الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
ظاهرة النحت - عبد المجيد أيت عبو
1. إن من المسائل التً تناولها علماء اللغة العربٌة وفقهها قدٌما مسألة النحت
فً اللغة، فقد أفرد لها بعضهم بابا خاصا، وبعضهم أشار إلٌها عرضا فً
موطن أو مواطن من كتابه. وظاهرة النحت على وجازة ما قٌل فٌها قدٌما،
فهً جدٌرة بالدرس والعناٌة، ولذلك تنوعت فٌها آراء الدارسٌن المحدثٌن.
وفً هذا المقال مقاربة ألهم ما أثٌر حولها.
تعرٌف:
َ َ َ َ َ َ َّ ْ ُ َ ْ ُ َّ َّ ِ َ ْ
النحت: النشر والقشر والنحت نحت النجار الخشب نحت الخشبة ونحوها
َ َّ ْ ُ َّ ْ ُ
ٌ ْنحتها وٌ ْنحتها نحتا ً فا ْنتحتت والنحاتة ما نحِت من الخشب ونحت الجبل َ ٌ ْنحته
َ ُِ َ َ َ َ َ ُ َ ُّ َ ََ ْ َ َُ َ ْ َ ُِ
2. قطعه وهو من ذلك وفً التنزٌل ((وت ْنحتونَ من الجبال بٌوتا ً آمنٌن)) ونحت
َ َ َ َ ُِ َ ََ
َ ََ ْ ُ ُ َّ ُ ََ
السفر البعٌر واإلِنسانَ نقصه.. والحافر النحٌِت الذي ذهبت حروفه(1). َ َّ َ ُ
ِ َ َ ِ َ َ َ ٌ َّ
وقٌد بعضهم النحت فً الشًء الذي فٌه صالَبة وقُوة كالحجر ِوالخشب ونحو
َّ ْ ِ ُ ُ ْ َّ ْ َ َ َّ
ذلك(2).
من هذا ٌتبٌن أن فً النحت معنى االختصار واالختزال والتسوٌة والتشذٌب.
وهذا ٌوافق المعنى االصطالحً كما سٌأتً.
فالنحت فً االصطالح، عرفه ابن فارس بقوله: "ومعنى النحت: أن تؤخذ
كلمتان وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جمٌعا بحظ"(3). وقال: "العرب
تنحت من كلمتٌن كلمو واحدة، وهو جنس من االختصار"(4).
ولعل أول من أشار إلى هذه الظاهرة هو الخلٌل بن أحمد فً كتابه العٌن حٌث
عرفه بأنه: "أخذ كلمة من كلمتٌن متعاقبتٌن، واشتقاق فعل منها"(5).
- عالقة النحت باالشتقاق:
قد النقسم الباحثون فً مسألة نسبة النحت إلى االشتقاق إلى ثالثة أقسام:
األول: ٌرى أن النحت نوع من أنواع االشتقاق، ففً كل منهما تولٌد شًء من
شًء، وفً كل منهما فرع وأصل، وال ٌظهر الفرق بٌنهما إال فً كون النحت
اشتقاق كلمة من كلمتٌن أو أكثر، وكون االشتقاق من كلمة واحدة، وألجل هذا
ُ َّ
سمً النحت باالشتقاق الكبار.
الثانً: ٌرى أن النحت غرٌب عن نظام اللغة العربٌة االشتقاقً، فال ٌصح أن
ٌعد ضربا من ضروب االشتقاق. وحجة من ٌرى هذا القول أن اللغوٌٌن
المتقدمٌن لم ٌعدوا النحت ضربا من االشتقاق؛ فقد أهمله ابن جنً فً بحوثه،
ولم ٌذكره السٌوطً فً الباب الذي أفرده لالشتقاق، بل أفرد له باب خاصا.
والنحت هو نزع كلمة من كلمتٌن أو أكثر، بٌنما ٌتحقق االشتقاق بنزع كلمة
من كلمة أخرى. كما أن الغاٌة من االشتقاق استحضار معنى جدٌد، أما غاٌة
النحت فهً االختصار كما عبر بذلك ابن فارس.
الثالث: توسط فرأى أن النحت من قبٌل االشتقاق ولٌس اشتقاقا بالفعل، ومن
أنصار هذا القول الشٌخ عبد القادر المغربً فً كتابه: "االشتقاق
والتعرٌب"(6).
- أقسام النحت:
قسمه المتأخرون بعد استقراء األمثلة إلى األقسام التالٌة:
األول: النحت الفعلً:
بسملَ: إذا قال: بسم هللا الرحمن الرحٌم. َ ْ َ
حمدلَ، إذا قال: الحمد هلل. َ َْ
حسبلَ، إذا قال: حسبً هللا ونعم الوكٌل. َ َْ
دمعز، إذا قال: أدام هللا عزك. َ َْ َ
س ْبحلَ، إذا قال: سبحان هللا. َ َ
3. طلبق، إذا قال: أطال هللا بقاءك. ََْ َ
سمعلَ، إذا قال: السالم علٌكم. َ َْ
جعفد، إذا قال: جعِلت فِداك.
ُ َ ْ ََ
الثانً: النحت االسمً: وهو أن ٌنحت من كلمتٌن اسما، مثل:
جلمود: من "جمد" و"جلد".
حبقر: من "حب" "قر".
سامراء: من "سر من رأَى".
َ ُ َّ
الثالث: النحت النسبً: وهو أن تنسب شخصا أو شٌئا إلى بلدتٌن أو اسمٌن
على طرٌقالنحت، مثل:
طبرخزي: نسبة إلى: "طبرستان" و"خوارزم". َ
عبشمً: نسبة إلى: "عبد شمس".
عبدري: نسبة إلى: "عبد الدار".
عبقسً: نسبة إلى: "عبد القٌس".
الرابع: النحت الوصفً: وهو أن تنحت من كلمتٌن كلمة واحدة تدل على صفة
جامعة لمعنى الكلمتٌن المنحوت منهما، وقد تكون أشد منهما فً المعنى، مثل:
ضِ بطر: للرجل الشدٌد، مأخوذ من: "ضبطر" و"ضبر"، وفً ضبر معنى القوة َ ْ
والشدة.
الصلدِم: ومعناها: الشدٌد الحافر، مأخوذ من: "الصلد" و"الصدم". ِّ
صهصلق: الشدٌد من األصوات، منحوت من: "صهل" و"صلق"ن وكالهما َ ْ ََ
َ َّ َ
بمعنى: صوت.
الخامس: النحت الحرفً: مثل قول بعض النحوٌٌن، إنّ (لكنّ ) منحوتة، فقد
رأى الفراء أنّ أصلها (لكن أنّ ) طرحت الهمزة للتخفٌف ونون (لكن) اللتقاء
الساكنٌن، وذهب غٌره من الكوفٌٌن إلى أنّ أصلها (ال) و (أن) والكاف زائدة
ولٌست تشبٌهٌة، وحذفت الهمزة تخفٌفا(7).ّ
َْ َ ِ ََْ َ
السادس: النحت التخفٌفً: مثل (بلع ْنبر) فً بنً العنبر، و(بلحارث) فً بنً
الحارث، و(بلخزرج) فً بنً الخزرج، وذلك لقرب مخرجً النون والالّم، فلما َْ َ ْ َ
لم ٌمكنهم اإلدغام لسكون الالّم حذفوا8.
َُ
السابع: تأوٌالت نحتٌة: وذلك أن تؤول الكلمة على أنها منحوتة من كلمتٌن أو
أكثر، وٌرد معناها إلى معنى تلك الكلمات. والغالب أن هذا ٌلجأ إلٌه من باب
النكتة أو الطرفة، وقد ٌكون للتعلٌم وأخذ العبرة. وٌرد أكثره عن طرٌق التكلف
والتعسف. ومن أمثلة ذلك: ما أورده الجاحظ فً كتابه البخالء عن أبً عبد
الرحمن الثوري أنه قال البنه: ".. أي بنً: إنما صار تأوٌل الدرهم: دار الهم،
وتأوٌل الدٌنار: ٌدنً إلى النار"، قال الجاحظ: " إنما هذا شًء كان ٌتكلم به
عبد األعلى، إذا قٌل له: لم سمً الكلب قلٌطاً؟ قال: ألنه قل ّ ولَطى! وإذا قٌل له:
4. لم سمً الكلب سلوقٌاً؟ قال: ألنه ٌستل وٌلقً! وإذا قٌل له: لم سمً العصفور
عصفوراً؟ قال: ألنه عصى وفر"(9).
َ َ
ومن هذا قولهم فً (كربالء): كرب وبالَء، وفً (فلسفه): فلس وسفه..
َ َْ
الغرض من النحت:
- هو تٌسٌر للتعبٌر باالختصار واإلٌجاز؛ وقد تقدم قول ابن فارس: "العرب
تنحت من كلمتٌن كلمة واحدة، وهو جنس من االختصار". وقال جرجً زٌدان:
َ ُ ٌ
"النحت ناموس فاعل على األلفاظ، وغاٌة ما ٌفعله فٌها إنما هو االختصار فً
نطقها تسهٌالً للفظها، واقتصاراً فً الوقت بقدر اإلمكان"(11).
- هو وسٌلة من وسائل تنمٌة اللغة وتكثٌر مفرداتها؛ حٌث اشتقاق كلمات
ّ
حدٌثة، لمعان حدٌثة، لٌس لها ألفاظ فً اللغة، وال تفً كلمة من الكلمات
المنحوت منها بمعناها.
- االختالف حول النحت:
إن هذه الظاهرة تباٌنت فٌها أراء علماء اللغة قدٌما وحدٌثا؛
أما القدماء: فقد اختلفوا فً كونه قٌاسا أو سماعا. فالذٌن ٌرونه قٌاسٌا
ٌبٌحون للمولدٌن ممارسته وتطبٌقه. أما من ٌرى أنه سماعً فإنه ٌمنع من
ذلك، ألن ما ورد منحوتا ٌحفظ وال ٌقاس علٌه.
فممن قال بقٌاسٌته: ابن فارس حٌث قال: "وهذا مذهبنا فً أن األشٌاء الزائدة
على ثالثة أحرف، فأكثرها منحوت"(11). قال ابراهٌم أنٌس: "ومع وفرة ما
روي من أمثلة النحتن تحرج معظم اللغوٌٌن فً شأنه، واعتبروه من السماع
فلم ٌبٌحوا لنا نحن المولدٌن أن ننهج نهجه.. ومع هذا فقد اعتبره ابن فارس
قٌاسٌا"(21). ومن الباحثٌن من رأى أن عبارة ابن فارس ال تفٌد
القٌاسٌة(31).
وممن قال بسماعٌته: أبو حٌان فً شرحه لتسهٌل ابن مالك حٌث قال: "وهذا
الحكم ال ٌطرد، إنما ٌقال منه ما قالته العرب"(41).
أما المحدثون: فقد دار الخالف بٌنهم فً منعه وإباحته، فمن الداعٌن إلى
إباحته واعتباره جزءا من االشتقاق: محمود شكري األلوسً، فالنحت عنده من
االشتقاق األكبر الذي ٌعتبره قٌاسا مطردا(51). ومن الداعٌن إلى اإلباحة
ساطع الحصري الذي ٌرى ضرورة استعمال النحت الستٌعاب المستجدات
العلمٌة، ٌقول: "ونحن نعتقد بأننا وصلنا إلى دور اشتدت فٌه حاجتنا إلى
االستفادة من النحت اشتدادا كبٌرا"(61).
أما المانعون من ذلك فهم وإن اتفقوا على ضرورة نمو اللغة وتطورها لتفً
بالحاجات المستجدة؛ فإنهم ٌخشون أن ٌكون ذلك التطور والنمو عن طرٌق
ُ َ َّ
النحت تطورا مشوهاً. ٌقول محمد المبارك: "النحت طرٌقة كانت مستعملة فً
عصور العربٌة القدٌمة، ولكن العربٌة فٌما بعد أهملت هذه الطرٌقة فً تولٌد
األلفاظ الجدٌدة وسلكت طرٌقة االشتقاق". وٌرفض أنستاس الرملً ظاهرة
5. النحت ألن علماء العصر العباسً لم ٌنحتوا رغم حاجتهم إلى الوضع، لما
عرف من نهضة علمٌة، وألن القدماء لم ٌنحتوا إال األلفاظ التً ٌكثر تردادها
رغبة فً االختصار.
هذا وقد وللنحت عند المحدثٌن مفاهٌم وطرائق أخرى، لعلنا نتاول شٌئا من
ذلك فً مقال آخر. وقد تناول أستاذنا الدكتور عبد الحً العباس شٌئا من ذلك
فً مقال له بعنوان: "النحت ف العربٌة المعاصرة"، وهو منشور فً الشبكة
العنكبوتٌة، فلٌنظر فإنه مهم.
==============================
(1) لسان العشب، مادة (وذج).
(2) حاج العشَس، مادة (وذج).
(3) مقاٌٍس اللغت (1/823-923).
(4) الصادبً فً فقً اللغت (ص: 164).
(5) كخاب العٍه (1/06).
(6) فقً اللغت للذكخُس صالخ الضامه (ص: 39). ٌَىظش: دساساث فً فقً اللغت لصبذً الصالخ (ص:
342).
(7) الىذج بٍه مؤٌذًٌ َمعاسضًٍ للذكخُس فاسس البطاٌىت، (ص: 221).
(8) فقً اللغت: د. إبشاٌٍم أبُ سكٍه (ص: 32).
(9) البخالء (ص: 89).
(01) وقال عه كخاب المٍاساث اللغٌُت (ص: 612-912).
(11) الصادبً فً فقً اللغت (ص: 672).
(21) مه أسشاس اللغت (ص: 27).
(31 ) َإلى رلك مالج لجىت الىذج الخابعت لمجمع اللغت العشبٍت بالقاٌشة. حىظش مجلت مجمع اللغت العشبٍت
(7/202).
(41) وقال عه مذاضشاث فً فقً اللغت للذكخُس عبذ الشدمه كظٍمً (ص: 53).
(51 ) الىذج َبٍان دقٍقخً َوبزة مه قُاعذي، مذمُد شكشي األلُسً، حذقٍق َششح مذمذ بٍجت األثشي،
(ص: 93).
(61) وقال عه مذاضشاث فً فقً اللغت للذكخُس عبذ الشدمه كظٍمً (ص: 63).