزه.
- أ ّ ن قراءة التخفيف قد و جهت بأ ّ ن ترك الهمزة فيها من باب التخفيف ونقل حركتها
إلى ما قبلها، ولم يو جه إثباتها لأنه الأصل.
- و مما يضعف القول بأ ّ ن أصل اشتقاق القرآن من القرء بمعنى الجمع والضـ م
والتأليف ما ذكره ابن جرير الطبري بعد حكايته لقول من قال: القرآن مصدر مشتق مـن
ولكلا القـولين اللـذين » : القراءة، وقول من قال: القرآن مصدر مشتق من قرء قال
حكيناهما وجه صحيح في كلام العرب، غير أ ّ ن أ ولى قوليهما بتأويل قوله تعالى: ﴿
18 ] قول ابن عباس – يعني تفسـير ه - ﴾ [القيامة: 17
للآية بأ ّ ن معناها: أ ْ ن نقرئك فلا تنسى، وإذا تلي عليك فاتبع ما فيه - لأ ّ ن الله ج ّ ل شأنه أمر
نبيه في غير آية من تتريله باتباع ما أوحي إليه، ولم ير خص له في ترك اتباع شيء من أمـره
﴾ نظير سـائر مـا في آي إلى وقت تأليفه القرآن له، فكذلك قوله: ﴿
.(2) « القرآن التي أمر الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تتريله
- أضف إلى هذا أ ّ ن طائفًة من كبار العلماء قد ص ححوا هذا القول، منـهم ابـن
جرير الطبري والّلحياني( 3) واختاره الألوسي والزرقاني ودراز وغيرهم، – رحم الله الجميع .
1) ينظر هذه الترجيحات: مح مد بن عمر بن سالم بازمول، القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، دار الهجـرة، )
. 25- 1417 هـ/ 1996 م)، ج 1، ص 24 ) ، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط 1
. 2) تفسير الطبري، ج 1، ص 33 )
3) هو علي بن المبارك اللحياني، وقيل علي بن حازم، ويكنى أبل الحسن، من بني لحيان، وقيل سمي اللحياني لعظـم )
لحيته. أخذ عن أبي زيد وعن أبي عمرو الشيباني، وأبي عبيدة الأصمعي، وعمدته علي الكسائي، وأخذ عنه أبو عبيد
1411) ، القاسم بن س ّ لام، وله كتاب النوادر. ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم الأدباء، دار الكتب العلمية، ط 1
.211- هـ/ 1991 م)، ج 4، ص 210
20. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 18
كلام الله، المعجـز، » : ثالثًا: تعريف القرآن اصطلا حا: عرفه الزرقاني – رحمه الله - بأنه
.(1) « ، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، اُلمتعبد بتلاوته الم ّ ترل على الن بي مح مد
ولعلي أقتصر في تعريف القرآن الكريم على ما ذكره الزرقاني، - وإ ْ ن كان قد عرف
بتعاري ف كثيرة- طلبًا للاختصار من جهة، ومن جهة أخرى لأنه جامع مانع وذلك لما يلي:
خرج به كلام كلِّ من سوى الله ج ّ ل وعلا، والكـلام لا ،« كلام الله » : - قوله
يس مى كلامًا إ ّ لا إذا كان لفظًا، أي: صوتًا مشتم ً لا على بعض الحروف الهجائية، قال ابـ ن
يد ّ ل على نطق مفهم...، تقول:كلمته أكّلمه تكليمًا وهو كليمي إذا كّلمك أو ...» : فارس
.(2)« كّلمته
دلّت هذه العبارة على إعجاز كتاب الله، وأ ّ ن ما ليس بمعجز ،« المعجز » : - قوله
لا يدخل في مس مى القرآن.
خرج به ما نزل على غيره مـن الأنبيـاء ،« الم ّ ترل على النبي مح مد » : - قوله
عليهم السلام.
د ّ ل على أ ّ ن ما لم يكتب في المصـاحف مـن ،« المكتوب في المصاحف » : - قوله
القرآن الذي نسخ فلا يدخل في مس مى القرآن.
خرج ذه العبارة عموم القراءات المردودة. ،« المتواتر » : - قوله
ما لم يتعبد بتلاوته أو قراءته من الأذكـار « المتعبد بتلاوته » : - كما يخرج بقوله
النبوية والأحاديث القدسية.
رابعًا: تعريف القراءات القرآنية: لقد عرفت القراءات القرآنية بتعاريف شـتى لا
يكاد يخلو تعريف من نقد أو تعقيب، ولع ّ ل أجمع هذه التعاريف مـا ذكـره القسـط ّ لا ني
1) الزرقاني، مح مد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، اعتنى به: مح مد شمس الدين، دار الكتب العلميـة، )
. 1416 هـ/ 1996 م)،ج 1، ص 21 )
، 2) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، أحمد بن زكريا، دار الجيل، بيروت، تحقيق وضبط: عبد السلام هارون، ط 1 )
. 1411 هـ/ 1991 م)، ج 5، ص 131 )
21. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 19
عل م يعر ف منه اتفا ق الناقلين لكتاب الله عز » : (ت 923 هـ) ( 1) – رحمه الله - حيث قال
وج ّ ل واختلاُفهم في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والتحريك والإسـكان والفصـل
.« والاتصال وغير ذلك م ن هيئة النطق والإبدال من حي ُ ث السماع
عل م يعر ف منه اتفاق هم واختلاُفهم في اللغة والإعراب والحذف والإثبات » : أو يقا ُ ل
.« والفصل والوصل من حي ُ ث النقل
.(2) « عل م بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معز وًا لناقلته » : أو يقا ُ ل
القراءات عل م بكيفية أداء كلمات » : ومن َقبله عرفها ابن الجزري – رحمه الله – بقوله
.(3) « القرآن واختلافها بعز ِ و النقلة
والملاحظ على هذين التعريفين أنهما شملا علم القراءات وليست القراءات ذاا.
وعرفها الزرقاني بأنها: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفًا به غـير ه في
النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه سواء أكانت هذه المخالفة في نطـ ق
.( الحروف أم في نطق هيئاا ( 4
والناظر في هذا التعريف يجد أ ّ ن الزرقاني ذكر مواطن الاتفاق بين القراء ولم يعـرج
على مواطن الخلاف.
1) هو أحمد بن مح مد بن أبي بكر بن عبد الملك القسط ّ لاني الأصل، المري، الشافعي، ولد رحمـه الله بمصـر سـنة )
851 هـ، ونشأ ا وأخذ عن علمائها، وبرع في مختلف العلوم، كالحديث والتاريخ والفقه والقراءات، ورحل
إلى البلدان، توّفي رحمه الله بالقاهرة سنة 923 هـ، ترك العديد من التصانيف، منها: إرشاد الساري، لطائف
الإشارات، شرح على الشاطبية، وغيرها. السخاوي، مح مد بن عبد الرحمن، الضوء اللامـع لأهـل القـرن
91 . عمر - 1424 هـ ـ/ 2003 م)، ج 1، ص 90 ) ، التاسع، اعتنى به: عبد اللطيف حسن، دار الكتب العلمية، ط 1
. 1414 هـ/ 1993 م)، ج 1، ص 254 ) ، رضا ك حالة، معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة، ط 1
2) لطائف الإشارات، تحقيق وتعليق: عامر السيد عثمان، وعبد الصبور شاهين، القـاهرة، ( 1392 هـ ـ/ 1972 م)، )
. ص 170
3) ابن الجزري، شمس الدين مح مد أبو الخير، منجد المقرئين، وضع حواشيه:زكريا عميرات، دار الكتب العلميـة، )
. 1420 هـ/ 1999 م)، ص 9 ) ، ط 1
. 4) مناهل العرفان، ج 1، ص 410 )
22. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 20
مذاهب الناقلين لكتاب الله عز وجلّ في كيفيـة » : ويمكن تعريف القراءات بأنها
.(1) « أداء الكلمات القرآنية
هذا وبعد تعريف القراءة والقرآن أتطرق إلى بيان الفرق بينهما فأقول – بتوفيق الله
عز وج ّ ل -:
الفرع الثاني: الفرق بين القراءات والقرآن
لقد اختلف العلماء في النسبة بين القراءات والقرآن، والحاصل في المسـألة قـولان
مشهوران:
القول الأول: القراءة والقرآن حقيقتان متغايرتان، وذهب إلى هذا القول كلٌّ م ـن
م ّ كي بن أبي طالب القيسي( 2) والزركشي– رحمهما الله -.
فذهب م ّ كي إلى التفرقة بين القراءة والقرآن على أساس شروط القراءة المقبولة، فمتى
ومن موافقة الرسـم كانت القراءة مستوفيًة لشروط القبول – من تواتر السند إلى النبي
العثماني وموافقة اللغة العربية – فلا ش ك في قرآنيتها، وأما ما اخت ّ ل فيها شرط مـن هـذه
جمال » الشروط فلا يكون قرآنًا ( 3)، ونق َ ل هذا عن أبي عمرو الداني، وذكره السخاوي( 4) في
، 1) عبد الحليم قابة، القراءات القرآنية، إشراف مصطفى سعيد الخـن، دار الغـرب الإسـلامي، بـيروت، ط 1 )
. 1999 م)، ص 26 )
2) هو م ّ كي بن أبي طالب بن حيوس بن مح مد بن مختار القيسي القيرواني ّ ثم الأندلسي القرطبي، إمام ع ّ لامة محّقـق )
عارف، أستاذ القراء وا ودين ولد سنة 355 هـ بالقيروان، سمع من أبي فراس وأبي القاسم عبد الله السقطي،
وقرأ القراءات بمصر على ابن غلبون وابنه، قرأ عليه يحي بن إبراهيم بن البيزار وموسى بن سـليمان الّلخمـي
وغيرهما، ح ج مرتين، وجلس للإقراء بمسجد قرطبة، وكان خيرا متدينا مشهورًا بالصلاح، توّفي سنة 437 هـ،
ترك الكثير من التصانيف الماتعة، منها: التبصرة في القراءات، والكشف، وإعراب مشـكل القـرآن والإبانـة
وغيرها. ابن الجزري، شمس الدين مح مد أبو الخير، غاية النهاية في طبقات القراء، عني بنشره: ج- برجستراسر،
.310- مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ج 2، ص 309
3) م ّ كي بن أبي طالب القيسي، الإبانة عن معاني القراءات، تحقيق: د محي الدين رمضان، دار الغوثاني للدراسـا ت )
. 1427 هـ/ 2006 م)، ص 30 ) ، القرآنية، دمشق، ط 1
4) علم الدين علي بن مح مد بن عبد الصمد بن عبد الأحد، الهمذاني، المصري، السخاوي الشافعي، أبو الحسن، ولد )
سنة 558 هـ، حفظ القرآن وتفّقه بمذهب المالكية، رحل إلى القاهرة وأخذ العلم عن علمائها في القـراءات
والحديث، منهم الو ّ لي القاسم بن ف يره الشاطبي – صاحب حرز الأماني -، وأبو طاهر ال سلفي وغيرهم كثير=
23. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 21
1): وصرح بموافقته أبو شـامة في المرشـد ) « وهو المختار عند أكثرهم » : وقال « القراء
.( الوجيز ( 2)، وابن الجزري في النشر ( 3
أما الزركشي فقال: اعلم أ ّ ن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هـو
للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور الوحي الم ّ ترل على مح مد
في كتبة الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما ( 4). فلم يفرق – رحمه الله – بين
القراءة الآحادية التي لم تشتهر والقراءة الشاّذة، ولا ش ك أنه يريد القراءة التي توّفرت فيهـا
شروط القبول ما دام القرآن وحيًا وما دامت القراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي أو كيفية
النطق ا من تخفيف وتثقيل...، ونقل الدمياطي كلام الزركشـي ولم يتعّقبـ ه ( 5) وكـذا
.( السيوطي أيضًا ولم يتعّقبه ( 6
القول الثاني: القراءة والقرآن حقيقة واحدة، نقل هذا القول ابن الجزري في المنجد
وأما ما قاله الإمام أبو » : ونسبه إلى ابن دقيق العيد نق ً لا عن أبي حيان الأندلسي حيث قال
حيان واستشكله حيث قال؛ وعلى ما ذكره هؤلاء المتأ خرون من تحريم القراءة الشاّذة يكون
عاَل م من الصحابة والناس من بعدهم إلى زماننا قد ارتكبوا محرمًا فيسقط بذلك الاحتجـاج
رحل إلى دمشق ود رس ا، وكثر الآخذون عنه، توفي رحمه الله سنة 643 هـ، من مؤلفاته: جمال القراء وكمال
. الإقراء، وشرح على الشاطبية، وهداية المرتاب وغيرها. وفيات الأعيان، ج 3، ص 340
1) السخاوي، علم الدين، علي بن مح مد، جمال القراء وكمال الإقراء، تحقيق: علي حسين البواب، مكتبة التراث، )
. 1408 هـ)، ج 2، ص 240 ) ، م ّ كة، ط 1
2) أبو شامة، شهاب الدين، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، تعليق: إبراهيم شمس ال دين، دار الكتب )
. العلمية، ط 1،ج 1424 هـ/ 2003 م)، ص 133
. 3) النشر، ج 1، ص 18 )
4) الزركشي، بدر الدين، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: يوسف المرعشلي، جمال الحمـدي الـذهبي، إبـراهيم )
. الكردي، دار المعرفة، ط 2، ج 1415 هـ/ 1994 م)، ج 1، ص 465
5) الدمياطي، أحمد بن مح مد البنا، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، اعتنى به: أنس مهرة، دار الكتب )
. العلمية، ( 1419 هـ/ 1998 م)، ص 7
6) السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، مراجعة وتدقيق: سعيد المندوه، مؤسسـة الكتـب الثقافيـة، )
. 1416 هـ/ 1996 م)، ج 1، ص 214 ) ، بيروت، ط 1
24. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 22
بخبر من يرتكب المحرم دائمًا وهم نقلة الشريعة، فيسقط ما نقلوه، فيفسد على قول هـؤلاء
نظام الإسلام والعياذ بالله تعالى من ذلك.
قال: ويلزم أيضا أ ّ ن الذين قرؤوا بالشواّذ لم يصّلوا ق ّ ط لأ ّ ن الواجب لا يتأدى بفعل المحرم.
قال: وقد كان قاضي القضاة مح مد بن علي – يعني ابن دقيق العيد – يستشكل هذه المسألة
، ويستصعب الكلام فيها وكان يقول؛ هذه الشواذ نقلت نق َ ل آحاد عـن رسـول الله
قرأ بشاّذ منها وإ ْ ن لم يعين، كما أ ّ ن حاتمًا نقلت عنه أخبار فيعل م ضرورًة أ ّ ن رسول الله
في الجود كلُّها آحاد ولك ن حصل من مجموعها الحك م بسخائه وإ ْ ن لم يتعين ما تس خى بـه،
بالشاّذ وإ ْ ن لم يتعين بالشخص فكيـف وإذا كان كذلك فقد تواترت قراءُة رسول الله
.(1) « ؟ يس مى شاّذًا والشاّذ لا يكون متواترًا
إذن، فالذي يظهر من كلام أبي حيان وابن دقيق العيد عدم التفريق بـين القـرآن
والقراءة، سواء ما هو متواتر منها أم شاّذ.
غير أ ّ ن عبارة ابن دقيق العيد – رحمه الله – قد يكون ذكرها على سبيل البحث لا »
على سبيل التقرير، ويعّقب عليه بما يلي:
- نحن نقطع أ ّ ن كثيرًا من الصحابة رضوان الله عنهم كانوا يقرؤون بما يخالف ر سمـه
الذي جمع الناس عليه، وأ ّ ن جمع عثمان للمصحف كان على وجه رس م مصحف عثمان
يشمل ك ّ ل القراءات الشفوية التي كان يقرأ ا الصحابة كلٌّ بما ثبت عنـده علـى وجـه
الخصوص، ومن غير أ ْ ن يلزم جماعة المسلمين بما ثبت لديه.
، إ ّ لا أننا لا نستطيع القطع في أفراد - من القراءات الشاّذة ما نقطع ثبوته عن النبي
لم يجتمعوا قرأها، لأ ّ ن الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان هذه القراءات أ ّ ن النبي
عليها، فنحن نتوّقف فيها ولا نقطع بقرآنية هذه الأفراد على العموم؛ إذ لا توافق الرسـ م،
.(2) « كما أننا لا نلغيها تمامًا، بل نستفيد منها في التفسير واللغة
الذي وصل إلينا اليوم متواترًا وصحيحًا مقطوعًا » :- - قال ابن الجزري – رحمه الله
به، قراءا ت الأئ مة العشرة ورواتهم المشهورين، هذا الذي تحرر من أقوال العلماء وعليه الناس
. 22 . النشر، ج 1، ص 20 - 1) منجد المقرئين، ص 21 )
117 ، بتصرف يسير. - 2) ينظر هذه التعقيبات: القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، ج 1، ص 116 )
25. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 23
اليوم بالشام والعراق ومصر والحجاز... فثبت من ذلك أ ّ ن القراءة الشـاّذة ولـو كانـت
صحيحًة في نفس الأمر فإنها مما كان ُأذن في قراءته ولم يتحّقق إنزاله وأ ّ ن الناس كانوا مخيرين
فيها في الصدر الأ ول ّ ثم اجتمعت الأمة على تركها للمصلحة وليس في ذلـك خطـر ولا
.(1) « إشكال، لأ ّ ن الأمة معصومة من أ ْ ن تجتمع على خطأ
ويرى الدكتور محمد سالم محيسن : أما حقيقتان بمعنى واحد، لأ ّ ن القرآن مصـدر
مرادف للقراءة، والقراءات: جمع قراءة، إذًا فهما حقيقتان بمعنى واحد، كما أ ّ ن أحاديـث
نزول القرآن على الأحرف السبعة تد ّ ل دلالة واضحة على أنه لا فرق بينهما، إذ كلٌّ منهما
.(2)« وحي مترل
ورد عليه الدكتور شعبان مح مد إسماعيل بأ ّ ن ذلك لم يقل به أحـد مـن العلمـا ء
إ ّ ن القرآن والقراءات حقيقتان متحدتان: » : السابقين، فلا يمكن أن يقال
- لأ ّ ن القراءات على اختلاف أنواعها لا تشمل كلمات القرآن كّله، بل هي موجودة في
بعض ألفاظه فقط، فكيف يقال إنهما حقيقتان متحدتان.
- يضاف إلى هذا أ ّ ن ما ُذكر في تعريف القراءات القرآنية يشتمل على أركـان القـراءة
الصحيحة.
فالقراءة التي تفقد أه م الأركان وهو التواتر لا يص ح أن نطلق عليها اسم القرآن ولا
فكيف يسوغ القول « إنه المنقول إلينا بالتواتر » : تص ح قراءته ا مع أ ّ ن من تعريف القرآن
بأ ّ ن القرآن والقراءات شيء واحد، مع عدم انطباق ذلك على القراءات غـ ير الص ـحيحة،
فالواقع أنهما ليسا متغايرين تغايرًا تامًا، كما أنهما ليسا متحدين اتحادًا حقيقيًا، بل بينـهما
.(3) « ارتباط وثيق، ارتباط الجزء بالك ّ ل والله أعلم
ومن هذا يتبين أنّ القرآن والقراءة شيئان متداخلان، فكلّ ما كان من القـ رآن
فهو ولا بد من القراءات، وليس كلّ ما هو من القراءات بقرآن، أي أنّ ذلك متوقّـف
. 1) المنجد، ص 24 )
. 2) نق ً لا عن: عبد القيوم السندي، صفحات في علوم القراءات، ص 22 )
، 1420 هـ ـ/ 1999 م)، ص 22 ) ، 3) شعبان مح مد إسماعيل، القراءات أحكامها ومصدرها، دار السلام، القاهرة، ط 2 )
بتصرف يسير.
26. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 24
على قبول القراءة وردها، فإذا كانت القراءة متوفّرًة على شروط القبول فهي داخلة في
مسمى القرآن، وإن لم تكن كذلك لم تدخل في مسماه.
27. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 25
المطلب الثاني
مصدر القراءات القرآنية
الأصل في القراءات التوّقف والسماع، قال الزركشي – رحمه الله – في البرهان:
إ ّ ن القراءات توقيفية وليست اختيارية، خلافًا لجماعة، منهم الزمخشري، حيث ظنوا أنهـا »
اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء، و رد على حمـزَة قـراءُة [ والأرحـاِم
بالخفض ]، ومث ُ ل ما حك ي عن أبي زيد ( 1) والأصمعي( 2) ويعقوب الحضرمي أنهم خ ّ طـؤوا
.(3) « ... ¡¡¡¡﴾ [إبراهيم: 22 ]، بكسر الياء المش ددة حمزَة في قراءته: ﴿
والأدّلة على أ ّ ن القراءة توقيفية كثيرة من الكتاب ومن السنة:
KKKKJJJJIIIIHHHHGGGGFFFFEEEEDDDDCCCCBBBBAAAA ﴿ : فمن الكتاب:- قوله تعالى
aaaa```` ^^^^]]]][[[[ZZZZYYYYXXXXWWWWVVVVUUUUTTTTSSSSRRRRQQQQPPPPOOOONNNNMMMMLLLL
.[ يونس: 15 ] ﴾kkkkjjjjiiiihhhhggggffffeeeeddddccccbbbb
- النجم: 3 ] ﴾ XXXXWWWWVVVVUUUUTTTTSSSSRRRRQQQQPPPPOOOONNNNMMMMLLLLKKKK ﴿ : - قوله تعالى
.[5
1) هو سعيد بن أوس الأنصاري اللغوي الكبير، روى عن سليمان التيمي حميد الطويل والكبار، وصنف التصانيف، )
قال بعض العلماء: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة، وكان صدوقًا صالحًا، توفي
سنة 215 هـ. الذهبي، مح مد بن أحمد، العبر في خبر من غبر، تحقيق: السعيد بسيوني زغلـول، دار الكتـب
. العلمية، ج 1، ص 289
2) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، المعروف بالأصمعي الباهلي، إمام النحو، اللغوي الكبير، )
ولد سنة 122 هـ، سمع الحديث من الأئ مة ورواه عنهم، منهم شعبة..، وأخذ عنه ابن أخيه عبد الرحمن بـن
عبد الله، وأبو عبيد القاسم وغيرهم، توّفي رحمه الله في صفر 216 هـ، وخّلف العديد من التصانيف القيمـة،
، منها كتاب نوادر الإعراب، المذ ّ كر والمؤنث، الأصمعيات. وفيات الأعيان، ج 3، ص 170 . معجم المؤلّفين، ج 2
. ص 320
.470- 3) البرهان في علوم القرآن، ج 1، ص 469 )
28. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 26
الحاقة: ] ﴾~~~~}}}}||||{{{{zzzzyyyyxxxxwwwwvvvv ﴿ : - قوله تعالى
.[46-44
فهذه الآيات تد ّ ل دلالًة قاطعة على أ ّ ن القرآن – حروفًا وصفات ومعا َ ني – هو من
الإتيا ُ ن بشيءٍ ِمن القرآن من تلقاء نفسه، فلا يجوز عند الله عز وج ّ ل، وليس بوسع النبي
أو أجاز قراءته. القراءُة إ ّ لا بما ثبت قراءته عن النبي
ومن السنة:
فقد وردت الأحاديث العديدة في أ ّ ن القراءات توقيفية وأ ّ ن مصدرها هو الوحي، من
ذلك مث ً لا:
قـا ل: - ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أ ّ ن رسول الله
أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتـى انتـهى إلى سـبعة »
.(1) « أحرف
سمعت هشام بن حكيم بن حـزام يقـرأ » : قال - ما رواه البخاري عن عمر
فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم سورة الفرقان في حياة رسول الله
فكدت أساوره ( 2) في الصلاة فتب صرت حتى سّلم فلببته ( 3) بردائـه يقرئنيها رسول الله
، فقلـ ت: فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ فقال: أقرأنيها رسـول الله
قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله كذبت، فإ ّ ن رسول الله
، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسـول الله
: كـذلك : أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله
1) صحيح البخاري، دار الفكر، ( 1401 هـ/ 1981 م)، كتاب فضائل القرآن، باب ُأنزل القرآن على سبعة أحرف، )
. ج 6، ص 100
. 2) معنى أساوره: أواثبه وأقاتله. النهاية في غريب الحديث، ج 2، ص 420 )
3) معنى لببته: من لبب ت الرجل، إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به، والتلبيب: مجمع ما في موضع الّلبب من )
. ثياب الرجل. النهاية في غريب الحديث، ج 4، ص 223
29. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 27
: كذلك أنزلت، ُأنزلت، ّ ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءَة التي أقرأني، فقال رسول الله
.(1) « إ ّ ن هذا القرآن ُأنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تي سر منه
كان عند أضاة ( 2)بني غفـار ، أ ّ ن الن بي - ما رواه مسلم عن ُأ بي بن كعب
أسأل » : فقال له: إ ّ ن الله يأمرك أ ْ ن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال فأتاه جبريل
الله معافاته ومغفرته، وإ ّ ن أمتي لا تطيق ذلك، ّ ثم أتاه الثانية فقال له: إ ّ ن الله يأمرك أ ْ ن تقرئ
أمتك القرآن على حرفين، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإ ّ ن أمتي لا تطيـق ذلـك، ّ ثم
جاءه الثالثة فقال: إ ّ ن الله يأمرك أ ْ ن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال أسـأ ل الله
معافاته ومغفرته، وإ ّ ن أمتي لا تطيق ذلك، ّ ثم جاءه الرابعة فقال: إ ّ ن الله يـأمرك أن تقـ رئ
.(3) « أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا
يـا » : قال: لقي رسول الله جبريل فقال - ما رواه الترمذي عن ُأ بي بن كعب
جبريل، إني بعث ت إلى أمة أمية فيهم المرأة العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجـل
.(4) « الذي لم يقرأ ق ّ ط، قال: يا مح مد إ ّ ن القرآن ُأنزل على سبعة أحرف
فهذه الأحاديث وما شاها تد ّ ل دلالة صريحة على أ ّ ن القراءات م ّ ترلة من عند الله »
فيها دخل سوى التبليغ. ، وليس للرسول تعالى، موحى ا إلى رسول الله
كما تد ّ ل على أ ّ ن الصحابة رضي الله عنهم تلّقوا هذه القراءات من رسول الله
.(5) «.. وتلّقاها عنهم التابعون، ومن بعدهم حتى وصلت إلينا متواترًة بالأسانيد الصحيحة
. 1) كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، ج 6، ص 100 )
، 2) معنى الأضاة: هي المستنقع من سيل وغيره. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار العلم للجميـع، بـيروت، ج 4 )
. ص 300
3) صحيح مسلم، تحقيق وتعليق: مح مد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، )
.[ باب بيان أ ّ ن القرآن أنزل على سبعة أحرف، [رقم الحديث: 821
4) الترمذي أبو عسى مح مد بن عيسى، الجامع الصحيح، تحقيق وتعليق: د ب شـار عـ واد معـروف، دار الغـرب )
1998 م)، أبواب القراءات، باب ما جاء: ُأنزل القرآن على سبعة أحـرف، [رقـم ) ، الإسلامي، بيروت، ط 2
.[ الحديث: 2943
. 5) القراءات أحكامها ومصدرها، ص 127 )
30. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 28
وذهب بعض المتكّلمين إلى جواز إعمال الرأي في قراءة القرآن، قال القاضي أبو بكر
وقال قوم من المتكّلمين: إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد » : الباق ّ لاني ( 1) في الانتصار
في إثبات قراءة وأو جه وأحر ف إذا كانت تلك الأوجه صوابًا في اللغة العربية وإ ْ ن لم يثبـت
قرأ ا... وقد ذهب إلى هذا كثيرون ممن اشتهر بالقراءة والإقراء منـهم ابـن أ ّ ن النبي
محيصن( 2)، ومنهم ابن م ْ ق سم ( 3)... وقد نقل عنه أنه قال: يجوز للعـالم بالعر بي ـة والمعـاني
.(4) « ... القرآنية أ ْ ن يقرأ برأيه على ما تقتضيه العربية والمعاني التفسيرية
ولا يخفى ضع ف ذلك عند أهل الصنعة، وأنه لا مجال للاجتهاد في القراءة بالرأي.
لم أر أحدًا ممن أدركت » : يقول ابن مجاهد – رحمه الله – ( 5) في كتابه جامع القراءات
من القراء وأهل العلم بالّلغة وأئ مة العربية ير خصون لأح د في أ ْ ن يقرأ بحرف لم يقرأ به أح د
من الأئ مة الماضين، وإ ْ ن كان جائزاً في العربية، بل رأيتهم يش ددون في ذلك وينهون عنـه،
وي ر وون الكراهة له ع من تق دم من مشايخهم، لئ ّ لا يج سر على القول في القرآن بالرأي أهـ ل
1) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر القاضي الباق ّ لاني، نسبة إلى الباق َ لاء ربيعة، ولد بالبصـرة سـنة )
383 هـ ونشأ ا، وأخذ عن علمائها، حتى صار إمام المالكية في زمنه، ّ ثم رحل إلى بغداد واستقر ـا وـل مـن
علمائها، وأقام ا إلى أن توفي سنة 403 هـ، له العديد من التصانيف الدالة على عل و كعبه في العلوم، منها: إعجاز
270 . الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين، - القرآن والانتصار وغيرها. وفيات الأعيان. ج 4، ص 269
. 2005 م)، ج 7، ص 46 ) ، بيروت، ط 16
2) ترجمته: ص 60 من هذا البحث. )
3) هو مح مد بن الحسن بن يعقوب بن م ْ ق سم، المقرئ النحوي، كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين وأعرفهم )
بالقراءات، له كتاب جليل في التفسير ومعاني القرآن سماه الأنوار، وله تصانيف ع دة، ويذكر عنه أنه كان يقول: ك ّ ل
قراءة وافقت المصحف ووجهًا في العربية، فالقراءة ا جائزة، وإ ْ ن لم يكن لها سند، فعقد له مجلس و وقف للضـرب،
. فتاب ورجع، توّفي سنة 354 هـ. غاية النهاية، ج 2، ص 123 ـ 125
1422 هـ ـ/ ) ، 4) الباقلاني، أبو بكر، الانتصار للقرآن، تحقيق: مح مد عصام القضاة، دار ابن حزم، بـيروت، ط 1 )
. 2001 م)، ج 1، ص 69
5) هو أحمد بن موسى، أبو بكر ابن مجاهد، شيخ الصنعة، وأ ول من سبع السبعة، قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس )
وقنبل، وروى الحروف عن إسحاق الخزاعي، وثعلب، ومح مد بن يحي، وعنه أحمد بن بدهن، وأحمد الخلال والفارسي،
والحسن المطوعي، وعبد الله الأنطاكي وغيرهم. توّفي سنة 324 هـ. من أه م مؤّلفاته كتاب السبعة. غاية النهايـة،
.142- ج 1، ص 139
31. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 29
الزيغ، وينسبون من فعله إلى البدعة والخروج عن الجماعة ومفارقة أهـل القبلـ ة ومخالفـ ة
.( الأمة ( 1
وذهب طه حسين – من المعاصرين – إلى أ ّ ن مصدر القراءات هو لهجات العـ رب
وهنا وقفة لا ب د منها، ذلك أ ّ ن قومـ ًا » : ولغاتهم، حيث يقول في معرض تقريره لهذا الرأي
نزل ا جبريـل علـى من رجال الدين فهموا أ ّ ن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي
قلبه، فمنكرها كافر من غير ش ك ولا ريبة، ولم يوّفقوا لدليل يستدّلون به على ما يقولون،
2)، والح ق )« ُأنزل هذا القرآن على سبعة أحرف » : سوى ما روي في الصحيح من قوله
أ ْ ن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرهـا كـافر ًا ولا
فاسًقا، ولا مغت مزًا في دينه، وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها... فأنت تـرى
(3) «... أ ّ ن هذه القراءات التي عرضنا لها إنما هي مظهر من مظاهر اختلاف اللهجات
ولا ش ك أ ّ ن هذا القول سقيم لا يقوم على دليل يظهره، إنما هو دعوى مفندٌة بمـا
تق دم من الأدّلة.
وذهب جولد تسيهر – من المستشرقين – إلى أ ّ ن القراءات القرآنية مصدرها رسـم
المصحف العثماني الذي كان خاليًا من النقط والإعجام، حيث قال في كتابـه مـذاهب
وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصـية الخـ ّ ط » : التفسير الإسلامي
العربي، الذي يق دم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة تبعًا لاختلاف النقط الموضوعة فوق
هذا الهيكل أو تحته وعدد تلك النقط، بل كذلك في حالة تساوي المقادير الصـوت ية يـدعو
اختلاف الحركات الذي لا يوجد في الكتابة العربية الأصلية ما يح دده إلى اختلاف مواقـع
الإعراب للكلمة، وذا إلى اختلاف دلالتها، وإذًا فاختلاف الحركات في المحصول المو ح ـد
1) بواسطة: طاهر الجزائري، التبيان لبعض المباحث المتعلّقة بالقرآن، اعتنى به: عبد الفتاح أبـو غـ دة، مكتـب )
. 1425 هـ)، ص 120 ) ، المطبوعات الإسلامية، بيروت، ط 4
. 2) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، ج 6، ص 100 )
.96- 3) طه حسين، في الأدب الجاهلي، دار المعارف، ط 16 ، ص 95 )
32. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 30
القالب من الحروف الصامتة كانا هما السب ب الأ ول في نشأة حركة اختلاف القـراءات في
.(1) « ن ص لم يكن منقوطًا أص ً لا أو لم تتحر الدّقُة في نقطه أو تحريكه
ولاش ك أ ّ ن هذا القول في غاية من الضعف والسقم، بل هو باطل لم يقل به أحد من
قراء الأمة وفقهائها، ولا يعدو أ ْ ن يكون فريًة لضرب العقيـدة الإسـلامية و التشـكيك في
مصدرها...، ورد الشيخ عبد الفتاح القاضي هذه الفرية بما يلي:
- أ ّ ن القراءة سنة متبعة، لا مجال للرأي فيها، يأخذها الآ خر عن الأ ول، ع من قبله إلى
ليس بوسعه أ ْ ن يب دل شيئا من ذلك. ، وأ ّ ن النبي النبي
- انتشا ر القراءات بين المسلمين من قبل جمع القرآن في المصحف العثماني، وإنمـا
كان المصحف العثماني وعاءً لهذه القراءات وشام ً لا لها ليتسنى لك ّ ل قارىءٍ أ ْ ن يقرأ بما ص ح
عنده.
- كما أ ّ ن من الثابت أنه َل ما ُ كتبت المصاحف العثمانية وُأرسـلت إلى الأمصـار
بإرسالها إلى الأمصار وحدها، لتكون الملجأ والمرجع، الإسلامية،لم يكتف الخليفُة عثمان
بل أرسل مع ك ّ ل مصحف عالمًا من علماء القراءة يعّلم المسلمين القرآن وفق هذا المصحف
وعلى مقتضاه، فأمر زيد بن ثابت أ ْ ن يقرئ بالمدينة، وبعث عبد الله بن السائب إلى م ّ ك ـة،
والمغيرة بن شهاب إلى الشام، وعامر بن عبد قيس إلى البصرة، وأبا عبد الرحمن السلمي إلى
الكوفة.
فكان ك ّ ل واحد من هؤلاء العلماء يقرئ أهل مصره بما تعّلمه من القراءات الثابتـة
بطريق التواتر التي يحتملها رسم المصحف دون الثابتة بطريـق الآحـاد عن رسول الله
والمنسوخة، وإ ْ ن كان يحتملها المصحف، فالمقصود من إرسال القارئ مع المصحف تقيي د ما
يحتمله الرس م من القراءات بالمنقول تواترًا، فلو كانت القراءات مأخوذًة من رسم المصحف،
وساغ لك ّ ل إنسان أ ْ ن يقرأ بك ّ ل قراءة يحتملها رسم المصحف سواء كانت ثابتـة بطريـق
التواتر أم بطريق الآحاد أم كانت منسوخًة أم لم يكن لها سند أص ً لا لم يكن َث م حاجـة إلى
1426 هـ/ ) ، 1) بواسطة: عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، دار السلام، القاهرة، ط 1 )
.9- 2005 م)، ص 8
33. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 31
إرسال عالم مع المصحف، فإيفاد عالم مع المصحف دليل واضح على أ ّ ن القراءة إنما تعتمد
.( على التلّقي والنقل والرواية، لا على الخ ّ ط والرسم والكتابة ( 1
- أنه لو لم تكن القراءات عن طريق الوحي لكان بعض القرآن من كلام البشر ولم
يكن كلُّه وحيًا م ّ تر ً لا من عند الله تعالى، ولو كان الأمر كذلك لذهبت أعظم خاصية م ـن
خصائص القرآن الكريم وهي الإعجاز، ولو ذهبت عنه صفُة الإعجاز لم يكن للتح دي بـه
وجه ولم يكن لعجز العرب عن معارضته سر، حيث إ ّ ن بعضه من وضع البشر، لك ن الثابت
أ ّ ن فصحاء العرب عجزوا عن معارضته والإتيان بمثله، بل بأقصر سورة من سوره، وهـذا
على دليل على أ ّ ن جميع القراءات م ّ ترل من عند الله تعالى، نزل ا الروح الأمين جبريل
.( ( 2 رسول الله
سبب تن وع القراءات فيما احتمله خ ّ ط المصحف » :- - قال ابن تيمية – رحمه الله
.(3) « هو تجويز الشارع، وتسويغه ذلك لهم، إذ مرجع ذلك إلى السنة لا إلى الرأي والابتداع
.43- 1) عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، ص 42 )
2) المرجع نفسه، ص 73 ، بتصرف يسير. )
، 3) ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن مح مد بن قاسـم وابنـه ، ج 13 )
. ص 402
34. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 32
المطلب الثالث
أقسام القراءات القرآنية
:( يمكن تقسيم القراءات القرآنية من جهتين؛ من جهة النقل ومن جهة القبول ( 1
الفرع الأول: أقسام القراءات القرآنية من جهة النقل
تنقسم القراءات القرآنية ذا الاعتبار إلى قراءات متواترة وأخرى آحادية، وتنقسـم
القراءة الآحادية إلى قسمين؛ مشهورة وغير مشهورة:
IIII ﴿ : -1 القراءة المتواترة: التواتر لغة: التتابع، وتواتر الخبر أي تتابع، ومنه قوله تعـا لى
.( المؤمنون: 44 ]، أي يتبع بعضهم بعضًا ( 2 ] ﴾ LLLLKKKKJJJJ
هي القراءة التي رواها جماعـة عـن » : اصطلاحًا: عرفها ابن الجزري - رحمه الله - بقوله
جماعة من غير تعيين عدد على الصحيح كذا إلى منتهاها، يمتنـع عـادة تواطـؤهم علـى
.(3) « الكذب
الهمزة والحاء والدال أصل » : -2 القراءة الآحادية: الآحاد لغًة: جمع أحد، قال ابن فارس
واحد يد ّ ل على الانفراد، وحادًة و حودًة وحودًا و و حدًا و وحدًة و ح دًة بقي متفردًا كتو حد،
.(4) « وهو واحد قبيلته، إذا لم يكن فيهم أح د مثله
اصطلاحا: تنقسم القراءة الآحادية إلى قسمين؛ مشهورة وغير مشهورة:
الشين » : أ- القراءة المشهورة: الشهرة لغة: الظهور والوضوح، قال ابن فارس
والهاء والراء أصل صحيح يد ّ ل على وضوح في الأمر وإضاءة، والشهرة: وضوح في الأمـر،
.(5) « و ش هر سيَفه إذا انتضاه، وقد شهر فلان في الناس بكذا فهو مشهور
1) ينظر هذه التقسيمات: القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، ج 1، ص 146 ، وما بعدها .. )
. 2) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، بيروت، ج 2، ص 152 )
. 3) المنجد، ص 18 )
.91- 4) معجم مقاييس اللغة، ج 6، ص 90 )
. 5) المصدر نفسه، ج 3، ص 222 )
35. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 33
هي القراءة التي ص ح سن دها ولم يبلغ درجة الت ـواتر » : اصطلا حا: القراءة المشهورة
ووافقت رسم المصحف ولو احتما ً لا، ووافقت وجهًا في العربية، واشتهرت عنـد القـ راء
.(1) « بالقبول
هي القراءة التي اختل فيها شرط من شروط القراءة الآحادية » : ب- غير المشهورة
.(2) « المشهورة
الفرع الثاني: أقسام القراءات القرآنية من جهة القبول
تنقسم القراءات من جهة القبول إلى ثلاثة أقسام:
- قسم القراءات المقبولة.
- قسم القراءات المردودة.
- قسم القراءات المتوّقف فيها.
فالقسم الأول: القراءات المقبولة: وهي نوعان:
-1 القراءة المتواترة.
-2 القراءة الصحيحة المشهورة.
والقسم الثاني: القراءات المردودة: ثلاثة أنواع:
-1 القراءة التي ص ح سن دها ووافقت الرسم وخالفت العربية.
-2 القراءة التي لم يص ح سن دها.
-3 القراءة التي لا سن د لها.
ك ّ ل قراءة ص ح سـن دها ووافقـت » : والقسم الثالث: القراءة المتوقَّف فيها، وهي
.(3) « العربية وخالفت رسم المصحف
وبيان هذه الأقسام كما يلي:
أو ً لا: القسم المقبول عند علماء القراءات وهو نوعان:
الأول: القراءة المتواترة: وقد مضى الحديث عنها.
. 1) المنجد، ص 19 )
. 2) القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، ج 1، ص 147 )
. 3) المرجع نفسه، ج 1، ص 151 )
36. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 34
وهي ك ّ ل قراءة ص ح سندها ووافقت رسم المصـحف » : الثاني: القراءة المشهورة
.(1) « ولو احتمالا ووافقت العربية ولو بوجه، واشتهرت بالقبول عند علماء هذا الشأن
وهذه القراءة التي توّفرت فيها هذه الشروط، عبر عنها بالصحيحة.
ومثال القراءة المشهورة: ما انفرد به بعض الرواة، وبعض الكتب المعتبرة، أو كمراتب القراء
في الم د ونحو ذلك ( 2)، كقراءة هشام: ﴿ أفئيدة ﴾ بياء بعد الهمز، وذلك في قوله تعـا لى:
﴾ بغـير ﴾ [إبراهيم: 37 ]، وقرأ البـاقو ن: ﴿ ﴿
.( ياء ( 3
فهذا صحيح مقطوع به أنه مـترل » : قال ابن الجزري عن هذا القسم من القراءات
من الأحرف السبعة، وهذا الضرب يلحق بـالقراءة المتـواترة وإ ْ ن لم يبلـغ على النبي
.(4) « مبَلغها
وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متـوا تر وصـحيح » : وقال أيضًا
.(5) « مستفيض متلّقى بالقبول، والقطع حاصل ما
ثانيًا: القسم المردود من القراءات:
وهو ثلاثة أنواع:
الأول: القراءة التي ص ح سن دها ووافقت الرسم وخالفت العربية ولم تتل ق بـالقبول
عند علماء القراءات.
الثاني: القراءة التي لم يص ح سندها.
الثّالث: القراءة التي وافقت الرسم والعربية ولا سن د لها.
. 1) المرجع السابق، ج 1، ص 151 )
.19- 2) المنجد، ص 18 )
. 3) النشر، ج 2، ص 225 )
.( 4) المنجد، ( 19 )
. 5) المرجع نفسه، ص 21 )
37. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 35
أما القراءة التي ص ح سندها، ووافقت الرسم، وخالفت العربية، ولم تتل ق بالقبول »
عند علماء القراءات، فإنها لا تص در إ ّ لا على وجه السهو والغلط وعدِم الض ـبط، ويعرفـ ه
.(1) « الأئ مة المحّققون والحّفاظ الضابطون
أما القراءة التي لم يصح سن دها، سواء وافقت الرسم أم خالفته، وسـواء وافقـت
.( العربية أم خالفتها، فهي قراءة ضعيفة مردودة ( 2
²±±±±°°°°﴿ : كالقراءة المزعوم نسبتها إلى الإمام أبي حنيفة ومنها قوله تعالى
على ﴾´ ﴿ فاطر: 28 ]، بض م الهاء من لفظ الجلالة، وفتح الهمزة من ] ﴾´³
.( أنها مفعول به، وهي قراءة لا أصل لها ( 3
أما القراءة التي وافقت الرسم والعربية ولا سند لها، فهـذه لا تـدخل في مسـ مى
وبقي قسـم » : القراءات أصلا، والقارئ ا آثم، بل يكفر إن تع مد ذلك، قال ابن الجزري
مردود أيضًا، وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، فهذا رده أح ق، ومنعـه أشـ د،
.(4) « ومرتكبه مرتك ب لعظيم من الكبائر
وأما ما وافق المعنى والرسم أو أح دهما من غير نقل، فلا تس مى شاّذة، » : وقال أيضا
.(5) « بل مكذوبة يكفَّر متع م دها
ثالثًا: القسم المتوقّف فيه من القراءات
وهو القراءة التي ص ح سندها ووافقت العربية وخالفت الرسم، فهذه القـراءة لا »
يح َ ك م بقبولها ولا بردها، إذ يحتمل أ ْ ن تكون من الأحرف السبعة، ويحتمل أ ْ ن تكون مـن
.(6) « قبيل ما يس مى بالقراءات التفسيرية
. 1) القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، ج 1، ص 153 )
. 2) النشر، ج 1، ص 20 . وهذا النوع سماه السيوطي: موضو عا. الإتقان، ج 1، ص 208 )
وقد راج ذلك على أكثر المف سرين ونسبها إليه، وتكّلف توجيهها، وإ ّ ن أبا حنيفة لـ بريء » : 3) قال ابن الجزري )
. النشر، ج 1، ص 20 .« منها
. 4) المصدر نفسه، ج 1، ص 21 )
. 5) المنجد، ص 19 )
. 6) الإتقان، ج 1، ص 208 )
38. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 36
وهذا القول بالتوّقف ينبني على أصل، وهو أ ّ ن ما لم يثبت كونه مـن الأحـرف »
.(1) « ؟ السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها
الذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا »
.(2) « أ ْ ن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا
وص وب هذا ابن تيمية( 3) وص ححه ابن الجزري( 4)رحمهما الله تعالى، وذهب فريق
.( من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه ( 5
والص ـواب » : قال ابن تيمية معّقبًا على ما ذهب إليه هذا الفريق من أهل الكـلا م
« القطع بخطأ هؤلاء
(6) .
وم ن أمثلة هذا النوع:
قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: ﴿ واللَّي ِ ل ِإ َ ذا ي غ شى والن ه ـا ِ ر ِإ َ ذا ت جلَّ ـى
.(7) [3- والذَّ َ ك ر والأُنَثى ﴾ [الليل: 1
.( قراءة ابن عمر: ﴿ يا َأي ها النبيءُ ِإ َ ذا َ طلَّ ْ قت م الن ساءَ َف َ طلُِّقو هن في ُقب ِ ل عدت ِ همْ ﴾ ( 8
.(8)
ونحو ذلك مما ص ح سنده ووافق العربية وخالف رسم المصحف.
فهذه القراءات تس مى اليوم شاّذة لكوا شـ ّ ذت عـن رسـم » : قال ابن الجزري
المصحف امع عليه وإ ْ ن كان إسنادها صحيحًا فلا تجوز القراءة ـا لا في صـلاة ولا في
.(1) « غيرها
.399- 1) مجموع الفتاوى، ج 13 ، ص 398 )
. 2) النشر، ج 1، ص 19 )
.399- 3) مجموع الفتاوى، ج 13 ، ص 398 )
. 4) النشر، ج 1، ص 19 )
.399- 5) ذكر ابن تيمية هذا المذهب ولم يصرح بقائله. مجموع الفتاوى، ج 13 ، ص 398 )
.399- 6) المصدر نفسه، ج 13 ، ص 398 )
.[ 7) أخرجها مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب ما يتعّلق بالقراءات [تحت رقم: 824 )
.[ 8) أخرجها مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض، [تحت رقم: 1471 )
39. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 37
والقراءات الشاّذة تعين على فهم القراءات المشهورة واستنباط الأحكام منها.
المقصد من القراءة الشاّذة تفسـير القـ راءة المشـهورة وتبـيين » : قال أبو عبيد
معانيها،كقراءة عائشة وحفصة: ﴿ فاقطعوا أيماما ﴾ [المائدة: 38 ]، وقراءة جابر بن عبـد
.[ الله: ﴿ فإنّ الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ﴾ [ النور: 33
قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مف سرة للقرآن، وقد كان يروى مثـ ُ ل
هذا عن التابعين في التفسير فيستح سن، فكيف إذا روي عن كبار الصحابة، ّ ثم صار في نفس
القراءة ؟ فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفُة ص حة
.(2) « التأويل
هذا بالنسبة لأقسام القراءات من جهة القبول، وينبغي أ ْ ن يلاحظ أ ّ ن التقسيم السابق
على أساس أ ّ ن القراءة الشاّذة هي: ما ص ح سنده ووافقت العربية ولو بوجه وخالفت رسم
المصحف.
وهذا التعريف هو الذي اعتمده ابن تيمية( 3) وابن الجزري ( 4) ومن قبلهما م ّ كي بن
.( أبي طالب القيسي، وأبو شامة المقدسي ( 5
واصطلح ابن مجاهد على أ ّ ن القراءة الشاّذة هي ك ّ ل قراءة خرجت عـن القـراءات
.( السبع التي جمعها في كتابه الموسوم بـ السبعة ( 6
.( وتبعه على الاصطلاح ابن جني في كتابه االمحتسب ( 7
ما نقل قرآنًا من غير تواتر واستفاضة، متلّقاة بالقبول » : وعرفها ابن الصلاح بأنها
.(1) « من الأمة، كما اشتمل عليه المحتسب لابن جني وغيره
. 1) المنجد، ص 19 )
2) أبو عبيد القاسم بن س ّ لام، فضائل القرآن، تحقيق وتعليق: مروان العطية، محسن خرابة، وفاء تقي الدين، دار ابن )
.327- 1420 هـ/ 1999 م)، ص 326 ) ، كثير، دمشق، بيروت، ط 2
.394- 3) مجموع الفتاوى، ج 13 ، ص 393 )
.17- 4) المنجد، ص 19 . النشر، ج 1، ص 16 )
. 5) المرشد الوجيز، ص 133 )
. 6) ابن مجاهد، السبعة في القراءات، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط 2، [ط: دت]، ص 22 )
. 7) ج 1، ص 102 )
40. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 38
هي القراءة التي لم يصح سندها ، وأ ّ ن القراءة الـتي » : واصطلح السيوطي على أنها
ص ح سندها وخالفت رسم المصحف أو العربية أولم تشتهر الاشتهار المذكور تس مى آحادية،
.(2) « ولا يقرأ ا
. 1) المرشد الوجيز، ص 141 )
. 2) الإتقان، ج 1، ص 208 )
41. ما انفرد به الإمام يعقوب من القراءات القرآنية 39
المطلب الرابع
ضوابط القراءة المقبولة
بعد التطرق إلى تعريف القرآن والقراءات القرآنية وذكر الفرق بينهما وذكر أقسـام
القراءات القرآنية أتطرق إلى بيان ضوابط القراءة المقبولة، فأقول - بتوفيق الله تعالى -:
لقد تناول هذه القضية إمام الصنعة وأمير القراء وا ودين، الإمام ابـن الجـزري –
رحمه الله – في كتابه النشر في القراءات العشر ، فذكر أ ّ ن القراءة المقبولة يجب أن تتوّفر
على ثلاثة شروط رئيسة، متى اخت ّ ل أحدها كانت القراءة مردودًة، وهذه الشروط هي:
- أن تكون القراءة موافقًة للغة العربية.
- أن تكون موافقًة لرسم أحد المصاحف العثمانية.
- أن تكون صحيحَة السند.
ك ّ ل قراءة وافقت العربية ولو بوجـه، ووافقـت أحـد المصـاحف » : حيث قال
.(1) «... العثمانية، وص ح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يح ّ ل إنكا رها
أو ً لا: أن تكون القراءة موافقة للغة العربية:
معنى هذا الضابط: أن تكون القراءة المنقولُة موافقًة للغة العربية بوجه جائز، قال ابن
سواء كان أفصح أم فصيحًا، مج معًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله إذا » : الجزري
كانت القراءة مما شاع وذاع وتلّقاه الأئ مة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن
.(2) « الأقوم، وهذا هو المختار عند المحّققين في ركن موافقة العربية
لكن الناظر في بعض كتب التفسير وكتب النحو يجد أ ّ ن بعض من لم يلتـزم ـذه
القاعدة - وهي أ ّ ن الأصل في القراءة النقل والسماع لا مجرد الرأي والاجتهاد - ربما ألجأه
. 1) النشر، ج 1، ص 15 )
. 2) المصدر نفسه، ج 1، ص 16 )