الأسئلة والأجوبة حول تفسير القران والمجيب الشيخ الألباني

1. ‫كيف يجب علينا‬
‫أن نفسر القرآن الكريم‬
‫للعــــلمة المــــحدث‬
‫محمد ناصر الدين اللباني‬
‫رحمه ا تعالى‬

2. ‫مقدمة الناشر : إن الحمد ل , نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا , ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده ال فل مضل له , ومن يضلل فل هادي له , وأشهد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .‬
‫أما بعد فهذه رسالة ) كيف يجب علينا أن نفسر القران الكريم ؟ ( وأصلها أسئلة ألقيت على‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫الشيخ محمد ناصر الدين اللباني رحمه ال تعالى , فأجاب عنها مسجلة , ثم فرغت وطبعت في‬
‫ ُ‬
‫ ً‬
‫أوراق , وقدمت للشيخ رحمه ال تعالى , فقرأها وعلق عليها بخط يده .‬
‫وقد رأت المكتبة السلمية في عمان أن تنشرها اليوم لتعم بها الفائدة , ولينتشر على الشيخ‬
‫ ُ‬
‫رحمه ال , وليؤجر عليها في قبره رحمه ال .‬
‫وهي على صغر حجمها عظيمة الفائدة كبيرة النفع للمة السلمية بأسرها , إذ إنها توضح‬
‫الصول والقواعد التي يجب علينا أن ننهجها إذا أردنا أن نفسر القرآن الكريم بالطريقة الصحيحة‬
‫التي يرضاها ربنا تبارك وتعالى , والتي شرعها على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم , ثم اتبعها‬
‫من بعده خير هذه المة : صحابته , ثم التابعون لها بإحسان رضي ال عنهم أجمعين .‬
‫كما أن فيها على صغر حجمها الشيء الكثير من القواعد العامة التي تهم كل مسلم يريد أن يكون‬
‫من الفرقة الناجية , والتي يجب عليه أن يتمسك ويعمل بها حتى تقوده إلى الطريق الصحيح ,‬
‫كقاعدة ) كلما أحييت سنة أميتت سنة ( وغيرها من تلك القواعد النورانية التي فتح ال بها على‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫الشيخ رحمه ال وغفر له , فقد كان واسع العلم والمعرفة بشريعة السلم وبسنة رسولنا صلى‬
‫ال عليه وسلم وصدق ربنا إذ يقول ) ... يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ...‬
‫تاَ َمْ تاَ ْلِ َّ َّ ْلِ تاَ تاَ ُ ْلِ َمْ ُ َمْ تاَ َّ ْلِ تاَ ُ ُ َمْ ْلِ َمْ تاَ تاَ تاَ تاَ ٍ‬
‫ ُ‬
‫(-المجادلة 11 ... رحم ال الشيخ , وجزى القائمين على نشر علمه من بعده خيرا , ونفع بهذا‬
‫ ً‬
‫العلم كل مسلم أطلع عليه .‬
‫الناشر‬
‫عمان في 4 ذي الحجة 0241هـ‬

3. ‫سؤال 1 : فضيلة الشيخ ! قرأت في كتاب صغير حديثا يقول ) خذ من القرآن ما شئت لما شئت (‬
‫ ً‬
‫فهل هذا الحديث صحيح ؟ أفيدونا جزاكم ال خيرا .‬
‫ ً‬
‫الجواب : هذا الحديث ) خذ من القرآن ما شئت لما شئت ()1( حديث مشتهر على بعض اللسنة‬
‫ولكنه –مع السف الشديد- من تلك الحاديث التي ل أصل لها في السنة , ولذلك فل يجوز روايته‬
‫ونسبته إلى النبي صلى ال عليه وسلم .‬
‫ثم ذا المعنى الواسع الشامل ل يصح ول يثبت مطلقا في شريعة السلم : ) خذ من القرآن ما‬
‫ ً‬
‫شئت لما شئت ( فمثل إن أنا جلست في عقر داري , ول أعمل في مهنتي وصنعتي , وأطلب‬
‫الرزق من ربي أن ينزله علي من السماء لني اخذ من القرآن لهذا ! من يقول هذا ؟!‬
‫هذا كلم باطل , ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طبعوا على الجلوس والسكن فيما‬
‫ ُ‬
‫يسمونها بالرباطات , ينزلون فيها وينتظرون رزق ال ممن يأتيهم به من الناس , علما أن هذا‬
‫ ً‬
‫ليس من طبيعة المسلم , لن النبي صلى ال عليه وسلم قد ربى المسلمين جميعا على علو الهمة‬
‫ ً‬
‫, وعلى عزة النفس , فقال عليه الصلة والسلم ) اليد العليا خير من اليد السفلى , فاليد العليا‬
‫ ُ‬
‫هي المنفقة , واليد السفلى هي السائلة ()2( .‬
‫ويعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية – ول أطيل في‬
‫ ُ‬
‫ذلك , فقصصهم كثيرة وعجيبة :-‬
‫زعموا أن أحدهم خرج سائحا ضاربا في الرض بغير زاد , فوصل المر إلى أنه كاد أن يموت‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫ل‬
‫جوعا , فبدت له من بعيد قرية , فأتى إليها , وكان اليوم يوم الجمعة , وهو بزعمه خرج متوك ً‬
‫ ً‬
‫على ال , فلكيل ينقض بزعمه توكله المزعوم , لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد ,‬
‫وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر , لكيل يشعر به أحد , لكنه كان يحدث نفسه لعل أحدا يحس‬
‫ ً ُ‬
‫به , وهكذا خطب الخطيب خطبته , وهو لم يصل مع الجماعة ! فبعد أن انتهى المام من الخطبة‬
‫ ُ‬
‫والصلة , وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحدانا من أبواب المسجد , حتى شعر الرجل بأن‬
‫ ً‬
‫المسجد كاد يخلو من الناس , وحينئذ تقفل البواب , ويبقى وحيدا في المسجد من غير طعام ول‬
‫ ً‬
‫ ٍ ُ‬
‫شراب , فلم يسعه إل أن يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين , فالتفت بعض الناس , فوجدوه قد‬
‫تحول كأنه عظم من الجوع والعطش , فأخذوه وأغاثوه .‬
‫وسألوه : من أنت يا رجل ؟!‬
‫قال : أنا زاهد متوكل على ال .‬
‫قالوا : كيف تقول : متوكل على ال , وأنت كدت أن تموت ؟! ولو كنت متوكل على ال لما سألت‬
‫ ً‬
‫, ولما نبهت الناس إلى وجودك بالنحنحة , حتى تموت بذنبك ؟!‬
‫هذا مثال إلى ما يؤدي به مثل هذا الحديث ) خذ من القرآن ما شئت لما شئت ( .‬
‫ ُ‬
‫والخلصة : أن هذا الحديث ل أصل له .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

4. ‫سؤال 2 : فضيلة الشــيخ ! يقول القرآنيون : قال تعالى ) وكل شيء فصلناه تفصي ً ([ السراء‬
‫تاَ ُ َّ تاَ َمْ ٍ تاَ َّ َمْ تاَ ُ تاَ َمْ ْلِ ل‬
‫21] ... وقال تـعالى ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ([النعام 83]... ويقول الرسول صلى ال‬
‫تاَ تاَ َّ َمْ تاَ ْلِ َمْ ْلِ تاَ ْلِ ْلِ َمْ تاَ َمْ ٍ‬
‫عليه وسلم ) إن هذا القرآن طرفه بيد ال , وطرفه بأيديكم , فتمسكوا به , فإنكم لن تضلوا ولن‬
‫تهلكوا بعده أبدا ()3( . نرجو من فضيلتكم التعليق على ذلك .‬
‫ ً‬
‫الجواب : أما قوله تعالى ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ([النعام 83] , فهذه الية إنما تعني‬
‫تاَ تاَ َّ َمْ تاَ ْلِ َمْ ْلِ تاَ ْلِ ْلِ َمْ تاَ َمْ ٍ‬
‫الكتاب هنا : اللوح المحفوظ , ول تعني : القرآن الكريم .‬
‫ ُ‬
‫أما قوله تعالى ) وكل شيء فصلناه تفصيل ([ السراء 21] , فإذا ضممتم إلى القرآن الكريم ما‬
‫تاَ ُ َّ تاَ َمْ ٍ تاَ َّ َمْ تاَ ُ تاَ َمْ ْلِ ً‬
‫تقدم بيانه آنفا , فحينئذ يتم أن ال عز وجل قد فصل كل شيء تفصيل , لكن بضميمة أخرى ,‬
‫ ً‬
‫ ٍ‬
‫فإنكم تعلمون أن التفصيل قد يكون تارة بالجمال , بوضع قواعد عامة يدخل تحتها جزئيات ل‬
‫يمكن حصرها لكثرتها , فبوضع الشارع الحكيم لتلك الجزئيات الكثيرة قواعد معروفة ظهر معنى‬
‫الية الكريمة , وتارة التفصيل وهو المتبادر من هذه الية , كما قال عليه الصلة والسلم ) ما‬
‫ترك ُ شيئا مما أمركم ال به إل وقد أمرتكم به , ول ترك ُ شيئا مما نهاكم ال عنه إل وقد نهيتكم‬
‫ت ً‬
‫ت ً‬
‫عنه ()4( .‬
‫فالتفصيل إذا تارة يكون بالقواعد التي ل تدخل تحتها جزئيات كثيرة , وتارة يكون بالتفصيل‬
‫ ً‬
‫لمفردات عبادات وأحكام تفصيل ل يحتاج إلى الرجوع إلى قاعدة من تلك القواعد .‬
‫ ً‬
‫ومن القواعد التي ل يدخل تحتها فرعيات كثيرة –وتظهر بها عظمة السلم وسعة دائرة السلم‬
‫في التشريع –قوله صلى ال عليه وسلم على سبيل المثال :‬
‫) ل ضرر ول ضرار ()5( ... وقوله عـليه السلم ) كل مـسكر خمر , وكل خـمر حرام ()6( ...‬
‫وقوله عليه السلم ) كل بدعة ضللة , وكل ضللة في النار ()7( .‬
‫هذه قواعد وكليات ل يفوتها شيء مما يتعلق بالضرر بالنفس أو الضرر بالمال في الحديث‬
‫الول , وما يتعلق بما يسكر كما في الحديث الثاني , سواء كان المسكر مستنبطا من العنب –كما‬
‫ ً‬
‫ ُ‬
‫هو المشهور- أو من الذرة , أو من أي مادة من المواد الخرى , فما دام لنه مسكر فهو حرام .‬
‫ ُ‬
‫كذلك في الحديث الثالث : ل يمكن حصر البدع لكثرتها , ول يمكن تعدادها ومع ذلك فهذا الحديث‬
‫– مع إيجازه- يقول بصراحة ) وكل بدعة ضللة , وكل ضللة في النار ( .‬
‫هذه تفصيل لكن بقواعد .‬
‫ ً‬
‫وأما الحكام التي تعرفونها , فهي مفصلة بمفردات جاء ذكرها في السنة على الغالب , وأحيانا‬
‫كأحكام الرث مثل فهي مذكورة في القرآن الكريم .‬
‫ ً‬

5. ‫أما الحديث الذي جاء ذكره , فهو حديث صحيح , فالعمل به هو الذي بإمكاننا أن نتمسك به ,‬
‫وكما جاء في الحديث ) تركت فيكم أمرين , لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب ال , وسنة رسوله‬
‫()8( .‬
‫فالتمسك بحبل ال – الذي هو بأيدينا- إنما هو العـمل بالسنة المفـصلة للقران الكريم .‬
‫ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سؤال 3 : هناك من يقول : إذا عارض الحديث آية من القرآن , فهو مردود مهما كانـت درجة‬
‫صحـته , وضرب مثال لـذلك بحديث ) إن الميت ليعـذب ببكاء أهله عليه ()9( , واحتج بقول‬
‫ ُ‬
‫ ً‬
‫عائشة في ردها الحديث بقول ال عزوجل ) ول تزر واز تاَة وزر أخرى ([فاطر 81] , فكيف على‬
‫تاَ تاَ تاَ ْلِ ُ تاَ ْلِر و ٌ ْلِ َمْ تاَ ُ َمْ تاَ‬
‫يرد على من يقول ذلك ؟‬
‫ ُ‬
‫الجواب : رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقرآن وهو يدل على انحراف ذلك الخط .‬
‫أما الجواب عن هذا الحديث – وأخص به من تمسك بحديث عائشة رضي ال عنها فهو :‬
‫*أول : من الناحية الحديثية : فإن هذا الحديث ل سبيل لرده من الناحية الحديثية اثنين :‬
‫ ً‬
‫أ – أن جاء بسند صحيح عن ابن عمر رضي ال عنهما .‬
‫ب – أنه ابن عمر رضي ال عنه لم يتفرد به , بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم‬
‫يتفردا به , فقد تابعهما المغيرة ن شعبة , وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات‬
‫ ُ‬
‫عن هؤلء الصحابـــة الثلثة رضي ال عنهـم فـي الصحيحين .‬
‫أما لو أن الباحث بحث بحثا خاصا في هذا الحديث فسيجد له طرقا أخرى , وهذه الحاديث الثلثة‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫كلها أحاديث صحيحة السانيد فل ترد بمجرد دعوى التعارض مع القرآن الكريم .‬
‫ ُ‬
‫*ثاني ً : من الناحية التفسيرية : فإن هذا الحديث قد فسره العلماء بوجهين :‬
‫ا‬
‫الوجه الول : أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان يعلم في قيد حياته أن أهله بعد‬
‫موته سيرتكبون مخالفات شرعية , ثم لم ينصحهم ولو يوصهم أن ل يبكوا عليه , لن البكاء‬
‫يكون سببا لتعذيب الميت .‬
‫ ً‬
‫و – ال – التعريف في لفظ ) الميت ( هنا ليست للستغراق والشمول , أي : ليس الحديث بمعنى‬
‫أن كل ميت يعذب ببكاء أهله عليه , وإنما – ال - هنا للعهد , أي : الميت الذي ل ينصح بأل‬
‫ ُ‬
‫يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع , فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه , أما من قام بواجب‬
‫النصيحة , وواجب الوصية الشرعية بأل ينوحوا عليه , وأل يأتوا بالمنكرات التي تفعل خاصة‬
‫ ُ‬
‫في هذا الزمان , فإنه ل يعذب وإذا لم يوص و لم ينصح عذب .‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬

6. ‫هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الول لكثير من العلماء المعروفين‬
‫والمشهورين , كالنووي وغيره , وإذا عرفنا هذا التفصيل , وضح أل تعارض بين هذا الحديث‬
‫وبين قوله تعالى ) ول تزر وازرة وزر أخر ى ([فاطر 81], إنما يظهر التعارض فيما لو فهم أن‬
‫خُ‬
‫ ىَ ىَ ىَ زِ خُ ىَ زِ ىَ و ٌ زِ َرْ ىَ خُ َرْ ىَ‬
‫– ال – في لفظ ) الميت ( إنما هي للتستغراق والشمول , أي : كل ميت يعذب , حينئذ يشكل‬
‫ ٍ خُ‬
‫خُ‬
‫الحديث ويتعارض مع الية الكريمة , أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه آنفا , فل تعارض ول‬
‫إشكال , لن الذي يعذب إنما يعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية , هذا الوجه الول‬
‫خُ‬
‫خُ‬
‫مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض .‬
‫أما الوجه الثاني : فهو الذي ذكره شيخ التسلم ابن تيمية رحمه ال في بعض مصنفاته , أن‬
‫العذاب هنا ليس عذابا في القبر , أو عذابا في الخرة , وإنما هو بمعنى التألم وبمعنى الحزن ,‬
‫ ً‬
‫خُ‬
‫أي : إن الميت إذا تسمع بكاء أهله عليه , أتسف وحزن لحزنهم هم عليه .‬
‫هكذا قال شيخ التسلم ابن تيمية , وهذا لو صح لتستأصل شأفة الشبهة .‬
‫لكني أقول : أن هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك ل يسعنا إل أن نعتمد على التفسير‬
‫الول للحديث :‬
‫الحقيقة الولى : أن في حديث المغيرة بن شعبة رضي ال عنه الذي أشرت إليه آنفا زيادة تبين‬
‫أن العذاب ليس بمعنى التألم , وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر , أي : عذاب النار , إل أن يعفو‬
‫زِ هَّ هَّ ىَ ىَ َرْ زِ خُ ىَ َرْ خُ َرْ ىَ ىَ زِ زِ ىَ ىَ َرْ زِر ىَ خُ ىَ ىَ زِك‬
‫ال تبارك وتعالى , كما هو صريح قوله عزوجل ) إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغف خُ ما دون ذل ىَ‬
‫ ىَ‬
‫لمن يشاء ([النساء 84] , ففي رواية المغيرة قال ) إن الميت ليعذب ببكاء أهله يوم القيامة ( ,‬
‫خُ‬
‫زِ ىَ َرْ ىَ ىَ خُ‬
‫فهذا صريح بأن الميت يعذب بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة , وليس في القبر , وهو الذي‬
‫خُ‬
‫فسره ابن تيمية باللم والحزن .‬
‫الحقيقة الخر ى : هي أن الميت إذا مات ل يحس بشيء يجري من حوله , تسواء أكان هذا‬
‫الشيء خيرا أو شرا – كما تدل عليه أدلة الكتاب والسنة – اللهم إل في بعض المناتسبات التي‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫جاء ذكرها في بعض الحاديث , إما كقاعدة لكل ميت , أو لبعض الموات , حيث أتسمعهم ال‬
‫عزوجل بعض الشيء الذي يتألمون به .‬
‫فمن الول : الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي ال تعالى‬
‫عنه قال : قال رتسول ال صلى ال عليه وتسلم ) إن العبد إذا وضع في قبره , وتولى عنه أصحابه‬
‫–حتى إنه تسمع قرع نعالهم – أتاه ملكان ()01( , ففي هذا الحديث الصحيح إثبات تسمع خاص‬
‫للميت في وقت دفنه , وحين ينصرف الناس عنه , أي : في الوقت الذي يجلسه الملكان أعيدت‬
‫خُ‬
‫خُ‬
‫الروح إليه , فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال , فل يعني الحديث بداهة أن هذا الميت وكل‬
‫الموات تعاد إليهم أرواحهم , وأنهم يظلون يسمعون قرع النعال المـارة بين القبور إلى يوم‬
‫خُ‬
‫يبـعثون! ل .‬
‫إنما هذا وضع خاص وتسماع خاص من الميت , لنه أعيدت روحه إليه , وحينئذ لو أخذنا بتفسير‬
‫ ٍ‬
‫خُ‬
‫و ٌ‬
‫ابن تيمية رحمه ال , وتسعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله , تسواء عند نشعه قبل دفنه ,‬
‫ ً‬

7. ‫أو بعد وضعه في قبره , ومعنى ذلك : أن يسمع بكاء الحياء عليه و وهذا يحتاج إلى نص , وهو‬
‫مفقود . هذا أول .‬
‫ ً‬
‫وثانيا : بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى ل يسمعون , وهذا بحث‬
‫ ً‬
‫طويل , ولكني تسأذكر حديثا واحدا , وأنهي الجواب عن السؤال وهو قول النبي صلى ال عليه‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫وتسلم ) إن ل ملئكة تسياحين في الرض يبلغوني عن أمتي السلم ()11( , وقوله ) تسياحين ( أي‬
‫: طوافين على المجالس , فكلما صلى مسلم على النبي صلى ال عليه وتسلم , فهناك ملك موكل‬
‫يوصل السلم من ذاك المسلم إلى النبي صلى ال عليه وتسلم , فلو كان الموات يسمعون , لكان‬
‫أحق هؤلء الموات أن يسمع هو نبينا صلى ال عليه وتسلم , لما فضله ال تبارك وتعالى ,‬
‫وخصه بخصائص على كل النبياء والرتسل والعالمين , فلو كان أحد يسمع لكان النبي صلى ال‬
‫و ٌ‬
‫عليه وتسلم ثم لو كان النبي صلى ال عليه وتسلم يسمه شيئا بعد موته , لسمع صلة أمته عليه .‬
‫ومن هنا تفهمون خطأ – بل ضلل – الذين يستغيثون ليس بالنبي صلى ال عليه وتسلم بل وبمن‬
‫دونه , تسواء كانوا رتسل أو أنبياء أو صالحين , لنه لو اتستغاثوا بالرتسول عليه الصلة والسلم‬
‫لما تسمعهم , كما هو صريح القرآن ) إن الذين تدعون منَرْ دون ال عباد أمثالكم ([العراف‬
‫زِ هَّ هَّ زِ ىَ ىَ َرْ خُ ىَ زِ خُ زِ هَّ زِ ىَ و ٌ ىَ َرْ ىَ خُ خُ َرْ‬
‫زِ‬
‫491] , و ) إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ([فاطر 41] إلى آخر الية .‬
‫زِ َرْ ىَ َرْ خُ خُ َرْ ىَ ىَ َرْ ىَ خُ خُ ىَ ىَ خُ َرْ‬
‫إذا فالموتى من بعد موتهم ل يسمعون , إل ما جاء النص في قضية خاصة – كما ذكرت آنفا –‬
‫من تسماع الميت قرع النعال , وبهذا ينتهي الجواب عن هذا السؤال .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تسؤال 4 : إذا كانت المسجلة مفتوحة على القرآن الكريم , وبعض الحاضرين ل يستمعون بسبب‬
‫ ً‬
‫أنهم مشغولون بالكلم , فما حكم عدم التستماع ؟ وهل يأثم أحد من الحاضرين أو الذي فتح‬
‫المسجلة ؟‬
‫الجواب : الجواب عن هذه القضية يختلف باختلف المجلس الذي يتلى فيه القرآن من‬
‫خُ‬
‫المسجلة , فإن كان المجلس مجلس علم وذكر وتلوة قران , فيجب –والحالة هذه – الصغاء‬
‫خُ‬
‫التام , ومن لم يفعل فهو آثم , لمخالفته بقول ال تبارك وتعالى في القرآن ) وإذا قر ىَ القرآن‬
‫ ىَزِ ىَ خُ زِئ‬
‫فاتستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ([العراف 402 ] .‬
‫ ىَ َرْ ىَ زِ خُ ىَ خُ ىَ ىَ َرْ زِ خُ ىَ ىَهَّ خُ َرْ خُ َرْ ىَ خُ ىَ‬
‫أما إذا كان المجلس ليس مجلس علم ول ذكر ول تلوة قران , وإنما مجلس عادي , كأن يكون‬
‫إنسان يعمل في البيت , أو يدرس أو يطالع , ففى هذه الحالة ل يجوز فتح آلة التسجيل , ورفع‬
‫صوت التلوة بحيث يصل إلى الخرين الذين هم ليسوا مكـلفين بالسـماع , لنهم لم يجـلسـوا له ,‬
‫والمسؤول هو الذي رفع صوت المسجلة وأتسمع صوتها للخرين , لنه يحرج على الناس ,‬
‫خُ خُ‬
‫ويحملهم على أن يسمعوا للقران في حالة هم ليسوا مستعدين لها )*( .‬
‫وأقرب مثال على هذا : أن أحدنا يمر في الطريق , فيسمع من السمان , وبائع الفلفل , الذي يبيع‬
‫أيضا هذه الشرطة المسجلة ) الكاتسيتات ( فقد مل صوت القرآن , وأينما ذهبت تسمع هذا‬
‫خُ‬
‫ ً‬

8. ‫الصوت , فهل هؤلء الذين يمشون في الطريق – كل في تسبيله – هم مكلفون أن ينصتوا لهذا‬
‫القرآن الذي يتلى في غير محله ؟! ل , وإنما المسؤول هو هذا الذي يحرج على الناس ,‬
‫خُ خُ‬
‫خُ‬
‫ويسمعهم صوت القرآن , إما للتجارة أو للفات نظر الناس , ونحو ذلك من المصالح المادية ,‬
‫فإذا هم يتخذون القرآن من جهة مزامير – كما جاء في بعض الحاديث)21( , ثم هم يشترون‬
‫ ٍ‬
‫ ً‬
‫بآيات ال ثمنا قليل في أتسلوب آخر غير أتسلوب اليهود والنصار ى الذين قال ال عزوجل في‬
‫ ً ً‬
‫حقهم في هذه الية ) اشتروا بآيات ال ثمنا قليل ([التوبة 9].‬
‫َرْ ىَ ىَ َرْ زِ ىَ زِ هَّ ىَ ىَ ً ىَزِ ً‬
‫زِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تسؤال 5 : إن ال عزوجل يخبر عن نفسه فيقول ) ومكروا ومكر ال وال خير الما زِرين ([آل‬
‫ ىَ ىَ ىَ خُ ىَ ىَ ىَ ىَ هَّ ىَ هَّ ىَ َرْ خُ َرْ ىَ ك زِ ىَ‬
‫خُ خُ‬
‫خُ‬
‫عمران 45] , فربما يضيق عقل بعض الناس عن فهم هذه الية على ظاهرها , وبما أننا لسنا‬
‫بحاجة للتأويل , فكيف يكون ال خير الماكرين ؟!‬
‫الجواب : المسألة تسهلة بفضل ال , وذلك لننا نستطيع أن نعرف أن المكر – من حيث هو مكر-‬
‫ل يوصف دائما وأبدا بأنه شر , كما إنه ل يوصف دائما وأبدا بأنه خير , فرب كافر يمكر بمسلم ,‬
‫خُ‬
‫خُ‬
‫ ً‬
‫لكن هذا المسلم كيس فطن ليس مغفل ول غبيا , فهو متنبه لمكر خصمه الكافر , فيعامله على‬
‫نقيض مكره هو , بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر بمكره‬
‫السيئ , فهل يقال : إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر تعاطى أمرا غير مشروع ؟ ل أحد يقول هذا‬
‫ ً‬
‫.‬
‫ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله علــيه الصلة والسلم ) الـحرب خدعة ()31( ,‬
‫فالذي يقال في الخدعة يقال في المكر تماما , فمخادعة المسلم لخيه المسلم حرام , لكن مخادعة‬
‫ ً‬
‫خُ‬
‫خُ‬
‫المسلم للكافر عدو ال وعدو رتسوله هذا ليس حراما , بل هو واجب , كذلك مكر المسلم بالكافر‬
‫ ً‬
‫الذي يريد المكر به –بحيث يبطل هذا المسلم مكر الكافر- هذا مكر حسن , وهذا إنسان وذاك‬
‫إنسان .‬
‫فماذا نقول بالنسبة لرب العالمين القادر العليم الحكيم ؟‬
‫ها هو يبطل مكر الماكرين جميعا لذلك قال ) وال خير الماكرين ( , فحينما وصف ربنا عزوجل‬
‫ ىَ هَّ ىَ َرْ خُ َرْ ىَ زِ زِ ىَ‬
‫خُ‬
‫ ً‬
‫ ىَ هَّ ىَ َرْ خُ‬
‫نفسه بهذه الصفة ؟ قد لفت نظرنا بأن المكر حتى من البشر ليس دائما , لنه قال ) وال خير‬
‫خُ‬
‫ ً‬
‫ ىَ ل‬
‫الماكرين ( فهناك ماكر بخير , وماكر بشر , فمن مكر بخير لم يذم , وال عزوجل كما قال ) وا هَّ‬
‫خُ‬
‫خُ‬
‫َرْ ىَ زِ زِ ىَ‬
‫خير الماكرين ( .‬
‫ ىَ َرْ خُ َرْ ىَ زِ زِ ىَ‬
‫وباختصار أقول : كل ما خطر ببالك فال بخلف ذلك , فإذا توهم النسان أمرا ل يليق بال ,‬
‫ ً‬
‫فليعلم رأتسا أنه مخطئ , فهذه الية هي مدح ل عزوجل , وليس فيها أي شيء ل يجوز نسبته‬
‫ ً‬
‫إلى ال تبارك وتعالى .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

9. ‫تسؤال 6 : كيف نوفق بين هاتين اليتين ) ومن يبتغ غير التسلم دينا فلن يقبل منه ([ال عمران‬
‫ ىَ ىَ َرْ ىَ َرْ ىَ زِ ىَ َرْ ىَ زَِرْ َرْ ىَ زِ زِ ً ىَ ىَ َرْ خُ َرْ ىَ ىَ زِ َرْ خُ‬
‫زِ هَّ هَّ زِ ىَ ىَ خُ ىَ هَّ زِ ىَ ىَ خُ ىَ هَّ زِ خُ ىَ ىَ هَّ ىَ ىَ ىَ َرْ ىَ ىَ زِ هَّ ىَ َرْ ىَ َرْ زِ‬
‫58] , وقوله تعالى ) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصار ى من آمن بال واليوم‬
‫زِ‬
‫الخر وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون ([المائدة 96] ؟‬
‫َرْ زِ زِ ىَ ىَ زِ ىَ ىَ زِ ً ىَ ىَ ىَ َرْ و ٌ ىَ ىَ َرْ زِ َرْ ىَ ىَ خُ َرْ ىَ َرْ ىَ خُ ىَ‬
‫خُ‬
‫الجواب : ل تعارض بين اليتين كما يوهم السؤال , وذلك لن آية التسلم هي بعد أن تبلغ دعوة‬
‫ ىَ خُ ً‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ و ٌ ىَ ىَ َرْ زِ َرْ ىَ ىَ خُ َرْ‬
‫التسلم أولئك القوام الذين وصفهم ال عزوجل في الية الثانية ) فل خوف عليهم ول هم‬
‫زِ‬
‫يحزنون ( وذكر منهم الصابئة , والصابئة حينما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم :‬
‫ ىَ َرْ ىَ خُ ىَ‬
‫عباد الكواكب لكنهم –في الحقيقة- كل قوم وقعوا في الشرك بعد أن كانوا من أهل التوحيد‬
‫خُ‬
‫فالصابئة كانوا موحدين , ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب , فالذين ذكروا في هذه الية هم‬
‫خُ‬
‫المؤمنون منهم الموحدون , فهؤلء قبل مجيء دعوة التسلم هم كاليهود والنصار ى , وهم‬
‫ذكروا أيضا في نفس السياق الذي ذكر فيه الصابئة فهؤلء من كان منهم متمسكا بدينه في زمانه‬
‫ ً‬
‫ ىَ َرْ‬
‫خُ‬
‫ ً‬
‫خُ‬
‫, فهو من المؤمنين ) فل خوف عليهم ول هم يحزنون ( .‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ و ٌ ىَ ىَ َرْ زِ َرْ ىَ ىَ خُ َرْ ىَ َرْ ىَ خُ ىَ‬
‫ولكن بعد أن بعث ال عزوجل محمدا عليه الصلة والسلم بدين التسلم , وبلغت دعوة هذا‬
‫ ً‬
‫التسلم أولئك الناس من يهود ونصار ى وصابئة , فل يقبل منه إل التسلم .‬
‫إذا قوله تعالى ) ومن يبتغ غير التسلم دينا ( أي : بعد مجيء التسلم على لسان الرتسول عليه‬
‫ ىَ ىَ َرْ ىَ َرْ ىَ زِ ىَ َرْ ىَ زَِرْ َرْ ىَ زِ زِ ً‬
‫ ً‬
‫الصلة والسـلم , وبلوغ دعوة التسلم إليه , فل يقبل منه إل التسـلم .‬
‫خُ‬
‫وأما الذين كانوا قبل بعثة الرتسول عليه الصلة والسلم بالتسلم , أو الذين قد يوجدون اليوم‬
‫على وجه الرض ولم تبلغهم دعوة التسلم أو بلغتهم دعوة التسلم ولكن بلغتهم محرفة عن‬
‫ ً‬
‫َرْ‬
‫خُ‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ خُ َرْ‬
‫أتساتسها وحقيقتها , كما ذكرت في بعض المناتسبات عن القاديانيين –مثل- الذين انتشروا في‬
‫ ً‬
‫خُ‬
‫أوربا وأمريكا يدعون إلى التسلم لكن هذا التسلم الذين يدعون إليه ليس من التسلم في شيء ,‬
‫لنهم يقولون بمجيء أنبياء بعد خاتم النبياء محمد عليه الصلة والسلم , فهؤلء القوام –من‬
‫الوربيين والمريكيين الذين دعوا إلى التسلم القادياني , ولم تبلغهم دعوة التسلم الحق – على‬
‫قسمين :‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ و ٌ ىَ ىَ َرْ زِ َرْ ىَ ىَ خُ َرْ‬
‫*قسم منهم على دين تسابق وهم متمسكون به , فعلى ذلك تحمل آية ) فل خوف عليهم ول هم‬
‫يحزنون ( .‬
‫ ىَ َرْ ىَ خُ ىَ‬
‫*وقسم انحرف عن هذا الدين –كما هو شأن كثير من المسلمين اليوم –فالحجة قائمة عليهم .‬
‫أما من لم تبلغهم دعوة التسلم مطلقا –تسواء بعد التسلم أو قبله- , فهؤلء لهم معاملة خاصة‬
‫ ً‬
‫في الخرة , وهي أن ال عزوجل يبعث إليهم رتسول يمتحنهم - كما امتحن الناس في الحياة الدنيا‬
‫ ً‬
‫– فمن اتستجاب لذلك الرتسول في عرصات يوم القيامة وأطاعه دخل الجنة , ومن عصاه دخل‬
‫النار)41( .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

10. ‫تسؤال 7 : قال تعالى ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ([النعام 52] , يشم‬
‫ ىَ خُ‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ ىَ ىَ ىَ خُخُ زِ زِ َرْ ىَ زِ هَّ ً ىَ َرْ ىَ َرْ ىَ خُ خُ ىَ زِ ىَ زِ زِ َرْ ىَ َرْ ً‬
‫البعض من هذه الية رائحة الجبر , فما رأيكم في ذلك ؟‬
‫الجواب : هذا الجعـل هو جعل كوني , ولفهم هذا لبد من شرح مـعنى الرادة اللهية , فالرادة‬
‫و ٌ‬
‫اللهية تنقسم إلى قسمين : ) إرادة شرعية , وإرادة كونية ( .‬
‫والرادة الشرعية : هي كل ما شرعه ال عزوجل لعباده , وحضهم على القيام به من طاعات‬
‫وعبادات على اختلف أحكامها , من فرائض إلى مندوبات , فهذه الطاعات والعبادات يريدها‬
‫تبارك وتعالى ويحبها .‬
‫خُ‬
‫وأما الرادة الكونية : فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها ال , ولكنه قدرها وهذه المارة إنما‬
‫زِ هَّ ىَ ىَ َرْ خُه زِ ىَ ىَ ىَ ىَ ىَ َرْ ً ىَ َرْ ىَ خُ ىَ ىَ خُ خُ َرْ ىَ ىَ خُ خُ‬
‫تسميت بالرادة الكونية اشتقاقا من قوله تعالى ) إنما أمر خُ إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون‬
‫ ً‬
‫خُ‬
‫([يس 28] , فــ ) شيئا ( اتسم نكرة يشمل كل شيء , تسواء أكان طاعة أو معصية , وإنما يكون‬
‫ ىَ َرْ ً‬
‫ذلك بقوله تعالى ) كن ( , أي بمشيئته وقضائه وقدره , فإذا عرفنا هذه الرادة الكونية – وهي‬
‫خُ َرْ‬
‫أنها تشمل كل شيء , تسواء أكان طاعة أو كان معصية – فل بد من الرجوع بنا إلى موضوع‬
‫القضاء والقدر , لن قوله تعالى ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ( ,‬
‫ ىَ ىَ ىَ َرْ ىَ ىَ ىَ خُخُ زِ زِ َرْ ىَ زِ هَّ ً ىَ َرْ ىَ َرْ ىَ خُ خُ ىَ زِ ىَ زِ زِ َرْ ىَ َرْ ً‬
‫معناه أن هـــــذا الـذي قــــــال له ) كن ( جعله أمرا مقدرا كائنا لبد منه , فكل شيء عند ال‬
‫ ً خُ ً ً‬
‫خُ َرْ‬
‫عزوجل بقدر , وهذا أيضا يشمل الخير والشر , ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين –النس‬
‫ ً‬
‫والجن المكلفين المأمورين من ال عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به , إما أن يكون بمحض‬
‫إرادتنا واختيارنا , وإما أن يكون رغما عنا , وهذا القسم الثاني ل يتعلق به طاعة ول معصية ,‬
‫ ً‬
‫ول يكون عاقبة ذلك جنة ول نارا , وإنما القسم الول هو الذي عليه تدور الحكام الشرعية ,‬
‫ ً‬
‫وعلى ذلك يكون جزاء النسان الجنة أو النار , أي : ما يفعله النسان بإرادته , ويسعى إليه‬
‫بكسبه واختياره هو الذي يحاتسب عليه , إن كان خيرا فخير , وإن كان شرا فشر .‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫َرْ‬
‫وكون النسان مختارا في قسم كبير من أعماله , فهذه حقيقة ل يمكن المجادلة فيها شرعا ول‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫عقل .‬
‫ ً‬
‫أما شرعا : فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر النسان بأن يفعل ما أمر به , وفي أن‬
‫ ً‬
‫يترك ما نهي عنه , وهذه النصوص أكثر من أن تذكر .‬
‫خُ‬
‫أما عقل : فواضح لكل إنسان متجرد عن الهو ى والغرض بأنه حينما يتكلم , حينما يمشي , حينما‬
‫ ً‬
‫يأكل , حينما يشرب , حينما يفعل أي شيء , مما يدخل في اختياره , فهو مختار في ذلك غير‬
‫مضطر إطلقا , وأنا شئت أن أتكلم الن , فليس هناك أحد يجبرني على ذلك بطبيعة الحال ,‬
‫خُ َرْ‬
‫ ً‬
‫ولكنه مقدر , ومعنى كلمي هذا مع كونه مقدرا , أي أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله‬
‫ ً‬
‫وأتكلم به , ولكن باتستطاعتي أن أصمت لبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا‬
‫الكلم .‬

11. ‫إذا , فاختيار السنسان –من حيث الواقع- أمر ل يقبل المناقشة والمجادلة , وإل فالذي يجادل في‬
‫ ُ‬
‫مثل هذا إسنما هو يسفسط ويشكك في البدهيات , وإذا وصل السنسان إلى هذه المرحلة اسنقطع معه‬
‫الكل م .‬
‫إذا فأعمال السنسان قسمان : اختيارية , و اضطرارية .‬
‫ ً‬
‫والضطرارية : ليس فيها كل م , ل من الناحية الشرعية ول من الناحية الواقعية , والشرع يتعلق‬
‫بالمور الختيارية , فهذه هي الحقيقة , وإذا ركزسناها في أذهاسننا , استطعنا أن سنفهم الية السابقة‬
‫) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( وهذا الجعل كوسني , ويجب أن سنتذكر الية السابقة ) ّنِسنما أمره إذا‬
‫إةَّ كَ كَ أ ْ ُ ُ ّنِ كَ‬
‫كَ كَ كَ أ ْ كَ كَكَ ُ ُ ّنِ ّنِ أ ْ كَ ّنِ ةَّ ً‬
‫أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( أن الرادة ههنا إرادة كوسنية , ولكن ليس رغما عن هذا الذي‬
‫ ُ‬
‫كَ كَ كَ كَ أ ْ ً كَ أ ْ كَ ُ كَ كَ ُ ُ أ ْ كَ كَ ُ ُ‬
‫جعل ال على قلبه أكنه .‬
‫مثال من الناحية المادية : أن السنسان حينما يلخلق إسنما يلخلق ولحمه غض طري , ثم إذا كبر‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫وكبر يقسو لحمه ويشتد عظمه ولكن الناس ليسوا كلهم سواء , فهذا مثل إسنسان منكب على سنوع‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫من الدراسة والعلم , فهذا ماذا يقوى فيه ؟ يقوى عقله ؟ ويقوى دماغه من الناحية التي هو‬
‫ينشغل بها , وينصب بكل جهده عليها , ولكن من الناحية البدسنية جسده ل يقوى , وعضلهته ل‬
‫كَ‬
‫هتنمو .‬
‫والعكس بالعكس هتماما : فهذا شلخص منصب على الناحية المادية , فهو في كل يو م يتعاطى‬
‫ ً‬
‫هتمارين رياضية –كما يقولون اليو م- فهذا هتشتد عضلهته , ويقوى جسده , ويصبح له صورة كما‬
‫سنرى ذلك أحياسنا في الواقع , وأحياسنا في الصور , فهؤلء البطال مثل هتصبح أجسادهم كلها‬
‫ ُ‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫عضلت , فهل هو خلق هكذا , أ م هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلت الكثيرة ؟ هذا شيء‬
‫ ُ‬
‫وصل إليه هو بكسبه واختياره .‬
‫ذلك هو مثل السنسان الذي يضل في ضلله وفي عناده , وفي كفره وجحوده , فيصل الران , إلى‬
‫هذه الكنة التي يجعلها ال عزوجل على قلوبهم ؟ ل بفرض من ال واضطرار من ال لهم , وإسنما‬
‫بسبب كسبهم واختيارهم , فهذا هو الجعل الكوسني الذي يكسبه هؤلء الكفار , فيصلون إلى هذه‬
‫النقطة التي يتوهم الجهال أسنها فرضت عليهم , والحقيقة أن ذلك لم يفرض عليهم وإسنما ذلك بما‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫كسبت أيديهم , وأن ال ليس بظل م للعبيد .‬
‫ل ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سؤال 8 : ما حكم هتقبيل المصحف ؟‬
‫الجواب : هذا مما يدخل – في اعتقادسنا – في عمو م الحاديث التي منها ) إياكم ومحدثات المور ,‬
‫فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضللة ()51( , وفي حديث آخر ) كل ضللة في النار ()61( , فكثير‬
‫من الناس لهم موقف خاص من مثل هذه الجزئية , يقولون : وماذا في ذلك ؟! ما هو إل إظهار‬
‫هتبجيل وهتعظيم القرآن , وسنحن سنقول صدقتم ليس فيه إل هتبجيل وهتعظيم القرآن الكريم ! ولكن هترى‬
‫ ُ‬
‫هل هذا التبجيل والتعظيم كان خافيا على الجيل الول -وهم صحابة الرسول صلى ال عليه وسلم-‬
‫ ً‬

12. ‫وكذلك أهتباعهم وكذلك أهتباع التابعين من بعدهم ؟ ل شك أن الجواب سيكون كمال قال علماء‬
‫السلف : لو كان خيرا لسبقوسنا إليه .‬
‫ ُ‬
‫هذا شيء , والشيء الخر : هل الصل في هتقبيل شيء ما الجواز أ م الصل المنع ؟‬
‫هنا ل بد من إيراد الحديث الذي أخرجه الشيلخان في صحيحهما ليتذكر من شاء أن يتذكر ,‬
‫ويعرف بعد المسلمين اليو م عن سلفهم الصالح , وعن فقههم , وعن معالجتهم للمور التي قد‬
‫ ُ‬
‫هتحدث لهم .‬
‫ذاك الحديث هو : عن عباس بن ربيعة قال : رأيت عمر بن اللخطاب رضي ال عنه يقبل الحجر )‬
‫ ُ‬
‫يعني : السود ( ويقول ) إسني لعلم أسنك حجر ل هتضر ول هتنفع , فلول أسني رأيت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ()71( , وما معنى هذا الكل م من هذا الفاروق : لول أسني رأيت‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ؟! .‬
‫ ُ‬
‫إذا , لماذا قبل عمر الحجر السود , وهو كما جاء في الحديث الصحيح ) الحجر السود من الجنة‬
‫ ُ‬
‫ ً‬
‫()81( ؟! فهل قبله بفلسفة صادرة منه , ليقول كما قال القائل بالنسبة لمسألة السائل : إن هذا كل م‬
‫ال وسنحن سنقبله ؟! هل يقول عمر : هذا حجر أثر من آثار الجنة التي وعد المتقون فأسنا أقبله ,‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫ولست بحاجة إلى سنص عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليبين لي مشروعية هتقبيله ؟! أ م‬
‫يعامل هذه المسألة الجزئية كما يريد أن يقول بعض الناس اليو م بالمنطق الذي سنحن سندعو إليه ,‬
‫ ُ‬
‫وسنسميه بالمنطق السلفي , وهو الخلص في اهتباع الرسول عليه الصلة والسل م , ومن استن‬
‫بسنته إلى يو م القيامة ؟ هكذا كان موقف عمر , فيقول : لول أسني رأيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقبلك لما قبلتك .‬
‫ ُ‬
‫إذا الصل في هذا التقبيل أن سنجري فيه على سنة ماضية , ل أن سنحكم على المور – كما أشرسنا‬
‫ ُ‬
‫آسنفا – فنقول : هذا حسن , وماذا في ذلك ؟! اذكروا معي موقف زيد بن ثابت كيف هتجاه عرض‬
‫أبي بكر وعمر عليه[ في])91( جمع القرآن لحفظ القرآن من الضياع , لقـد قال : كيف هتفعـلون‬
‫شيئا ما فعله رسول ال صلى ال عـليه وسلم ؟! فليس عند المسلمين اليو م هذا الفقه في الدين‬
‫ ً‬
‫إطلقا .‬
‫ ً‬
‫إذا قيل للمقبل للمصحف : كيف هتفعل شيئا لم يفعله رسول ال صــلى الـ عليــه وســلم ؟! واجهــك‬
‫ ً‬
‫بأجوبة غريبة عجيبة جدا , منها : يا أخي ! وماذا في ذلك ؟! هذا فيه هتعظــيم للـقران ! فــقل له :‬
‫ ً‬
‫يا أخي ! هذا الكل م يعاد عليك : وهل الرسول صلى ال عليه وسلم كان ل يعظـم القــرآن ؟ ل شـك‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫أسنه كان يعظم القرآن , ومع ذلك لم يقبله , أو يقولون : أسنـت هتنكــر علينـا هتقبيــل المصـحف ! و هـا‬
‫ ُ‬
‫أسنت هتركب السيارة , وهتسافر بالطيارة وهذه أشياء مـن البدعــة ؟! يـأهتي الــرد علـى مـا ســمعتم أن‬
‫البدعة التي هي ضللة , إسنما ما كان منها في الدين .‬
‫أما في الدسنيا , فكما ألمحنا آسنفا أسنه قد هتكون جائزة , وقد هتكون محرمة إلى آخره , وهذا الشيء‬
‫معروف , ول يحتاج إلى مثال .‬

13. ‫فالرجل يركب الطيارة ليسافر إلى بيت ال الحرا م للحج , ل شك أسنه جائز , والرجل الذي يركب‬
‫الطيارة ليسافر إلى بلد الغرب ويحج إليه , ل شك أن هذه معصية , وهكذا .‬
‫ ُ‬
‫أما المور التعبدية التي سئـل عنها السائل : لماذا هتفعل [هذا])02( ؟ قال التقرب إلى ال !‬
‫ ُ‬
‫فأقول : ل سبيل إلى التقرب إلى ال هتبارك وهتعالى إل بما شرع ال , ولكني أريد أن أذكر بشيء‬
‫ ُ‬
‫وهو – في اعتقادي – مهم جدا لتأسيس ودعم هذه القاعدة ) كل بدعة ضللة ( , ل مجال‬
‫لستحسان عقلي بتاهتا .‬
‫ ً‬
‫يقول بعض السلف : ما أحدثت بدعة إل و أميتت سنة .‬
‫ ٌ‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫وأسنا ألمس هذه الحقيقة لمس اليد بسبب هتتبعي للمحدثات من المور , وكيف أسنها هتلخالف ما جاء‬
‫عن الرسول عليه الصلة والسل م في كثير من الحيان .‬
‫وأهل العلم والفضل حقا إذا أخذ أحدهم المصحف ليقرأ فيه , ل هتراهم يقبلوسنه , وإسنما يعملون بما‬
‫ ُ‬
‫ ً‬
‫فيه , وأما الناس – الذين ليس لعواطفهم ضوابط – فيقولون : وماذا في ذلك ؟! ول يعلمون بما‬
‫فيه ! فنقول : ما أحدثت بدعة إل وأميتت سنة .‬
‫ومثل هذه البدعة بدعة أخرى : سنرى الناس – حتى الفساق منهم الذين ل زال في قلوبهم بقية‬
‫ ُ‬
‫إيمان- إذا سمعوا المؤذن قاموا قياما ! وإذا سألتهم : ما هذا القيا م ؟! يقولون : هتعظيما ل‬
‫ ً‬
‫عزوجل ! ول يذهبون إلى المسجد , يظلون يلعبون بالنرد والشطرسنج وسنحو ذلك , ولكنهم‬
‫يعتقدون أسنهم يعظمون ربنا بهذا القيا م ! من أين جاء هذا القيا م ؟! جاء طبعا من حديث موضوع‬
‫ ً‬
‫ل أصل له وهو ) إذا سمعتم الذان فقوموا ()12( .‬
‫هذا الحديث له أصل , لكنه حرف من بعض الضعفاء أو الكذابين , فقال ) قوموا ( بدل ) قولوا (‬
‫ ُ‬
‫واختصر الحديث الصحيح ) إذا سمعتم الذان , فقولوا مثل ما يقول , ثم صلوا علي .. ()22( الخ‬
‫الحديث , فاسنظروا كيف أن الشيطان يزين للسنسان بدعة [بدعته])32( , ويقنعه في سنفسه بأسنه‬
‫ ُ‬
‫مؤمن يعظم شعائر ال , والدليل أسنه إذا أخذ المصحف يقبله , وإذا سمع الذان يقو م له ؟!‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫لكن هل هو يعمل بالقرآن ؟ ل يعمل بالقرآن ! مثل قد يصلي , لكن هل ل يأكل الحرا م ؟ هل ل يأكل‬
‫ ً ُ‬
‫الربا ؟ هل ل يطعم الربا ؟ هل ل يشيع بين الناس الوسائل التي يزدادون بها معصية ل ؟ هل ؟‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫هل ؟ أسئلة ل سنهاية لها , لذلك سنحن سنقف فيما شرع ال لنا من طاعات وعبادات , ول سنزيد عليها‬
‫حرفا واحدا , لسنه كما قال عليه الصلة والسل م ) ما هتركت شيئا مما أمركم ال به إل وقد أمرهتكم‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫ ً‬
‫به ()42( , وهذا الشيء الذي أسنت هتعمله , هل هتتقرب به إلى ال ؟ وإذا كان الجواب : سنعم . فهات‬
‫النص عن الرسول عليه الصلة والسل م . الجواب : ليس هناك سنص . إذا هذه بدعة , ولكل بدعة‬
‫ضللة وكل ضللة في النار .‬
‫ول يشكلن على أحد فيقول : إن هذه المسألة بهذه الدرجة من البساطة , مع ذلك فهي ضللة‬
‫ ُ أ ْ‬
‫وصاحبها في النار ؟!‬

14. ‫أجاب عن هذه القضية الما م الشاطبي بقوله ) كل بدعة مهما كاسنت صغيرة فهي ضللة ( .‬
‫ول ينظر في هذا الحكم – على أسنها ضللة – إلى ذات البدعة , وإسنما ينظر في هذا الحكم إلى‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫المكان الذي وضعت فيه هذه البدعة , ما هو هذا المكان ؟ إن هذا المكان هو شريع ُ السل م التي‬
‫ة‬
‫هتمت وكملت , فل مجال لحد للستدراك ببدعة صغيرة أو كبيرة , من هنا هتأهتي ضللة البدعة , ل‬
‫ ُ‬
‫أ ْ‬
‫أ ْ‬
‫لمجرد إحداثه إياها , وإسنما لسنه يعطي معنى للستدراك على ربنا هتبارك وهتعالى وعلى سنبينا صلى‬
‫ال عليه وسلم .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سؤال 9 : كيف يجب علينا أن سنفسر القرآن الكريم ؟‬
‫الجواب : أسنزل ال هتبارك وهتعالى القرآن الكريم على قلب رسوله محمد صلى ال عليه وسلم ,‬
‫ّنِ كَ ب كَ أ ْ كَ أ ْ كَ ُ ّنِكَ أ ْ كَ‬
‫ليلخرج الناس من ظلمات الكفر والجـهل إلى سنور السـل م , قال هتعالى ) الر كتا ٌ أسنزلناه إليك‬
‫لتلخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ([ابراهيم 1] , وجعل‬
‫ّنِ ُ أ ْ ّنِ كَ ةَّ كَ ّنِ كَ ُّ ُ كَ ّنِ ّنِكَ ُّ ّنِ ّنِ ّنِ أ ْ ّنِ كَ هِّ ّنِ أ ْ ّنِكَ ّنِ كَ ّنِ أ ْ كَ ّنِ ّنِ أ ْ كَ ّنِ ّنِ‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم مبينا لما في القرآن , ومفسرا وموضحا له , قال هتعالى ) وأسنزلنا‬
‫كَكَ أ ْ كَ أ ْ كَ‬
‫ ً‬
‫ ُ ً ُ‬
‫ ُ ً‬
‫ ً‬
‫إليك الذكر لتبين للناس ما سنزل إليهم ولعلهم يتفكرون ([النحل 44] , فجاء ّنِ السنة مفسرة‬
‫ ُ‬
‫ت‬
‫ّنِكَ أ ْ كَ هِّ أ ْ كَ ّنِ ُ كَ هِّ كَ ّنِ ةَّ ّنِ كَ ُ هِّ كَ ّنِكَ أ ْ ّنِ أ ْ كَ كَ كَةَّ ُ أ ْ كَ كَ كَ ةَّ ُ كَ‬
‫ّنِ أ ْ‬
‫ومبينة لما في القرآن الكريم , وهي وحي من عند ال , قال هتعالى ) وما ينطق عن الهوى * إن‬
‫كَ كَ كَ أ ْ ّنِ ُ كَ ّنِ أ ْ كَ كَ‬
‫ ٌ‬
‫ ً‬
‫هو إ ةَّ وحي يوحى ([النجم 3و 4] , وقال النبي صلى ال عليه وسلم ) إل إسني أوهتيت القرآن‬
‫ ُ‬
‫ ُ كَ ّنِل كَ أ ْ ٌ ُ كَ‬
‫ومثله معه , أل يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن , فما وجدهتم فيه من‬
‫كَ‬
‫ ُ‬
‫ ُ ّنِ ُ ٌ‬
‫ّنِ ُ‬
‫حلل فأحلوه , وما وجدهتم فيه من حرا م فحرموه , وإن ما حر م رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كَ‬
‫ ُ‬
‫كَ‬
‫كما حر م ال ()52( .‬
‫كَ ُ‬
‫فأول ما يفسر به القرآن الكريم)62( هو القرآن مع السنة – وهي أقوال وأفعال وهتقريرات رسول‬
‫ ُ‬
‫ ُ ُ ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم – ثم بعد ذلك بتفسير أهل العلم , وعلى رأسهم أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم , وفي مقدمتهم : عبدال ابن مسعود رضي ال عنه , وذلك لقد م صحبته للنبي‬
‫ ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم من جهة , ولعنايته بسؤاله عن القرآن وفهمه وهتفسيره من جهة أخرى , ثم‬
‫عبدال بن عباس رضي ال عنهما فقد قال ابن مسعود فيه ) إسنه هترجمان القرآن ( , ثم أي‬
‫ ُ‬
‫صحابي من بعدهم ثبت عنه هتفسير آية – ولك يكن هناك خلف بين الصحابة – سنتلقى حين ذلك‬
‫التفسير بالرضا والتسليم والقبول , وإن لم يوجد وجب علينا أن سنأخذ من التابعين الذين عنوا‬
‫ ُ‬
‫بتلقي التفسير من أصحاب رسول ال عليه الصلة والسل م كسعيد بن جبير , وطاووس وسنحوهم‬
‫ممن اشتهروا بتلقي هتفسير القرآن عن بعض أصحاب الرسول عليه الصلة والسل م , وبلخاصة‬
‫ابن عباس كما ذكرسنا .‬
‫وهناك – للسف- بعض اليات هتفسر بالرأي والمذهب , ولم يأت في ذلك بيان عن النبي صلى‬
‫ ُ‬
‫ال عليه وسلم مباشرة , فيستقل بعض المتأخرين في هتفسيرها هتطبيقا للية على المذهب , وهذه‬
‫ ُ‬
‫مسألة خطيرة جدا , حيث هتسفر اليات هتأييدا للمذهب , وعلماء التفسير فسروها على غير ما‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫ ُ‬
‫فسرها أهل ذلك المذهب .‬

15. ‫ويمكن أن سنذكر مثال لذلك : قوله هتبارك وهتعالى ) فاقرءوا ما هتيسر من القرآن ([المزمل 02] ,‬
‫كَ أ ْ كَ ُ كَ كَ كَ ةَّ كَ ّنِ كَ‬
‫ ُ‬
‫فسرهته بعض المذاهب بالتلوة سنفسها , أي : الواجب من القرآن في الصلوات إسنما هو آية طويلة‬
‫أو ثلث آيات قصيرة ! قالوا هذا مع ورود الحديث الصـحيح عن الـنبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫) ل صلة لمن لم يقرأ بفـاهتحة الكتــاب ()72( , وفي الحديث الخر ) من صلى صلة لم يقرأ فيها‬
‫بفاهتحة الكتاب , فهي خداج , هي خداج , هي خداج غير هتما م ()82( .‬
‫ ُ كَ‬
‫ّنِ‬
‫ّنِ‬
‫ّنِ‬
‫فقد ردت دللة هذين الحديثين – بالتفسير المذكور للية السابقة - بدعوى أسنها أطلقت القراءة ,‬
‫ ُ‬
‫ول يجوز عندهم هتفسير القرآن إل بالسنة المتواهترة , أي ل يجوز هتفسير المتواهتر إل بالمتواهتر ,‬
‫فردوا الحديثين السابقين اعتمادا منهم على هتفسيرهم للية بالرأي أو المذهب .‬
‫ ً‬
‫كما أن العلماء – كل علماء التفسير , ل فرق بين من هتقد م منهم أو هتأخر – بينوا أن المقصود‬
‫بالية الكريمة ) فاقرءوا ( , أي : فصلوا ما هتيسر لكم من صلة الليل , لن ال عزوجل ذكر هذه‬
‫كَ أ ْ كَ ُ‬
‫ّنِ ةَّ كَ ةَّ كَ كَ أ ْ كَ ُ أةَّ كَ كَ ُ ُ كَدكَ ّنِ أ ْ ُ ُ كَ ّنِ ةَّ أ ْ ّنِ وّنِ أ ْ كَ ُ كَ ُ ُ كَ ُ‬
‫الية بمناسبة قوله هتبارك وهتعالى ) إن ربك يعلم كَسنك هتقو م أ أ ْسنى من ثلثي الليل كَسنصفه وثلثه‬
‫كَ أ ْ كَ ُ كَ كَ كَ ةَّ كَ ّنِ كَ‬
‫وطائفة من الذين معك وال يقدر الليل والنهار ( إلى أن قال ) فاقرءوا ما هتيسر من‬
‫كَ كَ ّنِ كَ ٌ ّنِ كَ ةَّ ّنِ كَ كَ كَ كَ كَ ةَّ ُ كَ هِّ ُ ةَّ أ ْ كَ كَ ةَّ كَ كَ‬
‫ ُ‬
‫القرآن ([المزمل 02] , أي : فصلوا ما هتيسر لكم من صلة الليل بلخاصة , وإسنما يسر ال عزوجل‬
‫للمسلمين أن يصلوا ما هتيسر لهم من صلة الليل , فل يجب عليهم أن يصلوا ما كان رسول ال‬
‫ ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يصلي – كما هتعلمون – إحدى عشرة ركعة .‬
‫ ُ‬
‫هذا هو معنى الية , وهذا في السلوب العربي من باب إطلق الجزء وإرادة الكل , فقوله )‬
‫فاقرءوا ( , أي فصلوا , فالصلة هي الكل , والقراءة هي الجزء , وذلك لبيان أهمية هذا الجزء‬
‫كَ أ ْ كَ ُ‬
‫كَ ّنِ ّنِ ةَّ كَ كَ ّنِ ُ ُ ّنِ ةَّ ّنِ ّنِكَ كَسق‬
‫في ذلك الكل , وذلـك لقوله هتبارك وهتعالى في الية الخـرى ) أقم الصلة لدلوك الشمأ ْس إلى غ كَ ّنِ‬
‫الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر ([السراء 87] ومعنى )ةَّ قرآن الفجر ( , أي : صلة الفجر ,‬
‫ ُ أ ْ كَ أ ْ كَ أ ْ ّنِ‬
‫ةَّ أ ْ ّنِ كَ ُ أ ْ كَ أ ْ كَ أ ْ ّنِ ّنِ ةَّ ُ أ ْ كَ أ ْ كَ أ ْ ّنِ‬
‫فأطلق أيضا هنا الجزء وأراد الكل , هذا أسلوب في اللغة العربية معروف .‬
‫ ً‬
‫ولذلك , فهذه الية بعد أن ظهر هتفسيرها من علماء التفسير دون خلف بين سلفهم وخلفهم , لم‬
‫يجز رد الحديث الول والثاسني بدعوى أسنه حديث آحاد , ول يجوز هتفسير القرآن بحديث الحاد !‬
‫ ُ أ ْ‬
‫لن الية المذكورة فسرت بأقوال العلماء العارفين بلغة القرآن , هذا أول , ولن حديث النبي‬
‫ ً‬
‫صلى ال عليه وسلم ل يلخالف القرآن , بل يفسره ويوضحه , كما ذكرسنا في مطلع هذه الكلمة ,‬
‫ ً‬
‫وهذا ثاسنيا , فكيف و الية ليس لها علقة بموضوع ما يجب أن يقرأه المسلم في الصلة , سواء‬
‫ ً‬
‫كاسنت فريضة أو سنافلة ؟!‬
‫أما الحديثان المذكوران آسنفا , فموضوعهما صريح بأن صلة المصلي ل هتصح إل بقراءة الفاهتحة‬
‫ ُ‬
‫قال ) ل صلة لمن لم يقرأ بفـاهتحة الكتــاب ()92( , وفي الحديث الخر ) من صلى صلة لم يقرأ‬
‫فيها بفاهتحة الكتاب , فهي خداج , هي خداج , هي خداج غير هتما م ()03( , أي : هي سناقصة , ومن‬
‫ ُ كَ‬
‫ّنِ‬
‫ّنِ‬
‫ّنِ‬
‫اسنصرف من صلهته وهي سناقصة فما صلى , وهتكون صلهته حينئذ باطلة , كما هو ظاهر الحديث‬
‫ل ٍ‬
‫الول .‬
‫إذا هتبينت لنا هذه الحقيقة , فحينئذ سنطمئن إلى الحاديث التي جاءت عن النبي صلى ال عليه‬
‫ ُ‬
‫وسلم مروية في كتب السنة أول , ثم بالساسنيد الصحيحة ثاسنيا و ول سنشك ول سنرهتاب فيها بفلسفة‬
‫ ً‬
‫ ُ‬

16. ‫الاحاديث التي نسمعها في هذا العصر الحاضر , وهي التي تقول : ل نعبأ بأاحاديث الاحاد مادامت‬
‫لم ترد في الاحكام , وإنما هي في العقائد , والعقائد ل تقوم على أاحاديث الاحاد .‬
‫دِ ف ْ‬
‫هكذا زعموا ! وقد علمنا أن النبي صلى ال عليه وسلم أرسل معاذا يدعو أهل الكتاب إلى عقيدة‬
‫ ً‬
‫التواحيد)13( , وهو شخص وااحد .‬
‫وفي هذا القدر كفاية بهذه الكلمة التي أردت بيانها , وهي تتعلق بـ : كيف يجب علينا أن نفسر‬
‫ ُ‬
‫القرآن الكريم ؟‬
‫وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه والتابعين لهم بإاحسان إلى يوم الدين ,‬
‫والحمد ل رب العالمين .‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الهوامش :‬
‫)1( الضعيفة 755 – وقال الشيخ ابن باز راحمه ال في فتاوى نور على الدرب ل أعرف هذا‬
‫الحديث، ول أعتقد أنه صحيح،‬
‫)2( البخاري 9241 واللفظ له – مسلم 3301‬
‫)3( صحيح الترغيب والترهيب 53/39/1‬
‫)4( الصحيحة 3081‬
‫)5( صحيح الجامع 7157‬
‫)6( إرواء الغليل 3732/04/8‬
‫)7( صحيح الترغيب والترهيب 43/29/1 – وصلة التراويح ص 57‬
‫)8( مشكاة المصابيح 681/66/1‬
‫)9( صحيح الجامع 0791‬
‫)01( صحيح الجامع 5761‬
‫)11( صحيح الجامع 4712‬
‫)*( وللفائدة أكثر احول تفسير هذه الية ) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ل َلكم تراحمون‬
‫ َ ف ْ َ دِ ُ َ ُ َ َ ف ْ دِ ُ َعكَّ ُ ف ْ ُ ف ْ َ ُ َ‬
‫ َدِ َ ُ دِ َ‬
‫( يرجى النظر في تفسير القرطبي ففيه كلم طيب و تفسير السعدي راحمهما ال .‬
‫)21( الصحيحة 979‬
‫)31( البخاري 0303 – مسلم 0471‬
‫)41( الصحيحة 8642‬
‫)51( صحيح الترغيب والترهيب 43/29/1‬
‫)61( صلة التراويح ص 57‬
‫)71( صحيح الترغيب والترهيب 14/49/1‬
‫)81( صحيح الجامع 4713‬
‫)91( في هي إضافة من عندي‬
‫)02( نفس الشيء أضفت هذا‬

17. ‫)12( الضعيفة 117‬
‫)22( مسلم 483‬
‫)32( وقد تكون الكلمة الصحيحة بدعته لكي تطابق الجملة‬
‫)42( الصحيحة 3081‬
‫)52( تخريج المشكاة رقم 361‬
‫)62( والشيخ اللباني يرى بخلف من يقول بأنه يجب تفسير القرآن بالقرآن أول ثم بالسنة ومن‬
‫بعدها بقول الصحابي وبعدها للتابعي ويقول يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة , وتجد في كتب‬
‫علوم القرآن مثل كتاب مبااحث في علوم القرآن و دراسات في علوم القرآن بخلف هذا ,‬
‫وتجدهم يقولون بأنه يجب تفسير القرآن بالقرآن ومن بعده بالسنة وهو مذهب ابن جرير وابن‬
‫كثير وغيرهم من علماء التفسير بالمأثور راحمهم ال جميعا .‬
‫)72( صحيح الجامع 9837‬
‫)82( صفة الصلة 79‬
‫)92( و )03( سبق تخريجهما‬
‫)13( البخاري 8541 – مسلم 91‬
‫ول تنسونا من دعائكم الصالح‬
‫أخوكم في ال : أبوخطاب العوضي‬