كثر في هذه الأيام اتخاذ القبور مساجد ،وازداد عدد المساجد التي بنيت على قبور ، وكثر تردد الناس على المساجد التي بها أضرحة للصلاة فيها وللدعاء عندها و كل هذا حرام لا يجوز في دين الله ؛ لأنه ذريعة إلى الوقوع في الشرك .
ومن المؤسف أن تجد الكثير من الناس يتردد على هذه المساجد لقصد الضريح الذي في المسجد للدعاء عنده و قلبه متعلق بصاحب الضريح ومنهم من يستغيث بصاحب الضريح لرفع جائحة ألمت به وهذا من الشرك إذ الميت لا يقدر على شيء مما يطلب منه ، و لا يقدر على إجابة الدعاء ، و الله – سبحانه وتعالى – هو مجيب الدعاء .
ولذلك كان لابد من بيان حكم اتخاذ القبور مساجد نصيحة لله ،و الله من وراء القصد .
2. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من
أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد كثر في هذه الأيام اتخاذ القبور مساجد ، وازداد عدد المساجد التي بنيت على قبور ، وكثر تردد الناس
على المساجد التي بها أضرحة للصلاة فيها وللدعاء عندها و كل هذا حرام لا يجوز في دين الله ؛ لأنه ذريعة
إلى الوقوع في الشرك .
ومن المؤسف أن تجد الكثير من الناس يتردد على هذه المساجد لقصد الضريح الذي في المسجد للدعاء
عنده و قلبه متعلق بصاحب الضريح ومنهم من يستغيث بصاحب الضريح لرفع جائحة ألمت به وهذا من
الشرك إذ الميت لا يقدر على شيء مما يطلب منه ، و لا يقدر على إجابة الدعاء ، و الله – سبحانه وتعالى
– هو مجيب الدعاء .
ولذلك كان لابد من بيان حكم اتخاذ القبور مساجد نصيحة لله ،و الله من وراء القصد .
3. معنى اتخاذ القبور مساجد
اتخاذ القبور مساجد معناه جعل القبور مساجد إذ الاختِخاذ من أفعال التحويل و التصيير يُ عَدِى إخلى مفعولين،
ويجرى مجرى الجَعْل 1 ،و خَ تخذَ الشيءَ تَخَذا، وتَخْذاً، الْأَ خ خيرَة عَن كرَاع، واختخَذه: عمله، وقولُه : عزَ وَجل : ﴿
. إخن الخذين اختخذوا الخعَجل ﴾ أَرَادَ: اختخذوه إخلََاً، فَحذف الثخاخنِ، خلأَن الاختِخاذ دليلٌ عَلَيْه خ 2
واتخذ افْتعل خمنْ خَ تخذَ فأدْغم إحْدى التاءَيْن خفي الْأُخْرَى، وَلَيْسَ خمنْ أخَذ خفي شَيْءٍ، فَخإ خ ن اخلافْتخعَالَ خمنْ أخَذ
ائْ تَخَذَ ؛ خلأَ خ ن فاءهَا هََْزَةٌ وَالَْمَْزَةُ لَا تُدْغَم خفي التخاخء. وَقَالَ الجَْوْهَخريُّ: اخلاختِخَاذُ، افْتخعَالٌ خمنَ الأخْ ذ، إخخلا أَنخهُ أدْغم
بَ عْدَ تَ لْيين الَْمَْزَةخ وَإخبْدَا خل التخاخء، ثُُخ لَخ ما كَثُ رَ اسْتخعْمَالُهُ بلفْظ اخلافْتخعَا خل تَ وَخ هَُوا أن التاء أصلية فبَ نَوا منه فَعخل
. يَ فْعَل، قَالُوا خَ تخذ يَ تْخَذُ، وَأَهْلُ الْعَرَبخيخةخ عَلَى خ خلَا خ ف مَا قَالَ الجَْوْهَ خريُّ 3
. والاتخاذ أخذ ال خ شيْء لأمر يسْتَمر فخيهخ مثل : ال خ دار يتخذها مسكنا وَال خ دابخة يتخذها قعده 4
وَالْمَسْ خ جدُ بَ يْتُ ال خ صلَاة خ 5 أو المكان المتخذ للصلاة 6 ،وهو اسمٌ جامعٌ حيثُ يُسجَدُ عَلَيْهخ، وَفخيه ، وحيثُ لَا
يُسجَدُ بعد أَن يكون ا خُّ تخذَ لذَلخك ، فأمِا المسَْجَدُ منَ الأَرْض فموضعُ السُّجْوخد نفسُه 7 ، وقال ابن سيده :
. المسَْ خ جد: الْموضع الخ خ ذي يُسْجَد فخيهخ وَقَالَ الزِجاج: كل مَو خ ضع يتعبد فخيهخ فَ هُوَ مس خ جد 8
75/ 1 - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز لمجد الدين الفيروزآبادي 2
454/ 941 ،لسان العرب لابن منظور 3 / 2 - المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 7
943/ 3 - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 9
4 - الفروق اللغوية للعسكري ص 934
5 - المغرب في ترتيب المعرب لبرهان الدين الخوارزمي المطَُرِخزخىِ ص 294 و المصباح المنير للفيومي ص 222
6 - المطلع على ألفاظ المقنع لأبي عبد الله البعلي ص 21
4. وَكُلُّ مَوْ خ ضعٍ قُ خ صدَ خ ت ال خ صلَاةُ فخيْهخ؛ فَ قَ خ د ا خُّ تخذَ مَسْ خ جدًا، بَلْ كُلُّ مَوْ خ ضعٍ يُصَلخى فخيْهخ، يُسَخ مى مَسْ خ جدً ا، كَمَا قَالَ
.10 9» جُعخلَتْ خلَِ الأَرْضُ مَسْ خ جدًا وَطَهُوْرًا « : - - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ
وَاخختِخَاذُ الْقُبُوخر مَسَا خ جدَ أَعَمُّ خمنْ أَنْ يَكُونَ خبَِعْنَى ال خ صلَاةخ إلَيْ هَا، أَوْ خبَِعْنَى ال خ صلَاةخ عَلَيْ هَا 11 أو بِعنى بناء المسجد
عليها أو بِعنى السجود لَا فاتخاذ القبور مساجد يشمل جميع هذه الصور .
تحريم اتخاذ القبور مساجد
319/ 7 - تهذيب اللغة لأبي منصور الَروي 91
229/ 8 - المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 5
9 - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 434 , ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 729
10 - التوضيح الرشيد في شرح التوحيد لأبي عبد الله الحقوي ص 944
11 - سبل السلام للصنعانِ ص 211 ،و الروضة الندية شرح الدرر البهية لأبي الطيب محمد القنوجي ص 941 ،و مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي
491/ الحسن عبيد الله المباركفوري 2
5. عَنْ عَائخشَةَ - رَ خ ضيَ ا خ للَُّ عَنْ هَا -، قَالَتْ: قَالَ النخخبُِّ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ - خفي مَرَ خ ضهخ الخ خ ذي لََْ يَ قُمْ خمنْه :
لَوْلاَ ذَلخكَ لَأُبْخرزَ ق بْ رُهُ خَ خ شيَ أَنْ يُ تخخَذَ « : قَالَتْ عَائخشَة ، » لَعَنَ ا خ للَُّ اليَ هُودَ اختخَذُوا قُ بُورَ أَنْبخيَائخخهمْ مَسَا خ جدَ «
12 ،و الحديث يوضح أن النبِ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ – في مرض موته نهى عن اتخاذ القبور » مَسْ خ جدًا
مساجد ، وبين أنه من فعل اليهود وقد أمرنا بِخالفتهم ،و قد لعن الله من يتخذ القبور مساجد واللعن
. أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم فيكون الفعل الذي أوجب اللعن حرام اً 13
قال المهلب – رحمه الله -: ) هذا النهى من باب قطع الذريعة، لئلا يعبد قبره الجهالُ كما فعلت اليهود
. والنصارى بقبور أنبيائها ( 14
ويستفاد من الحديث أن ترك اتخاذ القبور مساجد وصية رسول الله - صَلخى اللهُ عَلَيْه خ وَسَلخمَ – لنا قبل وفاته
فيجب أن نترك ما نهانا عنه قال تعالى : ﴿ فَ لْيَحْذَخر الخ خ ذينَ يَُُالخفُونَ عَنْ أَمْخرهخ أَن تُ خ صيبَ هُمْ فختْ نَةٌ أَوْ يُ خ صيبَ هُمْ
] عَذَابٌ أَلخيمٌ ﴾ ] النور من الآية 23
واتخاذ القبور مساجد ليس هو من شريعة الإسلام، بل من عمل اليهود، وقد لعنهم النبِ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ
. وَسَلخمَ - على ذلك 15
12 - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 4449 , ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 721
491/ 13 - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن عبيد الله المباركفوري 2
399/ 14 - شرح صحيح البخاري لابن بطال 3
913/ 15 - فتح الباري لابن رجب 3
6. ومن ترك اتخاذ القبور مساجد فقد خالف اليهود و أصاب السنة ، ومن اتخذ القبور مساجد فقد شابه اليهود
وخالف السنة .
ومن ترك اتخاذ القبور فقد أطاع رسول الله - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ – ،ومن يطع رسول الله - صَلخى اللهُ
عَلَيْهخ وَسَلخمَ – فقد أطاع الله قال تعالى : ﴿ خمنْ يُ خ ط خ ع الخرسُولَ فَ قَدْ أَطَاعَ اللََِّ وَمَن تَ وَخلى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْخهمْ
] حَخفيظ اً ﴾ ] النساء الآية 41
و اتخاذ القبور مساجد من الكبائر ؛ لأن لعن من يتخذ القبور مساجد يدل على أن اتخاذ القبور مساجد
كبيرة من الكبائر .
ونهيه - صلى الله عليه وسلم -، وتشديده في اتخاذ القبور مساجد بالصلاة لله عندها، وإخباره بلعن من
فعل ذلك، مع أنه لَ يعبدها ولَ يدعها، وإنما ذلك ذريعة لعبادتها والشرك بها، فكيف بِن عبدها، وتوجه
. إليها، ونذر لَا، وطاف بها، وذبح لَا، ودعا أهلها، وطلب منهم النفع والضر 16
و إن قيل لعن من يتخذ القبور مساجد خاص بِ نْ كَانَ خفي ذَلخكَ الخزمَا خ ن لخقُرْ خ ب الْعَهْ خ د بخعخبَادَةخ الْأَوْثَا خ ن فهذا
. تَ قْيخيدٌ بخلَا دَلخيلٍ، خلأَ خ ن التخ عْ خ ظيمَ وَاخلافْتختَانَ لَا يَُْتَ خ صا خ ن بخزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ 17
16 - حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ص 14
971/ 17 - نيل الأوطار للشوكانِ 2
7. و إن قيل مَنْ اختخَذَ مَسْ خ جدًا خفي خ جوَاخر صَالخحٍ، وَقَصَدَ التخبَ رُّكَ بخالْقُرْ خ ب خمنْهُ لَا لختَ عْ خ ظيمٍ لَهُ؛ وَلَا لختَ وَجُّه نََْوَهُ، فَلَا
يَدْخُلُ خفي ذَلخكَ الْوَخ عي خ د فالجواب أن اختِخَاذ الْمَسَا خ ج خ د بخقُرْبخهخ وَقَصْدُ التخبَ رُّخ ك بخهخ تَ عْ خ ظيمٌ لَهُ، ثُُخ أَحَاخديثُ النخ هْ خ ي
. مُطْلَقَةٌ وَلَا دَلخيلَ عَلَى التخ عْلخي خ ل خبَِا ذكََرَ، وَالظخا خ هرُ أَ خ ن الْعخلخةَ سَدُّ ال خ ذخريعَةخ، وَمَنَعَ الْمُسْل خ خ مينَ خمنْ ذَلخكَ 18
و إن قيل المراد بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد اتخاذ القبور قبلةً يصلون إليها ويسجدون لَا ،وليس بناء
المساجد عليها بدليل أنه لَ يقل اتخذوا على القبور مساجد بل قال اتخذوا القبور مساجد ،والجواب أن
اخختِخَاذ الْقُبُوخر مَسَا خ جد أَعَمُّ خمنْ أَنْ يَكُونَ خبَِعْنَى ال خ صلَاةخ إلَيْ هَا، أَوْ خبَِعْنَى ال خ صلَاةخ عَلَيْ هَا 19 أو بِعنى بناء المسجد
عليها أو بِعنى السجود لَا فاتخاذ القبور مساجد يشمل جميع هذه الصور ،وتخصيص بعض هذه الصور
دون بعض تخصيص بلا مخصص .
و عَنْ عَائخشَة - رَ خ ضيَ ا خ للَُّ عَنْ هَا -، أَ خ ن أُمخ سَلَمَة - رَ خ ضيَ ا خ للَُّ عَنْ هَا -، ذكََرَتْ لخرَسُوخل ا خ للَّ خ- صَلخى اللهُ عَلَيْهخ
وَسَلخمَ - كَ نخيسَةً رَأَتْ هَا بخأَرْ خ ض الحَبَشَةخ يُ قَالُ لََاَ مَاخريَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فخيهَا خمنَ الصُّوَخر، فَ قَالَ رَسُولُ ا خ للَّخ -
أُولَئخكَ قَ وْمٌ إخذَا مَاتَ فخيخهمُ العَبْدُ ال خ صالخحُ، أَ خ و الخرجُلُ ال خ صالخحُ، بَ نَ وْا عَلَى قَ خْ برهخ « : - صَلخى الله عَلَيْهخ وَسَلخمَ
20 ، و هذا الحديث يوضح أن بناء » مَسْ خ جدًا ، وَ صَخورُوا فخيهخ تخلْكَ الصُّوَرَ ، أُولَئخكَ خ شرَارُ الخَلْخق خ عنْدَ ا خ للَّ خ
المساجد على القبور من أفعال النصارى و قد أمرنا بِخالفتهم ،وأن من يبني مسجد على قبر فهو من شرار
الخلق ،و في هذا نهي عن بناء المساجد على القبور .
18 - سبل السلام للصنعانِ ص 221
19 - سبل السلام للصنعانِ ص 211 ،و الروضة الندية شرح الدرر البهية لأبي الطيب محمد القنوجي ص 941 ،و مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي
491/ الحسن عبيد الله المباركفوري 2
20 - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 434 , ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 724
8. ولأن هذا كان أصل عبادة الأصنام، فيما يذكر، كانوا قديماً إذا مات فيهم نبى أو رجل صالح صوروا صورته
وبنوا عليه مسجداً ليأنسوا برؤية صورته، ويتعظوا لمصيره ويعبدوا الله عنده، فمضت على ذلك أزمانٌ، وجاء
بعدهم خلف رأوا أفعالَم وعباداتهم عند تلك الصور ولَ يفهموا أغراضهم، وزين لَم الشيطان أعمالَم،
. وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها فعبدوها 21
و قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد – رحمه الله -: ) الذين بنوا هذه الكنيسة جمعوا فيها بين فتنتين، ضل بهما
كثير من الخلق، فأما فتنة القبور فلأنهم افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها تعظيما مبتدعا، فآل بهم إلى الشرك.
وأما فتنة التماثيل- أي الصور- فإنهم لما افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها وبنوا عليها المساجد، وصو روا
فيها تلك الصور، آل بهم الأمر إلى أن عبدوها، وهاتان الفتنتان هَا سبب عبادة الصالحين، كاللات والعزى
وود وغيرها، وهذه العلة هي التي لأجلها نهى النبِ - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ المساجد على القبور،
وهي التي أوقعت الكثير من الأمم في ذلك.
والفتنة بالقب ور كالفتنة بالأصنام وأشد؛ فإن الشرك بقبر رجل يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك
بخشبة أو حجر، ولَذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويُشعون ويُضعون، ويعبدون عبادة لا يفعلونها في
بيوت الله، ويلهجون بذكرهم أكثر مما يذكرون الله، وينفقون نفائس الأموال في ذلك، ولأجل هذه المفسدة
. حسم النبِ - صلى الله عليه وسلم - مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة ( 22
471/ 21 - خإكمَالُ المعُْلخخم بفَوَائخخ د مُسْلخم للقاضي عياض 2
22 - حاشية كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم ص 977
9. ويستفاد من الحديث أن من بنى على قبر مسجدا فقد شابه النصارى و خالف السنة ، و قد قال النخخخ بِِ -
23 ، و عَ خ ن ابْ خ ن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ ا خ للَّخ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ » خَالخفُوا المشُْخركخينَ « :- صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ
24 ، و الشرع قد أمر بِخالفة المشركين و نهي عن التشبه بهم و » مَنْ تَشَبخهَ بخقَوْمٍ فَ هُوَ خمنْ هُمْ « : - وَسَلخمَ
مشابهتهم ليظهر التباين بين المؤمنين والكافرين .
ومن يفعل ما حذر منه النبِ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ – فهو على خطر عظيم فقد قال تعالى : ﴿ فَ لْيَحْذَخر
] الخ خ ذينَ يَُُالخفُونَ عَنْ أَمْخرهخ أَن تُ خ صيبَ هُمْ فختْ نَةٌ أَوْ يُ خ صيبَ هُمْ عَذَابٌ أَلخيمٌ ﴾ ] النور من الآية 23
و إذا كان بناء المساجد على القبور من فعل شرار الخلق فلا يجوز لنا أن نفعل مثلما فعلوا ،وإذا نهينا عن
بناء المساجد على القبور فهذا يستلزم ألا نصلي فيها .
و قال الألبانِ – رحمه الله - : ) النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من
باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه مثاله إذا نهى الشارع عن بيع
الخمر فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يُفى بل النهي عن من باب أولى .
ومن البين جدا أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصودا بالذات كما أن الأمر ببناء المساجد في
الدور والمحلات ليس مقصودا بالذات بل ذلك كله من أجل الصلاة فيها سلبا أو إيجابا يوضح ذلك المثال
23 - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 7412 ، ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 271
24 - - رواه أبو داود في سننه حديث رقم 4139
10. الآتي: لو أن رجلا بنى مسجدا في مكان قفر غير مأهول ولا يأتيه أحد للصلاة فيه فليس لَذا الرجل أي أجر
في بنائه لَذا المسجد بل هو عندي آثُ لإضاعة المال ووضعه الشئ في غير محله .
فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمنا بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء وكذلك إذا نهى عن
. بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمنا عن الصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء أيضا ( 25
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نهى أن يبنى « : - و عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه
26 ،وهذا الحديث صريح في النهي عن الصلاة على القبر » على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها
،ويدل أيضا على حرمة بناء المسجد على القبر ؛ لأن المقصود ببناء المسجد على القبر الصلاة فيه فإذا
حرم الصلاة عليه فأيضا يحرم بناء المسجد عليه .
والنهى عن البناء على القبور يصدق على ما بُخني على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثيرٌ من الناس من
رفع قبور الموتى ذراعاً فما فوقه؛ لأنخه لا يُمكن أن يجعل نفس القبر مسجداً، فذلك خممخا يدلُّ على أ خ ن المراد
بعض ما يقربه خممخا يتصل به.
ويصدُق على من بنى قريباً من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه
يكون القبر في وسطها أو في جانب منها، فإ خ ن هذا بناء على القبر، لا يُفى ذلك على من له أدنى فهم، كما
25 - تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألبانِ ص 35
26 - رواه أبو يعلى في مسنده رقم 9121 وإسناده صحيح
11. يقال: بَ نَى السلطانُ على مدينة كذا، أو على قرية كذا سوراً، وكما يقال: بَ نَى فلانٌ في المكان الفلانِ
مسجداً، مع أ خ ن سمكَ البناء لَ يباشر إلاخ جوانب المدينة أو القرية أو المكان.
ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط، كما في المدينة الصغيرة
والقرية الصغيرة والمكان الضيق، أو بعيدة من الوسط كما في المدينة الكبيرة والقرية الكبيرة والمكان الواسع،
ومَن زعم أ خ ن في لغة العرب ما يَمنع من هذا الإطلاق فهو جاهلٌ لا يعرف لغةَ العرب، ولا يَفهم لسانهَا ولا
. يدري بِا استعملته في كلامها 27
و عَنْ عَبْ خ د اللهخ بْ خ ن الحَْاخر خ ث النخجْرَاخخ نِِ، قَالَ: حَ خ دثَخني جُنْدَبٌ، قَالَ: خَ سمعْتُ النخخ خ بِ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ - قَ بْلَ
إخخنِِ أَبْ رَأُ إخلَى اللهخ أَنْ يَكُونَ خلِ خمنْكُمْ خَلخيلٌ، فَخ إ خ ن اللهخ تَ عَالَى قَ خ د اختخَذَخنِ خَلخيلًا، « : أَنْ يَمُوتَ خبخَمْسٍ، وَهُوَ يَ قُولُ
كَمَا اختخَذَ إخبْ رَا خ هيمَ خَلخيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتخ خ خذًا خمنْ أُخمختي خَلخيلًا لَاختخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلخيلًا، أَلَا وَإخ خ ن مَنْ كَانَ قَ بْ لَكُمْ
28 » كَانُوا يَ تخ خ خذُونَ قُ بُورَ أَنْبخيَائخخهمْ وَصَا خ لح خيخهمْ مَسَا خ جدَ، أَلَا فَلَا تَ تخ خ خذُوا الْقُبُورَ مَسَا خ جدَ، إخخنِِ أَنْ هَاكُمْ عَنْ ذَلخكَ
،و هذا الحديث يوضح أن اتخاذ القبور مساجد من عادات من قبلنا ،و علينا ألا نتخذ القبور مساجد
فاتخاذ القبور مساجد محرم بنص الحديث " فَلَا تَ تخ خ خذُوا الْقُ بُورَ مَسَا خ جدَ، إخخنِِ أَنْ هَاكُمْ عَنْ ذَلخكَ ".
وجميع هذه الأحاديث تبين أن اتخاذ القبور مساجد محرم ،وأن من عادات أهل الكتاب اتخاذ القبور مساجد فلا
يجوز لنا أن نقلدهم في أفعالَم وعاداتهم وكيف يليق بِسلم أن يقلد كافرا ؟!!
27 - شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكانِ ص 94
28 - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 732
12. والتقليد من شيم المغلوبين ، و المغلوب غالبا يقلد الغالب ،و كثير من النفوس تعتقد الكمال فيمن غلبها
فتقلده ؛ لأنها رأت أن من قلخدته أفضل منها و أرفع منها قدر اً لذلك تحاول أن تتشبه به ، و أن المقل خد
شعر بالنقص واحتقار نفسه أمام المقلَد .
اللخهُ خ م لاَ تَجْعَلْ قَ خْ برى وَثَن اً، لَعَ نَ الله قَ وْم اً اختخ ذَُوا قُ بُ ورَ « : - وعَنْ أَخبي هُرَيْ رَةَ، عَ خ ن النخخبِ -صلى الله عليه وسلم
29 أي اللهم لا تجعل قبري كالوثن في تعظيمه ،وعبادته من دون الله و تغليظ النبى - صَ لخى » أَنْبخيَائخخهمْ مَسَا خ جدَ
اللهُ عَلَيْ هخ وَسَ لخمَ - في النه ى ع ن اتخ اذ ق بره مس جداً؛ لم ا خش يه م ن تف اقم الأم ر وخروج ه ع ن ح خ دِ الم برخة إلى
المنك ر، وقطع اً للذريع ة 30 ، والْمَقْصُ ودُ خم نَ النخ هْ خ ي كَرَاهَ ةَ أَنْ يَ تَجَ اوَزُوا خفي قَ خْ برهخ غَايَ ةَ التخجَ اوُخز 31 س دا لذريع ة
الشرك ، وكل ما كان وسيلة إلى الوقوع في الشرك فهو محرم ، ولما ق رن النخ خبِ -ص لى الله علي ه وس لم- ب ذلك
الدعاء "اللخهُ خ م لاَ تَجْعَلْ قَ خْ برى وَثَن اً " اتخاذ القبور مساجد علم أن اتخاذ قبره مسجدا ذريع ة إلى اتخ اذه وثان ا ، و
أن الغلو في قبور الأنبياء و الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
لَا تَ تخ خ خذُوا قَ خْ بري خ عيدًا، وَلَا تَجْعَلُوا « : - وعَنْ أَخبي هُرَيْ رَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهخ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ
32 وَلَا تَجْعَلُوا بُ يُوتَكُمْ قُ بُورًا ؛ أي: مثل » بُ يُوتَكُمْ قُ بُورًا، وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَ خ ي، فَخإ خ ن صَلَاتَكُمْ تَ بْ لُغُخني
القبور في عدم الصلاة فيها وكأن المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى فيها ، والنهي عن ترك الصلاة في
البيوت لئلا تشبه المقابر دليل واضح على أن المقابر ليست موضعا للصلاة .
953/ 29 - رواه أحمد في مسنده رقم 5372 قال المحقق أحمد شاكر : إسناده صحيح 5
471/ 30 - خإكمَالُ المعُْلخخم بفَوَائخخ د مُسْلخم للقاضي عياض 2
544/ 31 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري 2
32 - رواه أحمد في مسنده رقم 4414 ،ورواه أبو داود في سننه 2142 ،ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم 5742
13. إنِ خمنْ خ شرَاخر الناسخ ، « : و عَنْ عَبْ خ د اللهخ بْنخ مَسْعُوْدٍ قالَ: خَ سمعْتُ رَسُوْلَ اللهخ - صَلخى ا خ للَُّ عَلَيْهخ وَسَلخمَ – يَقوْلُ
33 ،وهذا الحديث يبين أن اتخاذ المساجد على » مَنْ تدْخركهُمُ السِاعَةُ وَهُمْ أَحْياءٌ، وَمَنْ يَ تخ خ خذُ القبوْرَ مَسَا خ جد
القبور من فعل شرار الناس فكيف يليق بعاقل أن يفعل فعل شرار الناس ؟!! .
لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا « : - و عَنْ أَخبي مَرْثَدٍ الْغَنَ خ و خ يِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهخ - صَلخى اللهُ عَلَيْهخ وَسَلخمَ
34 وهذا الحديث صريح في النهي عن الصلاة إلى القبر ،واتخاذ القبر قبلة ،و إذا حرمت الصلاة إلى » إليها
القبر فمن باب أولى الصلاة عند القبر ؛ لأن في الصلاة إلى القبر أو الصلاة عند القبر مظنة الصلاة لصاحب
القبر أو مظنة تعظيم صاحب القبر .
33 - رواه أحمد في مسنده رقم 4943 ،وابن خزيمة في صحيحه رقم 541 و ابن أبي شيبة في مسنده رقم 252 و ابن حبان في صحيحه رقم 2327
34 - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 152 وأبو داود في سننه رقم والترمذي في سننه رقم 9171
14. الحكمة من تحريم اتخاذ القبور مساجد
إن سأل سائل ما الحكمة من تشديد الشريعة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد ؟ فالجواب أن في النهي عن
اتخاذ القبور مساجد حكم بالغة تشهد بأن هذه الشريعة من عند الله لا من عند بشر ومن هذه الحكم أن في
ترك اتخاذ القبور مساجد مخالفة أهل الكتاب فيما سنوه من باطل ،و الشرع قد أمر بِخالفة أهل الكتاب و
نهي عن التشبه بهم و مشابهتهم ليظهر التباين بين المؤمنين والكافرين.
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد للبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا
تسمع ولا تنفع ولا تضر 35 كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها؛ لأن المشركين يسجدون
للشمس حينئذ، ، فتكون الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين .
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد لعدم الغلو في صاحب القبر ، وهذا الغلو قد يفضي بالناس إلى
عبادة صاحب القبر ودعائه والاستغاثة به، وطلب جلب النفع ودفع الضر منه من دون الله ،وهذا شرك أكبر
. مخرج من الملة ، ومن عادة عبدة الأصنام أنهم لَ يزالوا يعظمون أمواتهم حتى اتخذوها أصناما 36
و منها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد سدا لذريعة الشرك لئلا يؤدي اتخاذ القبور مساجد إلى عبادة
صاحب القبر ،و إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود أو ذبح تقربًا له وتعظيمًا له فهو شرك أكبر ،و
الشريعة قد سدت كل باب يؤدي إلى الشرك ،فاتخاذ القبور مساجد قَدْ يُ فْ خ ضي مَعَ بُ عْ خ د الْعَهْ خ د وَفَشْخ و الجْهَْ خ ل إلَى
491/ 35 - الروضة الندية شرح الدرر البهية لأبي الطيب محمد القنوجي ص 949 ، ومرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن عبيد الله المباركفوري 2
9143/ 36 - الكاشف عن حقائق السنن للطيبِ 3
15. مَا كَانَ عَلَيْهخ الْأُمَمُ ال خ سابخقَةُ خمنْ خ عبَادَةخ الْأَوْثَا خ ن فَكَانَ خفي الْمَنْ خ ع عَنْ ذَلخكَ بخالْكُلخِيخةخ قَطَعَ خلَ خَ ذهخ ال خ ذخريعَةخ الْمُفْ خ ضيَةخ إلَى
الْفَسَاخد وَهُوَ الْمُنَا خ س بُ لخلْ خ حكْمَةخ الْمُعْتَبَ رَةخ خفي شَرْ خ ع الْأَحْكَاخم خمنْ جَلْ خ ب المصالح وَدَفْ خ ع الْمَفَا خ س خ د 37 ،وقال الفوزان
. – حفظه الله -: نهى عن اتخاذ القبور مساجد للصلاة عندها؛ لأن ذلك وسيلة لعبادتها 38
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد لئلا يظن ظان أن العبادة عند القبر لصاحب القبر ،وليست لله
، و إذا جئت عند القبر، واستقبلته وركعت وسجدت أمامه ، فما كان للمشاهد إلا أن يقول: إنه يركع
ويسجد للذي أمامه، فتكون صورة شرك، ولو لَ يكن الشخص يقصد الشرك ،ولا يؤمن أن يجيء من بعد
العصر الذي اتخذ فيه القبر مسجدا من يظن أن العبادة لصاحب القبر تعظيما له .
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد لتجريد التوحيد لله فلا يتعلق قلب الإنسان بشيء و هو يعبد
الله إلا بالله .
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد ؛ لأن في اتخاذ القبور مساجد شبهة التبرك بصاحب القبر
،والتبرك بالقبور حرام لا يجوز ،وفيه إثبات تأثير شيء لَ ينزل الله به سلطانًا ، وإذا اعتقد الشخص أن
لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركًا أكبر .
ومنها أن الشرع نهى عن اتخاذ القبور مساجد ؛ لأن في اتخاذ القبور مساجد التعظيم لصاحب القبر تعظيما لا
يكون إلا لله ، وقال ابن الجوزي – رحمه الله - : وَأما نَ هْيه عَن اختِخَاذ الْقُبُور مَسَا خ جد فلئلا تعظم، خلأَن ال خ صلَاة
. خ عنْد ال خ شيْء تَ عْ خ ظيم لَه 39
37 - سبل السلام للصنعانِ ص 411
38 - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد لصالح الفوزان ص 44
16. والخلاصة أن جميع صور اتخاذ القبور مساجد تشترك في أنها مظنة الصلاة لصاحب القبر أو مظنة تعظيم
صاحب القبر و فيها غلو في صاحب القبر ،وفيها الخشية من تطور الأمر إلى عبادة صاحب القبر ،وفيها تشبه
بعبدة الأوثان والمشركين ،ولذلك حرمت الشريعة الغراء جميع صور اتخاذ القبور مساجد حماية لجناب التوحيد
ولسد ذريعة الوقوع في الشرك وللبعد عن التشبه بعبدة الأوثان والمشركين .
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
71/ 39 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2