تدبير الزمن المدرسي بالابتدائي.. الهاجس الذي لا ينتهي
1. تدبير الزمن المدرسي باالبتدائي.. الهاجس الذي ال ينتهي
ذ. رشيد شاكري (*)
"تدبٌر الزمن المدرسً بسلك التعلٌم االبتدائً " قضٌة قدٌمة، تتجدد مع مطلع كل موسم دراسً،
وتثٌر الجدل كالمعتاد؛ ٌتفاعل معها الموضوعً والذاتً، السٌكولوجً والبٌداؼوجً، المنشود
والموجود...
قد ال نختلؾ لو أقررنا أن مذكرتٌن وزارٌتٌن استحوذتا على الرأي الوطنً والتعلٌمً بمناسبة
الدخول المدرسً الجدٌد: مقرر وزٌر التربٌة الوطنٌة رقم 223 23xالصادر فً 5 شتنبر 3213
بتوقٌؾ العمل مإقتا بمقتضٌات المذكرة رقم 212 بتارٌخ 4 شتنبر 2113 فً شؤن الترخٌص ألطر
هٌئة التدرٌس بالقٌام بساعات إضافٌة بمإسسات التعلٌم المدرسً الخصوصً، والمذكرة المسجلة
تحت رقم 7623 3xبتارٌخ 5 شتنبر 3213 فً شؤن إعداد استعمال الزمن وفق التوقٌت الٌومً.
تتباٌن الردود والقراءات اتجاه هذه القرارات واإلجراءات، ولنا بدورنا قراءتنا الخاصة بحكم
انتمائنا للمنظومة، ومتابعتنا لتنزٌلها على أرض المٌدان، وسنقصر هذه القراءة على المذكرة المتعلقة
بإعداد الزمن فً المدرسة االبتدائٌة.
- ما الذي ألغي في المذكرة 112؟
استهلت المذكرة بعبارة " تبعا لقراري بإلؽاء المذكرة 332"، فما العٌب الذي شاب هذه المذكرة
وما الجدٌد الذي أتت به المذكرة التً نسختها؟
حددت المذكرة 332 الملؽاة أربعة معاٌٌر مإطرة لتدبٌر الزمن المدرسً، ال نظن أنه هناك
اختالؾ حولها، وهً:
جؼم يظهحت انًخؼهى(ة) فٕق كم اػخباس؛
حغطٛت انغالف انضيُٙ انفؼهٙ نهذساست؛
إَٓاء انبشَايج انخاص بكم يسخٕٖ دساسٙ؛
3. والتً ربما لم تتجسد فً بعضها تلك المقاربة التؤطٌرٌة، ومع ذلك فإن المذكرة البدٌلة لم تبتعد عن
تلك النماذج سوى بإفراغ صبٌحة السبت وتمدٌد الدراسة ٌومٌا من 2 صباحا إلى 32 زواال (مع
ساعتٌن ونصؾ بالمساء باستثناء ٌوم األربعاء). فهل ٌعتبر هذا اإلجراء تجدٌدا وتطوٌرا لمقاربة
تدبٌر الزمن المدرسً بمدرستنا العمومٌة؟
- ما هي المقاييس الدولية المعتمدة، وما هو المعمول به في أغلب الدول في ميدان التعليم؟
سإال مشروع مادام أن المذكرة استندت إلى المرجعٌة الدولٌة إلضفاء الشرعٌة البٌداؼوجٌة على
النموذج المقترح. لن نسائل مدى نجاعة االرتكان إلى ما هو معمول به دولٌا، مع وجود هوة فً بنٌة
المإسسات ا لتعلٌمٌة ومكونات الحٌاة المدرسٌة بٌن النموذجٌن، تإكدها التقارٌر الدولٌة، ولكن
سنسائل فقط هل حقا المذكرة استندت إلى ما هو معمول به عالمٌا؟.
لمقاربة السإال، نستند إلى بعض المعطٌات واإلحصاءات التً تهم الزمن المدرسً بالمإسسات
االبتدائٌة على الصعٌد الدولً وطبعا فرنسا باعتبارها النموذج المفضل لدٌنا، وذلك وفقا لدراسة
أنجزت فً الموضوع(**).
تإكد المعطٌات حسب المبٌان أسفله أن جميع الدول المعنٌة بالدراسة تتجاوز سنتها الدراسٌة 54
أسبوعا (باستثناء روسٌا)، وهً المدة التً نعتمدها، فؤٌن نحن من الؽالبٌة؟
فٌما ٌخص مدة التدرٌس األسبوعٌة المعتمدة بالتعلٌم االبتدائً فً دول االتحاد األوربً، فإنها ال
تتجاوز 63 ساعة، باستثناء إٌطالٌا (73ساعة)؛ فً حٌن نبقى نحن فً المؽرب متشبثٌن بؽالؾ زمنً
مدته 14 ساعة أسبوعٌا، فهل بهذه الحصة تجاوبنا مع المعطٌات الدولٌة؟
4. وفً السٌاق ذاته، نسجل حسب نفس الدراسة أن الحٌز الزمنً الٌومً باالبتدائً بدول االتحاد
األوربً ٌتراوح بٌن ساعتٌن ونصؾ (ألمانٌا) وال ٌتجاوز خمس ساعات ما عدا ببلجٌكا وإٌطالٌا
اللتان تتعدٌانها بدقائق وفً فرنسا بساعة واحدة)، فً حٌن ٌعتمد التوقٌت المقترح فً المذكرة
الوزارٌة الحالٌة على ست ساعات ونصؾ ٌومٌا باستثناء ٌوم األربعاء 5 ساعات. فهل نحن من خالل
هذا المقترح مع األقلٌة أم مع األؼلبٌة الدولٌة؟
أما المدة الزمنٌة للحصص الدراسٌة فً االتحاد األوربً فهً ال تقل عند معظم دوله فً حدها األدنى
عن 15 دقٌقة (باستثناء إٌرلندا وإٌسلندا 14 دقٌقة)، وتصل إلى 17 دقٌقة (باستثناء البرتؽال 12
دقٌقة). وبعودتنا إلى مذكرة إعداد استعمال الزمن وفق التوقٌت الٌومً، التً اختصرت الموضوع فً
صفحة واحدة نجدها قد سكتت عن إثارة هذا المعطى، فً حٌن المذكرة 332 الملؽاة حددت مدة
الحصص ما بٌن 15 و16 دقٌقة وهً بذلك تتماشى مع ما هو معمول به دولٌا.
5. - ما حدود المرونة والتكييف الذي أتاحته المذكرة الجديدة؟
تعاملت المذكرة (رقم 7623 3xبتارٌخ 5 شتنبر 3213 فً شؤن إعداد استعمال الزمن وفق
التوقٌت الٌومً) مع الوسطٌن الحضري والقروي بتفكٌرٌن متناقضٌن، حٌث فرضت نموذجا واحدا
ووحٌدا بالوسط الحضري، دون أدنى مجال لالجتهاد، فواجهت وضعٌات ؼٌر قابلة للتنزٌل (فً نٌابة
فاس على سبٌل المثال، وحسب مدٌر األكادٌمٌة، 07 % من المدارس الحضرٌة ال تتوفر بها شروط
العمل بهذا التوقٌت).
إن تشدد المذكرة فً طرحها النموذج الوحٌد قد أربك الفاعلٌن فً المٌدان، وجعلهم فً حٌرة بٌن
اإلقرار بقصور المذكرة وضرورة تعدٌلها، وبٌن البحث عن نماذج الستعماالت زمن ما قبل قبل
المذكرة الملؽاة من قبٌل ما كان ٌعرؾ بالصٌؽة األولى والصٌؽة الثانٌة..
إن اصطدام هذه الصٌؽة الصارمة بالمعطٌات المٌدانٌة تثٌر سإالٌن كبٌرٌن:
ِْ
- هل المشرفون على التعلٌم االبتدائً بمختلؾ مدٌرٌات الوزارة لم ٌخبروا واقع مإسساتنا
التعلٌمٌة فقبلوا بمضامٌنها؟ أم أنهم لم ٌخبروا أصال بحٌثٌات المذكرة ذاتها؟
- هل الحجرات المخصصة للتعلٌم األولً ببعض المإسسات االبتدائٌة التً تحتضنه تشكل حقا
المعٌق األساس لتنفٌذ النموذج المفروض؟
فً مقابل هذه الصرامة فً الوسط الحضري التً لم تعط أي دور ال للمدرس وللمدٌر وال
للمفتش التربوي، تتعامل المذكرة مع الوسط القروي بلٌونة كبٌرة وتترك مبادرة اعتماد التوقٌت
الٌومً للدراسة، للفاعلٌن المحلٌٌن مع ضرورة مراعاة الظروؾ المناخٌة والجؽرافٌة، والمسافة بٌن
المدرسة والمناطق السكنٌة، وتوفر الحجرات الكافٌة، وفق آلٌة من أربع مراحل:
- ٌبلور مدٌر المإسسة صٌؽة التوقٌت األنسب واألنجع؛
- ٌناقش مجلس التدبٌر الصٌؽة التً بلورها المدٌر؛
- ٌصادق المفتش على الصٌؽة التً ناقشها مجلس التدبٌر؛
- توافق النٌابة وتقرر الصٌؽة التً صادق علٌها المفتش.
6. لعل ما ٌثٌر االنتباه فً هذه السلسلة من المهام ضبابٌة بعض االختصاصات ومدى حدودها، فما
معنى "مناقشتها داخل مجلس التدبٌر" وما الؽاٌة من هذه المناقشة، وما مآلها إذا لم ٌنتج عنها قرار؟
وماذا لو رفض مجلس التدبٌر الصٌؽة التً أتى بها المدٌر، علما أن للمجلس دورا استشارٌا فحسب؟
ثم ماذا لو لم تقرر النٌابة وتوافق على ما صادق علٌه المفتش؟ وقبل هذا وذاك، ما هً األدوات
والخبرات التً وفرت للمدٌر إلقداره على بلورة استعماالت للزمن تستجٌب للشروط التربوٌة
والقانونٌة وتتكٌؾ مع متطلبات الوسط؟
نتجاوز مإقتا هذه األسئلة الداخلٌة، لنتوجه إلى القراءة التطبٌقٌة والتؤوٌالت المٌدانٌة لمحتواها، إذ
سمح هذا المولود الجدٌد للبعض أن ٌفتق من عبقرٌته وٌدفعه إلى إبداع نماذج تتفاوت درجة االجتهاد
فٌها، وهكذا تتناسل االستنتاجات والمبررات، ومنها:
- ما دام أن أساتذة الوسط الحضري استفادوا من عطلة السبت فمن باب أولى أن ٌستفٌد منها
أساتذة الوسط القروي،
- وما دام أن التوقٌت "المستمر" حق اكتسبته الشؽٌلة التعلٌمٌة فً العالم القروي، فإنه ال ٌمكن
التفرٌط فٌه،
- وما دام أن المدة الٌومٌة للتدرٌس ستصل إلى ست ساعات متتابعة، فلم ال ٌتم التخلً عن
"الساعات التضامنٌة!" والعمل 53 ساعة أسبوعٌا بدل 14 ساعة المقررة حالٌا.
وهكذا، نجد منْ طبق النموذج الحضري فً مإسسته حرفٌا، ومن أزاح ٌوم األربعاء إلى
الجمعة، ومن احتفظ بالتوقٌت المستمر كسابق السنوات، ومن اعتمد التوقٌت المستمر وأفرغ ٌوم
السبت بحصة ٌومٌة تدوم ست ساعات متتالٌة؟؟؟، بل هناك من أفرغ أمسٌة الجمعة وٌومً السبت
واألحد وصبٌحة االثنٌن، واألدهى أن هناك من قلص الحٌز الزمنً واشتؽل ب 53 ساعة أسبوعٌا
فقط، لٌظل السإال مطروحا: أي نموذج من النماذج المعروضة ٌراعً مصلحة المتعلم وٌجعلها فوق
كل اعتبار؟ أي النماذج ٌضع فً حسبانه قدرة المتعلم على التحمل؟ أي نموذج ٌستحضر الوجبات
الؽذائٌة التً ٌتناولها المتعلم والتً ال ٌتناولها؟ أٌها ٌؤخذ بعٌن االعتبار ثقل المحفظة التً ترافق
المتعلم من وإلى المدرسة والمسافة التً ٌقطعها ؟....
إن قضٌة تدبٌر الزمن المدرسً أكبر من أن تختصر فً صفحة، ألنها فً حاجة إلى استٌعاب
كل المتؽٌرات وتوثٌق اإلجراءات والتدابٌر فً دلٌل متكامل ٌإطر عملٌة استثمار الوقت تربوٌا
وإدارٌا وٌضمن استفادة المتعلم من حصصه كاملة، كما وكٌفا. فمتى سنسترٌح من هم استعماالت
الزمن ونفكر فٌما بٌن الدخول والخروج، ونجعل من أنشطتنا أكثر جاذبٌة وحافزٌة؟
(** ) Angés Cavet, Rythmes scolaires : pour une dynamique nouvelle des
.2201 temps éducatifs, Dossier d’actualité de la VST,n°60,février
الجريدة التربوية عدد أكتوبر 1201
(*) باحث تربوي، مفتش بنيابة وزان