1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
Islamicaklak
1. خصائص الخلق السلمية
تمتاز الخلق السلمية بمنظومة من الخصائص العظيمة
الجميلة التي تعكس روح السلم وجماله وجاذبيته ، وإليك بيان
جملة من هذه الخصائص .
أول :
ربانية المصدر .
السلم كلُه عقائدُه وعباداتُه ومعاملتُه وأخلقُه وسلوكياتُه من
عند ا جل وعل ، وما من أمر من أمور السلم إل وهو
يستمد تعاليمه ونظمه ومبادئه من كتاب ا وسنة رسوله صلى
ا عليه وسلم ، ومعنى أن الخلق السلمية ربانية المصدر
أي أنها من ا تعالى هو الذي أمر بها وحث عليها ورغب فيها ،
ونهى عما يخالفها وحذر منه إما في القرآن الكريم أو في سنة
النبي صلى ا عليه وسلم .
أرسل ا رسوله صلى ا عليه وسلم ليتمم مكارم الخلق ،
وأثنى عليه بالخلق العظيم }وَإِنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {]القلم/
4[ وكانت تزكية النفوس محورا من محاور دعوته عليه الصلة
والسلم }هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الُميّينَ رَسُول ً مّنْهُمْ يتْلُو عَلَيْهِمْ
َ ْ ّ
آيَاتهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي
ّ ِ
ضَللٍ مبِينٍ {]الجمعة/2[ .
ّ َ
قال ابن كثير رحمه ا : " وذلك أن العرب كانوا قديما
متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلم فبدلوه وغيروه
1
2. وقلبوه وخالفوه واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكا
وابتدعوا أشياء لم يأذن بها ا وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا
كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها فبعث ا محمدا صلى ا
عليه وسلم بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق فيه
هدايتهم والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم
ومعادهم والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا ا
عنهم والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط ا تعالى حاكم
فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الصول والفروع ،
وجمع له تعالى وله الحمد والمنة جميع المحاسن ممن كان
قبله وأعطاه ما لم يعط أحدا من الولين ول يعطيه أحدا من
الخرين فصلوات ا وسلمه عليه دائما إلى يوم الدين " .
تفسير القرآن العظيم )٤٦٣/٤(.
نشاط : في النص السابق ما يدل على أن تهذيب النفوس
وإصلحها مما بعث ا به نبيه
صلى ا عليه وسلم ، اذكر العبارات الدالة على ذلك .
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...............
2
3. فتزكية النفوس تطهيرها وتنمية الخير فيها ، وصيانتها من
النحراف والفساد ، فكل ما
جاء به النبي صلى ا عليه وسلم من الخلق العظيم كان
بوحي من ا تعالى }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوَى * إِنْ هُوَ إ ِل وَحْيٌ
ّ َ
يُوحَى{ ]النجم /٣ ، ٤[.
إن ربانية هذه الخلق تعطيها ثقة وقبول ً ، وتجعلها في موضع
الرضا والتسليم ، لخلوها من التناقض والختلف والغموض .
إن ربانية هذه الخلق جعلتها في غاية الوضوح والجمال فهي
تدعو إلى نفسها بنفسها ، بخلف القيم الوضعية التي تحتاج
إلى وسائل بهرجة وتزيين للباسها ثوب الرواج والقبول الذي قد
ل تتصف به على الحقيقة .
لقد رأينا فيما مضى أن مصادر الخلق الوضعية يكتنفها النقص
والتناقض ، وتختلف باختلف الزمان والمكان والثقافات مما
عكر صفوها ، وجعل تعميمها وشمولها غير متاح ول ممكن .
إن خاصية ) الربانية ( في الخلق السلمية كالرأس للجسد
والروح للحياة ، ل قيام للخلق بدونه ، فكل ما يأتي بعد ذلك
من الخصائص تبع لهذه الخاصية سائر تحت لوائها .
3
4. إن ا تعالى وصف كتابه بأنه }ل يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَل
َ َ
مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {]فصلت/24[ ووصف رسوله
بأنه ل ينطق عن الهوى مما جعل كل أمر من أمور هذا الدين
غاية في الكمال ومراعاة مصالح العباد .
وإذا تأملت الخلق السلمية وجدتها تدور في هذا الفلك
الجميل ، فكل خلق يكمل الخر ويجانسه ويرسخه ، وسيظهر
لك أيها القارئ الكريم مصداق هذا في ثنايا هذه المباحث
القيمة موضحا بأدلته من الكتاب والسنة .
ثانيا :
الشمول والعموم .
إن من أهم ما يميز الخلق السلمية أنها شاملة شأنها في
ذلك شأن الدين كله في شموله وعمومه ، ذلك أن السلم آخر
الديان ، ورسوله صلى ا عليه وسلم آخر النبياء وخاتمهم ،
وجاء القرآن الكريم وحيا من ا جل وعل مراعيا لهذا المر .
بَيّن القرآنُ الكريم علقةَ النسان بربه وخالقه جل وعل ، وبَيّن
علقة النسان بنفسه وما يجب عليه من صيانتها وحفظها ،
وكذلك علقة النسان بغيره من بني جنسه ، بل وتعدى إلى
ذكر ما يجب عليه من الرفق والتعامل برحمة مع المخلوقات
التي تعيش حوله ، أو ينتفع بها بوجه ما .
تمرين تعاوني :
4
5. المطلوب : ذكر أدلة على شمول خلق الرحمة في السلم
للنسان والحيوان .
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...............
إنك تدرك شمول خلق السلم وهو يخاطب بدعوته الجن
والنس ، والعرب والعجم والبيض والسود على حد سواء
}وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالِنسَ إ ِل لِيَعْبُدُونِ {]الذاريات/65[ ، ويقول
ّ ْ
سبحانه }يَا أَيهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُمْ
ْ ّ
شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللهَ عَلِيمٌ
ّ
خَبِيرٌ {]الحجرات/31[.
فإذا كانت دعوته عامة شاملة فكذلك قيمه الخلقية ومبادئه
توافق هذا الشمول ول تختزله في بعض جوانبه أو تمارسه
على بعض الفئات من أتباعه دون بعض .
تدبر هذه الية الكريمة لترى خطابه الشامل وهو يدعو إلى
الخلق ويأمر بها}وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ
الشّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُمْ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلِنسَانِ عَدُوّا مّبِينا {
ْ ْ ْ
]السراء /٣٥[ .
5
6. " يأمر تبارك وتعالى عبده ورسوله صلى ا عليه وسلم أن
يأمر عباد ا المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاورتهم
الكلم الحسن والكلمة الطيبة فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ
الشيطان بينهم وأخرج الكلم إلى الفعال ووقع الشر
والمخاصمة والمقاتلة فإنه عدو آدم وذريته من حين امتنع من
السجود لدم وعداوته ظاهرة بينة ".تفسير ابن كثير )٦٤/٣( .
إنها دعوة عامة للقول الطيب والعفة في المنطق بجميع أنواعه
في كل حال ومع كل أحد .
قال تعالي}إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَينْهَى عَنِ الْفَحشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلكُمْ تَذَكّرُونَ {
ّ ْ َ
]النحل/٠٩[
نشاط : في الية الكريمة أمرٌ بأخلقٍ ونهي عن أخلق
أخرى ، تأمل ذلك ، وحاول إيجاد علقةَ تقابلٍ بينها.
١- ...............................................................................
.....
٢-................................................................................
.....
٣-................................................................................
.....
6
7. وتزخر السنة النبوية بالكثير من الدلة العامة والخاصة التي
تدعو إلى حسن الخلق ، وتحث على التعامل به ، ومن ذلك
قوله عليه الصلة والسلم ) اتق ا حيثما كنت ، واتبع السيئة
الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ( .
إن المر بالتقوى حيثما كان المرء لهو أعظم دليل على شمول
الخلق السلمية للنسان في جميع أحواله في السر والعلن
والرضا والغضب ، على أي حال كان ، وفي أي زمان .
وفي قوله عليه الصلة والسلم ) وخالق الناس بخلق حسن (
أي عامل الناس كل الناس دون استثناء بجميع الخلق الحسنة
التي تحب أن يعاملوك بها .
ولقد أَجَمل السلم في ذكر الخلق وفصل فيها وبيّن ليرفع
اللبس عن الناس فيما يلزمهم فعله والتحلي به ، وما يلزمهم
تركه واجتنابه .
ومن ذلك :
1-أن القرآن الكريم دعا إلى الوفاء بالعهود }وأوفوا
بالعهد إن العهد كان مسئول { ]السراء /٤٣[ .
2-وأمر بحفظ المانات وأدائها والعدل مع كل أحد }إن
ا بأمركم أن توأدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل { ]النساء/ [ .
7
8. 3-ويأمر بالصدق ويرغب فيه ويصف أهله بأجمل
الصفات }يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا وكونوا مع
الصادقين {]التوبة / [
وعندما يأتي الحديث عن الخلق المرذولة القبيحة يسهب
ويتوسع في بيانها ويحذر من التصاف بها ، وينعت أهلها بما
تنفر منه النفوس .
تمرين
من خلل اليات ] ٦٢- ٧٣[ من سورة السراء ، وضح
عددا من الصفات التي نهى عنها السلم وحذر
منها .
1 - ....................................................
.........................
2 - ....................................................
.........................
3- ....................................................
.........................
4 - ....................................................
.........................
5 - ....................................................
.........................
إيضاح وبيان
8
9. ) وشمول الخلق في السلم نعني به أن دائرة الخلق
السلمية واسعة جدا ، فهي تشمل جميع أعمال النسان
الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره ، سواء كان الغير فردا أو
جماعة أو دولة ( فل يخرج شيء عن دائرة الخلق ولزوم
مراعاة معانيها ، مما ل نجد له نظيرا في أية شريعة سماوية
سابقة ، ول في أي قانون وضعي بشري
ثالثا :
الثبات واللزوم
من خصائص الخلق السلمية أنها ثابتة في مبادئها
وحقائقها وحدودها ، فالصدق خلق حميد دائما ل يمكن
ذلك في زمان دون آخر أو لدى جيل دون غيره ، وهذا
الثبات يضمن دقة المعايير واستقرار القيم وصحة التربية .
نعم قد يتطور عرض الخلق لكنه في الحقيقة تطور
شكلي ، ومن الصول العامة المشتركة بين الرسالت
السماوية الدعوة إلى الخلق الحميدة ، واجتناب
الرذائل ،
وهذه قمة الدللة على ثبات الخلق كما نلحظ ذلك في
كل فطرة سليمة في أي جيل أو عند أصحاب أي مذهب .
ومن صور الثبات في الخلق لزومها على كل حال " إن
اللتزام بمقتضى الخلق مطلوب في الوسائل والغايات
9
10. فل يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة
الخسيسة ، ولهذا ل مكان في مفاهيم الخلق السلمية
للمبدأ الخبيث ، كقول أصحاب المفاهيم المادية البحتة
)الغاية تبرر الوسيلة ( وهو مبدأ ل مكان له في دستور
الخلق السلمية ، ومما يدل على ضرورة مشروعية
الوسيلة ومراعاة معاني الخلق فيها قوله تعالى }وَإِنِ
استَنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعلَيْكُمُ النّصْرُ إِل ّ عَلَى قَوْمٍ بيْنَكُمْ
َ َ ْ
وَبيْنَهُم مّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْملُونَ بَصِيرٌ{]النفال/27[ فهذه
َ َ
الية الكريمة توجب على المسلمين نصرة إخوانهم
المظلومين قياما بحق الخوة في الدين ، ولكن إذا كانت
نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز
النصرة لن وسلتها الخيانة ونقض العهد ، والسلم يمقت
الخيانة ويكره الخائنين " ) أصول الدعوة لعبد الكريم
زيدان ٩١(.
أثر هذه الخاصية في المة
وبقدر ثبات الخلق وشيوع أثرها في حياة الناس بقدر ما
تزدهر المم وتتقدم حتى ولو كانت غير مسلمة ، فثبات
المعايير أمر عظيم ل مكان فيه للمجاملت والرشاوى
والنزوات الشخصية ، قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه
ا ) إن ا يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ول
يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ( .
01
11. إن الخلق في منابع السلم الولى - من كتاب وسنة –
هو الدين كله وهو الدنيا كلها ، فإذا نقصت أمة حظا من
رفعة ا في صلتها بالله ، أو في مكانتها بين الناس ،
فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها .)خلق المسلم
للشيخ محمد الغزالي رحمه ا ص ٣٤( .
رابعا :
إقناع العقل وإشباع الوجدان . ) فطرية (
إن أي أمر يوافق الفطرة يسهل على النفس تقبله
والقيام به .
يسعى السلم في تربية الفضائل إلى إقناع العقل وإشباع
الوجدان والقلب بحب الخُلُق الكريم واللتزام به ، وكره الخلق
الذميم واجتنابه ، وهذه صورة من صور العظمة في الخلق
السلمية خاصة حيث ل يكون المر والنهي مطلقين أو مجردين
عن بيان العلة ، وإن حدث فاللتزام والطاعة واجبة .
تطبيق :
}يَا أَيّهَا الّذِينَ آمنُوا اجْتنِبُوا كَثِيرا مّنَ الظّنّ إِنّ بَعْضَ الظّنّ إِثْمٌ
َ َ
وَل تجَسّسُوا وَل يغْتَب بعْضُكُم بَعْضا أَيحِبّ أَحَدُكُمْ أَن يَأكُلَ
ْ ُ ّ َ َ َ َ
لَحْمَ أَخِيهِ ميْتا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتّقُوا اللهَ إِنّ اللّهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ{
ّ َ
]الحجرات / 21[ .
تأمل هذه الية لترى طريقة القرآن الكريم في النهي عن
الغيبة حيث لم يكتف بالنهي اللفظي بل أردف ذلك بصورة
عقلية تمثيلية تبين بشاعة هذا الخلق ، فجمع بين اللفظ
11
12. والصورة ليتحقق بذلك القناع العقلي الذي يدعو النسان إلى
الترفع عن هذا الخلق .
إن الوامر اللفظية المجردة قد ل تحقق المرجو منها على
الوجه المطلوب لكنها عندما تقترن بالصور العقلية التمثيلية
تصبح أسهل ، ويكون النسان أقدر على فهمها واستيعابها ،
وهذا ما تحققه الخلق السلمية حينما تخاطب النسان خطابا
إيمانيا عقليا فتقنع العقل وتشبع الوجدان .
لقد شبه ا الغيبة بأكل لحم إنسان ميت ، وهذا أمر يكرهه
النسان السوي ويشمئز منه بطبعه ، ومن كره ذلك بطبعه
السوي فعليه أن يكرهه بموجب أمر الشرع ، وهنا يجتمع
للنسان موافقة الشرع وحجة العقل .
وانظر كيف يقنع المنطق النبوي النسان بعدم الرجوع في
هبته ، قال صلى ا عليه وسلم : ) العائد في هبته كالكلب
يقيء ثم يرجع في قيئه ( .
بحث ومناقشة
قال تعالى :
}يَا أَيّهَا الّذِينَ آمنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْميْسِرُ وَالَنصَابُ وَالَزْلَمُ
َ َ
رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلحُونَ * إِنّمَا يُرِيدُ
ِ
الشّيطَانُ أَن يُوقِعَ بيْنَكُمُ الْعَدَاوةَ وَالْبغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
َ َ َ ْ
21
13. وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلَةِ فَهَلْ أَنتُم مّنتَهُونَ{ المائدة ]
٠٩ ، 19[.
- نهى ا عن أخلق وسلوكيات في هاتين اليتين ، ما هي ؟
...................................................................................
...................................................................................
..........
- بين ا سبب النهي عن هذه المحرمات بطريقة عقلية مقنعة
، وضح .
.............................. من تزيين الشيطان وإيقاعه بالنسان ،
إذ ل خير له فيها.
يكمن إقناع العقل في :
المخاطبة بقوله }..................{ إذ في ذلك تحفيز على
الستماع والتفكر والقناعة .
" وللعقل في الشرع مكان عظيم حيث إنه أساس كل فضيلة ،
وينبوع كل أدب ، أوجب ا التكليف بكماله ، وجعل الدنيا
مدبرة بأحكامه ، روي عن عمر بن الخطاب رضي ا عنه أنه
قال : ) أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خلقه ( .
وقال الحسن البصري رحمه ا : ما استودع ا أحدا عقل إل
استنقذه به يوما ما .
وقال بعض الحكماء : العقل أفضل مرجو ، والجهل أنكى عدو
.
31
14. وقال آخر : خير المواهب العقل ، وشر المصائب الجهل .
ومع أهمية العقل وكونه أداة الفهم والتدبر والتأمل
والستنباط ، فليس كل الناس لديهم أهلية استخدام العقل
والقناع به ، فهناك من يغلب عليه التأثر بالقلب والضمير
والستجابة للفطرة والوحي الشريف لمجرد صدور المر من
الشرع وتأثر القلب به وميله إليه ومن هناك كانت سمة الخلق
السلمية الجمع بين المرين لموافقة أحوال جميع المخاطبين.
فمخاطبة القلب وإشباعه يحقق له السكينة والطمأنينة الكافية
لستجابته والتزامه بأوامر الشرع ونواهيه .
قال تعالى } }الّذِينَ آمَنُواْ وَتطْمَئِنّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَل َ بِذِكْرِ
َ
اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ{]الرعد/٨٢[ فالطمأنينة سكون القلب إلي
الشيء وعدم اضطرابه وقلقه ، وفي الثر )الصدق طمأنينة ،
والكذب ريبة ( أي أن الصدق يطمئن إليه قلب السامع ، ويجد
عنده سكونا، والكذب يوجب له اضطرابا وشكا ، ومنه قول
النبي صلى ا عليه وسلم ) البر ما اطمأن إليه القلب ( أي
سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه .
فالقرآن الكريم لم يكن يلقي القول على عل ّته ، وإنما يأتي
بالقضية مبرهنا عليها بالدليل
تلو الدليل ، فيرضي العقل ويطمئن النفس ويقود الضمير إلى
اليمان .
41
15. تهدف التربية الوجدانية إلى وقاية الضمير من عثرات الشك
والحيرة والضلل والوساوس ، وتحرص على صحة الوجدان
من الخلل والمرض القلبي ، ليصبح المرء سيد نفسه ويبدع في
ميدان السلوك الخلقي ، ويتحرر من براثن العادات المتحجرة
والتقاليد الزائفة والعراف البالية ، ويكون مدركا لفعله نبيل في
هدفه ، فما الذي يدفع النسان إلى التحلي بالفضائل والتخلي
عن الرذائل والمسارعة في المعالي إن لم يكن هناك قناعات
نفسية مشبعة وحاجات وجدانية متطلعة ؟
إن الخلق السلمية تمتاز بمخاطبة العقل وإقناعه لتحمل
ذوي العقول والمنطق السوي على التزام مبادئها والتمسك
بها ، وهي كذلك تخاطب القلب والوجدان وتشبعهما لتكتمل
الصورة الفريدة للخلق السلمية في جانبيها النظري العلمي
والعملي التطبيقي.
اعتدال وشمول وتوسط فل تركيز على العقل مع إهمال
الوجدان ، ول العكس ، وإنما مخاطبة شاملة في أعز ما يملك
النسان ويتصف به العقل والقلب والفكر والوجدان .
خامسا :
المسئولية واللزام :
قال تعالى }الّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ
َ
عَمَل ً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {]الملك/٢[ ، وقال سبحانه }قَالَ هَذَا
51
16. مِن فَضْلِ ربّي لِيَبلُوَنِي أَأَشكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنّمَا يشْكُرُ
َ َ ْ ْ َ
لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنّ رَبّي غَنِيّ كَرِيمٌ {]النمل/٠٤[.
َ
يتميز النسان بحرية الرادة وحرية الختيار وعلى أساسهما
يكون التكليف والمسئولية . فالله سبحانه خلق النسان لعبادته
وجعله مهيئا وصالحا لفعل الخير والشر على السواء , ووعده
على الخير وتوعده على الشر , ول يجبر النسان على فعل
شي , وإل بطل الحساب والتكليف وانتفت المسؤولية وقد ابتلى
ا النسان وامتحنه في هذه الحياة بالخير والشر وإحسان
العمل أو الساءة والتقصير فيه , ومن ثم فالنسان مسئول
عن عمله وأسبابه ونتائجه , مسئول في الدنيا ومسئول في
الخرة ، قال تعالى}وَقِفُوهُمْ إِنّهُم مّسْئُولُونَ{ ]الصافات/42[ ،
وقال سبحانه}وَل َ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالبَصَرَ
ْ
وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مسْؤُول ً {]السراء/63[.
َ
ما هي المسئولية ؟
والمسئولية تعني : تحمل الشخص نتيجة التزامه وقراراته
واختياراته العملية من الناحية اليجابية والسلبية , أمام ا في
الدرجة الول , وأمام ضميره في الدرجة الثانية , وأمام
المجتمع في الدرجة الثالثة .
والشخص الذي يتحمل مسئولية يجب أن يكون أهل ً لها وذلك
بأن يكون أنسانا عاقل ً، واعيا لطبيعة ذاته ولسلوكه وأهدافه
61
17. ونتائج تصرفاته , حر الرادة فيما يختاره , قادرا على تنفيذ
تصميماته واختياراته .
بهذه الشروط مجتمعه تتحد المسئولية قال تعالى}فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ
أَجْمَعِيَْ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ { ]الحجر/29، ٣٩[ ، وقال – صلى ا عليه
وسلم – ) رفع القلم عن ثلثة عن المجنون حتى يبرأ , وعن
النائم حتى يستيقظ , وعن الصبي حتى يحتلم (.
ول مسئوليه على مضطر أو مكره أو مجبور قال تعالى }فَمَنَِ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَ عَادٍ فَل َ ِإثْمَ عَلَيْهِ { ]البقرة/٣٧١[ وقال سبحانه}إِلَّ مَنْ ُأكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالِيَانِ{]النحل/٦٠١[.
والمسئولية ل تعني تحمل النسان فوق طاقته والمشقة عليه ,
ول ينبغي النظر إليها على أنها حمل ثقيل فالله رحيم بعباده }لَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّ وُسْعَهَا{]البقرة/٦٨٢[ ،}مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ{ ]الحج/
٦[ } يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرََ{]البقرة /٥٨١[.
وقد تحمل النسان أمانة التكاليف الشرعية والقيام بالعبودية
لله تعالى وعلى قدر التزامه وقيامه بهذه المانة يكون أجره
وثوابه , ل يظلم مثقال ذرة , وما يأتي من خير يضاعفه ا,
وما يأتي من شر فهو في مشيئة ا – ما دام مسلما – إن شاء
عفا عنه وإن شاء عذبه.
71
18. والمسئولية رغم كونها تكليف بما في الوسع والطاقة , فهي
أيضا تشريف للنسان وتفضيل له على غيره مما خلق
ا , لماذا ؟
لن المسئولية عند النسان تعني الجدارة والهلية للقيام بها ,
وتكريم ا له بهذه المسئولية ومن ثم وجب عليه المجاهدة
والمثابرة والمصابرة والقيام بهذه المسئولية وأعبائها .
ثم إن تحمل المسئولية أمر ضروري للحياة الفردية الجتماعية
النسانية , وقد راعى السلم عند تحديده أن ل تكون فوق
طاقة النسان , لكي ل يشقى بحملها.
الشعور بالمسئولية :
يجب على المسلم أن يوقن انه مسئول عن عمله في الدنيا
والخرة , فيدفعه ذلك إلى مزيد من محاسبة نفسه ومساءلتها
وحملها على الحسان والتقان في عملها.
وإذا استشعر الوالد هذه المسئولية دفعه أن يربي أبناءه ومن
تحت وليته على استشعار المسئولية فتتقلص الخطاء ، وتزيد
الفرص الفضل لحياة أفضل ، لن بناء الخلق وترسيخه
ورعايته جزء من مهام الباء وهم أول من يجني ثماره الطيبة
بِرا وتقديرا ،وكيف يكون الحال إذا تعود النشء على الخلق
الحسن واستشعار المسئولية ؟ وما الفوائد العظيمة التي يجنيها
الفرد والسرة والمجتمع كله من هذا المر .
مشاركة وتفاعل :
81
19. من خلل ما تقدم بَيّن من خلل تجاربك الخاصة كيف أنّ
غرس الخلق وتحمل المسئولية يثمر في بناء الفرد والمجتمع .
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
....................
ومما سبق يمكن تقسيم المسئولية إلى قسمين
الول : المسئولية الشخصية , والثاني : المسئولية الجماعية .
أ / المسئولية الشخصية :
وتعني تحمل الفرد نتيجة أعماله الشخصية الختيارية ,
ومسئوليته عنها أمام ا ثم أما نفسه ، ثم أما المجتمع , في
الدنيا والخرة .
ورغم ذلك فالمسئولية الشخصية ل تخلو من مسئولية عامة أو
اجتماعية فإذا كان المسلم مسئول ً عن عقيدته وعباداته
ومعاملته وسلوكه الشخصي , فإنه أيضا مسئول عن :
-والديه وبرهما أو عقوقهما .
-عن أبنائه وتربيتهم أو إهمالهم.
- عن مجتمعه وأمنه ونظامه ونهضته و غير ذلك .
كل ذلك يعني الترابط والتكامل بين شقي المسئولية .
91
20. لكن هناك ما هو مسئول عنه بمفرده , وما هو مسئول عنه مع
غيره محاسب على نيته وقصده وإن لم يظهر في صورة عمل
وسلوك حيث إن ا بكل شي عليم , يعلم الظاهر والباطن ,
كما أنه محاسب عما تكلم به أو عمله وظهر منه.
هنا يقوم الطلب والطالبات بذكر أدلة على مسئولية النسان
الفردية عن سلوكه وعمله .
أدلة على المسئولية الفردية :
[ / قال تعالى }............ { ]
أي :...............................
................................
ويقول تعالى}.............. {]...../...[ أي معتقله محبوسة
بعملها يوم القيامة .
وقال تعالى } َألَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلِْنسَانَِ ِإلَّ مَا سَعَى{]النجم/،٨٣
٩٣[ ، أي كل نفس ظلمة نفسها بكفر أو شي من الذنوب ,
فإنما عليها وزرها ل يحمله عنها أحد , ول يحصل من الجر إل
ما كسب هو لنفسه .
فأعظم ما يسأل عنه المرء إنما هو نفسه , وأعظم ما يطلب له
النجاة والفوز إنما هو نفسه , ومن حمل نفسه على المعالي
وطلب الفردوس العلى , فإنما يقدم الثمن وهو النية والجهد
والمجاهدة وحمل نفسه على الخيرات والمداومة على
الطاعات.
02
21. قال صلى ا عليه وسلم- ) ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , وعن شبابه فيما أبله ,
وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل
فيه ( .
وقال عليه الصلة والسلم ) إن ا سائل كل راع عما
استرعاه ( .
فهذه المسئولية الشخصية باستشعارها تحمل النسان على
التقان وطلب النجاة من عذ ١ب ا والفرار منه سبحانه إليه
تعالى .
والمسئولية تدفع إلى اغتنام العمر والشباب والمال والعلم
وسائر ما منحه ا في طاعة ا , ولذلك من أيقن أنه ميت
وانه محاسب ومسئول اجتنب المعاصي واكتسب المعالي .
وقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع المثلة في الحساس
بالمسئولية حتى ماتوا وما ماتوا ناهيك عما بذله رسول ا –
صلى ا عليه وسلم – في سبيل تبلغ الدعوة ونصح المة ونفع
النسانية , وقد تربى على يديه خير جيل عرفته الدنيا
واستشعروا المسئولية الشخصية الجماعية حتى قال عمر –
رضي ا عنه – ) لو عثرت دابة في العراق لخشيت أن يسألني
ا عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟ ( وهو الذي قال :
12
22. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن
توزنوا ....(
ومن استشعارهم المسئولية حمل أمانة الدعوة ونشرها في
آفاق الدنيا المعمورة فضحوا بالراحة والوطن والهل , ليعيش
من بعدهم ومن معهم في غير بلدانهم في النور الذي عاشوا
فيه وينعموا بفضل ا ودينه وها نحن ومن بعدنا يجري أجر
إسلمنا إليهم .
فحرى بكل مسلم أن يستشعر مسئوليته , ويقوم بواجبه ,
ويؤدي رسالته , بدافع من إيمانه بالله ورسوله , ووازع من
رقابته الذاتية أي رقابه أخرى ليسعد ويسعد غيره , ويأمن
ويؤمن لغيره سبل الخير والصلح وما التزم الخلق الحميدة إل
أثر عظيم من أثار استشعار تلك المسئولية.
ب / المسئولية الجماعية :
كما أن على الفرد مسئولية خاصة تجاه نفسه ومجتمعه ،
فكذلك الجماعة عليها مسئولية منوطة بها ل بد من أدائها .
والمسئولية الجماعية تعني سيادة روح الجماعة في تحمل
التزاماتها , ومسئولية كل مسلم تجاه غيره من أهله وجيرانه
وأمته كل على حسب وليته.
وجاءت نصوص قرآنية ونبوية متعددة تؤكد وجوب قيام
الجماعة متضامنة بمسئوليتها مثل قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا
ِ
22
23. أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وقُودُهَا النَّاسُ وَالجَارَةُ عَلَيْهََا مَلَئِكَةٌ غِلَظٌَ شِدَادٌ لَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا َأمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ
ِْ َ
مَا يُؤْمَرُونَ {]التحريم/٦[ .
وحتى الجماعة المجتمع من تسلل الفساد إليه تُلزم أن تقف
في وجه الشر والنحراف ، وتُحذر من عاقبة التقاعس والتهاون
عن منابع الفساد.
إن على الجماعة أن تقوم بما يجب عليها حتى ل يطالها العذاب
العاجل والجل}وَاتَّقُواْ فِتْنَةًَ لَّ تُصِيبَّ الَّذينَ ظَلَمُواَْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواَْ َأنَّ اللّهَ شَدِيدُ
ِ
الْعِقَابِ {]النفال/٥٢[.
يقول الحافظ أبن كثير عند تفسيرها ما ملخصه :
" يحذر ا – تعالى – عباده المؤمنين فتنة أي اختبارا ومحنة
يعم بها المسيء وغيره , ل يخص بها أهل المعاصي ومن
باشر الذنب بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع .
وعن أبن عباس – رضي ا عنها – قال في تفسير هذه الية
أمر ا المؤمنين أن ل يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم ا
بالعذاب . والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم , وإن
كان الخطاب معهم هو الصحيح والحاديث في ذلك كثيرة
منها :
ما رواه المام عن حذيفة بن اليمان أن رسول ا – صلى ا
عليه وسلم – قال : ٠) والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف
ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن ا أن يبعث عليكم عقابا من
32
24. عنده ثم لتدعنه فل يستجب لكم " )المصباح المنير في تهذيب
تفسير ابن كثير ٢٣٥(.
ومن السنة ما روي عن النعمان بن بشير – رضي ا عنهما –
أن رسول ا – صلى ا عليه وسلم – قال : ) مثل القائم
على حدود ا والواقع فيها , كمثل قوم أستهموا على سفينة
فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها , فكان الذين في
أسفلهم أذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو
أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم تؤذ من فوقنا , فان تركوهم وما
أرادوا هلكوا وهلكوا جمعيا وأن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا
جميعا(.
وروى الشيخان عن أم المؤمنين زينب بن جحش – رضي ا
عنها – أن النبي – صلى ا عليه وسلم – دخل علينا منزعجا
يقول : ) ل إله إل ا , ويل للعرب من شر قد أقترب , فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه , وحلق بين أصبعيه
البهام والتي تليها , فقلت يا رسول ا : أنهلك وفينا
الصالحون ؟
قال : نعم إذا كثر الخبث )) الفسوق والمنكر ((.
وإن من وظيفة المة السلمية الجتماعية والعقدية حراسة
الرأي العام الذي يتمثل في المر بالمعروف والنهي عن المنكر
, على مجموع المة على اختلف أصنافها و
42
25. أنواعها , دون أن يكون بينها تفريق أو تميز , فرض ا ذلك
على الحكام والعلماء وعلى الخاصة والعامة وعلى الرجال
والنساء , والصغار والكبار , ولم يعف منها أي إنسان , كل
حسب طاقته وحاله وإيمانه.
والصل في هذا قوله تعالى }كُنتُمَْ خَيْرَ ُأمَّةٍ أُخْرِجتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالَْعْرُوفِ
َ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الُْنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ ِباللّهَِ{]آل عمران/٠١١[.
وقوله سبحانه :} وَالُْؤْمِنُونَ وَالُْؤْمِنَاتَُ بَعْضُهُمْ أَولِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالَْعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الُْنكَرِ
ْ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ُأوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌَ {
]التوبة/١٧[.
فهذه النصوص الشريفة وغيرها كثير تؤكد المسئولية الجماعية
ووجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأن ذلكـ من أهم
خصائص وأسس قيام المجتمع المسلم , فيكون كل فرد – بعد
ا – رقيبا على إخوانه ومن يحيي معه في المجتمع الصغير
والكبير المحلي والعالمي , وهذه الرقابة رقابة توجيه وتواصي
وتواصل وتعاون , وفي بعض الحوال زجر وردع وهجر
ومقاطعه ومحاسبه وتأنيب كل ذلك من أجل شيوع الصلح
والخير بالمجتمع , وإضعاف وإماتة الشر والفحش بالمجتمع ,
حتى ل يطغى الفساد ول يجد من ينكره ويبتره فيعم الجميع
عقاب ا تعالى .
52
26. ول تعارض بين المسئولية الشخصية والمسئولية الجماعية حيث
إن النسان – والمسلم على وجه الخصوص- اجتماعي بطبيعته
مدني بفطرته ل يمكن أن يعيش وحده بل يحتاج إلى بني
جنسه يحبهم ويكره منهم , ويعطي ويأخذ , والناس مختلفون
في طباعهم وتفكيرهم وسلوكهم ، فيوجد من يخرج على نظام
الجماعة وقوانينها , فيجب على الجماعة التي تريد السلمة
والصلح والتقدم أن تأخذ على يد العابثين والمخالفين لهذه
النظمة , فالصالح ل يتم صلحه إل بدعوة الخرين إلى الصلح
والكف عن الفساد،وحيث إن الفساد إذا عم منعه من صلحه
وعكر عليه صفو حياته , ول يصح أن يكون أثر صلحه موقوفا
عليه , وإل لما تحرك السلم من مكة أو على الكثر الجزيرة
العربية , ولكن لما أيقن المسلمون اليمان واستشعروا
المسئولية تجاه إخوانهم في النسانية ورغبوا في أن ينعم ا
عليهم
بالهداية في الدين العظيم مثلما أنعم عليهم حملوا المسئولية
وأدوا المانة وبلغوا نور الرسالة إلى آفاق الدنيا الواسعة.
ويتبقى على كل مسلم أن يقوم بمسئوليته بالتواصي بالحق
والصبر والمرحمة , والمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين
كل مجتمع يعيش فيه وعلى كل قوم له عليهم ولية بدءا من
زوجه وأولده وأهله وعشيرته وجيرانه وأقاربه وبلده في
حضره وسفره , حسب الحال والمقام ويحسن النية ويرفق
في القول.
62
27. ) لكن ينبغي أن نفرق هنا بين مسئولية الفرد عن عمل غيره
ومسئولية صاحب العمل نفسه فصاحب العمل مسئول عن
إضلل غيره بآرائه وتوجيهاته أو سلوكه الفاسد , والخر مسئول
عن إتباعه لراء غيره وتقليد الفاسد , ثم لعدم مقاومته لهذه
الظروف من هذ ١ الفساد الصادرة من غيره . إذن فالمسئولية
مزدوجة من حيث أنه أحدث عمل ً فاسدا ثم أصبح الفاسد سببا
بعمله الفاسد لعمل الخرين مثل عمله ولهذ ١ قال
تعالى} }لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَ سَاء مَا
ِ
يَزِرُونَ {]النحل/52[.
كما ينبغي أن نفرق بين مسئولية المسلم عن كفر الكافر وبين
مسئوليته عن فساد المسلم وفعله المنكر أمامه . فالمسئولية
إزاء الكافر قاصرة على الدعوة إلى اليمان .
أما مسئوليته إزاء فساد المسلم والمجتمع السلمي فالمر
يختلف هنا ذلك أن المسئولية ل تقتصر على مجرد الدعوة
والرشاد , بل تشمل أيضا مقاومة الفساد وتغير المنكر وإرجاع
المنحرف عن انحرافه بكل سبيل .
فيجب أن يستخدم في سبيل ذلك كل ما يمكنه أن يستخدمه
من قوة اليد أو اللسان وبمقاطعته وعدم التعامل معه مطلقا ,
وهذ ١ هو النكار بالقلب (.
فالمسئولية الجماعية شاملة لكل فئات المجتمع ولكن أيضا
محدودة لكل فئة بصفة خاصة فإذا كانت مرات التغيير للمنكر
72
28. ثلثة هي اليد أو اللسان أو القلب , فهي تصلح أحيانا لواحد
فقط يتدرج فيها كأصحاب الولية الشرعية من والد وحاكم
ونائب عنهما ففي هذه الحالة يربي الوالد ولده بإنكاره عليه
الشر بالقلب والهجر وعدم الرضى إذا أجدى فيها وإل انتقل إلى
اللسان نصحا وتوجيها وتعليما أو زجرا أو توبيخا , وإل تنتقل لليد
وتكون اليد زاجرة رادعة ل قاصمة أو كاسرة وهكذ ١ كل من
له ولية عامة , وأحيانا يتعين طريق واحد للتغيير على فئة
بعينها ل يجوز لهم أن يتجاوزوها لما قد يترتب عليها من منكر
أعظم , فمن آداب وفقه الحتساب أل يؤدي تغيير المنكر إلى
منكر أشد منه .
يقول رسول ا – صلى ا عليه وسلم – ) كلكم راع ومسئول
عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئوله عن رعيتها ,
والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته (.
وأن مما ينبغي على الوالدين والمربين غرس معاني تحمل
المسئولية لدى أبنائهم وتلمذتهم ففيها معاني عظيمه في
نشأة البناء الذين هم أباء ورجال ونساء المستقبل وفي تقوية
دواعي الرجولة والقوة والتحمل لديهم , فيتعلموا كيف
يتصرفون في المواقف المختلفة , ويخرجون مما يعرض لهم
من مشكلت وأزمات وتكون التربية بالمسئولية الكاملة الشاملة
أمام ا سبحانه أول ً , ثم أمام ضميره ووجدانه , ثم أمام
المجتمع , وأن غرس هذه المعاني في الصغر كما هو معلوم
يرسخ ويتعمق أثره في نفس الناشئة . ل سيما مراقبة ا
82
29. وخشيته في السر والعلنية واطلعه على كافة شؤون المرء ,
وصدق ا إذ يقول حكاية عن لقمان مع ابنه }يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الَْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {
]لقمان /٦١[.
سادسا :
التكامل في معاملة الظاهر والباطن .
تمتاز الخلق السلمية – شأن السلم كله – بالنظرة التكاملية
بحكمها على الشياء وإشباعها لغرائز النسان , فنرى أن ا
يؤكد مطالبته وأوامره للنسان بإصلح نفسه ظاهرا وباطنا
بكمال علم ا وشموله , ووقوع المحاسبة على العمال
الظاهرة والسلوك الواضح , كما تقع أيضا على النوايا
والبواعث.
) فالقانون الخلقي السلمي ل يكتفي فقط بالحكم على
أعمال النسان الظاهرة بالخير أو بالشر , بالفضيلة أو الرذيلة ,
ولكن يمتد إلى الحكم على النوايا والبواعث والمقاصد .
ولم تستطع أي نظرية أخلقية أخرى أنت تفعل ذلك , فليوقن
المسلم أنه يتعامل مع ا الذي يعلم خائنة العين وما تخفي
الصدور ، فعلم الظاهر والباطن يتساويان عند ا – تعالى –
ومن دللة ذلك مثوبته سبحانه لمن صلحت نيته , وصفة سريرته
, وحسن قصده , حتى وإن قصر به جهده ، قال تعالى }وَلَ عَلَى
92
30. الَّذينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَ أَجِدُ مَا َأحْمِلُكُمَْ عَلَيْهَِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمَْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَناً أَلَّ َيجِدُواْ مَا
ْ ِ
يُنفِقُونَ{]التوبة/٢٩[.
وعن أنس بن مالك – رضي ا عنه – أن رسول ا – صلى
ا عليه وسلم – قال : )إن بالمدينة أقواما , ما قطعتم وادياَ
ول سرتم مسيرا إل وهم معكم قالوا : وهم بالمدينة ؟ قال
نعم حبسهم العذر (.
فهؤلء صادقوا النية طيبوا النفس والقصد , حزنوا كثيرا لمّا لم
يجدوا عند الرسول – صلى ا عليه وسلم – حملهم وعدة
جهادهم في سبيل ا , حتى فاضت أعينهم من الدمع , وا
إنما يبتلي بالعمال ليظهر العامل من الخامل فلما تم جهدهم ,
وقصرت بهم المكانيات الخاصة والعامة أعظم ا لهم الجر
وأشركهم في ثواب الغزو ، فالهم والعزم على فعل الشيء
الطيب يؤجر عليه صاحبه – ومن رحمة ا – أن الهم والعزم
على الفعل القبيح ل يؤاخذ به صاحبه .
ومن تكامل الخلق السلمية أنها تنظر إلى النسان نظرة
متكاملة بحسب تكوينه من جسد وروح , ولكل منهما متطلبات ,
فأخلق السلم ل تجعل الجسد يطغى على الروح , ول الروح
تطغى على الجسد قال تعالى } وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ
الخِرَةَ وَل تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ
ْ َ ْ
03
31. وَل تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الَرْضِ إِنّ اللهَ ل يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ {]التوبة /
ّ َ ْ َ
٢٩[ ٠
يقول الحافظ أبن كثير في معناها : ) أي أستعمل ما وهبك ا
من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب
إليه بأنواع القربات, التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا
والخره } وَل تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا { أي : مما أباح ا فيها
َ
من المأكل والمشارب والملبس والمساكن والمناكح , فإن
لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولهلك عليك حقا , ولزوجك
عليك حقا , فآتي كل ذي حق حقه وأحسن كما أحسن ا
عليك ( أي : أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك } وَل تَبْغِ
َ
الْفَسَادَ فِي الَرْضِ{ أي : ل تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد
ْ
به في الرض , وتسيء به إلى خلق ا , } إِنّ اللّهَ ل يُحبّ
َ ِ
الْمُفْسِدِينَ { .
والخلق السلمية عملت على تلبية مطالب الجسد وتنميته
بطيب المأكل والمشرب والمسكن والمنكح والملبس , وألزمت
بأخلق وسلوكيات يقوم بها ذلك الجسد السوي القوي , وبنفس
الدرجة سعت الخلق السلمية إلى إشباع أشواق الروح
وتعبيد طريقها في العروج إلى ا , بالتوحيد الخالص والذكر
الدائم والفكر المستقيم والسلوك الطاهر مع ا ثم مع النفس
ثم مع الخرين . حدث ذلك في تواؤم وانسجام واعتدال .
13
32. وبضدها تتميز الشياء حيث قرآنا ورأينا دول ً وأمما غلبت جانبا
على آخر فما استقامت مسيرتها , ول طالت مدتها , بل سريعا
ما زالت وانهارت ليستوي في ذلك الفكر الوضعي والشرائع
السماوية المحرفة حيث تطرقت اليهودية المحرفة إلى المادية ,
وانحرفت المسيحية المحرفة إلى الغراق في الروحانية
السلبية.
وها هي دول أوربا وأمريكا وروسيا نزعت إلى المادية في
عصرنا الحاضر وقبله فانحطت أخلقها , وفسدت أنظمتها ,
وساءت حياتها , واختل بناؤها.
يقول الندوي :
" وانصرف اتجاه الغرب إلى المادية بكل معانيها , وبكل ما
تتضمنه هذه الكلمة من عقيدة ووجهة نظر ونفسية وعقلية
وأخلق واجتماع وعلم وأدب وسياسة وحكم ، فأصبحت الحياة
في أوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين نسخة صادقه
من الحياة في يونان وروما الوثنيتين الجاهلتين , ومما ل شك
فيه أن دين أوربا اليوم الذي يملك عليها مشاعرها وقلبها
ويحكم على روحها هو المادية ل النصرانية , كما يعلم ذلك كل
من عرف النفسية الوربية واتصل بالوربيين عن كثب بل وعن
غير كثب أيضا" .
23
33. يقول الستاذ اللماني المهتدي محمد أسد في كتابه )) السلم
على مفترق الطرق (( : -)..... إن الرجل العادي في أوربا ,
ديمقراطيا كان أو فاشيا , رأسماليا كان أو اشتراكيا , عامل ً باليد
أو رجل ً فكريا إنما يعرف دينا واحدا , وهو عبادة الرقي المادي
, والعتقاد بأنه ل غاية في الحياة غير أن يجعلها النسان أسهل
وبالتعبير الدارج "حرة مطلقه" من قيود الطبيعة , أما كنائس
هذا )) الدين (( فهي المصانع الضخمة ودور السينما
والمختبرات الكيماوية ومراكز توليد الكهرباء ودور الرقص .
و أما كهنتها فهم رؤساء الصيارف والمهندسون والممثلت
وكواكب السينما وأقطاب التجارة والصناعة ونتيجة هذه النهامة
للقوة , والشدة للذة , النتيجة اللزمة ظهور طوائف متنافسة
مدججة بالسلح , والستعدادات الحربية مستعدة لبادة بعضها
بعض إذا تصادمت أهواؤها ومصالحها , أما في جانب الحضارة
فنتيجتها ظهور طراز للنسان يعتقد الفضيلة في الفائدة العلمية
, والمثل الكامل عنده والفارق بين الخير والشر هو النجاح
المادي ل غير ( .
فهذه صورة لتغليب الجانب المادي على الجانب الروحي ,
وهناك صورة أخرى لتغليب الجانب الروحي على الجانب
المادي لعل من أبرزها سيطرة الكنيسة المسيحية وسلطان
كهنتها على الحياة في الشرق والغرب فيما سبق عصر النهضة
مما كان له الثر السيء في
33
34. حياة الناس أكثر من غلبة الماديات . حيث إن كل طرفي المور
ذميم , وحيث إن النسان كائن مكرم متميز جامع بين الروح
والبدن ول بد من إشباع حاجتهما وتنمتهما معا .
وكان تكامل السلم إعطاء كل من الجسد والروح حقهما
ليؤديا واجباتهما على الوجه الصحيح والطبيعي , فدعا إلى
تنمية الجسد بأكل الحلل الطيب , وشرب الحلل النافع , والبعد
عما يضره , وذلك من جنس ما خلق منه البدن وهو الرض
فقال تعالى } فَلْيَنظُرَِ الِْنسَانُ ِإلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنََا الَْاء صَبّاًَ * ثُمَّ شَقَقْنَا الَْرْضَ شَقّاً *
فَأَنبَتْنََا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباًَ وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً ونَخْلً * وَحَدَائِقَ غُلْباًَ * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَاعاًَ لَّكُمْ
وَلَِنْعَامِكُمْ {]عبس / ٤٢- ٢٣[ .
فحرم السلم القتل وشرب الخمر , ونهى عن السراف
والبخل , وحث على الرياضة البدنية , والنظافة الجسدية ,
وحسن التجميل وغير ذلك مما يحفظ البدن ويقوم بحقه
وحفظه .
كما دعا السلم إلى تمنية الروح وإشباعا حاجتها في اليمان
بالله واليوم الخر والتفكير الرشيد والتأمل الصادق وطاعة ا
في الجملة وذلك من جنس ما خلقت منه قال تعالى } إِذْ قَالَ
رَبّكَ لِلمَلئكَةِ إِنّي خَالِقٌ بشَرا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوّيتُهُ ونَفَخْتُ
ْ َ َ ْ َ ِ
فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {]ص/ ١٧،٢٧[ . فروح
النسان نفخة كريمة ربانية ونماؤها يكون بامتثال وحي ا
43
35. والحياة في نور ذلك الوحي الذي هو حياة الروح قال تعالى
} وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَل
َ
الِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورا نّهْدِي بهِ مَنْ نشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ
ّ ِ ْ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ {]الشورى/٢٥[ .
فوحي ا حياة للروح , وروح للحياة , إذا ما امتثله النسان
والتزمه واعتبر السلم عقل النسان سر تميزه فدعا للحفاظ
عليه وجعله من مقاصد الشريعة العظمى , وحكم القلب
السليم والفطرة النقية في معرفة البر من الثم , والصدق من
الكذب , وأمر بأداء الطاعات لما فيها من امتثال أمر ا , ثم
حياة للروح وتلبية حاجاتها وإشباع أشواقها , وإشاعة النور في
جوانبها وغير ذلك .
أقام السلم ذلك في تكامل وواقعية وتواؤم النسان المتكامل
الواقعي في حياته عقيدة وشريعة وخلقا . وكل شي غير
السلم إنما هو شقاء وبلء على الحياة والحياء.
سابعا :
الصلحية العامة لكل زمان ومكان
الخلق السلمية صالحة لتطبيق اللتزام بها في كل زمان
ومكان وعلى أي حال كان النسان ويرجع ذلك إلى :
53
36. سهولة التكليف الخلقي وكونه نتيجة طبيعية للعقيدة الصحية
والشريعة السليمة , وإذا صحت المقدمات صحت النتائج , قال
تعالى } يُرِيدُ اللّهَُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَ يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{]البقرة/ ٥٨١[ ٠
ِ
كما ترجع تلك الصلحية العامة إلى كمال الشريعة السلمية ,
وضمان ا حفظ مصدرها العظم وهي الوحي اللهي
الشريف قال سبحانه} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لََافِظُونَ {]الجر/٣[. وقال
} اليَوْمَ أَكْملْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
َ ْ
ّ
الِسْلَمَ دِينا فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِثْمٍ فَإِنّ
اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ{]الائدة/٣[ .
) أما شريعة السلم التي جاء بها محمد – صلى ا عليه
وسلم – فإنها جاءت وافية بمطالب الحياة النسانية تسد عوزها
, وتحقق أهداف العمران في شتى جوانب حياتها الجتماعية
والقتصادية والسياسية , فالسلم عقيدة وعبادة , وخلق
وتشريع , وحكم وقضاء , ومسجد وسوق , وهو علم وعمل ,
ومصحف وسيف , وهذا هو ما نعنيه عندما نقول : ) السلم
دين ودولة (.
وقد اكتسب نصوص الشريعة السلمية من المرونة والعموم
ما جعل قواعدها صالحة للناس كافة في كل عصر من
العصور , تساير عوامل النمو والرتقاء , وتقود الحضارة
63
37. النسانية إلى معالم الحق وسبيل الرشاد , ولهذا أكمل ا بها
الدين وأتمم بها النعمة .
والشريعة السلمية شريعة أخلقية , وليست الخلق في
السلم أبا يجمل صاحبه , ولكنها التزامات من واجبات الدين ,
والخلق في السلم غاية تربوية للعبادات , والتزام أدبي في
المعاملت , يجعل حياة الناس قائمة على المعروف والحسنى
, وقد حث السلم على أمهات الفضائل النسانية , ودعا إلى
المثل العليا , وأثنى على مكارم الخلق والدعوة إلى تهذيب
النفس عامل ً مشتركا بين سائر الرسالت السماوية.
ثامنا :
ترسيخ الرقابة الذاتية وربطها بمعاني اليمان
والتقوى .
إن معنى الرقابة الذاتية هو : أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة
ا تعالى , ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات الحياة ,
حتى يتم له اليقين بأن ا مطلع عليه , عالم بأسرار نفسه ,
رقيب على أعمالها , وعلى كل نفس بما كسبت , وبذلك تصبح
مستغرقة بملحظة جلل ا وكماله , شاعرة بالنس في
ذكره , واجدة الراحة في طاعته , راغبة في جواره , مقبلة
عليه , معرضة عما سواه .
وهذا معنى إسلم الوجه لله في قوله } وَمَنْ أَحْسَنُ دِينا ممّنْ
ّ
أَسلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ محْسِنٌ واتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَاتخَذَ اللّهُ
ّ ُ ْ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيل ً {]النساء/٥٢١[ . وهو عين ما دعا إليه ا تعالى
73
38. في قوله } وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسكُمْ فَاحْذَرُوهُ {
ِ
]البقرة/٥٣٢[ . وقوله – صلى ا عليه وسلم – )) اعبد ا كأنك
تراه , فإن لم تكن تراه فهو يراك (( .
وهو ما درج عليه السابقون الولون من سلف هذه المة
الصالح , إذ أخذوا أنفسهم به حتى تم لهم اليقين , وبلغوا
درجة المقربين , وهاهي آثارهم تشهد عليهم .
والمراقبة ثمرة علم العبد بأن ا – سبحانه – رقيب عليه ,
ناظر إليه , سامع لقوله , وهو مطلع على عمله كل وقت وكل
طرفة عين .
وقال ذو النون : علمة المراقبة إيثار ما أنزله ا , وتعظيم ما
عظم ا , وتصغير ما صغر ا .
وقال إبراهيم الخَوّاص : المراقبة خلوص السر والعلنية لله عز
وجل , والمراقبة : هي التعبد لله بأسمائه ) الرقيب , الحفيظ ,
العليم , السميع , والبصير ( فمن عقل هذه السماء وتعبد
بمقتضاها : حصلت له المراقبة .
فالمسلم حينما يتعمق اليمان بالله في قلبه , ويستقر في
نفسه , يظهر أثره في سلوكه ومراقبته لله تعالى , ويخلص
النية والقصد في عمله ومنه ابتغاء مرضاة ا وحده , ويفعل
الخير والخلق الكريم لوجه ا , ويجتنب الشر والخلق الفاسد
أيضا لوجه ا – تعالى .
83
39. وبهذه التوجيهات السديدة والتربية اليمانية الحقة ينبغي أن
يأخذ المسلم نفسه ويربى الباء أولدهم على ذلك , ويعلم
المربون تلميذهم عليه , فيعم الخير ويضمحل الشر ويسعد
الخاصة والعامة , وتكفي الحكومات والمحكومين شر الشقياء
.
) والشريعة السلمية تربي الضمير النساني ليكون رقيباُ
على المسلم في السر والعلن , ويخشى العقاب الخروي أكثر
من خشيته للعقاب الدنيوي . وبذلك يقيم السلم من داخل
النفس البشرية رقابة على تعاليمه , بحيث يرعاها المسلم في
جوف الليل , كما يرعاها في وضح النهار (.
وبهذا تمتاز الخلق السلمية عن النظم والنظريات الخلقية
الوضعية التي ل تقيم أخلقها إل على المنفعة , وقوة الضغط
الجتماعي و مراعاة الظاهر فحسب .
وأخيرا :
الجزاء ثوابا وعقابا في الدنيا والخرة .
الجزاء هو : ما يجب أن يناله النسان بحكم عمله الحر الناتج
عن إرادة واختيار إن خيرا فخير , وإن شرا فشر , وسواء أكان
ذلك الجزاء ماديا أو معنويا مباشرا أو غير مباشرا , عاجل ً أو
آجل ً , في هذه الحياة الدنيا أو الخرة .
93
40. وتأتي أهمية الجزاء من وجوه :
الوجه الول : أن العدالة تقتضي الجزاء , لنه يفرق بين
الذي يبني بعمله والذي يهدم به, أو بين المصلح والمفسد
والطيب والخبيث , قال تعالى } قُل ل ّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطّيّبُ
ْ ْ
{ ]المائدة/٠٠١[ ،} حَتّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ {]آل عمران /
ْ
٩٧١[، }إِنّ الَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ {
َ ْ
]النفطار/٣١،٤١[ .
الوجه الثاني : أن الجزاء عامل مشوق ودافع إلى التمسك
بالقيم الخلقية , لن النسان يجب أن يرى ثمرة عمله ,
وكفاحه , سواء كانت هذه الثمرة مادية أو معنوية . وكلما كان
الجزاء دافعا إلى اللتزام بالقيم الخلقية , ورادعا عن
النحراف عنها كان له قيمة أكبر .
الوجه الثالث : أن التمسك بالقيم الخلقية عمل مقدس ,
لنه يمثل أوامر ا , وأن من يقدس ا ويحترم أوامره يلتزم
بهذه القيم , والتزامه بها في ضوء هذه المشاعر يضفي على
حياته قوة معنوية , وبهجة روحية , بطبيعة العتقاد وبطبيعة
الشعور .
ولهمية الجزاء نجد السلم نوع وعدد الجزاءات التي تحيط
بالعمل الخلقي من كل جهة , وذلك على النحو التالي :
1 - الجزء اللهي :
04
41. هو مجازاة ا للعبد على سلوكه وعمله , وينقسم إلى عدة
أقسام بعدة اعتبارات أهما : الثواب في حالة الستقامة ,
والعقاب في حالة النحراف قال تعالى } مَنْ عَمِلَ صَالِحا
مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مؤْمِنٌ فَلَنحْيِينّهُ حَيَاةً طَيبَةً وَلَنَجْزِينّهُمْ
َ ّ ُ َ ُ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْملُونَ {]النحل/٧٩[ .
َ
وفي حق المنحرفين الشرار يقول سبحانه }إِنّا أَعْتَدْنَا
لِلظّالِمِينَ نَارا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يسْتَغِيثُوا يغَاثُوا بمَاء
ِ ُ َ
كَالْمُهْلِ يشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وسَاءتْ مُرْتَفَقا{
َ َ
]الكهف/٩٢[ .
٢ ـ الجزاء الوجداني :
وهو تلك الحركة الشعورية التي تحس بها في أعماق قلوبنا
بالفرح أو التأنيب مباشرة بعد كل فعل نعتقد أنه فعل حسن
أو قبيح .
والجزاء الوجداني أكثر تأثيرا من الجزاء المادي , لنه يقيني
الشعور , مستمر الثر قال – صلى ا عليه وسلم – ) من
ساء خلقه عذب نفسه , ومن كثر همه سقم بدنه ( وفي
حق الخيار يقول – صلى ا عليه وسلم – ) ذاق طعم
اليمان من رضي بالله ربا , والسلم دينا , وبمحمد نبيا ( .
٣ ـ الجزاء الجتماعي :
14
42. وهو الذي يشعر به المستقيم أو المنحرف من تقدير
المجتمع واحترامه له , أو من تأنيبه وهجره والنفور منه .
وهو أنواع منه الجزاء المباشر , والجزاء الدبي :
فالجزاء غير المباشر ما يجده النسان من حب وتفاؤل
ونزعة خيرة يظهر أثرها في المجتمع , أو حسد وحقد
ونفاق وكذب , يبدو أثره في الحياة حتى تصبح جحيما ل
يطاق وتضيق نفس الخيار بها , وأما الجزاء المباشر
ففيما قرره السلم من عقوبات على مفاسد السلوك كرجم
الزاني أو جلده , وقطع يد السارق , وجلد السكران وقتل
القاتل ونحوها وأما الجزاء الدبي فكاحترام الخيرين ,
وعدم العتداد بالفاسقين وحث السلم على مجالسة
الصالحين , وهجران العاصين .
فهذه أهم خصائص الخلق السلمية.
خلصة
قوام هذا الفصل على بيان الخصائص الهامة والبارزة
للخلق السلمية , التي تبين ملمح وطبيعة تلك الخلق ,
وتوضح سماتها وقسماتها التي تنفرد بها وتجعلها نسيجا وحدها
بين النظريات والفكار البشرية الناقصة القاصرة , كيف ل
والخلق في السلم قائمة على الوحيين الصادقيين , وثمرة
اللتزام بعقيدة السلم وشريعته . وأهم هذه الخصائص :
١- الربانية
24
43. ٢ـ الشمول والعموم .
٣ـ الثبات واللزوم .
٤ـ إقناع العقل وإشباع الوجدان .
٥ـ المسئولية اللزام .
٦ـ التكامل في معاملة الظاهر والباطن .
٧ـ الصلحية العامة لكل زمان ومكان .
٨ـ ترسيخ الرقابة الذاتية وربطها بمعاني اليمان والتقوى.
٩- الجزاء ثوابا وعقابا في الدنيا والخرة .
وتكاد تكون هذه الخصائص في الجملة هي خصائص الدين
السلمي ذاته – في الغالب – مما يؤكد على أهمية ومكانة
الخلق السلمية , وإمكانية التصاف والتحلي بها , لنبعها من
الفطرة السوية , والتشريع اللهي الحق .
34