More Related Content
What's hot
Similar to Omran Khaldon
Recently uploaded
Recently uploaded (16)
Omran Khaldon
- 1. الدكتـــور عبد الفتاح مصطفى السيد غنيمة – جامعة المنوفية أستاذ تاريخ العلوم والتكنولوجيا بكالوريوس العلوم في الكيمياء والنبات بكالوريوس العلوم في الكيمياء الحيوية ماجستير في فلسفة العلوم الفيزيائية ماجستير في الفنون الحضارية دكتوراه في فلسفة العلوم البيولوجية دكتوراه في التنمية السياحية عضو المجلس األعلى للشئون اإلسالمية عضو اللجنة الوطنية لليونسكو عضو اللجنة القومية لتاريخ العلوم بأكاديمية البحث العلمي عضو المجالس القومية المتخصصة لجنة السياحة
- 2. 2
- 3. مقدمة كبيح ؽوى ظفبف ٌٌل يضر اهؾغٌى أول دظبرث إٌشبٌٌج ؽرٌلج جوتح اهخٌر واهرخبء هويضرًٌٌ وهوشؾوة اهيدٌعج .. ويٌذ دخول ؽيرو تً اهؾبص يضر وكد أشركح أرظهب تٌور اإلشالى .. ازداد ؽعبؤهب اهدظبري ودللح اهنثٌر ييب نبً ٌراود اهلبدث اهيدتًٌ هوؾيل واهؾيراً وأضتدح يضر ؽً جدارث كوؾج اإلشالى اهشبيخج ورنٌزث اهؾرة اهؾغٌيج وأضتدح يضر يٌذ اهفخخ اإلشاليً دضً اإلشالى ورتبعه واهزائدث ؽً دٌبظه , وهذا أير كد اختر ؽٌه اهٌتً (ص) كتل اهفخخ تشٌواح , فلد كبل ؽير تً اهخعبة رظً اهلل ؽٌه , شيؾح رشول اهلل (ص) ٌلول : إذا فخخ اهلل ؽوٌنى يضر , فبخخذوا فٌهب جٌدا نثٌفب فذهم اهجٌد خٌر أجٌبد األرط , فلبل أتو تنر : وهى ٌب رشول اهلل ؟ كبل : ألٌهى وأزواجهى فً رتبع إهى ٌوى اهلٌبيج . وخالضج اهلول فً فخخ اهؾرة هيضر إٌهى درروا اهشؾة اهيضري يٌح االشخؾتبد ويً غوى اهتٌزٌعًٌٌ , وؽيروا اهتالد اهخً خرتهب اهتٌزٌعٌوً دخى اهنٌبئس واألدٌرث اهخً ديروهب أضودهب اهفبخخ ؽيرو تً اهؾبص وأدرم ظرورث أً ٌؾيل اهٌبس فً ؽيراً األرط .. نبً اهرجل تؾٌد اهٌغر وٌخيخؼ ترؤٌج إشخراخٌجٌج هبئوج وإدشبس تبهيشئوهٌج نتٌر وأٌلً أً االدخفبغ تبالٌخضبراح اهخً دللهب ؽوى اهتٌزٌعًٌٌ ٌخعوة خنبثف اهجهود هيزٌد يً اإلٌخبج اهزراؽً وإلٌشبء دور ضٌبؽج خغعً ادخٌبجبح اهؾتبد يً اهيوتس واهيشنً ودور هضٌبؽج األشودج واهينبدل واهشفً هديبٌج إلكبيج اهضرح اهؾشنري اإلشاليً هودوهج . وهنذا أكبى اهؾرة اهفبخدوً تدرنج إؽيبر واشؾج اهٌعبق ؽوى نل ارط يضر , واشخير اهفنر اهؾيراًٌ اهخعتٌلً يشٌعرا ؽوى نل دنبى يضر يً اهعوهوًٌٌٌ واهفبعيًٌٌ واألٌوتًٌٌ واهييبهٌم ودخى ٌويٌب هذا .. ونبً اتً خودوً كد اشخلرأ اهخبرٌخ وأهف نخبته اهيلديج واهذي اهخى فٌه تيوظوػ اهؾيراً . د. عبد الفتاح مصطفى غنيمة 3
- 4. 4
- 6. ٥٦
- 7. اﻟﻔﮭرس ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ﻋﻨﺩ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻭﻥ ﺒﺎﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﷲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ...................................... ٥ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ﻋﻨﺩ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ .................................... ٧ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ................................................ ٧ ﺁﺜﺎﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ................................................... ٨ ﻋﻠﻡ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺃﻭ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ ........................................... ٩ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻌﻤل ﻜﻤﻨﺸﺊ ﻟﻠﻘﻴﻤﺔ .......................................... ١١ ﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻋﻨﺩ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ................................. ٢١ ﺍﻟﻜﺴﺏ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ............................................. ٣١ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ....................................... ٤١ ﻤﻌﻴﺎﺭ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ............................................ ٥١ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻤل ................................................... ٥١ ﺸﺭﻑ ﺍﻟﻌﻤل ................................................... ٦١ ﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻤﺘﺤﺭﻜﺔ ................................................ ٨١ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﻥ ﺨﻼل ﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ..................................... ٩١ ﺇﺘﻘﺎﻥ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺘﺤﺕ ﺇﺸﺭﺍﻑ ﺸﻴﻭﺨﻬﺎ ................................ ٠٢ ﻋﻤﺭ ﺒﻥ ﺍﻟﺨﻁﺎﺏ ﺭﻀﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﺍﻭﺠﺩ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ............. ١٢ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ................................. ٤٢ ﺍﺨﺘﺼﺎﺼﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ......................................... ٥٢ ﻋﻘﻭﺒﺔ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻥ ............................................. ٨٢ ﻤﻬﻨﺩﺴﻭ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ................................. ٩٢ ﻤﻬﻨﺩﺴﻭ ﺒﻐﺩﺍﺩ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻼﻡ .......................................... ١٣ ﻤﻬﻨﺩﺴﻭ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﺍﻷﻭﺍﺌل ............................................. ٣٣ ﺍﻟﺭﺴﻭﻤﺎﺕ ﺍﻟﻬﻨﺩﺴﻴﺔ ﻟﻠﻤﺒﺎﻨﻲ ....................................... ٥٣ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﻤﺠﺴﻤﺔ .............................................. ٦٣ ﻤﻬﻨﺩﺴﻭ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ.............................. ٧٣ ﺍﺒﻥ ﺍﻟﺴﻴﻭﻓﻲ .................................................. ٩٣ ٧٥
- 8. ﺸﻬﺎﺏ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻟﻁﻭﻟﻭﻨﻲ ........................................ ٩٣ ﻤﻥ ﺃﺸﻬﺭ ﻤﻬﻨﺩﺴﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻙ ﺍﻟﺸﺭﺍﻜﺴﺔ ....................... ٠٤ ﻤﺤﻤﺩ ﺒﻥ ﺒﻴﻠﻴﻙ ، ﻤﺤﻤﺩ ﺒﻥ ﺍﻟﻘﺯﺍﺯ ، ﺤﺴﻥ ﺒﻥ ﺤﺴﻴﻥ ﺍﻟﻁﻭﻟﻭﻨﻲ ٠٤ ﺒﺩﺭ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺒﻥ ﺍﻟﻜﻭﻴﺯ ........................................... ١٤ ﻤﻥ ﻤﻬﻨﺩﺴﻲ ﻋﺼﺭ ﻗﺎﻴﺘﺒﺎﻱ ﻭﻗﺎﻨﺼﻭﻩ ﺍﻟﻐﻭﺭﻱ ...................... ١٤ ﺒﻌﺽ ﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺸﻴﻴﺩ "ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ" ............................ ٣٤ ﺍﻟﻤﻬﻨﺩﺱ ...................................................... ٣٤ ﻨﺎﻅﺭ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ .................................................... ٥٤ ﺸﺎﺩ ﺍﻟﻌﻤﺎﺌﺭ ................................................... ٨٤ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ......................................................... ٩٤ ﺍﻟﻨﺠﺎﺭ ......................................................... ٠٥ ﺍﻟﻤﺭﺨﻡ ........................................................ ٣٥ ﺍﻟﻨﺤﺎﺕ ........................................................ ٤٥ ٨٥
- 9. اﻟﻔﻛر اﻟﻌﻣراﻧﻲ ﻋﻧد ﺑن ﺧﻠدون واﻟﻣﺷﺗﻐﻠون ﺑﮫ اﻹﻧﺳﺎن ﺧﻠﯾﻔﺔ ﷲ ﻓﻲ اﻷرض: ﻟﻘﺩ ﺒﺩﺃﺕ ﻗﺼﺔ ﻫﺫﺍ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ- ﻜﻤﺎ ﻴﺨﺒﺭﻨﺎ ﺍﻟﻭﺤﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ- ﻋﻨـﺩﻤﺎ ﺨﻠﻕ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻥ ﻁﻴﻥ،ﺃﻱ ﻤﻥ ﻤﺎﺩﺓ. ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﻤﻘﺘﺼﺭ ﻋﻠﻲ ﺫﻟﻙ ﻟﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻱ ﺴﺒﺏ ﻟﺘﻔﻀﻴل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻋﻠﻲ ﻏﻴﺭﻩ ﻤـﻥ ﺍﻟﻜﺎﺌﻨـﺎﺕ. ﻭﻟﻜـﻥ ﺍﷲ- ﺠﻠـﺕ ﺤﻜﻤﺘﻪ- ﺃﻀﺎﻑ ﺇﻟﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﺎﺌﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻋﻨﺼﺭﺍ ﺭﻭﺤﻴﺎ ﺁﺨﺭ ﻨﺴﺒﻪ ﺇﻟﻲ ﻨﻔﺴﻪ. ﻭﻫـﺫﺍ ﻤـﺎ ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻨﻪ ﺍﻵﻴﺔ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ: ﻓﺈﺫﺍ ﺴﻭﻴﺘﻪ ﻭﻨﻔﺨﺕ ﻓﻴﻪ ﻤﻥ ﺭﻭﺤﻲ ﻓﻘﻌﻭﺍ ﻟﻪ ﺴﺎﺠﺩﻴﻥ )ﺍﻟﺤﺠﺭ ٩٢(. ﻓﺎﻹﻨﺴﺎﻥ ﻫﻭ ﺍﻟﻜﺎﺌﻥ ﺍﻟﻭﺤﻴﺩ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻭﺤﻴﺩ ﺍﻟﺫﻱ ﻨﻔـﺦ ﺍﷲ ﻓﻴـﻪ ﻤـﻥ ﺭﻭﺤﻪ. ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻨﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻔﺨﺔ ﺍﻟﺭﻭﺤﻴﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻫﻲ ﻤﻨﺎﻁ ﺍﻟﺘﻜﺭﻴﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﺤﻅﻲ ﺒﻪ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ. ﻭﻤﻥ ﺃﺠل ﺫﻟﻙ ﻁﻠﺏ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻲ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻼﺌﻜﺔ ﺃﻥ ﻴﺴﺠﺩﻭﺍ ﻵﺩﻡ ﺘﻜﺭﻴﻤﺎ ﻟﻪ ، ﻟـﻴﺱ ﻷﻨﻪ ﺨﻠﻕ ﻤﻥ ﻁﻴﻥ، ﻭﻟﻜﻥ ﻷﻥ ﺍﷲ ﻨﻔﺦ ﻓﻴﻪ ﻤﻥ ﺭﻭﺤﻪ. ﻭﻗﺩ ﺭﻓﺽ ﺇﺒﻠﻴﺱ ﺍﻷﻤـﺭ ﺍﻹﻟﻬـﻲ ﻭﺃﺒﻲ ﻭﺍﺴﺘﻜﺒﺭ ﻗﺎﺌﻼ: - ﻜﻤﺎ ﻴﺤﻜﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻗﻭﻟﻪ-: ﺃﺃﺴـﺠﺩ ﻟﻤـﻥ ﺨﻠﻘﺕ ﻁﻴﻨﺎ ) ﺍﻻﺴﺭﺍﺀ١٦(. ﻭﻫﻜﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺭﻓﺽ ﺇﺒﻠﻴﺱ ﻟﻠﺴﺠﻭﺩ ﻤﺒﻨﻴﺎ ﻋﻠﻲ ﻨﻅﺭﺘﻪ ﺍﻷﺤﺎﺩﻴﺔ ﻟﻺﻨﺴـﺎﻥ ﺒﻭﺼـﻔﻪ ﻤﺨﻠﻭﻗﺎ ﻤﻥ ﻤﺎﺩﺓ ﻓﻘﻁ.ﻭﻏﻔل ﻋﻥ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻵﺨﺭ-ﻭﻫﻭ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ- ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻫﻭ ﻤﻨـﺎﻁ ﺍﻟﺘﻜﺭﻴﻡ ﻓﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ. ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ ﻴﻌﺩ ﺇﺒﻠﻴﺱ- ﺇﻟﻲ ﻴﻭﻡ ﺍﻟﺩﻴﻥ- ﺯﻋـﻴﻡ ﺍﻟﻤـﺎﺩﻴﻴﻥ ﻓـﻲ ﻜـل ﺍﻟﻌﺼﻭﺭ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﻨﻅﺭﻭﻥ ﺇﻟﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻨﻅﺭﺓ ﻤﺎﺩﻴﺔ ﺒﺤﺘﺔ، ﻭﻻ ﻴﻠﺘﻔﺘﻭﻥ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺭﻭﺤـﻲ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻤﻥ ﺃﺠﻠﻪ ﻓﻀل ﺍﷲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻋﻠﻲ ﻏﻴﺭﻩ ﻤﻥ ﺍﻟﻜﺎﺌﻨﺎﺕ. ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﺜﻨﺎﺌﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻜﻭﻴﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ- ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻤﺜل ﻓﻲ ﻋﻨﺼﺭﻱ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟـﺭﻭﺡ- ﺘﻌﺩ ﻋﻼﻤﺔ ﻤﻤﻴﺯﺓ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﻨﻔﺴﻪ ﺘﻌﺩ ﺍﺨﺘﺒﺎﺭ ﻭﺍﻤﺘﺤﺎﻨﺎ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ. ﻭﻋﻠﻴﻪ ﺘﻘـﻊ ﻤﺴﺌﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﻭﺇﻗﺎﻤﺔ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩل ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ. ﻭﺍﻹﺴﻼﻡ ﻻ ﻴﺭﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻴﻐﻠـﺏ ﺃﺤﺩﻫﻤﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﻵﺨﺭ ﺒﻁﺭﻴﻘﺔ ﺘﺨل ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻴﺤﺭﺹ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺘﻭﻓﻴﻕ ﺒﻴﻥ ﻤﻁﺎﻟـﺏ ﺍﻟﺠﺴﻡ ﻭﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﺭﻭﺡ ﻓﻲ ﺘﻨﺎﺴﻕ ﺭﺍﺌﻊ. ﻓﺎﻹﻨﺴﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻴﺘﻤﺘﻊ ﺒﻜل ﺍﻟﺨﻴﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺤﻠﻬـﺎ ﺍﷲ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻴﻬﻤل ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺭﻭﺤﻪ. ﻭﻓﻲ ﺫﻟـﻙ ﻴﻘﻭل ﺍﻟﻘﺭﺍﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ: ﻭﺍﺒﺘﻎ ﻓﻴﻤﺎ ﺁﺘﺎﻙ ﺍﷲ ﺍﻟﺩﺍﺭ ﺍﻵﺨﺭﺓ ﻭﻻ ﺘﻨﺱ ﻨﺼـﻴﺒﻙ ﻤـﻥ ﺍﻟـﺩﻨﻴﺎ ٥
- 10. )ﺍﻟﻘﺼﺹ٧٧(. ﻭﺘﻠﻙ ﻫﻲ ﻭﺴﻁﻴﺔ ﺍﻹﺴﻼﻡ، ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻴﺠﺘﺎﺯ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺨﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﻌﺏ ﻴﻜﻭﻥ ﺠﺩﻴﺭﺍ ﺤﻘـﺎ ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﺘﻜﺭﻴﻡ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻟﻡ ﻴﺤﻅ ﺒﻪ ﻜﺎﺌﻥ ﺁﺨﺭ ﻏﻴﺭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ. ﻭﺒﻌﺩ ﺍﻟﺘﻜﺭﻴﻡ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ ﺒﺴﺠﻭﺩ ﺍﻟﻤﻼﺌﻜﺔ ﻟﻪ. ﻭﺒﺘﻌﻠﻴﻡ ﺁﺩﻡ ﺍﻷﺴـﻤﺎﺀ ﻜﻠﻬـﺎ، ﺃﻫﺒﻁﻪ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻲ ﺇﻟﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﺭﺍﺩﻫﺎ، ﻟﻴﻌﻤﺭ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻷﺭﺽ ﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﺴـﻠﺤﻪ ﺒﺎﻷﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺤﺘﻰ ﻴﺤﻘﻕ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﷲ ﻭﺤﺩﻩ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ. ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ ﻜﺎﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺠﺩﻴﺭﺍ ﺒﺄﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ،ﻜﻤـﺎ ﻴﻌﺒـﺭ ﺍﻟﻘـﺭﺍﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻋﻥ ﺫﻟﻙ ﺒﻘﻭﻟﻪ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﻤﻼﺌﻜﺔ: ﺇﻨﻲ ﺠﺎﻋل ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺨﻠﻴﻔﺔ) ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ٠٣(. ﻭﻫﻜﺫﺍ ﺍﻗﺘﻀﺕ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺃﻥ ﺘﺠﻌل ﻤﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻜﻴﻼ ﻋﻥ ﺍﷲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻟﻴﺤﻘﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﷲ ﺒﺈﻋﻤﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻜل ﺍﻟﻨﻭﺍﺤﻲ ﻭﺍﻟﻤﻴﺎﺩﻴﻥ ، ﺒﺎﻟﺨﻴﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨـﻭﻱ ، ﻤﻥ ﺃﺠل ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﺠﻤﻌﺎﺀ. ﻭﻫﺫﺍ ﻴﻌﻨﻲ ﺃﻨﻪ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻭﻜﻴل ﺃﻥ ﻴﻠﺘﺯﻡ ﺒﺄﻭﺍﻤﺭ ﻤﻭﻜﻠﻪ ﻭﺍﺠﺘﻨﺎﺏ ﻨﻭﺍﻫﻴﻪ، ﻭﺃﻨﻪ ﻻ ﻴﺠﻭﺯ ﻟﻪ ﺒﺄﻱ ﺤﺎل ﻤﻥ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺃﻥ ﻴﺴﺘﺒﺩ ﺒـﺎﻷﻤﺭ ﺒﻌﻴـﺩﺍ ﻋـﻥ ﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ ﻤﻭﻜﻠﻪ. ﻭﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﺁﺨﺭ ، ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻭﻜﻴل ﺃﻥ ﻴﺨﺘﻠﻕ ﺒﺄﺨﻼﻕ ﻤﻭﻜﻠﻪ ﻓـﻲ ﻜـل ﺘﻌﺎﻤﻼﺘﻪ ، ﻭﺇﻻ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﺃﻫﻼ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ. ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ ﻴﻘﻭل ﺍﻟﺤـﺩﻴﺙ ﺍﻟﺸـﺭﻴﻑ ] ﺘﺨﻠﻘـﻭﺍ ﺒﺄﺨﻼﻕ ﺍﷲ[ ﻓﺈﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﷲ ﻗﺩ ﺃﻤﺭ ﺒﺎﻟﻌﺩل ﻭﻜﺘﺏ ﻋﻠﻲ ﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﺭﺤﻤﺔ ، ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻭﻜﻴـل ﺃﻥ ﻴﺘﺨﻠﻕ ﺒﺨﻠﻕ ﺍﻟﺭﺤﻤﺔ، ﻭﺃﻥ ﻴﻘﻴﻡ ﺍﻟﻌﺩل ﻭﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺤﺘﻰ ﻭﻟﻭ ﻋﻠـﻲ ﻨﻔﺴـﻪ ﺃﻭ ﺍﻷﻗﺭﺒﻴﻥ. ﻭﻫﻜﺫﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﻓﻲ ﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻲ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﺃﻥ ﺒﺘﻤﺜﻠﻬـﺎ، ﻭﻴﺴﻴﺭ ﻋﻠﻲ ﻫﺩﺍﻫﺎ، ﻭﻴﺘﺄﺴﻲ ﺒﻜل ﻤﺎ ﺘﺤﻤﻠﻪ ﻤﻥ ﻤﻌﺎﻨﻲ ﺍﻟﺤﻕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺭ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎل. ﻭﺤﺘﻰ ﻴﺼل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺇﻟﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺭﺘﺒﺔ ﻓﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻴﻌﻤل ﻋﻠﻲ ﺍﺴﺘﻘﺎﻤﺔ ﺼـﻼﺘﻪ ﺒﻨﻔﺴﻪ ﻭﺒﺎﷲ ﻭﺒﺎﻟﻨﺎﺱ ﻭﺒﺎﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﻴﺵ ﻓﻴﻪ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺅﺩﻱ ﺇﻟﻲ ﺃﻥ ﻴﺼـﺒﺢ ﺒﺤـﻕ ﺠﺩﻴﺭﺍ ﺒﺄﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻭﻜﻴﻼ ﻋﻥ ﺍﷲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻴﻘﻴﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﻭﺍﻟﻘـﺭﻯ ﻭﺍﻷﺴـﻭﺍﻕ ، ﻭﺃﻥ ﻴﺤﻘﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ﺍﻟﻌﺩل، ﻭﻴﺭﺴﻲ ﺩﻋﺎﺌﻡ ﺍﻟﺤﻕ ﻭﻴﺯﺭﻉ ﺍﻟﺒﺴﺎﺘﻴﻥ ﻭﻴﻘﻴﻡ ﺍﻟﺼـﻨﺎﺌﻊ ﺤﻴـﺙ ﺘﻌﻭﺩ ﺜﻤﺭﺘﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﻵﺨﺭﻴﻥ ، ﻭﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻴﻔﻌﻠﻪ ﺇﻟﻲ ﺁﺨﺭ ﻨﻔـﺱ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻭﺇﻟﻲ ﻴﻭﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻤﺔ ﻜﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺍﻟﺸﺭﻴﻑ: ] ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻤﺕ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭﻓـﻲ ﻴـﺩ ﺃﺤﺩﻜﻡ ﻓﺴﻴﻠﺔ ﻓﺎﻥ ﺍﺴﺘﻁﺎﻉ ﺃﻻ ﻴﻘﻭﻡ ﺤﺘﻰ ﻴﻐﺭﺴﻬﺎ ﻓﻠﻴﻔﻌل[ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻷﻤﺎﻡ ﺃﺤﻤﺩ ﻓﻲ ﺴﻨﺩﻩ. ٦
- 11. اﻟﻔﻛر اﻟﻌﻣراﻧﻲ ﻋﻧد اﺑن ﺧﻠدون ﻋﺎﺵ ﺃﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﻤﺭﺍﺤل ﺤﻴﺎﺘﻪ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﺤﻴﺎﺓ ﻤﺘﻘﻠﺒﺔ ﻋﺎﺼﻔﺔ، ﻗﻀﻲ ﻋﺸﺭﻴﻥ ﺴﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻁﻔﻼ ﻭﺸﺎﺒﺎ ﻴﺒﺩﺃ ﺍﻟﺤﻔﻅ ﻭﺍﻟﺩﺭﺱ، ﻭﺃﻨﻔﻕ ﺍﻟﺜﻼﺜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓـﻲ ﻤﻭﺍﺼﻠﺔ ﺍﻟﺩﺭﺱ ﻭﺍﻻﻨﻐﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﺤﻭﻤﺔ ﺍﻟﻤﻐﺎﻤﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﻀﻁﺭﺒﺔ، ﻭﺃﻤﻀﻲ ﺍﻟﻭﺍﺤﺩﺓ ﻭﺍﻟﺜﻼﺜﻴﻥ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻷﺨﻴﺭﺓ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻭﻤﺩﺭﺴﺎ ﻭﻗﺎﻀﻴﺎ. ﻭﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﺃﺴﺭﺓ ﻋﺭﺒﻴﺔ ﺨﺎﻟﺼﺔ ﻗﺩﻤﺕ ﻤﻥ ﺤﻀﺭ ﻤﻭﺕ ﻭﺍﺴﺘﻘﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﺸﺒﻴﻠﻴﺔ ﻤﻨﺫ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ. ﻜﺎﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ، ﻭﻫﻭ ﺒﻌﺩ ﺸﺎﺏ ﻁﻤﻭﺤﺎ ﻴﺴﻌﻲ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻤﺠﺩ ﻭﺍﻟﺸﻬﺭﺓ ، ﻭﻴﺠﺩ ﻓﻲ ﻁﻠﺏ ﺍﻟﻌﻠﻡ ﺸﻐﻭﻓﺎ ﺒﻪ ﻴﻨﻬل ﻤﻥ ﻤﻨﺎﻫﻠﻪ ﺤﻴﺙ ﻭﺠﺩﻫﺎ. ﻴﻘﺼﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﻴﺄﺨﺫ ﻤﻨﻬﻡ ﻭﻴﺘﺘﻠﻤـﺫ ﻋﻠﻴﻬﻡ ﻭﻴﺠﻠﺱ ﻋﻨﺩ ﺃﻗﺩﺍﻤﻬﻡ. ﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﺘﻘﻠﺒﻪ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻤﺭﺍﺀ ﻭﺍﻟﺴﻼﻁﻴﻥ ﻭﺍﺸﺘﺭﺍﻜﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺴﺎﺌﺱ ﻭﺍﻟﻤﺅﺍﻤﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺘﻤﻴﺯ ﺒﻬﺎ ﻋﺼﺭﻩ ، ﻴﻨﺤﺎﺯ ﺇﻟﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻷﻤﻴﺭ ﺘﺎﺭﺓ ، ﺜﻡ ﻴﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﻪ ﺃﺨﺭﻯ ، ﺤﻤـل ﺩﺍﺭﺴـﻭﺍ ﺴﻴﺭﺘﻪ ﻭﺤﻴﺎﺘﻪ ﻋﻠﻲ ﺍﻻﺸﺘﺩﺍﺩ ﻓﻲ ﻨﻘﺩﻩ ﻭﺭﻤﻭﻩ ﺒﺄﻨﻪ ﺭﺠل ﻻ ﻤﺒﺩﺃ ، ﻟﻪ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﻭﺼـﻭﻟﻲ ﺍﻟﻨﺯﻋﺔ ﻴﺠﺭﻱ ﻓﻲ ﺃﻫﻭﺍﺌﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻋﻠﻲ ﻤﺎ ﺘﻤﻠﻴﻪ ﻤﺼﻠﺤﺘﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼـﻴﺔ ، ﻭﺘﺤﻘﻴـﻕ ﻤـﺎ ﻴﺼﺒﻭ ﺇﻟﻴﻪ ﻁﻤﻭﺤﻪ ﻭﻤﻁﺎﻤﻌﻪ. ﻭﻗﺩ ﺃﻋﺘﺭﻑ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻨﻔﺴﻪ ﺒﺫﻟﻙ ، ﻭﻟﻡ ﻴﺤﺎﻭل ﺃﻥ ﻴﺨﻔﻴﻪ ، ﻓﺫﻜﺭ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ ﺍﻟﺘﻌﺭﻴﻑ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻥ ﻴﻐﻴﺭ ﻭﻻﺌﻪ ﻭﻴﺒﺩﻟﻪ ﻜﺜﻴﺭﺍ. ﻭﻟﻌل ﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻤﻠـﻲ ﻋﻠﻴـﻪ ﺘﺼﺭﻓﺎﺘﻪ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﻻ ﻗﻠﺏ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻤﻨﻁﻕ ﺇﻻ ﻤﻨﻁﻕ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ، ﻭﺭﺤﻡ ﺍﷲ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫ ﺍﻹﻤـﺎﻡ ﻤﺤﻤﺩ ﻋﺒﺩﻩ ﺤﻴﻥ ﻀﺎﻕ ﺒﺎﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﻓﻘﺎل:" ﻟﻌﻥ ﺍﷲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﺒﻜـل ﻤﺸـﺘﻘﺎﺘﻬﺎ ﻤـﻥ ﺴـﺎﺱ ﻭﻴﺴﻭﺱ ﻭﺴﺎﺌﺱ ﻭﻤﺴﻭﺱ". ﻣﻘدﻣﺔ اﺑن ﺧﻠدون: ﻭﻗﺩ ﺍﻟﺘﻤﺱ ﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﺍﻷﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﻌﺫﺭ ﻻﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﺘﻘﻠﺒﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، ﺫﻟﻙ ﺃﻨﻬﻡ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻨﻪ ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﻭﺯﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﺒﺎﻟﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﺴﺎﺌﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺼـﺭﻩ، ﻭﻟـﻴﺱ ﺒﺎﻟﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺼﺭﻨﺎ ﻫﺫﺍ. ﺼﺤﻴﺢ ﺃﻨﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻗﺴـﻨﺎﻩ ﺒﻤـﻭﺍﺯﻴﻥ ﻋﺼـﺭﻨﺎ ﻟﻭﺠﺒـﺕ ﻤﺤﺎﻜﻤﺘﻪ ﻭﺇﺩﺍﻨﺘﻪ ، ﻭﻟﻜﻥ ﻗﻭﺍﻋﺩ ﺍﻷﺨﻼﻕ ﻓﻲ ﺃﻴﺎﻤﻪ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻘﻭﻡ ﻋﻠﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﺒـﺎﻟﻔﺭﺩ ، ﻭﻟﻴﺱ ﻋﻠﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻷﻤﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺒﺎﻟﺩﻭﻟﺔ. ٧
- 12. ﺜﻡ ﺇﻨﻬﻡ ﻴﺭﻭﻥ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻥ ﻓﻲ "ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ" ﻤﻔﻜﺭﺍ ﺼـﺎﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜـﺭ ﻤﺸـﺭﻗﺎ ، ﻭﻫـﻡ ﻻ ﻴﻨﻜﺭﻭﻥ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻤﺴﻠﻜﻪ ﻴﺴﻴﺭ ﻋﻠﻲ ﻤﺎ ﻴﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻁﻤﻭﺤﻪ، ﻭﺴﻌﻴﻪ ﺇﻟـﻲ ﺍﻟﺴـﻠﻁﺔ ، ﻭﻨﺯﻋﺘﻪ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻤﻐﺎﻤﺭﺓ، ﻭﺇﻗﺩﺍﻤﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺌل ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﻟﻜﻨﻬﻡ ﻻ ﻴﻘﻔﻭﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻋﻨﺩ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﺤﺩ، ﺒل ﻴﺫﻫﺒﻭﻥ ﺇﻟﻲ ﺃﻨﻪ ﻻ ﻴﻌﻘل ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺼﺎﺤﺏ ﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻗﺩ ﺨـﻼ ﺫﻫﻨـﻪ ﻤـﻥ ﺘﺼﻭﺭ ﺨﻁﺔ ﺘﻨﺘﻬﺞ ﻹﺤﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﺭﺃﻴﻪ ﻤﺸﺭﻓﺔ ﻋﻠـﻲ ﺍﻟﻀﻴﺎﻉ، ﻭﻟﻭ ﺍﻓﺘﺭﻀﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺨﻁﺔ ﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﻓﻲ ﻤﺨﻴﻠﺘﻪ ﻜل ﺍﻟﻭﻀـﻭﺡ. ﻭﻟـﺫﻟﻙ ﻓﺈﻨﻨﺎ ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻨﺭﻱ ﺴﺒﺒﻪ ﻓﻲ ﺴﺒﻴل ﺇﺫﻜﺎﺀ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻗﻭﻴﺔ ﺘﻨﻬﺽ ﺒﺎﻹﺴﻼﻡ ﻤﻥ ﻋﺜﺭﺘﻪ. أﺛﺎر اﺑن ﺧﻠدون: ﻭﺇﺫﺍ ﻨﻅﺭﻨﺎ ﺇﻟﻲ ﺃﺜﺎﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﻓﻴﻤﺎ ﺨﻼ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻤﻌـﺭﻭﻑ ﺒﺎﻟﻌﺒﺭ ﻟﻭﺠﺩﻨﺎ ﺃﻨﻪ ﻴﺴﻴﺭ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ. ﻭﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﻴﻨﺘﻅﺭ ﺃﺤﺩ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺃﺜﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻷﺠﻴﺎل ﺍﻟﻘﺎﺩﻤﺔ ﻴﻘﻭﻡ ﻋﻠﻲ ﺃﻨﻪ ﺍﻟﻤﺅﺴﺱ ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﻟﻌﻠﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤـﺎﻉ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ﻭﻟﻌﻠﻡ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻭﻏﻴﺭﻩ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺞ. ﻭﻗﺩ ﻭﺍﻓﺎﻩ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻔﻴﺽ ﻤﻥ ﺍﻟﻌﺒﻘﺭﻴـﺔ ﺤـﻴﻥ ﺃﺨﻠﺩ ﺇﻟﻲ ﻗﻠﻌﺔ ﺍﺒﻥ ﺴﻼﻤﺔ ﻭﺃﻤﻌﻥ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﺍﻟﺜﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺒﺎﻷﺤﺩﺍﺙ، ﻭﺃﺴﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﺸل ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺡ، ﻭﻤﻌﺭﻓﺘﻪ ﺒﺎﻷﻤﻡ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﻜﻔﺎﺤﻪ ﺍﻟﻤﺭﻴﺭ، ﻓﺎﻋﺘﺒﺭ ﺒﺫﻟﻙ ﻜﻠﻪ ، ﻭﻓﺎﻀـﺕ ﻨﻔﺴـﻪ ﺒﺘﺤﻠﻴل ﻜل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﻤﺂﺴﻲ ، ﻭﺭﺍﺡ ﻴﻜﺘﺏ ﻭﻴﻜﺘﺏ ﻓﻲ ﻫﺩﺃﻩ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ، ﻭﺍﻨﻘﻠﺏ ﻤﻥ ﻓﻘﻴﻪ ﺇﻟﻲ ﻤﺅﺭﺥ ﻋﺒﻘﺭﻱ ﻭﺼﺎﺤﺏ ﻤﻨﺎﻫﺞ ﺃﺜﺭﺕ ﺍﻟﻌﻠﻡ ﻭﺨﺩﻤﺕ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﺠﻤﻌـﺎﺀ ﺨﺩﻤـﺔ ﺠﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻻ ﺃﺩل ﻋﻠﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺃﺭﺍﺌﻪ ﺍﻷﺼﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺒﺜﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﻤﻥ ﺃﻨﻬﺎ ﺘﺭﺠﻤـﺕ ﺇﻟـﻲ ﻤﻌﻅﻡ ﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ .. ﺍﻻﻨﺠﻠﻴﺯﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ ﻭﺍﻷﻟﻤﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻻﻴﻁﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻻﺴﺒﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺭﻭﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻭﻏﻴﺭ ﺫﻟﻙ.ﻭﺃﻁﻨﺏ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﺅﺭﺨﻭﻥ ﻓﻲ ﻭﺼﻔﻬﺎ ﻭﺩﺍﺭﺴﺘﻬﺎ ﺩﺭﺍﺴـﺔ ﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ، ﻭﻟﻌل ﺍﻷﻭﺭﺒﻴﻴﻥ ﻫﻡ ﺃﻭل ﻤﻥ ﺍﻜﺘﺸﻑ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ. ﺒﺩﺃ ﺫﻟﻙ ﺩﺭﺒﻠﻭ d'herbelotﻭﺩﻩ ﺴﺎﺴ ـﻰ De sacyﻭﻫ ـﺎﻤﺭ ﺒﻭﺭﺠﺴ ـﺘﺎل Purgstalleﻭﻜ ـﺎﺘﺭﻤﻴﺭ ـ ـ ـ ـ Quatremèreﻭﺒﻴﺭﻴﺯ Peresﻭﻓﻴﺸل Fischelﻭﺭﻭﺯﻨﺘـﺎل Rosentalﻭﻗـﺩ ﺃﻫـﺘﻡ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﻭﺍﻷﺘﺭﺍﻙ ﻭﻏﻴﺭﻫﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﺸﻌﻭﺏ ﺒﺎﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﻭﺘﺭﺠﻤﺘﻬﺎ ﻭﺩﺍﺭﺴﺘﻬﺎ. ﻭﻴﺭﻱ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻷﺠﺎﻨﺏ ﺃﻴﻀﺎ ﺃﻥ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻟﻡ ﻴﻘﺘﺼﺭ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺒل ﺘﻌﺩﺍﻫﺎ، ﺇﻟﻲ ﺤﺩ ﻤﺎ، ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻤﻌﺭﻭﻑ ﺒﺎﻟﻌﺒﺭ. ﻭﺍﻟﺴﺒﺏ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺭ ﻟﻡ ﻴﻨل ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻨﺎﻟﺘـﻪ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ، ﻫﻭ ﺃﻨﻪ ﻟﻡ ﻴﺤﻘﻕ ﺍﻟﻭﻋﻭﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺒﺫﻟﻬﺎ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ. ﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﻫـﺅﻻﺀ ٨
- 13. ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻤﺴﻭﺍ ﻻﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﺫﺭ ﻓﻲ ﺃﻨﻪ ﻟﻡ ﻴﺴﺘﻁﻊ ﺃﻥ ﻴﻔﻲ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﻭﻋﻭﺩ ﺍﻟﻌﺭﻴﻀﺔ ﺫﻟﻙ ﺃﻨﻪ ﻤﺎ ﻤﻥ ﺭﺠل ﻭﺍﺤﺩ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﻭﺤﺩﻩ ﺃﻥ ﻴﻜﺘﺏ ﺘﺎﺭﻴﺨﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻡ. ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﺸﺎﺒﺕ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘـﺎﺭﻴﺦ ﻤﺄﺨﺫ ﻜﺜﻴﺭﺓ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻤﺜﻼ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﻴﻌﺭﻑ ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻠﻴل ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻭﺤﺩﻴﻥ ﻭﻤـﺫﺍﻫﺒﻬﻡ، ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺭﻴﺦ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻜﺭﻫﺎ ﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻷﺤﻴﺎﻥ، ﻭﻓﺎﺘﻪ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴل ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻲ ﻓﻲ ﻋﺩﺩ ﻜﺒﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻼﺕ، ﻜﻤﺎ ﺍﻋﺘﻤﺩ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺘﻪ ﻋﻠﻲ ﻤﺼﺎﺩﺭ ﻀﻌﻴﻔﺔ ، ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻴﻭﺏ ﺘﺘﻀﺢ ﺃﻜﺜﺭ ﻭﺃﻜﺜﺭ ﻓﻲ ﻜﻼﻤﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻘﺭﻨﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﻋﺸﺭ ﻭﺍﻟﺭﺍﺒﻊ ﻋﺸﺭ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻴـﻴﻥ. ﻭﻫـﺫﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻤﺨﻴﺏ ﻟﻶﻤﺎل ﻜﺜﻴﺭﺍ ﻓﻲ ﺤﺩﻴﺜﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺸﺭﻕ ﻓﺈﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﻭﻤﻪ ﻋﻅﻴﻡ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻓـﻲ ﻜﻼﻤﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﻭﺨﺎﺼﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺘﻌﻠﻕ ﺒﺎﻟﺒﺭﺒﺭ. ﻭﻻ ﺭﻴﺏ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻜﺴﺒﺕ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺸﻬﺭﺓ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴـﺔ ، ﻭﻫﻲ ﻜﻤﺎ ﻴﺴﺘﺩل ﻤﻥ ﻋﻨﻭﺍﻨﻬﺎ ﻭﻤﻥ ﻤﻘﺼﺩ ﺍﻟﻤﺅﻟﻑ ﻨﻔﺴﻪ: ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻓﻲ ﺼـﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤـﺅﺭﺥ ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻓﻬﻲ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻤﻥ ﻤﺯﺍﺝ ﻤﻭﺴﻭﻋﻲ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻼﺯﻤـﺔ ﻟﻠﻤﺅﺭﺥ ﺤﺘﻰ ﻴﺼﻨﻊ ﻤﺅﻟﻔﺎ ﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺎ ﺒﺤﻕ. ﻭﻜﺎﻥ ﺍﻟﺸﻐل ﺍﻟﺸﺎﻏل ﻻﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻷﻤﺭ ﻫﻭ ﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﺜـﻡ ﺃﺨـﺫ ﻴﺘﺄﻤل ﻭﻴﺘﻔﻜﺭ ﺭﻭﻴﺩﺍ ﺭﻭﻴﺩﺍ ﻓﻲ ﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻭﻤﺎﺩﺘﻪ ، ﻓﺎﻫﺘﺩﻱ ﻭﻫﻭ ﻓﻲ ﻜﺎﻤل ﻭﻋﻴﻪ ﺇﻟﻲ ﻤﺎ ﺃﺴﻤﺎﻩ "ﻋﻠﻡ ﻤﺴﺘﻨﺒﻁ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ" ﻭﺍﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﻭﻀﻭﺡ ﻴﺘﻔﺎﻭﺕ ﻤﻘﺩﺍﺭﻩ ﺇﻟﻲ ﻤﻨﺎﻓﺫ ﻋﺩﺓ ﺴـﺒل ﻟﻠﺒﺤﺙ ﺘﻘﻭﺩ ﺇﻟﻲ ﻋﻠﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻭﺇﻟﻲ ﻋﻠﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼـﺎﺩ ﻭﻏﻴﺭ ﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﻋﻠﻭﻡ ﻭﻤﻨﺎﻫﺞ. ﻋﻠم اﻟﻌﻣران.. أو اﻻﺟﺗﻣﺎع: ﻭﺒﺩﺃ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ " ﻤﻘﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ" ﺒﺘﻌﺭﻴﻑ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻤﺘﺩ ﻓﻴﺸﻤل ﻤﺎﻀﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻜﻠﻪ، ﺒﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻨﻭﺍﺤﻲ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺤﺩﺩ ﻤﺎ ﻴﻌﻨﻲ ﺒـﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ، ﻭﻋﺎﺏ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺴﻼﻓﻪ ﻤﻥ ﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺘﻁﻠﻊ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ،ﻭﺃﺭﺴﻲ ﻗﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﻨﻘـﺩ ﺍﻟﺤﺴﻥ ﺍﻟﺴﻠﻴﻡ، ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﻴﻘﻭﻡ ﻓﻲ ﺃﺴﺎﺴﻪ ﻋﻠـﻲ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﺸـﻭﺍﻫﺩ ﻭﻤﻘﻴـﺎﺱ ﺍﻟﻤﻁﺎﺒﻘـﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ )ﺴﻤﺎﻩ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﻁﺎﺒﻘﺔ( ﻭﻨﻔﻲ ﺒﺫﻟﻙ ﺍﺤﺘﻤﺎل ﻭﻗﻭﻉ ﺍﻟﺤـﻭﺍﺩﺙ ﺍﻟﻤﺭﻭﻴـﺔ ﻭﻤﻘـﺩﺍﺭ ﺘﻤﺸﻴﻬﺎ ﻤﻊ ﻁﺒﺎﺌﻊ ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ،ﺃﻱ ﻤﻊ ﻤﺠﺭﻱ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻭﺘﻁﻭﺭﻩ ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻨﻜﺸﻑ ﻋـﻥ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﺤﻜﻡ ﻓﻲ ﻤﺴﺎﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺠﺭﻱ ، ﻭﻴﻘﻭل ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺠﻠﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻅﻭﺍﻫﺭ ﻫﻭ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ ﻭﻫﻭ ﻋﻠﻡ" ﻤﺴﺘﻘل ﺒﻨﻔﺴﻪ" ﻋﻠﻲ ﺤﺩ ﻗﻭﻟﻪ. ٩
- 14. ﻭﻤﻭﻀﻭﻉ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻌﻠﻡ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩ ﻫﻭ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺃﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺭ ، ﻭﺍﺘﺤـﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﺤﺘﻤﻴﺔ ، ﻭﻫﺫﻩ ﻫﻲ ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻭﺍﺒـﻥ ﺨﻠـﺩﻭﻥ ﻤـﻭﻗﻥ ﺃﻥ ﺍﺠﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﺃﻭﻻ ﻭﻗﺒل ﻜل ﺸﻲ ﻟﻠﺘﻌﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻲ ﺍﻟﻤﺸﺭﻭﻁ ﺒﺈﺸﺒﺎﻉ ﺤﺎﺠﺎﺘﻬﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﻅﻭﺍﻫﺭ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻡ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺘﺸﻜل ﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻﺘﺤﺩﺩ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ. ﻭﻴﻌﺘﺒﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻤل ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺭﺓ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻭ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﺒﺸﺭ " ﺍﻋﻠﻡ ﺃﻥ ﺍﺨﺘﻼﻑ ﺍﻷﺠﻴﺎل ﻓﻲ ﺃﺤﻭﺍﻟﻬﻡ ﺇﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﺒﺎﺨﺘﻼﻑ ﻨﺤﻠـﺘﻬﻡ ﻤـﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﻓﺎﻥ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻬﻡ ﺃﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﻟﻠﺘﻌﺎﻭﻥ ﻋﻠﻲ ﺘﺤﺼﻴﻠﻪ". ﻓﺘﺤﺕ" ﺍﺨـﺘﻼﻑ ﻨﺤﻠـﺘﻬﻡ ﻤـﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﻴﺩﺭﻙ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺃﻭﻻ ﻭﻗﺒل ﻜل ﺸﻲ ﺍﻻﺨﺘﻼﻑ ﻓﻲ ﺃﺴﻠﻭﺏ ﺍﻟﻨﺸـﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼـﺎﺩﻱ ﻓﻴﻘﺴﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺇﻟﻲ ﻨﻭﻋﻴﻥ ﺃﺴﺎﺴﻴﻥ ﺒﺩﻭﻱ ﻭﺤﻀﺭﻱ. ﺜﻡ ﻴﻘﺴﻡ ﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﺒﺩﻭ ﺇﻟﻲ ﺯﺭﺍﻉ ﻤﺘﺤﻀﺭﻴﻥ ، ﻭﺭﺤل ﻤﺘﺨﻠﻔﻴﻥ ، ﻴﻨﺘﺤﻠﻭﻥ ﺍﻟﻘﻴـﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻥ ﻓﻼ ﻴﺸﻴﺩﻭﻥ ، ﻭﻟﻜﻨﻬﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻴﺠﺘﻤﻌﻭﻥ ﻤﻊ ﻏﻴﺭﻫﻡ ﻓﻲ ﺸﻜل ﻭﺤﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺤﺎﺴﻤﺔ ﺤﻴﺙ ﻴﻘﺘﺩﺭﻭﻥ ﻋﻠﻲ ﺘﻭﻓﻴﺭ ﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﻷﻨﻔﺴﻬﻡ ﺒﺎﻟﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺤﻔﻅ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻴﺤﺼل ﺒﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﻴﺵ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﻤﺯﻴﺩ ﻋﻠﻴﻪ. ﺃﻤﺎ ﺍﻟﺤﻀﺭ ﻭﻫﻡ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻓﻤﻨﻬﻡ ﻤﻥ ﻴﻨﺘﺤل ﻓﻲ ﻤﻌﺎﺸﻪ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ، ﻭﻤﻨﻬﻡ ﻤﻥ ﻴﻨﺘﺤل ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ. ﻭﺒﻔﻀل ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻌﺩﺩ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﻭﺘﻘﺴـﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤـل ﻭﻋﺩﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺭ ﻋﻠﻲ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﻭﺤﺩﻩ ، ﺒل ﻜﺫﻟﻙ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻲ ، ﻜـﺎﻥ ﺫﻟـﻙ ﻤـﻥ ﺍﻟﺩﻭﺍﻋﻲ ﻷﻥ ﻴﻌﻴﺸﻭﺍ ﻓﻲ ﻭﻓﺭﻩ ﻭﺭﻓﺎﻫﻴﺔ. ﻭﻫﺫﺍﻥ ﺍﻟﻨﻭﻋﺎﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ﺼﻼﺕ ﻤﺘﻭﺍﺭﺜﺔ ، ﻓﺄﻭل ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﻭﻻ ﻴﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﺘﺭﻑ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻀـﺭﻭﺭﻱ ﺤﺎﺼـﻼ ، ﻓﺨﺸـﻭﻨﺔ ﺍﻟﺒﺩﺍﻭﺓ ﻗﺒل ﺭﻓﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻨﺠﺩ ﺍﻟﺘﻤﺩﻥ ﻏﺎﻴﺔ ﻟﻠﺒﺩﻭﻱ ، ﻓﻘﺩ ﺘﺒﻴﻥ ﺃﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﺒـﺩﻭ ﻤﺘﻘﺩﻡ ﻋﻠﻲ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﻭﺍﻷﻤﺼﺎﺭ ، ﻭﺃﺼل ﻟﻬﺎ ﺒﻤﺎ ﺃﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﻭﺍﻷﻤﺼﺎﺭ ﻤﻥ ﻋﻭﺍﺌﺩ ﺍﻟﺘﺭﻑ ﻭﺍﻟﺩﻋﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻤﺘﺄﺨﺭﺓ ﻋﻥ ﻋﻭﺍﺌﺩ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺸﻴﺔ. ﻭﻜﻴﻑ ﻻ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﻤﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺩﻭﻱ ﻭﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻴﺸﻴﺭ ﺃﻭﻻ ﻭﻗﺒل ﻜل ﺸﻲ ﺇﻟﻲ ﺼﻼﺘﻬﻡ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ ، ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺩﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻀﺭﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﺘﻁﻭﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻓﺎﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟـﺩﻨﻴﺎ ﻫـﻲ ٠١
- 15. ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺒﺩﺍﺌﻴﺔ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻭﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﺘﻨﻭﻉ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻱ ﺍﻟﻬﺎﺒﻁ. ﺃﻤﺎ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺘﻨﻭﻉ ﻭﺍﻟﻤﺘﻁﻭﺭ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻱ ﺍﻟﺭﻓﻴﻊ. ﻭﻴﻜﻭﻥ ﺍﻻﻨﺘﻘﺎل ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﺤﺸﺩ ﻋﺩﺩ ﻜﺒﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﺤﺩ ، ﻭﻨﺯﻭﺡ ﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﺒﺩﻭ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ، ﻭﺘﻁﻭﺭ ﻨﻭﻉ ﺍﻟﻨﺸـﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻋﻲ ﺃﺴﺎﺱ ﻤﻥ ﺘﻌﻘﻴﺩ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﺘﻘﺴﻴﻤﻪ. ﻓﺎﺤﺘﺸﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺘﺭﻜﻴﺯ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤـﺩﻥ ﻭﺍﻟﺘﻘﺴـﻴﻡ ﺍﻷﻗﺼـﻰ ﻟﻠﻌﻤـل ﻭﺍﻟﺘﺨﺼﺹ ﻓﻴﻪ ﻫﻭ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﺘﻁﻭﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ﺜﻡ ﺃﻥ ﺍﻻﺤﺘﺸﺎﺩ ﻭﺘﻘﺴﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤل ﻫﻤﺎ ﻭﺤﺩﻫﻤﺎ ﺍﻟﻠﺫﺍﻥ ﻴﺘﻴﺤﺎﻥ ﺇﻴﺠﺎﺩ ﻓﺎﺌﺽ ﺍﻹﻨﺘـﺎﺝ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﺩ ﺸﺭﻁﺎ ﺃﺴﺎﺴﻴﺎ ﻟﻠﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ" ، ﻓﺄﻫل ﺃﻱ ﻤﺩﻴﻨﺔ ﺇﺫﺍ ﻭﺯﻋﺕ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻡ ﻋﻠﻲ ﻤﻘـﺩﺍﺭ ﻀﺭﻭﺭﺘﻬﻡ ﻭﺤﺎﺠﺎﺘﻬﻡ ﺍﻜﺘﻔﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺒﺎﻷﻗل ﻤﻥ ﺘﻠﻙ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻭﺒﻘﻴﺕ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﻜﻠﻬﺎ ﺯﺍﺌﺩﺓ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﺍﺕ ، ﻓﺘﺼﺭﻑ ﻓﻲ ﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﺭﻑ ﻭﻋﻭﺍﺌﺩﻩ ، ﻭﻤﺎ ﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻏﻴـﺭﻫﻡ ﻤـﻥ ﺃﻫـل ﺍﻷﻤﺼﺎﺭ ﻭﻴﺴﺘﺠﻠﺒﻭﻨﻪ ﺒﺄﻋﻭﺍﻀﻪ ﻭﻗﻴﻤﻪ ﻓﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﻡ ﺒﺫﻟﻙ ﺤﻅ ﻤﻥ ﺍﻟﻐﻨﻲ. ﻭﺘﻘﺴﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻴﻘﺘﻀﻲ ﺃﺸﻜﺎﻻ ﻤﻌﺭﻭﻓﺔ ﻟﻠﻤﻘﺎﻴﻀـﺔ ﺒـﻴﻥ ﺃﻋﻀـﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻭﺒﻤﺎ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﺴﻴﻁﺭ ﻋﻠﺏ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ - ﺤﻴﺙ ﻜـﺎﻥ ﻴﻌـﻴﺵ ﺍﺒـﻥ ﺨﻠـﺩﻭﻥ – ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻌﻴﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻁﺔ ، ﻓﺈﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻜﺎﻥ ﻴﺭﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﻤﻤﻜﻥ ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤـل ﻫﻭ ﺍﻟﺘﺒﺎﺩل ﺍﻟﺴﻠﻌﻲ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻓﺭﺩﻴﺔ . ﻭﻫﻭ ﻴﻀﻊ ﻓﻲ ﺃﺴﺎﺱ ﺍﻟﺘﺒﺎﺩل ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ ﺘﺴﺎﻭﻱ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟـﺔ ، ﻓﻔﻲ ﺨﻼل ﺍﻟﻘﺭﻭﻥ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩﺓ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ ﻴﺤﺎﻭل ﺃﻥ ﻴﻜﺘﺸﻑ ﺍﻟﺠﻭﻫﺭ ﺍﻟﻐﺎﻤﺽ ﺍﻟـﺫﻱ ﻴﺤﺩﺩ ﺘﻜﺎﻓﺅ ﺍﻟﻤﻘﺎﻴﻀﺔ ، ﻭﻗﺩ ﺃﺩﺨل ﺃﺭﺴﻁﻭ ﺃﺸﻴﺎﺀ ﺃﺨﺭﻯ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ، ﻤﺸﻴﺭﺍ ﺇﻟـﻲ ﺃﻥ ﻜل ﺇﻨﺘﺎﺝ ﻴﺴﺘﻌﻤل ﻟﻼﺴﺘﻬﻼﻙ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﺴﺘﻌﻤل ﻜﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻴﻀﺔ ، ﻟﻜﻥ ﺃﺭﺴﻁﻭ ﻴﻌﺘﺒـﺭ ﺍﻟﻤﻘﺎﻴﻀﺔ ﺍﺴﺘﻬﻼﻜﺎ " ﻏﻴﺭ ﻁﺒﻴﻌﻲ " ﺒﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻜﺎﻓﺅ ﻟﻸﺸﻴﺎﺀ ، ﻓﻬﻭ ﻴﻘﻭل " ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻴﻀـﺔ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﺎ ﻤﻭﻀﻊ ﺒﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻜﺎﻓﺅ ، ﻭﻻ ﺘﻜﺎﻓﺅ ﺒﺩﻭﻥ ﻤﺴﺎﻭﺍﺓ .. ﺇﻥ ﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﻏﻴﺭ ﻤﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻷﻨﻭﺍﻉ ﻤﺘﻜﺎﻓﺌﺔ " . دور اﻟﻌﻣل ﻛﻣﻧﺷﺊ ﻟﻠﻘﯾﻣﺔ : ﻓﻠﻠﻤﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ ﻴﻌﺭﺽ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻌﻤل ﻜﻤﻨﺸـﺊ ﻟﻠﻘﻴﻤﺔ : " ﺃﻋﻠﻡ ﺃﻥ ﻤﺎ ﻴﻔﻴﺩﻩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻴﻘﺘﻨﻴﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺘﺤﻭﻻﺕ ﺇﻥ ﻜل ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﻓﺎﻟﻤﻔـﺎﺩ ١١
- 16. ﺍﻟﻤﻘﺘﻨﻲ ﻤﻨﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤﻠﻪ ، ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻘﺼﺩ ﺒﺎﻟﻘﻨﻴﺔ ،ﺇﺫ ﻟﻴﺱ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻟﻴﺱ ﺒﻤﻘﺼﻭﺩ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻟﻠﻘﻨﻴﺔ ، ﻭﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻊ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﻓﻲ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﻏﻴﺭﻫﺎ ، ﻤﺜل ﺍﻟﻨﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﻜﺔ ﻤﻌﻬﻤـﺎ ﺍﻟﺨﺸﺏ ﻭﺍﻟﻐﺯل ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺃﻜﺜﺭ ، ﻓﻘﻴﻤﺘﻪ ﺃﻜﺜﺭ ، ﻭﺇﻥ ﻜﺎﻥ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻤﻔﺎﺩ ﻭﺍﻟﻘﻨﻴﺔ ﻤﻥ ﺩﺨﻭل ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺫﻱ ﺤﺼﻠﺕ ﺒﻪ ، ﺇﺫ ﻟﻭﻻ ﺍﻟﻌﻤل ﻟﻡ ﺘﺤﺼل ﻗﻨﻴﺘﻬﺎ .. ﻓﻘﺩ ﺘﺒﻴﻥ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺎﺕ ﻜﻠﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻜﺜﺭﻫﺎ ﺇﻨﻤـﺎ ﻫـﻲ ﻗـﻴﻡ ﺍﻷﻋﻤـﺎل ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ". ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﺠﻭﻫﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﻌﻤل ، ﻴﺤﻠﻠﻪ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ، ﻓـﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻗـﺎﺌﻡ ﻋﻠـﻲ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﺴﻠﻌﻲ ﻟﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺼﻐﺎﺭ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﻴﻥ ، ﻭﺍﻟﺸﺭﻁ ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻭﺠﻭﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻴﺘﻤﺜل ﻓﻲ ﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﻴﻥ ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ ﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﻌﻤل ﻭﻨﺎﺘﺠﻪ ﻤﻠﻜﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ . ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌﻣل ﻋﻧد اﺑن ﺧﻠدون : ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﻓﻴﺽ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﻋﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻭﻓﻜﺭﻩ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻨﻲ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﺍﺭﺴﻴﻥ ﻤﺎﺯﺍﻟﻭﺍ ﻴﺠﺩﻭﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﻤﻤﺎ ﻴﺴﺘﻭﺠﺏ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴل ﻭﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ، ﻭﻟﻌل ﺍﻟﻌﻤل ﻜﻘﻴﻤﺔ ﻤﻥ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻫﺘﻡ ﺒﺒﻴﺎﻨﻬﺎ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻻﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭ" ﺍﻟﺼـﻨﺎﻋﺔ ﻫـﻲ ﺇﺤـﺩﻯ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ، ﻷﻨﻬﺎ ﻋﻤل ﺇﻨﺴﺎﻨﻲ ، ﻭﺍﻟﻜﺴﺏ ﻫﻭ ﻗﻴﻤﺔ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺒﺫﻟﻪ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺴﺏ ﻻ ﻴﺘﻡ ﺇﻻ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻭﺍﻟﺠﻬﺩ ، ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﺴـﻌﻲ ﻭﺍﻟﺠﻬﺩ ﻫﻭ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﺍﻷﺠﺭ ﻫﻭ ﻗﻴﻤﺔ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒﺎﻟﺭﺯﻕ ، ﻭﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﺃﻋﻡ ﻤﻥ ﺍﻷﺠﺭ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﻴﻁﻠﻕ ﻓﻲ ﻨﻅﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻟﻤﻨﺘﻔﻊ ﺒﻪ ﺍﻟﺤﺎﺼل ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻜﺴﺏ ، ﺴﻭﺍﺀ ﻜﺎﻥ ﻤﻌﺎﺸﺎﹰ ﺃﻭ ﻤﺘﻤﻭﻻﹰ ، ﺜﻡ ﺇﻥ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺤﺎﺼـل ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻘﺘﻨـﻲ ﺇﻥ ﻋﺎﺩﺕ ﻤﻨﻔﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺩ ﻭﺤﺼﻠﺕ ﻟﻪ ﺜﻤﺭﺘﻪ ، ﻤﻥ ﺇﻨﻔﺎﻗﻪ ﻓﻲ ﻤﺼﺎﻟﺤﻪ ﻭﺤﺎﺠﺎﺘﻪ ﺴﻤﻰ ﺫﻟﻙ ﺭﺯﻗﺎﹰ ، ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻙ ﻤﻨﻪ ﺤﻴﻨﺌﺫ ﺒﺴﻌﻲ ﺍﻟﻌﺒﺩ ﻭﻗﺩﺭﺘﻪ ﻴﺴﻤﻰ ﻜﺴﺒ ﹰ ، ﻭﻫﺫﺍ ﻤﺜل ﺍﻟﺘـﺭﺍﺙ ، ﻓﺈﻨـﻪ ﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﻟﻙ ﻜﺴﺒﺎﹰ ﻭﻻ ﻴﺴﻤﻰ ﺭﺯﻗﺎﹰ")١(. " ﻭﺍﻟﺭﺯﻕ ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﻟﻴﺱ ﻫﻭ ﺍﻟﻜﺴﺏ ، ﺇﺫ ﺍﻟﻜﺴﺏ ﻴﺸﻤل ﻤﺎ ﻴﻜﺴﺒﻪ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ ، ﺴﻭﺍﺀ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺃﻭ ﺒﻐﻴﺭ ﺴﻌﻲ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﻤﺤﺘـﺎﺝ ﺇﻟـﻰ ﺍﻟﻜﺴﺏ ﻟﻺﻨﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ ، ﺇﺫ ﻻ ﻴﻤﻜﻨﻪ ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﺒﻐﻴﺭ ﻜﺴﺏ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻗـﺩ ﻴﻨﻔـﻕ ﺠﻤﻴﻊ ﻤﺎ ﻴﻜﺴﺒﻪ ، ﻭﻗﺩ ﻴﻨﻔﻕ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻨﻪ ﺃﻭ ﺃﻗل ﻤﻨﻪ ، ﻓﺈﻥ ﺃﻨﻔﻕ ﺃﻗل ﻤﻥ ﻜﺴﺒﻪ ﺍﺴـﺘﻁﺎﻉ ﺃﻥ )١( ﻤﻘﺩﻤﺔ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺹ ٩٧٦. ٢١
- 17. ﻴﺩﺨﺭ ﺠﺯﺀﺍﹰ ﻤﻥ ﺩﺨﻠﻪ ، ﻟﻜﻲ ﻴﻨﻔﻘﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌﺩ ﻓﻲ ﻤﻭﺍﻁﻥ ﺃﺨﺭﻯ ، ﻭﺇﻥ ﻜﺎﻥ ﻜﺴﺒﻪ ﻻ ﻴﻠﺒـﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﺤﺎﺠﺎﺘﻪ ﻭﻤﻁﺎﻟﺒﻪ ﺍﻀﻁﺭ ﻟﻼﻗﺘﺭﺍﺽ ﺃﻭ ﻟﻼﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻤﺼﺎﺩﺭ ﺃﺨﺭﻯ ، ﻟﺘﻐﻁﻴﺔ ﺍﻟﻌﺠﺯ ﺍﻟﻨﺎﺘﺞ ﻋﻥ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﻋﻥ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﻜﺴﺏ ، ﻭﺒﻌﺽ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻴﻁﻠﻕ ﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟـﺭﺯﻕ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﻜﺴﺏ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻨﺘﻔﻊ ﺒﻪ ﺼﺎﺤﺒﻪ ، ﻭﻴﻌﻀﻬﻡ – ﻜﺎﻟﻤﻌﺘﺯﻟﺔ – ﻻ ﻴﻁﻠﻕ ﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﺇﻻ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺼﺢ ﺘﻤﻠﻜﻪ)١(. اﻟﻛﺳب ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌﻣل : ﻭﺍﻟﻜﺴﺏ ﻓﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﻻ ﻴﺘﺼﻭﺭ ﺇﻻ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ، ﻷﻨﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻠﻌﻤل ﺃﻥ ﻴﻨﺘﺞ ﻜﺴﺒﺎﹰ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﺒـﺫل ﺠﻬـﺩﺍﹰ ﺩﻭﻥ ﻗﻴﻤﺔ ، ﻷﻨﻪ ﻤﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ، ﻟﻜﻲ ﻴﻨﻔﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓﻼﺒﺩ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﻟﺤﺠﻤﻪ ، ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﻤﻘﺩﺍﺭ ، ﻭﺍﻟﺤﺩ ﺍﻷﺩﻨﻰ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺤﺩﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻫﻭ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﺇﺫ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺃﻥ ﺘﻘل ﻋﻥ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻤـل ﻫـﻭ ﻭﺴـﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﻌﺎﺵ ، ﻭﻻ ﻴﺘﺤﻘﻕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﺇﻻ ﺒﻜﻤﺎل ﺍﻟﻜﻔﺎﻴﺔ ، ﻭﻻ ﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻜﻔﺎﻴﺔ ﺇﻻ ﺒﺄﻥ ﺘﻜـﻭﻥ ﻗﻴﻤـﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﺴﺎﻭﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗل ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ، ﻤﻥ ﻏﺫﺍﺀ ﻭﻤﻠﺒﺱ ﻭﺴﻜﻥ ، ﻴﻜﻔﻴﻪ ﻭﻴﻜﻔﻲ ﻤﻥ ﺘﻠﺯﻤﻪ ﻨﻔﻘﺘﻬﻡ ﻤﻥ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﺃﺴـﺭﺘﻪ . ﻭﺘﺅﻜﺩ ﺍﻵﻴﺔ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ : ﻓﺎﺒﺘﻐﻭﺍ ﻋﻨﺩ ﺍﷲ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﻭﺍﻟـﺭﺯﻕ ﻴـﺘﻡ ﺒﺎﻟﻌﻤل ، ﻭﺍﻟﻌﻤل ﻴﺠﻠﺏ ﺍﻟﺭﺯﻕ ، ﻭﺍﻟﺭﺯﻕ ﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﻜﻔﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ، ﻓﺈﻥ ﻜﺎﻥ ﺍﺒﺘﻐﺎﺀ ﺍﻟـﺭﺯﻕ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻌﻤل ﻻ ﻴﻭﻓﺭ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﺍﻟﻀـﺭﻭﺭﻱ ، ﻓﺈﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺅﻜﺩ ﺃﻥ ﻗﻴﻤـﺔ ﺍﻟﻌﻤـل ﻜﺎﻨـﺕ ﻤﻨﻘﻭﺼﺔ ، ﻭﻻﺒﺩ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻤﻥ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻟﻜﻲ ﻴﻜﻭﻥ ﺭﺯﻗﺎ ﻜﺎﻓﻴـﺎﹰ ، ﹰ ﻷﻥ ﺍﻵﻴﺔ ﺍﻟﻘﺭﺁﻨﻴﺔ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻁﻠﺒﺕ ﺍﺒﺘﻐﺎﺀ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ، ﺃﺸﺎﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻙ ﺍﻻﺒﺘﻐﺎﺀ ﻴﻭﻓﺭ ﺍﻟﺭﺯﻕ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻴﺤﻘﻕ ﺍﻟﻜﻔﺎﻴﺔ . ﻫﺫﻩ ﻨﻘﻁﺔ ﺠﺩﻴﺭﺓ ﺒﺎﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﺃﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻟﻡ ﻴﺸﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺼﺭﺍﺤﺔ ، ﺇﻻ ﺃﻨﻬﺎ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤﻥ ﺁﺭﺍﺌﻪ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻫﻲ ﻗﻀـﻴﺔ ﻤﻨﻁﻘﻴﺔ ﻭﺴﻠﻴﻤﺔ ، ﺇﺫ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺘﺼﻭﺭ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺇﻻ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺭﺒﻁ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤـل ﺒﻤﻔﻬـﻭﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺩﺨل ﻀﻤﻥ ﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ، ﻭﻤﻭﺠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺵ ، ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺃﻗل ﻤـﻥ ﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺵ ، ﻟﻤﺎ ﺩﻋﺎ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﺒﺘﻐﺎﺀ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﻌﻤل ، ﺇﺫ ﻟـﻴﺱ )١( ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺹ ٩٧٦. ٣١
- 18. ﻤﻥ ﺍﻟﻌﺩل ﺃﻥ ﻴﺤﺼل ﺍﻻﺒﺘﻐﺎﺀ ، ﻭﻻ ﻴﺤﺼل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﺯﻕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺍﻟﻤﺤﻘﻕ ﻟﻠﺤـﺩ ﺍﻷﺩﻨﻰ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ . أھﻣﯾﺔ ﺗﺣدﯾد ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌﻣل : ﺇﻥ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺃﻤﺭ ﻀﺭﻭﺭﻱ ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﻗﻴﻤﺘﻪ ﻴﺤﺼل ﺒﻪ ، ﻭﺒﻪ ﻴﻤﺘﻨﻊ ﺍﻟﻅﻠﻡ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﺤﺩﺩ ، ﻭﻗﻴﻤﺘﻪ ﻏﻴﺭ ﻤﺤﺩﻭﺩﺓ ، ﻭﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻭﺤﻴـﺩ ﺍﻟـﺫﻱ ﻴﺤﺩﺩ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻫﻭ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﻭﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﺘﺼﺒﺢ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﻘﻴﻡ ﺍﻟﺤﺎﺠـﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﻟﻴﺴﺕ ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻤﺤﺩﺩﺓ ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻴﺤﺩﺩ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﺤﺠﻡ ﺃﺜﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﺘﺨﺘﻠﻑ ﺒﺎﺨﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺯﻤﺎﻥ ، ﻭﺘﺭﺘﺒﻁ ﺒﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻷﺜـﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻭﻓﺭﻩ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻨﻘﺩ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓﺈﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻨﻁﻘﻲ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴـﺭﺓ ﺃﻜﺒﺭ ﻤﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺭﺓ ، ﻻﺭﺘﻔﺎﻉ ﻗﻴﻡ ﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻷﺨﺭﻯ . ﻭﻴﻌﺒﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻋﻥ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﺍﺭﺘﻔﺎﻉ ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺩﻥ ﺒﻘﻭﻟـﻪ : " ﺍﻟﻤﺼﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﻴﻜﺜﺭ ﺘﺭﻓﻪ ﻜﻤﺎ ﻗﺩﻤﻨﺎﻩ ، ﻭﺘﻜﺜﺭ ﺤﺎﺠﺎﺕ ﺴﺎﻜﻨﻪ ﻤﻥ ﺃﺠـل ﺍﻟﺘـﺭﻑ ، ﻭﺘﻌﺘﺎﺩ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﻟﻤﺎ ﻴﺩﻋﻭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﺘﻨﻘﻠﺏ ﻀﺭﻭﺭﺍﺕ ، ﻭﺘﺼﻴﺭ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﻓﻴﻪ ﻜﻠﻬﺎ ﻤـﻊ ﺫﻟﻙ ﻋﺯﻴﺯﺓ ، ﻭﺍﻟﻤﺭﺍﻓﻕ ﻏﺎﻟﻴﺔ ، ﺒﺎﺯﺩﺤﺎﻡ ﺍﻷﻏﺭﺍﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻟﺘـﺭﻑ ، ﻭﺒﺎﻟﻤﻐـﺎﺭﻡ ﺍﻟﺴﻠﻁﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻭﻀﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻋﺎﺕ ، ﻭﺘﻌﺘﺒﺭ ﻓﻲ ﻗﻴﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻌﺎﺕ ، ﻭﻴﻌﻅﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻐﻼﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺭﺍﻓﻕ ﻭﺍﻷﻗﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻓﺘﻜﺜﺭ ﻟﺫﻟﻙ ﻨﻔﻘﺎﺕ ﺴﺎﻜﻨﻪ ﻜﺜﺭﺓ ﺒﺎﻟﻐﺔ ﻋﻠﻰ ﻨﺴـﺒﺔ ﻋﻤﺭﺍﻨﻪ ، ﻭﻴﻌﻅﻡ ﺨﺭﺠﻪ ، ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﺤﻴﻨﺌﺫ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ ﻟﻠﻨﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ ﻭﻋﻴﺎﻟﻪ ، ﻓﻲ )١( . ﻀﺭﻭﺭﺍﺕ ﻋﻴﺸﻬـﻡ ﻭﺴﺎﺌـﺭ ﻤﺅﻨﻬـﻡ ﻭﻟﻬﺫﺍ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻟﻴﺴﺕ ﻤﺤﺩﺩﺓ ، ﻭﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﺤﺩﺩﺓ ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺤﺩﻴﺩ ﻴﺨﺭﺝ ﺒﻬﺎ ﻋﻥ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻻﺒﺘﻐﺎﺀ ﻷﺠل ﺍﻟﺭﺯﻕ ، ﻭﺍﻟﺭﺯﻕ ﻻ ﻴﺘﺠﺯﺃ ، ﻓﺎﻻﺒﺘﻐﺎﺀ ﻟﺘﺤﻘﻴﻕ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﻻ ﻴﺤﻘﻕ ﻜﻤﺎل ﺍﻟﺭﺯﻕ ﻜﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ، ﻭﻭﻓﻘﺎ ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺘﺘﺯﺍﻴﺩ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﺭﻑ ، ﻭﻓﻲ ﻅل ﻋﻭﺍﺌﺩ ﺍﻟﺘﺭﻑ ، ﻷﻥ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﻴﺠﻌل ﺃﺴﻌﺎﺭ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺎﺕ ﻤﺭﺘﻔﻌﺔ ، ﻭﻴﺠﻌل ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻌﻴﺵ ﻤﺘﻌﺩﺩﺓ ﺃﻴﻀﺎﹰ ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﺓ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻭﺍﺤﺩﺍﹰ ﻓﻲ ﻜل ﻤﻥ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﻭﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ ، ﻷﻥ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻌﺯﻟﺔ ﻟﻴﺴﺕ ﻫﻲ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨـﺔ ، ﻓﺎﻹﺒل ﻭﺍﻟﻐﻨﻡ ﻭﺍﻟﺒﻘﺭ ﻭﺍﻟﺩﺠﺎﺝ ﻭﺍﻟﺨﻴـل ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻗـﺩ ﺘﻜـﻭﻥ ﺃﺸـﻴﺎﺀ )١( ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺹ ٩٤٦. ٤١
- 19. ﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ ، ﻷﻨﻬﺎ ﺘﻭﻓﺭ ﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﻌﻴﺵ ﺍﻟﻀـﺭﻭﺭﻴﺔ ، ﻜـﺎﻟﻠﺤﻡ ﻭﺍﻟﻠـﺒﻥ ﻭﺍﻟﺤﻠﻴﺏ ﻭﺍﻟﺒﻴﺽ ﻭﺍﻟﺯﺭﻉ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺒل ﻓﺈﻨﻨﺎ ﻨﺠﺩ ﺃﻥ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﺘﺘﻁﻠﺏ ﺃﺸﻴﺎﺀ ﺃﺨـﺭﻯ ﻟﻴﺴﺕ ﻫﻲ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ ، ﻓﺎﻟﺒﻴﺕ ﻭﺍﻟﺘﺄﺜﻴـﺙ ، ﻭﻭﺴـﺎﺌل ﺍﻟﻨﻘـل ، ﻭﺍﻟﻜﻬﺭﺒـﺎﺀ ، ﻭﺍﻟﻤﺫﻴﺎﻉ ﻭﺍﻟﺘﻠﻴﻔﺯﻴﻭﻥ ﻭﺍﻟﺜﻼﺠﺔ ﻫﻲ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ، ﺇﺫ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﺃﻥ ﻴﻘﺒل ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻠﻌﻤل ﻻ ﺘﻭﻓﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ . ﻭﻴﺭﻯ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ ﺘﻜﺜﺭ ﻤﻊ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻻﺭﺘﻔﺎﻉ ﺍﻷﺴـﻌﺎﺭ ﻓـﻲ ﺍﻟﻤﺭﺍﻓﻕ ﻭﺍﻷﻗﻭﺍﺕ ، ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺘﺘﺯﺍﻴﺩ ﻤﻊ ﺍﺯﺩﻴﺎﺩ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻟﻜﻲ ﺘﻠﺒﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ . ﻭﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻻ ﺘﻘﺘﺼـﺭ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﻐـﺫﺍﺀ ﻭﺍﻷﻗـﻭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻼﺒﺱ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺘﺘﻌﺩﻯ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺩﻭﺩ ﻟﻜﻲ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﻌﺒﺭﺓ ﻋـﻥ ﻤﻌﻨـﻰ ﺍﻟﻜﻔﺎﻴـﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺴﻠﻴﻤﺔ ، ﻴﻌﻴﺵ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﻗﻬﺭ ﺃﻭ ﺫل ﺃﻭ ﺤﺎﺠﺔ . ﻣﻌﯾﺎر ﺗﺣدﯾد ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌﻣل : ﻤﻌﻴﺎﺭ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻋﻨﺩ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﻭﻥ ﻴﺭﺠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻭﺍﻤل ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ : )١( ﻣﻘدار اﻟﻌﻣل : ﻭﺍﻟﻘﺩﺭ ﻫﻨﺎ ﻫﻭ ﻗﺩﺭ ﻤﺎﺩﻱ ﻭﻜﻴﻔﻲ ، ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﻘﺩﺭ ﻴﻌﺘﺒﺭ ﻋﺎﻤﻼﹰ ﺃﺴﺎﺴﻴﺎﹰ ﻓﻲ ﻋﻭﺍﻤـل ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﺤﺩﺩ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟـﺯﻤﻥ ، ﺒﺎﺴـﺘﻌﻤﺎل ﺍﻟﻤﻌﻴـﺎﺭ ﺍﻟﺯﻤﻨﻲ ، ﻭﻫﻭ ﻋﻨﺼﺭ ﺃﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴـﺘﻐﺭﻕ ﻴﻭﻤـﺎﹰ ﻜﺎﻤﻼﹰ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻤﺴﺎﻭﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤل ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﺘﻐﺭﻕ ﺴﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺒﻌﺽ ﺴﺎﻋﺔ ، ﻭﻻ ﻴﻌﻨﻲ ﻫﺫﺍ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴﺔ ﺃﻗل ﻤﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻴﻭﻡ ﺍﻟﻜﺎﻤـل ، ﺫﻟـﻙ ﺃﻥ ﻫﻨـﺎﻙ ﻋﻭﺍﻤل ﺃﺨﺭﻯ ، ﻻ ﺘﻘل ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺯﻤﻨﻲ ، ﻜﺎﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ، ﺇﺫ ﺃﻨﻨﺎ ﻨﺠﺩ ﺃﺤﻴﺎﻨـﺎﹰ ﺃﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤل ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺘﻔﻭﻕ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤل ﻴﻭﻡ ﻜﺎﻤل ﻤﻥ ﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺃﺨﺭﻯ ﺃﻗل ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺃﻗل ﻨﺩﺭﺓ . ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺯﻤﻨﻲ ﻋﺎﻤ ﹰ ﻤﻥ ﻋﻭﺍﻤـل ﻼ ﺍﻟﺘﺤﺩﻴﺩ ﻴﺅﺨﺫ ﺒﻪ ﻓﻲ ﻤﺠﺎل ﺘﻘﻭﻴﻡ ﻗﻴﻡ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻙ ﻴﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﻭﺍﺤـﺩ ، ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺜل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﺭﻑ ﻭﺍﻟﻨﺩﺭﺓ ، ﻓﺄﺠﺭ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﺎﻤل ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻌﺎﺩل ﺃﺠﺭ ﻴﻭﻡ ﻜﺎﻤل ﻟﻌﺎﻤل ﺒﻨﺎﺀ ﺁﺨﺭ ، ﻓﻲ ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﻓﻲ ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨـﺔ ﻭﺍﻟﺯﻤـﺎﻥ ، ﻭﻟﻜﻥ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻴﻭﻡ ﻋﻤل ﻟﻌﺎﻤل ﺒﻨﺎﺀ ، ﻭﻴﻭﻡ ﻋﻤل ﻟﻤﻬﻨﺩﺱ ﻤﺨﺘﺹ ﺒﺎﻟﺒﻨـﺎﺀ ، ﻻﺨﺘﻼﻑ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ، ﻭﺤﺠﻡ ﺃﺜﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻤﻴﺩﺍﻥ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻓﺎﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴـﺔ ﻟﻠﻤﻬﻨـﺩﺱ ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻱ ﺘﻌﺎﺩل ﺃﻀﻌﺎﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴﺔ ﻟﻌﺎﻤل ﺒﺴﻴﻁ ، ﻷﻥ ﺤﺠﻡ ﺇﺴﻬﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﻨـﺩﺱ ٥١
- 20. ﺃﻜﺒﺭ ﻭﺃﻜﺜﺭ ﻨﺩﺭﺓ ، ﻓﻀﻼﹰ ﻋﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻬﻨﺩﺱ ﻗﺩ ﺼﺭﻑ ﻭﻗﺘﺎﹰ ﻁﻭﻴﻼﹰ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﺩﺍﺩ ، ﻟﻜﻲ ﻴﺘﻤﻜﻥ ﻤﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻋﻁﺎﺅﻩ ﺨﻼل ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴﺔ ﻤﺘﺠﺎﻭﺯﺍ ﺤﺩﻭﺩ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﻴﺩﻭﻱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻁ . ﹰ )٢( ﺷرف اﻟﻌﻣل : ﻭﺍﻟﻤﺭﺍﺩ ﺒﺸﺭﻑ ﺍﻟﻌﻤل ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﻤﻭﻀـﻭﻋﻪ ﺸـﺭﻴﻔﺎ ، ﻜﺎﻟﺘﻭﻟﻴـﺩ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺒﺔ ﻭﺍﻟﻭﺭﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻁﺏ ، ﻭﻫﺫﻩ ﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺸﺭﻴﻔﺔ ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺃﺨﺭﻯ ﺃﻗـل ﺸﺭﻓﺎ ، ﻜﺎﻟﻔﻼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻁﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﻜﺔ . ﹰ ﻭﺍﻋﺘﻘﺩ ﺃﻥ ﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺸﺭﻑ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺇﺨﻀـﺎﻋﻪ ﻟﻤﻌﻴـﺎﺭ ﺩﻗﻴﻕ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﻤﻌﻴﺎﺭ ﻨﺴﺒﻲ ، ﻴﺤﺩﺩﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻭﻗﺩ ﺘﺘﻐﻴﺭ ﻨﻅـﺭﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ ﺇﻟﻰ ﺼﻨﺎﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ، ﻓﺘﻨﺘﻘل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﻤﻥ ﺼـﻨﺎﻋﺎﺕ ﻏﻴـﺭ ﺸـﺭﻴﻔﺔ ﺇﻟـﻰ ﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺸﺭﻴﻔﺔ ، ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻜﺱ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ . ﻭﻗﺩ ﻋﺒﺭ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻋﻥ ﺸﺭﻑ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﻓﻘﺎل : " ﺍﻋﻠﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﻜﺜﻴﺭﺓ ، ﻟﻜﺜﺭﺓ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﺍﻟﻤﺘﺩﺍﻭﻟـﺔ ﻓـﻲ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻓﻬﻲ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﺒﺤﻴﺙ ﺘﺸﺫ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﺼﺭ ﻭﻻ ﻴﺄﺨﺫﻫﺎ ﺍﻟﻌﺩ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻤﻨﻬـﺎ ﻤـﺎ ﻫـﻭ ﻀﺭﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺃﻭ ﺸﺭﻴﻑ ﺒﺎﻟﻤﻭﻀﻭﻉ .. ﻓﺄﻤـﺎ ﺍﻟﻀـﺭﻭﺭﻱ ﻓﻜﺎﻟﻔﻼﺤـﺔ ﻭﺍﻟﺒﻨـﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻁﺔ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﻜﺔ ، ﻭﺃﻤﺎ ﺍﻟﺸﺭﻴﻔﺔ ﺒﺎﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﻓﻜﺎﻟﺘﻭﻟﻴـﺩ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺒـﺔ ﻭﺍﻟﻭﺭﺍﻗـﺔ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻁﺏ")١(. ﻭﻴﻔﻬﻡ ﻤﻥ ﻜﻼﻡ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻤﺎ ﻫﻭ ﻀﺭﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤـﺭﺍﻥ ﻟـﻴﺱ ﺼـﻨﺎﻋﺔ ﺸﺭﻴﻔﺔ ، ﻭﻫﺫﺍ ﻤﻌﻴﺎﺭ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻡ ﺒﻪ ، ﻭﻻ ﺃﻅﻥ ﺃﻥ ﺍﺴﺘﻌﻤﺎل ﻜﻠﻤﺔ " ﺍﻟﺸﺭﻑ " ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﻤﻤﺎ ﻴﺤﺴﻥ ﺍﺴﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ، ﻭﻴﻤﻜﻥ ﺍﺴﺘﺒﺩﺍل ﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺸﺭﻑ ﺒﻜﻠﻤﺎﺕ ﺃﺨﺭﻯ ﺃﻜﺜﺭ ﺩﻻﻟﺔ ﻋﻥ ﻤﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﺨﺼﺹ ﻭﺍﻟﺩﻗﺔ ، ﻤﻤﺎ ﻴﺘﻁﻠﺏ ﻤﻌﻪ ﻜﻔﺎﺀﺍﺕ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ، ﻓﺎﻟﻁﺏ ﻤﺜﻼ ﻟـﻴﺱ ﺃﻜﺜﺭ ﺸﺭﻓﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﻤﻌﻨﻲ ﺍﻟﺸﺭﻑ ﻴﺩل ﻋﻠﻲ ﻤﻌﺎﻥﹴ ﻋﺩﺓ ، ﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺇﻁﻼﻗﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻌﻤﻭﻡ ﻤﺎ ﻴﻨﺎﻓﻲ ﻗﻴﻡ ﺍﻟﺸﺭﻑ ﻭﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ، ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻟﻘﻭل ﺒـﺄﻥ ﻤﻬﻨـﺔ ﺍﻟﻁـﺏ ﺘﺘﻁﻠﺏ ﻜﻔﺎﺀﺓ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻤﺘﻔﻭﻗﺔ ، ﻭﺠﻬﺩﺍﹰ ﻋﻠﻤﻴﺎﹰ ﻜﺒﻴﺭﺍﹰ ، ﻭﺇﻋﺩﺍﺩﹰ ﻁﻭﻴ ﹰ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓـﺈﻥ ﻗﻴﻤـﺔ ﻼ ﺍ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺏ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ، ﻭﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻡ ﺃﻴﻀﺎ ﺒﺄﻥ ﻤـﺎ ﻜـﺎﻥ ﻤﻭﻁﻨﻪ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺃﻭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ، ﻫﻭ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻤﻭﻁﻨﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻤـﺎﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺒـﺎﺕ ، )١( ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺹ ٢٢٧. ٦١
- 21. ﻓﺎﻟﺤﺠﺎﻤﺔ ﻤﻬﻨﺔ ﻟﻴﺴﺕ ﺸﺭﻴﻔﺔ ، ﻤﻊ ﺃﻥ ﻤﻭﻀﻭﻋﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﻤﻭﻁﻨﻬـﺎ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ، ﻭﻓـﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺒل ﻓﺈﻥ ﺼﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺫﻫﺏ ﻤﻬﻨﺔ ﺸﺭﻴﻔﺔ ﻤﻊ ﺃﻥ ﻤﻭﻀﻭﻋﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺩﻥ ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺩﻥ ﻤﻬﻤﺎ ﻜـﺎﻥ ﻨﻔﻴﺴﺎ ﻭﻏﺎﻟﻴﺎ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺃﺸﺭﻑ ﻤﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ . ﺘﺘﺤﺩﺩ ﻋﻠﻲ ﺃﺴﺎﺴﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤـل ، ﻓﺈﻥ ﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻲ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ﺘﻌﺘﺒﺭ ﻋﺎﻤﻼ ﺃﻜﺜﺭ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل . ﻭﻤﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻨﻁﻠﻕ ، ﻭﻫﻭ ﻤﻨﻁﻠﻕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﺘﺭﺘﻔﻊ ﻗﻴﻡ ﺒﻌﺽ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨـﺕ ﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ، ﻭﺒﺨﺎﺼﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺘﺸﺘﺩ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻴﺨﺼـﺹ ﻓﺼـﻼ ﺨﺎﺼﺎ ﻟﻠﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﺌﻤﻴﻥ ﺒﺄﻤﺭ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻀـﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺘﻴـﺎ ﻭﺍﻟﺘـﺩﺭﻴﺱ ﻭﺍﻹﻤﺎﻤـﺔ ﻭﺍﻟﺨﻁﺎﺒﺔ ﻭﺍﻷﺫﺍﻥ ، ﻭﻨﺤﻭ ﺫﻟﻙ ، ﻻ ﺘﻌﻅﻡ ﺜﺭﻭﺘﻬﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺏ ، ﻭﺍﻟﺴﺒﺏ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺴﺏ – ﻜﻤﺎ ﻗﺩﻤﻨﺎﻩ – ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻭﺃﻨﻬﺎ ﻤﺘﻔﺎﻭﺘﺔ ﺒﺤﺴﺏ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻷﻋﻤـﺎل ﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻜﺎﻨﺕ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺃﻋﻅﻡ ، ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺸـﺩ ، ﻭﺃﻫـل ﻫـﺫﻩ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ﻻ ﺘﻀﻁﺭ ﺇﻟﻴﻬﻡ ﻋﺎﻤﺔ ﺍﻟﺨﻠﻕ ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻴﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻲ ﻤﺎ ﻋﻨﺩﻫﻡ ﺍﻟﺨﻭﺍﺹ ﻤﻤﻥ ﺃﻗﺒل ﻋﻠﻲ ﺩﻴﻨﻪ ، ﻭﺇﻥ ﺍﺤﺘﻴﺞ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺼـﻭﻤﺎﺕ ﻓﻠـﻴﺱ ﻋﻠـﻲ ﻭﺠـﻪ ﺍﻻﻀﻁﺭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻌﻤﻭﻡ ، ﻓﻴﻘﻊ ﺍﻻﺴﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻥ ﻫﺅﻻﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﻜﺜﺭ)١(. ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﺹ ﻴﺅﻜﺩ ﻤﺫﻫﺏ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻫﻭ ﺤﺠﻡ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻌﻤل ﻜﺒﻴﺭﺓ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻤﻜﻥ ﺍﻻﺴﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋـﻥ ﺫﻟـﻙ ﺍﻟﻌﻤل ﻟﻘﻠﺔ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻜﺎﻨﺕ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﺒﺤﺴﺏ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﻭﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻨﺴﺒﻴﺔ ، ﻓﻘﺩ ﺘﻜـﻭﻥ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺕ ﺩﻭﻥ ﺁﺨﺭ ، ﻭﻗﺩ ﺘﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺯﻤﻥ ﺩﻭﻥ ﺁﺨﺭ ، ﻷﻨﻬﺎ ﻤﻤﺎ ﻴﺨﻀـﻊ ﻟﻤﻌﻴـﺎﺭ ﻨﺴﺒﻲ ، ﻭﺸﺨﺼﻲ ، ﻓﻘﺩ ﺘﻜﻭﻥ ﺤﺎﺠﺔ ﺸﺨﺼﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻭﺇﻥ ﻗﻴﻡ ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﺒﺸﻜل ﻋﺎﻡ ، ﻭﻟﻴﺱ ﻓﻘﻁ ﻗﻴﻡ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﺘﺨﻀﻊ ﻟﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ، ﻭﻜﻠﻤﺎ ﺍﺸﺘﺩﺕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻲ ﺸﻲﺀ ﺍﺭﺘﻔﻊ ﺴﻌﺭﻩ ، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻋﻤﺎل ، ﻓﺎﻷﻋﻤﺎل ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﺸﺘﺩ ﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﻴﻤﻬﺎ ﻤﺭﺘﻔﻌﺔ ، ﻭﺘﺯﺩﺍﺩ ﺍﺭﺘﻔﺎﻋﺎ ﻜﻠﻤﺎ ﻨﻘﺹ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻴﻥ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺒﺘﻠﻙ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻭﺘﺩﺨل ﻋﻨﺩﺌﺫ ﻀﻤﻥ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻨﺩﺭﺓ ، ﻭﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻌﺭﺽ ﻭﺍﻟﻁﻠﺏ . ﻭﺃﻫل ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺏ ﻻ ﺘﻌﻅﻡ ﺜﺭﻭﺘﻬﻡ ، ﻟﻌـﺩﻡ ﺍﻟﺤﺎﺠـﺔ ﺇﻟـﻲ ﺘﻠـﻙ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ، ﻭﻟﻌﺩﻡ ﺤﺎﺠﺔ ﻤﻌﻅﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻲ ﺍﻻﺴﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒﻬﻡ ، ﻭﻴﺴﺘﺜﻨﻲ ﻤﻥ ﺫﻟـﻙ ﻓﺌـﺔ ﻤـﻥ ﺍﻟﺨﻭﺍﺹ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﻴﻥ ﻋﻠﻲ ﺩﻴﻨﻬﻡ ، ﻭﻴﺒﺩﻭ ﺃﻥ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﺍﻻﺴﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻜﺎﻨﺕ ﻤﻥ ﻤﻅﺎﻫﺭ )١( ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺹ ١٠٧. ٧١
- 22. ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﺼﺭ ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻗﺩ ﺴﺠل ﺫﻟﻙ ، ﻭﺍﺴﺘﺸﻬﺩ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﻟﻠﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﻗﻴﻡ ﺍﻷﻋﻤﺎل ، ﻭﺃﻥ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺘﺤﺩﺩ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻬﺎ . ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺴﺒﺏ ﺁﺨﺭ ﺃﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ، ﻭﻟﻌﻠﻪ ﺍﻟﺴﺒﺏ ﺍﻷﻫﻡ ، ﻭﻫﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ " ﻟﺸﺭﻑ ﺒﺼﻨﺎﺌﻌﻬﻡ ﺃﻋﺯﺓ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺨﻠﻕ ﻭﻋﻨﺩ ﻨﻔﻭﺴﻬﻡ ، ﻓﻼ ﻴﺨﻀﻌﻭﻥ ﻷﻫـل ﺍﻟﺠـﺎﻩ ﺤﺘـﻰ ﻴﻨﺎﻟﻭﺍ ﻤﻨﻪ ﺤﻅﺎ ﻴﺴﺘﺩﺭﻭﻥ ﺒﻪ ﺍﻟﺭﺯﻕ ، ﺒل ﻭﻻ ﺘﻔﺭﻍ ﺃﻭﻗﺎﺘﻬﻡ ﻟﺫﻟﻙ ، ﻟﻤﺎ ﻫﻡ ﻓﻴﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﺸﻐل ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﺼﻨﺎﺌﻊ ﺍﻟﺸﺭﻴﻔﺔ ، ﺍﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻲ ﺃﻋﻤﺎل ﺍﻟﻔﻜﺭ ﻭﺍﻟﺘﺩﺒﺭ ، ﺒـل ﻭﻻ ﻴﺴـﻌﻬﻡ ﺍﺒﺘـﺫﺍل ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ ﻷﻫل ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ، ﻟﺸﺭﻑ ﺼﻨﺎﺌﻌﻬﻡ ، ﻓﻬﻡ ﺒﻤﻌﺯل ﻋﻥ ﺫﻟﻙ ")١(. ٣ – ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻣﺗﺣرﻛﺔ : ﻭﻻﺸﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻭﺍﻤل ﺍﻟﺜﻼﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻜﺭﻫﺎ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻭﻫﻲ : ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﺩﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻟﻬﺫﺍ ﺘﺨﺘﻠﻑ ﻗﻴﻡ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﺒﺤﺴـﺏ ﺘﻠـﻙ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ، ﻤﻤﺎ ﻴﺠﻌل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻤﺘﺤﺭﻜﺔ ، ﺘﺘﻨﺎﺴﺏ ﺒﺤﺴﺏ ﺍﻟﺘﻁـﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺯﻤﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﻭﻻ ﻋﺠﺏ ﻓﻲ ﻅل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻴﻘﻊ ﺍﻻﺴﺘﻐﻼل ﺒﺸﻜل ﺒﺸﻊ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻴﻡ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻁﺭﻑ ﺍﻷﻗﻭﻯ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠـﻲ ﺍﺴـﺘﻐﻼل ﺍﻟﻁﺭﻑ ﺍﻷﻀﻌﻑ ، ﻭﻓﺭﺽ ﺸﺭﻭﻁﻪ ﺒﻁﺭﻴﻘﺔ ﻻ ﺘﺘﺭﻙ ﺤﺭﻴﺔ ﺍﻻﺨﺘﻴﺎﺭ ﻟﻠﻁﺭﻑ ﺍﻵﺨﺭ ، ﻤﻤـﺎ ﻴﺠﻌل ﺍﻷﺠﻭﺭ ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﻴﺱ ﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤل ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺘﺨﻀﻊ ﻟﻠﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﻴﻁ ﺒﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﻘﺩﺭﺓ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﻀﻴﺔ ﻷﻁﺭﺍﻑ ﻋﻘﺩ ﺍﻟﻌﻤل . ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻗﺩ ﺘﺤﺩﺙ ﻋﻥ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﺸﺭﻓﻪ ﻭﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻨـﺎﺱ ﺇﻟﻴـﻪ ﻜﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻟﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻓﺈﻨﻪ ﻟﻡ ﻴﺘﺤﺩﺙ ﻋﻥ ﻋﺎﻤل ﺨﺎﺭﺠﻲ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺇﻨﻜﺎﺭ ﺃﺜﺭﻩ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﻫﻭ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺱ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻗﻴﻤﺘـﻪ ، ﻭﺍﻟﺘﻨـﺎﻓﺱ ﻴﻀـﻌﻑ ﺍﻟﻘـﺩﺭﺓ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﻀﻴﺔ ﻷﺤﺩ ﺃﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﻌﻘﺩ ، ﻭﻫﻭ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺠﺩ ﻨﻔﺴﻪ ﻤﻀﻁﺭﺍ ﻟﻠﻘﺒﻭل ﺒﻘﻴﻤﺔ ﻟﻠﻌﻤل ﺃﻗل ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ، ﺒﺴﺒﺏ ﻜﺜﺭﺓ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﻴﻥ ، ﻭﺘﻨﺎﻓﺴﻬﻡ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻤﻤﺎ ﻴﺠﻌﻠﻬﻡ ﻓﻲ ﻭﻀﻊ ﺍﺴﺘﺴﻼﻡ ﻟﻠﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺭﻭﻀﺔ . ﻭﻗﺩ ﺘﺤﺩﺙ ﺍﺒﻥ ﺨﻠﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﻤﻭﻁﻥ ﺁﺨﺭ ﻋﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺭ ﺃﻥ ﺍﻏﺘﺼـﺎﺏ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻜﻠﻪ ﺃﻭ ﺠﺯﺀ ﻤﻨﻪ ، ﻴﺩﺨل ﻀﻤﻥ ﺍﻟﻅﻠﻡ ﺍﻟﻤﺅﺫﻥ ﺒﺎﻟﺨﺭﺍﺏ . ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﻫﻭ ﻭﺴـﻴﻠﺔ ﺍﻟﻜﺴﺏ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻨﺘﻘﺹ ﺤﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺒﻁل ﻜﺴﺒﻪ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺒﻁل ﻜﺴـﺒﻪ ﻭﻗـﻊ ﺍﻟﻅﻠـﻡ ﻋﻠﻴـﻪ ، )١( ﺍﻟﻤﻘﺩﻤﺔ ﺹ ٢٠٧. ٨١
- 23. ﻭﺍﻨﺘﻘﺹ ﺒﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ﻤﺭﺘﺒﻁ ﺒﺎﻟﻤﻌﺎﺵ ، ﻭﺴﻼﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌـﺎﺵ ﻫـﻭ ﻭﺴﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﻤﺭﺍﻥ ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﺍﻨﺘﻘﺎﺹ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﻴﻌﺘﺒﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻅﻠﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺅﺩﻯ ﺇﻟﻲ ﻋﻭﺍﻗﺏ ﺴﻴﺌﺔ . ﻭﻗﺎل ﻓﻲ ﺼﺩﺩ ﺫﻟﻙ : " ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﻠﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﺇﻨﻤﺎ ﻤﻌﺎﺸﻬﻡ ﻭﻤﻜﺎﺴﺒﻬﻡ ﻤﻥ ﺍﻋﺘﻤﺎﻟﻬﻡ ﺫﻟﻙ . ﻓﺈﺫﺍ ﻜﻠﻔﻭﺍ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﻏﻴﺭ ﺸﺄﻨﻬﻡ ، ﻭﺍﺘﺨﺫﻭﺍ ﺴﺨﺭﻴﺎ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﺸﻬﻡ ﺒﻁل ﻜﺴﺒﻬﻡ ، ﻭﺍﻏﺘﺼﺒﻭﺍ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤﻠﻬﻡ ﺫﻟﻙ ، ﻭﻫﻭ ﻤﻤﻭﻟﻬﻡ ، ﻓﺩﺨل ﻋﻠﻴﻬﻡ ﺍﻟﻀﺭﺭ " . اﻟﻌﻣل ﻣن ﺧﻼل ﻧﻘﺎﺑﺎت اﻟﺻﻧﻌﺔ ﻤﻊ ﺒﺩﺍﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺴﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﻫﻨﺎﻙ ﺒﻴﻭﺘﺎ ﻴﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﺎل .. ﻋﻤـﺎل ﻜـل ﺼﻨﻌﺔ ﻭﻗﺩ ﺤل ﻤﺤﻠﻬﺎ ﺒﻴﻭﺕ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﻤﺸﻴﺩﺓ ﺒﺎﻟﺤﺠﺭ ﻭﺍﻟﻁﻭﺏ ﺍﻟﻤﺤﺭﻭﻕ ﺘﺘﺴﻊ ﻟﻌـﺩﺓ ﺃﺴـﺭ ﻭﻫﻲ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻴﻌﺭﻑ ﺒﺎﺴﻡ " ﺍﻟﺭﺒﻊ " ﻭﻜﺎﻥ ﻴﻌﻴﺵ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻨﺎﻉ ﻭﺍﻟﻌﻤﺎل ﻭﺼﻐﺎﺭ ﺍﻟﺘﺠـﺎﺭ ، ﻭﺇﻟﻲ ﺠﺎﻨﺒﻬﺎ ﺒﻴﻭﺕ ﺼﻐﻴﺭﺓ ﻤﺒﻨﻴﺔ ﻜﺫﻟﻙ ﺒﺎﻟﺤﺠﺭ ﻭﺍﻟﻁﻭﺏ ﺍﻟﻤﺤﺭﻭﻕ ﻴﺴﻜﻨﻬﺎ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﻨﺎﻉ ﻭﻜﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ، ﻭﻜﺎﻨﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻴﻭﺕ ﺘﻨﺘﻅﻡ ﺤﺩﺍﺌﻕ ﺼﻐﻴﺭﺓ ﺠﻤﻴﻠﺔ ، ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻴﻭﺠﺩ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺇﻨﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﺤﺩﺍﺌﻕ ﺼﻐﻴﺭﺓ ﺠﻤﻴﻠﺔ ، ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻴﻭﺠﺩ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺃﻨﺤـﺎﺀ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨـﺔ ﺤـﺩﺍﺌﻕ ﻋﺎﻤﺔ ﺘﺭﻓﻪ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺸﻌﺏ ﺤﻴﺎﺘﻪ ، ﻭﺘﺅﺩﻱ ﺒﻌﺽ ﻤﺎ ﺘﺅﺩﻴﻪ ﺍﻟﺤﻘﻭل ﺍﻟﺨﻀﺭﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺭﻴﻑ . ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻁﺭﻴﻑ ﺃﻥ ﻨﺫﻜﺭ ﺃﻨﻪ ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘـﺭﻥ ﺍﻟﺴـﺎﺒﻊ ﺍﻟﻬﺠﺭﻱ – ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﻋﺸﺭ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ – ﻤﺸﺎﺘل ﺃﻱ ﺃﻤﺎﻜﻥ ﺘﺒﺎﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﺸﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﺯﻫﻭﺭ ﻭﺍﻟﺭﻴﺎﺤﻴﻥ ، ﻭﻴﺸﺘﺭﻱ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﺒﺎﺘﺎﺕ ﻓﻲ ﺩﺍﺨل ﺃﺼﺹ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﺨﺎﺭ ﻟﻜﻲ ﻴﺯﺭﻋﻭﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺤﺩﺍﺌﻕ ﻤﻨﺎﺯﻟﻬﻡ ، ﺃﻭ ﻴﻀﻌﻭﻫﺎ ﻓﻭﻕ ﺃﺴﻁﺢ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯل ﺃﻭ ﻴﺯﻴﻨﻭﺍ ﺒﻬﺎ ﻤﺴﺎﻜﻨﻬﻡ . ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﺎل ﻴﺯﺍﻭﻟﻭﻥ ﻓﻲ ﺼﻨﺎﻋﺘﻬﻡ ﺍﻟﻴﺩﻭﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺎﺕ ﺼـﻐﻴﺭﺓ ﺃﻭ ﻜﺒﻴـﺭﺓ ﺤﺴﺏ ﻗﺩﺭﺘﻬﻡ ﻭﺤﺴﺏ ﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ، ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺘﺩﺍﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻵﻻﺕ ﺒﺎﻟﻴﺩ . ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻨﻭﺍ ﻴﻨﺘﻅﻤﻭﻥ ﻓﻲ ﻁﻭﺍﺌﻑ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﻭ ﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﺘﺤﻤﻲ ﺤﻘـﻭﻗﻬﻡ ، ﻭﺘﺸـﺭﻑ ﻋﻠﻲ ﺘﺄﺩﻴﺔ ﻭﺍﺠﺒﺎﺘﻬﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻭﺠﻪ ﺍﻷﻜﻤل . ﻭﻟﻘﺩ ﻜﺎﻥ ﻟﻠﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﺘﻘﺎﻟﻴﺩ ، ﻭﻨﻅﻡ ﻴﺤﺘﺭﻤﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ، ﻭﺘﺅﺩﻴﻬﺎ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺒﻨﻔﻭﺫﻫـﺎ ، ﻓﺩﺨﻭل ﺃﻱ ﻓﺭﺩ ﺠﺩﻴﺩ ﻓﻲ ﺤﺭﻓﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺭﻑ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﺃﻤﺭﺍ ﻫﻴﻨﺎ ، ﻷﻨﻪ ﻜـﺎﻥ ﻴﺤﻤـل ﻤﻌﻨـﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻷﺼﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﺍﻷﺼﻠﻴﻴﻥ . ٩١
- 24. ﻭﻜﺎﻥ ﺭﺠﺎل ﺍﻟﺤﺭﻓﺔ ﻻ ﻴﻤﺭﻨﻭﻥ ﺃﺤﺩﺍ ﻋﻠﻲ ﻁﺭﻕ ﺼـﻨﺎﻋﺘﻬﻡ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻴﻜـﻭﻥ ﻤـﻥ ﺃﺒﻨﺎﺌﻬﻡ ، ﻭﻋﻨﺩﺌﺫ ﻻﺒﺩ ﻟﻠﺼﺒﻲ – ﻗﺒل ﺃﻥ ﻴﺼﺒﺢ ﺼﺎﻨﻌﺎ ﻤﺎﻫﺭﺍ – ﺃﻥ ﻴﺴﻠﻙ ﻋﺩﺓ ﺨﻁﻭﺍﺕ ﺜﻡ ﻴﺤﺼل ﺒﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻋﻠﻲ ﺸﻬﺎﺩﺓ ﺒﺄﻨﻪ ﺤﺫﻕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ، ﻭﻴﻨﺎﺩﻱ ﺒـﻪ ﺍﻟﺸـﻴﺦ ﻤﻌﻠﻤﺎ ﻓﻲ ﺼﻨﻌﺘﻪ ﻭﻴﺼﺒﺢ ﺒﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﻋﻀﻭﺍ ﻓﻲ ﻨﻘﺎﺒﺔ ﺤﺭﻓﺘﻪ . ﻭﻋﻨﺩ ﺩﺨﻭل ﻋﻀﻭ ﺠﺩﻴﺩ ﻓﻲ ﺇﺤﺩﻯ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻜﺎﻥ ﻴﻘﺎﻡ ﺤﻔل ﻜﺒﻴﺭ ﻻ ﻴﺨﺘﻠﻑ ﻜﺜﻴﺭﺍ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻔل ﺍﻟﺫﻱ ﻜﺎﻥ ﻴﻘﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﺘﺤﺩﺙ ﻋﻨﻪ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ، ﻓﺎﻟﺘﻁﻭﺭ ﻓﻲ ﻤﺜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺸﺌﻭﻥ ﺒﻁﺊ . ﻭﻴﺘﻠﺨﺹ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺤﻔل ﻓﻲ ﺃﻨﻪ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﺸﺎﺒﺎ ﻗﺩ ﺤﺫﻕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ، ﻭﻴﺭﻴﺩ ﺃﻥ ﻴﺩﺨل ﻓﻲ ﺯﻤﺭﺓ ﺍﻟﺼﻨﺎﻉ ، ﻴﺄﺨﺫﻩ ﻭﺍﻟﺩﻩ ﺇﻟﻲ " ﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ " ﺤﻴﺙ ﻴﺒﺩﻱ ﻟﻪ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻴﺼﺒﺢ ﻭﻟﺩﻩ ﻋﻀﻭﺍ ﺒﺎﻟﻨﻘﺎﺒﺔ ، ﻓﻴﺭﺴل ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﻟﻜﻲ ﻴﺩﻋﻭ ﺭﺅﺴـﺎﺀ ﺍﻟﺤﺭﻓـﺔ ﻭﺒﻌﺽ ﺃﺼﺩﻗﺎﺀ ﺍﻟﻤﺭﺸﺢ . ﻭﻴﺄﺨﺫ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﻓﻲ ﻴﺩﻩ ﺒﺎﻗﺔ ﻤﻥ ﺃﻱ ﻋﺸﺏ ﺃﺨﻀﺭ ﺃﻭ ﻤﻥ ﺍﻷﺯﻫﺎﺭ ، ﻭﻴﺫﻫﺏ ﺇﻟـﻲ ﻜل ﻭﺍﺤﺩ ﻤﻥ ﺭﺅﺴﺎﺀ ﺍﻟﺤﺭﻓﺔ ﻭﺃﺼﺩﻗﺎﺀ ﺍﻟﻤﺭﺸﺢ ﻭﻴﻘﺩﻡ ﻟـﻪ ﻋﺸـﺒﺎ ﺃﻭ ﺯﻫـﺭﺓ ﺃﻭ ﻭﺭﻗـﺔ ﺨﻀﺭﺍﺀ ﻭﻴﻁﻠﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﻔﺎﺘﺤﺔ ﻟﻠﻨﺒﻲ ، ﻭﺒﻌﺩ ﻗﺭﺍﺀﺘﻬﺎ ﻴﻘﻭل ﻟﻪ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﻓﻲ ﻴﻭﻡ ﻜـﺫﺍ ﻓﻲ ﺴﺎﻋﺔ ﻜﺫﺍ ﺘﺤﻀﺭ ﺇﻟﻲ ﻤﻨﺯل ﻓﻼﻥ ﻟﻜﻲ ﺘﺸﺭﺏ ﻓﻨﺠﺎﻨﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻬﻭﺓ . ﻭﻫﺅﻻﺀ ﺍﻟﻤﺩﻋﻭﻭﻥ ﻴﺤﻀﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﻋﺩ ﺍﻟﻤﺤﺩﺩ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻴﻥ ، ﻭﻴﺸـﺭﺒﻭﻥ ﺍﻟﻘﻬﻭﺓ ﺜﻡ ﻴﺘﻨﺎﻭﻟﻭﻥ ﻁﻌﺎﻡ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ، ﻭﺒﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﻴﻘﻭﺩ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺇﻟﻲ ﻤﻜﺎﻥ ﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻴﻘﻔﺎﻥ ﺃﻤﺎﻤﻪ ﻭﻴﻌﺩﺩ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﺏ ، ﺜﻡ ﻴﻁﻠﺏ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺤﺎﻀﺭﻴﻥ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﻔﺎﺘﺤﺔ ﻟﻠﻨﺒﻲ ، ﻭﻋﻘﺏ ﺍﻻﻨﺘﻬﺎﺀ ﻤﻥ ﻗﺭﺍﺀﺘﻬﺎ ، ﻴﺤﺯﻡ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺒﺸﺎل ﻓﻭﻕ ﻤﻼﺒﺴﻪ ، ﻭﻴﻌﻘﺩ ﺍﻟﺸﺎل ﺤﻭﻟﻪ ﻋﻘﺩﺓ ﻭﺍﺤﺩﺓ ، ﺜﻡ ﻴﻁﻠﺏ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﻔﺎﺘﺤﺔ ﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﷲ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻭﻴﻌﻘﺩ ﺍﻟﺸﺎل ﻋﻘﺩﺓ ﺜﺎﻨﻴـﺔ ، ﺜـﻡ ﻴﻁﻠﺏ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﻔﺎﺘﺤﺔ ﻟﻠﻤﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ، ﻭﻴﻌﻘﺩ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﻟﻠﻤﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ . ﻭﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﻋﻨﺩﺌـﺫ ﻤﻥ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺔ ، ﻭﻴﻘﺒل ﻋﻠﻲ ﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻴﻘﺒل ﻴﺩﻩ ﻜﻤﺎ ﻴﻘﺒل ﺃﻴـﺎﺩﻱ ﺯﻤﻼﺌـﻪ ﻓـﻲ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ، ﺜﻡ ﻴﻌﻁﻲ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﺠﻌﻼ ﺼﻐﻴﺭﺍ ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﺤﻔل . إﺗﻘﺎن اﻟﺻﻧﻌﺔ ﺗﺣت إﺷراف ﺷﯾوﺧﮭﺎ : ﻭﻗﺩ ﺍﺯﺩﻫﺭ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻓﻲ ﻅل ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺍﺯﺩﻫﺎﺭﺍ ﻋﻅﻴﻤﺎ ، ﻭﺴﺎﻫﻡ ﺒﺄﻭﻓﺭ ﻨﺼﻴﺏ ﻓﻲ ﺘﻘﺩﻡ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ، ﺇﺫ ﻜﺎﻥ ﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻥ ﻋﻠﻲ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﻨﻘﺎﺒﺘﻪ ، ﻭﺍﻟﻤﻭﺠﻪ ﻟﻬـﻡ ٠٢
- 25. ﻓﻲ ﻓﻨﻬﻡ ، ﻭﻴﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﻘﻴﺏ ﺜﻡ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫ ﺜﻡ ﺍﻷﺴﻁﻭﺍﺕ ﺜﻡ ﺍﻟﻤﺒﺘﺩﺌﻭﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ . ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺃﺴﺭﺍﺭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺘﺩﺭﺱ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﻭﺘﻠﻘﻥ ﺸﻔﻭﻴﺎ ﺒﻴﻥ ﺠﺩﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺼﺎﻨﻊ ، ﻭﻜﺎﻥ ﻟﻠﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﻴﺴﺘﻤﺩ ﺴﻠﻁﺘﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﺔ ، ﻭﻴﺩﻭﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺤـﻭل ﺤﻤﺎﻴـﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤـل ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻙ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺴﻭﺍﺀ ، ﻓﻴﺤﻘﻕ ﻟﻸﻭل ﺴﻬﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻤـﻭﺍﺩ ﺍﻟﺨـﺎﻡ ﺍﻟﻼﺯﻤـﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺔ ، ﻭﻴﻤﻨﻊ ﺍﻻﺤﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻀﺭ ﺒﺎﻟﻌﻤل ، ﻭﻴﺴﻌﻲ ﻟﺭﻓﻊ ﻤﺴﺘﻭﻱ ﺍﻟﻌﺎﻤل ﺍﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ، ﻜﻤﺎ ﻴﻀﻤﻥ ﻟﻠﺜﺎﻨﻲ ﺠﻭﺩﺓ ﺍﻟﻤﺼﻨﻭﻉ ﻭﺇﺘﻘﺎﻥ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ، ﻭﺇﺘﺒﺎﻉ ﺍﻷﺴﺎﻟﻴﺏ ﺍﻟﻤﻘﺭﺭﺓ ﻓﻴﻬـﺎ ) ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻘﺭﻫﺎ ﺸﻴﻭﺥ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ( ، ﻭﻴﻀﺭﺏ ﺒﻴﺩ ﻤﻥ ﺤﺩﻴﺩ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻐﺵ ﻭﺍﻟﺘﺩﻟﻴﺱ . ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻗﺩ ﺍﺨﺘﻔﺕ ﻤﻥ ﺤﻴﺎﺘﻨﺎ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ، ﻭﺃﺼﺒﺢ ﻟﻬـﺎ ﺍﻟﻴـﻭﻡ ﺼﻭﺭﺓ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺘﺨﺎﻟﻑ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺩﻤﻨﺎﻫﺎ ، ﺇﻻ ﺃﻨﻨﺎ ﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻨﺭﻱ ﻟﻬﺎ ﺼﻭﺭﺓ ﺒﺎﻫﺘﺔ ، ﻏﻴﺭ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻡ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺘﺘﻤﺜل ﻓﻲ ﺠﻠﻭﺱ ﺃﺒﻨﺎﺀ ﻜل ﺤﺭﻓﺔ ﻓﻲ " ﻗﻬﻭﺓ ﻤﻌﻴﻨﺔ " ﻴﻠﺠﺄ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﻴﺭﻴﺩ " ﻨﺠﺎﺭﺍ " ﺃﻭ " ﻤﻨﺠﺩﺍ " ﺃﻭ " ﻨﻘﺎﺸﺎ " ﻭﺘﺘﻤﺜل ﻟﻨﺎ ﺃﻴﻀﺎ ﻓـﻲ " ﻤﻭﺍﻜـﺏ ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ " ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﻴﺭ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺒﻼﺩ ﺍﻟﺭﻴﻑ ﺇﻴﺫﺍﻨﺎ ﺒﺒﺩﺀ ﺍﻟﺼﻭﻡ ، ﻓﻔﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻭﻜـﺏ ﻴﺴـﻴﺭ ﻤﻤﺜﻠﻭﻥ ﻟﻠﺤﺭﻑ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ، ﻭﻴﻌﻠﻡ ﻜل ﻓﺭﻴﻕ ﻤﻨﻬﻡ ﻋﻥ ﺤﺭﻓﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺯﺍﻭﻟﻬﺎ . ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻠﻁﺔ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﻤﻲ ﺍﻟﻤﺴـﺘﻬﻠﻙ ﻭﺍﻟﻌﺎﻤـل ﻋﻠـﻲ ﺍﻟﺴﻭﺍﺀ ، ﻓﻘﺩ ﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻨﺸﺄ ﻓﻴﻪ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﺒﻥ ﻗﻼﻭﻭﻥ ) ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺴﺎﺒﻊ ﺍﻟﻬﺠﺭﻱ – ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﻋﺸﺭ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ ( ﻤﻭﻅﻑ ﺤﻜﻭﻤﻲ ﻜﺒﻴﺭ ، ﻟﻪ ﺍﻹﺸﺭﺍﻑ ﺍﻟﻤﻁﻠﻕ ﻋﻠﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒـﺎﺕ ﺒل ﻭﻋﻠﻲ ﻜل ﻤﺎ ﻴﺘﺼل ﺒﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ﻤﻥ ﺤﻴـﺙ ﺍﻷﻤـﺭ ﺒـﺎﻟﻤﻌﺭﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻨﻜﺭ . ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﻫﻭ " ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ " ﻭﻭﻅﻴﻔﺘﻪ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﺴﻤﻲ " ﺍﻟﺤﺴـﺒﺔ " ، ﻭﻫﻲ ﻭﻅﻴﻔﺔ ﺃﻭﺠﺩﻫﺎ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﺭﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻻ ﻏﻨﻲ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻤﻊ ﻏﻴﺭﻩ ، ﻭﺃﺩﺭﻙ ﺃﻨﻪ ﻟﻜﻲ ﻴﺴﺘﻘﻴﻡ ﺃﻤﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻻﺒﺩ ﻤﻥ ﺇﻴﺠﺎﺩ ﺴﻠﻁﺔ ﺘﻠﺯﻡ ﻜل ﺇﻨﺴﺎﻥ ﺤﺩﻩ ، ﻭﻻ ﺘﺘﺭﻙ ﻤﺠﺎﻻ ﻋﻤﻥ ﺘﺤﺩﺜﻪ ﻨﻔﺴﻪ ﺒﺎﻟﺸﺭ ﺃﻥ ﻴﻌﺒﺙ ﺒﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻨـﺎﺱ ، ﺃﺭﻀـﺎﺀ ﻟﺸـﻬﻭﺓ ﺠﺎﻤﺤﺔ ، ﺃﻭ ﻨﺯﻭﺓ ﻁﺎﺭﺌﺔ . ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب أوﺟد وظﯾﻔﺔ اﻟﻣﺣﺗﺳب : ﻭﺃﻭل ﻤﻥ ﺃﻭﺠﺩ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻭﻅﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻫﻭ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻋﻤﺭ ﺒﻥ ﺍﻟﺨﻁـﺎﺏ ، ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ﺍﻷﻭل ﺍﻟﺫﻱ ﻜﺎﻥ ﺃﻭل ﻤﻥ ﺃﺸﺭﻑ ﺒﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠـﻲ ﺍﻷﺴـﻭﺍﻕ ، ﻭﻋـﺎﻴﻥ ﺍﻟﻤﻜﺎﻴﻴـل ﻭﺍﻟﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ، ﻭﺃﻤﺭ ﺒﺈﻤﺎﻁﺔ ﺍﻷﺫﻯ ﻋﻥ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ . ١٢
- 26. ﻭﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﺃﻋﻤﺎل ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ﻟﻡ ﺘﻘﻑ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﺤﺩ ﺍﻟﺫﻱ ﻭﻗﻑ ﻋﻨـﺩﻩ " ﻋﻤـﺭ " ﺒـل ﺍﺘﺴﻌﺕ ﺩﺍﺌﺭﺘﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﺸﻤﻠﺕ ﺠﻤﻴﻊ ﻤﺎ ﻴﺘﺼل ﺒﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺩﻨﻴﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ، ﻓﺼﺎﺭ ﻴﻔﺼل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺌل ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺼﺒﻐﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻴﺔ ﻤﺘﻰ ﻜﺎﻨﺕ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﻻ ﺘﻌﻘﻴﺩ ﻓﻴﻬﺎ ، ﺃﻤﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﺌل ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﻤﻥ ﺴﻤﺎﻉ ﺸﻬﻭﺩ ، ﻭﺘﺤﻠﻴﻑ ﻴﻤﻴﻥ ﻏﻴﺭ ﺫﻟـﻙ ﻤﻤـﺎ ﺘﺘﻁﻠﺒـﻪ ﺍﻟﻘﻀـﺎﻴﺎ ﺍﻟﻐﺎﻤﻀﺔ ﻓﻜﺎﻨﺕ ﺘﺭﻓﻊ ﻋﺎﺩﺓ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ . ﻭﻜﺎﻥ ﻴﻨﺒﻪ ﺃﻭﻟﻲ ﺍﻷﻤﺭ ﺇﻟﻲ ﺍﻷﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﺍﻵﻴﻠﺔ ﻟﻠﺴﻘﻭﻁ ﺒﺴﺒﺏ ﺇﻫﻤﺎل ﺇﺼـﻼﺤﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﻴﻌﻤﻠﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺩﻓﻊ ﺃﺨﻁﺎﺭ ﺴﻘﻭﻁﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ . ﻭﻜﺎﻥ ﻴﻁﻭﻑ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ ﺒﻴﻥ ﻭﻗﺕ ﻭﺁﺨﺭ ، ﻭﻴﺴﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﻁﻭﺍﻓﻪ ﻤﻭﻅﻑ ﻴﺤﻤل ﻤﻴﺯﺍﻨﺎ ﻜﺒﻴﺭﺍ ﻭﻴﺘﺒﻌﻪ ﺍﻟﺠﻼﺩﻭﻥ ﻭﺒﻌﺽ ﺍﻟﺨﺩﻡ ﻭﺍﻷﺘﺒـﺎﻉ ، ﻓﻴﻌـﺎﻴﻥ ﺍﻟﻤـﻭﺍﺯﻴﻥ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻴﻴـل ﺍﻟﺘـﻲ ﻴﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﺤﺘﻰ ﻴﺘﺤﻘﻕ ﻤﻥ ﺼﺤﺘﻬﺎ ، ﻭﻴﺴﺄل ﻋﻥ ﺃﺴﻌﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﻟﻴﺘﺄﻜـﺩ ﻤـﻥ ﺃﻨﻬـﺎ ﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ﻟﻴﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺴﺘﻐﻼل ﻟﻠﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻴﻥ ، ﻭﻗﺩ ﻴﺼﺎﺩﻓﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﺃﺤﺩ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ﺤﺎﻤﻼ ﺴﻠﻌﺔ ﺍﺸﺘﺭﺍﻫﺎ ﻤﻥ ﺃﺤﺩ ﺍﻟﺒﺎﻋﺔ ﻓﻴﺴﺘﻭﻗﻔﻪ ، ﻭﻴﺴﺄﻟﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻭﺯﻥ ﻭﻋﻥ ﺍﻟﺜﻤﻥ ﺍﻟـﺫﻱ ﺩﻓﻌـﻪ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺠﺩ ﺒﺎﺌﻌﺎ ﻟﻡ ﻴﻭﻑ ﺍﻟﻜﻴل ﺃﻭ ﺍﻟﻭﺯﻥ ، ﺃﻭ ﺒﺎﻉ ﺒﺴﻌﺭ ﻴﺯﻴﺩ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺴﻌﺭ ﺍﻟﻤﻨﺎﺴﺏ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩ ﻓـﻲ ﺍﻟﺴﻭﻕ ، ﺃﻭ ﺍﺤﺘﺎل ﺒﻁﺭﻴﻘﺔ ﻤﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﺴﺘﻐﻼل ﺍﻟﺸﺎﺭﻱ ، ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎل ، ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻀﺭﺏ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻠﺩ . ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻨﺕ ﻫﻨﺎﻙ ﻁﺭﻕ ﺃﺨﺭﻯ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﻨﺫﻜﺭ ﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠـﻲ ﺴﺒﻴل ﺍﻟﻤﺜﺎل ﻭﺍﺤﺩﺓ ﻋﺎﻗﺏ ﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ﺒﺎﺌﻌﺎ ﻟﻠﺨﺒﺯ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ ﻓﻲ ﻋﺼـﺭ ﻤﺘـﺄﺨﺭ ﻋـﻥ ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻨﺘﺤﺩﺙ ﻋﻨﻪ ، ﻭﻟﻜﻥ ﻟﻴﺱ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻗﺩ ﺍﺴﺘﻌﻤﻠﺕ ﺃﻴﻀﺎ ﻓﻲ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻌﺼﺭ ، ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺭﺠﻼ ﻜﺎﻥ ﻴﺒﻴﻊ ﺍﻟﺨﺒﺯ ﻨﺎﻗﺼﺎ ﻋﻥ ﺍﻟﻭﺯﻥ ﺍﻟﻤﻘﺭﺭ ، ﻓﻌﺎﻗﺒﻪ ﺍﻟﻤﺤﺘﺴﺏ ﺒـﺄﻥ ﺜﻘﺏ ﺃﻨﻔﻪ ، ﺜﻡ ﻋﻠﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺏ ﺭﻏﻴﻔﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﺒﺯ ﺒﺨﻴﻁ ، ﺜﻡ ﺠﺭﺩ ﺍﻟﺭﺠل ﻤﻥ ﺜﻴﺎﺒـﻪ ﺇﻻ ﻤـﺎ ﻴﺴﺘﺭ ﻋﻭﺭﺘﻪ ، ﻭﺃﻭﺜﻘﺕ ﻴﺩﺍﻩ ﻤﻥ ﺨﻠﻔﻪ ، ﻭﺸﺩ ﺍﻟﻭﺜﺎﻕ ﺇﻟﻲ ﻗﻀﺒﺎﻥ ﻨﺎﻓﺫﺓ ﺠـﺎﻤﻊ ﺍﻟﺸـﺭﻓﻴﺔ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﺒﺎﻟﻌﺎﺼﻤﺔ ﺤﻴﻨﺌﺫ )ﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﻤﻌﺯ ﻟﺩﻴﻥ ﺍﷲ ﺤﺎﻟﻴﺎ ، ﻭﻤﺴـﺠﺩ ﺍﻟﺸﺭﻓﻴﺔ ﺒﺎﻟﻘﺭﺏ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﺎﻏﺔ ( ، ﻭﺍﺴﺘﻘﺭﺕ ﻗﺩﻤﺎ ﺍﻟﺭﺠل ﻓﻭﻕ ﻗﺎﻋﺩﺓ ﻨﺎﻓﺫﺓ ﺍﻟﻤﺴﺠﺩ ، ﻭﻅل ﻭﺍﻗﻔﺎ ﻫﻜﺫﺍ ، ﻋﺎﺭﻴﺎ ﻤﻥ ﺜﻴﺎﺒﻪ ، ﻤﺸﺩﻭﺩ ﺍﻟﻭﺜﺎﻕ ، ﻤﺎ ﻴﻘﺭﺏ ﻤﻥ ﺜﻼﺙ ﺴﺎﻋﺎﺕ ﻴـﺌﻥ ﺘﺤـﺕ ﻭﻁﺄﺓ ﻨﻅﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ، ﻭﻴﺘﻠﻅﻲ ﺒﺤﺭﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﺍﻟﻤﺤﺘﺭﻗﺔ ، ﻭﻤﺜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺎﺕ ﻋﻠﻲ ﻤـﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﻗﺴﻭﺓ ﺇﻻ ﺃﻨﻬﺎ ﻜﺎﻨﺕ ﺭﺍﺩﻋﺔ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺸﻙ ، ﻤﻤﺎ ﺠﻌل ﺤﻭﺍﺩﺙ ﺍﺴﺘﻐﻼل ﺍﻟﺼﻨﺎﻉ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﻷﻓﺭﺍﺩ ﺍﻟﺸﻌﺏ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻤﻌﺩﻭﻤﺔ . اﻟﻣﺣﺗﺳب ﯾﺷرف ﻋﻠﻲ أرﺑﺎب اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت : ٢٢