1. التعريف بسيرة أبن اسحاق
ألف ابن إسحاق سرية النيب صلى اهلل عليو وسلم ، وىي تشمل حياة الرسول صلى اهلل عليو وسلم قبل
البعثة ، وشيئاً من أخبار اجلاىلية ، مث سريتو صلى اهلل عليو وسلم بعد اذلجرة ، مث يف حياتو يف ادلدينة ،
ومغازيو ، وبعوثو ،حىت وفاتو صلى اهلل عليو وسلم.
أما طريقتو يف الًتتيب والتأليف فال نكاد نتبينها كاملة ألن كتبو مل تصل إلينا إال من خالل بعض النقول
اليت وجدت يف مؤلفات العلماء الذين جاؤوا بعده ، وأقرهبا ىو هتذيب السرية ، الذي قام بو عبد ادللك بن
ىشام.
وقد أبان ابن ىشام عن منهجو يف االختصار فقال:( وأنا إن شاء اهلل مبتدئ ىذا الكتاب بذكر إمساعيل
بن إبراىيم ، ومن ولَد رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم من ولده وأوالدىم ألصالهبم األول فاألول من
إمساعيل إىل رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ، وما يعرض من حديثهم ، وتارك ذكر غريىم من ولد إمساعيل
على ىذه اجلهة لالختصار ، إىل حديث سرية رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ، وتارك بعض ما ذكره ابن
إسحاق يف ىذا الكتاب مما ليس لرسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ، وال نزل فيو من القرآن شيء ، وليس
سبباً لشيء من ىذا الكتاب ، وال تفسرياً لو وال شاىداً عليو ) ، وعلل صنيعو ىذا بأنو ألجل االختصار .
مث ترك بعض األشياء انتقاداً البن إسحاق فقال : ( وأشعاراً ذكرىا مل أر أحداً من أىل العلم بالشعر يعرفها
، وأشياء بعضها يشنع احلديث بو ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ، وبعض مل يقر لنا البكائي – شيخ
ابن ىشام وأحد رواة السرية عن ابن إسحاق – بروايتو )
وقد حافظ ابن ىشام فيما يبدو على نص ابن إسحاق ، وذلك أنو يقدم لو بقولو : قال ابن إسحاق ، مث
يورد نص كالم ابن إسحاق . وإذا عقب عليو فإنو يفصل ذلك بقولو : قال ابن ىشام . وإذا كان لديو
رواية ختالف قول ابن إسحاق فإنو يسوقها بسنده ىو . وغالب إضافاتو ىي يف تصحيح األنساب ، أو
ح بعض اجلمل واالستشهاد لذلك بالشعر. شر
ومنهج ابن إسحاق يقوم على إيراد األخبار باألسانيد اليت وصلت إليو ، وبعضها موصول وبعضها منقطع
أو معضل ، يف حني أن بعض األخبار يوردىا بدون إسناد.
2. وىو قد يعتمد يف معلوماتو على رلهولني فيقول : ( حدثين بعض أىل العلم ) ، أو ( حدثين بعض بين
فالن ) ، أو ( حدثين بعض أىل مكة ) ، أو ( حدثين من ال أهتم )أو( زعم رجال من بين فالن )
وادلالحظ أنو إذا شك يف صحـة الرواية عرب عن ذلك بقولو : ( فيما يذكرون ) ، أو ( فيما يزعمون )
وإذا أورد أكثر من رواية ومل يستطع الًتجيح ختم كالمو بقولو : ( فاهلل أعلم أي ذلك كان )
كما أنو جيمع الروايات أحياناً مع بعضها دون متييز ذلا ، ويقدم بذكر األسانيد رلموعة ، ويسوق ملخصها
.
ويستشهد باآليات القرآنية ، ويذكر أسباب النزول ، ح بعض ادلعاين يف اآليات ، وأحياناً يقدم بني
ويشر
يدي الروايات بتمهيد من عنده يلخص فيو اخلرب ، أو يبني سبب احلادثة التارخيية ونتيجتها.
وهبذا ادلنهج حياول ابن إسحاق أن جيمع بني منهج احملدثني القائم على األسانيد ومنهج األخباريني
ادلتحررين من االلتزام باألسانيد ، ولعل ىذا من أسباب القبول الذي لقيتو سريتو لدى العامة والعلماء.
إال أن درلو للروايات ومجع األسانيد وسياقها مساقاً واحداً دون متييز ألفاظ الرواة لقي نقداً من نقاد
احلديث ، ألنو جيمع بني رواية الثقة وغري الثقة ويسوقها مساقاً واحداً ، دون أن دييز بني احلروف وألفاظ
الرواة ، فيختلط قول الثقة مع غريه.
وقد تفرد ابن إسحاق بزيادات منها الصحيح ومنها الضعيف ، كما أن لو شذوذات خالف هبا الصحيح
مثل ما أورده من أن القراء الذين قتلوا يف بئر معونة أربعون رجالً ، والذي يف صحيح البخاري أن عددىم
سبعون . ومثل قولـو : إن أصحـاب احلديبيبة سبعمائة ، والذي يف الصحيحني أهنم ألف وأربعمائة.
وعلى كل حال فابن إسحاق يعترب رائداً للكتابة يف السرية ، وصاحب مدرسة ذلا منهجها ادلستقل عن
مدرسة علماء احلديث ، وقد سهل للناس دراسة السرية وتنظيمها يف منط قصصي متسلسل ، ولذا وصفو
العلماء بأنو إمام يف ادلغازي والسري.