1. المدخل الياباني لتدريس العلوم
ذ.حميد بن خيبش
ل شك أن التجربة اليابانية تجربة متفردة بكل المقاييس , وعلى جميع العصعدة .فالشعب الياباني الذي
استفاق أوائل أغسطس على مأساة هيروشيما ونجازاكي المرعبة , لم تنثن عزيمته بل تمكن في ظرف
وجيز من ردم الهوةالمعرفية و التكنولوجية التي تفصله عن الغرب , وأحدث نقلة حضارية فريدة من
. نوعها في التاريخ الحديث
لقد أدرك اليابانيون أن الريادة في القرن العشرين تستند على الجهد المعرفي , وتأهيل المورد البشري
فتبنت منذ أواخر 6491 برنامجا لعصل ح التعليم يهدف إلى توفير نظام تعليمي مرن وقابل لستيعاب
معطيات العلوم الحديثة وتطويرها , دون الوقوع في فخ التغريب و النسل خ عن مقومات الشخصية
اليابانية .غير أن ما ل يجدر إغفاله هو السمات و الملمح الخاعصة بالشعب الياباني و التي كان لها ثقلها
: الواضح في معادلة العصل ح, ويمكن إيجاز هذه السمات كما يلي
التماسك الجتماعي , ومرده إلى الوضع الجغرافي للبلد , بالضافة إلى سياسة العزلة التي -
نهجتها الحكومة اليابانية منذ 5361 , و التي نصت على منع اليابانيين من مغادرة البلد , ورفض
دخول الجانب .مما جعل منها دولة " شديدة التجانس واعية بدرجة أكبربشخصيتها وتميزها على ما
سواها من جيرانها من شعوب المنطقة على القل. فل يوجد في اليابان أقليات عرقية تذكر , ول جيوب
ذُ
)1
)عقائدية مما يشكل عائقا في طريق كثيرمن الدول الخرى التي ابتغت تحديث نفسها "
ذُ
الشغف الفطري بالمعرفة , و الحرص على حيازتها من مظانها . وهذا الشغف يضرب عميقا في جذور -
التاريخ إذ اعتاد اليابانيون استيراد الثقافة و العلوم منذ القرن الثالث قبل الميلد , حيث تشير المصادر
إلى أن الوفود اليابانية كانت تتوجه إلى الصين خلل حكم أسرة "هان" لطلب العلم .وحين أعصدر
المبراطور "مايجي" ) 8681-2391( وثيقته الدستورية المعروفة ب "العهد المبراطوري" كان
أسرع بند من بنود هذا العهد في التنفيذ هو البند الخامس الذي نص على : جمع المعارف من شتى أنحاء
! العالم كي تترسخ المبراطورية على أسس متينة
الجماع الشعبي على القيم و القواعد الخلقية , إذ حرص المجتمع الياباني على استبقاء كل -
المعايير و المقومات التي تحفظ تفرده وهويته الوطنية , مع مرونة كافية لتقبل "القيم الوافدة" . و يلحظ
ذُ
أن أهم القيم التي ضمنت تجانس الشعب الياباني كالنضباط الصارم , والتفاؤل , و حب النظام و
الخدمة العامة , مستلهمة من تعاليم العقائد السائدة وفي مقدمتها الشنتوية , العقيدة الرسمية للدولة , إضافة
. إلى البوذية و الكونفوشيوسية
لذا لما قامت النهضة التربوية أواخر الربعينات , كان المنا خ مهيئا لستيعاب منجزات الحضارة الغربية
. وملحقة أي تطور بسهولة
حرص النظام التعليمي على أن يمد جميع الطفال برعصيد عال من المعارف و المهارات مما جعل متوسط
ذُ
التحصيل الدراسي للطفل الياباني من أعلى المتوسطات وفق المعايير الدولية . كما اهتم بإعداد البيئة
التعليمية المناسبة و تأهيل الطفل لفهم الظواهر المحيطة به , ليكون أقدر على مواجهتها ووضعها في
خدمة علقات النتاج .ويبدو هذا الحرص جليا من خلل الهداف الخمسة التي يسعى النظام لتحقيقها و
: المتمثلة في
تنمية الصفات الحسنة و السلوك الحميد في الحياة -
اكتساب المفاهيم الساسية لمادة العلم -
احترام الفروق الفردية -
تنمية الطمو ح للستمرار في التعليم مدى الحياة -
. اكتساب القدرة على التعامل مع الخرين على المستوى الدولي -
وكان من الطبيعي أن تحظى المواد العلمية بالعناية الخاعصة ,نظرا لرتباطها بالتقنية التي غدت عصب
الدولة الحديثة .فتبنى النظام التعليمي منهجا أقرب إلى الطقوس منه إلى السلوب التعليمي , حيث يرتكز
: المدخل الياباني لتدريس العلوم على الخطوات التالية
1
2. التقليل من المحتوى المعرفي في مقابل زيادة نشاطات البحث و الستكشاف و التدرب على استخدام -
. المواد و الخامات المتوفرة في بيئة التلميذ
. التركيز على التختبار المعملي وتوفير المستلزمات الضرورية التي تحقق التعلم الذاتي -
تنمية الخيال العلمي من تخلل حث التلميذ على إدتخال متغيرات على ظروف التجارب المنجزة , -
.وتقديم مشكلت ومواقف تتضمن حلقة مفقودة لحفز التفكير البداعي
ضمان استمرارية النشطة العلمية تخارج الفصل الدراسي , وذلك بإحداث نوادي للعلوم ومتاحف داتخل -
المدرسة , وتضمين الجدول الدراسي حصصا إلزامية يقضيها التلميذ داتخل هذه النوادي ليمارس أنشطة
)2
.)متنوعة وغير صفية
نخلص من تخلل عرض هذه الخطوات إلى التشابه الواضح بين المدتخل الياباني وما تعتمده منهجيات
تدريس العلوم في باقي بلدان العالم –بما فيها العالم العربي - ,فما سر تفوق الخبرة اليابانية على نظيرتها
العالم-ثالثية ؟
إن المبدأ الول الذي ينهض عليه تدريس العلوم وفق هذا المدتخل هو : حفز التلميذ على التفكير و
الممارسة دون الحاجة إلى التركيز على نظريات فلسفية أو نفسية , وبذلك أفلت النظام التعليمي الياباني
من التيه الذي ألم بغيره من النظم جراء التبعية لما يسميه الدكتور نبيل علي ب"الزائغ المعرفي غير
المستقر" ويقصد حالة التنازع التي تعيشها التربية بين علم النفس و علم الجتماع ونظرية المعرفة و
)3
)فلسفة العلوم !
أما المبدأ الثاني فيتعلق بتنمية الخيال العلمي و التفكير البداعي من تخلل الهتمام الشديد بمهارات
الستكشاف وإحداث نادي العلوم كفضاء للنشطة العلمية الحرة . ومن شأن هذا المبدأ أن يرسخ في ذهن
رُ
التلميذ كون العلم سلسلة غير مكتملة من الفكار و القوانين , وأن بإمكانه السهام في تعديلها وتطويرها .
بينما يعتمد نمط تدريس العلوم في بلداننا على تقديم الموضوعات العلمية باعتبارها" كيانا ثابتا من الفكار
و القوانين و المعادلت , بل نخاطر بالقول إن هذا النمط في التدريس و التعليم يؤدي إلى اعتبار العلم
بمنزلة كيان متحجر من الفكار السابقة التجهيز و المعدة للستخدام الفوري الستهلكي وفق آليات
)4
)الجترار و الحفظ "
المبدأ الثالث هو العناية البالغة بالمواد التدريسية سواء التجهيزات أو الخامات و المواد المتوافرة في البيئة
, إضافة إلى تدريب التلميذ على اكتشاف البدائل , وتنفيذ المشروعات المتصلة بحل مشكل بيئي ,وهو ما
يحقق له معرفة علمية مستمدة من تخبرته في القيام بهذه النشطة .في حين ل زالت مناهجنا تعاني من
سلطة الكتاب المدرسي و اعتماده كمصدر وحيد في أغلب الحيان للمعرفة العلمية, وحتى في حال توافر
الوسائل التعليمية و المختبرات المدرسية فإن غلبة التعليم التلقيني و الجتراري يدفع بهذه الوسائل إلى أن
! تؤثث الفضاء المدرسي كقطع ديكور ل غير
لقد كان السؤال الذي يتردد عقب الحرب العالمية الثانية هو : هل يتمكن التعليم من إصل ح ما أفسدته
! الحرب ؟ ولعل في التجربة اليابانية ما يثبت أن انبعاث العنقاء من رمادها ..أمر ممكن
رُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليابان : الدولة الحديثة و الدور الرمريكي .د.فوزي درويش . دار الكتب المصرية .ط 3. 4991. ص: 13 : )1(
طرق التدريس في القرن الواحد والعشرين.د.عبد اللطيف فرج.دار المسيرة .ط 1 5002. ص 96-87 بتصرف : )2(
الثقافة العربية وعصر المعلورمات . د.نبيل علي. سلسلة عالم المعرفة .عدد 562. ص 992 : )3(
نمط تدريس العلوم .د.سليمان العسكري .الملحق العلمي لمجلة العربي .عدد 17 أبريل 1102 : )4(
2