1. ذ. حميد بن خيبش ابن خلدون..مربيا ـ
ل تلبث حجج و دفوعات المناوئين للخطاب التربوي اللسلمي ان تتهاوى امام توافر شروط
التناول الهادئ و المتجرد للسهامات المفكرين المسلمين في الحقل التربوي و التعليمي ..وفي
مقدمة هذه الشروط : التغلب على الحوائل النفسية المتولدة عن حالة التبعية و البنبهار بثقافة "
الغالب" , وتجاوز القصور المنهجي لعدد من الدرالسات و البحاث ..و الذي جعل هذه
اللسهامات ل تعدو كوبنها آراء و مواعظ و اجتهادات متفرقة , بدل ان يتم تقديمها كنظرية
تربوية متكاملة تؤطرها رؤية فكرية او خلفية فلسفية !
لن بننكر غلبة الصيغ الوعظية –الخلقية على بواكير النتاج التربوي اللسلمي بالنظر الى
بنشأته في ولسط فقهي " ابن لسحنون , الغزالي , القابسي.." , وقصر المحتوى التعليمي على
العلوم الشرعية , لكن من الجحاف تعميم هذا الحكم خصوصا بعد ابنفتاح المسلمين على
الثقافات المجاورة , واشتداد الحاجة للعلوم "الدبنيوية" الخادمة لحركة النهضة اللسلمية .
و تأتي اللسهامات التربوية للمؤرخ و المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون لتشكل تحول مهما
في مسار الفكر التربوي اللسلمي , وتثبت قدم البنشغال بقضايا تربوية يدعي "المتغربون"
ثُ
حداثتها و جدتها !
* * *
تبنى ابن خلدون بنهجا مغايرا لمسلك الفقهاء في رصد الظاهرة التربوية , فاقراره بالعلقة
الجدلية بين "صناعة التعليم" و الناتج الحضاري لمجتمع ما دفعه الى العتناء الشديد بالبناء
المتكامل لشخصية الفرد من خلل ارلساء منهجية تربوية لسليمة تضع الطفل في قلب العملية
التعليمية , وتنسجم في الن بنفسه مع فلسفته العامة للعمران !
و بنستعرض فيما يلي أهم مباديء هذه المنهجية :
1- السند الصالح :
يدافع ابن خلدون عن التعليم كصناعة مستقلة عن العلم , وهذه اللستقللية تفترض" عقل" فريدا
ملما بمباديء" الصنعة" و مسائلها وقوابنينها , وقادرا على توفير الشروط اللسالسية للتعلم ,
ثُ
وبذلك يتجاوز ابن خلدون معيار الكفاءة العلمية الذي كان لسائدا قبله ليشترط الحذق ومهارة
التواصل مع المتعلمين كمعيار السالسي لتولي مهمة التعليم .
اما حين ينتقل الى تحديد " آداب المعلم الصالح" فإن القاريء يستشعر تاصيل مبدئيا لما يسمى
اليوم ب "علم النفس التربوي" , وذلك من حيث تأكيده على مراعاة قدرات المتعلم وميوله , و
الحرص على اختيار البنسب من كل فن و البدء بعمومياته تجنبا للرهاق الباعث على النفور ,
والحائل دون تحصيل "الملكات"
2- من تربية "الحشو" الى تربية "الملكة" :
ان ابنشغال ابن خلدون بارلساء السس علمية وموضوعية لصناعة التعليم حقق له الريادة في عديد
من الراء و المواقف التي تضمنتها مقدمته الشهيرة , فابنحيازه للدور الوظيفي الذي تلعبه
التربية في تدبير "المعاش" و تحقيق "العمران" دفعه لخوض تجربة النقد التربوي من خلل
تناوله لطرق التدريس السائدة في عصره , وكشف مواطن الخلل فيها .
فابن خلدون الذي يؤمن بان اهم خواص الفكر البنسابني هو التفكر الدائم و التوق الشديد لتحصيل
الدراكات النافعة يرفض السلوب "حشو الذهان" الذي داب عليه المعلمون مما يفقد الطالب
ثُ
ملكات المحاورة و المناظرة لشدة عنايتهم بالحفظ )) فل يحصلون على طائل من ملكة
التصرف في العلم و التعليم , ثم بعد تحصيل من يرى منهم ابنه قد حصل تجد ملكته قاصرة في
علمه ان فاوض او بناظر او علم (( بالمقابل يلح على تبني منهجية تربوية قوامها التدرج في
1
2. اكساب الطالب ملكات تؤهله لتستحضار تعلماته في رحلة تحصيل المعاش .
اما الملكة في تصور ابن خلدون فهي " المهارة التي يكتسبها المرء في امر فكري و عملي اذ
هي شيء ل يكون موجودا , ويصبح موجودا بالكتساب عن طريق الحواس و يترقى الى
الفكر" )*(
ولتحقق الفاعلية و التقان في اكتسابها ينبغي بناء مواقف تعلمية تتسم بالتدرج و التتابع و
مراعاة قدرة كل طالب على الفهم و التستيعاب .
3- العقاب البدني :
يثير العقاب البدني في الحقل التعليمي جدل حادا و اختلفا في الراء حد التعارض ,
فالمؤيدون للشدة على المتعلمين يحيلون على الطابع "التأديبي" للعملية التربوية , والذي يفترض
قسوة مبررة عقل ونقل !
للجم الطباع النافرة , وضبط المسار التعليمي بحزم .
في حين يستند المعارضون إلى الاثار النفسية و الجتماعية التي تخلفها الشدة , ويطرحون بدائل
عدة تحفز الطالب على الندماج الطوعي في المسار التربوي.
اما ابن خلدون الذي ينطلق من تصور شامل و ايمان بالوظيفة الحضارية لصناعة التعليم فيرى
ان العقاب البدني مدعاة لشيوع الخل ق و العادات الذميمة التي تعيق النشاء الفكري و الخلقي
السليم لجيال الغد , وتهدد القيم التي ينهض عليها العمران البشري )) ومن كان مرباه بالعسف
و القهر من المتعلمين ..تسطا به القهر و ضيق على النفس في انبساطها , وذهب بنشاطها ,ودعاه
الى الكسل, و حمل على الكذب و الخبث , و التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط
مُ
اليدي بالقهر عليه و وعلمه المكر و الخديعة كذلك وصارت له هذه عادة وخلقا و فسدت معاني
النسانية التي له من حيث الجتماع و التمدن وهي الحمية و المدافعة عن نفسه او منزله ,
وصار عيال على غيره في ذلك (( .
* * *
لم يتوقف العطاء التربوي لبن خلدون على ما ذكر , بل يمتد ليشمل اقتراح منهج دراتسي
مُ
يناتسب فلسفته في العمران و ويخلص التربية من إتسار النظرة الفقهية القاصرة لتطال مجالت
الحياة المتعددة .
فما أحوجنا الى وصل ما انقطع , و بلورة منظومة تربوية تستنير بجهود مفكري المة و
علمائها , وتتسق مع اثوابتها , بدل الصرار الغريب على التبضع من الخارج , هذا التبضع الذي
لم يخلف الى الن غير فوضى فكرية و اضطراب.. وشك وارتياب.. وذوبان متواصل في هوية
الخر و حضارته !
**********************************
)*(الفكر التربوي عند ابن خلدون و ابن الرزر ق , د. عبد المير شمس الدين
2