1. الدعداد المهني للمدرس المغربي
ذ.حميد بن خيبش
في معرض مقاربته للسياسة التعليمية منذ الحماية الفرنسية حتى منتصف الثمانينات , يورد الدكتور
محمد دعابد الجابري في كتابه " التعليم في المغرب العربي " إشارة طريفة حول التدبير الحكومي للبقبال
الهائل دعلى التعليم غداة الستقلل , فيقول " إنه البقبال العارم دعلى التعليم الذي اكتسى صورة ضغط
شعبي هائل يهدد بالنفجار .فكيف دعالجت الحكومات الوطنية هذا المشكل ؟ لم يكن هناك من خيار , لقد
كان ل بد من بقبول أكثر ما يمكن من التلميذ في المدارس و استعمال جميع الوسائل الممكنة و أهمها
نظام التناوب , ونصف الحصة مما مكن من استعمال الحجرات الدراسية القائمة و المستحدثة بصورة
مضادعفة , وايضا اللجوء إلى توظيف كل من "يحسن" القراءة بالعربية أو الفرنسية للعمل كمعلمين بعد
حُ
." )دورة تكوينية مختصرة )التكوين السريع
طبعا تجد هذه الصيغة التكوينية مبرراتها في الظرفية الجتمادعية و السياسية لدولة حديثة العهد
بالستقلل , أما أن تظل هي الصيغة الوحيدة المعمول بها حتى الن فهذا ما يدفعنا للتشكيك في جدية
! المبادرات الرامية إلى تحديث المنظومة التعليمية
فمعلوم أن المجتمعات المعاصرة تشهد منذ سبعينات القرن الماضي ثورة تربوية غير مسبوبقة , وسعيا
دؤوبا نحو الرفع من جودة التحصيل الدراسي , وتأهيل الخريجين لمواكبة التطور الحاصل في شتى
مظاهر النشاط النساني .غير أن هذه الثورة ما كانت لتؤتي ثمارها في العديد من بلدان العالم لول
البقرار بضرورة الدعداد الجيد للمدرس , وبناء صورة اجتمادعية جديدة تناسب المسؤولية الجسيمة الملقاة
دعلى دعاتقه , مسؤولية تزداد ثقل أمام تحديات ثورة المعلومات و التصال , واحتدام السباق نحو امتلك
! المستقبل
* * * * * * * * *
شهد المغرب في مطلع اللفية الثالثة صدور ميثاق وطني للتربية و التكوين , كما خصصت العشرية
حُ
الولى لتأهيل المدرسة المغربية , ودعرف المشهد التربوي لتحديد الولويات و المنطلقات و بحث الصيغ
. الكفيلة بالستجابة لتوبقعات المجتمع من الفرد المتعلم
و بما أن المدخل السليم لي إصل ح تربوي يبدأ من الدعداد الجيد للمدرس فقد نص الميثاق في ددعامته
: الثالثة دعشرة ) المواد 431,531,631( دعلى ما يلي
تمكين المدرسين و المشرفين التربويين و الموجهين و الداريين من تكوين متين بقبل استلمهم -
لمهامهم و ذلك وفق أهداف ومدد زمنية و نظام للتكوين و التدريب يتم تحديدها بانتظام في ضوء
.التطورات التربوية و التقويم البيداغوجي
. تدبقيق معايير اللتحاق بمراكز التكوين ومعايير التخرج منها -
تعزيز التكوين الساسي و تنظيم دورات التكوين المستمر لجعلهم أبقدر دعلى المستلزمات المعرفية -
. و الكفايات البيداغوجية و التواصلية التي تتطلبها أمامهم
تستفيد أطر التربية و التكوين دعلى اختلف مهامها أو المستوى الذي تزاول فيه من نودعين من -
التكوين المستمر و إدعادة التأهيل : حصص سنوية بقصيرة لتحسين الكفايات و الرفع من مستواها مدتها
. ثلثون)03( سادعة +حصص لدعادة التأهيل بصفة معمقة تنظم دعلى البقل مرة كل ثل ث سنوات
غير أنه , وبعد انصرام ما يقارب العقد دعلى صدور هذه التوصيات , جاءت الحصيلة الميدانية مخيبة
للمال , فقد ورد في التقرير التركيبي للبرنامج الستعجالي )9002-2102( أن وابقع تكوين المدرس
المغربي ل يؤهله للنخراط بفعالية في أوراش الصل ح , ومرد ذلك إلى : 1- غياب مقاييس تسمح
بتقويم المؤهلت البيداغوجية و العلئقية للمترشحين , وكذا المحفزات التي تدفعهم لختيار مهنة التدريس
2- دعدم كفاية المدة المخصصة لتأهيل المدرسين المتدربين في مختلف مراكز التكوين ) إذ ل تتعدى 7
. أشهر!( 3- غياب التخصصات لدى المستفيدين من هذا التكوين
1
2. و بدوره, لم يفلح البرنامج التستعجالي الذي انطلق عام 9002 لعطاء نفس جديد لللصل ح , في إرتساء
معايير جديدة تقطع مع نمط " التكوين السريع" , وتتجاوز المقاربة التقنية التي تتعامل مع المدرس على
أنه مجرد أداة لللصل ح , وتختزل إعداده البيداغوجي و السيكولوجي في جرعات تريوية مرتبطة بتنفيذ
.! مشاريع ومقررات متسرعة
أين يكمن الخلل إذن ؟
هل هو في التصور و الرؤية ؟
أم أنه خلل في تنزيل التولصيات و المقترحات ؟
بالعودة إلى ما تضمنته بعض الدبيات التربوية التي اهتمت بمسألة العداد المهني للمدرس يتبين لنا أن
السمة الرئيسية للصل ح التعليم في بلدنا هي اللتفاف حول جوهر الزمة , وأن المبادرات لم تتخلص
! بعد من الهاجس التقني الذي يختزل القضية في جلب خبير .. و آلة حاتسبة
* * * * * * * * *
في معرض تشخيصه للخطاء التي لصاحبت النهضة التربوية العالمية منذ 5391 يعقد عالم النفس
السويسري " جان بياجيه" فصل بأكمله ضمن كتابه "علم التربية و تسيكولوجية الطفل" ليقارب هذه
القضية الشائكة , ويقتر ح لها حلول عملية تكشف عن خبرة طويلة و نظرة شمولية للتربية في أوتسع
.معانيها
فهو يعـعلن بداية عن قناعته بأن " أعظم اللصلحات جدارة بالتقدير تجد نفسها عاجزة عن التطبيق ما لم
ـُ
تكن مصحوبة بأعداد كافية من المعلمين الكفاء " , وأن الثورة التربوية التي تمتح تطبيقاتها من حقائق و
معطيات علم النفس تستلزم عقول مبدعة و نقدية لها قدرة على تشرب هذه الحقائق و ترجمتها إلى لصيغ
. عملية
و بعد أن يستعرض النظم المتبعة في إعداد المعلمين ) و التي يحصرها في ةثلةثة نظم هي : معاهد
ـُ
المعلمين , وكليات التربية , و أقسام التربية بالجامعات( يكشف عن مآخذه بشأن النظام الكثر شيوعا ,
: وهو العداد في معاهد المعلمين ) مراكز التكوين ببلدنا( . و يمكن إجمالها كالتي
ـُ
إعداد المدرس وفق هذا النظام يجعل من التعليم البتدائي وحدة اجتماعية مغلقة تولد الشعور بالنقص -
! الجمعي , وبالتالي تغدو عائقا أمام اجتذاب مخرجات كفؤة لحقل التعليم
الربط بين الدراتسة النظرية و الخبرات الميدانية متردي للغاية لن المعارف التي يتم تزويد المعلمين -
بها في هذا النظام ل تحقق الكفاءة المطلوبة إذ تقتصر على تمرينات محدودة و أعمال تطبيقية موجهة
إلى نتائج معروفة , في الوقت الذي يتطلب النتقال إلى مدرتسة فعالة إعدادا نفسيا و تربويا رفيعا , كما
يستلزم التدرب على أتساليب البحث و المشاركة في تجارب على المستوى الكاديمي كي تكتسب
. فعاليتهم و أنشطتهم الفردية مكانة علمية
و ليغفل بياجيه عن تقديم لصيغة تكوينية بديلة تكون مدخل لتمهين المدرس و الرفع من كفاءته , حيث
يخضع الطلب الحالصلون على الباكلوريا لعداد متخصص يدوم ةثل ث تسنوات , يخصص العام الول
ـُ
لدراتسة مساقات علمية تمكنهم من التعرف على المشكلت التربوية بأنفسهم , ومن ةثم يعودون في السنة
الثالثة إلى التطبيق العملي , أما السنة الثانية فيقضونها في الجامعة حيث يدرتسون خللها علم النفس ,
ويتلقون دروتسا في التوجيه و إجراء البحو ث , و التدريب عليها , ةثم يخضعون إلى امتحان يمنحون بعده
. شهادة التخرج
و ل ينسى بياجيه المتحمس لفتوحات علم النفس أن ينبه إلى العناية بالعداد الخلقي و الجتماعي لنه
" يمنح المدرس القناعة بأن موضوعه يشتمل على فرص غير محدودة للبحث النظري , و التطوير و
التحسين الفني , كما يؤهل مهنة التعليم لتتجاوز المستوى النفعالي لصوب اكتساب رلصانة المهن التي
. " تستقي من معين العلم و الفن معا
و في نفس السياق تذهب "خطة تطوير التعليم في الوطن العربي" , التي أشرفت على إعدادها المنظمة
العربية للتربية و العلوم و الثقافة بتنسيق مع جامعة الدول العربية , إلى أن إحدا ث تحول جذري ونوعي
2
3. في التعليم و سياساته يفرض الستجابة الفورية لجملة من التحديات على رأسها : إعادة النظر بتأهيل
. المدرسين و تحديث مهاراتهم استجابة للمفاهيم و التعريفات الجديدة لسير العملية التربوية و التعليمية
و بعد عرض التوصيف الجديد لعمل المدرسين و مهامهم , حددت الخطة جملة من المعايير التي ينبغي
: لمعاهد و كليات إعداد المدرسين اللتزام بها في صياغة العدة التكوينية, و تتمثل أساسا في
العداد في مجالت القراءة و الكتابة و الرياضيات و المعلوماتية , واشتقاق ذلك من التختصاصات و -
المعرفة الحترافية الملمئمة , و التمكن من استخدام الفنية التعليمية الحديثة في التدريس , و العداد في
العلوم التي تتضمن المعرفة الجديدة , وتدريب المدرس على التحقق و الستقصاء عبر التخصص "
. العلوم و الرياضيات" مع تطبيقات تلك العلوم في مجالت التنمية
العداد في مجال العولمة لتكوين المدرس ذي الفق الكوني الواسع , و يجري اشتقاق الموضوع من -
. حقول و تخصصات التصال و التقتصاد و اللغات الجنبية و غيرها
. العداد في مجال الداب و اللسانيات مع التأكيد على تطوير الحس الجمالي و النشاطات البداعية -
تطوير المحتوى و المهارات و الستيعاب المطلوب من تقبل المدرس لجادة التعامل التربوي مع -
. التلميذ , وإعدادهم للمواطنة و الديموتقراطية و الحياة العملية
* * * * * * * * *
يتبين لنا إذن , من تخلل التوصيات و المقترحات الواردة آنفا , أن العداد المهني للمدرس يتجاوز بعده
التربوي نحو اكتساب بعد تنموي و حضاري يرهن أية مبادرة للصل ح بتوافر مدرسين أكفاء , كما
يكشف لنا أن الخلل الحقيقي الذي يحد من فاعلية المشاريع التربوية , و المتمثل في النظرة الدونية
للمدرس باعتباره تقوة عاملة رتخيصة تتحمل أداء المهام في ظروف تقاسية تمس كيانه وكرامته ,وهي
النظرة التي تجعل النظمة التعليمية في عدد من البلدان العربية , ومن ضمنها المغرب , تستعين
بمدرسين لم يحصلوا على أي تكوين , أو نالوا تقدرا ضئيل من العداد المهني لتواكب الطلب المتزايد
. على التعليم
إن المدرس هو تقطب الرحى في أية استراتيجية للتنمية البشرية , و الرهان على العداد الجيد و الفعال
سيكون بكل تأكيد تخطوة أولى نحو الخروج من حالة الرتباك و التخبط التي ترهن المشهد التعليمي منذ
. ! عقود , وتشتت الجهود المبذولة للحد من اتساع الهوة المعرفية بين عالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: إحال ت
جان بياجيه . علم التربية و سيكولوجية الطفل . ترجمة الدكتور عبد العالي الجسماني . الدار العربية للعلوم . ط 1 -
. 4991 . ص 831 وما بعدها
جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية و التعليم و الثقافة . خطة تطوير التعليم في الوطن العربي.تونس -
8002 . ص 28 وما بعدها
3