1. الزمة المالية: المفهوم والسباب
اعداد
د. عبد ا شحاتة
- Iلمحة تاريخية
شهد العالم وبصورة أساسية القتصاد الرأسمالي العديد من الزمات منذ أواخر
القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين و من أهمها:
•أزمة عام ٦٦٨١ حيث تعرضت عدد من البنوك النجليزية للفلس،
مما أدى في إلى أزمة مالية عصفت باستقرار النظام المالي
البريطاني. وتعد هذه الزمة أقدم الزمات المالية التي عرفها العالم.
•أزمة " الكساد الكبير " Great Depressionفى 9291 والتي تعد
أشهر الزمات المالية التى شهدها القتصاد العالمى وأقواها أثرا. إذ
هبطت أسعار السهم فى سوق المال المريكية بنسبة 31 %، ثم
توالت النهيارات في أسواق المال على نحو ما لبث أن امتدت آثاره
بشراسة على الجانب الحقيقي للقتصاد المريكى وما تبعه من انهيار
في حركة المعاملت القتصادية في القتصاد المريكي تمثلت
مظاهره في:
-نخفاض شديد فى الستهلك الكلى
-انخفاض الستثمارات من جانب القطاع النتاجى
-ارتفاع معدلت البطالة لتصل إلى حوالى ثلث قوة العمل المريكية فى
عام 2391.
النتائج المترتبة:
-امتدت آثار هذه الزمة إلى خارج الوليات المتحده لتضرب دول أوروبا
الغربية على نحو هدد أركان النظام الرأسمالي.
- فقدان شرعية الفروض الساسية للنظام القتصادي الكلسيكي الحر
المعروف بـ "دعه يعمل، دعه يمر".
-قيام القتصاديون في الغرب بالبحث عن حلول لمشكلت القتصاد
الحر.
1|Page
2. -ظهرت النظرية الكينزية لتؤكد على ضرورية تدخل الدولة في الحياة
القتصادية.
• أزمة الديون العالمية مع بداية الثمانينات من القرن العشرين: ففي
ظل تحرير القطاع المالي والمصرفي وحرية حركة رؤوس
الموال، توسعت البنوك التجارية العالمية فى القراض
لحكومات دول العالم الثالث. وقد اقترنت حركة التوسع في
القراض بتعثر تلك الحكومات واعلن الدول المدينة عدم
قدرتها على الوفاء بأعباء الديون وخدمتها، كما فعلت المكسيك
فى العام 2891 وتبعها عدد من الدول.
النتائج المترتبة:
-بدأت محاولت حكومات الدول الدائنة لحتواء أزمة الديون العالمية
خوفا من انهيار مؤسساتها المالية وقطاعها البنكي، فتدخلت لمنع
مؤسساتها المالية من الفلس وانهيار جهازها المصرفى
-استمرت الزمة على مدار عقدين من القرن الماضى، وخضوع الدول
المدينة لوصفة المؤسسات الدولية تحت ماعرف ببرامح الصلح
القتصادي والتكيف الهيكلي "Economic Reform and Structural
."Adjustment Program
* الزمة المالية عام 7991: شهدت الدول السيوية أزمة مالية شديدة بدأت
بانهيار عملة تايلند عقب قرار تعويم العملة الذى اتخذته الحكومة والتي
فشلت بعد ذلك محاولتها فى دعم عملتها فى مواجهة موجة المضاربات
القوية التى تعرضت لها.
النتائج المترتبة:
-أثر ذلك فورا على دول أخرى مثل الفلبين، اندونيسيا ، كوريا الجنوبية
وغيرها.
2|Page
3. -تفاقمت الزمة حيث تزايد حجم الدين الخارجى لربعة من أكبر الدول
السيوية إلى أن بلغ 081% من حجم إجمالى الناتج المحلى لها.
-تدخلت المؤسسات الدولية وبصفة خاصة صندوق النقد الدولى فتم
طرح حزمة سياسات لنقاذ الوضع شريطة قيام تلك الدول بتنفيذ برامج
معينة للصلح القتصادى والهيكلى كما حدث في أندونسيا وكوريا
الجنوبية ودول أخرى، فيما عدا ماليزيا التي رفضت هذه الحزمة.
•أزمة "فقاعات شركات النترنت" في أواخر القرن العشرين ومطلع اللفية
الثالثة: عرف العالم نوعا جديدا من الزمات المالية بدأت حين
أدرجت أسهم تلك الشركات فى سوق الوراق المالية في الوليات
المتحدة والذي يعرف بمؤشر ناسداك " "NASDAQحيث ارتفعت
أسعار أسهم تلك الشركات في البداية بشكل كبير فى وقت حقق
فيه عدد قليل من تلك الشركات أرباحا حقيقية مما أدى إلى انفجار
تلك الفقاعة فى عام 0002 .
النتائج المترتبة:
-انخفاض أسعار تلك السهم بسرعة وبصورة ملحوظة.
-تزامن هذا النخفاض مع حدوث هجمات سبتمبر 1002 والتى أدت
إلى إغلق أسواق المال المريكية بشكل مؤقت.
-استمرار النخفاض لتهبط قيمة مؤشر التكنولوجيا المرجح لـنسداك
بحوالى 87% فى 2002.
-قيام بنك الحتياطي الفيدرالي المريكي بخفض سعر الفائدة من
52.6% إلى 1% وذلك لحفز النمو القتصادي نتيجة لتأثر تلك الشركات
بشدة.
- IIمفهوم الزمة المالية وأنواعها
•المفهوم
ل يوجد تعريف أو مفهوم محدد للزمة المالية، لكن من المفاهيم المبسطة
لمصطلح الزمة المالية، هو أن الزمة المالية هي اضطراب حاد ومفاجئ فى
3|Page
4. بعض التوازنات القتصادية يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية تمتد آثاره
إلى القطاعات الخرى.
•أنواع الزمات المالية
1.الزمات المصرفية: تظهر الزمات المصرفية عندما يواجه بنك ما زيادة كبيرة
ومفاجئة فى طلب سحب الودائع. فبما أن البنك يقوم بإقراض أو تشغيل
معظم الودائع لديه ويحتفظ بنسبة بسيطة لمواجهة طلبات السحب اليومي،
فلن يستطيع بطبيعة الحال الستجابة لطلبات المودعين إذا ما تخطت تلك
النسبة، و بالتالى يحدث ما يسمى بـأزمة سيولة لدى البنك. وإذا حدثت مشكلة
من هذا النوع وامتدت الى بنوك أخرى، فتسمى فى تلك الحالة أزمة مصرفية
" ."Systematic Banking Crisisوعندما يحدث العكس، أى تتوافر الودائع لدى
البنوك وترفض تلك البنوك منح القروض خوفا من عدم قدرتها على الوفاء
بطلبات السحب تحدث أزمة فى القراض، وهو ما يسمى بـأزمة الئتمان او
.Credit Crunchوقد حدث في التاريخ المالي للبنوك العديد من حالت
التعثر المالي مثل ما حدث فى بريطانيا لبنك " "Overend & Gurneyوما
حدث في الوليات المتحدة عندما انهار "بنك الوليات المتحدة Bank of
"United Statesفى عام 1391 وبنك "."Bear Stearns
2.أزمات العملة وأسعار الصرف: تحدث عندما تتغير أسعار الصرف بسرعة بالغة
بشكل يؤثر على قدرة العملة على آداء مهمتها كوسيط للتبادل أو مخزن
للقيمة، لذلك تسمى هذه الزمة أيضا بأزمة ميزان المدفوعات Balance of
.Payments Crisisوتحدث تلك الزمات لدى اتخاذ السلطات النقدية قرار
بخفض سعر العملة نتيجة عمليات المضاربة، وبالتالى تحدث أزمة قد تؤدى
لنهيار سعر تلك العملة، وهو شبيه بما حدث فى تايلند وكان السبب المباشر
فى اندلع الزمة المالية فى شرق آسيا عام 7991. وعلى الرغم من أن
قرار تعويم أو خفض سعر صرف العملة الوطنية قد يبدو قرارا تطوعيا من
السلطة النقدية، ال أنه فى أغلب الحالت يكون قرارا ضرورياَ تتخذه فى حال
وجود قصور فى تدفقات رأس المال الجنبى أو تزايد فى التدفقات الخارجة.
بعض تلك الزمات لها أثر محدود على القطاع غير المالى، أما البعض الخر
4|Page
5. فيلعب دورا أساسيا فى تباطؤ النمو القتصادى وحدوث النكماش بل قد تصل
الى درجة الكساد.
3.أزمات أسواق المال "حالة الفقاعات": تحدث العديد من الزمات في أسواق
المال نتيجة ما يعرف اقتصاديا بظاهرة "الفقاعة" " ."bubbleحيث تتكون
"الفقاعة" عندما يرتفع سعر الصول بشكل يتجاوز قيمتها العادلة، على نحو
ارتفاع غير مبرر. وهو ما يحدث عندما يكون الهدف من شراء الصل –
كالسهم على سبيل المثال – هو الربح الناتج عن ارتفاع سعره وليس بسبب
قدرة هذا الصل على توليد الدخل. فى هذه الحالة يصبح انهيار أسعار الصل
مسألة وقت عندما يكون هناك اتجاها قويا لبيع ذلك الصل فيبدأ سعره فى
الهبوط، ومن ثم تبدأ حالت الذعر فى الظهور فتنهار السعار ويمتد هذا الثر
نحو أسعار السهم الخرى سواء في نفس القطاع أو القطاعات الخرى.
- IIIأسباب الزمات المالية
تتعدد النظريات المفسرة لظهور الزمات المالية وتختلف من حيث نوع هذه
الزمات كما تختلف أيضا في حدتها وتأثيرها ومداها الزمني. فمنها ما قد ينتج عن
ذعر مصرفى " ،"Banking Panicوالذي بدوره يترتب عليه كساد أو انكماش فى
النشاط القتصادي؛ بينما فى أحيان أخرى قد يكون السبب إنهيار حاد فى أسواق
السهم خاصةً بعد وجود فقاعة ،Bubbleفي أسعار بعض الصول – كما سبق
الشارة-؛ أو بسبب أزمة عملة وانهيار سعر الصرف مما ينتج عنه عددا من الثار
السلبية على المسار التنموي للقتصاد القومي.
وتشير الدبيات القتصادية إلى الجدل الدائر حول إلقاء ظلل المسئولية على
النظام الرأسمالى. فهناك من يرفض النظام الرأسمالي برمته، فوفقا لنظرية
"مينسكي" " "Minsky's Theoryفإن القطاع المالى فى القتصاد الرأسمالي
عامة يتسم بالهشاشة أو ما أسماه " "Financial Fragilityوتختلف درجة هشاشة
القطاع المالى باختلف المرحلة التى يمر بها القتصاد من مراحل الدورات
القتصادية، ومن ثم تزيد خطورة حدوث أزمة فى ذلك القطاع على القتصاد
ككل. و تدور نظرية "مينسكى" في تفسير الزمات المالية في النظام الرأسمالي
5|Page
6. على أن أي اقتصاد يمر بالمراحل المعروفة للدورة القتصادية، فبعد مرور
القتصاد بمرحلة كساد، تفضل الشركات تمويل أنشطتها بحرص وعدم تحمل
مخاطر كبيرة فى تعاملها مع القطاع المالى، وهو ما يسمى "التمويل المتحوط".
وفي إبان مرحلة النمو، تبدأ التوقعات المتفائلة فى الطفو على السطح وتتوقع
الشركات ارتفاع الرباح، ومن ثم تبدأ فى الحصول على التمويل والتوسع فى
القتراض بافتراض القدرة المستقبلية على سداد القروض بل مشكلت ُذكر.
وتنتقل "عدوى" التفاؤل بدورها بعد ذلك إلى القطاع المالي، ويبدأ المقرضون
فى التوسع فى إقراض الشركات دون تحوط كاف أو التحقق من قابلية استرداد
القروض مجددا، ولكن بناءً على قدرة تلك الشركات على الحصول على تمويل
مستقبلي نظرا لرباحهم المتوقعة. وفى ذلك الوقت يكون القتصاد قد تحمل
مخاطرةً بشكل معنوي فى نظام الئتمان. وفى حال حدوث مشكلة مادية أو
أزمة مالية لكيان اقتصادى كبير يبدأ القطاع المالى فى الحساس بالخطر مما
يؤثر على قابليته للقراض، المر الذى يؤثر بدوره على قدرة معظم الكيانات
القتصادية على سداد التزاماتها، وتبدأ الزمة المالية التى قد ل يتمكن ضخ أموال
فى القتصاد من حلها، وتتحول الى أزمة اقتصادية تؤدى لحدوث كساد ويعود
القتصاد لنقطة البداية مجددا.
ومن التفسيرات الحديثة للزمة المالية ما طرحته نظرية المباريات "game
"theoryتحت ما يعرف "بمباريات التنسيق بين اللعبين في السواق المالية"
."Coordination Gamesإذ تؤكد أدوات التحليل القتصادى وجود علقات موجبة
بين القرارات التى يتخذها لعبو الحلبة القتصادية )المضاربون، المستثمرون،....(.
فقد يكون قرار المستثمر فى كثير من الحيان باتخاذ التجاه الذى يتوقع هذا
المستثمر الخرين أن يتخذوه. بمعنى آخر، قد يكون قرار شراء أصل ما، بناءً
على التوقع بأن قيمة ذلك الصل ستزداد، وأن له القدرة على توليد دخل مرتفع.
بينما فى أحيان أخرى قد يتخذ المستثمر القرار ذاته نظرا لتوقعه قيام
المستثمرين الخرين بأخذ ذات القرار، حينئذ، تبدو الصورة مختلفة. وقد أكدت
بعض النماذج الرياضية التى استخدمت لتحليل أزمات العملة مثل نموذج "بول
كروجمان – "Paul Krugmanذلك السلوك. على سبيل المثال أن نظام سعر
الصرف الثابت قد يحتفظ باستقراره لفترة طويلة، ولكن قد يحدث له انهيار سريع
6|Page
7. لمجرد وجود عوامل قد تسبب أن يتوقع الخرون انخفاض سعر الصرف، ومن ثم
يبدأ السعر فى النخفاض وربما النهيار فعليا.
ومع اختلف صور الزمات المالية التى يشهدها القتصاد العالمى ال ان هناك
عدة عوامل قد تزيد من حدة و تأثير تلك الزمات، مثل:
•عدم الموائمة بين حجم الصول وحجم اللتزامات للمؤسسات المالية: حيث ل
تتناسب المخاطر التى تتحملها تلك المؤسسات مع أصولها، خاصة مع
ارتفاع الوزن النسبي لحجم الصول طويلة الجل بميزانية تلك
المؤسسات، وبالتالى تتعرض لمكانية التعثر والفلس. فعلى سبيل
المثال حين تتيح البنوك سحب الودائع فى أى وقت بينما تتوسع فى
القراض طويل الجل – كالقروض لتمويل شراء العقارات مثل ً – فهى
بذلك تتحمل مخاطر مالية مرتفعة. كذلك الحال بالنسبة للدول، فكثير
من القتصادات النامية تلجأ الى إصدار سندات قيمتها السمية مقيمة
بالدولر أو اليورو، وهو ما قد يؤدى الى عدم تناسب القيمة السمية
للتزاماتهم – أى السندات المصدرة– وأصول تلك الحكومات المتمثلة
في الضرائب المحصلة بالعملة المحلية. وفى تلك الحالة تظهر امكانية
حدوث ما يسمى بحالة التعثر عن سداد اللتزمات أي عندما تعجز تلك
الحكومات عن الوفاء بالتزاماتها من العملة الجنبية عند استحقاق تلك
السندات.
•أثر العدوى أو ما يسمى" " Contagion Effectأى انتقال الزمات المالية
- مثل تلك الخاصة بأسعار العملة أو انهيار أسواق السهم - وانتشارها
في دول أخرى. ويختلف القتصاديون حول ما إذا كان حدوث أزمة فى
أكثر من دولة فى ذات الوقت نتيجة لنتشار غير مبرر "للعدوى" بالفعل،
أم بسبب مشكلت حقيقية تعانى منها القتصادات التى انتقلت إليها
الزمة، سواء اختلفت تلك السباب فيما بينها أم تشابهت.
-IVالزمة المالية عام 8002:
7|Page
8. تعرض العالم فى الونة الخيرة لزمة مالية توصف بأنها السوأ ربما منذ أزمة
الكساد الكبير على حد تعبير الخبراء القتصاديين. فمنذ مطلع العام تنبأت
المؤشرات القتصادية المختلفة بحدوث كساد فى النشاط القتصادى على
المستوى العالمى. كان من أهم تلك المؤشرات الرتفاع المطرد فى أسعار
البترول؛ تكرر الزمات الئتمانية فى السواق العالمية؛ أزمة الرهن العقارى فى
الوليات المتحدة؛ وإرتفاع معدل البطالة.
ففى يناير 8002، ارتفعت أسعار البترول لتصل الى 741 دولر للبرميل
فى يوليو، وذلك قبل أن تبدأ فى النخفاض بعد ذلك. وقد أدى ذلك الرتفاع الذى
استمر لفترة الى قفزة كبيرة فى أسعار السلع الساسية مما هدد بحدوث ركود
أو "كساد" تضخمى .Stagflationأما فى النصف الثانى من 8002 فقد شهدت
أسعار معظم السلع انخفاضا فى ظل التوقع لحدوث كساد عالمى.
من ناحية أخرى، سجلت معدلت التضخم العالمية مستويات تاريخية، حيث
كان هناك اتجاه عام لزيادة عرض النقود خاصة من قِــبل البنك المركزى
المريكي " ،"FEDفى محاولة للتخفيف من حدة أزمة الرهن العقارى المريكية.
وقد كان هذا التضخم أكثر قوة فى البلد المصدرة للبترول حيث ارتفعت لديها
إحتياطيات النقد الجنبي، مع الفتقار إلى حزمة من السياسات النقدية المناسبة –
مثل عمليات السوق المفتوحة على سبيل المثال – وذلك للحتفاظ بالمعدلت
المستهدفة لسواق النقد وأسعار الفائدة، فيما يٌسمى بعمليات التعقيم
. Sterilization
الزمة فى الوليات المتحدة المريكية:
اندلعت أزمة الرهن العقار Mortgage Crisisفى الوليات المتحدة المريكية
فى بداية العام 7002 حيث كان هناك ندرة فى السيولة فى أسواق الئتمان
والجهزة المصرفية العالمية، إلى جانب بداية النكماش فى قطاع العقارات فى
الوليات المتحدة، والممارسات المرتفعة المخاطرة فى القراض والقتراض.
وقد ظهرت الزمة بصورتها الحالية عندما انفجرت فقاعة سوق العقارات، والتى
نتجت عن تسويق العقارات لمحدودى الدخل فى الوليات المتحدة بطريقة ملتفة
وشروط تبدو سهلة للوهلة الولى، ولكن بعقود كانت صياغتها بمثابة فخ
لمحدودى الدخل فقد كانت في مجملها التفاف علي قوانين الدولة والحد
8|Page
9. الئتماني. حيث تضمنت العقود نصوصا تجعل القسط يرتفع مع طول المدة.
وعند عدم السداد لمرة واحده تؤخذ فوائد القسط 3 أضعاف عن الشهر الذي لم
يتم سداده. فضل ً عن وجود بنود في العقود ترفع الفائدة عند تغيرها من البنك
الفيدرالي المريكي، فيما يسمى بـالرهن العقارى ذى الفائدة القابلة للتغيير
.Adjustable Rate Mortgages ARM
حيث شهدت السنوات السابقة لذلك تساهل ً ملحوظا فى شروط الئتمان
واتجاها طويل المدى لرتفاع أسعار العقارات، حيث ارتفعت أسعار العقارات
)بالتحديد السكنية منها( بما يقرب 421% خلل الفترة 7991- 6002، مما حفز
الكثيرون على القتراض لتمويل شراء مساكنهم الخاصة، حيث ارتفع معدل
التمليك السكنى فى الوليات المتحدة المريكية من 46% فى 6991 الى ٢.96%
فى 4002. وفى ظل الرتفاع العام لسعار تلك العقارات أخذ كثير منهم فى
القتراض بضمان قيمتها –التى لم تسدد فى الساس – وكان العتماد فى هذه
القروض بشكل أساسى على قيمة العقار التى تتزايد باستمرار فى السوق
كضمان.
وبعد فترة، وتحديدا خلل عامي 6002 و 7002 بدأت أسعار الفائدة فى
الرتفاع على غير المتوقع مما أدى الى تزايد التزامات محدودى الدخل حيث
ارتفعت أعباء قروض العقارات التى التزموا بها، بالضافة الى القروض التى
تشكل قيمة العقارات ضمانا لها، فامتنع الكثيرون عن السداد بعد أن ارهقتهم
القساط المتزايدة، وبدأت أسعار العقارات تهوى لسفل.
ولحتواء ذلك الوضع قامت البنوك وشركات العقار ببيع ديون المواطنين فى
شكل سندات لمستثمرين عالميين بضمان العقارات، الذين لجأوا بدورهم -بعد
أن تفاقمت المشكلة- لشركات التأمين التي أوجدت من الزمة فرصه للربح
بضمان العقارات فيما لو امتنع محدودو الدخل عن السداد. فقامت بتصنيف
سندات الديون لفئتين )أ( قابله للسداد )ب( ل يمكن سدادها وبدأت شركات
التأمين بأخذ أقساط التامين علي السندات من هؤلء المستثمرين.
وفى ظل تلك الظروف قام البنك الفيدرالى المريكى بخفض أسعار
الفائدة حيث قام فى يناير 8002 بخفض معدل فائدته الرئيسية ثلثة أرباع
9|Page
10. النقطة إلي 05,3% وهو إجراء ذو حجم استثنائي، ثم تخفيضه تدريجيا إلي 2%
بين يناير وابريل من ذات العام.
ولدى تفاقم الزمة وتوقف محدودي الدخل عن السداد، اضطرت الشركات
والبنوك لمحاولة بيع العقارات محل النزاع والتي رفض ساكنوها الخروج منها،
فعجزت قيمة العقار عن تغطية التزامات أيا من البنوك أو شركات العقار أو
التأمين، مما أثر علي السندات فطالب المستثمرون بحقوقهم عند شركات التأمين،
فأعلنت أكبر شركة تأمين في العالم "ايه آي جي "AIGعدم قدرتها على الوفاء
بإلتزاماتها تجاه 46 مليون عميل تقريبًا مما دفع بالحكومة المريكية إلى منحها
مساعدة بقيمة 58 مليار دولر مقابل امتلك 9.97% من رأسمالها، ولحق بها
كثير من المؤسسات المالية المريكية مثل مورجان ستانلي و جولدمان ساكس،
وفى سبتمبر 8002 أعلن بنك " الخوة ليمان" "Lehman Brothersافلسه.
و قد قٌدرت خسائر المؤسسات المالية حول العالم فى يوليو 8002 بما
يقرب من 534 مليار دولر أمريكي، وشهدت البورصات فى أغسطس 7002
تدهورا شديدا أمام مخاطر اتساع الزمة وتدخلت المصارف المركزية لدعم سوق
السيولة.
هذه الزمة ما لبثت أن ظهرت آثارها بأن شهد القتصاد المريكي انكماشا
ملحوظا على مدار العام 8002، ظهرت جلية في معدلت البطالة، حيث وصلت
معدلت البطالة إلى ١.٦%، وهو المعدل العلى فى خمس سنوات في سبتمبر
٨٠٠٢. حيث قام أصحاب العمل بالستغناء عن ما يقرب من ٠٠٠,٥٠٦ وظيفة منذ
بداية الشهر الول من هذا العام. وقد انعكست هذه الصورة السلبية على سوق
الوراق المالية في صورة انخفاضات حادة في أسعار السهم والسندات.
الزمة فى أوروبا:
امتد أثر الزمة المالية بطبيعة الحال ليشمل الدول الخرى وعلى رأسها دول
التحاد الوربي، حيث هبط النتاج الصناعى الوربى فى مايو ٨٠٠٢ بمعدل .١
٩%، وهو النخفاض الكثر حدة فى شهر واحد منذ أزمة سعر الصرف فى ٢٩٩١.
وقد سجل القتصاد الوروبى فى الربع الثانى من العام انخفاضا قدره ٢.٠%.
على سبيل المثال ارتفعت حالت البطالة فى القتصاد البريطانى حسب إحصاءات
01 | P a g e
11. "مكتب الحصاءات القومية إلى ٠٠٩,٤٠٩، بزيادة حوالى ٠٠٥,٢٣ حالة وذلك فى
أغسطس ٨٠٠٢. بينما شهد القتصاد اليرلندى فى الربع الول من العام انكماشا
فى اجمالى الناتج المحلى قدره ٥.١%، وهى السابقة الولى لها منذ عام ٣٨٩١،
وكذلك انكماشا قدره ٥.٠% فى الربع الثانى لتصبح بذلك أيرلندا أولى دول التحاد
الوربى دخول ً فى الكساد القتصادى.
أما أسبانيا فقد نجحت فى تجنب النكماش فى النشاط القتصادى ولكنها
– بالرغم من ذلك – قد عانت من ارتفاع شديد فى معدلت البطالة حيث وصلت
إلى ٩.٩%، فقد ازدادت حالت البطالة فى القتصاد السبانى بنحو ٥٢٤ ألف حالة
عن العام ٧٠٠٢.
كل تلك الظواهر الخاصة بالزمة انتقلت بدورها إلى الدول الخرى مثل
بلجيكا والنمسا والمانيا والسويد والدانمرك وغيرهم من الدول الوروبية.
سياسة العلج ومواجهة الزمة:
ففي الوليات المتحده: أوصى كل من محاقظ البنك الفيدرالى ووزير
الخزانة المريكي بضرورة تخصيص كم كبير من التمويل لعادة الستقرار للقطاع
المالي المريكي. كذلك تدخلت الحكومة المريكية فى سوق المال وذلك بمنع
البيع على المكشوف لنحو ٩٩٧ سهم مدرجة فى سوق السهم المريكية. وتبلغ
التقديرات المبدئية للتكلفة المالية للخزانة المريكية فى المشروع الذى قدمته
إدارة "بوش" فى سبتمبر ٨٠٠٢ بحوالى ٠٠٧ مليار إلى تريليون دولر أمريكى.
والمفارقه الغريبة أن وصفة العلج التي طرحتها الدول الغربية وعلى رأسها
الوليات المتحدة لمواجهة الزمة تتعارض مع ما تنادي به دائما من حرية القطاع
المالى.
وفي إطار الخروج من الزمة أيضا فإن اللجوء للتأميم بات حل ً مطروحا
كورقة أخيرة فى أيدى تلك الحكومات للدفاع عن القتصاد القومى. وقد شهد
مسلسل تأميم بعض المؤسسات المالية حلقات عديدة، منها تأميم "إندى ماك
"IndyMacأحد أكبر مؤسسات القروض العقارية فى الوليات المتحدة
المريكية، وذلك فى يوليو ٨٠٠٢. فضل ً عن انقاذ شركة التأمين الكبرى AIG
مقابل امتلك الحكومة لحصة تبلغ حوالى ٠٨% من الشركة.
11 | P a g e
12. ولم يختلف المر كثيرا فى أوروبا، حيث تم تأميم عدد من البنوك
والمؤسسات المالية الوربية. فقد شهد سبتمبر ٨٠٠٢ تأميم" برادفورد & بينجلى "
،"Bradford & Bingleyأكبر مؤسسات القروض العقارية فى بريطانيا، كذلك
قامت حكومة أيسلندا بشراء حصة ٥٧% من ،""Glitnir Bankثالث أكبر مؤسسة
إقراض فى ايسلندا.
هذه الجهود المختلفة تأتى فى إطار محاولت الدول استعادة توازنها الذى
فقدته فى ظل الزمة المالية الراهنة، والذى كان احد أهم أسبابها – إن لم يكن
أهمها على الطلق- هو أزمة الرهن العقارى التى ولّدها القطاع المالى الذى
أصبح – على حد تعبير البعض – "طفلً يحتاج الى وصاية" ، هذه الوصاية هي
التدخل الحكومي.
21 | P a g e