SlideShare a Scribd company logo
1 of 38
‫مدخل إلى العلوم السلمية )٣(‬

          ‫الصول‬

‫الستاذ الشهيد مرتضى المطهري‬

 ‫ترجمة: حسن علي الهاشمي‬
   ‫مراجعة: السيد علي مطر‬

     ‫دار الكتاب السلمي‬




              ‫1‬
‫تمهيد‬
                                    ‫ما هو المراد من العلوم السلمية؟‬
‫يجدر بنها فهي هذا الدرس أن نتحدّث قليل ً عهن كلمهة "العلوم السهلمية" وضهع لهها‬
‫تعريفا جليا؛ ليتضح مرادنا من العلوم السلمية، وماهية الكلّيات التي نحاول معرفتها‬
                                                                                    ‫في هذه الدروس.‬
‫إنه العلوم السهلمية، التهي ههي موضوع بحثنها، يمكهن تعريفهها على أنحاء عدّة،‬
                                                                        ‫ّ‬
                                                    ‫وتبعا لختلف التعاريف تختلف المواضيع:‬
‫١- العلوم التي تدور موضوعاتها أو مسائلها حول أُصول السلم وفروعه، أو التي‬
‫يمكن من خللها إثبات أُصول السلم وفروعه، وهي: القرآن والسنّة، من قبيل: علم‬
                          ‫) (‬
‫القراءة، علم التفس هير، علم الحدي هث، علم الكلم النقلي 1 ، علم الفق هه، علم الخلق‬
            ‫ه‬                                 ‫ه‬              ‫ه‬
                                                                                                    ‫) (‬
                                                                                                  ‫النقلي 2 .‬
‫٢- العلوم المذكورة آنفا، بالضافة إلى العلوم المُمهّدة لها، والعلوم المُمهّدة من‬
‫قبيهل: الدب العربهي، مهن الصهرف والنحهو واللغهة والمعانهي والبيان والبديهع وغيرهها،‬
‫ومهن قبيهل: الكلم العقلي، والخلق العقليهة، والحكمهة اللهيهة، والمنطهق، وأ ُهصول‬
                                                                          ‫الفقه، والرجال، والدراية.‬
  ‫٣- العلوم التهي تعدّ – بنحهو مهن النحاء – جزءا مهن الواجبات السهلمية، وههي‬
‫التهي يجهب على المسهلمين تحصهيلها، ولو على نحهو الواجهب الكفائي، والتهي يشملهها‬
                     ‫الحديث النبويّ المعروف: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".‬
‫إن العلوم التهي تعتهبر موضوعاتهها ومسهائلها مهن الصهول أو الفروع السهلمية أو‬
‫التهي يسهتند إليهها فهي إثبات تلك الصهول والفروع، مهن الواجهب تحصهيلها؛ لن ّه الحاطهة‬
‫بأُهصول الديهن السهلمي مهن الواجبات العينيهة على كلّ مسهلم، والحاطهة بفروعهها‬
‫واجهب كفائي، كمها تجهب دراسهة القرآن والسهنّة أيضا؛ إذ ل يتيسهر مهن دونهمها معرفهة‬
                                                                            ‫أُصول السلم وفروعه.‬
‫وهكذا تجب دراسة العلوم المُمهّدة لتحصيل هذه العلوم من باب )وجوب مقدمة‬
‫الواجهب(، أي: ينبغهي أن يكون هناك دائما أفراد ملمّون بهذه العلوم بالمقدار الكافهي‬


                                     ‫1 . سيتضح فيما بعد أن علم الكلم على قسمين: عقلي ونقلي، وسيتضح الفرق بينهما.‬
                                ‫2 . الخلق أيضً على قسمين كعلم الكلم: عقلية ونقلية، وسنتحدث فيما بعد عن ذلك أيضً.‬
                                 ‫ا‬                                                                ‫ا‬


                                                ‫2‬
‫على القل. بل ينبغهي أن يكون هناك دائما مَهنْ يساهم في تطوير العلوم السهاسية‬
                                    ‫والتمهيدية، ويعمل على إثرائها وتنميتها باستمرار.‬
‫وق هد س هعى العلماء المس هلمون طوال القرون الربع هة عش هر إلى توس هيع رقع هة‬
 ‫ه‬       ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬                       ‫ه‬                ‫ه‬    ‫ه‬
‫العلوم المذكورة، وقهد حققوا فهي هذا الصهدد نجاحات ملحوظهة، وسهتطّلعون تدريجيا‬
                                   ‫على نشوء هذه العلوم ونموّها وتحوّلها وتكاملها.‬
‫إنهّ العلوم التهي ههي باب الفريضهة والت هي يج هب على المسهلمين تحصهيلها غيهر‬
 ‫ه‬       ‫ه‬        ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬            ‫ه‬   ‫ه‬
‫منحصهرة فهي العلوم المتقدمهة، فكهل علم توقفهت تلبيهة الحاجات الضروريهة للمجتمهع‬
‫السلمي على معرفته والتخصص والجتهاد فيه، وجب على المسلمين تحصيله من‬
                                                                ‫باب المقدمة التهيؤيّة.‬
‫ولكي نوضح أن السلم دين جامع وشامل، وأنه لم يكتف بسلسلة من المواعظ‬
‫الخلقيهة والفرديهة فقهط، وأنهه ديهن يعمهل على صهيانة المجتمهع، نقول: إنه السهلم‬
       ‫ّ‬
‫عمهد إلى كلّ مها يحتاج إليهه المجتمهع فأوجبهه على الكفايهة، فإذا كان المجتمهع بحاجهة‬
‫إلى طههبيب على سههبيل المثال، يغدو الطبههّ واجبا كفائيا، أي: يجههب توفيههر الطباء‬
         ‫ه‬
‫بالمقدار الكافهي، وإذا لم يكهن هناك أطباء بالمقدار الكافهي وجهب على الجميهع أن‬
‫يُمهّدوا الرضيهة بغيهة توفيهر الطباء، ورفهع هذه الحاجهة، وبمها أن الطبه يتوقهف على‬
           ‫ّ‬
‫تحصهيل علوم الطهب يكون تحصهيلها حتما مهن الواجبات الكفائيهة، وهكذا المهر فهي‬
                     ‫التعليم، والسياسة، والتجارة، وأنواع الفنون والصناعات الُخرى.‬
‫وفهي الموارد التهي يتوقهف فيهها حفهظ المجتمهع السهلمي وكيانهه على تحصهيل‬
‫العلوم والصناعات بأرفع مستوى ممكن يجب تحصيل تلك العلوم بذلك المقدار، ومن‬
‫هنها يعتهبر السهلم جميهع العلوم الضروريهة للمجتمهع السهلمي فريضهة، وعليهه سهوف‬
‫تشمهل العلوم السهلمية – بحسهب هذا التعريهف الثالث – الكثيهر مهن العلوم الطبيعيهة‬
                                     ‫والرياضية "التي يحتاج إليها المجتمع السلمي".‬
‫٤- العلوم التهي تكاملت فهي الحواضهر العلميهة السهلمية، أعمه مهن التهي تعد فهي‬
    ‫ّ‬             ‫ّ‬
‫نظهر السهلم واجبهة وضروريهة، وأعمه مهن التهي تعدّ فهي نظره محظورة إل ّ أنّهها على‬
                                               ‫ّ‬
‫كلّ حال شق ّت طريقها في المجتمع السلمي، من قبيل: علم التنجيم الحكامي "ل‬
‫علم التنجيههم الرياضههي"، فإننهها نعلم بإباحههة علم التنجيههم، كونههه جزءا مههن العلوم‬


                                          ‫3‬
‫السهلمية المباحهة، فيمها إذا ارتبهط بالمعادلت الرياضيهة التهي تدرس أحوال الكون،‬
‫وتقوم ب ههبيان س ههلسلة م ههن التنبؤات القائم ههة على ال ُ ههسس الرياضي ههة كالخس ههوف‬
   ‫ه‬         ‫ه‬            ‫ه‬            ‫ه‬                   ‫ه‬        ‫ه‬        ‫ه‬
‫والكسهوف، وأمّها الخارج منهها عهن حدود المعادلت الرياضيهة – المتعلق بهبيان سهلسلة‬
‫مهن الروابهط الخفيّهة بيهن الحوادث السهماوية والوقائع الرضيهة، منتهيا إلى سهلسلة مهن‬
‫التكهنات بشأن الحوادث الرضية – فهو حرام في نظر السلم، ولكن برغم ذلك تجد‬
    ‫) (‬
  ‫كل هذين النوعين من علم التنجيم موجودا في مهد الثقافة والحضارة السلمية 1 .‬
‫وبعد أن عرضنا تعاريف مختلفة لكلمة "العلوم السلمية"، واتضح أن هذه الكلمة‬
‫تستعمل في الموارد المختلفة في معا نٍ متعددة، وأن بعض تلك المعاني أوسع من‬
‫بعهض أو أضيهق، نشيهر إلى أن المراد مهن العلوم السهلمية التهي نريهد أن نتحدث عنهها‬
‫بشكل كلي هو ما ذكرناه في التعريف الثالث، أي: العلوم التي يعدّها السلم – بنحو‬
‫م هن النحاء – فريض هة ذات تاري هخ عري هق ف هي الثقاف هة والحضارة الس هلمية، والت هي‬
 ‫ه‬           ‫ه‬               ‫ه‬         ‫ه‬    ‫ه‬      ‫ه‬           ‫ه‬                ‫ه‬
‫تحظهى باحترام المسهلمين وتقديرههم بوصهفها أداة لرفهع حاجهة، أو وسهيلة إلى إنجاز‬
                                                                                             ‫فريضة من الفرائض.‬
‫وفهي هذا الدرس ينبغهي للطلب العزاء أن يدركوا أن الثقافهة السهلمية تشكهل‬
‫ثقافهة خاصهة بيهن الثقافات العالميهة، ولهها روحهها الخاصهة بهها، وسهلسلة مهن المميزات‬
‫الخاصة، ومهن أجل معرفة ثقافهة من الثقافات، أنهها ذات أصهالة مسهتقلة، تتمتع بحياة‬
‫وروح خاصههة، أو أنههها مجرد تقليههد للثقافات الخرى – وربمهها كانههت مجرد اسههتمرار‬
‫للثقافات الس هابقة – ينبغ هي معرف هة بواع هث تلك الثقاف هة وهدفه ها وحركته ها وطريق هة‬
 ‫ه‬        ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬             ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه‬            ‫ه‬
‫نموّها، وكذا سماتها البارزة وإخضاعها للفحص الدقيق، فإذا تمتعت ثقافة ما ببواعث‬
‫خاصهة وكان لهها هدفهها وحركتهها الخاصهة بهها، وكانهت طريقهة حركتهها مغايرة لطريقهة‬
‫حركهة سهائر الثقافات، وكان لهها سهماتها البارزة، عدّ ذلك دليل ً على أصهالة تلك الثقافهة‬
                                                                                                            ‫واستقللها.‬
‫وبديههي أن إثبات أصهالة ثقافهة وحضارة مها ل يعنهي بالضرورة أنهها لم تسهتفد مهن‬
‫الثقافات والحضارات الُخرى، لن هذا مسههتحيل؛ إذ مهها مههن ثقافههة فههي العالم إلّ‬



 ‫1 . للطلع على العلوم التي تكاملت أو دخلت في الثقافة السلمية يراجع كتاب: )كارنامه إسلم(، لمؤلفه الكتور: عبد الحسين ز ّين كوب.‬
        ‫ر‬


                                                             ‫4‬
‫اسههتفادت مههن الثقافات والحضارات الُخرى، وإنمهها الكلم فههي كيفيههة السههتفادة‬
                                                                                                             ‫والنتفاع.‬
‫فأحههد أنواع النتفاع أن تقوم ثقافههة باسههتيراد ثقافههة أو حضارة أُخرى بل أدنههى‬
‫تصههرف فيههها، والنوع الخههر أن تقوم الثقافههة بعمليههة اسههتيعاب الثقافههة والحضارة‬
‫الُخرى، كمها تصهنع الخليّهة الحيّهة فهي اجتذاب المواد وهضمهها وتحويلهها إلى موجودات‬
                                                                                                    ‫وكائنات جديدة.‬
‫والثقافة السلمية من النوع الثاني، فقد نمت كالخلي ّة الحي ّة، إذ اجتذبت الثقافات‬
‫الُخرى مهن اليونانيهة والهنديهة واليرانيهة وغيرهها وحوّلتهها إلى كائن جديهد له سهماته‬
‫الخاصهة. وقهد اعترف الباحثون فهي تاريهخ الثقافهة والحضارة بأن الحضارة السهلمية‬
                                                                   ‫من أكبر الحضارات والثقافات البشرية.‬
‫أ ين تكون تك و ّ نت هذه الخلي ّة الحيو ية الثقاف ية، وعلى يد من؟ و من‬
                                                 ‫أي نقطة بدأ تكاملها؟‬
‫إ نّ هذه الخلي ّة – كسائر الخليا التي تكون صغيرة وغير محسوسة في بدايتها –‬
‫ظهرت في المدينة المنوّرة على يد الرسول الكرم )صلّى ا عليه وآله وسلم(، فبدأ‬
                                                                ‫النوع الوّل من العلوم السلمية أعماله..‬
                                      ‫) (‬
                                     ‫ولمزيد من الطلع ينبغي الرجوع إلى الكتب الخاصة 1 .‬
‫وينبغي التذكير بأن العلوم السلمية تنقسم إلى قسمين: العلوم العقلية، والعلوم‬
                                                                                                                 ‫النقلية.‬
                                            ‫وسنبدأ بالصول الذي يعدّ جزءا من العلوم العقلية.‬




‫1 . راجع: "كارنامه إسلم"، تأليف: الدكتور ز ّين كوب، و"تاريخ التمدن السلمي"، لمؤلفه: جرجي زيدان، ج ٣، و"خدمات متقابل إسلم‬
                                                                            ‫ر‬
                                                                                        ‫وإيران"، بقلم المؤلف، القسم الثالث.‬


                                                            ‫5‬
6
‫الصول‬
                               ‫الدرس ال و ّل‬
                                   ‫المقدمة‬
                      ‫يقع البحث في هذا القسم عن علم الصول من جهة عامة.‬
‫يوج هد تراب هط بي هن علم هي الفق هه والص هول ش هبيه بالتراب هط القائم بي هن الفلس هفة‬
  ‫ه‬        ‫ه‬            ‫ه‬            ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه‬      ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬
‫والمنطق؛ وذلك لنّ علم الصول بمثابة المقدمة له"علم الفقه" لذلك سمي به"أصول‬
                                                    ‫الفقه" بمعنى "أسسه" و"جذوره".‬
                                  ‫وقبل البدء، ينبغي تعريف هذين العلمين بإيجاز:‬
‫إن كلمهة "الفقهه" تعنهي فهي اللغهة الفههم العميهق والدقيهق، إذْ أنه إدراكنها للشياء‬
                ‫ّ‬
‫يكون على نحويهن؛ تارة بنحهو سهطحي وأخرى بنحهو عميهق، ونضرب لذلك مثل ً مهن‬
‫واقعنا القتصادي والتجاري المعاش، وما نشاهده دائما في السوق من توفر بضاعة‬
‫لم تكهن موجودة سهابقا أو شحهة فهي بعهض البضائع التهي كانهت متوفرة، أو نلحهظ‬
                ‫ارتفاعا مستمرا في قيمة بضاعة، بينما نجد بعضها الخر ثابت القيمة.‬
‫ويتف هق لعام هة الناس أن يحص هلوا على بع هض المعلومات الس هطحية بينم ها يكون‬
      ‫ه‬          ‫ه‬                ‫ه‬           ‫ه‬               ‫ه‬       ‫ه‬
‫لبعضههم الخهر معلومات بشأنهها أدق وأعمهق بحيهث تفوق الظواههر السهطحية وتغور‬
‫فهي عمهق الحداث لتسهتقر فهي قعرهها؛ فههم يدركون السهباب التهي تؤدي إلى توفهر‬
‫هذه البضاعهة وشحهة تلك أو ارتفاع ثمنهها وانخفاض ثمهن الخرى، كمها إنههم يعرفون‬
‫الس هباب التههي تؤدي إلى اسههتمرار ارتفاع الس هعار، ويعرفون مقدار اسههتحكام هذه‬
                                ‫ه‬                                         ‫ه‬
‫السهباب، وأيا منهها مسهتعصٍ على العلج، وأيا منهها قابهل لحهل. فإذا بلغهت معلومات‬
‫الفرد بالمور القتصههادية هذا المسههتوى مههن العمههق فل بدّ مههن عده "متفقها" فههي‬
                                                                               ‫القتصاد.‬
‫وقهد تكرر فهي القرآن الكريهم والروايات المأثورة عهن الرسهول الكرم)صهلّى ا‬
‫عليهه وآله وسهلم( والئمهة الطهار)عليهه السهلم( الحهث على "التفقهه" فهي أمور الديهن‬
‫كثيرا، والمسهتفاد مهن مجموعهها أن ّه السهلم يريهد للمسهلم أن يفههم الديهن عهن بصهيرة‬
‫كاملة، وطبعا إنّهه التفقههه فههي الديههن الذي يريده السههلم يشمههل كافههة المجالت‬
‫السهلمية أعهم ممها يرتبهط بأصهول العقائد السهلمية، والرؤيهة الكونيهة، أو الخلق‬
‫والتربيهههة السهههلمية والمجتمهههع السهههلمي، والعبادات والحكام المدنيهههة، والداب‬


                                           ‫7‬
‫المخصوصة مما هو واقع في حياتنا الفردية والجتماعية، إل ّ أنه شاع بين المسلمين‬
‫منذ القرن الثاني استعمال كلمة "الفقه" في قسم مخصوص يمكنننا تسميته به"فقه‬
‫الحكام" أو "فقهه السهتنباط" وههو عبارة عهن: "الفههم الدقيهق والسهتنباط العميهق‬
                                                    ‫للحكام السلمية من مصادرها.‬
‫إنّ الحكام السلمية لم تتعرض لبيان كل واقعة وحادثة على نحوٍ جزئي وفردي‬
‫وتفصهيلي فإنّه هذا مهن المسهتحيل حصهوله؛ لن الحوادث والوقائع غيهر متناهيهة وإنمها‬
                  ‫عرضت المور بشكل مجموعة من الصول الكلية والقواعد العامة.‬
‫فعلى الفقيههه الذي يروم بيان حكههم حادثههة أو مسههألةٍ أن يرجههع إلى المصههادر‬
‫المعتهبرة – التهي سهنقوم بتوضيحهها فيمها بعهد – ليعطهي رأيهه فيهها بعهد ملحظهة جميهع‬
               ‫جوانبها، ومن هنا كان التفقه مساويا للفهم العميق والدقيق والشامل.‬
‫وقههد عرّف الفقهاء الفقههه بأنههه: "العلم بالحكام الشرعيههة الفرعيههة مههن أدلتههها‬
                                                                ‫التفصيلية" ذكر مصدر.‬
‫وعليهه ل يشمهل الفقهه الصهول العتقاديهة أو التربويهة، وإنمها يقتصهر على اسهتنباط‬
       ‫الحكام العملية من خلل الرجوع إلى الدلة التفصيلية التي سنقوم بتوضيحها.‬
                                                              ‫أصول الفق ه:‬
                        ‫على الفقيه من باب المقدمة أن يحيط بعلوم عديدة منها:‬
‫١- الدب العربهي، نحوا وصهرافا ولغهة وبلغهة، وذلك لن لغهة القرآن والحاديهث‬
‫عربية، فل يمكن فهم القرآن الكريم والروايات دون فهم اللغة العربية ولو بالمستوى‬
                                                                           ‫المتعارف.‬
‫٢-التفسير، إذ ل مندوحة للفقيه من الرجوع إلى القرآن الكريم، فل محيص له من‬
                                                    ‫التعرّف إجمال ً على علم التفسير.‬
‫٣- المنطهق، إذ بمها أن كهل علم اسهتدللي يفتقهر إلى المنطهق، كان على الفقيهه‬
                                                     ‫أيضا أن يطّلع على علم المنطق.‬
‫٤- علم الحديهث، فيجهب على الفقيهه أن يكون عالما بالحديهث وأقسهامه، مهن خلل‬
                                                                   ‫كثرة الممارسة له.‬




                                          ‫8‬
‫٥- علم الرجال، وهو معرفة أحوال الرواة، وسنوضح فيما بعد أنه ل يمكن قبول‬
‫الحاديهث كمها ههي عليهه فهي كتهب الحديثهن بهل يجهب تمحيصهها، وعلم الرجال يتكفهل‬
                                                                  ‫تمحيص سند الحديث.‬
‫٦- علم أصهول الفقهه، وههو مهن أههم العلوم التهي يتوقهف الفقهه على معرفتهها مهن‬
                              ‫باب المقدمة، وهو علم شيّق وجميل ابتكره المسلمون.‬
‫إن علم الص هول ه هو: "علم قواع هد الس هتنباط"، فإنّ هه ي هبين لن ها كيفي هة الس هتنباط‬
     ‫ه‬      ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه ه‬                ‫ه‬      ‫ه‬             ‫ه‬     ‫ه‬
‫الفقهههي الصههحيح مههن المصههادر الفقهيههة، ومههن هنهها كان علم الصههول بمنزلة علم‬
‫المنطق، فهو علم "قواعد" وهو إلى "الصناعة" أقرب منه إلى "العلم"، إذ يُبحث فيه‬
                                           ‫عمّا يجب أن يكون، ل ما هو حاصل وكائن.‬
‫وقهد توههم البعهض أن مسهائل علم الصهول يتمّه اسهتعمالها فهي علم الفقهه كمها‬
‫تسهتعمل مقدمتها قياس علمهٍ فهي ذلك العلم، فقالوا: إن مسهائل علم الصهول تقهع‬
 ‫ه‬     ‫ه‬           ‫ه‬                          ‫ه‬              ‫ه‬          ‫ه‬
‫"كههبريات" لعلم الفقههه. وهذا خطههأ؛ إذ كمهها أن مسههائل المنطههق ل تقههع "كههبريات"‬
‫للفلسههفة، كذلك يكون حال المسههائل الصههولية بالنسههبة إلى الفقههه أيضا، وهذا مههن‬
                                                  ‫البحوث المتشعبة التي ل يسعنا بيانها.‬
‫إن الرجوع إلى المصهادر الفقهيهة له أنحاء مخصهوصة، قهد تؤدي إلى اسهتنباطات‬
       ‫ه‬             ‫ه‬                     ‫ه‬
‫خاطئة ومخالفهة للواقهع ومراد الشارع، ومهن هنها كان مهن اللزم بحثهها وتحقيقهها فهي‬
‫علم مخص هوص على ضوء الدلة العقلي هة والنقلي هة القطعي هة الت هي ت هبين لن ها الكيفي هة‬
 ‫ه‬         ‫ه‬       ‫ه ه‬         ‫ه‬         ‫ه‬          ‫ه‬                        ‫ه‬
‫الصهحيحة فهي الرجوع إلى المصهادر الفقهيهة واسهتنباط الحكام السهلمية وههو مها‬
                                                                    ‫يتكفله علم الصول.‬
‫ومنذ صدر السلم شاعت في الوساط السلمية كلمة أخرى تشبه كلمة "الفقه"،‬
                            ‫وهي كلمة الجتهاد، وحاليا تُعدّ هاتان الكلمتان مترادفتين.‬
‫والجتهاد مأخوذ من "الجهد" – بضم الجيم – بمعنى بذل السعي والمشقّة، وإنما‬
      ‫يقال: للفقيه مجتهد إذ عليه بذل قصارى جهده في استخراج واستنباط الحكام.‬
‫كما أن كلمة "الستنباط" تفيد ما يشابه هذا المعنى لنها مشتقة من "نَب َطَ" الماء‬
‫أي: خرج مهن باط هن الرض، فكأن الفقهاء شبّهوا سهعيهم وجهدههم ف هي اسهتخراج‬
     ‫ه‬    ‫ه ه‬             ‫ه‬                             ‫ه‬      ‫ه‬




                                            ‫9‬
‫الحكام بالجهههد الذي يبذله عمال التنقيههب وراء الطبقات السههميكة بحثا عههن الماء‬
        ‫ه‬            ‫ه‬                   ‫ه‬                         ‫ه‬
                                                                        ‫المعين.‬




                                      ‫01‬
‫الدرس الثاني‬
                             ‫مصادر الفقه‬
‫تقدم في الدرس الول أنّ علم "أصول الفقه" يعلمنا الطريقة الصحيحة لستنباط‬
‫الحكام الشرعيههة مههن المصههادر الصههلية. فل بدّ مههن التعرف على تلك المصههادر‬
‫وعددهها، وههل أن آراء جميهع المذاههب والفرق السهلمية متفقهة بشأن تلك المصهادر‬
                                 ‫أو مختلفة؟ وإذا كان هناك اختلف نظري فما هو؟‬
‫وسهنشرع فهي بيان رأي فقهاء الشيعهة بشأن مصهادر الفقهه، وفهي معرض توضيهح‬
         ‫كل واحد من تلك المصادر نقوم ببيان رأي بقية المذاهب السلمية، فنقول:‬
‫إن المصهادر الفقهيهة عنهد الشيعهة "عدا جماعهة قليلة منههم تسهمى بهه"الخباريييهن"‬
                                                 ‫سنعرض آراءهم فيما بعد" أربعة:‬
 ‫١- كتاب ا "القرآن"، ونشير إليه به"الكتاب" اختصارا متابعةً للفقهاء والصوليين.‬
                    ‫٢- السنة، وهي قول المعصوم)عليه السلم( وفعله وتقريره.‬
                                                                     ‫٣- الجماع.‬
                                                                      ‫٤- العقل.‬
‫ويطلق الفقهاء والصهوليون على هذه المصهادر الربعهة مصهطلح "الدلة الربعهة"‬
‫فيقولون: "إن علم الصول يدور حول الدلة الربعة"، فل بد أن نوضح كل واحد من‬
‫هذه المص هادر، ون هبين ضمنا رأي المذاه هب الس هلمية بم ها فيه ها جماع هة الخباريي هن‬
 ‫ه‬           ‫ه‬       ‫ه‬      ‫ه‬        ‫ه‬      ‫ه‬                    ‫ه‬        ‫ه‬
                                              ‫الشيعة، وسنبدأ بكتاب ا "عزّ وجلّ".‬
                                                                     ‫القرآن‬
‫ل شههك أن القرآن الكريههم هههو المصههدر الوّل للحكام السههلمية، وبالطبههع ل‬
‫تنحصههر آيات القرآن فههي الحكام العمليههة، فقههد تطرق القرآن إلى مئات المواضيههع‬
‫المختلفة، والذي يختص منها بالحكام يقدّر بحوالي خمسمائة آية من مجموع ستين‬
 ‫وستمائة وستة آلف آية "أي: واحد من ثلثة عشر من مجموع آيات القرآن الكريم".‬
‫وقهد صهنف علماء السهلم كتبا عديدة فهي خصهوص هذه اليات، أشهرهها عنهد‬
 ‫ه ه‬                      ‫ه‬    ‫ه‬               ‫ه‬            ‫ه‬   ‫ه‬
‫الشيعههة كتاب "آيات الحكام" للمجتهههد الزاهههد التقههي الشهيههر المل أحمههد الردبيلي‬
‫المعروف به ههه"المقدّس الردبيلي" الذي عاش ف هههي القرن العاش هههر الهجري، وكان‬
                ‫ه‬                ‫ه‬                                ‫ه‬
‫معاصهرا للشاه عباس الكهبير، والكتاب الخهر "كنهز العرفان" للفاضهل المقداد السهيوري‬


                                        ‫11‬
‫الحلي مهن علماء القرن الثامهن وبدايهة القرن التاسهع الهجري، كمها صهنف أههل السهنّة‬
                                              ‫كتبا في خصوص آيات الحكام أيضا.‬
‫إن المسهلمين منذ صدر السهلم يعتمدون في الدرجهة الولى على القرآن الكريم‬
‫لسههتنباط الحكام السههلمية، إل ّ أن قيام الدولة الصههفوية فههي إيران اقترن بظهور‬
‫فرقهة منعهت عوام مهن الناس مهن الرجوع إلى القرآن الكريهم، وقهد رأت هذه الفرقهة‬
‫أن الرجوع إلى القرآن مهن اختصهاص المعصهوم)عليهه السهلم( فقهط، فعلى عامهة‬
                           ‫الناس أن يرجعوا إلى السنّة أي الخبار والحاديث فقط.‬
‫كما أن هذه الفرقة لم ت ُجز الرجوع إلى الجماع والعقل؛ لنها اد ّعت أن الجماع‬
‫م ههن مبتدعات أبناء العام ههة، وأن العق ههل ل يجوز العتماد علي ههه لمكان خطئه. إذن‬
                  ‫ه‬                      ‫ه‬             ‫ه‬                       ‫ه‬
‫فالمصهدر الوحيهد الذي يجوز الرجوع إليهه ههو الخبار، ومهن هنها عُرف أصهحاب هذا‬
                                                              ‫الرأي به"الخباريين".‬
‫ومضافا لنكار هؤلء حهههق الرجوع إلى القرآن الكريهههم وإنكار حجيهههة الجماع‬
‫والعقههل، أنكروا الجتهاد أيضا؛ لن الجتهاد كمهها تقدم عبارة عههن: الفهههم الدقيههق‬
‫والسهتنباط العميهق، وبديههي أن الفههم الدقيهق ل يتهيهأ إل مهن خلل إعمال العقهل‬
‫وإمعان النظهههر، ورأوا أن على الناس أن يرجعوا الخبار والحاديهههث مباشرة – دون‬
‫العتماد على المجتهدين – كما يرجعون إلى الرسائل العملية للتعرف على وظائفهم.‬
‫وزعيم هذه الفرقة هو "المين السترآبادي"، وله كتاب معروف بعنوان: "الفوائد‬
             ‫المدنية" ضمّنه آراءه، وهو إيراني أقام في مكّة والمدينة سنوات كثيرة.‬
‫وقهد أدى ظهور الخبارييهن وانتماء الكثيهر إليههم فهي بعهض المدن الجنوبيهة مهن‬
‫إيران وجزر الخليهج الفارسهي وبعهض المدن المقدسهة فهي العراق إلى ركود وجمود‬
‫علمي كبير، ولكن لحسن الحظ تم ّ الحد من نفوذهم بفضل الصمود الملحوظ الذي‬
     ‫أبداه المجتهدون الكبار، ولم يبق من الخباريين حاليا سوى فلول قليلة متفرقة.‬
                                                                 ‫الس ن ّة‬
‫وهي قول المعصوم)عليه السلم( وفعله وتقريره، فإذا بيّن الرسول الكرم)صلّى‬
‫ا عليهه وآله وسهلم( فهي كلمهه حكما، أو ثبهت أنهه )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( قام‬
‫بوظيفهة شرعيهة على نحهو مخصهوص، أو ثبهت أن الصهحابة مارسهوا بعهض الشؤون‬



                                       ‫21‬
‫الدينيهة على طريقهة مخصهوصة وأقرّههم )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( عليهها مهن خلل‬
        ‫سكوته، فبإمكان الفقيه بداهةً أن يكتفي بذلك ويستند إليه في مقام الفتوى.‬
‫ول كلم فهي حجيهة "السهنّة" عموما ول خلف فيهها، وإنّهما وقهع الخلف فيهها مهن‬
                                                                             ‫جهتين:‬
‫الولى: ههل الحجهة خصهوص السهنّة النبويهة، أو تشمهل السهنّة المرويهة عهن الئمهة‬
                                                              ‫)عليهم السلم( أيضا؟‬
‫إن أبناء العامهة يقصهرون الحجيهة على السهنّة النبويهة فقهط، إل أن الشيعهة يذهبون‬
‫أيضا إلى حجية أقوال الئمة )عليهم السلم( وأفعالهم وتقريراتهم استنادا إلى بعض‬
‫اليات القرآنيهة والحاديهث المتواترة عهن الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم(‬
‫والتهي رواهها أههل السهنّة أنفسههم، منهها أنهه )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( قال: "إنهي‬
‫تارك فيكهم الثقليهن مها إن تمسهكتم بهمها لن تضلوا بعدي، كتاب ا وعترتهي" مصهادر‬
                                                                     ‫من كتب السنة.‬
‫الثانيههة: إن السههنة المرويههة عههن المعصههوم )عليههه السههلم( تارة تكون قطعيههة‬
‫ومتواترة، وأخرى ظنيهة وههو مها يصهطلح عليهه "بخهبر الواحهد"، فههل يجوز الرجوع إلى‬
                     ‫سنن رسول ا)صلّى ا عليه وآله وسلم( غير القطعية أيضا؟‬
‫وهنها تتأرجهح الراء بيهن الفراط والتفريهط، فتجهد أن بعضا كأبهي حنيفهة ل يحفهل‬
‫بالحاديهث المنقولة حتهى قيهل: لم يثبهت عنهد أبهي حنيفهة – مهن بيهن جميهع الحاديهث‬
         ‫المروية عن الرسول)صلّى ا عليه وآله وسلم( – سوى سبعة عشر حديثا.‬
‫في حين يعتمد البعض الخر على الحاديث الضعيفة أيضا، إل أن علماء الشيعة‬
‫ل يأخذون إل بالحدي هث الص هحيح والموثّ هق، أي إذا كان راوي الحدي هث شيعيا عادل ً أو‬
                 ‫ه‬                         ‫ه‬            ‫ه‬      ‫ه‬
                          ‫صادقا وموثوقا – على القل – أمكن العتماد على راويته.‬
‫إذن فل بهد مهن التعرف على رواة الحديهث والتحقيهق فهي أحوالههم، فإذا ثبهت أن‬
‫جميع رواة حدي ثٍ كانوا صادقين وموثوقين أمكن العتماد على روايتهم، ويذهب إلى‬
‫هذا الرأي الكثيهر مهن علماء أههل السهنّة أيضا، ومهن هنها ظههر بيهن المسهلمين "علم‬
                                              ‫الرجال" أي: علم معرفة أحوال الرواة.‬




                                         ‫31‬
‫إل أن الخبارييهن الشيعهة – المتقدم ذكرههم – وجدوا إجحافا فهي تقسهيم الحديهث‬
‫إلى: الص ههحيح والموث ههق والضعي ههف، وقالوا: إن جمي ههع الحادي ههث وعلى الخ ههص‬
  ‫ه‬            ‫ه‬          ‫ه‬                   ‫ه‬          ‫ه‬            ‫ه‬
‫الموجودة فهي الكتهب الربعهة، وههي: "الكافهي" و"مهن ل يحضره الفقيهه" و"التهذيهب"‬
‫و"السههتبصار" معتههبرة، وهناك بيههن أهههل السههنّة مههن يذهههب إلى مثههل هذه الراء‬
                                                                          ‫المتطرفة.‬
                                                               ‫الجماع‬
‫والجماع يعني اتفاق آراء علماء المسلمين على مسالة، ويرى علماء الشيعة أن‬
‫الجماع حج ّة؛ ل نّ اتفاق المسلمين على مسألة دليل على أنهم تلقوها من الشارع،‬
‫إذ ليس من المحتمل أن يتفقوا عليها من تلقائهم، وعليه إن الجماع إن ّما يكون حجة‬
‫فيما إذا كان كاشفا عن رأي النبي)صلّى ا عليه وآله وسلم( أو المام)عليه السلم(.‬
‫فمثل ً إذا اتضههح أن جميههع المسههلمين فههي عصههر الرسههول)ص هلّى ا عليههه وآله‬
‫وسهلم(، اتفقهت آراؤههم على مسهألة وسهلكوا بأجمعههم سهلوكا معينا كان هذا دليلً‬
‫على أنههم قهد أخذوهها مهن الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم(، أو إذا اتفقهت‬
‫آراء جميهع أصهحاب الئمهة الطهار)عليههم السهلم( – الذيهن ل يأخذون أوامرههم إل‬
‫منهم – على مسألة كان ذلك دليل ً على أنهم تلقوها من مدرسة إمامهم، ومن جميع‬
                                                              ‫هذا نصل إلى نتيجتين:‬
‫الولى: يرى الشيعهة أن الحجّهة إنمها ههي إجماع العلماء المعاصهرين للنهبي)صهلّى‬
‫ا عليهه وآله وسهلم( أو المام)عليهه السهلم(، فلو أجمهع كافهة علماء عصهرنا على‬
       ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬            ‫ه‬     ‫ه‬                ‫ه‬         ‫ه‬
                           ‫مسألة ل يكون إجماعهم حجة على علماء العصر القادم.‬
‫الثانيهة: ل يرى الشيعهة أصهالة للجماع، لن الجماع لم يكتسهب حجيتهه بمها ههو‬
          ‫ه‬      ‫ه‬                             ‫ه‬
‫إجماع واتفاق فهي الراء، وإنمها اكتسهبها بمها ههو كاشهف عهن قول المعصهوم)عليهه‬
                                                                            ‫السلم(.‬
‫أم ها علماء الس هنّة فيرون للجماع أص هالة، فلو أجم هع ك هل علماء الس هلم "الذي هن‬
 ‫ه‬         ‫ه‬            ‫ه ه‬                ‫ه‬                                 ‫ه‬
‫يصهطلح عليههم بأههل الحلّ والعقهد" على مسهألة "فهي أي زمان وإن كان زماننها" كان‬
‫إجماعهم صائبا؛ وذلك لنهم يرون إمكان وقوع بعض دون بعض في الخطأ، ولكن‬
‫مهن المسهتحيل أن يقهع الجميهع فهي الخطهأ، ولذا يتعامهل أههل السهنّة مهع إجماع المهة‬



                                         ‫41‬
‫في زما نٍ معاملة الوحي المنزل، ويعاملون المة حين اتفاقها معاملة النبي المرسل،‬
                               ‫وكأنّ ما أُجمع عليه هو حكم ا الذي ل يقبل الشك.‬
                                                                 ‫العقل‬
‫وحج ّية العقل عند الشيعة تعني أن العقل إذا أصدر حكما قطعيا في موردٍ، كان‬
                                     ‫ذلك الحكم – بحكم كونه قطعيا ويقينيا – حجّة.‬
‫ويرد هنها سهؤال مفاده: ههل للعقهل مسهرح فهي المسهائل الشرعيهة حتهى يغدو‬
‫بإمكانهه إصهدار الحكام القطعيهة بشأنهها أو ل؟ وسهنجيب عهن هذا السهؤال بالتفصهيل‬
                                      ‫عندما نبحث في المسائل الكلية لعلم الصول.‬
 ‫وكما أشرنا سابقا فإن الخباريين من الشيعة ل يرون العقل حجّة على الطلق.‬
‫ومهن بيهن المذاههب الفقهيهة السهنية – أي: المذههب الحنفهي والشافعهي والمالكهي‬
‫والحنبلي – يرى أب هو حنيفهة أن القياس دليل ً رابعا، إذ يرى الحناف أن مصهادر الفقهه‬
 ‫ه‬        ‫ه‬                                             ‫ه‬      ‫ه‬
‫أربعههة: الكتاب والس هنّة والجماع والقياس، والقياس هههو مهها يسههمى فههي المنطههق‬
                                                                            ‫بالتمثيل.‬
‫والمالكيون والحنابلة ل يعيرون أيّ ه أهميههة للقياس، وعلى الخههص الحنابلة، أمهها‬
‫الشوافع فإنهم – تبعا لزعيمهم محمد بن إدريس الشافعي – يتأرجحون في الوسط‬
‫إذ يهتمون بالحديههث أكثههر مههن الحناف بينمهها يهتمون بالقياس أكثههر مههن المالكييههن‬
                                                                           ‫والحنابلة.‬
‫وكان الفقهاء القدماء يطلقون أحيانا على القياس مص هههههههطلح "الرأي" و"اجتهاد‬
                          ‫ه‬
                                                                             ‫الرأي".‬
‫أمها علماء الشيعهة فل يجيزون العمهل بالقياس إطلقا، وذلك لن القياس مها ههو‬
‫إل إتباع للظههن، هذا مضافا إلى أنههّ العمومات التههي وصههلتنا مههن الشارع المقدّس‬
                                                             ‫وخلفائه وافية بالغرض.‬




                                         ‫51‬
‫الدرس الثالث‬
                                               ‫خلصة تاريخية‬
‫إنه على مهن يروم دراسهة علم أو تحصهيل معلومات بشأنهه، أن يحيهط علما بنشأة‬
                                                                      ‫ّ‬
‫ذلك العلم، وواضعهه ومها ههي التغيرات التهي طرأت عليهه طوال القرون، ومهن ههم‬
                                      ‫روّاده وأصحاب الكلمة فيه، وما هي الكتب التي دوّنت فيه.‬
‫وعلم الصهول مهن العلوم التهي نشأت وتطورت فهي أحضان الثقافهة السهلمية،‬
           ‫ه‬              ‫ه‬                            ‫ه‬    ‫ه‬
‫والمعروف أنه واضعهه ههو محمهد بهن إدريهس الشافعهي، فقهد ذكهر ابهن خلدون فهي‬
                                                               ‫ّ‬
                                                  ‫مقدمته في الفصل الذي أفرده للعلوم والصناعات:‬
‫"... وكان أوّل من كتب فيه الشافعي؛ أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها في‬
‫الوامهر والنواههي والبيان والخهبر والنسهخ وحكهم العلة المنصهوصة فهي القياس، ثهم‬
                          ‫كتب فقهاء الحنفية فيه وحقّقوا تلك القواعد، وأوسعوا القول فيها".‬
‫ولك هن المرحوم الس هيد حس هن الص هدر أعلى ا مقامه هُ ذك هر ف هي كتاب هه النفي هس‬
 ‫ه‬        ‫ه‬       ‫ه ه‬                         ‫ه‬      ‫ه‬      ‫ه‬              ‫ه‬
‫"تأسيس الشيعة لعلوم السلم": أن المسائل الصولية من قبيل: الوامر والنواهي،‬
‫والعام والخاص وغيرها كانت متداولة قبل الشافعي، وقد كتب علماء الشيعة رسائل‬
                                                                                                  ‫في كل واحد منها.‬
‫فربما أمكن القول: إن ّ الشافعي هو أوّل من كتب رسالة شاملة لجميع الرسائل‬
                                                                                 ‫الصولية المبحوثة في عصره.‬
‫وقد ذهب التصور ببعض المستشرقين إلى أ ن الجتهاد قد ظهر عند الشيعة بعد‬
                              ‫ّ‬
‫مضهي مئتهي عام مهن ظهوره عنهد أههل السهنّة، وذلك لنتفاء الحاجهة إليهه فهي عصهر‬
‫الئمهة)عليههم السهلم( فتنتفهي تبعا لذلك الحاجهة إلى مقدماتهه، إل أنهه تصهور خاطهئ؛‬
‫لن هّ الجتهاد بالمعنههى الصههحيح للكلمههة يعنههي: "التفريههع" وردّ الفروع إلى الصههول‬
‫وتطبيق الصول على الفروع، وهو ما تداوله الشيعة في عصر الئمة)عليهم السلم(؛‬
                           ‫) (‬
                          ‫إذ كان الئمة)عليهم السلم( يأمرون أصحابهم بالتفريع والجتهاد 1 .‬
‫ول شهك طبعا فهي أن الروايات الكثيرة الواردة عهن الئمهة الطهار)عليههم السهلم(‬
‫فههي مختلف الموضوعات والمسههائل أغنههت الفقههه الشيعههي، ممهها قلّل الحاجههة إلى‬

‫1 . وطلبً للتوسسع فسي ذلك راجسع مجلة "مكتسب تشيسع" السسنوية العدد ٣، موضوع "إجتهاد در إسسلم" بقلم: مرتضسى المطهري، أو كتاب "ده‬
                                                                                                                     ‫ا‬
‫كفتار"، وإلى الجزء الثانسي مسن كتاب "هزاره شيسخ طوسسي" موضوعً تحست عنوان "إلهامسي أز شيسخ الطائفسة" للشهيسد المطهري، أو كتاب‬
                                                               ‫ا‬
                                                                                                     ‫"تكامل إجتماعي إنسان".‬


                                                             ‫61‬
‫العمال الجتهاديههة، ولكههن برغههم ذلك لم يرَ الشيعههة أنفسهههم أغنياء عههن الجتهاد‬
‫والتفقههه، خاصههة وأن الئمههة الطهار )عليهههم السههلم( كانوا يحثون البارزيههن مههن‬
‫أصهحابهم إلى السهعي وراء الجتهاد، وقهد روي عنههم )عليههم السهلم( فهي الكتهب‬
 ‫ه‬      ‫ه‬     ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬         ‫ه‬                                 ‫ه‬
      ‫) (‬
      ‫المعتبرة أنهم )عليهم السلم( قالوا: "علينا إلقاء الصول وعليكم أن تفرعوا" 1 .‬
‫إن ّه أوّل مهن كتهب مهن الشيعهة فهي علم الصهول ههو السهيد المرتضهى "علم الهدى"‬
‫أخو "الشريف الرضي" جامع نهج البلغة. عاش السيد المرتضى في الفترة الواقعة‬
‫بين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس للهجرة، وكانت وفاته سنة ٦٣٤هه. وقد‬
‫ص هنف ف هي علم الص هول كتبا كثيرة أشهره ها كتاب "الذريع هة"، وظلت آراؤه الصهولية‬
    ‫ه‬                  ‫ه‬               ‫ه‬                    ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬
‫متداولة لعدة أعوام، وكان المرتضهى تلميذا عنهد متكلم الشيعهة الشهيهر الشيهخ المفيهد‬
‫"ت: ٣١٤ هه" كما كان الشيخ المفيد تلميذا للشيخ الصدوق المعروف بابن بابويه "ت:‬
                                                ‫١٨٣ هه" والمدفون في مدينة الري.‬
‫ثم تصهدى الشيهخ أبو جعفهر الطوسي "ت: ٠٦٤ هه" إلى الكتابة في علم الصول‬
‫واحتلت آراؤه وعقائده مسهاحة علميهة واسهعة قرابهة ثلثهة قرون أو أربعهة، وقهد درس‬
‫الشيهخ الطوسهي عنهد السهيد المرتضهى وحضهر مدة وجيزة عنهد الشيهخ المفيهد، وقهد‬
‫أسههس حوزة النجههف الشرف التههي مضههى على عمرههها ألف عام، وعنوان كتابههه‬
                                                             ‫الصولي "عدة الصول".‬
‫والعالم الخهر الذي اشتهرت كتبهه وآراؤه فهي علم الصهول ههو صهاحب "المعالم"‬
‫الشيهخ حسهن نجهل الشهيهد الثانهي صهاحب "شرح اللمعهة" وكتاب "المعالم" مهن الكتهب‬
‫المعروفهة فهي علم الصهول التهي ل زال طلب العلوم الدينيهة عاكفيهن على دراسهتها،‬
                                            ‫وقد توفي صاحب المعالم سنة ١١٠١هه.‬
‫ومن بين الشخصيات المرموقة الخرى المرحوم "الوحيد البهبهاني" المولود سنة‬
‫٨١١١ههه.، والمتوفهى سهنة ٨٠٢١ههه.، وتكمهن أهميهة المرحوم الوحيهد البهبهانهي: أولً‬
‫في تخريجه الكثير من العلماء المرموقين من أصحاب الذوق الفقهي والجتهادي من‬
‫أمثال: السهيد مهدي بحهر العلوم، والشيهخ جعفهر كاشهف الغطاء، والميرزا أبهو القاسهم‬
‫الجيلنهي، المعروف بالميرزا القمهي، وغيرههم، وثانيا: فهي تصهديه إلى تيار الخبارييهن‬

                                               ‫1 . رسائل الكرسي ع ٣، ص ٩٤، مؤسسة النشر السلمي.‬


                                       ‫71‬
‫الذيهن كانهت لههم مكانهة واسهعة فهي زمانهه، فكبّدههم خسهارة فادحهة، فكانهت غلبهة‬
‫السهلوب الفقههي والجتهادي على السهلوب الخباري مدينهة بشكهل كهبير إلى جهود‬
            ‫ه ه‬       ‫ه‬                ‫ه‬                   ‫ه‬         ‫ه‬
                                                        ‫المرحوم الوحيد البهبهاني.‬
‫ومن الشخصيات التي دفعت علم الصول إلى المام المرحوم الميرزا أبو القاسم‬
‫الجيلنهي القمهي المتقدم ذكره، وههو مهن تلميهذ الوحيهد البهبهانهي، وقهد عاصهر "فتهح‬
‫علي شاه" الذي كان يُكن له احتراما كبيرا، ومن مؤلفاته كتاب "قوانين الصول" الذي‬
‫ظهل – لسهنوات عديدة – منهجا دراسهيا فهي الحوزات العلميهة القديمهة، وهناك مهن‬
 ‫ه‬          ‫ه‬        ‫ه‬                ‫ه ه‬                          ‫ه‬      ‫ه‬
                                                           ‫يدرسه حتى يومنا هذا.‬
‫وأههم شخصهية أصهولية فهي القرن الخيهر والتهي حجبهت الجميهع تحهت مظلتهها‬
 ‫ه‬       ‫ه‬    ‫ه‬       ‫ه‬     ‫ه‬      ‫ه‬            ‫ه‬      ‫ه‬     ‫ه‬
‫الصهولية، وأدخلت الصهول مرحهة جديدة ههو أسهتاذ المتأخريهن الحاج الشيهخ مرتضهى‬
                                                                        ‫النصاري.‬
‫ولد الشيهخ النصهاري فهي مدينهة دزفول سهنة ٤١٢١ههه.، وبعهد أن درس مقدمات‬
‫العلوم السهلمية وشطرا مهن الصهول والفقهه طاف مدنا مختلفهة مهن العراق وإيران‬
‫بحثا عهن العلماء وأصهحاب النظهر، واسهتفاد منههم حتهى أناخ راحلتهه وأقام فهي النجهف‬
‫الشرف، وآلت إليهه المرجعية الشيعية سنة ٦٦٢١ههه.، ول زالت آراؤه ونظرياتهه محور‬
                                                        ‫البحث في الندية العلمية.‬
‫إن كهل مهن جاء بعهد الشيهخ النصهاري لم يكهن إل تابعا لمدرسهة الصهولية، فحتهى‬
‫الن لم تظههر مدرسهة تنسهخ مدرسهة النصهاري، نعهم جاء تلميهذ مدرسهته بآراء كثيرة‬
        ‫نسخت آراءه أحيانا، إل أنها بأجمعها كانت قائمة على متبنيات المدرسة ذاتها.‬
‫وللشيهخ النصهاري كتابان معروفان أحدهمها: "فرائد الصهول" فهي علم الصهول،‬
‫والثانهي: "المكاسهب" فهي علم الفقهه، ول زال هذان الكتابان مهن المناههج الدراسهية‬
                                                                      ‫في الحوزة.‬
‫وأشههر الشخصهيات المعروفهة مهن بيهن تلميهذ مدرسهة النصهاري المرحوم الخونهد‬
‫المل محمهد كاظهم الخراسهاني صهاحب "كفايهة الصهول" والذي ل زالت آراؤه متداولة‬




                                       ‫81‬
‫) (‬
‫ف هي الحوزة العلمي هة، وه هو الذي أفت هى بالمشروط هة 1 ، فاقترن اس همه به ها، وكان له‬
          ‫ه‬      ‫ه‬                ‫ه‬           ‫ه‬           ‫ه‬      ‫ه‬                ‫ه‬
     ‫السهم الوفر في إقرار النظام الدستوري في إيران، وكانت وفاته سنة ٩٢٣١هه.‬
‫وقد ظهر بعد المرحوم الخوند الخراساني الكثير من الراء والفكار الجديدة في‬
‫علم الصهول يحتوي بعضهها على دقهة عاليهة، ول زالت هناك شخصهيات مرموقهة لهها‬
‫كلمتهها فهي هذا العالم. إن مسهتوى التغيهر والتحول الذي طرأ على علم الصهول لم‬
     ‫ه‬                              ‫ه‬         ‫ه‬                   ‫ه ه‬
                                                   ‫يطرأ على أي واحد من العلوم السلمية.‬
‫هذا ويُعدّ علم الصهول مهن العلوم الممتعهة والجميلة لمها يحتوي عليهه مهن دقّهة‬
‫عقليهة تسهتهوي أذهان الطلب، فههو يوازي المنطهق والفلسهفة فهي الرياضهة الفكريهة‬
‫وتدريب الطالب على الدّقة الذهنية، كما أنّ طلب العلوم القديمة يرون لعلم الصول‬
                                                                       ‫يدا طولى في دقّة آرائهم.‬




                            ‫1 . وهي الحركة الدستورية التي ن ّت على تحديد صلحيات الشاه في إيران آنذاك، المترجم.‬
                                                                             ‫ص‬


                                              ‫91‬
‫الدرس الرابع‬
                            ‫مسائل علم الصول‬
‫لجهل تعريهف الطلب بمسهائل علم الصهول سهنقدم لههم عرضا بمواضيعهه التهي‬
                  ‫سنرتبها بالشكل الذي يروقنا، ول نحذو حذو الصوليين في ترتيبهم.‬
‫تقدّم أنه قلنها: إن علم الصهول علمه وقاعدي يعلمنها الكيفيهة الصهحيحة لسهتنباط‬
                                          ‫ٌ‬                         ‫ْ‬
‫الحكام مهن مصهادرها الصهلية، وعليهه ترتبهط جميهع المسهائل الصهولية بالمصهادر‬
   ‫ه‬          ‫ه‬       ‫ه‬      ‫ه‬     ‫ه‬      ‫ه‬         ‫ه‬         ‫ه‬    ‫ه‬
‫الربعهة التهي شرحناهها فهي الدرس الثانهي، إذن فمسهائل علم الصهول إمها ترتبهط‬
                       ‫بالكتاب وإما بالسنة "أو بهما معا" وإما بالجماع وإما بالعقل.‬
‫وقد يتفق في بعض الموارد أن نواجه ما ل نستطيع استنباط حكمه من أي واحد‬
‫مهن هذه المصهادر الربعهة، فينسهد علينها طريهق السهتنباط، إل أن الشارع لم يسهكت‬
‫حيال هذه الموارد فقهد بيّهن لنا بشأنها مجموعهة من القواعد والوظائف العملية التهي‬
‫يمكننهها تسههميتها بههه"الحكام الظاهريههة"، هذا وأن الوصههول إلى الوظيفههة العمليههة‬
‫الظاهريهة بعهد اليأس مهن اسهتنباط الحكهم الواقعهي يحتاج أيضا إلى أن نتعلم كيفيهة‬
‫السهتفادة مهن تلك القواعهد، وعليهه ينقسهم علم الصهول – الذي ههو علم قواعدي –‬
                                                                       ‫إلى قسمين:‬
       ‫الوّل: قواعد الستنباط الصحيح للحكام الشرعية الواقعية من مصادرها.‬
‫الثانهي: قواعهد السهتخدام الصهحيح لمجموعهة مهن القواعهد العلميهة فهي صهورة‬
                                                               ‫العجز عن الستنباط.‬
                            ‫ويمكننا تسمية القسم الوّل به"الصول الستنباطية".‬
‫والقسم الثاني به"الصول العملية"، وبما أن الصول الستنباطية ترتبط بالستنباط‬
‫من الكتاب أو السنّة أو الجماع أو العقل فهي تنقسم إلى أربعة بحوث، وسنبدأ ببحث‬
                                                                       ‫الكتاب.‬
                                                        ‫حجية ظواهر الكتاب‬
‫ل توجههد بحوث كثيرة فههي علم الصههول فيمهها يخصههّ القرآن؛ فإن أغلب البحوث‬
‫المتعلقة بالقرآن مشتركة بينه وبين السنّة أيضا، والمبحث الوحيد الذي يخص القرآن‬
‫هو مبحث "حجية الظواهر"، فهل ظاهر القرآن – بقطع النظر عن تفسيره من خلل‬
                                   ‫حديث – حجة ويمكن للفقيه أن يستند إليه أو ل؟‬


                                        ‫02‬
‫قد يبدو عجيبا تطرق الصوليين لمثل هذا البحث، إذ ل شك في تمكن الفقيه من‬
‫السهتناد إلى ظواههر آيات القرآن الكريهم، إل أن الصهوليين الشيعهة إنمها طرقوا هذا‬
‫البح هث للرد على شبهات الخباريي هن؛ إذ تقدم أنه هم يقص هرون ح هق الرجوع إلى آيات‬
                 ‫ه‬      ‫ه‬      ‫ه‬               ‫ه‬                          ‫ه‬
‫القرآن على المعصومين)عليهم السلم( فقط، فل يمكن لغيرهم أن يستنبطوا منها،‬
‫وبعبارة أخرى: إن على المسهلمين دائما أن يسهتفيدوا مهن القرآن بشكهل غيهر مباشهر‬
        ‫أي من خلل الخبار والروايات الواردة عن طريق أهل البيت)عليهم السلم(.‬
‫وقهد اسهتند الخباريون فهي مدّعاههم إلى روايات منعهت مهن تفسهير القرآن بالرأي،‬
‫فذهبوا إلى لزوم اسهتنطاق اليات بالحاديهث، فمثل ً لو أن ظاههر آيهة دل على شيهء،‬
‫وجاء حديهث على خلف هذا الظاههر فالمتبهع ههو مها يقتضيهه الحديهث، ول بهد لنها أن‬
‫نعترف بجهلن ها المعن هى الواقع هي لهذه الي هة، وعلي هه تكون الروايات والحادي هث ه هي‬
 ‫ه‬    ‫ه‬                        ‫ه‬        ‫ه‬           ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬
                                                     ‫المعيار في فهم اليات القرآنية.‬
‫غيهر أن الصهوليين أثبتوا أن بإمكان المسهلمين السهتفادة مهن القرآن مباشرة، وإن‬
‫النههي عهن التفسهير بالرأي ل يرمهي إلى منهع الناس مهن فههم القرآن بأنفسههم، وإنمها‬
‫يهدف إلى المنهع مهن تفسهير القرآن على أسهاس الميول والهواء النفسهية، فالقرآن‬
‫الكريم صريح في حثّ الناس على التدبّر في معاني آياته السامية، إذن فيحق للناس‬
‫أن يباشروا اليات القرآني ههة للحص ههول على معانيه هها جَ هههد إمكانه ههم، مضافا إلى أن‬
                ‫ه‬           ‫ه‬      ‫ه‬               ‫ه‬        ‫ه‬
‫الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( والئمهة الطهار)عليههم السهلم( سهاءهم‬
‫ظهور الروايات الموضوعهة على ألسهنتهم، ولجهل القضاء على هذه الظاهرة صهرّحوا‬
‫بمسههألة "العرض على الكتاب" وقالوا: "مهها بلغكههم عنّهها فاعرضوه على القرآن، فإن‬
                                           ‫خالفه لم نقله، واضربوا به عرض الجدار".‬
‫فيتضههح إذن أن الحاديههث – خلفا لمهها يدعيههه الخباريون – ليسههت معيارا لفهههم‬
  ‫القرآن، بل العكس هو الصحيح فإنّ القرآن هو المعيار لصحة الروايات والحاديث.‬
                                                          ‫ظواهر الس ن ّة‬
‫ل كلم فهي حجيهة ظواههر السهنة، إل أن هناك مطلبيهن مهميهن يبحثهمها الصهوليون‬
‫بشأن السهنّة بمعنهى الخبار والروايات التهي تنقهل قول المعصوم)عليهه السلم( وفعله‬
‫وتقريره، وذانك المطلبان هما: حجية خبر الواحد، ومسألة تعارض الخبار والروايات،‬



                                         ‫12‬
‫ومهن هنها فُهتح فهي علم الصهول فصهلن مهمان وواسهعان، أحدهمها: "خهبر الواحهد"،‬
                                                          ‫والخر: "التعادل والتراجيح".‬
                                                                      ‫خبر الواحد‬
‫وخبر الواحد هو الحديث الذي ينقله عن المعصوم)عليه السلم( شخص واحد أو‬
‫عدد من الشخاص ل يبلغ حدّ التواتر، فل يوجب القطع واليقين، فهل يمكن الستناد‬
                                     ‫إلى مثل هذه الخبار في مقام الستنباط أم ل؟‬
‫يرى الصوليون إمكان الستناد إلى مثل هذه الروايات شريطة أن يكون راويها أو‬
‫رواتها عدول ً أو صادقين، ومن جملة أدلتهم على ذلك آية النبأ، وهي قوله تعالى ﴿إن‬
                                                         ‫) (‬
‫جاءكهم فاسهق بنبهأ فتهبينوا﴾ 1 التهي تدل بمفهومهها على انتفاء الحاجهة إلى التهبين فيمها‬
‫إذا كان ناقل الحديث عادل ً أو ثقة، فتدل هذه الية بمفهومها على حجية خبر الواحد.‬
                                                       ‫التعادل والتراجيح‬
‫كثيرا ما تتعارض الروايات في مسألة ما، فمثل ً في الصلة اليومية هل من اللزم‬
‫في الركعة الثالثة والرابعة أن نأتي بثلث تسبيحات، أو تكفي تسبيحة واحدة؟ يستفاد‬
                          ‫من بعض الروايات لزوم الثلث، وفي رواية كفاية الواحدة.‬
‫كمها أن هناك روايات متعارضهة بشأن جواز بيهع عذرة النسهان وعدمهه. فمها ههو‬
‫الموق هف تجاه مث هل هذه الروايات؟ ه هل نقول: "إذا تعارض هت روايتان تس هاقطتا" فل‬
         ‫ه‬             ‫ه‬                   ‫ه‬                  ‫ه‬          ‫ه‬
‫نأخهذ بأيهة واحدة منهمها. أو نتخيهر فهي العمهل بأيهة واحدة منهمها، أو ل بدّ مهن الحتياط‬
‫فنأخهذ بمها وافهق الحتياط منهمها "فنعمهل مثل ً فهي مسهألة التسهبيحات الربعهة بالروايهة‬
‫التي تذهب إلى لزوم الثلث، وفي مسألة بيع عذرة النسان نعمل بالتي تذهب إلى‬
                                                   ‫عدم الجواز"، أو هناك طريق آخر؟‬
‫يذهب الصوليون في الدرجة الولى إلى أن الجمع بين الروايات المتعارضة مهما‬
‫أمكهن أولى مهن طرحهها، فإن لم يمكهن الجمهع فل بدّ مهن تقديهم الرجهح "مهن حيهث‬
‫الس هند أو اشتهاره بي هن العلماء، أو مخالفت هه لبناء العام هة وغي هر ذلك"، وإن لم يك هن‬
 ‫ه‬                  ‫ه‬      ‫ه‬              ‫ه‬                     ‫ه‬                 ‫ه‬
                                     ‫هناك رجحان كنّا بالخيار في العمل بأيهما أردنا.‬
‫وهناك بعهض الخبار والحاديهث التهي تهبيّن لنها الحلول التهي ل بدّ مهن المصهير إليهها‬
             ‫حالة تعارض الخبار، ويسمى هذا النوع من الخبار به"الخبار العلجية".‬

                                                                            ‫1 . الحجرات: ٦.‬


                                          ‫22‬
‫وق هد بيّ هن الص هوليون آراءه هم بشأن تعارض الخبار والروايات اس هتنادا إلى هذه‬
             ‫ه‬                                 ‫ه‬            ‫ه‬      ‫ه ه‬
                         ‫الخبار العلجية في باب عنونوه بباب "التعادل والتراجيح".‬
‫و"التعادل" يعني التساوي والتكافؤ. و"التراجيح" جمع ترجيح، إذن فهو الباب الذي‬
‫يتحدث عهن تسهاوي وتكافهؤ الروايات أو عدم تكافؤهها ورجحان بعضهها على بعهض‬
                                                                  ‫حالة التعارض.‬
‫ظههر ممها قلناه أن مسهألة حجيهة الظواههر تختهص بالقرآن الكريهم، ومسهألة حجيهة‬
‫خهبر الواحهد وتعارض الدلة تختهص بالسهنّة، وهناك مجموعهة مهن المسهائل المشتركهة‬
                   ‫بين الكتاب والسنّة، سوف نتعرض إلى بحثها في الدرس القادم.‬




                                       ‫32‬
‫الدرس الخامس‬
                   ‫البحوث المشتركة بين الكتاب والس ن ّة‬
‫ذكرنها فهي الدرس السهابق بعهض المسهائل الصهولية المختصهة بالكتاب أو السهنّة،‬
‫أشرنهها فههي نهايتههه إلى أن هناك بحوثا بمشتركههة بينهمهها، وسههنتعرض لههها فههي هذا‬
                                                              ‫الدرس، وهي كالتي:‬
                                                                      ‫١- الوامر.‬
                                                                    ‫٢- النواهي.‬
                                                              ‫٣- العام والخاص.‬
                                                            ‫٤- المطلق والمقيد.‬
                                                                   ‫٥- المفاهيم.‬
                                                            ‫٦- المجمل والمبين.‬
                                                           ‫٧- الناسخ والمنسوخ.‬
               ‫وسنوضح كلّ واحد منها باختصار على مستوى معرفة المصطلحات.‬
                                                                 ‫الوامر‬
‫"الوامر" جمع أمر، وفعل المر من الفعال الموجودة في اللغة العربية وغيرها‬
‫مهن اللغات، وقهد اسهتعمل "فعهل المهر" فهي الكثيهر مهن آيات الكتاب والسهنّة، وفهي‬
‫موردها تَعرُض على الفقيه كثيرٌ من السئلة التي يتعين على الصوليين الجابة عنها،‬
‫مثل: هل يدل المر على الوجوب أو الستحباب، أو ل يدل على أي ّ منهما؟ وهل يدل‬
‫على الفور أو التراخي؟ وهل يدل على المرة أو التكرار؟ فمثل ً قال تعالى: ﴿خذ من‬
         ‫) (‬
         ‫أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم﴾ 1 .‬
‫"والصهلة هنها بمعنهى الدعاء" فههل يفيهد المهر الوارد بالصهلة الوجود أو ل؟ وههل‬
‫يدل على الفور أو ل؟ ههل تجهب الصهلة عليههم عقيهب أخهذ الصهدقة مباشرة أو يمكهن‬
         ‫تأخيرها مدةً؟ وهل تكفي الصلة عليهم مرة واحدة، أو ل بد من تكرارها؟‬
‫هذا ما يبحثه الصوليون بالتفصيل، ول يسعنا أن نبحث هنا أكثر، وسيتعرف الذين‬
               ‫يحاولون الختصاص في الفقه والصول على هذه المور بشكل أوسع.‬
                                                            ‫النواهي‬


                                                                          ‫1 . التوبة: ٣٠١.‬


                                        ‫42‬
‫و"النهههي" معناه الردع، فهههو خلف المههر، ومثاله: "ل تشرب الخمههر". وفههي باب‬
‫النهي ترد هذه السئلة أيضا: هل يدل النهي على الحرمة أو الكراهة؟ أو ل يدل على‬
‫أي ّ منهما، بل يدل على مطلق المبغوضية العم من الحرمة والكراهة، ول دللة فيه‬
‫على أن هذه المبغوضيههة بالغههة حدّ الحرمههة فيسههتحق فاعلههها العقاب، أو الكراهههة‬
                                                                 ‫فيستحق اللوم فقط؟‬
‫وهل يدل النهي على التكرار بمعنى حرمة الفعل في جميع الزمنة، أو يدل على‬
       ‫الحرمة في بعض الزمنة فقط؟ هذه أسئلة يتكفل علم الصول بالجابة عنها.‬
                                                        ‫العام والخاص‬
‫نشاههد فهي القوانيهن المدنيهة والجزائيهة قانونا عاما ينطبهق على جميهع الفراد، ثهم‬
‫نشاههد فهي موضهع آخهر حكما مخالفا لذلك القانون العام يسهتثني منهه بعهض الفراد،‬
‫فمهها هههو موقفنهها فههي مثههل هذه الحالة؟ هههل نعتههبر هاتيههن المادتيههن القانونيتيههن‬
                ‫متعارضتين أو ل بدّ من جعل الخاص بمثابة الستثناء من ذلك العام؟‬
               ‫) (‬
‫مثل ً قال تعالى: ﴿والمطلقات يتربصههن بأنفسهههن ثلثههة قروء﴾ 1 . فلو فرض أن‬
‫حديثا معتهبرا قال: "ل عدّة للمرأة إذا طلقهها زوجهها قبهل الدخول"، فمها ههو العمهل؟‬
‫هل نعتبر هذا الحديث مخالفا للقرآن، فل بدّ من ضربه عرض الجدار كما أمرنا الئمة‬
‫)عليههم السهلم( بذلك؟ أو نجعله مفسهرا لتلك اليهة، ونعدّه بمثابهة السهتثناء مهن ذلك‬
                                                              ‫العام ول تعارض بينهما.‬
‫طبعا الرأي الثانهي ههو الصهحيح، إذ جرت عادة البشهر فهي الخطابات العرفيهة على‬
‫ذك هر العمومات أول ً ثهم يردفونه ها ببعهض الموارد الس هتثنائية، وق هد نه هج القرآن على‬
            ‫ه ه‬                ‫ه‬              ‫ه‬     ‫ه‬          ‫ه‬                  ‫ه‬
‫طريقهههة الخطابات العرفيهههة، مضافا إلى أن القرآن نفسهههه أمهههر بالتعبهههد بأحاديهههث‬
‫الرسول)صلّى ا عليه وآله وسلم( يحث قال: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم‬
                                                                        ‫) (‬
‫عنهه فانتهوا﴾ 2 . ففهي مثهل هذه الموارد ل بدّ مهن عهد الخاص بمثابهة السهتثناء مهن‬
                                                                   ‫العام فنخصصه به.‬
                                                                ‫المطلق والمقيد‬



                                                                              ‫1 . البقرة: ٨٢٢.‬
                                                                                ‫2 . الحشر: ٧.‬


                                          ‫52‬
‫إن هّ مبحههث "المطلق والمقيههد" شههبيه بمبحههث "العام والخاص"، سههوى أن العام‬
‫والخاص يكونان ف هي مورد الفراد، بينم ها يكون المطلق والمقي هد ف هي مورد الحوال‬
             ‫ه ه‬                        ‫ه‬                    ‫ه‬
‫والصهفات، فإن العام يرد فهي موارد كليهة لهها أفراد متعددة وقهد تكون غيهر متناهيهة‬
‫أحيانا، فيأت هي الخاص ويخرج بع هض النواع أو الفراد الت هي شمله ها ذلك العام، بينم ها‬
 ‫ه‬                  ‫ه‬       ‫ه‬                       ‫ه‬                 ‫ه‬
‫يرتبهط المطلق والمقيهد بالطبيعهة والماهيهة التهي ههي متعلّق التكليهف، ويجهب على‬
‫المكلف إيجادهها، فإن لم تتقيهد تلك الطبيعهة – التهي ههي متعلق التكليهف – بشيهء‬
                                                      ‫فهي مطلقة، وإل فهي مقيدة.‬
                                       ‫) (‬
‫فمثل ً فهي قوله تعالى: ﴿وصهلّ عليههم﴾ 1 لم تُقيّهد الصهلة بالجههر أو الخفات، أو‬
‫بكونهها أمام الجميهع أو بحضور خصهوص المدعوّ له، لههي مطلقهة مهن هذه النواحهي‬
‫فإذا لم نعثر على آية أو حديث معتبر يذكر هذه القيود المتقدمة عملنا بجملة ﴿وصلّ‬
                                                                          ‫) (‬
‫عليههم﴾ 2 لثبات التخييهر، وإذا دلّ دليهل معتهبر واشترط الجههر فهي الصهلة أو أن تكون‬
‫أمام حشهد كهبير وفهي المسهجد مثل ً، نحمهل المطلق حينئذٍ على المقيهد، أي نجعهل هذا‬
                    ‫الدليل مقيّدا "بكسر الياء" لتلك الية، وهو ما يُسمى به"المفهوم".‬
                                                                   ‫المفاهيم‬
‫والمفهوم مص هطلح يقاب هل المنطوق، فمثل ً إذا قال: شخ هص لخ هر: "إذا صهحبتني‬
     ‫ه‬         ‫ه‬     ‫ه‬                              ‫ه‬         ‫ه‬
‫أكرمتهك" فإن هذه الجملة تسهتبطن جملة أخرى مفادهها: "إن فارقتنهي لم أكرمْهك"،‬
   ‫ه‬          ‫ه‬             ‫ه‬                    ‫ه‬                    ‫ه‬
‫إذن هناك علقتان؛ أحداهم ها موجب هة والخرى س هالبة، إذ هناك علق هة إيجابي هة بي هن‬
 ‫ه ه‬             ‫ه‬                  ‫ه‬           ‫ه‬       ‫ه‬
‫الصههحبة والكرام مذكورة فههي ألفاظ الجملة فتسههمى بههه"المنطوق"، وهناك علقههة‬
                            ‫سلبية غير منطوقة يفهمها العرف، فتسمى به"المفهوم".‬
‫وقد ذكرنا في مبحث حجية خبر الواحد أ نّ الصوليين استفادوا حجية خبر الواحد‬
‫) (‬
‫فيما إذا كان راويه عادل ً من آية "النبأ" الشريفة: ﴿إن جاءكم فاسق م بنبأ فتبينوا﴾ 3 ،‬
‫وإنهم قد استفادوا ذلك من مفهوم هذه الية الشريفة، فإن منطوقها يقول: "ل تأخذ‬
                             ‫بخبر الفاسق"، وأما مفهومها فيقول: "خذ بخبر العادل".‬
                                                           ‫المجمل والمب ي ّن‬


                                                                         ‫1 . التوبة: ٣٠١.‬
                                                                         ‫2 . التوبة: ٣٠١.‬
                                                                         ‫3 . الحجرات: ٦.‬


                                         ‫62‬
‫ل يحظى مبحث المجمل والمبيّن بأهمية كبيرة، والمقصود منه، أننا أحيانا نواجه‬
‫عبارة مبهمهة وغامضهة، مثهل كلمهة "الغناء" ثهم نعثهر على دليهل آخهر يوضحهها فيزول‬
                                           ‫البهام عن ذلك المجمل بواسطة ذلك "المبيّن".‬
‫وغالبا ما يواجه الدباء بعض التعابير المبهمة في كلمات أرباب الدب، ثم يعثرون‬
                                            ‫بعد ذلك على قرائن واضحة ترفع ذلك البهام.‬
                                                               ‫الناسخ والمنسوخ‬
‫هناك ف هي القرآن والس هنّة بع هض الحكام "المؤقت هة" بمدة غي هر محددة لن ها تزول‬
      ‫ه‬           ‫ه‬           ‫ه‬                 ‫ه‬                      ‫ه‬
‫بمجيهء مها يبطلهها، فمثل ً فهي أوّل المهر كان حكهم ا بشأن ذات البعهل إذا زنهت ههو‬
                     ‫) (‬
‫حبسها في البيت حتى يتوفاها الموت أو يجعل ا لها سبيلً 1 ، ثم كان السبيل الذي‬
               ‫) (‬
‫جُهعل ههو الرجهم مطلقا للزناة مهن الرجال والنسهاء حالة الحصهان 2 ، أو فهي البدايهة‬
‫كان الحكم في صيام شهر رمضان هو حرمة مقاربة النساء حتى في الليل، ثم جاء‬
                                                                                             ‫) (‬
                                                                                            ‫ما نسخ ذلك 3 .‬




                                                                                          ‫1 . راجع سورة النساء: ٥١.‬
                           ‫2 . الحصان: هو كون النسان متزوجاً وحكمه الرجم عند الزنا بشروط مذكورة في باب الحدود.‬
                                                                                ‫3 . راجع الية ٧٨١ من سورة البقرة.‬


                                                 ‫72‬
‫الدرس السادس‬
                              ‫الجماع والعقل‬
                                                                        ‫الجماع‬
‫إن "الجماع" مهن جملة المصهادر الفقهيهة التهي يبحهث علم الصهول فهي حجيتهها‬
                                                       ‫وأدلتها وطرق الستفادة منها.‬
‫فمها ههو دليهل حجيهة الجماع؟ يدّهعي أههل السهنّة أن النهبي )صهلّى ا عليهه وآله‬
‫وسلم( قال: "ل تجتمع أمتي على خطأ"، فلو اتفقت المة على أمرٍ كان المر صحيحا،‬
‫وفهي ضوء هذا الحديهث تكون المهة بمثابهة النهبي المرسهل معصهومة عهن الخطهأ،‬
  ‫ه‬      ‫ه‬     ‫ه‬     ‫ه‬        ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬          ‫ه‬               ‫ه‬
‫ويكون كلمها بمثابة كلم الرسول، وعليه متى ما حصل مثل هذا التفاق فل بدّ من‬
                                                     ‫التعامل معه وكأنه وحي منزل.‬
‫إل أن الشيعة برغم أنهم ل يسلمون نسبة هذا الحديث إلى الرسول الكرم )صلّى‬
‫ا علي هه وآله وس هلم(، يس هلمون باس هتحالة اجتماع الم هة على الخط هأ، وذلك لدخول‬
             ‫ه‬           ‫ه‬                 ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬          ‫ه‬
‫المعصهوم فهي أفراد المهة، فتكون المهة معصهومة، لكون أحهد أفرادهها معصهوما، ل‬
‫لن عددا من غير المعصومين يؤلف معصوما، هذا مضافا إلى أن العادة ربما قضت‬
‫باسهتحالة اتفاق جميهع المهة على الخطهأ، إل أن المبحوث عنهه فهي الكتهب الفقهيهة أو‬
‫الكلمية ليس هو إجماع المة كلها وإنما المبحوث هو اتفاق جماعة من المة تعرف‬
                   ‫بأهل الحل والعقد، وهم "علماؤها"، بل علماء فرقة واحدة منها.‬
‫ومهن هنها فإن الشيعهة ل يولون الجماع تلك الهميهة التهي يوليهها أههل السهنة له،‬
‫فالذي يراه الشيعهة: أن الجماع حجهة بمقدار ماله مهن كشهف عهن السهنة، فلو فرض‬
‫أننا لن نحصل على دليل بشأن مسألة، ولكن ثبت لنا أن عامة أصحاب الرسول )صلّى‬
‫ا علي هه وآله وس هلم( أو الئم هة )عليه هم الس هلم( أو جلّ ههم – م هن الذي هن ل يقومون‬
          ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه‬           ‫ه‬      ‫ه‬        ‫ه‬            ‫ه‬          ‫ه‬
‫بأفعالههم إل بوحهي مهن الشارع – كانوا يسهلكون سهلوكا معينا بشأنهها، نسهتكشف مهن‬
                          ‫خلله – بالبرهان النّي – وجود دليل عندهم لم يصل إلينا.‬
                                              ‫الجماع المح ص ّل والمنقول‬
‫ينقسم الجماع – بمعناه الذي ذهب إليه أهل السنة أو بمعناه الذي يراه الشيعة‬
                                                    ‫– إلى قسمين: محصّل ومنقول.‬




                                         ‫82‬
‫أمها المحصهّل فههو الذي يحصهّله المجتههد بنفسهه مباشرة مهن خلل البحهث فهي‬
‫التاريخ والرجوع إلى آراء أصحاب الرسول أو الئمة أو القريبين من عصرهم )عليهم‬
                                                                            ‫السلم(.‬
   ‫وأما الجماع المنقول فهو الذي ل يحصّله المجتهد بنفسه وإنما ينقله إليه غيره.‬
‫وطبعا الحجة هو الجماع المح صّل دون المنقول، فإن المنقول ل يكون حجة إل‬
‫إذا أوجب حصول اليقين، وعليه ل يكون الجماع المنقول بخر الواحد حجة حتى وإن‬
                                              ‫ثبتت الحجية للسنة المنقولة بخبر الواحد.‬
                                                                           ‫العقل‬
‫وهههو أحههد مصههادر الحكام الربعههة أيضا، فإننهها أحيانا نسههتكشف حكما شرعيا‬
‫بواسهطة العقهل، أي مهن خلل إقامهة الدلة والبراهيهن العقليهة نتوصهل إلى أن هذا‬
   ‫المورد محكوم بالوجوب أو الحرمة، أو نستكشف طريق الوصول إلى هذا الحكم.‬
‫وقهد ثبتهت حجيهة العقهل بدليهل العقهل "وإذا اسهتطال الشيهء قام بنفسهه" والشرع،‬
‫فإننها نثبهت صهحة الشرع وأصهول الديهن بواسهطة العقهل، فكيهف ل نتمكهن مهن إثبات‬
                                                    ‫حجية العقل من الناحية الشرعية.‬
‫وقد عقد الصوليون بحثا بعنوان "حجة القطع" وبحثوا في هذه الجهة بالتفصيل،‬
                   ‫وقد أنكر الخباريون حجية الدليل العقلي، ولكن ل قيمة لكلمهم.‬
‫والمس هائل الص هولية ذات الص هلة بالعق هل على قس همين: الوّل يتعلق به ه"ملكات"‬
       ‫ه‬                    ‫ه‬         ‫ه‬         ‫ه‬             ‫ه‬        ‫ه‬
           ‫الحكام، وبعبارة أخرى: بفلسفة الحكام، والثاني: يتعلق بلوازم الحكام.‬
‫أمها بالنسهبة إلى القسهم الوّل فإن المتسهالم عليهه إسهلميا – خاصهة عنهد الشيعهة –‬
‫أن الحكام الشرعيهة تابعهة للمصهالح والمفاسهد الواقعيهة، أي ل بدّ مهن اسهتيفاء جميهع‬
‫الوامههر الشرعيههة لوجود المصههالح فيههها، كمهها يجههب الحتراز عههن كههل نهههي لوجود‬
‫المفسهدة فيهه، فإن ا سهبحانه قهد حكهم بوجوب أو اسهتحباب مجموعهة مهن المور‬
‫بغيهة إيصهال النسهان إلى مجموعهة مهن المصهالح الواقعيهة التهي تضمهن سهعادته، كمها‬
‫أنهه سهبحانه ردع عهن بعهض المور بغيهة إبعاده عهن بعهض المفاسهد، فلول المصهالح‬
‫والمفاسهد لمها كان هناك أمرٌ ول نههي. ولو تمكهن النسهان مهن الطلع على كنهه تلك‬
‫المصالح والمفاسد – أو الحِكَم بعبارة ثانية – لحكم عليها بنفس ما حكم به الشارع.‬



                                         ‫92‬
‫ومهن هنها فإن الصهوليين – وكذلك المتكلميهن – يقولون: بمها أن الحكام الشرعيهة‬
‫تابعهة للمصهالح والمفاسهد، فمتهى مها وجدت تلك المصهالح والمفاسهد – سهواءٌ أكانهت‬
‫متعلقة بالجسم أم بالروح، أم بالفرد أم المجتمع، أم بالحياة الفانية أم الباقية – و ُجد‬
     ‫ما يناسبها من الحكام الشرعية، ومتى ما انعدمت انعدم الحكم الشرعي بتبعها.‬
‫فقد نفرض عدم وجود حكم شرعي في مورد من الموارد، إل أن العقل يتمكن‬
‫مهن اكتشاف حكهم الشارع على نحهو الجزم واليقيهن مهن خلل التوصهل إلى حكمةٍ‬
           ‫ه‬           ‫ه‬   ‫ه‬              ‫ه‬               ‫ه‬           ‫ه‬
‫مخصهوصة على غرار سهائر الحِكَهم، لن العقهل فهي مثهل هذه الموارد يشكهل قياسها‬
                             ‫منطقيا مؤلفا من قضية صغرى وكبرى على النحو التي:‬
                    ‫١- توجد في هذا المورد مصلحة يجب إستيفاؤها، "الصغرى".‬
 ‫٢- كلما وجدت مصلحة ووجب استيفاؤها، فإن الشارع يأمر باستيفائها، "الكبرى".‬
                    ‫٣- إذن فحكم المسألة المتقدمة شرعا هو الوجوب "النتيجة".‬
‫فمثل ً فهي زمهن الشارع لم يكهن هناك ترياق ول إدمان، وليهس بأيدينها مهن الدلة‬
‫النقليهة دليهل محدد فهي هذا الخصهوص، إل أننها أحرزنها أضرار الترياق والدمان عليهه‬
‫بواسهطة الدلة الحسهية التجريبيهة، فنكون قهد توصهلنا مهن خلل عقلنها إلى "ملكهٍ"‬
             ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬     ‫ه‬          ‫ه‬           ‫ه‬             ‫ه‬
‫مفسدة بشأن الترياق ل بدّ من الحتراز عنها، ولجل علمنا بأن الشيء المضر والذي‬
                                    ‫فيه مفسدة حرام شرعا، سنحكم بحرمة الترياق.‬
‫ولو ثب هت للمجته هد بواس هطة العق هل أن التدخي هن يس هبب البتلء بالس هرطان، فإن هه‬
 ‫ه‬          ‫ه‬               ‫ه‬     ‫ه‬            ‫ه‬        ‫ه‬       ‫ه‬         ‫ه‬
                                                      ‫سيحكم بحرمة التدخين شرعا.‬
‫ويُمسهههى المتكلمون والصهههوليون التلزم العقلي والشرعهههي بقاعدة الملزمهههة‬
                                      ‫ويقولون: "ما حكم به العقل حكم به الشرع".‬
‫إل أن هذا طبعا فيمها لو أدرك العقهل تلك المصهلحة أو المفسهدة – أو مها يُهصطلح‬
‫عليههه بالملك – على نحههو القطههع واليقيههن، وإل فمجرد الظههن والحتمال ل يمكههن‬
           ‫تسميته حكما عقليا، ومن هنا كان القياس باطل ً؛ لنه ظني وليس قطعيا.‬
                ‫وحينما ندرس ذلك "المناط" القطعي، نعبّر عنه به"تنقيح المناط".‬




                                         ‫03‬
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه
 مدخل إلى علم أصول الفقه

More Related Content

What's hot

Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د.... Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....benamor belgacem
 
علم تفسير في الحضارة الاسلاميه
علم تفسير في الحضارة الاسلاميهعلم تفسير في الحضارة الاسلاميه
علم تفسير في الحضارة الاسلاميهabdulaziz alghamdi
 
مباحث في الحكم وأقسامه
مباحث في الحكم وأقسامه مباحث في الحكم وأقسامه
مباحث في الحكم وأقسامه سامر جابر
 
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابر
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابرتحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابر
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابرسامر جابر
 
6. ta'arudh tarjih nasakh
6. ta'arudh tarjih nasakh6. ta'arudh tarjih nasakh
6. ta'arudh tarjih nasakhMarhamah Saleh
 
التمهيد في بيان شهادة التوحيد
التمهيد في بيان شهادة التوحيدالتمهيد في بيان شهادة التوحيد
التمهيد في بيان شهادة التوحيدسامر جابر
 
تدبر القرآن
تدبر القرآنتدبر القرآن
تدبر القرآنAmel Hope
 
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور ثامر نصيف
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور  ثامر نصيفمختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور  ثامر نصيف
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور ثامر نصيفabuhuraira_algazawi
 
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafahمفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul MukholafahIndra Lupiana
 
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
  -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية   -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية Baker AbuBaker
 
التدمرية
التدمريةالتدمرية
التدمريةalakeeda
 
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندرانيدرس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندرانيSaad_Iskandarani
 
آيات الأحكام Esaiment (final) pdf
آيات الأحكام Esaiment (final) pdfآيات الأحكام Esaiment (final) pdf
آيات الأحكام Esaiment (final) pdfamirah mazlan
 
محطات في تاريخ الفكر المقصدي
محطات في تاريخ الفكر المقصديمحطات في تاريخ الفكر المقصدي
محطات في تاريخ الفكر المقصديعوده عبد الله
 

What's hot (20)

Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د.... Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 
العلم الشرعي
العلم الشرعيالعلم الشرعي
العلم الشرعي
 
Islamic legal history 1
Islamic legal history 1Islamic legal history 1
Islamic legal history 1
 
علم تفسير في الحضارة الاسلاميه
علم تفسير في الحضارة الاسلاميهعلم تفسير في الحضارة الاسلاميه
علم تفسير في الحضارة الاسلاميه
 
Islamic legal history 2
Islamic legal history 2Islamic legal history 2
Islamic legal history 2
 
مباحث في الحكم وأقسامه
مباحث في الحكم وأقسامه مباحث في الحكم وأقسامه
مباحث في الحكم وأقسامه
 
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابر
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابرتحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابر
تحريك الأفكار في أحقية عقائد الإسلام_ تأليف سامر رياض جابر
 
6. ta'arudh tarjih nasakh
6. ta'arudh tarjih nasakh6. ta'arudh tarjih nasakh
6. ta'arudh tarjih nasakh
 
التمهيد في بيان شهادة التوحيد
التمهيد في بيان شهادة التوحيدالتمهيد في بيان شهادة التوحيد
التمهيد في بيان شهادة التوحيد
 
تدبر القرآن
تدبر القرآنتدبر القرآن
تدبر القرآن
 
تدبر القرآن
تدبر القرآنتدبر القرآن
تدبر القرآن
 
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور ثامر نصيف
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور  ثامر نصيفمختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور  ثامر نصيف
مختصر مقاصد اليوبي ومعتصر المختصر للدكتور ثامر نصيف
 
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafahمفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
 
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
  -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية   -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
 
التدمرية
التدمريةالتدمرية
التدمرية
 
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندرانيدرس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (1/5) | سعد السكندراني
 
تدبر القران
تدبر القران تدبر القران
تدبر القران
 
آيات الأحكام Esaiment (final) pdf
آيات الأحكام Esaiment (final) pdfآيات الأحكام Esaiment (final) pdf
آيات الأحكام Esaiment (final) pdf
 
محطات في تاريخ الفكر المقصدي
محطات في تاريخ الفكر المقصديمحطات في تاريخ الفكر المقصدي
محطات في تاريخ الفكر المقصدي
 
مفهوم الروح
مفهوم الروحمفهوم الروح
مفهوم الروح
 

Similar to مدخل إلى علم أصول الفقه

مدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطقمدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطقسراج منير
 
شغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلشغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلAbeer Rizk
 
الانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةالانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةMero Cool
 
تاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثتاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثnashwa mohammed
 
التاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيالتاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيAyad Haris Beden
 
المذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروباالمذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروبامنى محمد
 
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّايجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّاBen Messaoud Mohamed
 
الفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxالفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxssuserb92ba6
 
مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&blrose2011
 
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةHassan Kourani
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثHassan Kourani
 
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريموجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريssuser4dca04
 
Tabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhTabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhحسن قروق
 
أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7bakork
 
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد 2016
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد  2016كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد  2016
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد 2016أمنية وجدى
 
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptمفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptQamarBHaddad
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلاميbenamor belgacem
 
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015محمد الجمل
 

Similar to مدخل إلى علم أصول الفقه (20)

مدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطقمدخل إلى المنطق
مدخل إلى المنطق
 
شغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلشغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدل
 
الانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةالانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعية
 
تاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثتاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحث
 
10
1010
10
 
التاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيالتاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبي
 
المذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروباالمذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروبا
 
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّايجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
 
الفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxالفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptx
 
مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&
 
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
 
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريموجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
 
Tabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhTabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadh
 
أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7
 
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد 2016
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد  2016كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد  2016
كتاب علم نفس والإجتماع للصف الثانى الثانوى الجديد 2016
 
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptمفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 
u090927
u090927u090927
u090927
 
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
 

More from سراج منير

العقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزالعقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزسراج منير
 
في النفس والجسد
في النفس والجسدفي النفس والجسد
في النفس والجسدسراج منير
 
فلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينفلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينسراج منير
 
الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته سراج منير
 
الانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرالانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرسراج منير
 
الانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهالانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهسراج منير
 
مدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانمدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانسراج منير
 
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفةمدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفةسراج منير
 
مدخل إلى علم الفقه
مدخل إلى علم الفقهمدخل إلى علم الفقه
مدخل إلى علم الفقهسراج منير
 

More from سراج منير (11)

العقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزالعقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجز
 
‫لغز العقل
‫لغز العقل‫لغز العقل
‫لغز العقل
 
في النفس والجسد
في النفس والجسدفي النفس والجسد
في النفس والجسد
 
فلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينفلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرين
 
الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته
 
الانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرالانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهر
 
الانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهالانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحرره
 
ارتقاء الانسان
ارتقاء الانسانارتقاء الانسان
ارتقاء الانسان
 
مدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانمدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفان
 
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفةمدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
 
مدخل إلى علم الفقه
مدخل إلى علم الفقهمدخل إلى علم الفقه
مدخل إلى علم الفقه
 

مدخل إلى علم أصول الفقه

  • 1. ‫مدخل إلى العلوم السلمية )٣(‬ ‫الصول‬ ‫الستاذ الشهيد مرتضى المطهري‬ ‫ترجمة: حسن علي الهاشمي‬ ‫مراجعة: السيد علي مطر‬ ‫دار الكتاب السلمي‬ ‫1‬
  • 2. ‫تمهيد‬ ‫ما هو المراد من العلوم السلمية؟‬ ‫يجدر بنها فهي هذا الدرس أن نتحدّث قليل ً عهن كلمهة "العلوم السهلمية" وضهع لهها‬ ‫تعريفا جليا؛ ليتضح مرادنا من العلوم السلمية، وماهية الكلّيات التي نحاول معرفتها‬ ‫في هذه الدروس.‬ ‫إنه العلوم السهلمية، التهي ههي موضوع بحثنها، يمكهن تعريفهها على أنحاء عدّة،‬ ‫ّ‬ ‫وتبعا لختلف التعاريف تختلف المواضيع:‬ ‫١- العلوم التي تدور موضوعاتها أو مسائلها حول أُصول السلم وفروعه، أو التي‬ ‫يمكن من خللها إثبات أُصول السلم وفروعه، وهي: القرآن والسنّة، من قبيل: علم‬ ‫) (‬ ‫القراءة، علم التفس هير، علم الحدي هث، علم الكلم النقلي 1 ، علم الفق هه، علم الخلق‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫) (‬ ‫النقلي 2 .‬ ‫٢- العلوم المذكورة آنفا، بالضافة إلى العلوم المُمهّدة لها، والعلوم المُمهّدة من‬ ‫قبيهل: الدب العربهي، مهن الصهرف والنحهو واللغهة والمعانهي والبيان والبديهع وغيرهها،‬ ‫ومهن قبيهل: الكلم العقلي، والخلق العقليهة، والحكمهة اللهيهة، والمنطهق، وأ ُهصول‬ ‫الفقه، والرجال، والدراية.‬ ‫٣- العلوم التهي تعدّ – بنحهو مهن النحاء – جزءا مهن الواجبات السهلمية، وههي‬ ‫التهي يجهب على المسهلمين تحصهيلها، ولو على نحهو الواجهب الكفائي، والتهي يشملهها‬ ‫الحديث النبويّ المعروف: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".‬ ‫إن العلوم التهي تعتهبر موضوعاتهها ومسهائلها مهن الصهول أو الفروع السهلمية أو‬ ‫التهي يسهتند إليهها فهي إثبات تلك الصهول والفروع، مهن الواجهب تحصهيلها؛ لن ّه الحاطهة‬ ‫بأُهصول الديهن السهلمي مهن الواجبات العينيهة على كلّ مسهلم، والحاطهة بفروعهها‬ ‫واجهب كفائي، كمها تجهب دراسهة القرآن والسهنّة أيضا؛ إذ ل يتيسهر مهن دونهمها معرفهة‬ ‫أُصول السلم وفروعه.‬ ‫وهكذا تجب دراسة العلوم المُمهّدة لتحصيل هذه العلوم من باب )وجوب مقدمة‬ ‫الواجهب(، أي: ينبغهي أن يكون هناك دائما أفراد ملمّون بهذه العلوم بالمقدار الكافهي‬ ‫1 . سيتضح فيما بعد أن علم الكلم على قسمين: عقلي ونقلي، وسيتضح الفرق بينهما.‬ ‫2 . الخلق أيضً على قسمين كعلم الكلم: عقلية ونقلية، وسنتحدث فيما بعد عن ذلك أيضً.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫2‬
  • 3. ‫على القل. بل ينبغهي أن يكون هناك دائما مَهنْ يساهم في تطوير العلوم السهاسية‬ ‫والتمهيدية، ويعمل على إثرائها وتنميتها باستمرار.‬ ‫وق هد س هعى العلماء المس هلمون طوال القرون الربع هة عش هر إلى توس هيع رقع هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫العلوم المذكورة، وقهد حققوا فهي هذا الصهدد نجاحات ملحوظهة، وسهتطّلعون تدريجيا‬ ‫على نشوء هذه العلوم ونموّها وتحوّلها وتكاملها.‬ ‫إنهّ العلوم التهي ههي باب الفريضهة والت هي يج هب على المسهلمين تحصهيلها غيهر‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫منحصهرة فهي العلوم المتقدمهة، فكهل علم توقفهت تلبيهة الحاجات الضروريهة للمجتمهع‬ ‫السلمي على معرفته والتخصص والجتهاد فيه، وجب على المسلمين تحصيله من‬ ‫باب المقدمة التهيؤيّة.‬ ‫ولكي نوضح أن السلم دين جامع وشامل، وأنه لم يكتف بسلسلة من المواعظ‬ ‫الخلقيهة والفرديهة فقهط، وأنهه ديهن يعمهل على صهيانة المجتمهع، نقول: إنه السهلم‬ ‫ّ‬ ‫عمهد إلى كلّ مها يحتاج إليهه المجتمهع فأوجبهه على الكفايهة، فإذا كان المجتمهع بحاجهة‬ ‫إلى طههبيب على سههبيل المثال، يغدو الطبههّ واجبا كفائيا، أي: يجههب توفيههر الطباء‬ ‫ه‬ ‫بالمقدار الكافهي، وإذا لم يكهن هناك أطباء بالمقدار الكافهي وجهب على الجميهع أن‬ ‫يُمهّدوا الرضيهة بغيهة توفيهر الطباء، ورفهع هذه الحاجهة، وبمها أن الطبه يتوقهف على‬ ‫ّ‬ ‫تحصهيل علوم الطهب يكون تحصهيلها حتما مهن الواجبات الكفائيهة، وهكذا المهر فهي‬ ‫التعليم، والسياسة، والتجارة، وأنواع الفنون والصناعات الُخرى.‬ ‫وفهي الموارد التهي يتوقهف فيهها حفهظ المجتمهع السهلمي وكيانهه على تحصهيل‬ ‫العلوم والصناعات بأرفع مستوى ممكن يجب تحصيل تلك العلوم بذلك المقدار، ومن‬ ‫هنها يعتهبر السهلم جميهع العلوم الضروريهة للمجتمهع السهلمي فريضهة، وعليهه سهوف‬ ‫تشمهل العلوم السهلمية – بحسهب هذا التعريهف الثالث – الكثيهر مهن العلوم الطبيعيهة‬ ‫والرياضية "التي يحتاج إليها المجتمع السلمي".‬ ‫٤- العلوم التهي تكاملت فهي الحواضهر العلميهة السهلمية، أعمه مهن التهي تعد فهي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظهر السهلم واجبهة وضروريهة، وأعمه مهن التهي تعدّ فهي نظره محظورة إل ّ أنّهها على‬ ‫ّ‬ ‫كلّ حال شق ّت طريقها في المجتمع السلمي، من قبيل: علم التنجيم الحكامي "ل‬ ‫علم التنجيههم الرياضههي"، فإننهها نعلم بإباحههة علم التنجيههم، كونههه جزءا مههن العلوم‬ ‫3‬
  • 4. ‫السهلمية المباحهة، فيمها إذا ارتبهط بالمعادلت الرياضيهة التهي تدرس أحوال الكون،‬ ‫وتقوم ب ههبيان س ههلسلة م ههن التنبؤات القائم ههة على ال ُ ههسس الرياضي ههة كالخس ههوف‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والكسهوف، وأمّها الخارج منهها عهن حدود المعادلت الرياضيهة – المتعلق بهبيان سهلسلة‬ ‫مهن الروابهط الخفيّهة بيهن الحوادث السهماوية والوقائع الرضيهة، منتهيا إلى سهلسلة مهن‬ ‫التكهنات بشأن الحوادث الرضية – فهو حرام في نظر السلم، ولكن برغم ذلك تجد‬ ‫) (‬ ‫كل هذين النوعين من علم التنجيم موجودا في مهد الثقافة والحضارة السلمية 1 .‬ ‫وبعد أن عرضنا تعاريف مختلفة لكلمة "العلوم السلمية"، واتضح أن هذه الكلمة‬ ‫تستعمل في الموارد المختلفة في معا نٍ متعددة، وأن بعض تلك المعاني أوسع من‬ ‫بعهض أو أضيهق، نشيهر إلى أن المراد مهن العلوم السهلمية التهي نريهد أن نتحدث عنهها‬ ‫بشكل كلي هو ما ذكرناه في التعريف الثالث، أي: العلوم التي يعدّها السلم – بنحو‬ ‫م هن النحاء – فريض هة ذات تاري هخ عري هق ف هي الثقاف هة والحضارة الس هلمية، والت هي‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫تحظهى باحترام المسهلمين وتقديرههم بوصهفها أداة لرفهع حاجهة، أو وسهيلة إلى إنجاز‬ ‫فريضة من الفرائض.‬ ‫وفهي هذا الدرس ينبغهي للطلب العزاء أن يدركوا أن الثقافهة السهلمية تشكهل‬ ‫ثقافهة خاصهة بيهن الثقافات العالميهة، ولهها روحهها الخاصهة بهها، وسهلسلة مهن المميزات‬ ‫الخاصة، ومهن أجل معرفة ثقافهة من الثقافات، أنهها ذات أصهالة مسهتقلة، تتمتع بحياة‬ ‫وروح خاصههة، أو أنههها مجرد تقليههد للثقافات الخرى – وربمهها كانههت مجرد اسههتمرار‬ ‫للثقافات الس هابقة – ينبغ هي معرف هة بواع هث تلك الثقاف هة وهدفه ها وحركته ها وطريق هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫نموّها، وكذا سماتها البارزة وإخضاعها للفحص الدقيق، فإذا تمتعت ثقافة ما ببواعث‬ ‫خاصهة وكان لهها هدفهها وحركتهها الخاصهة بهها، وكانهت طريقهة حركتهها مغايرة لطريقهة‬ ‫حركهة سهائر الثقافات، وكان لهها سهماتها البارزة، عدّ ذلك دليل ً على أصهالة تلك الثقافهة‬ ‫واستقللها.‬ ‫وبديههي أن إثبات أصهالة ثقافهة وحضارة مها ل يعنهي بالضرورة أنهها لم تسهتفد مهن‬ ‫الثقافات والحضارات الُخرى، لن هذا مسههتحيل؛ إذ مهها مههن ثقافههة فههي العالم إلّ‬ ‫1 . للطلع على العلوم التي تكاملت أو دخلت في الثقافة السلمية يراجع كتاب: )كارنامه إسلم(، لمؤلفه الكتور: عبد الحسين ز ّين كوب.‬ ‫ر‬ ‫4‬
  • 5. ‫اسههتفادت مههن الثقافات والحضارات الُخرى، وإنمهها الكلم فههي كيفيههة السههتفادة‬ ‫والنتفاع.‬ ‫فأحههد أنواع النتفاع أن تقوم ثقافههة باسههتيراد ثقافههة أو حضارة أُخرى بل أدنههى‬ ‫تصههرف فيههها، والنوع الخههر أن تقوم الثقافههة بعمليههة اسههتيعاب الثقافههة والحضارة‬ ‫الُخرى، كمها تصهنع الخليّهة الحيّهة فهي اجتذاب المواد وهضمهها وتحويلهها إلى موجودات‬ ‫وكائنات جديدة.‬ ‫والثقافة السلمية من النوع الثاني، فقد نمت كالخلي ّة الحي ّة، إذ اجتذبت الثقافات‬ ‫الُخرى مهن اليونانيهة والهنديهة واليرانيهة وغيرهها وحوّلتهها إلى كائن جديهد له سهماته‬ ‫الخاصهة. وقهد اعترف الباحثون فهي تاريهخ الثقافهة والحضارة بأن الحضارة السهلمية‬ ‫من أكبر الحضارات والثقافات البشرية.‬ ‫أ ين تكون تك و ّ نت هذه الخلي ّة الحيو ية الثقاف ية، وعلى يد من؟ و من‬ ‫أي نقطة بدأ تكاملها؟‬ ‫إ نّ هذه الخلي ّة – كسائر الخليا التي تكون صغيرة وغير محسوسة في بدايتها –‬ ‫ظهرت في المدينة المنوّرة على يد الرسول الكرم )صلّى ا عليه وآله وسلم(، فبدأ‬ ‫النوع الوّل من العلوم السلمية أعماله..‬ ‫) (‬ ‫ولمزيد من الطلع ينبغي الرجوع إلى الكتب الخاصة 1 .‬ ‫وينبغي التذكير بأن العلوم السلمية تنقسم إلى قسمين: العلوم العقلية، والعلوم‬ ‫النقلية.‬ ‫وسنبدأ بالصول الذي يعدّ جزءا من العلوم العقلية.‬ ‫1 . راجع: "كارنامه إسلم"، تأليف: الدكتور ز ّين كوب، و"تاريخ التمدن السلمي"، لمؤلفه: جرجي زيدان، ج ٣، و"خدمات متقابل إسلم‬ ‫ر‬ ‫وإيران"، بقلم المؤلف، القسم الثالث.‬ ‫5‬
  • 6. 6
  • 7. ‫الصول‬ ‫الدرس ال و ّل‬ ‫المقدمة‬ ‫يقع البحث في هذا القسم عن علم الصول من جهة عامة.‬ ‫يوج هد تراب هط بي هن علم هي الفق هه والص هول ش هبيه بالتراب هط القائم بي هن الفلس هفة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والمنطق؛ وذلك لنّ علم الصول بمثابة المقدمة له"علم الفقه" لذلك سمي به"أصول‬ ‫الفقه" بمعنى "أسسه" و"جذوره".‬ ‫وقبل البدء، ينبغي تعريف هذين العلمين بإيجاز:‬ ‫إن كلمهة "الفقهه" تعنهي فهي اللغهة الفههم العميهق والدقيهق، إذْ أنه إدراكنها للشياء‬ ‫ّ‬ ‫يكون على نحويهن؛ تارة بنحهو سهطحي وأخرى بنحهو عميهق، ونضرب لذلك مثل ً مهن‬ ‫واقعنا القتصادي والتجاري المعاش، وما نشاهده دائما في السوق من توفر بضاعة‬ ‫لم تكهن موجودة سهابقا أو شحهة فهي بعهض البضائع التهي كانهت متوفرة، أو نلحهظ‬ ‫ارتفاعا مستمرا في قيمة بضاعة، بينما نجد بعضها الخر ثابت القيمة.‬ ‫ويتف هق لعام هة الناس أن يحص هلوا على بع هض المعلومات الس هطحية بينم ها يكون‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫لبعضههم الخهر معلومات بشأنهها أدق وأعمهق بحيهث تفوق الظواههر السهطحية وتغور‬ ‫فهي عمهق الحداث لتسهتقر فهي قعرهها؛ فههم يدركون السهباب التهي تؤدي إلى توفهر‬ ‫هذه البضاعهة وشحهة تلك أو ارتفاع ثمنهها وانخفاض ثمهن الخرى، كمها إنههم يعرفون‬ ‫الس هباب التههي تؤدي إلى اسههتمرار ارتفاع الس هعار، ويعرفون مقدار اسههتحكام هذه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫السهباب، وأيا منهها مسهتعصٍ على العلج، وأيا منهها قابهل لحهل. فإذا بلغهت معلومات‬ ‫الفرد بالمور القتصههادية هذا المسههتوى مههن العمههق فل بدّ مههن عده "متفقها" فههي‬ ‫القتصاد.‬ ‫وقهد تكرر فهي القرآن الكريهم والروايات المأثورة عهن الرسهول الكرم)صهلّى ا‬ ‫عليهه وآله وسهلم( والئمهة الطهار)عليهه السهلم( الحهث على "التفقهه" فهي أمور الديهن‬ ‫كثيرا، والمسهتفاد مهن مجموعهها أن ّه السهلم يريهد للمسهلم أن يفههم الديهن عهن بصهيرة‬ ‫كاملة، وطبعا إنّهه التفقههه فههي الديههن الذي يريده السههلم يشمههل كافههة المجالت‬ ‫السهلمية أعهم ممها يرتبهط بأصهول العقائد السهلمية، والرؤيهة الكونيهة، أو الخلق‬ ‫والتربيهههة السهههلمية والمجتمهههع السهههلمي، والعبادات والحكام المدنيهههة، والداب‬ ‫7‬
  • 8. ‫المخصوصة مما هو واقع في حياتنا الفردية والجتماعية، إل ّ أنه شاع بين المسلمين‬ ‫منذ القرن الثاني استعمال كلمة "الفقه" في قسم مخصوص يمكنننا تسميته به"فقه‬ ‫الحكام" أو "فقهه السهتنباط" وههو عبارة عهن: "الفههم الدقيهق والسهتنباط العميهق‬ ‫للحكام السلمية من مصادرها.‬ ‫إنّ الحكام السلمية لم تتعرض لبيان كل واقعة وحادثة على نحوٍ جزئي وفردي‬ ‫وتفصهيلي فإنّه هذا مهن المسهتحيل حصهوله؛ لن الحوادث والوقائع غيهر متناهيهة وإنمها‬ ‫عرضت المور بشكل مجموعة من الصول الكلية والقواعد العامة.‬ ‫فعلى الفقيههه الذي يروم بيان حكههم حادثههة أو مسههألةٍ أن يرجههع إلى المصههادر‬ ‫المعتهبرة – التهي سهنقوم بتوضيحهها فيمها بعهد – ليعطهي رأيهه فيهها بعهد ملحظهة جميهع‬ ‫جوانبها، ومن هنا كان التفقه مساويا للفهم العميق والدقيق والشامل.‬ ‫وقههد عرّف الفقهاء الفقههه بأنههه: "العلم بالحكام الشرعيههة الفرعيههة مههن أدلتههها‬ ‫التفصيلية" ذكر مصدر.‬ ‫وعليهه ل يشمهل الفقهه الصهول العتقاديهة أو التربويهة، وإنمها يقتصهر على اسهتنباط‬ ‫الحكام العملية من خلل الرجوع إلى الدلة التفصيلية التي سنقوم بتوضيحها.‬ ‫أصول الفق ه:‬ ‫على الفقيه من باب المقدمة أن يحيط بعلوم عديدة منها:‬ ‫١- الدب العربهي، نحوا وصهرافا ولغهة وبلغهة، وذلك لن لغهة القرآن والحاديهث‬ ‫عربية، فل يمكن فهم القرآن الكريم والروايات دون فهم اللغة العربية ولو بالمستوى‬ ‫المتعارف.‬ ‫٢-التفسير، إذ ل مندوحة للفقيه من الرجوع إلى القرآن الكريم، فل محيص له من‬ ‫التعرّف إجمال ً على علم التفسير.‬ ‫٣- المنطهق، إذ بمها أن كهل علم اسهتدللي يفتقهر إلى المنطهق، كان على الفقيهه‬ ‫أيضا أن يطّلع على علم المنطق.‬ ‫٤- علم الحديهث، فيجهب على الفقيهه أن يكون عالما بالحديهث وأقسهامه، مهن خلل‬ ‫كثرة الممارسة له.‬ ‫8‬
  • 9. ‫٥- علم الرجال، وهو معرفة أحوال الرواة، وسنوضح فيما بعد أنه ل يمكن قبول‬ ‫الحاديهث كمها ههي عليهه فهي كتهب الحديثهن بهل يجهب تمحيصهها، وعلم الرجال يتكفهل‬ ‫تمحيص سند الحديث.‬ ‫٦- علم أصهول الفقهه، وههو مهن أههم العلوم التهي يتوقهف الفقهه على معرفتهها مهن‬ ‫باب المقدمة، وهو علم شيّق وجميل ابتكره المسلمون.‬ ‫إن علم الص هول ه هو: "علم قواع هد الس هتنباط"، فإنّ هه ي هبين لن ها كيفي هة الس هتنباط‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفقهههي الصههحيح مههن المصههادر الفقهيههة، ومههن هنهها كان علم الصههول بمنزلة علم‬ ‫المنطق، فهو علم "قواعد" وهو إلى "الصناعة" أقرب منه إلى "العلم"، إذ يُبحث فيه‬ ‫عمّا يجب أن يكون، ل ما هو حاصل وكائن.‬ ‫وقهد توههم البعهض أن مسهائل علم الصهول يتمّه اسهتعمالها فهي علم الفقهه كمها‬ ‫تسهتعمل مقدمتها قياس علمهٍ فهي ذلك العلم، فقالوا: إن مسهائل علم الصهول تقهع‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫"كههبريات" لعلم الفقههه. وهذا خطههأ؛ إذ كمهها أن مسههائل المنطههق ل تقههع "كههبريات"‬ ‫للفلسههفة، كذلك يكون حال المسههائل الصههولية بالنسههبة إلى الفقههه أيضا، وهذا مههن‬ ‫البحوث المتشعبة التي ل يسعنا بيانها.‬ ‫إن الرجوع إلى المصهادر الفقهيهة له أنحاء مخصهوصة، قهد تؤدي إلى اسهتنباطات‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫خاطئة ومخالفهة للواقهع ومراد الشارع، ومهن هنها كان مهن اللزم بحثهها وتحقيقهها فهي‬ ‫علم مخص هوص على ضوء الدلة العقلي هة والنقلي هة القطعي هة الت هي ت هبين لن ها الكيفي هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الصهحيحة فهي الرجوع إلى المصهادر الفقهيهة واسهتنباط الحكام السهلمية وههو مها‬ ‫يتكفله علم الصول.‬ ‫ومنذ صدر السلم شاعت في الوساط السلمية كلمة أخرى تشبه كلمة "الفقه"،‬ ‫وهي كلمة الجتهاد، وحاليا تُعدّ هاتان الكلمتان مترادفتين.‬ ‫والجتهاد مأخوذ من "الجهد" – بضم الجيم – بمعنى بذل السعي والمشقّة، وإنما‬ ‫يقال: للفقيه مجتهد إذ عليه بذل قصارى جهده في استخراج واستنباط الحكام.‬ ‫كما أن كلمة "الستنباط" تفيد ما يشابه هذا المعنى لنها مشتقة من "نَب َطَ" الماء‬ ‫أي: خرج مهن باط هن الرض، فكأن الفقهاء شبّهوا سهعيهم وجهدههم ف هي اسهتخراج‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫9‬
  • 10. ‫الحكام بالجهههد الذي يبذله عمال التنقيههب وراء الطبقات السههميكة بحثا عههن الماء‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المعين.‬ ‫01‬
  • 11. ‫الدرس الثاني‬ ‫مصادر الفقه‬ ‫تقدم في الدرس الول أنّ علم "أصول الفقه" يعلمنا الطريقة الصحيحة لستنباط‬ ‫الحكام الشرعيههة مههن المصههادر الصههلية. فل بدّ مههن التعرف على تلك المصههادر‬ ‫وعددهها، وههل أن آراء جميهع المذاههب والفرق السهلمية متفقهة بشأن تلك المصهادر‬ ‫أو مختلفة؟ وإذا كان هناك اختلف نظري فما هو؟‬ ‫وسهنشرع فهي بيان رأي فقهاء الشيعهة بشأن مصهادر الفقهه، وفهي معرض توضيهح‬ ‫كل واحد من تلك المصادر نقوم ببيان رأي بقية المذاهب السلمية، فنقول:‬ ‫إن المصهادر الفقهيهة عنهد الشيعهة "عدا جماعهة قليلة منههم تسهمى بهه"الخباريييهن"‬ ‫سنعرض آراءهم فيما بعد" أربعة:‬ ‫١- كتاب ا "القرآن"، ونشير إليه به"الكتاب" اختصارا متابعةً للفقهاء والصوليين.‬ ‫٢- السنة، وهي قول المعصوم)عليه السلم( وفعله وتقريره.‬ ‫٣- الجماع.‬ ‫٤- العقل.‬ ‫ويطلق الفقهاء والصهوليون على هذه المصهادر الربعهة مصهطلح "الدلة الربعهة"‬ ‫فيقولون: "إن علم الصول يدور حول الدلة الربعة"، فل بد أن نوضح كل واحد من‬ ‫هذه المص هادر، ون هبين ضمنا رأي المذاه هب الس هلمية بم ها فيه ها جماع هة الخباريي هن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الشيعة، وسنبدأ بكتاب ا "عزّ وجلّ".‬ ‫القرآن‬ ‫ل شههك أن القرآن الكريههم هههو المصههدر الوّل للحكام السههلمية، وبالطبههع ل‬ ‫تنحصههر آيات القرآن فههي الحكام العمليههة، فقههد تطرق القرآن إلى مئات المواضيههع‬ ‫المختلفة، والذي يختص منها بالحكام يقدّر بحوالي خمسمائة آية من مجموع ستين‬ ‫وستمائة وستة آلف آية "أي: واحد من ثلثة عشر من مجموع آيات القرآن الكريم".‬ ‫وقهد صهنف علماء السهلم كتبا عديدة فهي خصهوص هذه اليات، أشهرهها عنهد‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الشيعههة كتاب "آيات الحكام" للمجتهههد الزاهههد التقههي الشهيههر المل أحمههد الردبيلي‬ ‫المعروف به ههه"المقدّس الردبيلي" الذي عاش ف هههي القرن العاش هههر الهجري، وكان‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫معاصهرا للشاه عباس الكهبير، والكتاب الخهر "كنهز العرفان" للفاضهل المقداد السهيوري‬ ‫11‬
  • 12. ‫الحلي مهن علماء القرن الثامهن وبدايهة القرن التاسهع الهجري، كمها صهنف أههل السهنّة‬ ‫كتبا في خصوص آيات الحكام أيضا.‬ ‫إن المسهلمين منذ صدر السهلم يعتمدون في الدرجهة الولى على القرآن الكريم‬ ‫لسههتنباط الحكام السههلمية، إل ّ أن قيام الدولة الصههفوية فههي إيران اقترن بظهور‬ ‫فرقهة منعهت عوام مهن الناس مهن الرجوع إلى القرآن الكريهم، وقهد رأت هذه الفرقهة‬ ‫أن الرجوع إلى القرآن مهن اختصهاص المعصهوم)عليهه السهلم( فقهط، فعلى عامهة‬ ‫الناس أن يرجعوا إلى السنّة أي الخبار والحاديث فقط.‬ ‫كما أن هذه الفرقة لم ت ُجز الرجوع إلى الجماع والعقل؛ لنها اد ّعت أن الجماع‬ ‫م ههن مبتدعات أبناء العام ههة، وأن العق ههل ل يجوز العتماد علي ههه لمكان خطئه. إذن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫فالمصهدر الوحيهد الذي يجوز الرجوع إليهه ههو الخبار، ومهن هنها عُرف أصهحاب هذا‬ ‫الرأي به"الخباريين".‬ ‫ومضافا لنكار هؤلء حهههق الرجوع إلى القرآن الكريهههم وإنكار حجيهههة الجماع‬ ‫والعقههل، أنكروا الجتهاد أيضا؛ لن الجتهاد كمهها تقدم عبارة عههن: الفهههم الدقيههق‬ ‫والسهتنباط العميهق، وبديههي أن الفههم الدقيهق ل يتهيهأ إل مهن خلل إعمال العقهل‬ ‫وإمعان النظهههر، ورأوا أن على الناس أن يرجعوا الخبار والحاديهههث مباشرة – دون‬ ‫العتماد على المجتهدين – كما يرجعون إلى الرسائل العملية للتعرف على وظائفهم.‬ ‫وزعيم هذه الفرقة هو "المين السترآبادي"، وله كتاب معروف بعنوان: "الفوائد‬ ‫المدنية" ضمّنه آراءه، وهو إيراني أقام في مكّة والمدينة سنوات كثيرة.‬ ‫وقهد أدى ظهور الخبارييهن وانتماء الكثيهر إليههم فهي بعهض المدن الجنوبيهة مهن‬ ‫إيران وجزر الخليهج الفارسهي وبعهض المدن المقدسهة فهي العراق إلى ركود وجمود‬ ‫علمي كبير، ولكن لحسن الحظ تم ّ الحد من نفوذهم بفضل الصمود الملحوظ الذي‬ ‫أبداه المجتهدون الكبار، ولم يبق من الخباريين حاليا سوى فلول قليلة متفرقة.‬ ‫الس ن ّة‬ ‫وهي قول المعصوم)عليه السلم( وفعله وتقريره، فإذا بيّن الرسول الكرم)صلّى‬ ‫ا عليهه وآله وسهلم( فهي كلمهه حكما، أو ثبهت أنهه )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( قام‬ ‫بوظيفهة شرعيهة على نحهو مخصهوص، أو ثبهت أن الصهحابة مارسهوا بعهض الشؤون‬ ‫21‬
  • 13. ‫الدينيهة على طريقهة مخصهوصة وأقرّههم )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( عليهها مهن خلل‬ ‫سكوته، فبإمكان الفقيه بداهةً أن يكتفي بذلك ويستند إليه في مقام الفتوى.‬ ‫ول كلم فهي حجيهة "السهنّة" عموما ول خلف فيهها، وإنّهما وقهع الخلف فيهها مهن‬ ‫جهتين:‬ ‫الولى: ههل الحجهة خصهوص السهنّة النبويهة، أو تشمهل السهنّة المرويهة عهن الئمهة‬ ‫)عليهم السلم( أيضا؟‬ ‫إن أبناء العامهة يقصهرون الحجيهة على السهنّة النبويهة فقهط، إل أن الشيعهة يذهبون‬ ‫أيضا إلى حجية أقوال الئمة )عليهم السلم( وأفعالهم وتقريراتهم استنادا إلى بعض‬ ‫اليات القرآنيهة والحاديهث المتواترة عهن الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم(‬ ‫والتهي رواهها أههل السهنّة أنفسههم، منهها أنهه )صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( قال: "إنهي‬ ‫تارك فيكهم الثقليهن مها إن تمسهكتم بهمها لن تضلوا بعدي، كتاب ا وعترتهي" مصهادر‬ ‫من كتب السنة.‬ ‫الثانيههة: إن السههنة المرويههة عههن المعصههوم )عليههه السههلم( تارة تكون قطعيههة‬ ‫ومتواترة، وأخرى ظنيهة وههو مها يصهطلح عليهه "بخهبر الواحهد"، فههل يجوز الرجوع إلى‬ ‫سنن رسول ا)صلّى ا عليه وآله وسلم( غير القطعية أيضا؟‬ ‫وهنها تتأرجهح الراء بيهن الفراط والتفريهط، فتجهد أن بعضا كأبهي حنيفهة ل يحفهل‬ ‫بالحاديهث المنقولة حتهى قيهل: لم يثبهت عنهد أبهي حنيفهة – مهن بيهن جميهع الحاديهث‬ ‫المروية عن الرسول)صلّى ا عليه وآله وسلم( – سوى سبعة عشر حديثا.‬ ‫في حين يعتمد البعض الخر على الحاديث الضعيفة أيضا، إل أن علماء الشيعة‬ ‫ل يأخذون إل بالحدي هث الص هحيح والموثّ هق، أي إذا كان راوي الحدي هث شيعيا عادل ً أو‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫صادقا وموثوقا – على القل – أمكن العتماد على راويته.‬ ‫إذن فل بهد مهن التعرف على رواة الحديهث والتحقيهق فهي أحوالههم، فإذا ثبهت أن‬ ‫جميع رواة حدي ثٍ كانوا صادقين وموثوقين أمكن العتماد على روايتهم، ويذهب إلى‬ ‫هذا الرأي الكثيهر مهن علماء أههل السهنّة أيضا، ومهن هنها ظههر بيهن المسهلمين "علم‬ ‫الرجال" أي: علم معرفة أحوال الرواة.‬ ‫31‬
  • 14. ‫إل أن الخبارييهن الشيعهة – المتقدم ذكرههم – وجدوا إجحافا فهي تقسهيم الحديهث‬ ‫إلى: الص ههحيح والموث ههق والضعي ههف، وقالوا: إن جمي ههع الحادي ههث وعلى الخ ههص‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الموجودة فهي الكتهب الربعهة، وههي: "الكافهي" و"مهن ل يحضره الفقيهه" و"التهذيهب"‬ ‫و"السههتبصار" معتههبرة، وهناك بيههن أهههل السههنّة مههن يذهههب إلى مثههل هذه الراء‬ ‫المتطرفة.‬ ‫الجماع‬ ‫والجماع يعني اتفاق آراء علماء المسلمين على مسالة، ويرى علماء الشيعة أن‬ ‫الجماع حج ّة؛ ل نّ اتفاق المسلمين على مسألة دليل على أنهم تلقوها من الشارع،‬ ‫إذ ليس من المحتمل أن يتفقوا عليها من تلقائهم، وعليه إن الجماع إن ّما يكون حجة‬ ‫فيما إذا كان كاشفا عن رأي النبي)صلّى ا عليه وآله وسلم( أو المام)عليه السلم(.‬ ‫فمثل ً إذا اتضههح أن جميههع المسههلمين فههي عصههر الرسههول)ص هلّى ا عليههه وآله‬ ‫وسهلم(، اتفقهت آراؤههم على مسهألة وسهلكوا بأجمعههم سهلوكا معينا كان هذا دليلً‬ ‫على أنههم قهد أخذوهها مهن الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم(، أو إذا اتفقهت‬ ‫آراء جميهع أصهحاب الئمهة الطهار)عليههم السهلم( – الذيهن ل يأخذون أوامرههم إل‬ ‫منهم – على مسألة كان ذلك دليل ً على أنهم تلقوها من مدرسة إمامهم، ومن جميع‬ ‫هذا نصل إلى نتيجتين:‬ ‫الولى: يرى الشيعهة أن الحجّهة إنمها ههي إجماع العلماء المعاصهرين للنهبي)صهلّى‬ ‫ا عليهه وآله وسهلم( أو المام)عليهه السهلم(، فلو أجمهع كافهة علماء عصهرنا على‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫مسألة ل يكون إجماعهم حجة على علماء العصر القادم.‬ ‫الثانيهة: ل يرى الشيعهة أصهالة للجماع، لن الجماع لم يكتسهب حجيتهه بمها ههو‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫إجماع واتفاق فهي الراء، وإنمها اكتسهبها بمها ههو كاشهف عهن قول المعصهوم)عليهه‬ ‫السلم(.‬ ‫أم ها علماء الس هنّة فيرون للجماع أص هالة، فلو أجم هع ك هل علماء الس هلم "الذي هن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يصهطلح عليههم بأههل الحلّ والعقهد" على مسهألة "فهي أي زمان وإن كان زماننها" كان‬ ‫إجماعهم صائبا؛ وذلك لنهم يرون إمكان وقوع بعض دون بعض في الخطأ، ولكن‬ ‫مهن المسهتحيل أن يقهع الجميهع فهي الخطهأ، ولذا يتعامهل أههل السهنّة مهع إجماع المهة‬ ‫41‬
  • 15. ‫في زما نٍ معاملة الوحي المنزل، ويعاملون المة حين اتفاقها معاملة النبي المرسل،‬ ‫وكأنّ ما أُجمع عليه هو حكم ا الذي ل يقبل الشك.‬ ‫العقل‬ ‫وحج ّية العقل عند الشيعة تعني أن العقل إذا أصدر حكما قطعيا في موردٍ، كان‬ ‫ذلك الحكم – بحكم كونه قطعيا ويقينيا – حجّة.‬ ‫ويرد هنها سهؤال مفاده: ههل للعقهل مسهرح فهي المسهائل الشرعيهة حتهى يغدو‬ ‫بإمكانهه إصهدار الحكام القطعيهة بشأنهها أو ل؟ وسهنجيب عهن هذا السهؤال بالتفصهيل‬ ‫عندما نبحث في المسائل الكلية لعلم الصول.‬ ‫وكما أشرنا سابقا فإن الخباريين من الشيعة ل يرون العقل حجّة على الطلق.‬ ‫ومهن بيهن المذاههب الفقهيهة السهنية – أي: المذههب الحنفهي والشافعهي والمالكهي‬ ‫والحنبلي – يرى أب هو حنيفهة أن القياس دليل ً رابعا، إذ يرى الحناف أن مصهادر الفقهه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫أربعههة: الكتاب والس هنّة والجماع والقياس، والقياس هههو مهها يسههمى فههي المنطههق‬ ‫بالتمثيل.‬ ‫والمالكيون والحنابلة ل يعيرون أيّ ه أهميههة للقياس، وعلى الخههص الحنابلة، أمهها‬ ‫الشوافع فإنهم – تبعا لزعيمهم محمد بن إدريس الشافعي – يتأرجحون في الوسط‬ ‫إذ يهتمون بالحديههث أكثههر مههن الحناف بينمهها يهتمون بالقياس أكثههر مههن المالكييههن‬ ‫والحنابلة.‬ ‫وكان الفقهاء القدماء يطلقون أحيانا على القياس مص هههههههطلح "الرأي" و"اجتهاد‬ ‫ه‬ ‫الرأي".‬ ‫أمها علماء الشيعهة فل يجيزون العمهل بالقياس إطلقا، وذلك لن القياس مها ههو‬ ‫إل إتباع للظههن، هذا مضافا إلى أنههّ العمومات التههي وصههلتنا مههن الشارع المقدّس‬ ‫وخلفائه وافية بالغرض.‬ ‫51‬
  • 16. ‫الدرس الثالث‬ ‫خلصة تاريخية‬ ‫إنه على مهن يروم دراسهة علم أو تحصهيل معلومات بشأنهه، أن يحيهط علما بنشأة‬ ‫ّ‬ ‫ذلك العلم، وواضعهه ومها ههي التغيرات التهي طرأت عليهه طوال القرون، ومهن ههم‬ ‫روّاده وأصحاب الكلمة فيه، وما هي الكتب التي دوّنت فيه.‬ ‫وعلم الصهول مهن العلوم التهي نشأت وتطورت فهي أحضان الثقافهة السهلمية،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والمعروف أنه واضعهه ههو محمهد بهن إدريهس الشافعهي، فقهد ذكهر ابهن خلدون فهي‬ ‫ّ‬ ‫مقدمته في الفصل الذي أفرده للعلوم والصناعات:‬ ‫"... وكان أوّل من كتب فيه الشافعي؛ أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها في‬ ‫الوامهر والنواههي والبيان والخهبر والنسهخ وحكهم العلة المنصهوصة فهي القياس، ثهم‬ ‫كتب فقهاء الحنفية فيه وحقّقوا تلك القواعد، وأوسعوا القول فيها".‬ ‫ولك هن المرحوم الس هيد حس هن الص هدر أعلى ا مقامه هُ ذك هر ف هي كتاب هه النفي هس‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫"تأسيس الشيعة لعلوم السلم": أن المسائل الصولية من قبيل: الوامر والنواهي،‬ ‫والعام والخاص وغيرها كانت متداولة قبل الشافعي، وقد كتب علماء الشيعة رسائل‬ ‫في كل واحد منها.‬ ‫فربما أمكن القول: إن ّ الشافعي هو أوّل من كتب رسالة شاملة لجميع الرسائل‬ ‫الصولية المبحوثة في عصره.‬ ‫وقد ذهب التصور ببعض المستشرقين إلى أ ن الجتهاد قد ظهر عند الشيعة بعد‬ ‫ّ‬ ‫مضهي مئتهي عام مهن ظهوره عنهد أههل السهنّة، وذلك لنتفاء الحاجهة إليهه فهي عصهر‬ ‫الئمهة)عليههم السهلم( فتنتفهي تبعا لذلك الحاجهة إلى مقدماتهه، إل أنهه تصهور خاطهئ؛‬ ‫لن هّ الجتهاد بالمعنههى الصههحيح للكلمههة يعنههي: "التفريههع" وردّ الفروع إلى الصههول‬ ‫وتطبيق الصول على الفروع، وهو ما تداوله الشيعة في عصر الئمة)عليهم السلم(؛‬ ‫) (‬ ‫إذ كان الئمة)عليهم السلم( يأمرون أصحابهم بالتفريع والجتهاد 1 .‬ ‫ول شهك طبعا فهي أن الروايات الكثيرة الواردة عهن الئمهة الطهار)عليههم السهلم(‬ ‫فههي مختلف الموضوعات والمسههائل أغنههت الفقههه الشيعههي، ممهها قلّل الحاجههة إلى‬ ‫1 . وطلبً للتوسسع فسي ذلك راجسع مجلة "مكتسب تشيسع" السسنوية العدد ٣، موضوع "إجتهاد در إسسلم" بقلم: مرتضسى المطهري، أو كتاب "ده‬ ‫ا‬ ‫كفتار"، وإلى الجزء الثانسي مسن كتاب "هزاره شيسخ طوسسي" موضوعً تحست عنوان "إلهامسي أز شيسخ الطائفسة" للشهيسد المطهري، أو كتاب‬ ‫ا‬ ‫"تكامل إجتماعي إنسان".‬ ‫61‬
  • 17. ‫العمال الجتهاديههة، ولكههن برغههم ذلك لم يرَ الشيعههة أنفسهههم أغنياء عههن الجتهاد‬ ‫والتفقههه، خاصههة وأن الئمههة الطهار )عليهههم السههلم( كانوا يحثون البارزيههن مههن‬ ‫أصهحابهم إلى السهعي وراء الجتهاد، وقهد روي عنههم )عليههم السهلم( فهي الكتهب‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫) (‬ ‫المعتبرة أنهم )عليهم السلم( قالوا: "علينا إلقاء الصول وعليكم أن تفرعوا" 1 .‬ ‫إن ّه أوّل مهن كتهب مهن الشيعهة فهي علم الصهول ههو السهيد المرتضهى "علم الهدى"‬ ‫أخو "الشريف الرضي" جامع نهج البلغة. عاش السيد المرتضى في الفترة الواقعة‬ ‫بين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس للهجرة، وكانت وفاته سنة ٦٣٤هه. وقد‬ ‫ص هنف ف هي علم الص هول كتبا كثيرة أشهره ها كتاب "الذريع هة"، وظلت آراؤه الصهولية‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫متداولة لعدة أعوام، وكان المرتضهى تلميذا عنهد متكلم الشيعهة الشهيهر الشيهخ المفيهد‬ ‫"ت: ٣١٤ هه" كما كان الشيخ المفيد تلميذا للشيخ الصدوق المعروف بابن بابويه "ت:‬ ‫١٨٣ هه" والمدفون في مدينة الري.‬ ‫ثم تصهدى الشيهخ أبو جعفهر الطوسي "ت: ٠٦٤ هه" إلى الكتابة في علم الصول‬ ‫واحتلت آراؤه وعقائده مسهاحة علميهة واسهعة قرابهة ثلثهة قرون أو أربعهة، وقهد درس‬ ‫الشيهخ الطوسهي عنهد السهيد المرتضهى وحضهر مدة وجيزة عنهد الشيهخ المفيهد، وقهد‬ ‫أسههس حوزة النجههف الشرف التههي مضههى على عمرههها ألف عام، وعنوان كتابههه‬ ‫الصولي "عدة الصول".‬ ‫والعالم الخهر الذي اشتهرت كتبهه وآراؤه فهي علم الصهول ههو صهاحب "المعالم"‬ ‫الشيهخ حسهن نجهل الشهيهد الثانهي صهاحب "شرح اللمعهة" وكتاب "المعالم" مهن الكتهب‬ ‫المعروفهة فهي علم الصهول التهي ل زال طلب العلوم الدينيهة عاكفيهن على دراسهتها،‬ ‫وقد توفي صاحب المعالم سنة ١١٠١هه.‬ ‫ومن بين الشخصيات المرموقة الخرى المرحوم "الوحيد البهبهاني" المولود سنة‬ ‫٨١١١ههه.، والمتوفهى سهنة ٨٠٢١ههه.، وتكمهن أهميهة المرحوم الوحيهد البهبهانهي: أولً‬ ‫في تخريجه الكثير من العلماء المرموقين من أصحاب الذوق الفقهي والجتهادي من‬ ‫أمثال: السهيد مهدي بحهر العلوم، والشيهخ جعفهر كاشهف الغطاء، والميرزا أبهو القاسهم‬ ‫الجيلنهي، المعروف بالميرزا القمهي، وغيرههم، وثانيا: فهي تصهديه إلى تيار الخبارييهن‬ ‫1 . رسائل الكرسي ع ٣، ص ٩٤، مؤسسة النشر السلمي.‬ ‫71‬
  • 18. ‫الذيهن كانهت لههم مكانهة واسهعة فهي زمانهه، فكبّدههم خسهارة فادحهة، فكانهت غلبهة‬ ‫السهلوب الفقههي والجتهادي على السهلوب الخباري مدينهة بشكهل كهبير إلى جهود‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المرحوم الوحيد البهبهاني.‬ ‫ومن الشخصيات التي دفعت علم الصول إلى المام المرحوم الميرزا أبو القاسم‬ ‫الجيلنهي القمهي المتقدم ذكره، وههو مهن تلميهذ الوحيهد البهبهانهي، وقهد عاصهر "فتهح‬ ‫علي شاه" الذي كان يُكن له احتراما كبيرا، ومن مؤلفاته كتاب "قوانين الصول" الذي‬ ‫ظهل – لسهنوات عديدة – منهجا دراسهيا فهي الحوزات العلميهة القديمهة، وهناك مهن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يدرسه حتى يومنا هذا.‬ ‫وأههم شخصهية أصهولية فهي القرن الخيهر والتهي حجبهت الجميهع تحهت مظلتهها‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الصهولية، وأدخلت الصهول مرحهة جديدة ههو أسهتاذ المتأخريهن الحاج الشيهخ مرتضهى‬ ‫النصاري.‬ ‫ولد الشيهخ النصهاري فهي مدينهة دزفول سهنة ٤١٢١ههه.، وبعهد أن درس مقدمات‬ ‫العلوم السهلمية وشطرا مهن الصهول والفقهه طاف مدنا مختلفهة مهن العراق وإيران‬ ‫بحثا عهن العلماء وأصهحاب النظهر، واسهتفاد منههم حتهى أناخ راحلتهه وأقام فهي النجهف‬ ‫الشرف، وآلت إليهه المرجعية الشيعية سنة ٦٦٢١ههه.، ول زالت آراؤه ونظرياتهه محور‬ ‫البحث في الندية العلمية.‬ ‫إن كهل مهن جاء بعهد الشيهخ النصهاري لم يكهن إل تابعا لمدرسهة الصهولية، فحتهى‬ ‫الن لم تظههر مدرسهة تنسهخ مدرسهة النصهاري، نعهم جاء تلميهذ مدرسهته بآراء كثيرة‬ ‫نسخت آراءه أحيانا، إل أنها بأجمعها كانت قائمة على متبنيات المدرسة ذاتها.‬ ‫وللشيهخ النصهاري كتابان معروفان أحدهمها: "فرائد الصهول" فهي علم الصهول،‬ ‫والثانهي: "المكاسهب" فهي علم الفقهه، ول زال هذان الكتابان مهن المناههج الدراسهية‬ ‫في الحوزة.‬ ‫وأشههر الشخصهيات المعروفهة مهن بيهن تلميهذ مدرسهة النصهاري المرحوم الخونهد‬ ‫المل محمهد كاظهم الخراسهاني صهاحب "كفايهة الصهول" والذي ل زالت آراؤه متداولة‬ ‫81‬
  • 19. ‫) (‬ ‫ف هي الحوزة العلمي هة، وه هو الذي أفت هى بالمشروط هة 1 ، فاقترن اس همه به ها، وكان له‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫السهم الوفر في إقرار النظام الدستوري في إيران، وكانت وفاته سنة ٩٢٣١هه.‬ ‫وقد ظهر بعد المرحوم الخوند الخراساني الكثير من الراء والفكار الجديدة في‬ ‫علم الصهول يحتوي بعضهها على دقهة عاليهة، ول زالت هناك شخصهيات مرموقهة لهها‬ ‫كلمتهها فهي هذا العالم. إن مسهتوى التغيهر والتحول الذي طرأ على علم الصهول لم‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫يطرأ على أي واحد من العلوم السلمية.‬ ‫هذا ويُعدّ علم الصهول مهن العلوم الممتعهة والجميلة لمها يحتوي عليهه مهن دقّهة‬ ‫عقليهة تسهتهوي أذهان الطلب، فههو يوازي المنطهق والفلسهفة فهي الرياضهة الفكريهة‬ ‫وتدريب الطالب على الدّقة الذهنية، كما أنّ طلب العلوم القديمة يرون لعلم الصول‬ ‫يدا طولى في دقّة آرائهم.‬ ‫1 . وهي الحركة الدستورية التي ن ّت على تحديد صلحيات الشاه في إيران آنذاك، المترجم.‬ ‫ص‬ ‫91‬
  • 20. ‫الدرس الرابع‬ ‫مسائل علم الصول‬ ‫لجهل تعريهف الطلب بمسهائل علم الصهول سهنقدم لههم عرضا بمواضيعهه التهي‬ ‫سنرتبها بالشكل الذي يروقنا، ول نحذو حذو الصوليين في ترتيبهم.‬ ‫تقدّم أنه قلنها: إن علم الصهول علمه وقاعدي يعلمنها الكيفيهة الصهحيحة لسهتنباط‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫الحكام مهن مصهادرها الصهلية، وعليهه ترتبهط جميهع المسهائل الصهولية بالمصهادر‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الربعهة التهي شرحناهها فهي الدرس الثانهي، إذن فمسهائل علم الصهول إمها ترتبهط‬ ‫بالكتاب وإما بالسنة "أو بهما معا" وإما بالجماع وإما بالعقل.‬ ‫وقد يتفق في بعض الموارد أن نواجه ما ل نستطيع استنباط حكمه من أي واحد‬ ‫مهن هذه المصهادر الربعهة، فينسهد علينها طريهق السهتنباط، إل أن الشارع لم يسهكت‬ ‫حيال هذه الموارد فقهد بيّهن لنا بشأنها مجموعهة من القواعد والوظائف العملية التهي‬ ‫يمكننهها تسههميتها بههه"الحكام الظاهريههة"، هذا وأن الوصههول إلى الوظيفههة العمليههة‬ ‫الظاهريهة بعهد اليأس مهن اسهتنباط الحكهم الواقعهي يحتاج أيضا إلى أن نتعلم كيفيهة‬ ‫السهتفادة مهن تلك القواعهد، وعليهه ينقسهم علم الصهول – الذي ههو علم قواعدي –‬ ‫إلى قسمين:‬ ‫الوّل: قواعد الستنباط الصحيح للحكام الشرعية الواقعية من مصادرها.‬ ‫الثانهي: قواعهد السهتخدام الصهحيح لمجموعهة مهن القواعهد العلميهة فهي صهورة‬ ‫العجز عن الستنباط.‬ ‫ويمكننا تسمية القسم الوّل به"الصول الستنباطية".‬ ‫والقسم الثاني به"الصول العملية"، وبما أن الصول الستنباطية ترتبط بالستنباط‬ ‫من الكتاب أو السنّة أو الجماع أو العقل فهي تنقسم إلى أربعة بحوث، وسنبدأ ببحث‬ ‫الكتاب.‬ ‫حجية ظواهر الكتاب‬ ‫ل توجههد بحوث كثيرة فههي علم الصههول فيمهها يخصههّ القرآن؛ فإن أغلب البحوث‬ ‫المتعلقة بالقرآن مشتركة بينه وبين السنّة أيضا، والمبحث الوحيد الذي يخص القرآن‬ ‫هو مبحث "حجية الظواهر"، فهل ظاهر القرآن – بقطع النظر عن تفسيره من خلل‬ ‫حديث – حجة ويمكن للفقيه أن يستند إليه أو ل؟‬ ‫02‬
  • 21. ‫قد يبدو عجيبا تطرق الصوليين لمثل هذا البحث، إذ ل شك في تمكن الفقيه من‬ ‫السهتناد إلى ظواههر آيات القرآن الكريهم، إل أن الصهوليين الشيعهة إنمها طرقوا هذا‬ ‫البح هث للرد على شبهات الخباريي هن؛ إذ تقدم أنه هم يقص هرون ح هق الرجوع إلى آيات‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫القرآن على المعصومين)عليهم السلم( فقط، فل يمكن لغيرهم أن يستنبطوا منها،‬ ‫وبعبارة أخرى: إن على المسهلمين دائما أن يسهتفيدوا مهن القرآن بشكهل غيهر مباشهر‬ ‫أي من خلل الخبار والروايات الواردة عن طريق أهل البيت)عليهم السلم(.‬ ‫وقهد اسهتند الخباريون فهي مدّعاههم إلى روايات منعهت مهن تفسهير القرآن بالرأي،‬ ‫فذهبوا إلى لزوم اسهتنطاق اليات بالحاديهث، فمثل ً لو أن ظاههر آيهة دل على شيهء،‬ ‫وجاء حديهث على خلف هذا الظاههر فالمتبهع ههو مها يقتضيهه الحديهث، ول بهد لنها أن‬ ‫نعترف بجهلن ها المعن هى الواقع هي لهذه الي هة، وعلي هه تكون الروايات والحادي هث ه هي‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المعيار في فهم اليات القرآنية.‬ ‫غيهر أن الصهوليين أثبتوا أن بإمكان المسهلمين السهتفادة مهن القرآن مباشرة، وإن‬ ‫النههي عهن التفسهير بالرأي ل يرمهي إلى منهع الناس مهن فههم القرآن بأنفسههم، وإنمها‬ ‫يهدف إلى المنهع مهن تفسهير القرآن على أسهاس الميول والهواء النفسهية، فالقرآن‬ ‫الكريم صريح في حثّ الناس على التدبّر في معاني آياته السامية، إذن فيحق للناس‬ ‫أن يباشروا اليات القرآني ههة للحص ههول على معانيه هها جَ هههد إمكانه ههم، مضافا إلى أن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الرسهول الكرم)صهلّى ا عليهه وآله وسهلم( والئمهة الطهار)عليههم السهلم( سهاءهم‬ ‫ظهور الروايات الموضوعهة على ألسهنتهم، ولجهل القضاء على هذه الظاهرة صهرّحوا‬ ‫بمسههألة "العرض على الكتاب" وقالوا: "مهها بلغكههم عنّهها فاعرضوه على القرآن، فإن‬ ‫خالفه لم نقله، واضربوا به عرض الجدار".‬ ‫فيتضههح إذن أن الحاديههث – خلفا لمهها يدعيههه الخباريون – ليسههت معيارا لفهههم‬ ‫القرآن، بل العكس هو الصحيح فإنّ القرآن هو المعيار لصحة الروايات والحاديث.‬ ‫ظواهر الس ن ّة‬ ‫ل كلم فهي حجيهة ظواههر السهنة، إل أن هناك مطلبيهن مهميهن يبحثهمها الصهوليون‬ ‫بشأن السهنّة بمعنهى الخبار والروايات التهي تنقهل قول المعصوم)عليهه السلم( وفعله‬ ‫وتقريره، وذانك المطلبان هما: حجية خبر الواحد، ومسألة تعارض الخبار والروايات،‬ ‫12‬
  • 22. ‫ومهن هنها فُهتح فهي علم الصهول فصهلن مهمان وواسهعان، أحدهمها: "خهبر الواحهد"،‬ ‫والخر: "التعادل والتراجيح".‬ ‫خبر الواحد‬ ‫وخبر الواحد هو الحديث الذي ينقله عن المعصوم)عليه السلم( شخص واحد أو‬ ‫عدد من الشخاص ل يبلغ حدّ التواتر، فل يوجب القطع واليقين، فهل يمكن الستناد‬ ‫إلى مثل هذه الخبار في مقام الستنباط أم ل؟‬ ‫يرى الصوليون إمكان الستناد إلى مثل هذه الروايات شريطة أن يكون راويها أو‬ ‫رواتها عدول ً أو صادقين، ومن جملة أدلتهم على ذلك آية النبأ، وهي قوله تعالى ﴿إن‬ ‫) (‬ ‫جاءكهم فاسهق بنبهأ فتهبينوا﴾ 1 التهي تدل بمفهومهها على انتفاء الحاجهة إلى التهبين فيمها‬ ‫إذا كان ناقل الحديث عادل ً أو ثقة، فتدل هذه الية بمفهومها على حجية خبر الواحد.‬ ‫التعادل والتراجيح‬ ‫كثيرا ما تتعارض الروايات في مسألة ما، فمثل ً في الصلة اليومية هل من اللزم‬ ‫في الركعة الثالثة والرابعة أن نأتي بثلث تسبيحات، أو تكفي تسبيحة واحدة؟ يستفاد‬ ‫من بعض الروايات لزوم الثلث، وفي رواية كفاية الواحدة.‬ ‫كمها أن هناك روايات متعارضهة بشأن جواز بيهع عذرة النسهان وعدمهه. فمها ههو‬ ‫الموق هف تجاه مث هل هذه الروايات؟ ه هل نقول: "إذا تعارض هت روايتان تس هاقطتا" فل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫نأخهذ بأيهة واحدة منهمها. أو نتخيهر فهي العمهل بأيهة واحدة منهمها، أو ل بدّ مهن الحتياط‬ ‫فنأخهذ بمها وافهق الحتياط منهمها "فنعمهل مثل ً فهي مسهألة التسهبيحات الربعهة بالروايهة‬ ‫التي تذهب إلى لزوم الثلث، وفي مسألة بيع عذرة النسان نعمل بالتي تذهب إلى‬ ‫عدم الجواز"، أو هناك طريق آخر؟‬ ‫يذهب الصوليون في الدرجة الولى إلى أن الجمع بين الروايات المتعارضة مهما‬ ‫أمكهن أولى مهن طرحهها، فإن لم يمكهن الجمهع فل بدّ مهن تقديهم الرجهح "مهن حيهث‬ ‫الس هند أو اشتهاره بي هن العلماء، أو مخالفت هه لبناء العام هة وغي هر ذلك"، وإن لم يك هن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫هناك رجحان كنّا بالخيار في العمل بأيهما أردنا.‬ ‫وهناك بعهض الخبار والحاديهث التهي تهبيّن لنها الحلول التهي ل بدّ مهن المصهير إليهها‬ ‫حالة تعارض الخبار، ويسمى هذا النوع من الخبار به"الخبار العلجية".‬ ‫1 . الحجرات: ٦.‬ ‫22‬
  • 23. ‫وق هد بيّ هن الص هوليون آراءه هم بشأن تعارض الخبار والروايات اس هتنادا إلى هذه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫الخبار العلجية في باب عنونوه بباب "التعادل والتراجيح".‬ ‫و"التعادل" يعني التساوي والتكافؤ. و"التراجيح" جمع ترجيح، إذن فهو الباب الذي‬ ‫يتحدث عهن تسهاوي وتكافهؤ الروايات أو عدم تكافؤهها ورجحان بعضهها على بعهض‬ ‫حالة التعارض.‬ ‫ظههر ممها قلناه أن مسهألة حجيهة الظواههر تختهص بالقرآن الكريهم، ومسهألة حجيهة‬ ‫خهبر الواحهد وتعارض الدلة تختهص بالسهنّة، وهناك مجموعهة مهن المسهائل المشتركهة‬ ‫بين الكتاب والسنّة، سوف نتعرض إلى بحثها في الدرس القادم.‬ ‫32‬
  • 24. ‫الدرس الخامس‬ ‫البحوث المشتركة بين الكتاب والس ن ّة‬ ‫ذكرنها فهي الدرس السهابق بعهض المسهائل الصهولية المختصهة بالكتاب أو السهنّة،‬ ‫أشرنهها فههي نهايتههه إلى أن هناك بحوثا بمشتركههة بينهمهها، وسههنتعرض لههها فههي هذا‬ ‫الدرس، وهي كالتي:‬ ‫١- الوامر.‬ ‫٢- النواهي.‬ ‫٣- العام والخاص.‬ ‫٤- المطلق والمقيد.‬ ‫٥- المفاهيم.‬ ‫٦- المجمل والمبين.‬ ‫٧- الناسخ والمنسوخ.‬ ‫وسنوضح كلّ واحد منها باختصار على مستوى معرفة المصطلحات.‬ ‫الوامر‬ ‫"الوامر" جمع أمر، وفعل المر من الفعال الموجودة في اللغة العربية وغيرها‬ ‫مهن اللغات، وقهد اسهتعمل "فعهل المهر" فهي الكثيهر مهن آيات الكتاب والسهنّة، وفهي‬ ‫موردها تَعرُض على الفقيه كثيرٌ من السئلة التي يتعين على الصوليين الجابة عنها،‬ ‫مثل: هل يدل المر على الوجوب أو الستحباب، أو ل يدل على أي ّ منهما؟ وهل يدل‬ ‫على الفور أو التراخي؟ وهل يدل على المرة أو التكرار؟ فمثل ً قال تعالى: ﴿خذ من‬ ‫) (‬ ‫أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم﴾ 1 .‬ ‫"والصهلة هنها بمعنهى الدعاء" فههل يفيهد المهر الوارد بالصهلة الوجود أو ل؟ وههل‬ ‫يدل على الفور أو ل؟ ههل تجهب الصهلة عليههم عقيهب أخهذ الصهدقة مباشرة أو يمكهن‬ ‫تأخيرها مدةً؟ وهل تكفي الصلة عليهم مرة واحدة، أو ل بد من تكرارها؟‬ ‫هذا ما يبحثه الصوليون بالتفصيل، ول يسعنا أن نبحث هنا أكثر، وسيتعرف الذين‬ ‫يحاولون الختصاص في الفقه والصول على هذه المور بشكل أوسع.‬ ‫النواهي‬ ‫1 . التوبة: ٣٠١.‬ ‫42‬
  • 25. ‫و"النهههي" معناه الردع، فهههو خلف المههر، ومثاله: "ل تشرب الخمههر". وفههي باب‬ ‫النهي ترد هذه السئلة أيضا: هل يدل النهي على الحرمة أو الكراهة؟ أو ل يدل على‬ ‫أي ّ منهما، بل يدل على مطلق المبغوضية العم من الحرمة والكراهة، ول دللة فيه‬ ‫على أن هذه المبغوضيههة بالغههة حدّ الحرمههة فيسههتحق فاعلههها العقاب، أو الكراهههة‬ ‫فيستحق اللوم فقط؟‬ ‫وهل يدل النهي على التكرار بمعنى حرمة الفعل في جميع الزمنة، أو يدل على‬ ‫الحرمة في بعض الزمنة فقط؟ هذه أسئلة يتكفل علم الصول بالجابة عنها.‬ ‫العام والخاص‬ ‫نشاههد فهي القوانيهن المدنيهة والجزائيهة قانونا عاما ينطبهق على جميهع الفراد، ثهم‬ ‫نشاههد فهي موضهع آخهر حكما مخالفا لذلك القانون العام يسهتثني منهه بعهض الفراد،‬ ‫فمهها هههو موقفنهها فههي مثههل هذه الحالة؟ هههل نعتههبر هاتيههن المادتيههن القانونيتيههن‬ ‫متعارضتين أو ل بدّ من جعل الخاص بمثابة الستثناء من ذلك العام؟‬ ‫) (‬ ‫مثل ً قال تعالى: ﴿والمطلقات يتربصههن بأنفسهههن ثلثههة قروء﴾ 1 . فلو فرض أن‬ ‫حديثا معتهبرا قال: "ل عدّة للمرأة إذا طلقهها زوجهها قبهل الدخول"، فمها ههو العمهل؟‬ ‫هل نعتبر هذا الحديث مخالفا للقرآن، فل بدّ من ضربه عرض الجدار كما أمرنا الئمة‬ ‫)عليههم السهلم( بذلك؟ أو نجعله مفسهرا لتلك اليهة، ونعدّه بمثابهة السهتثناء مهن ذلك‬ ‫العام ول تعارض بينهما.‬ ‫طبعا الرأي الثانهي ههو الصهحيح، إذ جرت عادة البشهر فهي الخطابات العرفيهة على‬ ‫ذك هر العمومات أول ً ثهم يردفونه ها ببعهض الموارد الس هتثنائية، وق هد نه هج القرآن على‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫طريقهههة الخطابات العرفيهههة، مضافا إلى أن القرآن نفسهههه أمهههر بالتعبهههد بأحاديهههث‬ ‫الرسول)صلّى ا عليه وآله وسلم( يحث قال: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم‬ ‫) (‬ ‫عنهه فانتهوا﴾ 2 . ففهي مثهل هذه الموارد ل بدّ مهن عهد الخاص بمثابهة السهتثناء مهن‬ ‫العام فنخصصه به.‬ ‫المطلق والمقيد‬ ‫1 . البقرة: ٨٢٢.‬ ‫2 . الحشر: ٧.‬ ‫52‬
  • 26. ‫إن هّ مبحههث "المطلق والمقيههد" شههبيه بمبحههث "العام والخاص"، سههوى أن العام‬ ‫والخاص يكونان ف هي مورد الفراد، بينم ها يكون المطلق والمقي هد ف هي مورد الحوال‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والصهفات، فإن العام يرد فهي موارد كليهة لهها أفراد متعددة وقهد تكون غيهر متناهيهة‬ ‫أحيانا، فيأت هي الخاص ويخرج بع هض النواع أو الفراد الت هي شمله ها ذلك العام، بينم ها‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يرتبهط المطلق والمقيهد بالطبيعهة والماهيهة التهي ههي متعلّق التكليهف، ويجهب على‬ ‫المكلف إيجادهها، فإن لم تتقيهد تلك الطبيعهة – التهي ههي متعلق التكليهف – بشيهء‬ ‫فهي مطلقة، وإل فهي مقيدة.‬ ‫) (‬ ‫فمثل ً فهي قوله تعالى: ﴿وصهلّ عليههم﴾ 1 لم تُقيّهد الصهلة بالجههر أو الخفات، أو‬ ‫بكونهها أمام الجميهع أو بحضور خصهوص المدعوّ له، لههي مطلقهة مهن هذه النواحهي‬ ‫فإذا لم نعثر على آية أو حديث معتبر يذكر هذه القيود المتقدمة عملنا بجملة ﴿وصلّ‬ ‫) (‬ ‫عليههم﴾ 2 لثبات التخييهر، وإذا دلّ دليهل معتهبر واشترط الجههر فهي الصهلة أو أن تكون‬ ‫أمام حشهد كهبير وفهي المسهجد مثل ً، نحمهل المطلق حينئذٍ على المقيهد، أي نجعهل هذا‬ ‫الدليل مقيّدا "بكسر الياء" لتلك الية، وهو ما يُسمى به"المفهوم".‬ ‫المفاهيم‬ ‫والمفهوم مص هطلح يقاب هل المنطوق، فمثل ً إذا قال: شخ هص لخ هر: "إذا صهحبتني‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫أكرمتهك" فإن هذه الجملة تسهتبطن جملة أخرى مفادهها: "إن فارقتنهي لم أكرمْهك"،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫إذن هناك علقتان؛ أحداهم ها موجب هة والخرى س هالبة، إذ هناك علق هة إيجابي هة بي هن‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الصههحبة والكرام مذكورة فههي ألفاظ الجملة فتسههمى بههه"المنطوق"، وهناك علقههة‬ ‫سلبية غير منطوقة يفهمها العرف، فتسمى به"المفهوم".‬ ‫وقد ذكرنا في مبحث حجية خبر الواحد أ نّ الصوليين استفادوا حجية خبر الواحد‬ ‫) (‬ ‫فيما إذا كان راويه عادل ً من آية "النبأ" الشريفة: ﴿إن جاءكم فاسق م بنبأ فتبينوا﴾ 3 ،‬ ‫وإنهم قد استفادوا ذلك من مفهوم هذه الية الشريفة، فإن منطوقها يقول: "ل تأخذ‬ ‫بخبر الفاسق"، وأما مفهومها فيقول: "خذ بخبر العادل".‬ ‫المجمل والمب ي ّن‬ ‫1 . التوبة: ٣٠١.‬ ‫2 . التوبة: ٣٠١.‬ ‫3 . الحجرات: ٦.‬ ‫62‬
  • 27. ‫ل يحظى مبحث المجمل والمبيّن بأهمية كبيرة، والمقصود منه، أننا أحيانا نواجه‬ ‫عبارة مبهمهة وغامضهة، مثهل كلمهة "الغناء" ثهم نعثهر على دليهل آخهر يوضحهها فيزول‬ ‫البهام عن ذلك المجمل بواسطة ذلك "المبيّن".‬ ‫وغالبا ما يواجه الدباء بعض التعابير المبهمة في كلمات أرباب الدب، ثم يعثرون‬ ‫بعد ذلك على قرائن واضحة ترفع ذلك البهام.‬ ‫الناسخ والمنسوخ‬ ‫هناك ف هي القرآن والس هنّة بع هض الحكام "المؤقت هة" بمدة غي هر محددة لن ها تزول‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫بمجيهء مها يبطلهها، فمثل ً فهي أوّل المهر كان حكهم ا بشأن ذات البعهل إذا زنهت ههو‬ ‫) (‬ ‫حبسها في البيت حتى يتوفاها الموت أو يجعل ا لها سبيلً 1 ، ثم كان السبيل الذي‬ ‫) (‬ ‫جُهعل ههو الرجهم مطلقا للزناة مهن الرجال والنسهاء حالة الحصهان 2 ، أو فهي البدايهة‬ ‫كان الحكم في صيام شهر رمضان هو حرمة مقاربة النساء حتى في الليل، ثم جاء‬ ‫) (‬ ‫ما نسخ ذلك 3 .‬ ‫1 . راجع سورة النساء: ٥١.‬ ‫2 . الحصان: هو كون النسان متزوجاً وحكمه الرجم عند الزنا بشروط مذكورة في باب الحدود.‬ ‫3 . راجع الية ٧٨١ من سورة البقرة.‬ ‫72‬
  • 28. ‫الدرس السادس‬ ‫الجماع والعقل‬ ‫الجماع‬ ‫إن "الجماع" مهن جملة المصهادر الفقهيهة التهي يبحهث علم الصهول فهي حجيتهها‬ ‫وأدلتها وطرق الستفادة منها.‬ ‫فمها ههو دليهل حجيهة الجماع؟ يدّهعي أههل السهنّة أن النهبي )صهلّى ا عليهه وآله‬ ‫وسلم( قال: "ل تجتمع أمتي على خطأ"، فلو اتفقت المة على أمرٍ كان المر صحيحا،‬ ‫وفهي ضوء هذا الحديهث تكون المهة بمثابهة النهبي المرسهل معصهومة عهن الخطهأ،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ويكون كلمها بمثابة كلم الرسول، وعليه متى ما حصل مثل هذا التفاق فل بدّ من‬ ‫التعامل معه وكأنه وحي منزل.‬ ‫إل أن الشيعة برغم أنهم ل يسلمون نسبة هذا الحديث إلى الرسول الكرم )صلّى‬ ‫ا علي هه وآله وس هلم(، يس هلمون باس هتحالة اجتماع الم هة على الخط هأ، وذلك لدخول‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المعصهوم فهي أفراد المهة، فتكون المهة معصهومة، لكون أحهد أفرادهها معصهوما، ل‬ ‫لن عددا من غير المعصومين يؤلف معصوما، هذا مضافا إلى أن العادة ربما قضت‬ ‫باسهتحالة اتفاق جميهع المهة على الخطهأ، إل أن المبحوث عنهه فهي الكتهب الفقهيهة أو‬ ‫الكلمية ليس هو إجماع المة كلها وإنما المبحوث هو اتفاق جماعة من المة تعرف‬ ‫بأهل الحل والعقد، وهم "علماؤها"، بل علماء فرقة واحدة منها.‬ ‫ومهن هنها فإن الشيعهة ل يولون الجماع تلك الهميهة التهي يوليهها أههل السهنة له،‬ ‫فالذي يراه الشيعهة: أن الجماع حجهة بمقدار ماله مهن كشهف عهن السهنة، فلو فرض‬ ‫أننا لن نحصل على دليل بشأن مسألة، ولكن ثبت لنا أن عامة أصحاب الرسول )صلّى‬ ‫ا علي هه وآله وس هلم( أو الئم هة )عليه هم الس هلم( أو جلّ ههم – م هن الذي هن ل يقومون‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫بأفعالههم إل بوحهي مهن الشارع – كانوا يسهلكون سهلوكا معينا بشأنهها، نسهتكشف مهن‬ ‫خلله – بالبرهان النّي – وجود دليل عندهم لم يصل إلينا.‬ ‫الجماع المح ص ّل والمنقول‬ ‫ينقسم الجماع – بمعناه الذي ذهب إليه أهل السنة أو بمعناه الذي يراه الشيعة‬ ‫– إلى قسمين: محصّل ومنقول.‬ ‫82‬
  • 29. ‫أمها المحصهّل فههو الذي يحصهّله المجتههد بنفسهه مباشرة مهن خلل البحهث فهي‬ ‫التاريخ والرجوع إلى آراء أصحاب الرسول أو الئمة أو القريبين من عصرهم )عليهم‬ ‫السلم(.‬ ‫وأما الجماع المنقول فهو الذي ل يحصّله المجتهد بنفسه وإنما ينقله إليه غيره.‬ ‫وطبعا الحجة هو الجماع المح صّل دون المنقول، فإن المنقول ل يكون حجة إل‬ ‫إذا أوجب حصول اليقين، وعليه ل يكون الجماع المنقول بخر الواحد حجة حتى وإن‬ ‫ثبتت الحجية للسنة المنقولة بخبر الواحد.‬ ‫العقل‬ ‫وهههو أحههد مصههادر الحكام الربعههة أيضا، فإننهها أحيانا نسههتكشف حكما شرعيا‬ ‫بواسهطة العقهل، أي مهن خلل إقامهة الدلة والبراهيهن العقليهة نتوصهل إلى أن هذا‬ ‫المورد محكوم بالوجوب أو الحرمة، أو نستكشف طريق الوصول إلى هذا الحكم.‬ ‫وقهد ثبتهت حجيهة العقهل بدليهل العقهل "وإذا اسهتطال الشيهء قام بنفسهه" والشرع،‬ ‫فإننها نثبهت صهحة الشرع وأصهول الديهن بواسهطة العقهل، فكيهف ل نتمكهن مهن إثبات‬ ‫حجية العقل من الناحية الشرعية.‬ ‫وقد عقد الصوليون بحثا بعنوان "حجة القطع" وبحثوا في هذه الجهة بالتفصيل،‬ ‫وقد أنكر الخباريون حجية الدليل العقلي، ولكن ل قيمة لكلمهم.‬ ‫والمس هائل الص هولية ذات الص هلة بالعق هل على قس همين: الوّل يتعلق به ه"ملكات"‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الحكام، وبعبارة أخرى: بفلسفة الحكام، والثاني: يتعلق بلوازم الحكام.‬ ‫أمها بالنسهبة إلى القسهم الوّل فإن المتسهالم عليهه إسهلميا – خاصهة عنهد الشيعهة –‬ ‫أن الحكام الشرعيهة تابعهة للمصهالح والمفاسهد الواقعيهة، أي ل بدّ مهن اسهتيفاء جميهع‬ ‫الوامههر الشرعيههة لوجود المصههالح فيههها، كمهها يجههب الحتراز عههن كههل نهههي لوجود‬ ‫المفسهدة فيهه، فإن ا سهبحانه قهد حكهم بوجوب أو اسهتحباب مجموعهة مهن المور‬ ‫بغيهة إيصهال النسهان إلى مجموعهة مهن المصهالح الواقعيهة التهي تضمهن سهعادته، كمها‬ ‫أنهه سهبحانه ردع عهن بعهض المور بغيهة إبعاده عهن بعهض المفاسهد، فلول المصهالح‬ ‫والمفاسهد لمها كان هناك أمرٌ ول نههي. ولو تمكهن النسهان مهن الطلع على كنهه تلك‬ ‫المصالح والمفاسد – أو الحِكَم بعبارة ثانية – لحكم عليها بنفس ما حكم به الشارع.‬ ‫92‬
  • 30. ‫ومهن هنها فإن الصهوليين – وكذلك المتكلميهن – يقولون: بمها أن الحكام الشرعيهة‬ ‫تابعهة للمصهالح والمفاسهد، فمتهى مها وجدت تلك المصهالح والمفاسهد – سهواءٌ أكانهت‬ ‫متعلقة بالجسم أم بالروح، أم بالفرد أم المجتمع، أم بالحياة الفانية أم الباقية – و ُجد‬ ‫ما يناسبها من الحكام الشرعية، ومتى ما انعدمت انعدم الحكم الشرعي بتبعها.‬ ‫فقد نفرض عدم وجود حكم شرعي في مورد من الموارد، إل أن العقل يتمكن‬ ‫مهن اكتشاف حكهم الشارع على نحهو الجزم واليقيهن مهن خلل التوصهل إلى حكمةٍ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫مخصهوصة على غرار سهائر الحِكَهم، لن العقهل فهي مثهل هذه الموارد يشكهل قياسها‬ ‫منطقيا مؤلفا من قضية صغرى وكبرى على النحو التي:‬ ‫١- توجد في هذا المورد مصلحة يجب إستيفاؤها، "الصغرى".‬ ‫٢- كلما وجدت مصلحة ووجب استيفاؤها، فإن الشارع يأمر باستيفائها، "الكبرى".‬ ‫٣- إذن فحكم المسألة المتقدمة شرعا هو الوجوب "النتيجة".‬ ‫فمثل ً فهي زمهن الشارع لم يكهن هناك ترياق ول إدمان، وليهس بأيدينها مهن الدلة‬ ‫النقليهة دليهل محدد فهي هذا الخصهوص، إل أننها أحرزنها أضرار الترياق والدمان عليهه‬ ‫بواسهطة الدلة الحسهية التجريبيهة، فنكون قهد توصهلنا مهن خلل عقلنها إلى "ملكهٍ"‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫مفسدة بشأن الترياق ل بدّ من الحتراز عنها، ولجل علمنا بأن الشيء المضر والذي‬ ‫فيه مفسدة حرام شرعا، سنحكم بحرمة الترياق.‬ ‫ولو ثب هت للمجته هد بواس هطة العق هل أن التدخي هن يس هبب البتلء بالس هرطان، فإن هه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫سيحكم بحرمة التدخين شرعا.‬ ‫ويُمسهههى المتكلمون والصهههوليون التلزم العقلي والشرعهههي بقاعدة الملزمهههة‬ ‫ويقولون: "ما حكم به العقل حكم به الشرع".‬ ‫إل أن هذا طبعا فيمها لو أدرك العقهل تلك المصهلحة أو المفسهدة – أو مها يُهصطلح‬ ‫عليههه بالملك – على نحههو القطههع واليقيههن، وإل فمجرد الظههن والحتمال ل يمكههن‬ ‫تسميته حكما عقليا، ومن هنا كان القياس باطل ً؛ لنه ظني وليس قطعيا.‬ ‫وحينما ندرس ذلك "المناط" القطعي، نعبّر عنه به"تنقيح المناط".‬ ‫03‬