SlideShare a Scribd company logo
ABCDEFG 198 
فلسفات تربوية معاصرة 
تأليف 
د. سعيد إسماعيل علي 
X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ 
cab
acb 
X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ 
صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠ 
198 
فلسفات تربوية معاصرة 
تأليف 
د. سعيد إسماعيل علي 
ABCDEFG 
uO½u¹ 
1995
M 
M 
M 
M 
مقدمـة ٥ 
الفصل الأول: 
ا فهوم ٩ 
الفصل الثاني: 
فلسفة التربية البرجمانية ٣٧ 
الفصل الثالث: 
الإتجاه النقدي ١١٩ 
الفصل الرابع: 
تربية للتحرير ١٦٣ 
الفصل الخامس: 
اللامدرسية ١٩٣ 
خا 1ــة ٢٢٣ 
ا 8ؤلف في سطور ٢٢٩
مقدمــة 
عندما انتهيت من دراسة الفلسفة على مستوى 
ا 8ـرحـلـة الجـامـعـيـة الأولــى G واقــتــضــت الــظــروف 
استمرار مسيرة التعلم على طريق العلوم التربوية G 
كان من العلوم التي لابد من دراستها (تاريخ التربية) G 
فلما أقبل أستاذنا G وأعلن أن هذا الـعـلـم سـنـدرس 
فيه ا^راء كبار مفكري العالم في ا 8سائل والقضايـا 
التربوية G مثل سقراط وأفـلاطـون وأرسـطـو وجـون 
لوك وجان جاك روسو... إلخ G شـعـرت بـشـيء مـن 
الاستخفاف بدراسة هذا العلم G فقد سبق لنا دراسة 
سقراط والسوفسطائي Gf مثلا G في فصل دراسي 
كامل G وكذلك بالنسبة لأفلاطون وأرسطو.. وهكذا G 
وعلى أيدي أساتذة فلسفة كبار G متخصص Gf وفي 
مصادر ومراجع ذات عمق وثراء مـعـرفـي.. فـمـاذا 
سيضيف هذا الأستاذ (التربوي) من جديد G ودراسة 
كل واحد من هؤلاء ا 8فكرين لن تستغرق أكـثـر مـن 
محاضرة? 
وعندما أخذ الأسـتـاذ يـتـحـدث G إذا بـي G شـيـئـا 
فشيئا G ازداد انتباها إليه G وانجذابـا إلـى مـايـقـول G 
إنه يتحدث لغة غير شائعة ـ في ذلك الـوقـت وفـي 
حدود خبرتي ـ في كلية الا^داب G كما درست فيـهـا. 
كان يبذل الجهد الواضح حتـى نـنـتـبـه إلـى صـدق 
مقولة مؤداها أن فكر الفيلسوف G مهما تفرد بنسيج 
خاص G ومهما 1يز ببصمة شخصية تختلف كثيرا 
عن غيره فهو G بدرجة أعلى G يحمل بصمات جملـة 
5 
مقدمة
فلسفات تربوية معاصرة 
متغيرات أساسية 1يز بنية اﻟﻤﺠتمع والثقافة التي يعيش في كنفها الفيلسوف G 
ولم تكن دراستنا الفلسفية الأولى تهتم بذلك. صحيح أن دراسة كل فيلسوف G 
وكل فلسفة كانت تسبقها أحاديث عن النشأة والبيـئـة G والـظـروف الـعـامـة G 
لكن G وقر في أذهاننا أن هذه الأحاديث هامشية G وﻟﻤﺠرد استكمال الشكل! 
وهكذا بدأنا نتعلم أن الفكر الفلسفي ليس سبحات عقل جامح يحلـق 
في أجواء التجريد دون قيود زمان ومكان. 
ثم جاءت فرصة أخرى كبيرة عندما بدأت في أوائل الستينيات دراسة 
الاتجاه العلمي/ التجريبي للفلسفة البراجماتية G فقد تجلت في هذه الفلسفة 
أيضا حقيقة تلك ا 8قولة ا 8شار إليها (اجتماعية ا 8عرفة) G فكأن دور فلاسفة 
البراجماتية G كان هو الانفعال بالتكوين الاجتماعي والتاريخي والـسـيـاسـي 
للشعب الأمريكي G والوعي بهذا التكوين وخطوطه الرئيسية G ليتـرجـم هـذا 
كله في أفكار فلسفية G حتى ليمكن الـقـول G بـلا مـبـالـغـة G إنـه مـا كـان لـهـذه 
الفلسفة أن تنشأ في مجتمع ا^خر غير اﻟﻤﺠتمع الأمريكي G وفـي زمـان ا^خـر 
غير هذا الزمن الذي ظهرت فيه. 
وإذا كانت الفلسفة G بناء على هذا ـ في أحد جوانبهـا الـرئـيـسـيـة ـ هـي 
استجابة عقلية لجملة ا 8تغيرات اﻟﻤﺠتمعية الكبرى G في أسسهـا وركـائـزهـا 
الأساسية G فإن هذا لا يعني أنها فقط (انفعال) ƒا هو قائم G وإ ‚ا لابد أن 
تستكمل مسيرة الجدل G فتقوم بدور (الفعل) من حيث التوجيه والتغيير في 
الفكر وفي اﻟﻤﺠتمع وثقافته. 
وعندما نريد أن ننتقل من دائرة (النظر) و(الفكـر) إلـى دائـرة (الـفـعـل) 
و(السلوك) G فإننا ننتقل إلى دائرة (التربية) G حيث إنها G في لحمتها وسداها G 
كما سيتب f لنا بالتفصيل فيما بعد G هي القوة التنفيذية التي نسعى بها إلى 
تحويل الأفكار الفلسفية في أدمغة الفلاسفة إلى سلوك نراه ونلمسه G ونتعامل 
معه في حركة الحياة الإنسانية G في واقع حياتنا. 
ومن هنا G فكثيرا ما كنت أشعر بالدهشة ألا تحظى (اجتماعية ا 8عرفة) 
بالاهتمام الضروري في دراسة الفلسفة في الجامعة! أقول هذا G عن أواسط 
الخمسينيات G فلر ƒا تغير الوضع بعد ذلك. 
لكن G من ناحية أخرى G عـنـدمـا رأيـت أنـه مـن الـضـروري أثـنـاء دراسـة 
الفلسفة البراجماتية وتربيتها G أن أبحث أثر هذه التربية في عا 8نا العربي G 
6
مقدمــة 
لأن مظاهر التأثر كانت بادية وواضحة للعيان G فوجئت بأن الرواد الأوائل ـ 
مع التقدير الكامل للجهد الخارق الذي قاموا به ـ نقلـوا الـنـتـائـج مـن غـيـر 
توقف عند ا 8قدمات التي أدت إليها! 
لقد انشغلت التربية العربيـة بـالاهـتـمـام ƒـيـول الـطـفـل واسـتـعـداداتـه G 
وضرورة أن يجيء التعلم بالعمل G و ƒحاولات إغناء البيئة التربوية بالخبرة 
ا 8ربية الثرية G وبضرورة النشاط G وأهمية مشاركة التـلامـيـذ فـي عـمـلـيـتـي 
التعلم والتعليم... إلخ دون أن يتوقفوا أمام الأصول الفلسفية التي ما جاءت 
هذه الأفكار التربوية إلا محاولات لتشخيص هذه الأصول واقعا سلوكيا. 
ر ƒا كانت هناك بعض الوقفات أمام (طبيعة الإنسـان) وعـلاقـة الـفـرد 
باﻟﻤﺠتمع G وطبيعة اﻟﻤﺠتمع ا 8عاصر ا 8تغيرة G وغلبة النزعة التجريبية العلمية G 
لكن G لم يكن هـنـاك تـوقـف أمـام مـاهـو أهـم وأخـطـر مـن ذلـك G مـن أصـول 
فلسفية تبدت في النظرية ا 8نطقية عنـد ديـوي G وفـي نـظـريـة ا 8ـعـنـى عـنـد 
بيرس G وا 8عرفة عند جيمس. 
ومن هنا شهدت تجربة التأثر سلبيات كثيرة G وانتهـت بـنـكـسـة أصـابـت 
تعليمنا بأضرار كبـيـرة. ولـو قـد اجـتـهـد الـرواد فـي الـبـصـر بـهـذه الأصـول 
الفلسفية G لأيقنوا أن ما Š من (نقل) G كان سـبـيـلا خـاطـئـا G فـوفـقـا لأصـول 
البراجماتية الفلسفية G فإن (الزرع التربوي) له شروطه ومـواصـفـاتـه الـتـي 
تجعل من الضروري البصر ƒا ب f أنواع (التربة الحضارية) من اختلافات 
وتباينات G وإلا أصيب الزرع بالضمور! 
وهكذا G كان لابد من استثمار ما هيأته لنا الظروف من (تأسس فلسفي) 
في ا 8رحلة الجامعية الأولى و(التمهن التربوي) بعد ذلك G لكي ‚ضي على 
طريق توثيق العلاقات ب f التربية والفلسفة عن طريق هذا اﻟﻤﺠال الشهير 
(فلسفة التربية) الذي لا يحظى G مع الأسف الشديد G بالاهتمام الكافي G في 
كثير من برامج كليات التربية في الوطن العربي. ومن سخرية القدر ـ على 
سبيل ا 8ثال ـ أن القسم الذي التحقت بـالـعـمـل بـه G وهـو اﻟﻤﺨـتـص بـدراسـة 
فلسفة التربية G حيث يعبر اسمه (أصول التربية) عن اختصار لـ (الأصول 
الفلسفية والاجتماعية للتربية) لم يكن به أحد قد تخصص في (الفلسفة) 
أو (الاجتماع)!! 
ودراسة فلسفات التربية G إذا كنا نرى أنهـا ضـروريـة لـلـمـثـقـف الـعـربـي 
7
فلسفات تربوية معاصرة 
العام بصفة عامة G وللمشتغل f بأمر بناء الـبـشـر ـ فـكـرا وتـنـفـيـذا ـ بـصـفـة 
خاصة G إلا أنها مجرد خطوة أولى على الطريق G 1هد لخطـوة أهـم وأكـثـر 
خطورة G ألا وهي السعي للإجابة عن تساؤل كبيـر: أيـن نـحـن مـن كـل هـذه 
الفلسفات? 
إن أحدا لا يستطيع أن ينكـر أن لـنـا بـصـمـات واضـحـة فـي هـذه الـلـغـة 
العربية التي نتحدث ونكتب بها G ولنا شخصيتنا وا^دابنا وفنوننا G ولنا هويتنا 
في السلوك العام G وفي جملة العادات والتقاليد G ولنا نهج متميز فـي بـنـيـة 
القيم G لكن هل نستطيع أن نقول إن لنا (فلسفة للتـربـيـة) تـتـمـيـز بـهـا هـذه 
الأمة?! 
أخشى أن تكون الإجابة G هي النفي!! 
بل إن الجهد ا 8بذول على هذا الطريق ليس متواصلا G وليس مكثفـا! 
صحيح أن هناك (استراتيجية لتطوير التربية العربية) G لكنها G بحكم ظروفها G 
ووضعها G ومهمتها G وعنوانها G بعيدة عن أن 1ثل فلسفة للتربية للأمة العربية G 
ور ƒا تكون دراسة د. عبدالله عبدالدا  عن فلسفة التربيـة الـعـربـيـة هـي 
الجهد النادر في هذا اﻟﻤﺠال. 
إننا إذ نقدم هذه اﻟﻤﺠموعة من الدراسات عن فلسفات التربية ا 8عاصرة G 
ليحدونا الأمل G أن يحفز هذا G علماء التربية ومفكريها في الوطن العربي أن 
يتنادوا بينهم كي نضع معالم على الطريق. فما استقـام بـنـاء أمـة لا 1ـلـك 
بوصلة التوجه!! خريطته الفكرية G وفي يقيننا أن فلسفة التربية هي الخريطة 
الفكرية التي تحدد لنا G خصائصG ونوع G ووجهة G ومسار البناء.. بناء الإنسان!! 
8
ا فهوم 
9 
المفهوم 
الفلسفة/ التربية/ فلسفة التربية 
ا 8تأمل في مصطلح (فلسفة التربية) ‘كـن أن 
يلاحظ بكل سهولة أنه يتكون من كلمت f: (فلسفة) 
و(تربية) “ا يقتضي منا أن نحدد ـ بداية ـ ا 8قصود 
بكل منهما حتى ‘كن لنا أن نتب f بقدر أكـبـر مـن 
الوضوح مفهومنا الأساسي (فلسفة التربية) G علـى 
أن نؤكد في البداية أن فلسفة التربية ليست مجرد 
حاصل جمع لكل من (الفلسفة) و(التربية) G وسوف 
يتأكد لنا هذا بشيء من التفصيل في جزء تال. 
الفلسفة: 
لعلنا لا نبالغ إذا قلنـا إن تحـديـد هـذا ا 8ـفـهـوم 
ر ƒا يكون من أكثر موضوعات الدراسات الفلسفية 
صعوبة ومثارا للجدل G وهو الأمر الذي قد لا نجده 
في أي مجال ا^خر من الدراسات الإنسانية. صحيح 
أن هذه الدراسات في معظمها تعاني هي الأخرى ـ 
قياسا إلى الـدراسـات (الـكـونـيـة الـطـبـيـعـيـة) ـ مـن 
الاختلاف في ا 8صطلح G لكنها ـ غالبا ـ تحظى باتفاق 
ا 8تخصص f في كل منها. على ا 8راد ƒفهوم العلم 
أو اﻟﻤﺠال نفسه G فهناك ـ مثلا ـ اتفاق عـلـى مـعـنـى 
(السياسة) و(الاقـتـصـاد) و(الاجـتـمـاع) و(الـتـاريـخ) 
و(الأدب) و(الجغرافيا) وهكذا.. إلى حد كبير G أما 
1
فلسفات تربوية معاصرة 
(الفلسفة) فلا تحظى ƒثل هذا الحد من الاتفاق. 
ولهذا فلو سألنا قارىء: ما معنى الفلسفة? فسوف نبادر على الفور بأن 
نطرح عليه تساؤلا أوليا: عند من? فتحديد (الاتجاه) أو (الفيلسوف) يجعل 
الإجابة ميسورة G أما إذا اقتصر على عموم ا 8صطلح فإن الكاتب أو اﻟﻤﺠيب 
سيضطر إلى أن يسطر صفحات طويلة لشرح وجهات النظر اﻟﻤﺨتلـفـة G أو 
أن يقف عند حد ا 8عنى اللغوي للكلمة. 
ونرجو أن يعذرنا القارىء G إذا نحن لم نرو ظمأه في هذا الشأن محيل f 
إياه إلى بعض ا 8صادر ا 8فيدة في هذا الباب( ١) G لكن التزامنا نحوه يتمثـل 
في تحديد ما يؤمن به كاتب هذه السطور G مؤكدين في الـوقـت نـفـسـه أن 
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن ا 8عنى الذي سنسوقه لا يأتيه الباطل 
من ب f يديه ولا من خلفه G فنحن نتوقع بروز اعتراضات كثيرة G وهذا يؤكد 
لنا صحة ا 8قولة التي سبق أن أشرنا إليهـا وهـي احـتـدام الاخـتـلاف حـول 
ا 8صطلح الأساسي. 
ويبدو أن ا 8هنة التي نعمل بها لها دخل كبير في تحديـد مـفـهـومـنـا مـن 
الفلسفة فمهنتنا هي (التربية) والتي سنحدد ا 8قصود منها في الجزء التالي G 
ومعنى ذلك أن اهتماماتنا الأساسية لا تتعلق بالكون بأسره G أصله ومصيره G 
وإ ‚ا تتعلق بهؤلاء البشر الذين نراهم أحياء يسعون في الأرض G يـفـرحـون 
ويأ 8ون ويفكرون ويتصارعون ويتحابون.. إنهم مادتنا و(ا 8لعب) الذي نلعب 
على أرضه G 1اما كما أن (الخشب) هو مادة (النجار) و(التربـة) الـتـي هـي 
مادة ا 8زارع. 
وإذا كنا نقول إن ا 8عنى ا 8راد بالفلسفة إ ‚ا يصور رؤيتنا نحن G فإن هذا 
لا يعني G ولا نريد أن نزعم أنه معنى خاص بنا نحن.. نحن الذين ابتكرنـاه 
وألفناه.. كلا G إننا فقط نقول إننا نتبناه. 
وهنا نجد أن رائدنا الأول في هذا هو فيلسوف اليونان الشهير: سقراط G 
كان فلاسفة اليونان قبل سقراط مهموم f بالنظر الكوني: أصله ومصيره? 
فمن قائل إنه من تراب G ومن قائل إنه من ماء G ومن قائل إنه من هواء.. إلخ G 
وكانت نقلة سقراط الأساسية أنه ـ بـتـعـبـيـر مـؤرخـي الـفـلـسـفـة ـ قـد أنـزل 
الفلسفة من السماء إلى الأرض G ƒعنى أنه سعى نحو تحويل الاهتمام من 
ا 8سائل (الكونية) إلى ا 8سألة (الإنسانية) G فكان شعاره الشهير: اعرف نفسك 
10
ا فهوم 
11 
بنفسك. 
وهذا أول مظهر من مظاهر التقدير الذي يوليه ا 8شتغلون ببناء البشر 
لهذا الرائد الأول. 
هذه ناحية... 
ومن ناحية أخرى G فإن الرجل كان مهموما بكيفية تقو  السلوك البشري.. 
ما السبيل إلى تصحيح مسار السلوك الذي انحرف عن الطريق ا 8ستقيم? 
وهو لكي يجيب عن هذا السؤال كـان لابـد أن يـحـدد (حـد الـسـواء) الـذي 
بناءعليه ‘كن له الحكم بأن هذا السلوك أو ذاك سـلـوك غـيـر سـوي.. أن 
يحدد (الطريق ا 8ستقيم) G حتى يطمئن إلى حكمه بأن (زيدا) أو (عبيدا) قد 
انحرف عن الاستقامة. 
وهداه تفكيره إلى أن الانحراف السلـوكـي G إ ‚ـا هـو نـتـيـجـة لازمـة عـن 
الانحراف الفكري.. غموض. سوء فهم.. زيف فـي الـوعـي. إلـى غـيـر هـذا 
وذاك من مظاهر ا 8رض الفكري بدءا من أبسطها وأقلهـا خـطـرا G صـعـودا 
إلى درجاتها العليا الأشد خطورة. وبالتالي فلابد من تصحيح (ا 8فاهيـم) G 
لنصل إلى تلك الركائز الفكرية ا 8كونة للحق وا 8تفق عليها G فهذا هو الطريق 
إلى الاستقامة الخلقية. 
وهكذا راح الرجل يجوب المحافل والطرقات والأسواق مفكرا (متجولا) 
G أو قل (معلما) متجولا G يناقش ويحاور هذا وذاك بادئا بالواقعة السلوكية 
ا 8شكلة لمحور الخبرة الإنسانية G حافرا في تربة العقل بحثا عن (ا 8ـفـهـوم) 
الذي انطلق منه صاحب السلوك ا 8عني G على أساس أننا في مختلف مناشطنا 
السلوكية إ ‚ا ننطلق ـ بوعي أو بغير وعي ـ من مفهوم أو مفاهيم بعينها. 
وغالبا ماكان سقراط يجد أن ا 8فهوم الواقع G خاطىء G “ا ترتب عليـه 
سلوك غير سوي. ومن هنا يستمر في الحوار وا 8نـاقـشـة حـتـى يـصـل إلـى 
ا 8فهوم الذي يرى أنه صحيح G مطمئنـا إلـى أن هـذا مـن شـأنـه أن يـصـحـح 
ا 8سار السلوكي.. وشيء مثل هذا نفهمه نحن عن الفلسفة ومهمتها. 
إنها هي ذلك الجهد الذهني ا 8وجه إلى مناشطنا البشرية محللا إياها 
بحثا عن ا 8فاهيم الأساسية التي تكمن وراءها وإخضاعها للفحص والتحليل G 
وهذا ا 8عنى قد يتشابه كذلك مع بعض مايذهب إليه فلاسفة التحليل فـي 
العصر الحديث.
فلسفات تربوية معاصرة 
لكن هناك نقطة اختلاف بيننا وب f كل من سقراط وفلاسفة التحليل: 
فنحن إذا كنا نؤمن مع سقراط بأن انحراف السلوك إ ‚ا هو نتيجة لانحراف 
في الفكر G فإننا لا نؤمن معه بأن تصحيح الفكر يؤدي حتما إلى تصحيـح 
السلوك. 
إننا جميعا نعلم ما الصدق? وما أضراره? وما فوائده? ومع ذلك فكثير 
منا قل ألا يكذب. 
وكثير من الناس يعون قيمة الوقت G ومع ذلك تراهم يتخلفون عن ا 8واعيد 
ويتأخرون. 
ولسنا في معرض مناقشة هذه القضية بحثـا عـن أسـبـاب ذلـك. وإ ‚ـا 
نحن نقرر واقعا معينا. 
وقد يتصور البعض أن الأمر مادام كذلك G فما لزوم هذا الجهد للتوضيح 
والتحليل? 
نعيد ونكرر G أننا لم نر تلازما ضروريا ب f حسن الفهم وسواء السلوك G 
وإ ‚ا الأمر أمر (احتمال). فهناك بعض غير قليل يصححون سلوكهم عندما 
يدركون (الحقيقة). 
هذا فضلا عن أن مهمتنا هي (تهيئة الأجواء) التي تع f على أن يكـون 
السلوك سويا G لكننا لا نحمل الناس على ذلك. 
أما وجه اختلافنا مع التحليلي f فهو أن تحليلنا للمفهوم لا يـقـف عـنـد 
حد التحليل ا 8نطقي والتحليل اللغوي.. وإ ‚ا ‘تد ليصبح تحليلا (اجتماعيا). 
وعلى سبيل ا 8ثال G خذ مفهوما مثل مفهوم (تكافؤ الفرص). لـقـد كـان 
أهم مظهر من مظاهر معناه في سنوات مضت G أن يحصـل الـطـالـب عـلـى 
حقه في التعليم (مجانا).. لكنك تسمع الا^ن من كثـيـريـن أن هـذه اﻟﻤﺠـانـيـة 
تفرز إلى سوق التعليم أعدادا كثيرة من غير الجادين G لأنهم لا يشعرون بأن 
التعليم يكلفهم شيئا ما G فلمَ يتعبون ويكدون? وعندما 1تلىء معاهد التعليم 
بأعداد غفيرة G يتضاءل مستوى الخدمة التعليمية G فيحرم كثيرون من الجادين 
منها ويضطرون إلى البحث عنها في سوق الدروس الخصوصية ويستنتجون 
من ذلك أن (مجانية التعليم) لا تؤدي إلى تكافؤ في الفرص التعليمية. 
8اذا كان ا 8عنى السابق? و 8اذا أصبح هذا ا 8عنى الحالي? 
إن الإجابة تتضح في استقراء جمـلـة ا 8ـتـغـيـرات الـدولـيـة والـسـيـاسـيـة 
12
ا فهوم 
والاقتصادية والاجتماعية سواء على ا 8ستوى العا 8ي أو على ا 8ستوى المحلي G 
وهكذا تتلون ا 8فاهيم وتتشكل وفقا 8وقعها على الخريطة الاجتماعية! 
13 
التربية: 
وإذا كنا لم نطرق باب عرض ومناقشة ا 8عاني اﻟﻤﺨتلفة للفلسفة إ ‘انـا 
بأن هناك من هم أكثر تخصصا G وبالتالي أقدر على ذلك G إلا أنـنـا ـ فـيـمـا 
يبدو ـ سنكرر ا 8رور السريع G وإن شئنا الحقيقة ا 8رور الأسرع على مفهـوم 
التربية على الرغم “ا ‘كن أن نزعمه أننا من ا 8تخصص f فيها “ا يتيح 
لنا الفرصة للاستفاضة في عرض ومناقشة الا^راء اﻟﻤﺨتلفة بصـدد مـعـنـى 
التربية. 
ولعل السبب الرئيسي G يكمن في أننا لا نواجه هنا مثل هذا الاختلاف 
الحاد في الفلسفة. صحيح أن هناك معاني مختلفة للتربية G لكننا إذا دققنا 
النظر فسوف نجد أن ما قد يبدو (اختلافا) G فإ ‚ا هو نتيجة تغاير لفظي 
من حيث الصياغة. وفي أحسن الحالات فهي (زوايا رؤية). 
ومن الأمثلة التي قد تشير إلى ذلك مايـقـدمـه بـعـض ا 8ـتـخـصـصـ f أو 
ا 8هتم f (بالبيولوجيا) أو (علم النفـس) أو (الأنـثـروبـولـوجـيـا) أو غـيـر هـذا 
وذاك من اختصاصات G فغالبا ما يطل الاهتمام أو التخصص الأصلي مـن 
ب f السطور ليشير إلى غلبة هـذه الـزاويـة أو تـلـك G خـاصـة أنـنـا نـعـلـم أن 
ا 8شتغل f بالتربية عادة ما ينتمون إلى حقول علميـة بـعـيـنـهـا أسـاسـيـة G ثـم 
أضيفت إليها التربية فيما بعد G فهذا تخصـص (جـغـرافـيـا) وهـذا (تـاريـخ) 
وهذا (فلسفة) وهذا (رياضة)... إلخ. 
وبالإضافة إلى ذلك G فهناك (الظهير الثـقـافـي والحـضـاري) لـكـل مـنـا G 
فهذا ظهيره ثقافة فرنسية G وهذا إنجليزية G وهذا أ 8انية G وهذا أمـريـكـيـة G 
وهذا ظهيره الأساسي ثقافة دينية أو ثقافة قومية... إلخ. 
مثل هذه ا 8واقع ا 8تعددة تنعكس بالضـرورة عـلـى ا 8ـعـنـى الـذي يـقـدمـه 
الكاتب للتربية G لكنها ـ كما قلنا ـ قد لا تصل إلى حد الاختلاف في الجذور. 
وكما فعلنا بالنسبة للفلسفة G فإننا نفعل الشيء نفسه بالنسبة للتربيـة G 
فنذهب إلى أننا نراها تلك العملية التي عن طريقها نقوم بتـنـمـيـة جـوانـب 
الشخصية الإنسانية في مستوياتها اﻟﻤﺨتلفة.
فلسفات تربوية معاصرة 
ذلك أنه شاع ب f ا 8تخصص f أن للشخصية مستويات ثلاثة. 
ا 8ستوى الأول G هو مستوى الوعي والإدراك ا 8عرفي. 
ا 8ستوى الثاني: مستوى العاطفة والوجدان. 
ا 8ستوى الثالث: مستوى الحركة والنزوع وا 8هارة. 
وهكذا يتم تنمية الجانب ا 8عرفي للإنسان عن طريـق تـزويـده بـكـم مـن 
ا 8علومات وا 8عاني وا 8فاهيم والحقائق G فضلا عما يرتبط بـهـذا مـن حـيـث 
طريقة التفكير ومنهج البحث وأساليـب الـربـط والاسـتـنـتـاج والاسـتـنـبـاط 
والتحليل والنقد. 
أما ا 8ستوى الثاني فهو أخطر ا 8ستويـات G وفـي الـوقـت نـفـسـه أكـثـرهـا 
صعوبة لأنه يتعلق ƒا هو (داخل) الإنسان.. إنه أشبه شـيء بــ (الـكـهـربـاء) 
التي لا نراها ولكننا نرى ا^ثارها. ومن هنا فهذا ا 8ستوى الذي يشتمل على 
ا 8يول والاتجاهات والقيم G نتعرف عليه عادة بطرق غير مباشرة عن طريق 
ملاحظة (تجلياتها السلوكية). ولأن الإنسان هو الكائن الحي الذي يستطيع 
أن يظهر غير ما يبطن G كانت احتمالات الخطأ في الفهم والتقدير. 
والشيء نفسه بالنسبة لتربيته من هذا الجانب G فأكـثـر الـوسـائـل الـتـي 
نسلكها هي تلك التي تقوم على »الكلام « شـفـاهـة أو كـتـابـة G لـكـنـهـا تـعـتـبـر 
أضعف الوسائل لتربية الوجدان G هذه التربية التي تحتاج إلى امتلاك 8تغيرات 
مواقف حياتية واقعية هي الأكثر فعالية في التأثـيـر والـتـغـيـيـر G وهـي فـي 
الوقت نفسه أكثرها صعوبة. 
أما ا 8ستوى الثالث G فهو مستوى حركي G يتصل با 8هارات العملية اﻟﻤﺨتلفة 
والتي تقوم بالدرجة الأولى على حركة (البدن) كمهارة فلاحة الأرض وقيادة 
السيارات وإصلاحها وما شابه هذا وذاك. 
هذه هي التربية. فما علاقتها بالفلسفة? 
العلاقة بين الفلسفة والتربية: 
على الرغم من إ ‘اننـا بـأن هـنـاك »عـروة وثـقـى G« لا انـفـصـام لـهـا بـ f 
الفلسفة والتربية فإننا لا نسـتـطـيـع أن نـنـكـر أن هـنـاك فـي كـل جـبـهـة مـن 
الجبهت f من ينظر إلى الا^خر نظرة تفتقد الفهم الصحيح والتقديرالواجب G 
ولعل هذا يكون ناتجا ـ غالبا ـ من طبيعة عمل كل منهما: 
14
ا فهوم 
فالنشاط الفلسفي هو بالدرجة الأولى (نظري). 
والنشاط التربوي هو بالدرجة الأولى (عملي). 
ومثلما نرى من مناظرات في التعليم ب f التخصصات التي تسمى (أدبية) 
وتلك التي تسمى (علمية) نرى شيئا قريبا من هذا ب f ا 8شتغل f بالفلسفة 
وا 8شتغل f بالتربية. 
فهناك من ا 8شتغل f بالفلسفة من ينظرون من (عل) باعتبـار أنـهـم هـم 
ا 8فكرون وأصحاب النظر والفهـم والـوعـي والـبـصـر. هـم أصـحـاب الجـبـاه 
العالية الذين يخططون ويـرسـمـون الأهـداف ويـحـددون ا 8ـعـانـي ويـضـعـون 
النموذج أما التربويون فهم مجرد منفذين. 
التربويون في نظر هؤلاء مجموعة (مدرس f) يقفون في فصل دراسي 
أمامهم »تلاميذ « ووراءهم سبورة G كل مهمتهم أن ينـقـلـوا مـا يـحـمـلـونـه مـن 
(معرفة) وهي عادة من ذلك النوع البسيط الذي يخلو من التجديد والابتكار G 
وبالتالي يقتصر جهد (التربية) على تعريف هؤلاء ا 8درس f بـ (كيف يُعلّمون)? 
ونحن لا ‘كن أن ننكر أن التربية تهتم بتعليم ا 8درس f كيف يدرسون G 
لكننا نؤكد أن تلك جزئية من عمـل كـبـيـر مـتـعـدد اﻟﻤﺠـالات والأطـراف. إن 
مهمة التربية لا تتجه فقط إلى ا 8درس f باعتبارهم (معلم f) وإ ‚ا تتـجـه 
إليهم باعتبارهم (مرب f). ومعنى ذلك أن ا 8سألة لا تتوقف عند كيفية تعليم 
اللغة أو الفيزياء أو التاريخ وإ ‚ا هي كيفية بناء شخصية أبناء الأمة حتـى 
يكونوا لبنات قوية في بنية اﻟﻤﺠتمع الكلية. 
وسوف نب f فيما بعد G الأبعاد ا 8تعددة التي تترتب على هذا من حـيـث 
النظر إلى (التربية) على أنها عملية (بناء أمة) وليس مجرد تعـلـيـم تـلـمـيـذ 
حسابا أو جغرافيا أو علوما. 
أما التربويون فينظرون إلى ا 8شتغل f بالـفـلـسـفـة عـلـى أنـهـم أنـاس كـل 
بضاعتهم »كلام « يجيء من كلام لينتهي إلى كلام في حلقة مفرغة وكأنهم 
هم ا 8عنيون ƒن يقولون (تسمع جعجعة ولا ترى طحنا)! 
ويطول بنا ا 8قام لو حاولنا تتبع قائمة الاتهامات التي يوجهها هؤلاء إلى 
15 
ا 8شتغل f بالفلسفة على وجه العموم. 
ـ فالفلسفة تجنح إلى الغموض الذي يجهد الـقـارىء أو الـسـامـع وكـأن 
الغموض سمة من سمات التفلسف G حتى إذا سيق الكلام بسيطـا واضـحـا
فلسفات تربوية معاصرة 
خرج من دائرة الفلسفة G لأن الغموض كثيرا مايكون نتيجة التعقيد واضطراب 
الفكر. وتربية الإنسان تحتاج إلى عكس ذلك G تحتاج إلى سهولة الفهم وإلى 
البساطة والوضوح. 
ـ والفلسفة تشيع الشك وتبذر الريبة G بينما التربية إذ تبنـي الـسـلـوك G 
فمثل هذه العملية تتطلب الاستناد إلى »يق «f لأننا عادة نسـلـك وفـقـا 8ـا 
نعتقد في صحته G فإذا ما اعترانا شك توقف سلوكنا. 
ـ ويندرج تحت هذا أيضا رمي الفلسفة بأنها ترتبط بـالإلحـاد والجـرأة 
على جعل (الله) موضوعا للمناقشات والتساؤل G بينما الجمهرة الكبرى من 
أبناء الأمة العربية (مؤمنون) با أيا كان دينهم ومعظم ا 8ادة ا 8ـقـدمـة إلـى 
جماهير معاهد التعليم مبنية على هذا الإ ‘ان بوجود إله. 
ـ كذلك يظن بعض التربوي f أن الفلسفة تجنح إلى التعالي عن الـواقـع 
والهروب من ضغط ا 8شكلات الحياتية التي تحيط بالإنسان بحجة »النظر 
الكلي « و »البصر الشامل « و »التنظير G« بينما التربية لابد أن تكـون مـنـفـعـلـة 
بهذه ا 8شكلات الحياتية G فهي مادتها ووسائلها G وتسعى إلى التغلب عليها. 
... ولا تخرج الاتهامات الأخرى عن هذه الحدود الإجمالية. 
ومن ا 8لاحظ أن معظم هذه الاتهامات إ ‚ا هي »شائعات تاريخية « إذا 
صح هذا التعبير G فإذا كان بعضها قد قام G فإ ‚ا عند عدد من الفلاسـفـة 
محدود وكان في زمن مضى منذ عدة قرون G فهي قـد أصـبـحـت مـثـلا مـن 
أمثلة (أوهام ا 8سرح) التي حدثنا عنها فرانسيس بيكون الفيلسوف الإنجليزي 
ا 8عروف. 
إننا ننظر إلى التفلسف على أنه عملية إنسانية تصدر من إنسان لتتجه 
إلى بشر.. تقوم بتحليل ثقافتهم بحثا عن القيم وا 8عتقدات الأساسية التي 
تقوم عليها بغية فحصها ونقدها بحثا عن الاتساق والتناغم ب f ا 8رتكزات 
الفكرية للأمة. 
والذي يدرس ا 8شكلات الفلسفية منذ أقدم العصور في إطارها اﻟﻤﺠتمعي 
سوف يستطيع ملاحظة أن هذه ا 8شكلات كانت مرتبطة ƒشكلات الصراع 
الثقافي والتغير الاجتماعي. 
ولعل أصدق الأمثلة التي ‘كن أن تساق على ذلك G فلسفة سقراط. وما 
كانت تلك القسمة إلى (النظري) و(العملي) و(ا 8ثال) G و(الواقع) في فلسفة 
16
ا فهوم 
أفلاطون وأرسطو إلا انعكاسا لذلك الوضع الاجتماعي والاقتصـادي فـي 
اﻟﻤﺠتمع القد  ب f سادة يفكرون وينظَّرون وب f عبيد يعملون وينتجون. 
وهل نستطيع أن نغفل في هذا الشأن كيفية نشأة الفكر الخاص بالجبر 
والاختيار في بدايته منذ مسألة التحكيم ب f علي بن أبي طالب ومعاوية بن 
أبي سفيان G وما نشأ عن ذلك من مناقشات عن مرتكـب الـكـبـيـرة والـعـدل 
والتحس f والتقبيح... وهكذا? 
كذلك فإن كثيرا من كبار الفلاسفة عبر التاريخ G كانوا يتوسلون بالتربية 
لـتـشـخـيـص أفـكـارهـم الـفـلـسـفـيـة فـي أرض الـواقـع G ولـعـل أفـلاطـون فــي 
(الجمهورية) كان من أوائل وأشهر من أبرزوا ذلك. لقد أقام جمهوريته على 
أساس (العدل) الذي راح يناقشه من وجهات نظر مختلفة على لسان أستاذه 
سقراط مع تلاميذه G مفندا وجهات النظر هذه G منتهيا إلـى مـفـهـوم ارتـأى 
أنه هو الصحيح. 
لكنه لم يكتف بتحديد ا 8فهوم تحديدا نظريا G وإ ‚ا راح يحاول الانتقال 
إلى الخطوة التالية G وهي: كيف يتحقق العدل في اﻟﻤﺠتمع? وكانت الإجابـة 
عن طريق رسم معالم نظام تربوي تصور أن من شأنه أن يحقق هذا ا 8ثال 
ا 8رجو. 
ومن قبل (أفلاطون) G كان السوفسطائيون G وكان سقراط معلم f يبثون 
ا^راءهم ويبشرون باتجاهاتهم عن طريق تربية فئات مـن الأثـيـنـيـ Gf إ ‘ـانـا 
منهم بأن الأفكار الفلسفية لا تولد كي تحبس في الدماغ G وإ ‚ا لابد لها من 
أن تنتشر وتجد لها جمهورا يؤمن بها ويعتقد في صحتها ويصوبها وينميها 
فتتحول إلى كائنات حية من خلال »سلوك بشري « يتبدى عند هذا وعنـد 
ذاك من بني البشر. 
وقل مثل هذا عن تلك القائمة الطويلة من الفـلاسـفـة الـذيـن أتـوا بـعـد 
ذلك.. حتى انتهينا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشـريـن 
إلى إمام من أئمة الفكر الفلسفي الحديث G إذ يدعى لأن يرأس قسم الفلسفة 
في جامعة شيكاغو بالولايات ا 8تحدة الأمريكية G فـيـشـتـرط أن يـتـولـى فـي 
الوقت نفسه رئاسة قسم التربية G لا عن رغبة في التملك واتجاه للاستحواذ 
والاحتكار وإ ‚ا لإ ‘انه الذي عبر عنه في كثير من كتبه أن الفلـسـفـة هـي 
»النظرية العامة للتربية G« وأن التربية هي »ا 8عمل الذي تختبر فيه الأفكار 
17
فلسفات تربوية معاصرة 
الفلسفية G« ذلكم هو جون ديوي. 
وقد استند في مقولته تلك إلى أن الأفكار الفلسفية إذا لم تسع إلى أن 
تختبر وتجرب من خلال عملية التربـيـة G تـظـل مـجـرد (تـأمـلات) لا يـكـفـي 
لضمان صحتها ما قد يلجأ إليه صاحبها من إتقان البراه f العقلية وإحسان 
الأدلة ا 8نطقية G ذلك أن ما لا يقل عن ذلك أهمية أن يكون واقع الحال هو 
الحكم النهائي. 
وفي الفكر الإسلامي رأينا كذلك مفكرا مثل الغزالي G وكذلك ابن سينا 
وابن خلدون وكثيرا من أصحاب التصوف G يحرصون على أن يـسـوقـوا مـن 
الا^راء والنظرات التربوية G ما يكمل صورة فكرهم الفلسفي النظرية. 
لكننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننكر وجود عدد ا^خر مـن ا 8ـربـ f 
ا 8سلم f الذين نفروا من النظر الفلسفي واقتصرت كتاباتهم على مسـائـل 
تربوية عملية بحتة G كما رأينا عند (القابسي) و(ابن سحنون) G و(ابن جماعة) 
و(ابن حجر الهيثمي) و(السمعاني) وغيرهم G وذلك لأن معظمهم كانـوا مـن 
أصحاب (الفقه) “ن لا يرون حاجة إلى التنظير الفلسفي بالنسبة للعقيدة 
الإسلامية G وهذا على خلاف ما كنا نرى لدى فريق الفلاسفة وا 8تـكـلـمـ f 
والصوفي f. 
إن التربية بحكم طبيعتها إذ تـتـجـه إلـى (إجـراءات عـمـلـيـة) و(خـطـوات 
تنفيذية) G فإن ذلك لابد أن يستند إلى (وجهة نـظـر).. إلـى (فـكـرة)... إلـى 
(فلسفة).. إلى (أيديولوجية).. إلى (إطار فكري).. أيا كانت التسمية G فهي 
كلها تعبر عن حالة ضرورة تكمن في (خريطة فكرية) G إن صح هذا التعبير G 
بناء عليها G يجول ا 8ربي في دنيا السلوك البشري. 
وإن لنا هنا تشبيها كثيـرا مـا نـردده فـي مـنـاسـبـات عـدة G وفـي مـواقـف 
مختلفة إذا جئنا إلى هذه القضية بالذات. 
يقول هذا التشبيه إن ا 8ربي أشبه ƒـقـاول الـبـنـاء.. هـذا يـبـنـي حـجـرا 
وذاك يبني بشرا.. وا 8قاول رجل تنـفـيـذي G لا يـسـتـطـيـع أن يـعـمـل إلا وفـق 
(تصميم) مع f يقوم بوضعه مهندس التصميمات وفقا لطلب العميل.. يريد 
جسرا!? عمارة? فيلا? قصرا? طريقا?.. وهكذا. 
والفيلسوف هنا عامة G وفيلسـوف الـتـربـيـة خـاصـة G هـو ذلـك ا 8ـهـنـدس 
التصميمي الذي يرسم ويخطط بناء على حاجة اﻟﻤﺠتمع G وما علـى ا 8ـربـي 
18
ا فهوم 
19 
إلا الالتزام بهذا وذاك وهو ينفذ عن طريق العمل التربوي. 
وقد يتصور البعض أن عصرنا الحالي لم يعد عصر الأيديولوجيا G بعد 
أن انهارت منظومة البلدان الاشتراكية G والتي كانت 1ثل أحد طرفي الصراع 
الأيديولوجي مع منظومة البلدان الرأسمالية. 
ولسنا في مجال مناقشة هذه القضية تفصيلا G وإ ‚ا نود أن نشير إلى 
أن انهيار نظام كان يطبق نظرية ما قد لا يكون دليلا مؤكدا على خطأ هذه 
النظرية إذ قد يكون سبب الانهيار هو في سوء الفهم والتطبيق. 
وحتى إذا سلمنا بأن انهيار (النظام) يستتبع انهيار (النظرية) G فلا ينبغي 
أن يفهم أن هذا يعني انتصار نظرية أخرى مقابلة G وقد يكون ذلك الانتصار 
مرحليا G لكنه على أية حال يثبت أن ا 8سألة ليست انهيارا 8طلق الأيديولوجيا G 
وإ ‚ا هو انهيار لأيديولوجيا بعينها G وبالتالي فسوف يظل الإنسان متحركا 
وفق أيديولوجيا وسوف يظل اﻟﻤﺠتمع البشري منطلقا من أسس أيديولوجية 
أيا كان اسم هذه الأيديولوجيا. 
ولعلنا إذا نظرنا إلى التربية على أنها G على الرغم من قولنا إنها عملية 
تنفيذية G لكنها ليست مجرد (صـنـعـة) ضـيـقـة اﻟﻤﺠـال مـحـدودة الأفـق G هـي 
بحكم الضرورة لا تستطيع إلا أن تكون عملية اجتماعية كما قدمنا. وهي إذ 
تكون كذلك G فإنها تستمد مادتها من ثقافة اﻟﻤﺠتمع وتتغيا بغاياته وطموحاته 
وتنطلق بالتالي من فلسفته وإطاره الفكري العام. 
إن كثيرا من التخصصات العلمية الأخرى G قد يـسـتـطـيـع صـاحـبـهـا أن 
ينغلق في دائرتها دون اهتمام ƒا يحدث في الدوائر الأخرى G لكـن ا 8ـربـي 
في العصر الحاضر يستحيل عليه ذلك.. يستحيل عليه أن يربي إن لم يكن 
على وعي بسياسة اﻟﻤﺠتمع وباقتصاده وبعقيدته G وبتياراته الفكرية الفرعية 
و ƒجمل ا^دابه وأعرافه G لكنه ـ عملا ـ لا يستطيع أن ينغمس فـي كـل هـذا G 
ومن هنا كان لابد له من الاستناد إلى (خيط) يربط ب f (حبات ا 8سبـحـة) 
وما ذاك إلا من خلال الوعي بالركائز الأساسية للمنظومة الـفـكـريـة الـتـي 
يقوم عليها اﻟﻤﺠتمع وتعيش بها وعليها الأمة. 
ولو تعمد أي واحد منا أن يرجع بذاكرتـه وقـت أن كـان طـفـلا G فـإن لـم 
تسعفه الذاكرة فليسح بنظره ب f أطفال صغار في محيط الأسرة أو الأقارب 
أو الجيران G إذ سوف يجد نفسه أمام »مشروع « فيلسوف كبير.. فيلسوف
فلسفات تربوية معاصرة 
يبدأ بذرة صغيرة G يتصور ‚وها وتطورهـا G فـإذا بـهـا ـ بـفـعـل تـربـيـة غـبـيـة 
مخربة ـ توءد في ا 8هد لينمو الإنسان مبرمجا على مجموعة أفكار ليس له 
إلا أن يرددها دون نقد أو فحص واختبار G إلا من عصم الله. 
إن أطفالنا ـ بفطرتهم التي خلقهم الله عليها ـ يلحون في التساؤل: 
ـ من أين جئنا? ومن جاء بنا? وكيف جئنا? وإلى أين نسيـر? و 8ـاذا هـذا 
وذاك? 
أسئلة فلسفية كبرى G يسارع كثيرون إلى نهي الأطفال عـن طـرحـهـا G أو 
إلى الإجابة العامة أو غير الصحيحة. 
ولا يرى الأطفال أمرا من الأمور إلا ويغرمون بالتساؤل: من هذا? و 8اذا 
حصل هذا? بل يظل الواحد منهم يلاحق الكبار بالـسـؤال الـشـهـيـر (لـيـه?) 
ومهما أجبنا يظل يردد (ليه?) وكأنه يسعى إلى البحث عن (العلل الأولى) أو 
البعيدة. 
لكن التربية غير الواعية تغلق هذا البـاب لـتـضـعـف نـزعـة الـطـفـل إلـى 
التساؤل G هذه النزعة التي هي الطريق إلى النمو الفكري G وهي الطريق إلى 
التمايز والابتكار والإبداع. 
فلسفة التربية: 
أما وقد أوضحنا موقفنا من كل من (الفلسفة) و(التربية) فلر ƒا يكون 
أيسر لنا أن نتوقف وقفة قد تطول بعض الشيء في محاولة 8ناقشـة هـذه 
القضية ا 8ركزية بالنسبة 8وضوعنا: فلسفة التربية. 
وأول ما يستوقفنا هنا هو التساؤل: هل هي فلسفة تربية أو فـلـسـفـات 
تربية? ونبادر إلى القول إن ا 8سألة تختلف باختلاف زاوية الرؤية فإن كـنـا 
نريد مناقشة (اﻟﻤﺠال) أو (النسق ا 8عرفي) فنحن بإزاء (فلسفة الـتـربـيـة) G 
لكننا إذا كنا بإزاء مناقشة (مواقف) 8رب f وفلاسفة و(اتجـاهـات) G فـنـحـن 
أمام (فلسفات للتربية). 
ومن هنا فلأننا في هذا الجزء لا يعنينا التوقف عند هذا ا 8فكر أو ذاك G 
عند هذا ا 8ذهب أو ذاك عنونّا هذا الجزء بـ (فلسفة التربية) G ولأن بقية 
أجزاء الكتاب الحالي عن (مواقف) و(اتجـاهـات) G كـان الـعـنـوان الـرئـيـسـي 
للكتاب هو (فلسفات التربية). 
20
ا فهوم 
وأبسط ما نستطيع تقد ‘ه هنا من معـان لـفـلـسـفـة الـتـربـيـة هـو أنـهـا 
استخدام الطريقة الفلسفية في التفكير والبحث في مناقشة ا 8سائل التربوية 
إن هذا يعني أننا في فلسفة التربية نقوم بجهد عقلي 8ناقشة وتحليل ونقد 
جملة ا 8فاهيم الأساسية التي يرتكز عليها العمل التربوي وذلك مثل: الطبيعة 
الإنسانية ـ النشاط ا 8درسي ـ الخبرة ـ الحرية ـ الثقافة ـ ا 8عرفة.. إلخ. 
وبالإضافة إلى مناقشة (ا 8فاهيم) G ففلسفة التربية تقوم كذلك بتحليل 
21 
ونقد (ا 8شكلات التربوية) با 8نهج نفسه وبالطريقة ذاتها. 
وفضلا عن هذا وذاك تسعى فلسفة التربية إلى مناقشة الافتـراضـات 
الأساسية التي تقوم عليها نظريات التربية سواء من حيث: التـعـلـم/ طـرق 
التدريس/ تنظيم ا 8ناهج/ إدارة التعليم/ تخطيـط الـتـعـلـيـم/ اقـتـصـاديـات 
التعليم/ نظم التعليم اﻟﻤﺨتلفة وهكذا. 
وكما قلنا ونحن نناقش معنى الفلسفة G فإننا نؤكد هنا أن عمليتي التحليل 
والنقد تتمان في ضوء ا 8تغيرات اﻟﻤﺠتمعية. 
والقول باستخدام الطريقة الـفـلـسـفـيـة إ ‚ـا يـعـنـي عـدم الـتـوقـف عـنـد 
الجزئيات والعلل القريبة G وإ ‚ا محاولة إدراك العلاقات ب f عناصر ا 8وقف 
التربوي والغوص في أعماق مايتبدى لنا لنصل إلى الجذور والعلل البعيدة. 
فهناك على سبيل ا 8ثال مشكلة (الدروس الخصوصية).. كيف تتعـامـل 
معها فلسفة التربية? إذا كانت الأشياء تتمايز باضدادها G فلـنـتـسـاءل أولا G 
عن الكيفية التي يتم بها تناول هذه ا 8شكلة من زوايا أخرى. 
هناك من يفسرها بأنها ترجع إلى تـدهـور فـي أحـوال طـلاب الأجـيـال 
الجديدة “ا جعلهم لا ‘يلون إلى الاعتماد على النفس فأصبحوا يريدون 
(الاتكال) على من (يشرَّبهم) ا 8علومات جاهزة? 
وهذا تفسير لا يصمد طويلا أمام ا 8ناقشة G ذلك أن ما يتم في (الدرس 
الخصوصي) شبيه جدا ƒا يتم في قاعة الدرس. 
وهناك من يذهب إلى أن ا 8سألة ترجع إلى ضعف في مرتبات ا 8درس f 
“ا يجعلهم يبحثون عن مصدر ا^خـر لـرفـع مـسـتـوى دخـلـهـم G فـلا يـجـدون 
أمامهم إلا هذه الدروس. 
وقد يكون في هذا التفسير بعض الصحة G لكنه لا يشفي غليلنا 1اما G 
فقد كانت ا 8رتبات قد ‘ا أقل من الا^ن كثيرا G ولم تكن هناك دروس خاصة G
فلسفات تربوية معاصرة 
“ا قد يشير إلى أن هناك متغيرا ا^خر أو أكثر. ور ƒـا تـبـرز هـنـا بـالـذات 
متغيرات متعددة مثل (القوة الشرائية) للعملية ا 8ستخدمة.. التزايد ا 8ستمر 
في طموحات ا 8علم f وأبنائهم وتزايد احتياجاتـهـم G مـثـلـهـم فـي ذلـك مـثـل 
سائر الناس “ا يفرض طلبا مستمرا على زيادة الدخل. 
لكننا نستطيع أن نلحظ معلم f يزداد دخلهم عن طريق بعض الدروس 
لكنهم لا يكادون يقفون عند حد G فكلما أخذوا قالوا: هل من مزيد? 
وهناك من يفسر هذه ا 8شكلة في هذا التكدس في أعداد الطلاب في 
مدارس بعض الدول العربية بحيث يتدنى مستوى الخدمة التعـلـيـمـيـة إلـى 
حد كبير فلا يجد الطالب نفسه مستفيدا من الوقت الذي يقضيه في قاعة 
الدرس فيسعى إلى طلب درس خصوصي. 
وهذا تفسير معقول كذلك G لكننا نرى في بعض قاعات التعليم العـالـي 
أعدادا أكثر دون أن يستشعر معظم الطلاب هنا حاجة للدروس الخصوصية. 
... وهكذا ‘كن الإشارة إلى ما يفسره البعض بأنه (ضعف في تكوين 
معلمي اليوم) أو خلل يعتور مناهج التعليم.. أو سوء إدارة في التعليم... إلخ. 
وفلسفة التربية ترى أن كل هذه العوامل وا 8بررات لا ينـبـغـي أن تـؤخـذ 
فرادى وإ ‚ا هي منظومة متصلة تشير إلى خلل عام في منظومة التـعـلـيـم 
الكلية ينتج أساسا من مصادر تتصل بـ (الاقـتـصـاد) وبـخـلـل فـي مـنـظـومـة 
القيم اﻟﻤﺠتمعية و ƒا يحدث كثيرا من مظاهر (تسييس التعليم) G فضلا عن 
جمود وعجز في الفكر التربوي في كليات ومعاهد إعداد ا 8علم f. 
ففلسفة التربية على هذا تحرص على (النظر الكلي) وتحكيم (البصـر 
الاجتماعي) وتأكيد أهمية (الرؤية من داخل) G ونقـصـد بـهـا تـلـك المحـاولـة 
للوعي بالمحركات الأساسية للعمل التربوي سواء من داخله هو أو من داخل 
البنية اﻟﻤﺠتمعية G كل ذلك في إطار من (التحليل) و(النقد) الـقـائـمـ f عـلـى 
استخدام الأدلة العقلية والبراه f ا 8نطقية G والالتزام الدائم ƒحكية الخبرة 
التربوية على أرض الواقع. 
وهكذا نجد أنه كما أن الفلسفة يتسع نطاقـهـا لـيـشـمـل عـمـوم الخـبـرة 
الكونية والإنسانية G فكذلك فلسفة التربية G يتسع نطاقها ليشمل عموم الخبرة 
التربوية وعلومها كلها G فهناك علوم كما نعلم G كل منها يختص بهذه الجزئية 
أو تلك من عناصر الكون والإنسان: نبات/ حيوان/ طب/ اقتصاد... إلـخ G 
22
ا فهوم 
لكن الفلسفة لا تتوقف عند (النظرة ا 8يكروسكوبية) لـكـل جـانـب مـن هـذه 
الجوانب. إنها مهمة هذه العلوم G لكن ا 8نظومة الكونية والبشرية في خطوطها 
العامة ومساراتها الرئيسية هي موضع اهتمام الفلسفة G وهكذا الشأن بالنسبة 
لفلسفة التربية في التعامل مع عموم العملية التربوية. 
ولأن هناك (علوما) تربوية متعددة مثل (ا 8ناهج) و(طرق تدريس ا 8ـواد 
الدراسية اﻟﻤﺨتلفة) و(التربية ا 8قارنة) و(الإدارة التعليمية) و(علوم النفـس) 
ا 8تصلة بالعملية التربوية و(تاريخ التـربـيـة)... إلـخ ولـكـل مـن هـذه الـعـلـوم 
نظرات ومشكلات ونتائج. 
ولأن كل هذا بالضرورة لابد أن يصب في النهاية في مصب واحد G هو 
شخصية ا 8تعلم كان من ا 8هم للغاية أن يكون هناك قـدر مـن الاتـسـاق بـ f 
هذه ا 8وارد اﻟﻤﺨتلفة حتى لا يصاب ا 8واطن باضطراب وتشتت. 
وهنا نجد أن هذه ا 8همة تقع على عاتق فلسفة التربية G مهمة التنسيـق 
ب f ما يرد من علوم التربية وما يتصل بها.. إنهم يشبهونها هنا بـ (ضابط 
الاتصال) و(ا 8نسق). 
كذلك G فنثرا لتلك العروة الوثقى ب f التربيـة والـفـلـسـفـة G فـإن فـلـسـفـة 
التربية تسعى إلى الاستفادة من تلك الفلسفات الـكـبـرى G ومـن الـنـظـريـات 
الفلسفية التي يبدعها هذا الفيلسوف أو ذاك G بحيث تتساءل: مـاذا يـعـنـي 
هذا النظر الفلسفي بالنسبة للتربية? 
إن هناك من أصحاب هذه ا 8ذاهب والنظريات الفلسفية من يقوم بذلك 
بنفسه كما رأينا عند أفلاطون ـ مثلا ـ وروسو.. لكن هـنـاك مـن لا يـتـعـدى 
النظرة الفلسفية ليبحث عما قد تؤدي إليه عند محاولة النظر في قضيـة 
(التطبيق) G وهنا يتقدم فيلسوف التربية ليحاول ذلك. 
وإذا كان معروفا عن ا 8سائل الفلسفية طبـيـعـتـهـا الخـلافـيـة G فـإن هـذه 
السمة نفسها تتبدى بدرجة أكثر وضوحا في فلسفة التربية G ذلك أننا هنا 
لا نكون فقط أمام تـبـايـن فـي الـعـقـول واخـتـلاف فـي ا 8ـشـارب وتـعـدد فـي 
الاجتهادات على ا 8ستوى الفردي G وإ ‚ا ـ بالإضافة إلـى ذلـك ـ نـكـون أمـام 
اختلاف في الخبرة الثقافية في عمومها G فمسائل التربية ليـسـت مـسـائـل 
عقلية مجردة G ‘كن أن تكون صورتها في هذا البلد مثـل تـلـك G وإ ‚ـا هـي 
تتصل بسلوك أفراد من مجتمع بعينه وبفئات محددة لها أطرها الثقافية 
23
فلسفات تربوية معاصرة 
والحضارية G ومثل هذا وذاك يجعل التباين والاختلاف أكثر وضوحا G ور ƒا 
أشد وطأة. 
صحيح أن فلسفة التربية ر ƒا تكون أكثر حرصا على التناول (العلمي) 
للمسألة التربوية “ا قد يوحي بأن هذا ‘كن أن يقلل من حدة التباينـات 
والاختلافات G لكنها ـ من ناحية أخرى ـ إذ تتصل بواقع بشـري بـعـيـنـه فـإن 
الخبرة البشرية تتباين في اتجاهاتها G وفي منطلقاتها G وفي وسائل التعامل 
معها. 
وقد يثير هذا الأمر تساؤلا يتعلق ƒا قد يبدو من تعارض أو تناقض ب f 
قولنا إن فلسفة التربية تقوم بعملية (تنظير) G وقولنا في الوقت نفسه إنهـا 
لابد أن ترتبط بخبرة تربوية. 
والحق أنه لا تعارض ولا تناقض G فالعلاقة ب f (النظر) و(العمل) ليست 
علاقة تناقض.. إن بينهما اختلافا بطبيعة الحال G لكنه اخـتـلاف يـسـتـلـزم 
التكامل G وا 8سألة هنا أشبه ƒا يحدث في مسألة البحث العلمي G فهو يبدأ 
من ملاحظة واقع ويفترض فروضا G هي بطبيعتها (نظـريـة) لـكـنـه يـخـضـع 
هذه الفروض لاختبار في دنيا الواقع ويجري التجارب ويسوق الأمثلـة مـن 
خبرة الظاهرة ا 8دروسة لكنه لا يقـف عـنـد هـذا الحـد وإ ‚ـا لـيـنـتـهـي إلـى 
(تعميم).. إلى (قانون).. هذا التعميم وهذا القانون هو عملية (تنظير). 
وهكذا يكون التنظير في العمل التربوي G عملية وعي بالقواعد الـعـامـة 
وا 8فاهيم الأساسية وبالعلاقات الرابطة ب f جـزئـيـات الـظـاهـرة الـتـربـويـة 
ا 8عايشة والتي نخبرها في واقع الحياة اليومية. 
كذك فإن قولنا إن فلسفة التربية تعني تطبيق الطريقة الفلسفية علـى 
تناولنا للمسائل التربوية قد يثير تساؤلا خاصا يتصل ƒا أسلفـنـاه مـن أن 
التربية تحتاج إلى (يق f) بينما الطريقة الفلسفية تستند إلى الشك. 
والرأي هنا إ ‚ا يتضح في تنبهنا إلى أن الطريقة الفلسـفـيـة إذا كـانـت 
تتطلب منا شكا G فهذا لا يعني أن نظل في حالة شك دائم في كل ا 8واقف 
والأحوال G وإ ‚ا هو شك مؤقت G نستهدف منه إخضاع الفكرة لمحك الفحص 
والنقد والاختيار G فإذا تأكدنا من صحتها زال الشك واستقر بنا الحال على 
يق f ‘كننا من السلوك القائم على الثقة والاطمئنان. 
بل إننا في التربية أشد حاجة إلى (الشك) G ذلك أننا إذا كنا نسعى G عن 
24
ا فهوم 
طريق العمل التربوي G إلى تصحيح مسار السلوك الإنساني G وإلى بث الوعي 
الاجتماعي وإشاعة الاستنارة G فإن هذا وذاك يستحيل أن يتحقق إلا بإخضاع 
كثير من قيمنا الشخصية والاجتماعية ومفاهيمنا لمحك النقد والتـحـلـيـل. 
وما النقد في حقيقة الأمر إلا افتراض شك G يستتبع بحثا وتفكيرا يفضي 
إلى قرار بالتحس f أو التقبيح. 
وإذا كنا نقول إننا لكي (نسلك) فلابد من أن نستند إلى (يـقـ f) إلا أن 
هذا ليس معناه أن نسير مغمضي الع f (مسـلّم f) G فهذا يق f خادع بقيم 
الحياة الثقافية على أساس هش ويكون أشبه بخريطة خاطئة يستحيل أن 
تصل بالسائر إلى الهدف ا 8طلوب. 
ويتصور بعض الناس أن فلسفة التربية إذا سلموا بأهميتها وضرورتها 
في عصور مضت G إلا أن عصرنا الحاضر ـ هكذا يزعمون ـ قد لا يتحملها 
بحكم توجهاته ومتغيراته. 
ومن الأمثلة التي يسوقونها للتدليل على صحـة مـا يـقـولـون إن الـغـطـاء 
الذي كان على الكون قد انكشف وأصبح التقدم ا 8ذهل للكشوف العـلـمـيـة 
دليلا مستمرا على ضرورة (التفريع) و(التجزيء) و(التخصيص) حتى ‘كن 
أن ندرس الظواهر اﻟﻤﺨتلفة دراسة دقيقة متأنية. 
إن النظر (ا 8يكروسكوبي) إلى الظواهر الكونية والإنسانية هو الطريق 
العلمي الأساسي 8زيد من الوعي بالقوان f والس ž الكونية والإنسانية التي 
25 
1كن الإنسان من مزيد من السيطرة والتسيد على هذه الظواهر. 
ونحن لا ‘كن أن ننكر أهمية التقدم نحو ا 8زيد من (التفريع) و(التجزىء) 
و(التخصيص) لإحراز مزيد من الكشوف العلمية G لكنـنـا نـسـتـنـد إلـى هـذا 
ا 8برر نفسه في القول باشتداد الحاجة إلى فلسفة التربية خاصة G فهنـاك 
فرق يجب أن ننتبه إليه ب f مهمة (البحث) ومهمة (التربية) G فالبحث يكون 
أدق وأعمق G كلما جزأنا G لكن (السلوك) يكون أصوب كلما (جمعنا). 
إن حركة عناصر الكون والإنسان إ ‚ا تتم في صورة (كليات) فالإنسان 
يسلك بكليته وفي تناسق وتا^زر مدهش عجيب ب f مكوناته وأجهزته اﻟﻤﺨتلفة G 
فلا الع f تتحرك وحدها ولا الأذن G ولا القلب ولا العقل.. وهكذا. 
وتربية هذا الإنسان يجب أن تستنـد إلـى هـذا الـسـلـوك (الـكـلـي) “ـا 
يوجب (النظر الكلي).
فلسفات تربوية معاصرة 
وحتى ‘كن أن يكون توجيه السلوك الكلي توجيها سليما وقائمـا عـلـى 
قواعد صحيحة وس ž حقيقية G فإن البحث العلمي مطالب بأن يتناول كـل 
جزئية على حدة كي يصل إلى كل ما يتصل بها. 
ويرتبط بهذا بالضرور ما أصبح يطلق على عصرنا الحالي بأنه عصر 
ا 8علومات فهذا التدفق اللامحدود للمـعـلـومـات يـوجـب بـ f الحـ f والحـ f 
وقفة لا لالتقاط الأنفاس فهذا مستحيل G وإ ‚ا للمراجعة والفحص والنقد 
والحرص G على ألا نفتقد الخيط الأساسي الـذي يـربـط حـبـات ا 8ـسـبـحـة G 
وهذا ما ‘كن أن تقوم به فلسفة كل علم في مواجهة تدفق ا 8عـلـومـات فـي 
مجاله. 
كذلك فإن تدفق ا 8علومات يتضمن تغيرا مستمرا فيما نعرف عن الظواهر 
التربوية اﻟﻤﺨتلفة G والتغير كلما كان متسارعـا G اشـتـدت الحـاجـة مـعـه G كـمـا 
نؤكد دائما G إلى الإمساك بالإطار العام. 
ومن ا 8عروف أن التسارع في معدلات التغير عادة مايكون له أثر سلبي 
في بنية القيم في اﻟﻤﺠتمـع. وهـذا مـاحـدث فـي كـثـيـر مـن اﻟﻤﺠـتـمـعـات فـي 
العقود الأخيرة “ا جعل البعض يتصور أنه G باهتزاز منظومة القيم وتراجع 
كثير منها يصبح الحديث عن فلسفة التربية وكأنه (حلم يقظة) ولسنا فـي 
عصر يسمح بالإغراق في الأحلام. 
ونحن نقول إن هذا أدعى إلى أن يزيد من اهتمامنا بفلسـفـة الـتـربـيـة G 
فمع إقرارنا باهتزاز منظومة القيم وإصابتها بصور خلل واضحة G إلا أننا لا 
نستطيع أن نطمئن إلى تقدم اجتماعي دون الاستناد إلى بنـيـة مـجـتـمـعـيـة 
متماسكة قوية G وما يجعل البنية اﻟﻤﺠتمعية متماسكة هو أن تظللهـا مـظـلـة 
قيمية سوية. 
ونحن لا نزعم أن فلسفة التربية هي التـي سـتـقـوّم الأخلاق G وأنها هـي 
التي ستعيد القيم إلى عرشها G ولكننا نزعم أن ذلك هدف رئيسي لها وجهد 
أساسي مطلوب منها مع وعي بأن ذلك لا يتحقق إلا في ظل بنية مجتمعية 
أساسية سوية. 
فليست العملية التربوية G كما نكرر دائما G مجرد تعليم معلومات G وإ ‚ـا 
هي أولا وبالدرجة الأولى عملية »تنمية بشرية G« وكيف ‘كن لنا أن نطمئن 
إلى تنمية بشرية سليمة إذا افتقدنا (الشـراع) ا 8ـوجـه? G إذا افـتـقـدنـا بـنـيـة 
26
ا فهوم 
27 
متماسكة من القيم السوية? 
وبالإضافة إلى كل ماسبق ر ƒا نكون في حاجة إلى الكشف عـن وجـه 
الحاجة إلى فلسفة التربية بالنسبة لفئات بعينها من ا 8شتغل f بالعمل التربوي G 
حيث قد يسلم البعض بضرورة وأهمية فـلـسـفـة الـتـربـيـة G ولـكـن بـالـنـسـبـة 
للمتخصص f فيها أما بالنسبة لسائر ا 8شتغل f بالتعليم G فهذا ما قد يكون 
بعيدا عن التصور. بل إننا لنذهب إلى ماهو أكثر من ذلك G فنزعم لها أهمية 
وضرورة لا بالنسبة للمشتغل f بالتعليم على وجه العموم وإ ‚ا كذلك بالنسبة 
لفئات أخرى أساسية في اﻟﻤﺠتمع G ولنرى أولا G فئات ا 8شتغل f بالتعليم. 
فهناك رجال الإدارة التعليمية من نظار ومديري مدارس ومديري الإدارات 
وا 8ناطق والقطاعات اﻟﻤﺨتلفة G فهؤلاء إذ يكونـون مـسـؤولـ f عـن إدارة دفـة 
التعليم يصبح من الأهمية ƒكان أن يـكـونـوا عـلـى وعـي كـاف بـالـتـوجـهـات 
العامة وبا 8نطقات الرئيسية وبجملة ا 8فاهيم والقيم الأساسية فـهـي الـتـي 
تحدد أسلوب الإدارة وأهدافها G وهي التي تبرز اتجاهات الحل عند التعامل 
مع ا 8شكلات G وهي التي تع f على الاختيار ب f البدائل لأن الاختيار يقوم 
على معايير ومحكات G وما فلسفة التربية إلا جملة من هذه ا 8عايير والمحكات. 
وهناك مصممو مناهج التعليم G هذا القطـاع الـذي يـعـد (قـلـب) الـعـمـل 
التربوي الأساسي G فهو اﻟﻤﺨتص بالإجابة عن السؤال الشهير: مـاذا نـعـلـم? 
وبقدر قليل من التفكير نـسـتـطـيـع أن نـتـبـ f أن الإجـابـة عـن هـذا الـسـؤال 
تستحيل ما لم نكن على وعي أولا بالإجابة عن سؤال سابق وهو: 8اذا نعلم? 
ففي ضوء هذا ‘كن أن نحدد: هل نعلم هذه ا 8ادة أو تلك? وهل تجىء هذه 
ا 8ادة في مرحلة الأساس أم الثانوي? وهل تقتصر على مرحـلـة واحـدة أم 
تستمر طوال مراحل التعليم? وأي وزن ‘كن أن تحتله هذه ا 8ادة أو تلك من 
جملة الجدول ا 8درسي? وا 8شتغلون با 8ناهج يعلمون جيـدا أهـمـيـة دروسـه 
ومعرفة (أسس) ا 8ناهج أولا G وما الأسـس فـي الأغـلـب والأعـم إلا فـلـسـفـة 
التربية G فضلا عن دراسات علوم النفس. 
ـ أما ا 8علمون G فهم ا 8سؤولون كما نعلم عن خط الإنتاج الأول.. عن تعلم 
التلاميذ G وهم بحكم هذه ا 8سؤولية في حاجة ماسة إلى الـوعـي بـطـبـيـعـة 
هذا ا 8تعلم الذي يتلقى عنهم مقومات وعناصر العملية التربوية. وهم بحكم 
تنفيذهم للمنهج بحاجة إلى الوعي بأسس هذا ا 8نهج وبأهداف ا 8ادة التي
فلسفات تربوية معاصرة 
يقومون بتدريسها. 
وا 8علمون يقومون أثناء تنفيذ ا 8نهج وفي نهايته بتقو  التلاميذ فهل لا 
تعدو مسألة التقو  عملية (امتحان) نتأكد عن طريقها من مدى علم التلاميذ 
ƒا قد حصلوه لنحكم عليهم بالنجاح أو الفشل G أم أنها عملية تتصل ƒجمل 
العملية التربوية للقيام بعملية تغذية مراجعة نعيد فيها النظر في كل الأطراف 
بناء على نتاج التقو ? إن هذا أمر يتعلق أيضا بالغايات... بالفلسفة. 
وا 8علمون هم »وكلاء اﻟﻤﺠتمع « إن صح هذا التعبير »ينشئون « التلامـيـذ 
صغارا حتى يتهيأوا للانخراط في اﻟﻤﺠتمع كبارا G وأمر مثل هـذا يـقـتـضـي 
كذلك وعيا بفلسفة اﻟﻤﺠتمع وبالاتجاهـات وا 8ـقـومـات الأسـاسـيـة كـثـقـافـة 
وبنية القيم فيه. 
ـ ولا يعتبر ولي الأمر بعيدا عن هذا. 
فأيا كان عمله وأيا كان تخصصه G إلا أنه مشارك أساسي في العملـيـة 
التربوية فهو الأب أو الأم في أغلب الأحوال G وهو الراعي من حيث التغذية 
والرعاية الجسدية والنفسية وهو ا 8نفق ماليا... إلخ G وهو بحكم كل هذا لا 
‘كن أن يسير في طريق معاكس لهذا الذي يسير عليه ا 8علمون ومصممو 
ا 8ناهج ومديرو التعليم G وبالتالي فنحـن وإن كـنـا لا نـزعـم ضـرورة دراسـتـه 
لفلسفة التربية G إ ‚ا نحن نؤكد ضرورة »إ 8امه « و »تفهمه « لبعض الخطوط 
العامة حتى ‘كن له أن يعمل في تناسق وانسجام مع كافة الأطراف ا 8سؤولة 
عن تربية أبنائه. 
فإذا جئنا إلى بعض الأطراف الأخرى خارج نطاق العمل التربوي فسوف 
نجد أمامنا فئات ثلاثا أساسية. 
ـ هناك السياسيون خاصة من هم في موقع ا 8سؤولية G فغني عن البيان 
أن التربوي f في مواقع ا 8سؤولية إ ‚ا ينفـذون (سـيـاسـة عـامـة) و(فـلـسـفـة 
رئيسية للمجتمع) G هذه السياسة الـعـامـة بـالـذات لا يـضـعـونـهـا هـم G وإ ‚ـا 
تضعها (القيادة السياسية). وإذا كان التربويون ملزم f بالوعي جيدا بهذه 
السياسة العامة G فلا يقل عن ذلك أهمية G وعي السياسي f بفلسفة التعليم 
حتى يستطيعوا أن يكلفوا مسؤولي التربية ƒهام بعينها وحتى يستطيعوا أن 
يحاسبوا ويقيموا. 
بل إن السياسي f هم الذين يحددون (كم) الإنفاق الكلي على التـعـلـيـم G 
28
ا فهوم 
تلك العملية الأساسية التي قد تؤدي إلى الإسهام في إنجاح العملية التعليمية 
كما أنها قد تصيبها بالشلل. 
ـ أما الإعلاميون G فمن ا 8عروف أن دور الإعـلام G مـشـارك أسـاسـي فـي 
عملية التربية والتنشئة بصفة عامة G بل أصبح معروفا أن تأثير الإعلام قد 
يفوق تأثير ا 8درسة بحكم عوامل كثيرة ليس هنا مجال لـعـرضـهـا G خـاصـة 
بالنسبة للتليفزيون. 
وهذا الاشتراك في مسؤولية التربية والتنشئة يفرض كذلك وعيا بفلسفة 
التعليم في خطوطها الرئيسية حتى يتوافر ماهو مأمول من اتساق وانسجام G 
وإلا فيمكن أن يهدم الإعلام مساءً ما اجتهدت ا 8درسة أو الجامعة في أن 
تبنيه صباحا. 
ـ كذلك نجد أن دعاة الدين مشاركون بدورهم في عمـلـيـة بـنـاء الـبـشـر 
وخاصة في اﻟﻤﺠتمع العربي الذي يلعب فيه الدين دورا رئيسيا في توجـيـه 
السلوك وفي إرساء ا 8نطلقات وتحديد الأهداف والغايات G بل وتوجيه السلوك 
سواء ب f ا 8واطن ونفسه أو ب f ا 8واطـن وغـيـره مـن ا 8ـواطـنـ f. وفـي هـذه 
ا 8رحلة بالذات التي ارتبكت فيها كثير من ا 8فاهيم الدينية وشـاع الـهـجـوم 
بالدين والهجوم عليه تصبح الحاجة ملحة إلى الوعي بفلسفة التربية عسى 
أن يسهم هذا في تصويب ا 8سار عند التعامل دينيا مع الأطفال ومع الشباب 
على وجه العموم. 
وإذا كانت هذه هي (مبررات) الوعي بفلسفة التربية بالنسبـة لأطـراف 
عدة G فإننا نجد أن هناك جملة من ا 8بررات »ا 8شتركة G« وإن شئنا مزيدا من 
الوضوح G جملة من »الفوائد « و »الإيجابيات « التي لا تقتصر عـلـى فـئـة دون 
أخرى سواء بالنسبة للمتخصص f أو غيرهم G نذكر منها: 
ـ فنظرا للطبيعة الخلافية لفلسفة التربية G فإن دراستها تؤدي في أغلب 
الأحوال إلى التيقن من أن ليس هناك »رأي واحد « فزوايا الرؤية مختلفـة G 
والاجتهادات متعددة G وبالتالي فلا داعي لأن يتعصب هذا أو ذاك لرأيه G ولا 
داعي لأن »يكفر « أحد أحدا سواء تكفيرا دينيا أم سياسيا. 
ـ ويترتب على ذلك التيقن من أن (الحوار) هو وسيلة التعامل الأساسية 
التحاور بالأفكار وبا 8صطلحات وبا 8فاهيم G والحرص عـلـى أن تـظـل دائـرة 
الحوار مقتصرة على (ا 8وضوع) لا (الشخص) وما يقتضيه الحوار من لغة 
29
فلسفات تربوية معاصرة 
حديث أو كتابة تتسم بالطهر والنظافة والافتراق بعد الحوار دون تخاصم. 
ـ ودراسة فلسفة التربية من شأنها أن تكون اتجاها فكريا ‘يل بالإنسان 
إلى ألا يقف من الأمور عند حد ما (يبدو) وما (يظـهـر) وإ ‚ـا يـسـعـى إلـى 
محاولة الوصول إلى (ا 8اوراء) “ا يحمل في أغلب الأحوال التفسير الأقرب 
إلى الحقيقة G ومن ثم الإعانة على حسن الفهم. 
ـ ومن شأن محاولة تجاوز (مايظـهـر) لـلـوصـول إلـى (ا 8ـاوراء) أن تـتـيـح 
الفرصة لإدراك ماب f ا 8تفرقات من علاقات. سواء إذا كانت علاقات تأثير 
وتأثر G أو علاقات تضـمـن أو احـتـواء أو تـرادف G وهـذا الـوعـي بـالـعـلاقـات 
القائمة ب f ا 8تفرقات سبيل مهم لدقة الفهم. 
ـ و 1يل فلسفة التربية بدارسها إلى ألا يسلم ƒا يقرأ أو يسمع أو يرى G 
فهو لا ‘ل من طرح هذا التسـاؤل: هـل هـذا صـحـيـح? وهـو مـا يـشـكـل مـا 
نسميه بالنظرة النقدية G تلك النظرة التي تساعد على إزالة معوقات النمو 
الفكري وتغذية العقل بالجديد من الأفكار. 
ـ وإذا كانت دراسة فلسفة التربية تلح بسؤال (هل هذا صحيـح?) فـهـي 
كذلك تلح بسؤال ا^خر مهم وهو 8» اذا? « فمـن شـأن الـطـرح ا 8ـسـتـمـر لـهـذا 
السؤال أنه يعني ضرورة »التعليل «. والتعليل هو الركن أو القدم الثاني ـ مع 
النقد ـ لطرح روح (التسليم) جانبا وبالتالي فهما معا يحيلان الإنسـان مـن 
عنصر »منفعل « إلى عنصر فاعل. 
ـ وليست ا 8سألة هي فقط أن نتساءل: هل هذا صحيح? و 8» اذا? G« إنها 
أكثر من ذلك اتساعا.. إنها بث روح الـتـسـاؤل بـصـفـة عـامـة بـكـافـة أدوات 
التساؤل ا 8عروفة: هل? كيف? أين? من? متى?.. وهكذا فكلما طرح تساؤل G 
فمعنى ذلك جهد للإجابة G وهذا يـعـنـي مـزيـدا مـن الـوضـوح أو مـزيـدا مـن 
إضافة أفكار جديدة G أو زوايا أخرى G ومن شأن هذا كـلـه أن يـغـنـي الـفـكـر 
ويغذي العقل. 
ـ كذلك فإنها تساعد دارسها على أن يكون حريصا أشد الحرص علـى 
التحديد الدقيق للمفاهيم ا 8ستخدمة G سواء من جـانـبـه هـو أو مـن جـانـب 
ا^خرين حتى يتوافر القدر الأساسي من الوضوح G فكم من معارك نشبت G لو 
حللناها تحليلا دقيقا فسوف نجد أن جزءا كبيرا منها إ ‚ا يعود إلى عدم 
الاتفاق على الوضوح الفكري G ونشير إلى الوضوح لا إلى تطابق ا 8فاهيم G 
30
ا فهوم 
لأن هذا احتمال قد يكون بعيدا في بعض الأحوال G لكن ما لابد منه هو أن 
يعرف كل طرف ا 8عنى الدقيق 8ا يقوله هو أو يقوله الطرف الا^خر. 
ـ وبعض الناس قد لا يحفلون ƒسألة تحديـد الـهـدف مـقـدمـا “ـا قـد 
يوقعهم في التخبط ويهدر كثيرا من الوقت والجهد بلا نتيجة ملموسة G مع 
أننا نعلم جيدا أن إحدى سمات الإنسان ككائـن حـي أنـه قـد وهـب الـقـدرة 
على تحديد الهدف وتصوره وتغييره واختيار الوسائل ا 8ناسبة وفقا لتغـيـر 
الظروف والأحوال والإمكانات ا 8توافرة. 
ونحن لا ننكر أنه في كافة اﻟﻤﺠالات G هناك تأكيد على ضرورة تحديد 
الهدف ولكننا نشير هنا إلى أن هذه ا 8سألة بالنسبة لفلسفة التربية (عمل 
أساسي) ومهمة رئيسة G من مهامها. ولا شك أن الحرص الدائم على تحديد 
الأهداف من شأنه أن يع f الإنسان على تحديد ا 8سار والإمكانات ا 8طلوبة 
ووسائل التنفيذ G بل والتوقيتات اللازمة G وكل هذا يؤدي من غير شـك إلـى 
الاقتصاد في الإنفاق ا 8ادي والإنفاق الإنساني. 
ـ والقدرة على تحديد الهدف تع f غالبا الإنسان على الاختيار القيمي G 
وذلك الاختيار الذي قد يصيب الإنسـان أحـيـانـا بـالـتـردد G وقـد يـصـل إلـى 
درجة التوقف: هل يقدم هذه القيمة أم تلك? وما حساب الخسائر والأرباح? 
ـ وكل ما سبق يساعد إلى حد كبير على إزالة مظاهر وصور التناقـض 
التي قد تفقد الحياة الثقافية صحتها وتبلبل العقول والخواطر وتبذر بذور 
الصراع والف  . 
وبعد هذه الوقفة الطويلة نسبيا أمام ضـرورة وأهـمـيـة دراسـة فـلـسـفـة 
التربية G نجد عددا من القضايا التي تحتاج G لا نقول إلى (حسم) وإ ‚ا إلى 
عرض وجهة نظرنا G منها: 
من أين نبدأ فلسفة التربية? ذلك أن هناك بعضا يرى أن البداية تكون 
ƒناقشة وتحليل ا 8شكلات والخبرات التربوية G بينما يذهـب بـعـض ا^خـر G 
إلى ضرورة أن نلجأ إلى ا 8سائل وا 8شكلات الفلسفية ثم نبحث عن دلالاتها 
وتطبيقاتها التربوية. 
والسبيل الأول هو الأقرب إلى الواقعية G وإلى إقدار فلسفة التربية على 
أن تكون قوة تغيير مجتمعي لا مجرد رياضة عقلية في مسائل تربوية. 
لكن هذا لا ينبغي أن يعني بالضرورة التغافل عن تلك النظرات والجهود 
31
فلسفات تربوية معاصرة 
الفكرية التي بذلها الفلاسفة G إذ من الضروري »الاستفادة « بها والاستعانة 
بطريقة الفيلسوف في مواجهة ا 8سألة التربوية. 
وفلسفة التربية إذ تبدأ من واقع ا 8سألة التربوية G فـلـكـي تـعـيـنـنـا عـلـى 
فهمه ومواجهته G لكن الهدف الأكبر من هذه العملية هو استشراف ا 8ستقبل G 
ففلسفة التربية بطبيعتها إذن عملية (مستقبلية) G فهي إذ تسعى إلـى رسـم 
صورة 8ا ينبغي أن يكون G فإن ذلك يعني سعيها إلى رسم صورة للمستقبل. 
والبدء بالواقع ومواجهته والاشتبـاك مـع هـمـومـه ومـشـكـلاتـه يـقـتـضـي 
»العلمية «. وليست العلمية هنا تعاملا مع أجهزة بحث في معمل G وإ ‚ا هي 
علمية ا 8نهج من حيث دقة استخدام ا 8فاهـيـم وا 8ـصـطـلـحـات G ومـن حـيـث 
الاستناد إلى الخبرة في الحكم على مدى صحة الأفكار G من حيث الاتساق 
ا 8نطقي وتوافر الدليل ا 8نطقي ومن حيث ا 8رونة والاستعداد للتخـلـي عـن 
الفكرة إذا ثبت عدم صحتها G وهكذا “ا هو مـعـروف مـن أصـول وقـواعـد 
الطريقة العلمية للتفكير. 
ونحن هنا لا نقر ذلك التقابل الذي يدرس كثيرا في بعض كتب الفلسفة 
لطلابنا ب f (الطريقة الفلسفية) و(الطريقة العلمية) في التفكيـر G لا نـقـره 
من حيث الإيحاء بأن الدراسة الفلسفية ملزمة بالطريقة الأولى وأن الدراسات 
الأخرى هي اﻟﻤﺨتصة بالثانية G فمع التسليم بوجود ( 1ايز) بيـنـهـمـا G إلا أن 
هذا لا يستتبع بالضرورة اختيارا بينهما G إما هذه وإما تلك. 
وبالتالي فقولنا بضرورة (علمية) فلسفة التربية لا يعني أن تتخلى عـن 
(التأمل) كنهج أساسي G فالتأمل ضرورة لا غنى عنها وليس الـتـأمـل دائـمـا 
كما يتصور البعض مجرد (سبحات خيال) وإ ‚ا هو سباحة عقلية تنـطـلـق 
من معطيات واقع صحيح.. أن تستخدم (الخـيـال) لـكـنـه خـيـال مـضـبـوط G 
خيال الإبداع والابتكار وليس خيال أحلام النوم. 
والاعتراف بأهمية (التأمل) في فلسفة التربية يبرز لنا قضـيـة مـهـمـة G 
ذلك أن قولنا يبدأ فلسفة التربية من واقع الخبرة G وبانتهاجها نهجا علميا 
إ ‚ا يعني أنها لا تتعامل لا من قريب ولا من بعيد مع ا 8سائل ا 8يتافيزيقية. 
وإذا كـانـت مـذاهـب كـثـيـرة قـد نـأت فـي الـعـهـود الأخـيـرة بـالـفـعـل عــن 
ا 8يتافيزيقا G فإن فلسفة التربية هي الأخرى G بحكم وظيفـتـهـا قـد لا تـكـون 
معنية بطريقة مباشرة با 8باحث الخاصة بالـكـون وبـأصـل الـوجـود وخـلـقـه 
32
ا فهوم 
ومصيره وتكوينه G لكنها لا تستطيع أن تنعزل 1اما عن هذا G فمهما خاصم 
مفكرون ا 8يتافيزيقا G إلا أنهم بطريقة أو بأخرى لابد أن يكون لهم موقف 
من هذه ا 8سائل. وبالنسبة لفلسفة التربية فقد لا تعنى هي بالـبـحـث فـي 
هذا لأنه يخرج عن نطاقها G لـكـنـهـا لا تـسـتـطـيـع إلا أن تـسـتـنـد إلـى نـظـرة 
فلسفية في الكون/ الحياة/ الإنسان G قد تكـون هـذه الـنـظـرة نـظـرة (ديـن) 
بعينه وقد تكون نظرة مذهب أو مفكر G وفقا 8ا سبق أن أكدنا بأن التربية لا 
تستطيع ألا تكون »مؤدلجة « أي منطلقة من (أيديولوجيا) ومن ضمن أركان 
الأيديولوجيا G تحديد ا 8وقف من مثل هذه القضايا. 
- ما موقع فلسفة التربية من علوم التربية? وما موقعها من الدراسات 
الفلسفية? 
إذا كنا قد اتفقنا على عناية فلسفة التربية بتحديد ا 8نطلقات الأساسية 
التي يقوم عليها العمل التربوي G يصبح هذا النسق ا 8عرفي هو »ا 8ايسترو « 
ـ إن صح هذا التعبير بالنسبة ﻟﻤﺨتلف تخصصات العلوم الـتـربـويـة دون أن 
يعني هذا معنى من معاني الهيمنة والسيطرة. 
وفلسفة التربية تندرج عادة تحت مظلة مايسمى في العلوم التربوية بــ 
33 
(أصول التربية) G بل قد تتطابق عند البعض معها. 
والحق أن هذا ا 8صطلح (أصول التربية) أصبح بحاجـة إلـى ا 8ـواجـعـة G 
فقد كان يعني: الأصول الفلسفية والاجتماعية والاقـتـصـاديـة والـتـاريـخـيـة 
والنفسية للتربية. 
وقد أصبح كل أصل من هذه الأصول (علما) قائما بذاته G فصار هناك 
(اقتصاديات التعليم) و(اجتماعيات التربية) و(تاريخ التربية) G و(علوم النفس). 
وهكذا حيث لم يبق بالساحة إلا (الأصول الفلسفية) التي عنى بها كثيرون 
(فلسفة التربية). 
ومن ثم فيبدو أن الضرورة ملحة الا^ن لكي نتخلى عن مصطلح (أصول 
التربية) كاسم نسق معرفي قائم بذاته G لتبقى لنا (فلسفة الـتـربـيـة) نـسـقـا 
قائما بذاته G تشارك مع الأنساق الأخرى التي أشرنا إليها في تحقيق الهدف 
ا 8راد من (أصول التربية) بحيث يصبح هذا ا 8صطلح اسما (ﻟﻤﺠال) يـضـم 
عدة أنساق. 
أما بالنسبة للدراسات الفلسفية G فإن فلسـفـة الـتـربـيـة تـقـع فـي نـطـاق
فلسفات تربوية معاصرة 
ماهو معروف في هذه الدراسات باسم (فلسفات العلوم) G فهناك كما نعلم 
فلسفة للتاريخ G وفلسفة للعلوم G وفلسفة للاجتماع G وهكذا. 
لكن هذا لا يعني تباعد فلسفة التربية عن بعض القطاعات الفلسفية G 
فهي بحكم وظيفتها تجد أنه لابد لها من الاستعانة با 8باحث الفلسفية في 
نظرية ا 8عرفة G حيث إن من مهام التربية الأساسية (التعليم) والتعليم يعني 
موقفا من مصدر ا 8عرفة ماهو? وهل هي “كنة أم لا? وما درجة اليق f 
فيها وبأي الوسائل تتم ا 8عرفة? وما طبيعتها?... وهكذا. 
وكذلك فإن عملية التعليم لا تعنى ƒادة ا 8عرفة ومحتواها فقط G وإ ‚ا 
تعنى كذلك بالطريقة G وإذا قلنا (الطريقة) نجد أنفسنـا قـد طـرقـنـا بـاب 
(ا 8نطق) أياً كان ا 8نحى الذي نتناوله به. 
أما (الأخلاق) فهي غنية عن البيان من حيث صلتها بالعـمـل الـتـربـوي G 
إلى الدرجة التي ‘كن عندها أن نقول G إنها من (ا 8ناطق ا 8شتركة)! 
- ماعلاقة فلسفة التربية بكل من فلسفة اﻟﻤﺠتمع وسياسة التعليم? 
الحق أنه ‘كن القول بأننا أمام هـذه الـقـطـاعـات الـثـلاثـة G نـكـون أمـام 
مستويات متدرجة: 
فإذا كانت فلسفة التربية تحدد ا 8نطلقات الفكرية للعمل التربوي فإن 
العمل التربوي G إ ‚ا هو عمل منظومة فرعية من جملة ا 8نظومات ا 8ـكـونـة 
للمنظمة اﻟﻤﺠتمعية الكلية G ƒا تشـمـلـه مـن مـنـظـومـة سـيـاسـيـة ومـنـظـومـة 
اقتصادية ومنظومة ثقافية G وهكذا. 
وا 8نظومة التربوية G على هذا الأساس لابد أن تعمل في تناغم واتساق 
مع سائر ا 8نظومات الاجتماعية G “ا يستتبع حتمية الاستناد إلى منطلقات 
مجتمعية عامة هي التي تشكل ما نسميه بفلسفة اﻟﻤﺠتمع. 
إنه إذا كان على كل أمة أن تحدد أهدافها الكلية وتطلعاتها ا 8ستقبليـة 
ونهجها العام G فإنه “ا يخص العامل f في القطاع التربوي G أن يحددوا بناء 
على هذا.. ماذا تعني هذه الفلسفة اﻟﻤﺠتمعية بالنسبة لهم? أو ƒعنى ا^خر 
ما الدور الذي ‘كن أن يقوم به النظام التـربـوي لـتـحـقـيـق هـذه الـفـلـسـفـة 
العامة? وتكون الإجابة عن هذا السؤال من شق f: 
الشق الأول يتمثل في صورة »منطلقات تربوية « تحدد ا 8فاهيم الأساسية 
والقيم الرئيسية وقواعد وأصول التناول النقدي 8شكلات التعليم G وكيفيـة 
34
ا فهوم 
مناقشة الافتراضات الأساسية للنظريات ا 8تداولة في العمل التربوي (وهذا 
هو ما اصطلحنا على تسميته بفلسفة التربية). 
الشق الثاني وهو يتمثل في صورة (مسارات) مقترحة و(توجهات) توضع 
أمام ا 8نفذين وهي ما نسميه بـ (السياسة التعليمية) G فهي إذن تشكل ا 8ستوى 
الثالث حيث 1ثل فلسفة اﻟﻤﺠتمع (ا 8ستوى الأول) و 1ثـل فـلـسـفـة الـتـربـيـة 
(ا 8ستوى الثاني). 
ولذلك تكون سياسة التعليم معرضة للتـغـيـر مـن فـتـرة لأخـرى G بـعـكـس 
فلسفة التربية التي تتميز بقدر من الثبات النسبي G فإذا كان لسياسة التعليم 
أن تتغير بتغير »سلطة التعليم G« فإن فلسفة التربية قد لا تتغير إلا بتغـيـر 
القيادة السياسية نفسها. 
- ما السبيل الأفضل لدراسة فلسفة التربية? 
الحق أنه من العسير أن نقول إن هناك سبيلا أفضـل مـن غـيـره G فـهـي 
سبل ومناح تنتهي إلى تحقيق الهدف نفـسـه مـن زوايـا مـخـتـلـفـة. أمـا هـذه 
السبل فهي ـ غالبا ـ ما تنحصر في ثلاث: 
- قد تتم دراسة فلسفة التربية عن طريق دراسة جملة الأفكار وا 8فاهيم 
الأساسية G كتحديد ا 8وقف من (طبيعة الإنسان) ـ الأهداف التربوية ـ الحرية 
ـ القيم. 
- وقد تتم عن طريق (شخصيات) تتمثل في عدد من فلاسفة الـتـربـيـة 
ذوي الأثر الواضح في هذا اﻟﻤﺠال: رسـل/ ديـوي/ فـريـري/ “ـكـارنـكـو... 
إلخ. 
- وقد تتم عن طريق (مدارس) و(اتجاهات) وهو السبيل الذي نتبناه في 
كتابنا الحالي G فندرسها عن طريق دراسة عدد مـن الـفـلـسـفـات وا 8ـذاهـب 
ذات الإسهام التربوي: كالبراجماتية مثلا.... وهكذا. 
35
فلسفات تربوية معاصرة 
36 
المراجع 
1- Bowyer, C. H: Philosophical Perspectives for Education IIIinois, Scott, Foresman  Comp, 1970 
2- Broudy, H.S: Building a Philosophy of Education, New Delhi, Printice-Hall, 1965. 
3- Dupuis, A.M  Nordberg, R.B: Philosophy and Education U.S.AThe Bruce Publishing Comp, 
1968. 
4- Kilpatrick, W.H: Philosophy of Education, W.Y, The Macmillan Company, 1951. 
5- Lucas, C.J: What is Philosophy of Education? London, The Macmillan Comp, 1969. 
6- Moore, T.W: Philosophy of Education, An Introduction, London, Routledge  Kegan Paul, 1982. 
7- Ozman, HCraver, S: Philosophical Foundations of Education Columbus, Ohio, Charles E., Merrill 
Publishing Comp, 1976. 
8- Peterers, R.S (ed): The philosophy of Education, London, Oxford Unir Press, 1980. 
9- Strain, J.P: Modern Philosophies of Education, New York Rondm House, 1971. 
ـ جون ديوي: الد ‘قراطية والتربية G ترجمة متى عقراوي وزميله G القاهرة G لجنة التأليف والترجمة 
والنشر G ١٩٥٤ . 
ـ سعيد إسماعيل علي وا^خرون: دراسات في فلسفة التربية G القاهرة G عالم الكتب G ١٩٨١ . 
ـ صادق سمعان: الفلسفة والتربية G محاولة لتحديد ميدان فلـسـفـة الـتـربـيـة G الـقـاهـرة G الـنـهـضـة 
العربية G ١٩٦٢ . 
ـ فيليب فينكس:فلسفة التربية G ترجمة محمد لبيب النجيحـي G الـقـاهـرة G دار الـنـهـضـة الـعـربـيـة G 
١٩٦٥ . 
ـ محمد الهادي عفيفي: في أصول التربية G الأصول الفلسفية G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية G ١٩٨٠ . 
ـ محمد لبيب النجيحي: مقدمة في فلسفة التربية G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية ١٩٦٧ . 
ـ نيللر. ج. ف: مقدمة إلى فلسفة التربية G ترجمة نظمي لوقا G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية G ١٩٧١ . 
ـ هاني عبدالرحمن صالح: فلسفة التربية G عمان G مطبعة الجيش العربي G ١٩٦٧ .
فلسفة التربية البراجماتية 
فلسفة التربية البراجماتية 
37 
أولا ـ الأصول الاجتماعية والفلسفية 
١ ـ الأصول الاجتماعية: 
تعد الظروف الاجتماعية التي اكتنفـت ازدهـار 
التفكير الفلسفي في أمريكا الشمالية G ظروفا فريدة 
في التاريخ الإنساني G اللهم إلا إذا قارناها بظروف 
القرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية G فعلى أرض 
هذه القارة G التقت جماعات من مخـتـلـف أصـقـاع 
العالم G وعولت عـلـى أن تـشـكـل أمـة جـديـدة. وفـي 
أرض هذه القارة G بذرت معا بذور التقاليد الثقافية 
الوافدة من أقـصـى الأقـالـيـم وا 8ـنـحـدرة مـن أبـعـد 
العـصـور G وسـرعـان مـا أيـنـعـت ثـمـارهـا مـعـا G ومـن 
الخامات ا 8ستوردة G Š نسج الفكر الأمريكي. 
وفي الحق أن ظروف تجارة أوروبا ذاتها كانـت 
قد بدأت تتطور فـي مـيـاديـن نـشـاطـهـا الـسـيـاسـي 
والاقتصادي والاجتماعي والديني G وترتب على ذلك 
ظهور رغبة واضحة عند أعداد كبيرة نحو البحث 
عن مصادر الثروة G وعن مظلات الحرية G في خارج 
الـيـابـس الأوروبـي. ومـعـنـى ذلـك أن الحــاجــة إلــى 
الأوطان الجديدة غير ا 8سكونة قد بدأت تجـتـذب 
أنظار هؤلاء الذين كانوا على قدم الاستعداد للرحيل 
إلى أوطان جـديـدة فـي الخـارج. و ‘ـكـن الـقـول إن 
2
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198
198

More Related Content

What's hot

ملخصاااتي في علوم التربية
ملخصاااتي في علوم التربية ملخصاااتي في علوم التربية
ملخصاااتي في علوم التربية Eit Elaarif Mohajir
 
خدمات المتاحف الذكية.pptx
خدمات المتاحف الذكية.pptxخدمات المتاحف الذكية.pptx
خدمات المتاحف الذكية.pptx
issamar melhem
 
الابتكار التعليمي Education Innovation
الابتكار التعليمي Education Innovationالابتكار التعليمي Education Innovation
الابتكار التعليمي Education InnovationZahraRawahi
 
الإرشاد المدرسي
الإرشاد المدرسيالإرشاد المدرسي
الإرشاد المدرسيSehamsaeed
 
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية - التحول الرقمي الذكي -
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية  - التحول الرقمي الذكي -التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية  - التحول الرقمي الذكي -
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية - التحول الرقمي الذكي -
Aboul Ella Hassanien
 
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdfالتشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
TarikIbnZiadSecteurs
 
خطة ادارة مشروع التوحد
خطة ادارة مشروع التوحد خطة ادارة مشروع التوحد
خطة ادارة مشروع التوحد
امل العايد
 
مقدمة لدورة الهوية المؤسسية
مقدمة لدورة الهوية المؤسسيةمقدمة لدورة الهوية المؤسسية
مقدمة لدورة الهوية المؤسسية
Prof. Akram Hassan PhD,MBA,PMP,OPM3
 
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدنيالتشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
SAKRAFI RIDHA
 
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدانمقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
Mohammed Azab
 
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهمأساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
رؤية للحقائب التدريبية
 
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
Mohamad Tantawy, MBA, PMP, MCT
 
comparison of electronic learning and traditional learning
comparison of electronic learning and traditional learningcomparison of electronic learning and traditional learning
comparison of electronic learning and traditional learning
Shatha Al
 
ورقة بحثية بعنوان
ورقة بحثية بعنوانورقة بحثية بعنوان
ورقة بحثية بعنوان
عبدالقادر قدوري
 
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائجدليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
Feras Al husami فراس فهد الحسامي
 
مهارات لغة الجسد.pptx
مهارات لغة الجسد.pptxمهارات لغة الجسد.pptx
مهارات لغة الجسد.pptx
DrSaraHelal
 
TCF CANADA
TCF CANADATCF CANADA
TCF CANADA
RanyaJhinaoui
 
مفهوم المعرفة وانواعها
مفهوم المعرفة وانواعهامفهوم المعرفة وانواعها
مفهوم المعرفة وانواعها
Majed Abusharha
 

What's hot (20)

ملخصاااتي في علوم التربية
ملخصاااتي في علوم التربية ملخصاااتي في علوم التربية
ملخصاااتي في علوم التربية
 
استراتيجية التعلم التعاوني
استراتيجية التعلم التعاونياستراتيجية التعلم التعاوني
استراتيجية التعلم التعاوني
 
خدمات المتاحف الذكية.pptx
خدمات المتاحف الذكية.pptxخدمات المتاحف الذكية.pptx
خدمات المتاحف الذكية.pptx
 
الابتكار التعليمي Education Innovation
الابتكار التعليمي Education Innovationالابتكار التعليمي Education Innovation
الابتكار التعليمي Education Innovation
 
الإرشاد المدرسي
الإرشاد المدرسيالإرشاد المدرسي
الإرشاد المدرسي
 
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية - التحول الرقمي الذكي -
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية  - التحول الرقمي الذكي -التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية  - التحول الرقمي الذكي -
التحول الرقمى والتكنولوجيات الذكية - التحول الرقمي الذكي -
 
مشكلات التعبير الشفهي
مشكلات التعبير الشفهيمشكلات التعبير الشفهي
مشكلات التعبير الشفهي
 
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdfالتشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
التشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة.pdf
 
خطة ادارة مشروع التوحد
خطة ادارة مشروع التوحد خطة ادارة مشروع التوحد
خطة ادارة مشروع التوحد
 
مقدمة لدورة الهوية المؤسسية
مقدمة لدورة الهوية المؤسسيةمقدمة لدورة الهوية المؤسسية
مقدمة لدورة الهوية المؤسسية
 
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدنيالتشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
التشبيك و التنسيق بين منظمات المجتمع المدني
 
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدانمقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
مقياس القائد النموذجي - د. طارق السويدان
 
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهمأساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم
 
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
SWOT Analysis and TWOS Matrix (Arabic Native)
 
comparison of electronic learning and traditional learning
comparison of electronic learning and traditional learningcomparison of electronic learning and traditional learning
comparison of electronic learning and traditional learning
 
ورقة بحثية بعنوان
ورقة بحثية بعنوانورقة بحثية بعنوان
ورقة بحثية بعنوان
 
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائجدليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
دليل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وقياس النتائج
 
مهارات لغة الجسد.pptx
مهارات لغة الجسد.pptxمهارات لغة الجسد.pptx
مهارات لغة الجسد.pptx
 
TCF CANADA
TCF CANADATCF CANADA
TCF CANADA
 
مفهوم المعرفة وانواعها
مفهوم المعرفة وانواعهامفهوم المعرفة وانواعها
مفهوم المعرفة وانواعها
 

Similar to 198

المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةHassan Kourani
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثHassan Kourani
 
Concept sciences d'education
Concept sciences d'educationConcept sciences d'education
Concept sciences d'educationAhmed Outizgui
 
108
108108
120
120120
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظحمدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
Sihamid2
 
60807981.ppt
60807981.ppt60807981.ppt
60807981.ppt
ssuser37fc74
 
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
Yazan Maswadeh
 
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاينمحاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
Abde Lmajid
 
الدرس الرابع
الدرس الرابعالدرس الرابع
الدرس الرابعsama4457
 
Résumé ibdaa p3
Résumé ibdaa p3Résumé ibdaa p3
Résumé ibdaa p3Yacin Ahmed
 
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdfتقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
الفهرس العربي الموحد
 
مدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطقمدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطق
سراج منير
 
ماقل ودل في التربية.pdf
ماقل ودل في التربية.pdfماقل ودل في التربية.pdf
ماقل ودل في التربية.pdf
MohamedEsseouaby
 
044
044044

Similar to 198 (17)

المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
 
Concept sciences d'education
Concept sciences d'educationConcept sciences d'education
Concept sciences d'education
 
108
108108
108
 
Didactique
DidactiqueDidactique
Didactique
 
120
120120
120
 
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظحمدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
مدخل_إلى_الديداكتيك-1)االىالتمنكمخظمززظح
 
60807981.ppt
60807981.ppt60807981.ppt
60807981.ppt
 
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
Collapse of Evolution 20 questions Ar هدم نظرية التطور في عشرين سؤال - هارون ...
 
جون ديوي
جون ديويجون ديوي
جون ديوي
 
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاينمحاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
محاورة جون سيرل أو حول فيتجنشتاين
 
الدرس الرابع
الدرس الرابعالدرس الرابع
الدرس الرابع
 
Résumé ibdaa p3
Résumé ibdaa p3Résumé ibdaa p3
Résumé ibdaa p3
 
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdfتقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
تقرير ندوة نحو صناعة مسرح الطفل.pdf
 
مدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطقمدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطق
 
ماقل ودل في التربية.pdf
ماقل ودل في التربية.pdfماقل ودل في التربية.pdf
ماقل ودل في التربية.pdf
 
044
044044
044
 

More from kamal kamal

Arriyadiate niveau 6 primaire
Arriyadiate niveau 6 primaireArriyadiate niveau 6 primaire
Arriyadiate niveau 6 primaire
kamal kamal
 
Arabia niveau 6 primaire
Arabia niveau 6 primaireArabia niveau 6 primaire
Arabia niveau 6 primaire
kamal kamal
 
Wahda 888 222
Wahda 888 222Wahda 888 222
Wahda 888 222
kamal kamal
 
Wahda 888 111
Wahda 888 111Wahda 888 111
Wahda 888 111
kamal kamal
 
Wahda777 222
Wahda777 222Wahda777 222
Wahda777 222
kamal kamal
 
Wahda777 111
Wahda777 111Wahda777 111
Wahda777 111
kamal kamal
 
Wahda666 222
Wahda666 222Wahda666 222
Wahda666 222
kamal kamal
 
Wahda 666 111
Wahda 666 111Wahda 666 111
Wahda 666 111
kamal kamal
 
Wahda 555 222
Wahda 555 222Wahda 555 222
Wahda 555 222
kamal kamal
 
Waha555 111
Waha555 111Waha555 111
Waha555 111
kamal kamal
 
Almoursalate partie 333
Almoursalate partie 333Almoursalate partie 333
Almoursalate partie 333
kamal kamal
 
Almoursalate partie 222
Almoursalate partie 222Almoursalate partie 222
Almoursalate partie 222
kamal kamal
 
Almoursalate partie 111
Almoursalate partie 111Almoursalate partie 111
Almoursalate partie 111
kamal kamal
 
Sourate almoulke partie 333
Sourate almoulke partie 333Sourate almoulke partie 333
Sourate almoulke partie 333
kamal kamal
 
Sourate alkalame partie 3
Sourate alkalame partie 3Sourate alkalame partie 3
Sourate alkalame partie 3
kamal kamal
 
Sourate alkalame partie 2
Sourate alkalame partie 2Sourate alkalame partie 2
Sourate alkalame partie 2
kamal kamal
 
Sourate alkalame partie 1
Sourate alkalame partie 1Sourate alkalame partie 1
Sourate alkalame partie 1
kamal kamal
 
Sourate aljine partie 3
Sourate aljine partie 3Sourate aljine partie 3
Sourate aljine partie 3
kamal kamal
 
Sourate aljine partie 2
Sourate aljine partie 2Sourate aljine partie 2
Sourate aljine partie 2
kamal kamal
 
Sourate aljine partie 1
Sourate aljine partie 1Sourate aljine partie 1
Sourate aljine partie 1
kamal kamal
 

More from kamal kamal (20)

Arriyadiate niveau 6 primaire
Arriyadiate niveau 6 primaireArriyadiate niveau 6 primaire
Arriyadiate niveau 6 primaire
 
Arabia niveau 6 primaire
Arabia niveau 6 primaireArabia niveau 6 primaire
Arabia niveau 6 primaire
 
Wahda 888 222
Wahda 888 222Wahda 888 222
Wahda 888 222
 
Wahda 888 111
Wahda 888 111Wahda 888 111
Wahda 888 111
 
Wahda777 222
Wahda777 222Wahda777 222
Wahda777 222
 
Wahda777 111
Wahda777 111Wahda777 111
Wahda777 111
 
Wahda666 222
Wahda666 222Wahda666 222
Wahda666 222
 
Wahda 666 111
Wahda 666 111Wahda 666 111
Wahda 666 111
 
Wahda 555 222
Wahda 555 222Wahda 555 222
Wahda 555 222
 
Waha555 111
Waha555 111Waha555 111
Waha555 111
 
Almoursalate partie 333
Almoursalate partie 333Almoursalate partie 333
Almoursalate partie 333
 
Almoursalate partie 222
Almoursalate partie 222Almoursalate partie 222
Almoursalate partie 222
 
Almoursalate partie 111
Almoursalate partie 111Almoursalate partie 111
Almoursalate partie 111
 
Sourate almoulke partie 333
Sourate almoulke partie 333Sourate almoulke partie 333
Sourate almoulke partie 333
 
Sourate alkalame partie 3
Sourate alkalame partie 3Sourate alkalame partie 3
Sourate alkalame partie 3
 
Sourate alkalame partie 2
Sourate alkalame partie 2Sourate alkalame partie 2
Sourate alkalame partie 2
 
Sourate alkalame partie 1
Sourate alkalame partie 1Sourate alkalame partie 1
Sourate alkalame partie 1
 
Sourate aljine partie 3
Sourate aljine partie 3Sourate aljine partie 3
Sourate aljine partie 3
 
Sourate aljine partie 2
Sourate aljine partie 2Sourate aljine partie 2
Sourate aljine partie 2
 
Sourate aljine partie 1
Sourate aljine partie 1Sourate aljine partie 1
Sourate aljine partie 1
 

198

  • 1. ABCDEFG 198 فلسفات تربوية معاصرة تأليف د. سعيد إسماعيل علي X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ cab
  • 2. acb X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠ 198 فلسفات تربوية معاصرة تأليف د. سعيد إسماعيل علي ABCDEFG uO½u¹ 1995
  • 3. M M M M مقدمـة ٥ الفصل الأول: ا فهوم ٩ الفصل الثاني: فلسفة التربية البرجمانية ٣٧ الفصل الثالث: الإتجاه النقدي ١١٩ الفصل الرابع: تربية للتحرير ١٦٣ الفصل الخامس: اللامدرسية ١٩٣ خا 1ــة ٢٢٣ ا 8ؤلف في سطور ٢٢٩
  • 4.
  • 5. مقدمــة عندما انتهيت من دراسة الفلسفة على مستوى ا 8ـرحـلـة الجـامـعـيـة الأولــى G واقــتــضــت الــظــروف استمرار مسيرة التعلم على طريق العلوم التربوية G كان من العلوم التي لابد من دراستها (تاريخ التربية) G فلما أقبل أستاذنا G وأعلن أن هذا الـعـلـم سـنـدرس فيه ا^راء كبار مفكري العالم في ا 8سائل والقضايـا التربوية G مثل سقراط وأفـلاطـون وأرسـطـو وجـون لوك وجان جاك روسو... إلخ G شـعـرت بـشـيء مـن الاستخفاف بدراسة هذا العلم G فقد سبق لنا دراسة سقراط والسوفسطائي Gf مثلا G في فصل دراسي كامل G وكذلك بالنسبة لأفلاطون وأرسطو.. وهكذا G وعلى أيدي أساتذة فلسفة كبار G متخصص Gf وفي مصادر ومراجع ذات عمق وثراء مـعـرفـي.. فـمـاذا سيضيف هذا الأستاذ (التربوي) من جديد G ودراسة كل واحد من هؤلاء ا 8فكرين لن تستغرق أكـثـر مـن محاضرة? وعندما أخذ الأسـتـاذ يـتـحـدث G إذا بـي G شـيـئـا فشيئا G ازداد انتباها إليه G وانجذابـا إلـى مـايـقـول G إنه يتحدث لغة غير شائعة ـ في ذلك الـوقـت وفـي حدود خبرتي ـ في كلية الا^داب G كما درست فيـهـا. كان يبذل الجهد الواضح حتـى نـنـتـبـه إلـى صـدق مقولة مؤداها أن فكر الفيلسوف G مهما تفرد بنسيج خاص G ومهما 1يز ببصمة شخصية تختلف كثيرا عن غيره فهو G بدرجة أعلى G يحمل بصمات جملـة 5 مقدمة
  • 6. فلسفات تربوية معاصرة متغيرات أساسية 1يز بنية اﻟﻤﺠتمع والثقافة التي يعيش في كنفها الفيلسوف G ولم تكن دراستنا الفلسفية الأولى تهتم بذلك. صحيح أن دراسة كل فيلسوف G وكل فلسفة كانت تسبقها أحاديث عن النشأة والبيـئـة G والـظـروف الـعـامـة G لكن G وقر في أذهاننا أن هذه الأحاديث هامشية G وﻟﻤﺠرد استكمال الشكل! وهكذا بدأنا نتعلم أن الفكر الفلسفي ليس سبحات عقل جامح يحلـق في أجواء التجريد دون قيود زمان ومكان. ثم جاءت فرصة أخرى كبيرة عندما بدأت في أوائل الستينيات دراسة الاتجاه العلمي/ التجريبي للفلسفة البراجماتية G فقد تجلت في هذه الفلسفة أيضا حقيقة تلك ا 8قولة ا 8شار إليها (اجتماعية ا 8عرفة) G فكأن دور فلاسفة البراجماتية G كان هو الانفعال بالتكوين الاجتماعي والتاريخي والـسـيـاسـي للشعب الأمريكي G والوعي بهذا التكوين وخطوطه الرئيسية G ليتـرجـم هـذا كله في أفكار فلسفية G حتى ليمكن الـقـول G بـلا مـبـالـغـة G إنـه مـا كـان لـهـذه الفلسفة أن تنشأ في مجتمع ا^خر غير اﻟﻤﺠتمع الأمريكي G وفـي زمـان ا^خـر غير هذا الزمن الذي ظهرت فيه. وإذا كانت الفلسفة G بناء على هذا ـ في أحد جوانبهـا الـرئـيـسـيـة ـ هـي استجابة عقلية لجملة ا 8تغيرات اﻟﻤﺠتمعية الكبرى G في أسسهـا وركـائـزهـا الأساسية G فإن هذا لا يعني أنها فقط (انفعال) ƒا هو قائم G وإ ‚ا لابد أن تستكمل مسيرة الجدل G فتقوم بدور (الفعل) من حيث التوجيه والتغيير في الفكر وفي اﻟﻤﺠتمع وثقافته. وعندما نريد أن ننتقل من دائرة (النظر) و(الفكـر) إلـى دائـرة (الـفـعـل) و(السلوك) G فإننا ننتقل إلى دائرة (التربية) G حيث إنها G في لحمتها وسداها G كما سيتب f لنا بالتفصيل فيما بعد G هي القوة التنفيذية التي نسعى بها إلى تحويل الأفكار الفلسفية في أدمغة الفلاسفة إلى سلوك نراه ونلمسه G ونتعامل معه في حركة الحياة الإنسانية G في واقع حياتنا. ومن هنا G فكثيرا ما كنت أشعر بالدهشة ألا تحظى (اجتماعية ا 8عرفة) بالاهتمام الضروري في دراسة الفلسفة في الجامعة! أقول هذا G عن أواسط الخمسينيات G فلر ƒا تغير الوضع بعد ذلك. لكن G من ناحية أخرى G عـنـدمـا رأيـت أنـه مـن الـضـروري أثـنـاء دراسـة الفلسفة البراجماتية وتربيتها G أن أبحث أثر هذه التربية في عا 8نا العربي G 6
  • 7. مقدمــة لأن مظاهر التأثر كانت بادية وواضحة للعيان G فوجئت بأن الرواد الأوائل ـ مع التقدير الكامل للجهد الخارق الذي قاموا به ـ نقلـوا الـنـتـائـج مـن غـيـر توقف عند ا 8قدمات التي أدت إليها! لقد انشغلت التربية العربيـة بـالاهـتـمـام ƒـيـول الـطـفـل واسـتـعـداداتـه G وضرورة أن يجيء التعلم بالعمل G و ƒحاولات إغناء البيئة التربوية بالخبرة ا 8ربية الثرية G وبضرورة النشاط G وأهمية مشاركة التـلامـيـذ فـي عـمـلـيـتـي التعلم والتعليم... إلخ دون أن يتوقفوا أمام الأصول الفلسفية التي ما جاءت هذه الأفكار التربوية إلا محاولات لتشخيص هذه الأصول واقعا سلوكيا. ر ƒا كانت هناك بعض الوقفات أمام (طبيعة الإنسـان) وعـلاقـة الـفـرد باﻟﻤﺠتمع G وطبيعة اﻟﻤﺠتمع ا 8عاصر ا 8تغيرة G وغلبة النزعة التجريبية العلمية G لكن G لم يكن هـنـاك تـوقـف أمـام مـاهـو أهـم وأخـطـر مـن ذلـك G مـن أصـول فلسفية تبدت في النظرية ا 8نطقية عنـد ديـوي G وفـي نـظـريـة ا 8ـعـنـى عـنـد بيرس G وا 8عرفة عند جيمس. ومن هنا شهدت تجربة التأثر سلبيات كثيرة G وانتهـت بـنـكـسـة أصـابـت تعليمنا بأضرار كبـيـرة. ولـو قـد اجـتـهـد الـرواد فـي الـبـصـر بـهـذه الأصـول الفلسفية G لأيقنوا أن ما Š من (نقل) G كان سـبـيـلا خـاطـئـا G فـوفـقـا لأصـول البراجماتية الفلسفية G فإن (الزرع التربوي) له شروطه ومـواصـفـاتـه الـتـي تجعل من الضروري البصر ƒا ب f أنواع (التربة الحضارية) من اختلافات وتباينات G وإلا أصيب الزرع بالضمور! وهكذا G كان لابد من استثمار ما هيأته لنا الظروف من (تأسس فلسفي) في ا 8رحلة الجامعية الأولى و(التمهن التربوي) بعد ذلك G لكي ‚ضي على طريق توثيق العلاقات ب f التربية والفلسفة عن طريق هذا اﻟﻤﺠال الشهير (فلسفة التربية) الذي لا يحظى G مع الأسف الشديد G بالاهتمام الكافي G في كثير من برامج كليات التربية في الوطن العربي. ومن سخرية القدر ـ على سبيل ا 8ثال ـ أن القسم الذي التحقت بـالـعـمـل بـه G وهـو اﻟﻤﺨـتـص بـدراسـة فلسفة التربية G حيث يعبر اسمه (أصول التربية) عن اختصار لـ (الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية) لم يكن به أحد قد تخصص في (الفلسفة) أو (الاجتماع)!! ودراسة فلسفات التربية G إذا كنا نرى أنهـا ضـروريـة لـلـمـثـقـف الـعـربـي 7
  • 8. فلسفات تربوية معاصرة العام بصفة عامة G وللمشتغل f بأمر بناء الـبـشـر ـ فـكـرا وتـنـفـيـذا ـ بـصـفـة خاصة G إلا أنها مجرد خطوة أولى على الطريق G 1هد لخطـوة أهـم وأكـثـر خطورة G ألا وهي السعي للإجابة عن تساؤل كبيـر: أيـن نـحـن مـن كـل هـذه الفلسفات? إن أحدا لا يستطيع أن ينكـر أن لـنـا بـصـمـات واضـحـة فـي هـذه الـلـغـة العربية التي نتحدث ونكتب بها G ولنا شخصيتنا وا^دابنا وفنوننا G ولنا هويتنا في السلوك العام G وفي جملة العادات والتقاليد G ولنا نهج متميز فـي بـنـيـة القيم G لكن هل نستطيع أن نقول إن لنا (فلسفة للتـربـيـة) تـتـمـيـز بـهـا هـذه الأمة?! أخشى أن تكون الإجابة G هي النفي!! بل إن الجهد ا 8بذول على هذا الطريق ليس متواصلا G وليس مكثفـا! صحيح أن هناك (استراتيجية لتطوير التربية العربية) G لكنها G بحكم ظروفها G ووضعها G ومهمتها G وعنوانها G بعيدة عن أن 1ثل فلسفة للتربية للأمة العربية G ور ƒا تكون دراسة د. عبدالله عبدالدا  عن فلسفة التربيـة الـعـربـيـة هـي الجهد النادر في هذا اﻟﻤﺠال. إننا إذ نقدم هذه اﻟﻤﺠموعة من الدراسات عن فلسفات التربية ا 8عاصرة G ليحدونا الأمل G أن يحفز هذا G علماء التربية ومفكريها في الوطن العربي أن يتنادوا بينهم كي نضع معالم على الطريق. فما استقـام بـنـاء أمـة لا 1ـلـك بوصلة التوجه!! خريطته الفكرية G وفي يقيننا أن فلسفة التربية هي الخريطة الفكرية التي تحدد لنا G خصائصG ونوع G ووجهة G ومسار البناء.. بناء الإنسان!! 8
  • 9. ا فهوم 9 المفهوم الفلسفة/ التربية/ فلسفة التربية ا 8تأمل في مصطلح (فلسفة التربية) ‘كـن أن يلاحظ بكل سهولة أنه يتكون من كلمت f: (فلسفة) و(تربية) “ا يقتضي منا أن نحدد ـ بداية ـ ا 8قصود بكل منهما حتى ‘كن لنا أن نتب f بقدر أكـبـر مـن الوضوح مفهومنا الأساسي (فلسفة التربية) G علـى أن نؤكد في البداية أن فلسفة التربية ليست مجرد حاصل جمع لكل من (الفلسفة) و(التربية) G وسوف يتأكد لنا هذا بشيء من التفصيل في جزء تال. الفلسفة: لعلنا لا نبالغ إذا قلنـا إن تحـديـد هـذا ا 8ـفـهـوم ر ƒا يكون من أكثر موضوعات الدراسات الفلسفية صعوبة ومثارا للجدل G وهو الأمر الذي قد لا نجده في أي مجال ا^خر من الدراسات الإنسانية. صحيح أن هذه الدراسات في معظمها تعاني هي الأخرى ـ قياسا إلى الـدراسـات (الـكـونـيـة الـطـبـيـعـيـة) ـ مـن الاختلاف في ا 8صطلح G لكنها ـ غالبا ـ تحظى باتفاق ا 8تخصص f في كل منها. على ا 8راد ƒفهوم العلم أو اﻟﻤﺠال نفسه G فهناك ـ مثلا ـ اتفاق عـلـى مـعـنـى (السياسة) و(الاقـتـصـاد) و(الاجـتـمـاع) و(الـتـاريـخ) و(الأدب) و(الجغرافيا) وهكذا.. إلى حد كبير G أما 1
  • 10. فلسفات تربوية معاصرة (الفلسفة) فلا تحظى ƒثل هذا الحد من الاتفاق. ولهذا فلو سألنا قارىء: ما معنى الفلسفة? فسوف نبادر على الفور بأن نطرح عليه تساؤلا أوليا: عند من? فتحديد (الاتجاه) أو (الفيلسوف) يجعل الإجابة ميسورة G أما إذا اقتصر على عموم ا 8صطلح فإن الكاتب أو اﻟﻤﺠيب سيضطر إلى أن يسطر صفحات طويلة لشرح وجهات النظر اﻟﻤﺨتلـفـة G أو أن يقف عند حد ا 8عنى اللغوي للكلمة. ونرجو أن يعذرنا القارىء G إذا نحن لم نرو ظمأه في هذا الشأن محيل f إياه إلى بعض ا 8صادر ا 8فيدة في هذا الباب( ١) G لكن التزامنا نحوه يتمثـل في تحديد ما يؤمن به كاتب هذه السطور G مؤكدين في الـوقـت نـفـسـه أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن ا 8عنى الذي سنسوقه لا يأتيه الباطل من ب f يديه ولا من خلفه G فنحن نتوقع بروز اعتراضات كثيرة G وهذا يؤكد لنا صحة ا 8قولة التي سبق أن أشرنا إليهـا وهـي احـتـدام الاخـتـلاف حـول ا 8صطلح الأساسي. ويبدو أن ا 8هنة التي نعمل بها لها دخل كبير في تحديـد مـفـهـومـنـا مـن الفلسفة فمهنتنا هي (التربية) والتي سنحدد ا 8قصود منها في الجزء التالي G ومعنى ذلك أن اهتماماتنا الأساسية لا تتعلق بالكون بأسره G أصله ومصيره G وإ ‚ا تتعلق بهؤلاء البشر الذين نراهم أحياء يسعون في الأرض G يـفـرحـون ويأ 8ون ويفكرون ويتصارعون ويتحابون.. إنهم مادتنا و(ا 8لعب) الذي نلعب على أرضه G 1اما كما أن (الخشب) هو مادة (النجار) و(التربـة) الـتـي هـي مادة ا 8زارع. وإذا كنا نقول إن ا 8عنى ا 8راد بالفلسفة إ ‚ا يصور رؤيتنا نحن G فإن هذا لا يعني G ولا نريد أن نزعم أنه معنى خاص بنا نحن.. نحن الذين ابتكرنـاه وألفناه.. كلا G إننا فقط نقول إننا نتبناه. وهنا نجد أن رائدنا الأول في هذا هو فيلسوف اليونان الشهير: سقراط G كان فلاسفة اليونان قبل سقراط مهموم f بالنظر الكوني: أصله ومصيره? فمن قائل إنه من تراب G ومن قائل إنه من ماء G ومن قائل إنه من هواء.. إلخ G وكانت نقلة سقراط الأساسية أنه ـ بـتـعـبـيـر مـؤرخـي الـفـلـسـفـة ـ قـد أنـزل الفلسفة من السماء إلى الأرض G ƒعنى أنه سعى نحو تحويل الاهتمام من ا 8سائل (الكونية) إلى ا 8سألة (الإنسانية) G فكان شعاره الشهير: اعرف نفسك 10
  • 11. ا فهوم 11 بنفسك. وهذا أول مظهر من مظاهر التقدير الذي يوليه ا 8شتغلون ببناء البشر لهذا الرائد الأول. هذه ناحية... ومن ناحية أخرى G فإن الرجل كان مهموما بكيفية تقو  السلوك البشري.. ما السبيل إلى تصحيح مسار السلوك الذي انحرف عن الطريق ا 8ستقيم? وهو لكي يجيب عن هذا السؤال كـان لابـد أن يـحـدد (حـد الـسـواء) الـذي بناءعليه ‘كن له الحكم بأن هذا السلوك أو ذاك سـلـوك غـيـر سـوي.. أن يحدد (الطريق ا 8ستقيم) G حتى يطمئن إلى حكمه بأن (زيدا) أو (عبيدا) قد انحرف عن الاستقامة. وهداه تفكيره إلى أن الانحراف السلـوكـي G إ ‚ـا هـو نـتـيـجـة لازمـة عـن الانحراف الفكري.. غموض. سوء فهم.. زيف فـي الـوعـي. إلـى غـيـر هـذا وذاك من مظاهر ا 8رض الفكري بدءا من أبسطها وأقلهـا خـطـرا G صـعـودا إلى درجاتها العليا الأشد خطورة. وبالتالي فلابد من تصحيح (ا 8فاهيـم) G لنصل إلى تلك الركائز الفكرية ا 8كونة للحق وا 8تفق عليها G فهذا هو الطريق إلى الاستقامة الخلقية. وهكذا راح الرجل يجوب المحافل والطرقات والأسواق مفكرا (متجولا) G أو قل (معلما) متجولا G يناقش ويحاور هذا وذاك بادئا بالواقعة السلوكية ا 8شكلة لمحور الخبرة الإنسانية G حافرا في تربة العقل بحثا عن (ا 8ـفـهـوم) الذي انطلق منه صاحب السلوك ا 8عني G على أساس أننا في مختلف مناشطنا السلوكية إ ‚ا ننطلق ـ بوعي أو بغير وعي ـ من مفهوم أو مفاهيم بعينها. وغالبا ماكان سقراط يجد أن ا 8فهوم الواقع G خاطىء G “ا ترتب عليـه سلوك غير سوي. ومن هنا يستمر في الحوار وا 8نـاقـشـة حـتـى يـصـل إلـى ا 8فهوم الذي يرى أنه صحيح G مطمئنـا إلـى أن هـذا مـن شـأنـه أن يـصـحـح ا 8سار السلوكي.. وشيء مثل هذا نفهمه نحن عن الفلسفة ومهمتها. إنها هي ذلك الجهد الذهني ا 8وجه إلى مناشطنا البشرية محللا إياها بحثا عن ا 8فاهيم الأساسية التي تكمن وراءها وإخضاعها للفحص والتحليل G وهذا ا 8عنى قد يتشابه كذلك مع بعض مايذهب إليه فلاسفة التحليل فـي العصر الحديث.
  • 12. فلسفات تربوية معاصرة لكن هناك نقطة اختلاف بيننا وب f كل من سقراط وفلاسفة التحليل: فنحن إذا كنا نؤمن مع سقراط بأن انحراف السلوك إ ‚ا هو نتيجة لانحراف في الفكر G فإننا لا نؤمن معه بأن تصحيح الفكر يؤدي حتما إلى تصحيـح السلوك. إننا جميعا نعلم ما الصدق? وما أضراره? وما فوائده? ومع ذلك فكثير منا قل ألا يكذب. وكثير من الناس يعون قيمة الوقت G ومع ذلك تراهم يتخلفون عن ا 8واعيد ويتأخرون. ولسنا في معرض مناقشة هذه القضية بحثـا عـن أسـبـاب ذلـك. وإ ‚ـا نحن نقرر واقعا معينا. وقد يتصور البعض أن الأمر مادام كذلك G فما لزوم هذا الجهد للتوضيح والتحليل? نعيد ونكرر G أننا لم نر تلازما ضروريا ب f حسن الفهم وسواء السلوك G وإ ‚ا الأمر أمر (احتمال). فهناك بعض غير قليل يصححون سلوكهم عندما يدركون (الحقيقة). هذا فضلا عن أن مهمتنا هي (تهيئة الأجواء) التي تع f على أن يكـون السلوك سويا G لكننا لا نحمل الناس على ذلك. أما وجه اختلافنا مع التحليلي f فهو أن تحليلنا للمفهوم لا يـقـف عـنـد حد التحليل ا 8نطقي والتحليل اللغوي.. وإ ‚ا ‘تد ليصبح تحليلا (اجتماعيا). وعلى سبيل ا 8ثال G خذ مفهوما مثل مفهوم (تكافؤ الفرص). لـقـد كـان أهم مظهر من مظاهر معناه في سنوات مضت G أن يحصـل الـطـالـب عـلـى حقه في التعليم (مجانا).. لكنك تسمع الا^ن من كثـيـريـن أن هـذه اﻟﻤﺠـانـيـة تفرز إلى سوق التعليم أعدادا كثيرة من غير الجادين G لأنهم لا يشعرون بأن التعليم يكلفهم شيئا ما G فلمَ يتعبون ويكدون? وعندما 1تلىء معاهد التعليم بأعداد غفيرة G يتضاءل مستوى الخدمة التعليمية G فيحرم كثيرون من الجادين منها ويضطرون إلى البحث عنها في سوق الدروس الخصوصية ويستنتجون من ذلك أن (مجانية التعليم) لا تؤدي إلى تكافؤ في الفرص التعليمية. 8اذا كان ا 8عنى السابق? و 8اذا أصبح هذا ا 8عنى الحالي? إن الإجابة تتضح في استقراء جمـلـة ا 8ـتـغـيـرات الـدولـيـة والـسـيـاسـيـة 12
  • 13. ا فهوم والاقتصادية والاجتماعية سواء على ا 8ستوى العا 8ي أو على ا 8ستوى المحلي G وهكذا تتلون ا 8فاهيم وتتشكل وفقا 8وقعها على الخريطة الاجتماعية! 13 التربية: وإذا كنا لم نطرق باب عرض ومناقشة ا 8عاني اﻟﻤﺨتلفة للفلسفة إ ‘انـا بأن هناك من هم أكثر تخصصا G وبالتالي أقدر على ذلك G إلا أنـنـا ـ فـيـمـا يبدو ـ سنكرر ا 8رور السريع G وإن شئنا الحقيقة ا 8رور الأسرع على مفهـوم التربية على الرغم “ا ‘كن أن نزعمه أننا من ا 8تخصص f فيها “ا يتيح لنا الفرصة للاستفاضة في عرض ومناقشة الا^راء اﻟﻤﺨتلفة بصـدد مـعـنـى التربية. ولعل السبب الرئيسي G يكمن في أننا لا نواجه هنا مثل هذا الاختلاف الحاد في الفلسفة. صحيح أن هناك معاني مختلفة للتربية G لكننا إذا دققنا النظر فسوف نجد أن ما قد يبدو (اختلافا) G فإ ‚ا هو نتيجة تغاير لفظي من حيث الصياغة. وفي أحسن الحالات فهي (زوايا رؤية). ومن الأمثلة التي قد تشير إلى ذلك مايـقـدمـه بـعـض ا 8ـتـخـصـصـ f أو ا 8هتم f (بالبيولوجيا) أو (علم النفـس) أو (الأنـثـروبـولـوجـيـا) أو غـيـر هـذا وذاك من اختصاصات G فغالبا ما يطل الاهتمام أو التخصص الأصلي مـن ب f السطور ليشير إلى غلبة هـذه الـزاويـة أو تـلـك G خـاصـة أنـنـا نـعـلـم أن ا 8شتغل f بالتربية عادة ما ينتمون إلى حقول علميـة بـعـيـنـهـا أسـاسـيـة G ثـم أضيفت إليها التربية فيما بعد G فهذا تخصـص (جـغـرافـيـا) وهـذا (تـاريـخ) وهذا (فلسفة) وهذا (رياضة)... إلخ. وبالإضافة إلى ذلك G فهناك (الظهير الثـقـافـي والحـضـاري) لـكـل مـنـا G فهذا ظهيره ثقافة فرنسية G وهذا إنجليزية G وهذا أ 8انية G وهذا أمـريـكـيـة G وهذا ظهيره الأساسي ثقافة دينية أو ثقافة قومية... إلخ. مثل هذه ا 8واقع ا 8تعددة تنعكس بالضـرورة عـلـى ا 8ـعـنـى الـذي يـقـدمـه الكاتب للتربية G لكنها ـ كما قلنا ـ قد لا تصل إلى حد الاختلاف في الجذور. وكما فعلنا بالنسبة للفلسفة G فإننا نفعل الشيء نفسه بالنسبة للتربيـة G فنذهب إلى أننا نراها تلك العملية التي عن طريقها نقوم بتـنـمـيـة جـوانـب الشخصية الإنسانية في مستوياتها اﻟﻤﺨتلفة.
  • 14. فلسفات تربوية معاصرة ذلك أنه شاع ب f ا 8تخصص f أن للشخصية مستويات ثلاثة. ا 8ستوى الأول G هو مستوى الوعي والإدراك ا 8عرفي. ا 8ستوى الثاني: مستوى العاطفة والوجدان. ا 8ستوى الثالث: مستوى الحركة والنزوع وا 8هارة. وهكذا يتم تنمية الجانب ا 8عرفي للإنسان عن طريـق تـزويـده بـكـم مـن ا 8علومات وا 8عاني وا 8فاهيم والحقائق G فضلا عما يرتبط بـهـذا مـن حـيـث طريقة التفكير ومنهج البحث وأساليـب الـربـط والاسـتـنـتـاج والاسـتـنـبـاط والتحليل والنقد. أما ا 8ستوى الثاني فهو أخطر ا 8ستويـات G وفـي الـوقـت نـفـسـه أكـثـرهـا صعوبة لأنه يتعلق ƒا هو (داخل) الإنسان.. إنه أشبه شـيء بــ (الـكـهـربـاء) التي لا نراها ولكننا نرى ا^ثارها. ومن هنا فهذا ا 8ستوى الذي يشتمل على ا 8يول والاتجاهات والقيم G نتعرف عليه عادة بطرق غير مباشرة عن طريق ملاحظة (تجلياتها السلوكية). ولأن الإنسان هو الكائن الحي الذي يستطيع أن يظهر غير ما يبطن G كانت احتمالات الخطأ في الفهم والتقدير. والشيء نفسه بالنسبة لتربيته من هذا الجانب G فأكـثـر الـوسـائـل الـتـي نسلكها هي تلك التي تقوم على »الكلام « شـفـاهـة أو كـتـابـة G لـكـنـهـا تـعـتـبـر أضعف الوسائل لتربية الوجدان G هذه التربية التي تحتاج إلى امتلاك 8تغيرات مواقف حياتية واقعية هي الأكثر فعالية في التأثـيـر والـتـغـيـيـر G وهـي فـي الوقت نفسه أكثرها صعوبة. أما ا 8ستوى الثالث G فهو مستوى حركي G يتصل با 8هارات العملية اﻟﻤﺨتلفة والتي تقوم بالدرجة الأولى على حركة (البدن) كمهارة فلاحة الأرض وقيادة السيارات وإصلاحها وما شابه هذا وذاك. هذه هي التربية. فما علاقتها بالفلسفة? العلاقة بين الفلسفة والتربية: على الرغم من إ ‘اننـا بـأن هـنـاك »عـروة وثـقـى G« لا انـفـصـام لـهـا بـ f الفلسفة والتربية فإننا لا نسـتـطـيـع أن نـنـكـر أن هـنـاك فـي كـل جـبـهـة مـن الجبهت f من ينظر إلى الا^خر نظرة تفتقد الفهم الصحيح والتقديرالواجب G ولعل هذا يكون ناتجا ـ غالبا ـ من طبيعة عمل كل منهما: 14
  • 15. ا فهوم فالنشاط الفلسفي هو بالدرجة الأولى (نظري). والنشاط التربوي هو بالدرجة الأولى (عملي). ومثلما نرى من مناظرات في التعليم ب f التخصصات التي تسمى (أدبية) وتلك التي تسمى (علمية) نرى شيئا قريبا من هذا ب f ا 8شتغل f بالفلسفة وا 8شتغل f بالتربية. فهناك من ا 8شتغل f بالفلسفة من ينظرون من (عل) باعتبـار أنـهـم هـم ا 8فكرون وأصحاب النظر والفهـم والـوعـي والـبـصـر. هـم أصـحـاب الجـبـاه العالية الذين يخططون ويـرسـمـون الأهـداف ويـحـددون ا 8ـعـانـي ويـضـعـون النموذج أما التربويون فهم مجرد منفذين. التربويون في نظر هؤلاء مجموعة (مدرس f) يقفون في فصل دراسي أمامهم »تلاميذ « ووراءهم سبورة G كل مهمتهم أن ينـقـلـوا مـا يـحـمـلـونـه مـن (معرفة) وهي عادة من ذلك النوع البسيط الذي يخلو من التجديد والابتكار G وبالتالي يقتصر جهد (التربية) على تعريف هؤلاء ا 8درس f بـ (كيف يُعلّمون)? ونحن لا ‘كن أن ننكر أن التربية تهتم بتعليم ا 8درس f كيف يدرسون G لكننا نؤكد أن تلك جزئية من عمـل كـبـيـر مـتـعـدد اﻟﻤﺠـالات والأطـراف. إن مهمة التربية لا تتجه فقط إلى ا 8درس f باعتبارهم (معلم f) وإ ‚ا تتـجـه إليهم باعتبارهم (مرب f). ومعنى ذلك أن ا 8سألة لا تتوقف عند كيفية تعليم اللغة أو الفيزياء أو التاريخ وإ ‚ا هي كيفية بناء شخصية أبناء الأمة حتـى يكونوا لبنات قوية في بنية اﻟﻤﺠتمع الكلية. وسوف نب f فيما بعد G الأبعاد ا 8تعددة التي تترتب على هذا من حـيـث النظر إلى (التربية) على أنها عملية (بناء أمة) وليس مجرد تعـلـيـم تـلـمـيـذ حسابا أو جغرافيا أو علوما. أما التربويون فينظرون إلى ا 8شتغل f بالـفـلـسـفـة عـلـى أنـهـم أنـاس كـل بضاعتهم »كلام « يجيء من كلام لينتهي إلى كلام في حلقة مفرغة وكأنهم هم ا 8عنيون ƒن يقولون (تسمع جعجعة ولا ترى طحنا)! ويطول بنا ا 8قام لو حاولنا تتبع قائمة الاتهامات التي يوجهها هؤلاء إلى 15 ا 8شتغل f بالفلسفة على وجه العموم. ـ فالفلسفة تجنح إلى الغموض الذي يجهد الـقـارىء أو الـسـامـع وكـأن الغموض سمة من سمات التفلسف G حتى إذا سيق الكلام بسيطـا واضـحـا
  • 16. فلسفات تربوية معاصرة خرج من دائرة الفلسفة G لأن الغموض كثيرا مايكون نتيجة التعقيد واضطراب الفكر. وتربية الإنسان تحتاج إلى عكس ذلك G تحتاج إلى سهولة الفهم وإلى البساطة والوضوح. ـ والفلسفة تشيع الشك وتبذر الريبة G بينما التربية إذ تبنـي الـسـلـوك G فمثل هذه العملية تتطلب الاستناد إلى »يق «f لأننا عادة نسـلـك وفـقـا 8ـا نعتقد في صحته G فإذا ما اعترانا شك توقف سلوكنا. ـ ويندرج تحت هذا أيضا رمي الفلسفة بأنها ترتبط بـالإلحـاد والجـرأة على جعل (الله) موضوعا للمناقشات والتساؤل G بينما الجمهرة الكبرى من أبناء الأمة العربية (مؤمنون) با أيا كان دينهم ومعظم ا 8ادة ا 8ـقـدمـة إلـى جماهير معاهد التعليم مبنية على هذا الإ ‘ان بوجود إله. ـ كذلك يظن بعض التربوي f أن الفلسفة تجنح إلى التعالي عن الـواقـع والهروب من ضغط ا 8شكلات الحياتية التي تحيط بالإنسان بحجة »النظر الكلي « و »البصر الشامل « و »التنظير G« بينما التربية لابد أن تكـون مـنـفـعـلـة بهذه ا 8شكلات الحياتية G فهي مادتها ووسائلها G وتسعى إلى التغلب عليها. ... ولا تخرج الاتهامات الأخرى عن هذه الحدود الإجمالية. ومن ا 8لاحظ أن معظم هذه الاتهامات إ ‚ا هي »شائعات تاريخية « إذا صح هذا التعبير G فإذا كان بعضها قد قام G فإ ‚ا عند عدد من الفلاسـفـة محدود وكان في زمن مضى منذ عدة قرون G فهي قـد أصـبـحـت مـثـلا مـن أمثلة (أوهام ا 8سرح) التي حدثنا عنها فرانسيس بيكون الفيلسوف الإنجليزي ا 8عروف. إننا ننظر إلى التفلسف على أنه عملية إنسانية تصدر من إنسان لتتجه إلى بشر.. تقوم بتحليل ثقافتهم بحثا عن القيم وا 8عتقدات الأساسية التي تقوم عليها بغية فحصها ونقدها بحثا عن الاتساق والتناغم ب f ا 8رتكزات الفكرية للأمة. والذي يدرس ا 8شكلات الفلسفية منذ أقدم العصور في إطارها اﻟﻤﺠتمعي سوف يستطيع ملاحظة أن هذه ا 8شكلات كانت مرتبطة ƒشكلات الصراع الثقافي والتغير الاجتماعي. ولعل أصدق الأمثلة التي ‘كن أن تساق على ذلك G فلسفة سقراط. وما كانت تلك القسمة إلى (النظري) و(العملي) و(ا 8ثال) G و(الواقع) في فلسفة 16
  • 17. ا فهوم أفلاطون وأرسطو إلا انعكاسا لذلك الوضع الاجتماعي والاقتصـادي فـي اﻟﻤﺠتمع القد  ب f سادة يفكرون وينظَّرون وب f عبيد يعملون وينتجون. وهل نستطيع أن نغفل في هذا الشأن كيفية نشأة الفكر الخاص بالجبر والاختيار في بدايته منذ مسألة التحكيم ب f علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان G وما نشأ عن ذلك من مناقشات عن مرتكـب الـكـبـيـرة والـعـدل والتحس f والتقبيح... وهكذا? كذلك فإن كثيرا من كبار الفلاسفة عبر التاريخ G كانوا يتوسلون بالتربية لـتـشـخـيـص أفـكـارهـم الـفـلـسـفـيـة فـي أرض الـواقـع G ولـعـل أفـلاطـون فــي (الجمهورية) كان من أوائل وأشهر من أبرزوا ذلك. لقد أقام جمهوريته على أساس (العدل) الذي راح يناقشه من وجهات نظر مختلفة على لسان أستاذه سقراط مع تلاميذه G مفندا وجهات النظر هذه G منتهيا إلـى مـفـهـوم ارتـأى أنه هو الصحيح. لكنه لم يكتف بتحديد ا 8فهوم تحديدا نظريا G وإ ‚ا راح يحاول الانتقال إلى الخطوة التالية G وهي: كيف يتحقق العدل في اﻟﻤﺠتمع? وكانت الإجابـة عن طريق رسم معالم نظام تربوي تصور أن من شأنه أن يحقق هذا ا 8ثال ا 8رجو. ومن قبل (أفلاطون) G كان السوفسطائيون G وكان سقراط معلم f يبثون ا^راءهم ويبشرون باتجاهاتهم عن طريق تربية فئات مـن الأثـيـنـيـ Gf إ ‘ـانـا منهم بأن الأفكار الفلسفية لا تولد كي تحبس في الدماغ G وإ ‚ا لابد لها من أن تنتشر وتجد لها جمهورا يؤمن بها ويعتقد في صحتها ويصوبها وينميها فتتحول إلى كائنات حية من خلال »سلوك بشري « يتبدى عند هذا وعنـد ذاك من بني البشر. وقل مثل هذا عن تلك القائمة الطويلة من الفـلاسـفـة الـذيـن أتـوا بـعـد ذلك.. حتى انتهينا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشـريـن إلى إمام من أئمة الفكر الفلسفي الحديث G إذ يدعى لأن يرأس قسم الفلسفة في جامعة شيكاغو بالولايات ا 8تحدة الأمريكية G فـيـشـتـرط أن يـتـولـى فـي الوقت نفسه رئاسة قسم التربية G لا عن رغبة في التملك واتجاه للاستحواذ والاحتكار وإ ‚ا لإ ‘انه الذي عبر عنه في كثير من كتبه أن الفلـسـفـة هـي »النظرية العامة للتربية G« وأن التربية هي »ا 8عمل الذي تختبر فيه الأفكار 17
  • 18. فلسفات تربوية معاصرة الفلسفية G« ذلكم هو جون ديوي. وقد استند في مقولته تلك إلى أن الأفكار الفلسفية إذا لم تسع إلى أن تختبر وتجرب من خلال عملية التربـيـة G تـظـل مـجـرد (تـأمـلات) لا يـكـفـي لضمان صحتها ما قد يلجأ إليه صاحبها من إتقان البراه f العقلية وإحسان الأدلة ا 8نطقية G ذلك أن ما لا يقل عن ذلك أهمية أن يكون واقع الحال هو الحكم النهائي. وفي الفكر الإسلامي رأينا كذلك مفكرا مثل الغزالي G وكذلك ابن سينا وابن خلدون وكثيرا من أصحاب التصوف G يحرصون على أن يـسـوقـوا مـن الا^راء والنظرات التربوية G ما يكمل صورة فكرهم الفلسفي النظرية. لكننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننكر وجود عدد ا^خر مـن ا 8ـربـ f ا 8سلم f الذين نفروا من النظر الفلسفي واقتصرت كتاباتهم على مسـائـل تربوية عملية بحتة G كما رأينا عند (القابسي) و(ابن سحنون) G و(ابن جماعة) و(ابن حجر الهيثمي) و(السمعاني) وغيرهم G وذلك لأن معظمهم كانـوا مـن أصحاب (الفقه) “ن لا يرون حاجة إلى التنظير الفلسفي بالنسبة للعقيدة الإسلامية G وهذا على خلاف ما كنا نرى لدى فريق الفلاسفة وا 8تـكـلـمـ f والصوفي f. إن التربية بحكم طبيعتها إذ تـتـجـه إلـى (إجـراءات عـمـلـيـة) و(خـطـوات تنفيذية) G فإن ذلك لابد أن يستند إلى (وجهة نـظـر).. إلـى (فـكـرة)... إلـى (فلسفة).. إلى (أيديولوجية).. إلى (إطار فكري).. أيا كانت التسمية G فهي كلها تعبر عن حالة ضرورة تكمن في (خريطة فكرية) G إن صح هذا التعبير G بناء عليها G يجول ا 8ربي في دنيا السلوك البشري. وإن لنا هنا تشبيها كثيـرا مـا نـردده فـي مـنـاسـبـات عـدة G وفـي مـواقـف مختلفة إذا جئنا إلى هذه القضية بالذات. يقول هذا التشبيه إن ا 8ربي أشبه ƒـقـاول الـبـنـاء.. هـذا يـبـنـي حـجـرا وذاك يبني بشرا.. وا 8قاول رجل تنـفـيـذي G لا يـسـتـطـيـع أن يـعـمـل إلا وفـق (تصميم) مع f يقوم بوضعه مهندس التصميمات وفقا لطلب العميل.. يريد جسرا!? عمارة? فيلا? قصرا? طريقا?.. وهكذا. والفيلسوف هنا عامة G وفيلسـوف الـتـربـيـة خـاصـة G هـو ذلـك ا 8ـهـنـدس التصميمي الذي يرسم ويخطط بناء على حاجة اﻟﻤﺠتمع G وما علـى ا 8ـربـي 18
  • 19. ا فهوم 19 إلا الالتزام بهذا وذاك وهو ينفذ عن طريق العمل التربوي. وقد يتصور البعض أن عصرنا الحالي لم يعد عصر الأيديولوجيا G بعد أن انهارت منظومة البلدان الاشتراكية G والتي كانت 1ثل أحد طرفي الصراع الأيديولوجي مع منظومة البلدان الرأسمالية. ولسنا في مجال مناقشة هذه القضية تفصيلا G وإ ‚ا نود أن نشير إلى أن انهيار نظام كان يطبق نظرية ما قد لا يكون دليلا مؤكدا على خطأ هذه النظرية إذ قد يكون سبب الانهيار هو في سوء الفهم والتطبيق. وحتى إذا سلمنا بأن انهيار (النظام) يستتبع انهيار (النظرية) G فلا ينبغي أن يفهم أن هذا يعني انتصار نظرية أخرى مقابلة G وقد يكون ذلك الانتصار مرحليا G لكنه على أية حال يثبت أن ا 8سألة ليست انهيارا 8طلق الأيديولوجيا G وإ ‚ا هو انهيار لأيديولوجيا بعينها G وبالتالي فسوف يظل الإنسان متحركا وفق أيديولوجيا وسوف يظل اﻟﻤﺠتمع البشري منطلقا من أسس أيديولوجية أيا كان اسم هذه الأيديولوجيا. ولعلنا إذا نظرنا إلى التربية على أنها G على الرغم من قولنا إنها عملية تنفيذية G لكنها ليست مجرد (صـنـعـة) ضـيـقـة اﻟﻤﺠـال مـحـدودة الأفـق G هـي بحكم الضرورة لا تستطيع إلا أن تكون عملية اجتماعية كما قدمنا. وهي إذ تكون كذلك G فإنها تستمد مادتها من ثقافة اﻟﻤﺠتمع وتتغيا بغاياته وطموحاته وتنطلق بالتالي من فلسفته وإطاره الفكري العام. إن كثيرا من التخصصات العلمية الأخرى G قد يـسـتـطـيـع صـاحـبـهـا أن ينغلق في دائرتها دون اهتمام ƒا يحدث في الدوائر الأخرى G لكـن ا 8ـربـي في العصر الحاضر يستحيل عليه ذلك.. يستحيل عليه أن يربي إن لم يكن على وعي بسياسة اﻟﻤﺠتمع وباقتصاده وبعقيدته G وبتياراته الفكرية الفرعية و ƒجمل ا^دابه وأعرافه G لكنه ـ عملا ـ لا يستطيع أن ينغمس فـي كـل هـذا G ومن هنا كان لابد له من الاستناد إلى (خيط) يربط ب f (حبات ا 8سبـحـة) وما ذاك إلا من خلال الوعي بالركائز الأساسية للمنظومة الـفـكـريـة الـتـي يقوم عليها اﻟﻤﺠتمع وتعيش بها وعليها الأمة. ولو تعمد أي واحد منا أن يرجع بذاكرتـه وقـت أن كـان طـفـلا G فـإن لـم تسعفه الذاكرة فليسح بنظره ب f أطفال صغار في محيط الأسرة أو الأقارب أو الجيران G إذ سوف يجد نفسه أمام »مشروع « فيلسوف كبير.. فيلسوف
  • 20. فلسفات تربوية معاصرة يبدأ بذرة صغيرة G يتصور ‚وها وتطورهـا G فـإذا بـهـا ـ بـفـعـل تـربـيـة غـبـيـة مخربة ـ توءد في ا 8هد لينمو الإنسان مبرمجا على مجموعة أفكار ليس له إلا أن يرددها دون نقد أو فحص واختبار G إلا من عصم الله. إن أطفالنا ـ بفطرتهم التي خلقهم الله عليها ـ يلحون في التساؤل: ـ من أين جئنا? ومن جاء بنا? وكيف جئنا? وإلى أين نسيـر? و 8ـاذا هـذا وذاك? أسئلة فلسفية كبرى G يسارع كثيرون إلى نهي الأطفال عـن طـرحـهـا G أو إلى الإجابة العامة أو غير الصحيحة. ولا يرى الأطفال أمرا من الأمور إلا ويغرمون بالتساؤل: من هذا? و 8اذا حصل هذا? بل يظل الواحد منهم يلاحق الكبار بالـسـؤال الـشـهـيـر (لـيـه?) ومهما أجبنا يظل يردد (ليه?) وكأنه يسعى إلى البحث عن (العلل الأولى) أو البعيدة. لكن التربية غير الواعية تغلق هذا البـاب لـتـضـعـف نـزعـة الـطـفـل إلـى التساؤل G هذه النزعة التي هي الطريق إلى النمو الفكري G وهي الطريق إلى التمايز والابتكار والإبداع. فلسفة التربية: أما وقد أوضحنا موقفنا من كل من (الفلسفة) و(التربية) فلر ƒا يكون أيسر لنا أن نتوقف وقفة قد تطول بعض الشيء في محاولة 8ناقشـة هـذه القضية ا 8ركزية بالنسبة 8وضوعنا: فلسفة التربية. وأول ما يستوقفنا هنا هو التساؤل: هل هي فلسفة تربية أو فـلـسـفـات تربية? ونبادر إلى القول إن ا 8سألة تختلف باختلاف زاوية الرؤية فإن كـنـا نريد مناقشة (اﻟﻤﺠال) أو (النسق ا 8عرفي) فنحن بإزاء (فلسفة الـتـربـيـة) G لكننا إذا كنا بإزاء مناقشة (مواقف) 8رب f وفلاسفة و(اتجـاهـات) G فـنـحـن أمام (فلسفات للتربية). ومن هنا فلأننا في هذا الجزء لا يعنينا التوقف عند هذا ا 8فكر أو ذاك G عند هذا ا 8ذهب أو ذاك عنونّا هذا الجزء بـ (فلسفة التربية) G ولأن بقية أجزاء الكتاب الحالي عن (مواقف) و(اتجـاهـات) G كـان الـعـنـوان الـرئـيـسـي للكتاب هو (فلسفات التربية). 20
  • 21. ا فهوم وأبسط ما نستطيع تقد ‘ه هنا من معـان لـفـلـسـفـة الـتـربـيـة هـو أنـهـا استخدام الطريقة الفلسفية في التفكير والبحث في مناقشة ا 8سائل التربوية إن هذا يعني أننا في فلسفة التربية نقوم بجهد عقلي 8ناقشة وتحليل ونقد جملة ا 8فاهيم الأساسية التي يرتكز عليها العمل التربوي وذلك مثل: الطبيعة الإنسانية ـ النشاط ا 8درسي ـ الخبرة ـ الحرية ـ الثقافة ـ ا 8عرفة.. إلخ. وبالإضافة إلى مناقشة (ا 8فاهيم) G ففلسفة التربية تقوم كذلك بتحليل 21 ونقد (ا 8شكلات التربوية) با 8نهج نفسه وبالطريقة ذاتها. وفضلا عن هذا وذاك تسعى فلسفة التربية إلى مناقشة الافتـراضـات الأساسية التي تقوم عليها نظريات التربية سواء من حيث: التـعـلـم/ طـرق التدريس/ تنظيم ا 8ناهج/ إدارة التعليم/ تخطيـط الـتـعـلـيـم/ اقـتـصـاديـات التعليم/ نظم التعليم اﻟﻤﺨتلفة وهكذا. وكما قلنا ونحن نناقش معنى الفلسفة G فإننا نؤكد هنا أن عمليتي التحليل والنقد تتمان في ضوء ا 8تغيرات اﻟﻤﺠتمعية. والقول باستخدام الطريقة الـفـلـسـفـيـة إ ‚ـا يـعـنـي عـدم الـتـوقـف عـنـد الجزئيات والعلل القريبة G وإ ‚ا محاولة إدراك العلاقات ب f عناصر ا 8وقف التربوي والغوص في أعماق مايتبدى لنا لنصل إلى الجذور والعلل البعيدة. فهناك على سبيل ا 8ثال مشكلة (الدروس الخصوصية).. كيف تتعـامـل معها فلسفة التربية? إذا كانت الأشياء تتمايز باضدادها G فلـنـتـسـاءل أولا G عن الكيفية التي يتم بها تناول هذه ا 8شكلة من زوايا أخرى. هناك من يفسرها بأنها ترجع إلى تـدهـور فـي أحـوال طـلاب الأجـيـال الجديدة “ا جعلهم لا ‘يلون إلى الاعتماد على النفس فأصبحوا يريدون (الاتكال) على من (يشرَّبهم) ا 8علومات جاهزة? وهذا تفسير لا يصمد طويلا أمام ا 8ناقشة G ذلك أن ما يتم في (الدرس الخصوصي) شبيه جدا ƒا يتم في قاعة الدرس. وهناك من يذهب إلى أن ا 8سألة ترجع إلى ضعف في مرتبات ا 8درس f “ا يجعلهم يبحثون عن مصدر ا^خـر لـرفـع مـسـتـوى دخـلـهـم G فـلا يـجـدون أمامهم إلا هذه الدروس. وقد يكون في هذا التفسير بعض الصحة G لكنه لا يشفي غليلنا 1اما G فقد كانت ا 8رتبات قد ‘ا أقل من الا^ن كثيرا G ولم تكن هناك دروس خاصة G
  • 22. فلسفات تربوية معاصرة “ا قد يشير إلى أن هناك متغيرا ا^خر أو أكثر. ور ƒـا تـبـرز هـنـا بـالـذات متغيرات متعددة مثل (القوة الشرائية) للعملية ا 8ستخدمة.. التزايد ا 8ستمر في طموحات ا 8علم f وأبنائهم وتزايد احتياجاتـهـم G مـثـلـهـم فـي ذلـك مـثـل سائر الناس “ا يفرض طلبا مستمرا على زيادة الدخل. لكننا نستطيع أن نلحظ معلم f يزداد دخلهم عن طريق بعض الدروس لكنهم لا يكادون يقفون عند حد G فكلما أخذوا قالوا: هل من مزيد? وهناك من يفسر هذه ا 8شكلة في هذا التكدس في أعداد الطلاب في مدارس بعض الدول العربية بحيث يتدنى مستوى الخدمة التعـلـيـمـيـة إلـى حد كبير فلا يجد الطالب نفسه مستفيدا من الوقت الذي يقضيه في قاعة الدرس فيسعى إلى طلب درس خصوصي. وهذا تفسير معقول كذلك G لكننا نرى في بعض قاعات التعليم العـالـي أعدادا أكثر دون أن يستشعر معظم الطلاب هنا حاجة للدروس الخصوصية. ... وهكذا ‘كن الإشارة إلى ما يفسره البعض بأنه (ضعف في تكوين معلمي اليوم) أو خلل يعتور مناهج التعليم.. أو سوء إدارة في التعليم... إلخ. وفلسفة التربية ترى أن كل هذه العوامل وا 8بررات لا ينـبـغـي أن تـؤخـذ فرادى وإ ‚ا هي منظومة متصلة تشير إلى خلل عام في منظومة التـعـلـيـم الكلية ينتج أساسا من مصادر تتصل بـ (الاقـتـصـاد) وبـخـلـل فـي مـنـظـومـة القيم اﻟﻤﺠتمعية و ƒا يحدث كثيرا من مظاهر (تسييس التعليم) G فضلا عن جمود وعجز في الفكر التربوي في كليات ومعاهد إعداد ا 8علم f. ففلسفة التربية على هذا تحرص على (النظر الكلي) وتحكيم (البصـر الاجتماعي) وتأكيد أهمية (الرؤية من داخل) G ونقـصـد بـهـا تـلـك المحـاولـة للوعي بالمحركات الأساسية للعمل التربوي سواء من داخله هو أو من داخل البنية اﻟﻤﺠتمعية G كل ذلك في إطار من (التحليل) و(النقد) الـقـائـمـ f عـلـى استخدام الأدلة العقلية والبراه f ا 8نطقية G والالتزام الدائم ƒحكية الخبرة التربوية على أرض الواقع. وهكذا نجد أنه كما أن الفلسفة يتسع نطاقـهـا لـيـشـمـل عـمـوم الخـبـرة الكونية والإنسانية G فكذلك فلسفة التربية G يتسع نطاقها ليشمل عموم الخبرة التربوية وعلومها كلها G فهناك علوم كما نعلم G كل منها يختص بهذه الجزئية أو تلك من عناصر الكون والإنسان: نبات/ حيوان/ طب/ اقتصاد... إلـخ G 22
  • 23. ا فهوم لكن الفلسفة لا تتوقف عند (النظرة ا 8يكروسكوبية) لـكـل جـانـب مـن هـذه الجوانب. إنها مهمة هذه العلوم G لكن ا 8نظومة الكونية والبشرية في خطوطها العامة ومساراتها الرئيسية هي موضع اهتمام الفلسفة G وهكذا الشأن بالنسبة لفلسفة التربية في التعامل مع عموم العملية التربوية. ولأن هناك (علوما) تربوية متعددة مثل (ا 8ناهج) و(طرق تدريس ا 8ـواد الدراسية اﻟﻤﺨتلفة) و(التربية ا 8قارنة) و(الإدارة التعليمية) و(علوم النفـس) ا 8تصلة بالعملية التربوية و(تاريخ التـربـيـة)... إلـخ ولـكـل مـن هـذه الـعـلـوم نظرات ومشكلات ونتائج. ولأن كل هذا بالضرورة لابد أن يصب في النهاية في مصب واحد G هو شخصية ا 8تعلم كان من ا 8هم للغاية أن يكون هناك قـدر مـن الاتـسـاق بـ f هذه ا 8وارد اﻟﻤﺨتلفة حتى لا يصاب ا 8واطن باضطراب وتشتت. وهنا نجد أن هذه ا 8همة تقع على عاتق فلسفة التربية G مهمة التنسيـق ب f ما يرد من علوم التربية وما يتصل بها.. إنهم يشبهونها هنا بـ (ضابط الاتصال) و(ا 8نسق). كذلك G فنثرا لتلك العروة الوثقى ب f التربيـة والـفـلـسـفـة G فـإن فـلـسـفـة التربية تسعى إلى الاستفادة من تلك الفلسفات الـكـبـرى G ومـن الـنـظـريـات الفلسفية التي يبدعها هذا الفيلسوف أو ذاك G بحيث تتساءل: مـاذا يـعـنـي هذا النظر الفلسفي بالنسبة للتربية? إن هناك من أصحاب هذه ا 8ذاهب والنظريات الفلسفية من يقوم بذلك بنفسه كما رأينا عند أفلاطون ـ مثلا ـ وروسو.. لكن هـنـاك مـن لا يـتـعـدى النظرة الفلسفية ليبحث عما قد تؤدي إليه عند محاولة النظر في قضيـة (التطبيق) G وهنا يتقدم فيلسوف التربية ليحاول ذلك. وإذا كان معروفا عن ا 8سائل الفلسفية طبـيـعـتـهـا الخـلافـيـة G فـإن هـذه السمة نفسها تتبدى بدرجة أكثر وضوحا في فلسفة التربية G ذلك أننا هنا لا نكون فقط أمام تـبـايـن فـي الـعـقـول واخـتـلاف فـي ا 8ـشـارب وتـعـدد فـي الاجتهادات على ا 8ستوى الفردي G وإ ‚ا ـ بالإضافة إلـى ذلـك ـ نـكـون أمـام اختلاف في الخبرة الثقافية في عمومها G فمسائل التربية ليـسـت مـسـائـل عقلية مجردة G ‘كن أن تكون صورتها في هذا البلد مثـل تـلـك G وإ ‚ـا هـي تتصل بسلوك أفراد من مجتمع بعينه وبفئات محددة لها أطرها الثقافية 23
  • 24. فلسفات تربوية معاصرة والحضارية G ومثل هذا وذاك يجعل التباين والاختلاف أكثر وضوحا G ور ƒا أشد وطأة. صحيح أن فلسفة التربية ر ƒا تكون أكثر حرصا على التناول (العلمي) للمسألة التربوية “ا قد يوحي بأن هذا ‘كن أن يقلل من حدة التباينـات والاختلافات G لكنها ـ من ناحية أخرى ـ إذ تتصل بواقع بشـري بـعـيـنـه فـإن الخبرة البشرية تتباين في اتجاهاتها G وفي منطلقاتها G وفي وسائل التعامل معها. وقد يثير هذا الأمر تساؤلا يتعلق ƒا قد يبدو من تعارض أو تناقض ب f قولنا إن فلسفة التربية تقوم بعملية (تنظير) G وقولنا في الوقت نفسه إنهـا لابد أن ترتبط بخبرة تربوية. والحق أنه لا تعارض ولا تناقض G فالعلاقة ب f (النظر) و(العمل) ليست علاقة تناقض.. إن بينهما اختلافا بطبيعة الحال G لكنه اخـتـلاف يـسـتـلـزم التكامل G وا 8سألة هنا أشبه ƒا يحدث في مسألة البحث العلمي G فهو يبدأ من ملاحظة واقع ويفترض فروضا G هي بطبيعتها (نظـريـة) لـكـنـه يـخـضـع هذه الفروض لاختبار في دنيا الواقع ويجري التجارب ويسوق الأمثلـة مـن خبرة الظاهرة ا 8دروسة لكنه لا يقـف عـنـد هـذا الحـد وإ ‚ـا لـيـنـتـهـي إلـى (تعميم).. إلى (قانون).. هذا التعميم وهذا القانون هو عملية (تنظير). وهكذا يكون التنظير في العمل التربوي G عملية وعي بالقواعد الـعـامـة وا 8فاهيم الأساسية وبالعلاقات الرابطة ب f جـزئـيـات الـظـاهـرة الـتـربـويـة ا 8عايشة والتي نخبرها في واقع الحياة اليومية. كذك فإن قولنا إن فلسفة التربية تعني تطبيق الطريقة الفلسفية علـى تناولنا للمسائل التربوية قد يثير تساؤلا خاصا يتصل ƒا أسلفـنـاه مـن أن التربية تحتاج إلى (يق f) بينما الطريقة الفلسفية تستند إلى الشك. والرأي هنا إ ‚ا يتضح في تنبهنا إلى أن الطريقة الفلسـفـيـة إذا كـانـت تتطلب منا شكا G فهذا لا يعني أن نظل في حالة شك دائم في كل ا 8واقف والأحوال G وإ ‚ا هو شك مؤقت G نستهدف منه إخضاع الفكرة لمحك الفحص والنقد والاختيار G فإذا تأكدنا من صحتها زال الشك واستقر بنا الحال على يق f ‘كننا من السلوك القائم على الثقة والاطمئنان. بل إننا في التربية أشد حاجة إلى (الشك) G ذلك أننا إذا كنا نسعى G عن 24
  • 25. ا فهوم طريق العمل التربوي G إلى تصحيح مسار السلوك الإنساني G وإلى بث الوعي الاجتماعي وإشاعة الاستنارة G فإن هذا وذاك يستحيل أن يتحقق إلا بإخضاع كثير من قيمنا الشخصية والاجتماعية ومفاهيمنا لمحك النقد والتـحـلـيـل. وما النقد في حقيقة الأمر إلا افتراض شك G يستتبع بحثا وتفكيرا يفضي إلى قرار بالتحس f أو التقبيح. وإذا كنا نقول إننا لكي (نسلك) فلابد من أن نستند إلى (يـقـ f) إلا أن هذا ليس معناه أن نسير مغمضي الع f (مسـلّم f) G فهذا يق f خادع بقيم الحياة الثقافية على أساس هش ويكون أشبه بخريطة خاطئة يستحيل أن تصل بالسائر إلى الهدف ا 8طلوب. ويتصور بعض الناس أن فلسفة التربية إذا سلموا بأهميتها وضرورتها في عصور مضت G إلا أن عصرنا الحاضر ـ هكذا يزعمون ـ قد لا يتحملها بحكم توجهاته ومتغيراته. ومن الأمثلة التي يسوقونها للتدليل على صحـة مـا يـقـولـون إن الـغـطـاء الذي كان على الكون قد انكشف وأصبح التقدم ا 8ذهل للكشوف العـلـمـيـة دليلا مستمرا على ضرورة (التفريع) و(التجزيء) و(التخصيص) حتى ‘كن أن ندرس الظواهر اﻟﻤﺨتلفة دراسة دقيقة متأنية. إن النظر (ا 8يكروسكوبي) إلى الظواهر الكونية والإنسانية هو الطريق العلمي الأساسي 8زيد من الوعي بالقوان f والس ž الكونية والإنسانية التي 25 1كن الإنسان من مزيد من السيطرة والتسيد على هذه الظواهر. ونحن لا ‘كن أن ننكر أهمية التقدم نحو ا 8زيد من (التفريع) و(التجزىء) و(التخصيص) لإحراز مزيد من الكشوف العلمية G لكنـنـا نـسـتـنـد إلـى هـذا ا 8برر نفسه في القول باشتداد الحاجة إلى فلسفة التربية خاصة G فهنـاك فرق يجب أن ننتبه إليه ب f مهمة (البحث) ومهمة (التربية) G فالبحث يكون أدق وأعمق G كلما جزأنا G لكن (السلوك) يكون أصوب كلما (جمعنا). إن حركة عناصر الكون والإنسان إ ‚ا تتم في صورة (كليات) فالإنسان يسلك بكليته وفي تناسق وتا^زر مدهش عجيب ب f مكوناته وأجهزته اﻟﻤﺨتلفة G فلا الع f تتحرك وحدها ولا الأذن G ولا القلب ولا العقل.. وهكذا. وتربية هذا الإنسان يجب أن تستنـد إلـى هـذا الـسـلـوك (الـكـلـي) “ـا يوجب (النظر الكلي).
  • 26. فلسفات تربوية معاصرة وحتى ‘كن أن يكون توجيه السلوك الكلي توجيها سليما وقائمـا عـلـى قواعد صحيحة وس ž حقيقية G فإن البحث العلمي مطالب بأن يتناول كـل جزئية على حدة كي يصل إلى كل ما يتصل بها. ويرتبط بهذا بالضرور ما أصبح يطلق على عصرنا الحالي بأنه عصر ا 8علومات فهذا التدفق اللامحدود للمـعـلـومـات يـوجـب بـ f الحـ f والحـ f وقفة لا لالتقاط الأنفاس فهذا مستحيل G وإ ‚ا للمراجعة والفحص والنقد والحرص G على ألا نفتقد الخيط الأساسي الـذي يـربـط حـبـات ا 8ـسـبـحـة G وهذا ما ‘كن أن تقوم به فلسفة كل علم في مواجهة تدفق ا 8عـلـومـات فـي مجاله. كذلك فإن تدفق ا 8علومات يتضمن تغيرا مستمرا فيما نعرف عن الظواهر التربوية اﻟﻤﺨتلفة G والتغير كلما كان متسارعـا G اشـتـدت الحـاجـة مـعـه G كـمـا نؤكد دائما G إلى الإمساك بالإطار العام. ومن ا 8عروف أن التسارع في معدلات التغير عادة مايكون له أثر سلبي في بنية القيم في اﻟﻤﺠتمـع. وهـذا مـاحـدث فـي كـثـيـر مـن اﻟﻤﺠـتـمـعـات فـي العقود الأخيرة “ا جعل البعض يتصور أنه G باهتزاز منظومة القيم وتراجع كثير منها يصبح الحديث عن فلسفة التربية وكأنه (حلم يقظة) ولسنا فـي عصر يسمح بالإغراق في الأحلام. ونحن نقول إن هذا أدعى إلى أن يزيد من اهتمامنا بفلسـفـة الـتـربـيـة G فمع إقرارنا باهتزاز منظومة القيم وإصابتها بصور خلل واضحة G إلا أننا لا نستطيع أن نطمئن إلى تقدم اجتماعي دون الاستناد إلى بنـيـة مـجـتـمـعـيـة متماسكة قوية G وما يجعل البنية اﻟﻤﺠتمعية متماسكة هو أن تظللهـا مـظـلـة قيمية سوية. ونحن لا نزعم أن فلسفة التربية هي التـي سـتـقـوّم الأخلاق G وأنها هـي التي ستعيد القيم إلى عرشها G ولكننا نزعم أن ذلك هدف رئيسي لها وجهد أساسي مطلوب منها مع وعي بأن ذلك لا يتحقق إلا في ظل بنية مجتمعية أساسية سوية. فليست العملية التربوية G كما نكرر دائما G مجرد تعليم معلومات G وإ ‚ـا هي أولا وبالدرجة الأولى عملية »تنمية بشرية G« وكيف ‘كن لنا أن نطمئن إلى تنمية بشرية سليمة إذا افتقدنا (الشـراع) ا 8ـوجـه? G إذا افـتـقـدنـا بـنـيـة 26
  • 27. ا فهوم 27 متماسكة من القيم السوية? وبالإضافة إلى كل ماسبق ر ƒا نكون في حاجة إلى الكشف عـن وجـه الحاجة إلى فلسفة التربية بالنسبة لفئات بعينها من ا 8شتغل f بالعمل التربوي G حيث قد يسلم البعض بضرورة وأهمية فـلـسـفـة الـتـربـيـة G ولـكـن بـالـنـسـبـة للمتخصص f فيها أما بالنسبة لسائر ا 8شتغل f بالتعليم G فهذا ما قد يكون بعيدا عن التصور. بل إننا لنذهب إلى ماهو أكثر من ذلك G فنزعم لها أهمية وضرورة لا بالنسبة للمشتغل f بالتعليم على وجه العموم وإ ‚ا كذلك بالنسبة لفئات أخرى أساسية في اﻟﻤﺠتمع G ولنرى أولا G فئات ا 8شتغل f بالتعليم. فهناك رجال الإدارة التعليمية من نظار ومديري مدارس ومديري الإدارات وا 8ناطق والقطاعات اﻟﻤﺨتلفة G فهؤلاء إذ يكونـون مـسـؤولـ f عـن إدارة دفـة التعليم يصبح من الأهمية ƒكان أن يـكـونـوا عـلـى وعـي كـاف بـالـتـوجـهـات العامة وبا 8نطقات الرئيسية وبجملة ا 8فاهيم والقيم الأساسية فـهـي الـتـي تحدد أسلوب الإدارة وأهدافها G وهي التي تبرز اتجاهات الحل عند التعامل مع ا 8شكلات G وهي التي تع f على الاختيار ب f البدائل لأن الاختيار يقوم على معايير ومحكات G وما فلسفة التربية إلا جملة من هذه ا 8عايير والمحكات. وهناك مصممو مناهج التعليم G هذا القطـاع الـذي يـعـد (قـلـب) الـعـمـل التربوي الأساسي G فهو اﻟﻤﺨتص بالإجابة عن السؤال الشهير: مـاذا نـعـلـم? وبقدر قليل من التفكير نـسـتـطـيـع أن نـتـبـ f أن الإجـابـة عـن هـذا الـسـؤال تستحيل ما لم نكن على وعي أولا بالإجابة عن سؤال سابق وهو: 8اذا نعلم? ففي ضوء هذا ‘كن أن نحدد: هل نعلم هذه ا 8ادة أو تلك? وهل تجىء هذه ا 8ادة في مرحلة الأساس أم الثانوي? وهل تقتصر على مرحـلـة واحـدة أم تستمر طوال مراحل التعليم? وأي وزن ‘كن أن تحتله هذه ا 8ادة أو تلك من جملة الجدول ا 8درسي? وا 8شتغلون با 8ناهج يعلمون جيـدا أهـمـيـة دروسـه ومعرفة (أسس) ا 8ناهج أولا G وما الأسـس فـي الأغـلـب والأعـم إلا فـلـسـفـة التربية G فضلا عن دراسات علوم النفس. ـ أما ا 8علمون G فهم ا 8سؤولون كما نعلم عن خط الإنتاج الأول.. عن تعلم التلاميذ G وهم بحكم هذه ا 8سؤولية في حاجة ماسة إلى الـوعـي بـطـبـيـعـة هذا ا 8تعلم الذي يتلقى عنهم مقومات وعناصر العملية التربوية. وهم بحكم تنفيذهم للمنهج بحاجة إلى الوعي بأسس هذا ا 8نهج وبأهداف ا 8ادة التي
  • 28. فلسفات تربوية معاصرة يقومون بتدريسها. وا 8علمون يقومون أثناء تنفيذ ا 8نهج وفي نهايته بتقو  التلاميذ فهل لا تعدو مسألة التقو  عملية (امتحان) نتأكد عن طريقها من مدى علم التلاميذ ƒا قد حصلوه لنحكم عليهم بالنجاح أو الفشل G أم أنها عملية تتصل ƒجمل العملية التربوية للقيام بعملية تغذية مراجعة نعيد فيها النظر في كل الأطراف بناء على نتاج التقو ? إن هذا أمر يتعلق أيضا بالغايات... بالفلسفة. وا 8علمون هم »وكلاء اﻟﻤﺠتمع « إن صح هذا التعبير »ينشئون « التلامـيـذ صغارا حتى يتهيأوا للانخراط في اﻟﻤﺠتمع كبارا G وأمر مثل هـذا يـقـتـضـي كذلك وعيا بفلسفة اﻟﻤﺠتمع وبالاتجاهـات وا 8ـقـومـات الأسـاسـيـة كـثـقـافـة وبنية القيم فيه. ـ ولا يعتبر ولي الأمر بعيدا عن هذا. فأيا كان عمله وأيا كان تخصصه G إلا أنه مشارك أساسي في العملـيـة التربوية فهو الأب أو الأم في أغلب الأحوال G وهو الراعي من حيث التغذية والرعاية الجسدية والنفسية وهو ا 8نفق ماليا... إلخ G وهو بحكم كل هذا لا ‘كن أن يسير في طريق معاكس لهذا الذي يسير عليه ا 8علمون ومصممو ا 8ناهج ومديرو التعليم G وبالتالي فنحـن وإن كـنـا لا نـزعـم ضـرورة دراسـتـه لفلسفة التربية G إ ‚ا نحن نؤكد ضرورة »إ 8امه « و »تفهمه « لبعض الخطوط العامة حتى ‘كن له أن يعمل في تناسق وانسجام مع كافة الأطراف ا 8سؤولة عن تربية أبنائه. فإذا جئنا إلى بعض الأطراف الأخرى خارج نطاق العمل التربوي فسوف نجد أمامنا فئات ثلاثا أساسية. ـ هناك السياسيون خاصة من هم في موقع ا 8سؤولية G فغني عن البيان أن التربوي f في مواقع ا 8سؤولية إ ‚ا ينفـذون (سـيـاسـة عـامـة) و(فـلـسـفـة رئيسية للمجتمع) G هذه السياسة الـعـامـة بـالـذات لا يـضـعـونـهـا هـم G وإ ‚ـا تضعها (القيادة السياسية). وإذا كان التربويون ملزم f بالوعي جيدا بهذه السياسة العامة G فلا يقل عن ذلك أهمية G وعي السياسي f بفلسفة التعليم حتى يستطيعوا أن يكلفوا مسؤولي التربية ƒهام بعينها وحتى يستطيعوا أن يحاسبوا ويقيموا. بل إن السياسي f هم الذين يحددون (كم) الإنفاق الكلي على التـعـلـيـم G 28
  • 29. ا فهوم تلك العملية الأساسية التي قد تؤدي إلى الإسهام في إنجاح العملية التعليمية كما أنها قد تصيبها بالشلل. ـ أما الإعلاميون G فمن ا 8عروف أن دور الإعـلام G مـشـارك أسـاسـي فـي عملية التربية والتنشئة بصفة عامة G بل أصبح معروفا أن تأثير الإعلام قد يفوق تأثير ا 8درسة بحكم عوامل كثيرة ليس هنا مجال لـعـرضـهـا G خـاصـة بالنسبة للتليفزيون. وهذا الاشتراك في مسؤولية التربية والتنشئة يفرض كذلك وعيا بفلسفة التعليم في خطوطها الرئيسية حتى يتوافر ماهو مأمول من اتساق وانسجام G وإلا فيمكن أن يهدم الإعلام مساءً ما اجتهدت ا 8درسة أو الجامعة في أن تبنيه صباحا. ـ كذلك نجد أن دعاة الدين مشاركون بدورهم في عمـلـيـة بـنـاء الـبـشـر وخاصة في اﻟﻤﺠتمع العربي الذي يلعب فيه الدين دورا رئيسيا في توجـيـه السلوك وفي إرساء ا 8نطلقات وتحديد الأهداف والغايات G بل وتوجيه السلوك سواء ب f ا 8واطن ونفسه أو ب f ا 8واطـن وغـيـره مـن ا 8ـواطـنـ f. وفـي هـذه ا 8رحلة بالذات التي ارتبكت فيها كثير من ا 8فاهيم الدينية وشـاع الـهـجـوم بالدين والهجوم عليه تصبح الحاجة ملحة إلى الوعي بفلسفة التربية عسى أن يسهم هذا في تصويب ا 8سار عند التعامل دينيا مع الأطفال ومع الشباب على وجه العموم. وإذا كانت هذه هي (مبررات) الوعي بفلسفة التربية بالنسبـة لأطـراف عدة G فإننا نجد أن هناك جملة من ا 8بررات »ا 8شتركة G« وإن شئنا مزيدا من الوضوح G جملة من »الفوائد « و »الإيجابيات « التي لا تقتصر عـلـى فـئـة دون أخرى سواء بالنسبة للمتخصص f أو غيرهم G نذكر منها: ـ فنظرا للطبيعة الخلافية لفلسفة التربية G فإن دراستها تؤدي في أغلب الأحوال إلى التيقن من أن ليس هناك »رأي واحد « فزوايا الرؤية مختلفـة G والاجتهادات متعددة G وبالتالي فلا داعي لأن يتعصب هذا أو ذاك لرأيه G ولا داعي لأن »يكفر « أحد أحدا سواء تكفيرا دينيا أم سياسيا. ـ ويترتب على ذلك التيقن من أن (الحوار) هو وسيلة التعامل الأساسية التحاور بالأفكار وبا 8صطلحات وبا 8فاهيم G والحرص عـلـى أن تـظـل دائـرة الحوار مقتصرة على (ا 8وضوع) لا (الشخص) وما يقتضيه الحوار من لغة 29
  • 30. فلسفات تربوية معاصرة حديث أو كتابة تتسم بالطهر والنظافة والافتراق بعد الحوار دون تخاصم. ـ ودراسة فلسفة التربية من شأنها أن تكون اتجاها فكريا ‘يل بالإنسان إلى ألا يقف من الأمور عند حد ما (يبدو) وما (يظـهـر) وإ ‚ـا يـسـعـى إلـى محاولة الوصول إلى (ا 8اوراء) “ا يحمل في أغلب الأحوال التفسير الأقرب إلى الحقيقة G ومن ثم الإعانة على حسن الفهم. ـ ومن شأن محاولة تجاوز (مايظـهـر) لـلـوصـول إلـى (ا 8ـاوراء) أن تـتـيـح الفرصة لإدراك ماب f ا 8تفرقات من علاقات. سواء إذا كانت علاقات تأثير وتأثر G أو علاقات تضـمـن أو احـتـواء أو تـرادف G وهـذا الـوعـي بـالـعـلاقـات القائمة ب f ا 8تفرقات سبيل مهم لدقة الفهم. ـ و 1يل فلسفة التربية بدارسها إلى ألا يسلم ƒا يقرأ أو يسمع أو يرى G فهو لا ‘ل من طرح هذا التسـاؤل: هـل هـذا صـحـيـح? وهـو مـا يـشـكـل مـا نسميه بالنظرة النقدية G تلك النظرة التي تساعد على إزالة معوقات النمو الفكري وتغذية العقل بالجديد من الأفكار. ـ وإذا كانت دراسة فلسفة التربية تلح بسؤال (هل هذا صحيـح?) فـهـي كذلك تلح بسؤال ا^خر مهم وهو 8» اذا? « فمـن شـأن الـطـرح ا 8ـسـتـمـر لـهـذا السؤال أنه يعني ضرورة »التعليل «. والتعليل هو الركن أو القدم الثاني ـ مع النقد ـ لطرح روح (التسليم) جانبا وبالتالي فهما معا يحيلان الإنسـان مـن عنصر »منفعل « إلى عنصر فاعل. ـ وليست ا 8سألة هي فقط أن نتساءل: هل هذا صحيح? و 8» اذا? G« إنها أكثر من ذلك اتساعا.. إنها بث روح الـتـسـاؤل بـصـفـة عـامـة بـكـافـة أدوات التساؤل ا 8عروفة: هل? كيف? أين? من? متى?.. وهكذا فكلما طرح تساؤل G فمعنى ذلك جهد للإجابة G وهذا يـعـنـي مـزيـدا مـن الـوضـوح أو مـزيـدا مـن إضافة أفكار جديدة G أو زوايا أخرى G ومن شأن هذا كـلـه أن يـغـنـي الـفـكـر ويغذي العقل. ـ كذلك فإنها تساعد دارسها على أن يكون حريصا أشد الحرص علـى التحديد الدقيق للمفاهيم ا 8ستخدمة G سواء من جـانـبـه هـو أو مـن جـانـب ا^خرين حتى يتوافر القدر الأساسي من الوضوح G فكم من معارك نشبت G لو حللناها تحليلا دقيقا فسوف نجد أن جزءا كبيرا منها إ ‚ا يعود إلى عدم الاتفاق على الوضوح الفكري G ونشير إلى الوضوح لا إلى تطابق ا 8فاهيم G 30
  • 31. ا فهوم لأن هذا احتمال قد يكون بعيدا في بعض الأحوال G لكن ما لابد منه هو أن يعرف كل طرف ا 8عنى الدقيق 8ا يقوله هو أو يقوله الطرف الا^خر. ـ وبعض الناس قد لا يحفلون ƒسألة تحديـد الـهـدف مـقـدمـا “ـا قـد يوقعهم في التخبط ويهدر كثيرا من الوقت والجهد بلا نتيجة ملموسة G مع أننا نعلم جيدا أن إحدى سمات الإنسان ككائـن حـي أنـه قـد وهـب الـقـدرة على تحديد الهدف وتصوره وتغييره واختيار الوسائل ا 8ناسبة وفقا لتغـيـر الظروف والأحوال والإمكانات ا 8توافرة. ونحن لا ننكر أنه في كافة اﻟﻤﺠالات G هناك تأكيد على ضرورة تحديد الهدف ولكننا نشير هنا إلى أن هذه ا 8سألة بالنسبة لفلسفة التربية (عمل أساسي) ومهمة رئيسة G من مهامها. ولا شك أن الحرص الدائم على تحديد الأهداف من شأنه أن يع f الإنسان على تحديد ا 8سار والإمكانات ا 8طلوبة ووسائل التنفيذ G بل والتوقيتات اللازمة G وكل هذا يؤدي من غير شـك إلـى الاقتصاد في الإنفاق ا 8ادي والإنفاق الإنساني. ـ والقدرة على تحديد الهدف تع f غالبا الإنسان على الاختيار القيمي G وذلك الاختيار الذي قد يصيب الإنسـان أحـيـانـا بـالـتـردد G وقـد يـصـل إلـى درجة التوقف: هل يقدم هذه القيمة أم تلك? وما حساب الخسائر والأرباح? ـ وكل ما سبق يساعد إلى حد كبير على إزالة مظاهر وصور التناقـض التي قد تفقد الحياة الثقافية صحتها وتبلبل العقول والخواطر وتبذر بذور الصراع والف  . وبعد هذه الوقفة الطويلة نسبيا أمام ضـرورة وأهـمـيـة دراسـة فـلـسـفـة التربية G نجد عددا من القضايا التي تحتاج G لا نقول إلى (حسم) وإ ‚ا إلى عرض وجهة نظرنا G منها: من أين نبدأ فلسفة التربية? ذلك أن هناك بعضا يرى أن البداية تكون ƒناقشة وتحليل ا 8شكلات والخبرات التربوية G بينما يذهـب بـعـض ا^خـر G إلى ضرورة أن نلجأ إلى ا 8سائل وا 8شكلات الفلسفية ثم نبحث عن دلالاتها وتطبيقاتها التربوية. والسبيل الأول هو الأقرب إلى الواقعية G وإلى إقدار فلسفة التربية على أن تكون قوة تغيير مجتمعي لا مجرد رياضة عقلية في مسائل تربوية. لكن هذا لا ينبغي أن يعني بالضرورة التغافل عن تلك النظرات والجهود 31
  • 32. فلسفات تربوية معاصرة الفكرية التي بذلها الفلاسفة G إذ من الضروري »الاستفادة « بها والاستعانة بطريقة الفيلسوف في مواجهة ا 8سألة التربوية. وفلسفة التربية إذ تبدأ من واقع ا 8سألة التربوية G فـلـكـي تـعـيـنـنـا عـلـى فهمه ومواجهته G لكن الهدف الأكبر من هذه العملية هو استشراف ا 8ستقبل G ففلسفة التربية بطبيعتها إذن عملية (مستقبلية) G فهي إذ تسعى إلـى رسـم صورة 8ا ينبغي أن يكون G فإن ذلك يعني سعيها إلى رسم صورة للمستقبل. والبدء بالواقع ومواجهته والاشتبـاك مـع هـمـومـه ومـشـكـلاتـه يـقـتـضـي »العلمية «. وليست العلمية هنا تعاملا مع أجهزة بحث في معمل G وإ ‚ا هي علمية ا 8نهج من حيث دقة استخدام ا 8فاهـيـم وا 8ـصـطـلـحـات G ومـن حـيـث الاستناد إلى الخبرة في الحكم على مدى صحة الأفكار G من حيث الاتساق ا 8نطقي وتوافر الدليل ا 8نطقي ومن حيث ا 8رونة والاستعداد للتخـلـي عـن الفكرة إذا ثبت عدم صحتها G وهكذا “ا هو مـعـروف مـن أصـول وقـواعـد الطريقة العلمية للتفكير. ونحن هنا لا نقر ذلك التقابل الذي يدرس كثيرا في بعض كتب الفلسفة لطلابنا ب f (الطريقة الفلسفية) و(الطريقة العلمية) في التفكيـر G لا نـقـره من حيث الإيحاء بأن الدراسة الفلسفية ملزمة بالطريقة الأولى وأن الدراسات الأخرى هي اﻟﻤﺨتصة بالثانية G فمع التسليم بوجود ( 1ايز) بيـنـهـمـا G إلا أن هذا لا يستتبع بالضرورة اختيارا بينهما G إما هذه وإما تلك. وبالتالي فقولنا بضرورة (علمية) فلسفة التربية لا يعني أن تتخلى عـن (التأمل) كنهج أساسي G فالتأمل ضرورة لا غنى عنها وليس الـتـأمـل دائـمـا كما يتصور البعض مجرد (سبحات خيال) وإ ‚ا هو سباحة عقلية تنـطـلـق من معطيات واقع صحيح.. أن تستخدم (الخـيـال) لـكـنـه خـيـال مـضـبـوط G خيال الإبداع والابتكار وليس خيال أحلام النوم. والاعتراف بأهمية (التأمل) في فلسفة التربية يبرز لنا قضـيـة مـهـمـة G ذلك أن قولنا يبدأ فلسفة التربية من واقع الخبرة G وبانتهاجها نهجا علميا إ ‚ا يعني أنها لا تتعامل لا من قريب ولا من بعيد مع ا 8سائل ا 8يتافيزيقية. وإذا كـانـت مـذاهـب كـثـيـرة قـد نـأت فـي الـعـهـود الأخـيـرة بـالـفـعـل عــن ا 8يتافيزيقا G فإن فلسفة التربية هي الأخرى G بحكم وظيفـتـهـا قـد لا تـكـون معنية بطريقة مباشرة با 8باحث الخاصة بالـكـون وبـأصـل الـوجـود وخـلـقـه 32
  • 33. ا فهوم ومصيره وتكوينه G لكنها لا تستطيع أن تنعزل 1اما عن هذا G فمهما خاصم مفكرون ا 8يتافيزيقا G إلا أنهم بطريقة أو بأخرى لابد أن يكون لهم موقف من هذه ا 8سائل. وبالنسبة لفلسفة التربية فقد لا تعنى هي بالـبـحـث فـي هذا لأنه يخرج عن نطاقها G لـكـنـهـا لا تـسـتـطـيـع إلا أن تـسـتـنـد إلـى نـظـرة فلسفية في الكون/ الحياة/ الإنسان G قد تكـون هـذه الـنـظـرة نـظـرة (ديـن) بعينه وقد تكون نظرة مذهب أو مفكر G وفقا 8ا سبق أن أكدنا بأن التربية لا تستطيع ألا تكون »مؤدلجة « أي منطلقة من (أيديولوجيا) ومن ضمن أركان الأيديولوجيا G تحديد ا 8وقف من مثل هذه القضايا. - ما موقع فلسفة التربية من علوم التربية? وما موقعها من الدراسات الفلسفية? إذا كنا قد اتفقنا على عناية فلسفة التربية بتحديد ا 8نطلقات الأساسية التي يقوم عليها العمل التربوي G يصبح هذا النسق ا 8عرفي هو »ا 8ايسترو « ـ إن صح هذا التعبير بالنسبة ﻟﻤﺨتلف تخصصات العلوم الـتـربـويـة دون أن يعني هذا معنى من معاني الهيمنة والسيطرة. وفلسفة التربية تندرج عادة تحت مظلة مايسمى في العلوم التربوية بــ 33 (أصول التربية) G بل قد تتطابق عند البعض معها. والحق أن هذا ا 8صطلح (أصول التربية) أصبح بحاجـة إلـى ا 8ـواجـعـة G فقد كان يعني: الأصول الفلسفية والاجتماعية والاقـتـصـاديـة والـتـاريـخـيـة والنفسية للتربية. وقد أصبح كل أصل من هذه الأصول (علما) قائما بذاته G فصار هناك (اقتصاديات التعليم) و(اجتماعيات التربية) و(تاريخ التربية) G و(علوم النفس). وهكذا حيث لم يبق بالساحة إلا (الأصول الفلسفية) التي عنى بها كثيرون (فلسفة التربية). ومن ثم فيبدو أن الضرورة ملحة الا^ن لكي نتخلى عن مصطلح (أصول التربية) كاسم نسق معرفي قائم بذاته G لتبقى لنا (فلسفة الـتـربـيـة) نـسـقـا قائما بذاته G تشارك مع الأنساق الأخرى التي أشرنا إليها في تحقيق الهدف ا 8راد من (أصول التربية) بحيث يصبح هذا ا 8صطلح اسما (ﻟﻤﺠال) يـضـم عدة أنساق. أما بالنسبة للدراسات الفلسفية G فإن فلسـفـة الـتـربـيـة تـقـع فـي نـطـاق
  • 34. فلسفات تربوية معاصرة ماهو معروف في هذه الدراسات باسم (فلسفات العلوم) G فهناك كما نعلم فلسفة للتاريخ G وفلسفة للعلوم G وفلسفة للاجتماع G وهكذا. لكن هذا لا يعني تباعد فلسفة التربية عن بعض القطاعات الفلسفية G فهي بحكم وظيفتها تجد أنه لابد لها من الاستعانة با 8باحث الفلسفية في نظرية ا 8عرفة G حيث إن من مهام التربية الأساسية (التعليم) والتعليم يعني موقفا من مصدر ا 8عرفة ماهو? وهل هي “كنة أم لا? وما درجة اليق f فيها وبأي الوسائل تتم ا 8عرفة? وما طبيعتها?... وهكذا. وكذلك فإن عملية التعليم لا تعنى ƒادة ا 8عرفة ومحتواها فقط G وإ ‚ا تعنى كذلك بالطريقة G وإذا قلنا (الطريقة) نجد أنفسنـا قـد طـرقـنـا بـاب (ا 8نطق) أياً كان ا 8نحى الذي نتناوله به. أما (الأخلاق) فهي غنية عن البيان من حيث صلتها بالعـمـل الـتـربـوي G إلى الدرجة التي ‘كن عندها أن نقول G إنها من (ا 8ناطق ا 8شتركة)! - ماعلاقة فلسفة التربية بكل من فلسفة اﻟﻤﺠتمع وسياسة التعليم? الحق أنه ‘كن القول بأننا أمام هـذه الـقـطـاعـات الـثـلاثـة G نـكـون أمـام مستويات متدرجة: فإذا كانت فلسفة التربية تحدد ا 8نطلقات الفكرية للعمل التربوي فإن العمل التربوي G إ ‚ا هو عمل منظومة فرعية من جملة ا 8نظومات ا 8ـكـونـة للمنظمة اﻟﻤﺠتمعية الكلية G ƒا تشـمـلـه مـن مـنـظـومـة سـيـاسـيـة ومـنـظـومـة اقتصادية ومنظومة ثقافية G وهكذا. وا 8نظومة التربوية G على هذا الأساس لابد أن تعمل في تناغم واتساق مع سائر ا 8نظومات الاجتماعية G “ا يستتبع حتمية الاستناد إلى منطلقات مجتمعية عامة هي التي تشكل ما نسميه بفلسفة اﻟﻤﺠتمع. إنه إذا كان على كل أمة أن تحدد أهدافها الكلية وتطلعاتها ا 8ستقبليـة ونهجها العام G فإنه “ا يخص العامل f في القطاع التربوي G أن يحددوا بناء على هذا.. ماذا تعني هذه الفلسفة اﻟﻤﺠتمعية بالنسبة لهم? أو ƒعنى ا^خر ما الدور الذي ‘كن أن يقوم به النظام التـربـوي لـتـحـقـيـق هـذه الـفـلـسـفـة العامة? وتكون الإجابة عن هذا السؤال من شق f: الشق الأول يتمثل في صورة »منطلقات تربوية « تحدد ا 8فاهيم الأساسية والقيم الرئيسية وقواعد وأصول التناول النقدي 8شكلات التعليم G وكيفيـة 34
  • 35. ا فهوم مناقشة الافتراضات الأساسية للنظريات ا 8تداولة في العمل التربوي (وهذا هو ما اصطلحنا على تسميته بفلسفة التربية). الشق الثاني وهو يتمثل في صورة (مسارات) مقترحة و(توجهات) توضع أمام ا 8نفذين وهي ما نسميه بـ (السياسة التعليمية) G فهي إذن تشكل ا 8ستوى الثالث حيث 1ثل فلسفة اﻟﻤﺠتمع (ا 8ستوى الأول) و 1ثـل فـلـسـفـة الـتـربـيـة (ا 8ستوى الثاني). ولذلك تكون سياسة التعليم معرضة للتـغـيـر مـن فـتـرة لأخـرى G بـعـكـس فلسفة التربية التي تتميز بقدر من الثبات النسبي G فإذا كان لسياسة التعليم أن تتغير بتغير »سلطة التعليم G« فإن فلسفة التربية قد لا تتغير إلا بتغـيـر القيادة السياسية نفسها. - ما السبيل الأفضل لدراسة فلسفة التربية? الحق أنه من العسير أن نقول إن هناك سبيلا أفضـل مـن غـيـره G فـهـي سبل ومناح تنتهي إلى تحقيق الهدف نفـسـه مـن زوايـا مـخـتـلـفـة. أمـا هـذه السبل فهي ـ غالبا ـ ما تنحصر في ثلاث: - قد تتم دراسة فلسفة التربية عن طريق دراسة جملة الأفكار وا 8فاهيم الأساسية G كتحديد ا 8وقف من (طبيعة الإنسان) ـ الأهداف التربوية ـ الحرية ـ القيم. - وقد تتم عن طريق (شخصيات) تتمثل في عدد من فلاسفة الـتـربـيـة ذوي الأثر الواضح في هذا اﻟﻤﺠال: رسـل/ ديـوي/ فـريـري/ “ـكـارنـكـو... إلخ. - وقد تتم عن طريق (مدارس) و(اتجاهات) وهو السبيل الذي نتبناه في كتابنا الحالي G فندرسها عن طريق دراسة عدد مـن الـفـلـسـفـات وا 8ـذاهـب ذات الإسهام التربوي: كالبراجماتية مثلا.... وهكذا. 35
  • 36. فلسفات تربوية معاصرة 36 المراجع 1- Bowyer, C. H: Philosophical Perspectives for Education IIIinois, Scott, Foresman Comp, 1970 2- Broudy, H.S: Building a Philosophy of Education, New Delhi, Printice-Hall, 1965. 3- Dupuis, A.M Nordberg, R.B: Philosophy and Education U.S.AThe Bruce Publishing Comp, 1968. 4- Kilpatrick, W.H: Philosophy of Education, W.Y, The Macmillan Company, 1951. 5- Lucas, C.J: What is Philosophy of Education? London, The Macmillan Comp, 1969. 6- Moore, T.W: Philosophy of Education, An Introduction, London, Routledge Kegan Paul, 1982. 7- Ozman, HCraver, S: Philosophical Foundations of Education Columbus, Ohio, Charles E., Merrill Publishing Comp, 1976. 8- Peterers, R.S (ed): The philosophy of Education, London, Oxford Unir Press, 1980. 9- Strain, J.P: Modern Philosophies of Education, New York Rondm House, 1971. ـ جون ديوي: الد ‘قراطية والتربية G ترجمة متى عقراوي وزميله G القاهرة G لجنة التأليف والترجمة والنشر G ١٩٥٤ . ـ سعيد إسماعيل علي وا^خرون: دراسات في فلسفة التربية G القاهرة G عالم الكتب G ١٩٨١ . ـ صادق سمعان: الفلسفة والتربية G محاولة لتحديد ميدان فلـسـفـة الـتـربـيـة G الـقـاهـرة G الـنـهـضـة العربية G ١٩٦٢ . ـ فيليب فينكس:فلسفة التربية G ترجمة محمد لبيب النجيحـي G الـقـاهـرة G دار الـنـهـضـة الـعـربـيـة G ١٩٦٥ . ـ محمد الهادي عفيفي: في أصول التربية G الأصول الفلسفية G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية G ١٩٨٠ . ـ محمد لبيب النجيحي: مقدمة في فلسفة التربية G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية ١٩٦٧ . ـ نيللر. ج. ف: مقدمة إلى فلسفة التربية G ترجمة نظمي لوقا G القاهرة G الأنجلو ا 8صرية G ١٩٧١ . ـ هاني عبدالرحمن صالح: فلسفة التربية G عمان G مطبعة الجيش العربي G ١٩٦٧ .
  • 37. فلسفة التربية البراجماتية فلسفة التربية البراجماتية 37 أولا ـ الأصول الاجتماعية والفلسفية ١ ـ الأصول الاجتماعية: تعد الظروف الاجتماعية التي اكتنفـت ازدهـار التفكير الفلسفي في أمريكا الشمالية G ظروفا فريدة في التاريخ الإنساني G اللهم إلا إذا قارناها بظروف القرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية G فعلى أرض هذه القارة G التقت جماعات من مخـتـلـف أصـقـاع العالم G وعولت عـلـى أن تـشـكـل أمـة جـديـدة. وفـي أرض هذه القارة G بذرت معا بذور التقاليد الثقافية الوافدة من أقـصـى الأقـالـيـم وا 8ـنـحـدرة مـن أبـعـد العـصـور G وسـرعـان مـا أيـنـعـت ثـمـارهـا مـعـا G ومـن الخامات ا 8ستوردة G Š نسج الفكر الأمريكي. وفي الحق أن ظروف تجارة أوروبا ذاتها كانـت قد بدأت تتطور فـي مـيـاديـن نـشـاطـهـا الـسـيـاسـي والاقتصادي والاجتماعي والديني G وترتب على ذلك ظهور رغبة واضحة عند أعداد كبيرة نحو البحث عن مصادر الثروة G وعن مظلات الحرية G في خارج الـيـابـس الأوروبـي. ومـعـنـى ذلـك أن الحــاجــة إلــى الأوطان الجديدة غير ا 8سكونة قد بدأت تجـتـذب أنظار هؤلاء الذين كانوا على قدم الاستعداد للرحيل إلى أوطان جـديـدة فـي الخـارج. و ‘ـكـن الـقـول إن 2