SlideShare a Scribd company logo
1 of 56
‫مدخل إلى العلوم السلمية )٣(‬



       ‫الفلسفة‬



‫الستاذ الشهيد مرتضى المطهري‬




 ‫ترجمة: حسن علي الهاشمي‬
   ‫مراجعة: السيد علي مطر‬




         ‫دار الولء‬




              ‫1‬
‫تمهيد‬
                                    ‫ما هو المراد من العلوم السلمية؟‬
‫يجدر بنها فهي هذا الدرس أن نتحدّث قليل ً عهن كلمهة "العلوم السهلمية" وضهع لهها‬
‫تعريفا جليا؛ ليتضح مرادنا من العلوم السلمية، وماهية الكلّيات التي نحاول معرفتها‬
                                                                                    ‫في هذه الدروس.‬
‫إنه العلوم السهلمية، التهي ههي موضوع بحثنها، يمكهن تعريفهها على أنحاء عدّة،‬
                                                                        ‫ّ‬
                                                    ‫وتبعا لختلف التعاريف تختلف المواضيع:‬
‫١- العلوم التي تدور موضوعاتها أو مسائلها حول أُصول السلم وفروعه، أو التي‬
‫يمكن من خللها إثبات أُصول السلم وفروعه، وهي: القرآن والسنّة، من قبيل: علم‬
                          ‫) (‬
‫القراءة، علم التفس هير، علم الحدي هث، علم الكلم النقلي 1 ، علم الفق هه، علم الخلق‬
            ‫ه‬                                 ‫ه‬              ‫ه‬
                                                                                                    ‫) (‬
                                                                                                  ‫النقلي 2 .‬
‫٢- العلوم المذكورة آنفا، بالضافة إلى العلوم المُمهّدة لها، والعلوم المُمهّدة من‬
‫قبيهل: الدب العربهي، مهن الصهرف والنحهو واللغهة والمعانهي والبيان والبديهع وغيرهها،‬
‫ومهن قبيهل: الكلم العقلي، والخلق العقليهة، والحكمهة اللهيهة، والمنطهق، وأ ُهصول‬
                                                                          ‫الفقه، والرجال، والدراية.‬
  ‫٣- العلوم التهي تعدّ – بنحهو مهن النحاء – جزءا مهن الواجبات السهلمية، وههي‬
‫التهي يجهب على المسهلمين تحصهيلها، ولو على نحهو الواجهب الكفائي، والتهي يشملهها‬
                     ‫الحديث النبويّ المعروف: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".‬
‫إن العلوم التهي تعتهبر موضوعاتهها ومسهائلها مهن الصهول أو الفروع السهلمية أو‬
‫التهي يسهتند إليهها فهي إثبات تلك الصهول والفروع، مهن الواجهب تحصهيلها؛ لن ّه الحاطهة‬
‫بأُهصول الديهن السهلمي مهن الواجبات العينيهة على كلّ مسهلم، والحاطهة بفروعهها‬
‫واجهب كفائي، كمها تجهب دراسهة القرآن والسهنّة أيضا؛ إذ ل يتيسهر مهن دونهمها معرفهة‬
                                                                            ‫أُصول السلم وفروعه.‬
‫وهكذا تجب دراسة العلوم المُمهّدة لتحصيل هذه العلوم من باب )وجوب مقدمة‬
‫الواجهب(، أي: ينبغهي أن يكون هناك دائما أفراد ملمّون بهذه العلوم بالمقدار الكافهي‬

                                     ‫1 . سيتضح فيما بعد أن علم الكلم على قسمين: عقلي ونقلي، وسيتضح الفرق بينهما.‬
                                ‫2 . الخلق أيضً على قسمين كعلم الكلم: عقلية ونقلية، وسنتحدث فيما بعد عن ذلك أيضً.‬
                                 ‫ا‬                                                                ‫ا‬


                                                ‫2‬
‫على القل. بل ينبغهي أن يكون هناك دائما مَهنْ يساهم في تطوير العلوم السهاسية‬
                                    ‫والتمهيدية، ويعمل على إثرائها وتنميتها باستمرار.‬
‫وق هد س هعى العلماء المس هلمون طوال القرون الربع هة عش هر إلى توس هيع رقع هة‬
 ‫ه‬       ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬                       ‫ه‬                ‫ه‬    ‫ه‬
‫العلوم المذكورة، وقهد حققوا فهي هذا الصهدد نجاحات ملحوظهة، وسهتطّلعون تدريجيا‬
                                   ‫على نشوء هذه العلوم ونموّها وتحوّلها وتكاملها.‬
‫إنهّ العلوم التهي ههي باب الفريضهة والت هي يج هب على المسهلمين تحصهيلها غيهر‬
 ‫ه‬       ‫ه‬        ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬            ‫ه‬   ‫ه‬
‫منحصهرة فهي العلوم المتقدمهة، فكهل علم توقفهت تلبيهة الحاجات الضروريهة للمجتمهع‬
‫السلمي على معرفته والتخصص والجتهاد فيه، وجب على المسلمين تحصيله من‬
                                                                ‫باب المقدمة التهيؤيّة.‬
‫ولكي نوضح أن السلم دين جامع وشامل، وأنه لم يكتف بسلسلة من المواعظ‬
‫الخلقيهة والفرديهة فقهط، وأنهه ديهن يعمهل على صهيانة المجتمهع، نقول: إنه السهلم‬
       ‫ّ‬
‫عمهد إلى كلّ مها يحتاج إليهه المجتمهع فأوجبهه على الكفايهة، فإذا كان المجتمهع بحاجهة‬
‫إلى طههبيب على سههبيل المثال، يغدو الطبههّ واجبا كفائيا، أي: يجههب توفيههر الطباء‬
         ‫ه‬
‫بالمقدار الكافهي، وإذا لم يكهن هناك أطباء بالمقدار الكافهي وجهب على الجميهع أن‬
‫يُمهّدوا الرضيهة بغيهة توفيهر الطباء، ورفهع هذه الحاجهة، وبمها أن الطبه يتوقهف على‬
           ‫ّ‬
‫تحصهيل علوم الطهب يكون تحصهيلها حتما مهن الواجبات الكفائيهة، وهكذا المهر فهي‬
                     ‫التعليم، والسياسة، والتجارة، وأنواع الفنون والصناعات الُخرى.‬
‫وفهي الموارد التهي يتوقهف فيهها حفهظ المجتمهع السهلمي وكيانهه على تحصهيل‬
‫العلوم والصناعات بأرفع مستوى ممكن يجب تحصيل تلك العلوم بذلك المقدار، ومن‬
‫هنها يعتهبر السهلم جميهع العلوم الضروريهة للمجتمهع السهلمي فريضهة، وعليهه سهوف‬
‫تشمهل العلوم السهلمية – بحسهب هذا التعريهف الثالث – الكثيهر مهن العلوم الطبيعيهة‬
                                     ‫والرياضية "التي يحتاج إليها المجتمع السلمي".‬
‫٤- العلوم التهي تكاملت فهي الحواضهر العلميهة السهلمية، أعمه مهن التهي تعد فهي‬
    ‫ّ‬             ‫ّ‬
‫نظهر السهلم واجبهة وضروريهة، وأعمه مهن التهي تعدّ فهي نظره محظورة إل ّ أنّهها على‬
                                               ‫ّ‬
‫كلّ حال شق ّت طريقها في المجتمع السلمي، من قبيل: علم التنجيم الحكامي "ل‬
‫علم التنجيههم الرياضههي"، فإننهها نعلم بإباحههة علم التنجيههم، كونههه جزءا مههن العلوم‬


                                          ‫3‬
‫السهلمية المباحهة، فيمها إذا ارتبهط بالمعادلت الرياضيهة التهي تدرس أحوال الكون،‬
‫وتقوم ب ههبيان س ههلسلة م ههن التنبؤات القائم ههة على ال ُ ههسس الرياضي ههة كالخس ههوف‬
   ‫ه‬         ‫ه‬            ‫ه‬            ‫ه‬                   ‫ه‬        ‫ه‬        ‫ه‬
‫والكسهوف، وأمّها الخارج منهها عهن حدود المعادلت الرياضيهة – المتعلق بهبيان سهلسلة‬
‫مهن الروابهط الخفيّهة بيهن الحوادث السهماوية والوقائع الرضيهة، منتهيا إلى سهلسلة مهن‬
‫التكهنات بشأن الحوادث الرضية – فهو حرام في نظر السلم، ولكن برغم ذلك تجد‬
    ‫) (‬
  ‫كل هذين النوعين من علم التنجيم موجودا في مهد الثقافة والحضارة السلمية 1 .‬
‫وبعد أن عرضنا تعاريف مختلفة لكلمة "العلوم السلمية"، واتضح أن هذه الكلمة‬
‫تستعمل في الموارد المختلفة في معا نٍ متعددة، وأن بعض تلك المعاني أوسع من‬
‫بعهض أو أضيهق، نشيهر إلى أن المراد مهن العلوم السهلمية التهي نريهد أن نتحدث عنهها‬
‫بشكل كلي هو ما ذكرناه في التعريف الثالث، أي: العلوم التي يعدّها السلم – بنحو‬
‫م هن النحاء – فريض هة ذات تاري هخ عري هق ف هي الثقاف هة والحضارة الس هلمية، والت هي‬
 ‫ه‬           ‫ه‬               ‫ه‬         ‫ه‬    ‫ه‬      ‫ه‬           ‫ه‬                ‫ه‬
‫تحظهى باحترام المسهلمين وتقديرههم بوصهفها أداة لرفهع حاجهة، أو وسهيلة إلى إنجاز‬
                                                                                             ‫فريضة من الفرائض.‬
‫وفهي هذا الدرس ينبغهي للطلب العزاء أن يدركوا أن الثقافهة السهلمية تشكهل‬
‫ثقافهة خاصهة بيهن الثقافات العالميهة، ولهها روحهها الخاصهة بهها، وسهلسلة مهن المميزات‬
‫الخاصة، ومهن أجل معرفة ثقافهة من الثقافات، أنهها ذات أصهالة مسهتقلة، تتمتع بحياة‬
‫وروح خاصههة، أو أنههها مجرد تقليههد للثقافات الخرى – وربمهها كانههت مجرد اسههتمرار‬
‫للثقافات الس هابقة – ينبغ هي معرف هة بواع هث تلك الثقاف هة وهدفه ها وحركته ها وطريق هة‬
 ‫ه‬        ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬             ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه‬            ‫ه‬
‫نموّها، وكذا سماتها البارزة وإخضاعها للفحص الدقيق، فإذا تمتعت ثقافة ما ببواعث‬
‫خاصهة وكان لهها هدفهها وحركتهها الخاصهة بهها، وكانهت طريقهة حركتهها مغايرة لطريقهة‬
‫حركهة سهائر الثقافات، وكان لهها سهماتها البارزة، عدّ ذلك دليل ً على أصهالة تلك الثقافهة‬
                                                                                                            ‫واستقللها.‬
‫وبديههي أن إثبات أصهالة ثقافهة وحضارة مها ل يعنهي بالضرورة أنهها لم تسهتفد مهن‬
‫الثقافات والحضارات الُخرى، لن هذا مسههتحيل؛ إذ مهها مههن ثقافههة فههي العالم إلّ‬



 ‫1 . للطلع على العلوم التي تكاملت أو دخلت في الثقافة السلمية يراجع كتاب: )كارنامه إسلم(، لمؤلفه الكتور: عبد الحسين ز ّين كوب.‬
        ‫ر‬


                                                             ‫4‬
‫اسههتفادت مههن الثقافات والحضارات الُخرى، وإنمهها الكلم فههي كيفيههة السههتفادة‬
                                                                                                             ‫والنتفاع.‬
‫فأحههد أنواع النتفاع أن تقوم ثقافههة باسههتيراد ثقافههة أو حضارة أُخرى بل أدنههى‬
‫تصههرف فيههها، والنوع الخههر أن تقوم الثقافههة بعمليههة اسههتيعاب الثقافههة والحضارة‬
‫الُخرى، كمها تصهنع الخليّهة الحيّهة فهي اجتذاب المواد وهضمهها وتحويلهها إلى موجودات‬
                                                                                                    ‫وكائنات جديدة.‬
‫والثقافة السلمية من النوع الثاني، فقد نمت كالخلي ّة الحي ّة، إذ اجتذبت الثقافات‬
‫الُخرى مهن اليونانيهة والهنديهة واليرانيهة وغيرهها وحوّلتهها إلى كائن جديهد له سهماته‬
‫الخاصهة. وقهد اعترف الباحثون فهي تاريهخ الثقافهة والحضارة بأن الحضارة السهلمية‬
                                                                   ‫من أكبر الحضارات والثقافات البشرية.‬
‫أ ين تكون تك و ّ نت هذه الخلي ّة الحيو ية الثقاف ية، وعلى يد من؟ و من‬
                                                 ‫أي نقطة بدأ تكاملها؟‬
‫إ نّ هذه الخلي ّة – كسائر الخليا التي تكون صغيرة وغير محسوسة في بدايتها –‬
‫ظهرت في المدينة المنوّرة على يد الرسول الكرم )صلّى ا عليه وآله وسلم(، فبدأ‬
                                                                ‫النوع الوّل من العلوم السلمية أعماله..‬
                                      ‫) (‬
                                     ‫ولمزيد من الطلع ينبغي الرجوع إلى الكتب الخاصة 1 .‬
‫وينبغي التذكير بأن العلوم السلمية تنقسم إلى قسمين: العلوم العقلية، والعلوم‬
                                                                                                                 ‫النقلية.‬
                                            ‫وسنبدأ بالفلسفة الذي يعدّ جزءا من العلوم العقلية.‬




‫1 . راجع: "كارنامه إسلم"، تأليف: الدكتور ز ّين كوب، و"تاريخ التمدن السلمي"، لمؤلفه: جرجي زيدان، ج ٣، و"خدمات متقابل إسلم‬
                                                                            ‫ر‬
                                                                                        ‫وإيران"، بقلم المؤلف، القسم الثالث.‬


                                                            ‫5‬
6
‫الفلسفة‬
                                 ‫الدرس الول‬
                           ‫ما هي الفلسفة؟ ) ١ (‬
‫أول م ها ينبغ هي معرفت هه ع هن الفلس هفة أن نحدد معناه ها، ولك هن نظرا إلى الخلط‬
                ‫ه‬       ‫ه‬                 ‫ه‬        ‫ه ه‬           ‫ه‬       ‫ه‬
‫الواقع في الجابة عن هذا السؤال ل بد قبل كل شيء من مقدمة قصيرة تذكر عادة‬
                                                                       ‫في المنطق:‬
                                 ‫التعريف اللفظي والتعريف المعنوي‬
‫يقول المناطقة: حينما يسأل عن ماهية الشيء يكون مورد السؤال مختلفا، فتارة‬
‫يسهأل عهن مفهوم اللفهظ ومعناه، أي: حينمها نسهأل: مها ههو الشيهء الكذائي؟ يكون‬
‫المراد به"ما هو" الستفهام عن المعنى اللغوي أو الصطلحي لذلك اللفظ؟ فلو أننا‬
‫قرأنهها كتابا، وواجهنهها لفههظ "العنقاء"، ولم نعرف معناه، وسههألنا شخصهها: مهها هههي‬
‫العنقاء؟ فسيجيب: طائر خرافي، أو واجهنا لفظ "الكلمة" في كلم المناطقة، وسألنا‬
‫آخهر عهن معناهها فهي مصهطلحهم، فسهيقول: "الكلمهة" فهي مصهطلح المناطقهة عبارة‬
                                                   ‫عن "الفعل" في مصطلح النحاة.‬
‫وبديهههي أن علقههة اللفههظ بالمعنههى علقههة وضعيههة واصههطلحية، سههواء أكان‬
                                                        ‫اصطلحا مخصوما أم عاما.‬
‫وللجابة عن ذلك ل بد من الرجوع إلى موارد الستعمال أو الكتب اللغوية، ومن‬
‫المحتمهل أن يكون لمثهل هذا السهؤال عدّة أجوبهة صهحيحة؛ إذ يمكهن أن يكون للّهفظ‬
‫الواحهد معانهٍ مختلفهة لختلف العراف، فقهد يكون له معنهى فهي عرف المناطقهة‬
‫والفلسفة، ومعنهى آخر في عرف الُدباء، كما أ نّ للفهظ "الكلمهة" معنهى في العرف‬
‫العام وعرف الُدباء، ومعن هى آخ هر ف هي عرف المناطق هة، أو لف هظ "القياس" الذي له‬
                  ‫ه‬         ‫ه‬              ‫ه ه‬        ‫ه‬
              ‫معنى في عرف المناطقة، ومعنى آخر في عرف الفقهاء والصوليين.‬
‫وحينمها يكون للّهفظ فهي العرف الواحهد معنيان أو عدّة معانه ل بهد أن نقول: إنّه‬
                    ‫ٍ‬
‫هذا اللفهظ يطلق فهي المصهطلح الكذائي على هذا المعنهى، وفهي المصهطلح الخهر‬
                  ‫على معنى آخر، ويسمّى جواب هذه السئلة به"التعريف اللفظي".‬
‫وتارة ل يكون مورد السهؤال معنهى اللفهظ، بهل حقيقهة المعنهى؛ وذلك لننها نعرف‬
‫معناه، إل ّ أننا نجهل حقيقته وكنهه، فلو سألنا: "ما هو النسان"؟ لما كان يعني ذلك‬


                                         ‫7‬
‫أننها نجههل معنهى النسهان اللغوي؛ إذ كلنها يعلم أن لفهظ النسهان قهد وضهع لهذا الكائن‬
‫المخصهوص الناطهق الذي يقهف على رجليهه بقامتهه المسهتوية، بهل السهؤال عهن ماهيهة‬
‫النسهان وحقيقتهه، وعندهها ل يكون الجواب الصهحيح عهن هذا السهؤال إل ّ واحدا فل‬
‫يمكههن أن تكون له عدّة أجوبههة صههحيحة، ويسههمّى جواب هذا النوع مههن السههئلة‬
                                                              ‫به"التعريف الحقيقي".‬
‫والتعريف اللفظي مقدم على التعريف الحقيقي، أي: ل بد من بيان مفهوم اللفظ‬
‫أول ً، ثهم تعريهف المعنهى المحدد تعريفا حقيقيا، وإل ّ وقعنها فهي نزاعات ومغالطات ل‬
‫داعي إليها؛ إذ لو كان للفظ ما عدّة معانٍ لغوية واصطلحية وغفلنا عن ذلك، يحتمل‬
‫أن تنظههر كلّ جماعههة إلى احههد معانيههه اللغويههة أو الصههطلحية، فتعرّههفه على ذلك‬
‫السهاس غافلة عهن أن الجماعهة الخرى تنظهر إلى معناه الخهر، فيعود النزاع بينهمها‬
                                                                             ‫لفظيا.‬
‫إن عدم التفريهق بيهن معنهى اللفهظ وحقيقهة المعنهى قهد يؤدي أحيانا إلى سهراية‬
‫التغيرات الطارئة على المعنهى اللفظهي إلى حقيقهة ذلك المعنهى، فمهن الممكهن مثلً‬
‫أن يوضههع اللفههظ المخصههوص ابتداءً مههن الكلّ، ثههم تتغيههر المصههطلحات بعههد ذلك،‬
‫فيستعمل اللفظ نفسهه فهي الجزء، فلو لم يفرق الشخهص بيهن معنى اللفهظ وحقيقهة‬
‫المعنهى يتصهور أن ذلك "الكلّ" قهد "تجزّأ" حقيقةً، برغهم أنهه لم يحدث أيه تغييهر فهي‬
           ‫ّ‬
                    ‫ذلك الكلّ سوى أن اللفظ المستعمل فيه قد استعمل في جزئه.‬
‫وقد كثر هذا الخلط في "الفلسفة" عند فلسفة الغرب عموما، وعند مقلديهم من‬
                       ‫الشرقيين، وربما نوفق إلى توضيح ذلك في الدروس المقبلة.‬
‫إنه كلمهة "الفلسهفة" بوصهفها عنوانا اصهطلحيا قهد مرّت بتعريفات متعددة، فقهد‬
                                                                        ‫ّ‬
‫عرّفته ها كلّ مجموع هة م هن الفلس هفة بتعري هف مخص هوص، إل ّ أن هذا الختلف ف هي‬
 ‫ه‬                         ‫ه‬      ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه ه‬               ‫ه‬
‫التعاريهف والتعابيهر ل يرجهع إلى حقيقهة واحدة، فكلّ مجموعهة اسهتعملت هذا اللفهظ‬
                                        ‫في معنىً مخصوص، وعرفته على أساسه.‬
‫فإ نّ ما يكون فلسفة في نظر بعض ل يكون كذلك في نظر غيرهم، فهم إم ّا أن‬
‫ينكروا أهميت هه، أو يطلقوا علي هه تس همية أخرى، أو يعدّوه جزءا م هن علم آخ هر، ولذلك‬
        ‫ه‬         ‫ه‬                           ‫ه‬     ‫ه‬                 ‫ه‬
‫نحاول للجابة عن السؤال القائل: "ما هي الفلسفة؟" أن نأخذ بنظر العتبار مختلف‬


                                         ‫8‬
‫الصطلحات، وسنجيب عنه أول ً من وجهة نظر الفلسفة المسلمين وقبل كلّ شيء‬
                                              ‫ل بد من البحث عن الجذور اللغوية لهذه الكلمة.‬
                                                               ‫لفظ الفلسفة‬
‫الفلسهفة كلمهة يونانيهة، فقهد أجمهع العلماء – ممهن اطلع قديما وحديثا على اللغهة‬
‫اليونانيهة، وتاريهخ اليونان العلمهي القديهم – على أن هذه الكلمهة معربهة "فيلوسهوفيا"،‬
‫وههي متحوتهة مهن كلمتيهن: "فيلو" و"سهوفيا"، والُولى تعنهي "الحبهّ"، والثانيهة تعنهي‬
‫"الحكمهة"، فيكون معنهى "فيلوسهوفيا": حبه الحكمهة، ولذا وصهف أفلطون سهقراط‬
                                 ‫ّ‬
                                                     ‫) (‬
                                                    ‫بأنه "فيلسوفوس"، بمعنى محبّ الحكمة 1 .‬
‫وقهد ظهرت قبهل سهقراط جماعهة سهمّت نفسهها "سهوفيست"، أي: العالم، فاتخذت‬
                ‫) (‬
‫من إدراك النسان مقياسا لمعرفة الحقائق، واستعملت المغالطة 2 في استدللتها،‬
‫حتهى أفرغهت كلمهة "سهوفيست" مهن معناهها الصهيل تدريجيا، وصهارت تعسهمل فهي‬
‫المغالِط، فعاد لفظ "السوفيست" مرادفا للمغالطة، وقد عرّبت به"السفسطة" التي ل‬
                                                                           ‫زلنا نستعملها في المغالطة.‬
‫وقهد امتنهع سهقراط مهن تسهمية نفسهه بهه"السهوفيست" بمعنهى العالم، إمها تواضعا‬
                  ‫) (‬
‫وإمّهها احترازا مههن عدّه ضمههن جماعههة السههوفيست المتقدمههة 3 ، وسههمّى نفسههه‬
‫بهه"الفيلسهوف"، بمعنهى "محبه العلم"، حتهى ارتقهت كلمهة "فيلوسهوفيا" تدريجيا مهن‬
                                                   ‫ّ‬
‫مفهوم "مح بّ العلم" إلى مفهوم "العالم"، بعكس كلمة سوفيست التي انحطهت مهن‬
‫مفهوم "العالم" إلى مفهوم "المغالط"، فصهارت كلمهة الفلسهفة مرادفهة للعلم، وعليهه‬
‫لم يطلق "الفيلسهوف" بمعناه الصهطلحي على شخهص قبهل سهقراط، كمها أنهها لم‬
‫تطلق على شخهص بعده رأسها، ولم يكهن لكلمهة الفلسهفة مفهوم محدد آنذاك، وقيهل:‬
 ‫إن أرسطو لم يستعمل هذه الكلمة، بل شاعت كلمتا الفلسفة والفيلسوف بعد ذلك.‬
                                                         ‫في مصطلح المسلمين‬
‫أخ هذ المس هلمون هذه الكلم هة م هن اليوناني هة، فعرّبوه ها، وأعطوه ها طابعا شرقيا،‬
              ‫ه‬          ‫ه‬           ‫ه‬           ‫ه ه‬                  ‫ه‬       ‫ه‬
                                                           ‫واستعملوها في مطلق العلوم العقلية.‬


                ‫1 . الملل والنحل للشهرستاني، المجلد الثاني، ص ١٣٢، وتاريخ الفلسفة، للدكتور "هومن"، المجلد الول، ص ٠٢.‬
                                                                          ‫2 . أسلوب قياسي يهدف إلى تضليل الخصم.‬
                                                             ‫3 . تاريخ الفلسفة، للدكتور "هومن"، المجلد الول، ص ٩٦١.‬


                                                     ‫9‬
‫ليست الفلسفة في المصطلح الشائع بين المسلمين اسما لفن أو علم مخصوص،‬
‫فإنه هم يدرجون جمي هع العلوم العقلي هة – ف هي قبال النقلي هة م هن قبي هل: اللغ هة والنحهو‬
 ‫ه‬       ‫ه‬        ‫ه‬      ‫ه ه‬                 ‫ه‬      ‫ه‬                ‫ه‬             ‫ه‬
‫والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والتفسير والحديث والفقه والصول –‬
‫فهي عنوان الفلسهفة، وقهد كان لكلمهة "فيلسهوف" مفهوم عام آنذاك، فكانهت تطلق‬
      ‫ه‬                         ‫ه‬       ‫ه‬          ‫ه‬      ‫ه‬             ‫ه‬
‫على الشخص الجامع لجميع العلوم العقلية أعم من اللهيات والرياضيات والطبيعيات‬
‫والسههياسة والخلق وتدبيههر المنزل، حتههى اشتهرت هذه العبارة بينهههم: "الفيلسههوف‬
                                                     ‫عالم عقلي مضاهٍ للعالم العيني".‬
‫وق هد اس هتعمل المس هلمون لفظت هي: الفلس هفة والحكمهة ف هي مقام بيان التقسهيم‬
  ‫ه‬                 ‫ه ه‬            ‫ه‬         ‫ه‬          ‫ه‬          ‫ه‬     ‫ه‬
‫الرسههطي للعلوم، وكانوا يقولون: إن الفلسههفة – أي: العلوم العقليههة – تنقسههم إلى‬
                                                                ‫قسمين: نظرية وعملية.‬
‫أمّها النظريهة: فههي التهي تبحهث فهي الشياء كمها ههي، ]وكمها ينبغهي أن تعلم[، وأمها‬
           ‫العملية: فهي التي تبحث في أفعال النسان كما ينبغي أن تكون ]وتفعل[.‬
                                                ‫والفلسفة النظرية على ثلثة أقسام:‬
‫اللهيات أو "الفلسهفة العليها"، والرياضيات أو "الفلسهفة الوسهطى"، والطهبيعيات أو‬
                                                                    ‫"الفلسفة السفلى".‬
‫وتشتمهل الفلسهفة العليها أو اللهيات بدورهها على فنيهن: الحكام العامهة "الوجود"،‬
                                                ‫واللهيات بالمعنى الخص "معرفة ا".‬
‫والرياضيات على أربع هة أقس هام، وكلّ واح هد منه ها علم برأس هه، وه هي: الحس هاب،‬
   ‫ه‬        ‫ه‬      ‫ه‬           ‫ه‬      ‫ه‬             ‫ه‬      ‫ه‬
                                                        ‫والهندسة، والهيئة، والموسيقى.‬
                                                           ‫وللطبيعيات أقسام كثيرة.‬
‫وتنقسم الفلسفة العلمية أيضا إلى: علم الخلق، وتدبير المنزل، وسياسة المدن.‬
   ‫فالفيلسوف الكامل – بناءً على ذلك – هو المستوعب لجميع العلوم المذكورة.‬
                                        ‫الفلسفة الحقيقية أو العلم العلى‬
‫وم هن بي هن القس هام المختلف هة للفلس هفة يحظ هى واح هد منه ها بدرج هة س هامية لدى‬
        ‫ه‬    ‫ه‬       ‫ه‬      ‫ه‬      ‫ه‬       ‫ه‬        ‫ه‬           ‫ه‬       ‫ه‬     ‫ه‬
‫الفلسهفة، وههو المعروف بينههم بالسهماء التيهة: الفلسهفة الولى، الفلسهفة العليها،‬
‫العلم العلى، العلم الكلّ، اللهيات، مههها وراء الطبيعهههة "الميتافيزيقههها"؛ إذ يمتاز هذا‬



                                           ‫01‬
‫العلم مههن سههائر العلوم أول ً: باعتباره أكثرههها برهانا ويقينا لدى المتقدميههن، وثانيا:‬
‫بكونههه حاكما على سههائر العلوم، فهههو سههلطانها؛ ولذلك لحتياج العلوم الخرى إليههه‬
                      ‫) (‬
                     ‫بشكل كامل دون العكس، وثالثا: بكونه أكثر العلوم شمول ً واستيعابا 1 .‬
‫ويرى هؤلء الفلسهفة أنه هذا العلم ههو الفلسهفة الحقيقيهة، لذا تطلق الفلسهفة‬
                                                    ‫ّ‬
                                                        ‫أحيانا على هذا العلم خاصة، ولكنه إطلق نادر.‬
                                     ‫إذن كان للفظ الفلسفة معنيان عند الفلسفة المتقدمين:‬
‫أحدهمها: المعنهى الشائع، وههو عبارة عهن مطلق العلم المعقول الشامهل لجميهع‬
‫العلوم غير النقلية، والخر: المعنى غير الشائع، وهو علم اللهيات أو الفلسفة الولى،‬
                                                            ‫وهو واحد من شُعب الفلسفة النظرية الثلثة.‬
‫ولو أردنها تعريهف الفلسهفة بناءً على مصهطلح المتقدميهن – آخذيهن بنظهر العتبار‬
‫المصهطلح الشائع – نجدهها عامهة، ل تقتصهر على فنّه وعلمه مخصهوص، فليهس لهها‬
                   ‫ٍ‬
‫تعريهههف معيهههن، فالفلسهههفة – طبقا لهذا المصهههطلح – تعنهههي العلم غيهههر النقلي،‬
‫والفيلس هوف يعنههي المس هتوعب لجمي هع العلوم، وباعتبار هذه الشموليههة ف هي مفهوم‬
       ‫ه‬                                    ‫ه‬          ‫ه‬               ‫ه‬
                     ‫الفلسفة يقال: إن الفلسفة كمال نفساني من الناحية النظرية والعملية.‬
‫ولو أخذنهها المصههطلح غيههر الشائع، وأردنهها مههن الفلسههفة ذلك العلم الذي عنونههه‬
‫المتقدمون بالفلسهفة الحقيقيهة، أو الفلسهفة الولى، أو العلم العلى، يكون للفلسهفة‬
‫تعريهف مخصهوص، ويكون جواب السهؤال القائل: "مها ههي الفلسهفة؟" ههو: "العلم‬
‫بأحوال الموجود مهن حيهث ههو موجود، ل مهن حيهث تعينهه المخصهوص، كأن يكون‬
                                                    ‫جسما أو كمّا أو كيفا أو إنسانا أو نباتا أو غير ذلك".‬
‫)2(‬
      ‫وتوضيهح ذلك أن معلوماتنها على نوعيهن: فههي إمها أن تخصه نوعا وإمّها جنسها‬
                        ‫ّ‬
‫معينا، وبعبارة أخرى: تخص ههههّ الحوال والحكام والعوارض المخص ههههوص لنوع أو‬
             ‫ه‬                                   ‫ه‬
‫جنس معين، كعلمنا بأحكام العداد، أو المقادير، أو أحوال النباتات وآثارها، أو أحكام‬
‫جس هم النس هان وأحواله وآثاره، وأمثال ذلك، ونس همّي الول منه ها: علم الحس هاب، أو‬
      ‫ه‬            ‫ه‬                                                 ‫ه‬       ‫ه‬
‫علم معرفة العداد، والثاني: علم الهندسة، أو معرفة المقادير، والثالث: علم النباتات،‬

‫1 . ل يسمعنا فمي هذه البحوث المختصمرة إثبات هذه المتيازات الثلثمة، فعلى ممن أراد التفصميل مراجعمة الفصمول الثلثمة الولى ممن إلهيات‬
                                                                                              ‫الشفاء، وبداية الجزء الول من السفار.‬
                                                                             ‫2 . لمعرفة الفرق بين النوع والجنس يراجع كتب المنطق.‬


                                                               ‫11‬
‫والرابهع: علم الطبهّ، أو علم معرفهة البدان، وهكذا سهائر العلوم مهن قبيهل: معرفهة‬
‫أحوال السهههههماء والرض والمعادن والحيوانات، وعلم النفهههههس والجتماع والذرّة‬
                      ‫ه‬                                            ‫ه‬
                                                                          ‫وغيرها.‬
‫أو أنههها ل تخههص نوعا معينا، فل تكون للوجود تلك الثار والحوال والحكام بمهها‬
‫ههو نوع مخصهوص، بهل بمها ههو "موجود"، وبعبارة أخرى: إننها تارة ندرس العالم مهن‬
‫حيهث الكثرة، والموضوعات المنفصهل بعضهها عهن بعهض، وأخرى ندرسهه مهن حيهث‬
‫الوحدة، أي: نأخذ بنظر العتبار "الموجود" بما هو موجود، وبوصفه "واحدا"، وندرس‬
                                             ‫ذلك الواحد بما هو شامل لكلّ شيء.‬
‫فلو شبهنها العالم بجسهم لوجدنها أن دراسهتنا لهذا الجسهم على نوعيهن: فبعضهها‬
 ‫ه‬        ‫ه‬          ‫ه‬             ‫ه‬         ‫ه‬
‫يخصه أعضاء هذا الجسهم مهن رأسهه أو يده أو رجله أو عينهه، وبعضهها الخهر يخصه‬
‫ّ‬                                                                      ‫ّ‬
‫جميهع هذا الجسهم، مهن قبيهل السهئلة التيهة: متهى وجهد هذا الجسهم؟ وإلى متهى‬
 ‫ه‬          ‫ه‬          ‫ه‬    ‫ه‬     ‫ه‬        ‫ه‬     ‫ه‬     ‫ه‬    ‫ه‬          ‫ه‬
‫يستمر؟ أو هل هناك معنىً للسؤال عن مجموع هذا الجسم به"متى" أساسا؟ وهل‬
‫لهذا الجسهم وحدة حقيقيهة، فتكون كثرة أعضائه ظاهريهة ل حقيقيهة، أو أنهّ وحدتهه‬
‫اعتباريههة ل تتجاوز الوحدة الصههناعية؟ وهههل لهذا الجسههم مبدأ صههدرت عنههه سههائر‬
‫العضاء؟ فه هل له رأس مثل ً، وص هار الرأس سهببا لظهور س هائر العضاء، أو ليهس له‬
    ‫ه‬                 ‫ه‬            ‫ه‬          ‫ه‬                   ‫ه‬
‫رأس؟ وهههل يتمتههع هذا الرأس – بناءً على وجوده – بعقههل شاعههر ومدرك، أو هههو‬
‫مجرد رأس أجوف؟ ههل يتمتهع جميهع هذا الجسهم بمها فيهه مهن العظهم والظفهر بنوع‬
‫مههن الحياة، أو أن شعوره وإدراكههه منحصههر فههي بعههض الكائنات التههي وجدت فيههه‬
‫مصادفة كالديدان التي تظهر في الجثة الهامدة، فتمثل تلك الديدان جميع الحيوانات،‬
‫ومنهها النسهان؟ ههل يتحرك هذا الجسهم جميعهه نحهو هدف معيهن وكمال منشود، أو‬
‫أنهه بل هدف؟ ههل تظههر العضاء وتزول صهدفة، أم تخضهع لقانون العليّهة؛ فل تقهع‬
‫ظاهرة بل علّة، ول يصدر معلول مخصوص إل ّ عن علّة معينة؟ هل النظام المسيطر‬
‫على هذا الجسهم حتمهي ل يتخلف، أو ل ضرورة فيهه ول حتميهة؟ ههل لتقدم أعضاء‬
‫هذا الجسهم وتأخرهها وترتبهها بهذا الشكهل المخصهوص واقعيهة أو ل؟ كهم يبلغ عدد‬
                                        ‫العضاء الكاملة لهذا الجسم؟ وأمثال ذلك.‬




                                       ‫21‬
‫فالقسهم الذي يقتصهر على دراسهة أعضاء عالم الوجود يسهمّى بهه"العلم"، والذي‬
                                              ‫يتناول مجموع العالم يسمّى به"الفلسفة".‬
‫فلهذا العلم إذن نمهط مخصهوص مهن المسهائل يميزهها عهن سهائر مسهائل العلوم‬
‫الخرى التهي تدرس موجودا معينا، فحينمها ندرس هذا النمهط المعيهن بلحاظ معرفهة‬
‫"أجزاء العلوم"، ونحاول أن ندرك – مهن الناحيهة الفنيهة – أن هذا النمهط مهن المسهائل‬
‫من عوارض أي موضوع، نجد أنه من عوارض "الموجود بما هو موجود"، ول يسعنا‬
‫توضي هح هذا المطلب وشرح هه ف هي هذه الدروس، فل ب هد م هن الرجوع ف هي ذلك إلى‬
         ‫ه‬           ‫ه ه‬                      ‫ه ه‬                     ‫ه‬
                                                               ‫الكتب الفلسفية الموسعة.‬
‫هذا مضافا إلى أننها – إذا أردنها أن نبحهث فهي ماهيهة الشياء، مهن قبيهل: ماهيهة‬
‫الجسم أو النسان وتعريفها الحقيقي، أو أردنا أن نبحث عن وجود الشياء، من قبيل‬
‫أن الدائرة الحقيقيهة أو الخهط الحقيقهي موجودان أو ل؟ - ل بهد لنها مهن الرجوع إلى‬
‫هذا الف هن أيضا؛ لن البح هث ف هي هذه المور بح هث ف هي عوارض الموجود بم ها ه هو‬
 ‫ه ه‬                      ‫ه‬    ‫ه‬               ‫ه‬    ‫ه‬                ‫ه‬
‫موجود، فهههو – فههي اصههطلح الماهيات – مههن عوارض وأحكام الموجود بمهها هههو‬
‫موجود، ولهذا البحههث أيضا أطراف متشعبههة ل تسههعها دروسههنا، فلتطلب فههي الكتههب‬
                                                                       ‫الفلسفية المطولة.‬
‫فنتيج هة البح هث أن هه لو س هألنا شخ هص قائل ً: "م ها ه هي الفلس هفة؟"، لقلن ها له قب هل‬
 ‫ه‬        ‫ه‬           ‫ه‬        ‫ه ه‬                ‫ه‬        ‫ه‬       ‫ه‬     ‫ه‬       ‫ه‬
‫الجواب: إن لهذا اللفهظ مصهطلح مخصهوص لدى كلّ جماعهة، فإن كان المراد تعريهف‬
‫الفلسهفة بحسهب اصهطلح المسهلمين، فالجواب: أن هذه الكلمهة اسهم جنهس لجميهع‬
‫العلوم العقليهة، وليسهت اسهما لعلم مخصهوص حتهى يمكهن تعريفهها. وههي – بحسهب‬
‫المصطلح غير الشائع – اسم للفلسفة الولى، أي: العلم الذي يبحث عن أكثر مسائل‬
‫الوجود كلي ّة مما ل ربط له بموضوع مخصوص مع ارتباطه بجميع الموضوعات، فهي‬
                            ‫العلم الذي يدرس الوجود بأجمعه بوصفه موضوعا واحدا.‬




                                            ‫31‬
‫الدرس الثاني‬
                     ‫ما هي الفلسفة؟ ) ٢ (‬
‫في الدرس المتقدم عرّفنا الفلسفة في مصطلح الفلسفة المسلمين، وسنتعرض‬
                 ‫هنا إلى بعض التعاريف الخرى للفلسفة بغية الطلع عليها إجمال ً.‬
‫ولكهن قبهل الخوض فهي ذكهر التعاريهف الجديدة نشيهر إلى خطهأ تاريخهي أدّى إلى‬
                                                                    ‫الوقوع في خطأ آخر.‬
                                     ‫ما بعد الطبيعة "الميتافيزيقا"‬
‫إنّ أرسطو أوّل من توصل إلى وجود مجموعة من المسائل ل تدخل في أي علم‬
‫من العلوم، سواء الطبيعية أو الرياضية أو الخلقية أو الجتماعية أو المنطقية، ول بدّ‬
‫من عدّها ضمن علم مستقل، وقد يكون أول من أدرك أنّ "الموجود بما هو موجود"‬
‫هو المحور الذي يجمع حوله هذه المسائل بوصفها عوارض وأحوال ً له، وربما يكون‬
‫أول مهن اكتشهف أن الرابهط بيهن مسهائل كلّ علم ومميزهها عهن سهائر مسهائل العلوم‬
                                     ‫الخرى هو ما يسمّى به"الموضوع" لذلك العلم.‬
‫وقد توسعت بالطبع مسائل هذا العلم فيما بعد، فأُضيفت إليه – كأي علم آخر –‬
‫بحوث كثيرة، وسهيتضح لك ذلك فيمها لو قارنهت بيهن مها وراء الطبيعهة لهه"أرسهطو"، ومها‬
‫وراء الطبيعهة لهه"ابهن سهينا"، وسهيزداد الوضوح لو قارنتهه بمها وراء الطبيعهة لهه"صهدر‬
‫المتألهين"، ومهما يكن من شيء فإنّ أرسطو هو أول من اكتشف هذا العلم بوصفه‬
                                    ‫علما مستقل ً، وأفرد له مكانا بين العلوم الخرى.‬
‫إل ّ أن "أرسطو" لم يعنون هذا العلم بعنوان مخصوص، حتى جمعت مؤلفاته بعد‬
‫ذلك فهي موسهوعة علميهة، فوقهع هذا العلم فهي الترتيهب بعهد "الطهبيعيات"، فعرف‬
                                                 ‫به"الميتافيزيقا"، أي: ما بعد الطبيعة.‬
‫ثهم جُهلت هذه الحقيقهة تدريجا، فتوههم أن سهبب تسهمية هذا العلم بهه"مها بعهد‬
 ‫ه ه‬                      ‫ه‬            ‫ه‬              ‫ه‬
‫الطبيعهة" أن مسهائله أو بعهض مسهائله – مهن قبيهل: ا سهبحانه، والعقول المجردة –‬
‫خارجة عن الطبيعة، ولذلك أشكل "ابن سينا" على تسمية على هذا العلم به"ما بعد‬
‫الطبيعهة" داعيا إلى تسهميته بهه"مها قبهل الطبيعهة"، ولذلك لن وجود ا سهبحانه قبهل‬
                                                                        ‫) (‬
                                                                       ‫الطبيعة ل بعدها 1 .‬

                                                    ‫1 . اللهيات من كتاب الشفاء، الطبقة القديمة، ص ٥١.‬


                                         ‫41‬
‫ثهم أوقهع الخطهأ اللفظهي والناشهئ مهن الترجمهة بعهض المتفلسهفين المحدثيهن فهي‬
‫خطأ معنوي، فقد تصور جمع غفير من الغربيين أن كلمة "ما بعد الطبيعة" مساوية‬
‫له"ما وراء الطبيعة"، وأن موضوع هذا العلم أمور خارجة عن الطبيعة، في حين أن‬
‫موضوعه – كما علمنا – يشتمل على الطبيعة وما وراءها وكلّ ما هو موجود، ونتيجة‬
‫هذا الخطأ أنهم عرّفوا "الميتافيزيقا" خطأً به"علم يبحث عن ا والمور المجردة عن‬
                                                                          ‫المادة فقط".‬
                                               ‫الفلسفة في العصر الحديث‬
‫إن هّ التغيههر الذي طرا على الفلسههفة فههي العصههر الحديههث – الذي بدأ مههن القرن‬
‫السههادس عشههر على يههد جماعههة على رأسهههم الفيلسههوف الفرنسههي "ديكارت"،‬
‫والفيلسوف النجليزي "بيكون" – هو أن السلوب القياسي والعقلي تخلى عن مكانه‬
‫في جميع العلوم للسلوب التجريبي والحسّي، فخرجت العلوم الطبيعية بأجمعها عن‬
‫دائرة السهلوب القياس هي، ودخلت فهي مجال الس هلوب التجريهبي، فهي حي هن اتخذت‬
       ‫ه‬     ‫ه‬     ‫ه‬          ‫ه‬           ‫ه‬          ‫ه‬           ‫ه‬
                                         ‫الرياضيات حالة نصف قياسية ونصف تجريبية.‬
‫ثهم ذههب الوههم ببعضه إلى عدم جدوائيهة السهلوب القياسهي، فل أسهاس للعلم‬
                                                  ‫ٍ‬
‫الذي يحاول اس هتعمال القياس فق هط دون التجرب هة العلمي هة، وبم ها أن علوم م ها بع هد‬
 ‫ه ه‬                ‫ه‬       ‫ه‬         ‫ه‬             ‫ه‬                ‫ه‬
‫الطبيعة من هذا القبيل – أي: ل مدخلية للتجربة فيها – فليس لها اعتبار، فمسائل هذا‬
‫العلم غير جديرة بالبحث والتحقيق نفيا أو إثباتا، فوضعت هذه الجماعة إشارة بالقلم‬
‫الحمر حول العلم الذي كان يعد يوما من أرفع العلوم وأشرفها، بل سلطانها، وألغت‬
                                               ‫ّ‬
‫وجود علم اسمه ما بعد الطبيعة، أو الفلسفة الولى، بل ل يمكن له أن يوجد، وبذلك‬
                                       ‫سلبت النسان أعزّ ما يحتاج إليه العقل البشري.‬
‫ومنحهت جماعهة أُخرى السهلوب القياسهي بعهض العتبار، ورأت ضرورة السهتفادة‬
‫منه فيما بعد الطبيعة والخلق، وبذلك ظهر مصطلح جديد؛ إذ سُمّي ما يستعمل فيه‬
‫الس هلوب التجري هبي به ه"العلم"، وم ها يس هتعمل في هه القياس – أعم هّ م هن الميتافيزيق ها‬
 ‫ه‬              ‫ه‬                    ‫ه‬        ‫ه‬     ‫ه‬            ‫ه‬      ‫ه‬           ‫ه‬
‫والخلق والمنطهق وغيرهها – بهه"الفلسهفة"، فيكون تعريهف الفلسهفة – فهي مصهطلح‬
‫هؤلء – عبارة عههن: "العلوم التههي تُدرس مههن خلل السههلوب القياسههي فقههط، ول‬
                                                   ‫يتطرق إليها السلوب التجريبي أبدا".‬



                                           ‫51‬
‫فتكون الفلسههفة – بناءً على هذا الرأي – اسههما عاما ل مختصهها كمهها هههو رأي‬
      ‫ه‬    ‫ه‬     ‫ه‬                                              ‫ه‬
‫المتقدميهن، أي ليسهت اسهما لعلم معيهن، بهل تنضوي تحتهها عدّة علوم، إل ّ أن دائرة‬
                          ‫ه‬            ‫ه‬    ‫ه‬           ‫ه‬    ‫ه‬         ‫ه‬
‫الفلسفة – في مصطلح هؤلء – أضيق منها في مصطلح المتقدمين، لشتمالها على‬
‫علم مها بعهد الطبيعهة والخلق والمنطهق وعلم الحقوق وبعهض العلوم الخرى، دون‬
‫الرياضيات والط هبيعيات، خلفا لمص هطلح المتقدمي هن الشام هل للرياضيات والط هبيعيات‬
      ‫ه‬                 ‫ه‬        ‫ه‬             ‫ه‬                 ‫ه‬
                                                                                ‫أيضا.‬
‫إن هّ الجماع هة الولى الت هي أنكرت م ها بع هد الطبيع هة والس هلوب القياس هي مطلقا،‬
        ‫ه‬           ‫ه‬       ‫ه‬         ‫ه ه‬              ‫ه‬            ‫ه‬
‫معتمدة العلوم الحسهيّة والتجريبيهة فقهط، انتبههت شيئا فشيئا إلى أنهها لو حصهرت كلّ‬
‫الشياء فهي العلوم التجريبيهة – وههي علوم ذات مسهائل جزئيهة تبحهث فهي موضوعات‬
‫مخصهوصة – سهتحرم تماما معرفهة العالم بشكهل كلّي، وههو مها تدّهعي الفلسهفة أو مها‬
‫بعهد الطبيعهة التصهدي لبيانهه، ومهن هنها ظههر تفكيهر جديهد، صهار فيمها بعهد أسهاس‬
‫)الفلسفة العلمية(، بمعنى أن الفلسفة التي تعتمد على العلوم اعتمادا كامل ً تتمخض‬
‫عهن مسهائل كلّهية تسهمّى بهه"الفلسهفة"؛ وذلك بمقارنهة بعهض العلوم ببعضهها الخهر،‬
‫وربهط مسهائلها، والوقوف على نوع مهن الرتباط الكلّي بيهن قوانيهن ومسهائل العلوم،‬
‫وقد سلك هذا السلوب الفيلسوف الفرنسي "أوجست كونت"، والفيلسوف النجيلزي‬
                                                                   ‫"هربرت سبنسر".‬
‫فلم تعد الفلسفة – من وجهة نظر هذه الجماعة – علما مستقل ً بلحاظ الموضع‬
‫أو المبادئ؛ إذ كان موضوعهها "الموجود بمها ههو موجود"، ومبادؤهها – أو أههم مبادئهها‬
‫فهي القهل – مهن البديهيات الوليهة، فصهارت علما وظيفتهه دراسهة مها تنتجهه العلوم‬
‫الخرى، والربط بينها، واستخراج مسائل أكثر كلّية من مسائل العلوم المحدودة، وهذا‬
‫مها تجده فهي الفلسهفة التحققيهة "الوضعيهة" لهه"أوجسهت كونهت"، والفلسهفة التركيبيهة‬
                                                                  ‫له"هربرت سبنسر".‬
‫فالفلسفة – بنظر هؤلء – ليست علما مستقل ً عن سائر العلوم، بل نسبة العلوم‬
‫إلى الفلسهفة كنسهبة مقدار مهن المعرفهة إلى مقدار أكثهر منهه، أي: أن الفلسهفة إدراك‬
                          ‫أوسع وأكثر كليةً للشياء التي تعرفها وتدركها سائر العلوم.‬




                                         ‫61‬
‫وقهد رأى بعهض آخهر مثهل "كانهت" أن مهن الضروري – قبهل كلّ شيهء – التحقيهق‬
‫فهي المعرفهة نفسهها، والقوة التهي أوجدت هذه المعرفهة، وههي العقهل، فشرع فهي‬
‫دراسهة عقهل النسهان، وسهمّى دراسهته بهه"الفلسهفة" أو"الفلسهفة النقديهة: ‪Critical‬‬
‫‪ "Philosophy‬وفلسفة "كانت" ل تشترك طبعا مع ما يسمّى عند المتقدمين بالفلسفة‬
‫إل ّ فهي التسهمية، كمها أنهها ل تشترك مهع فلسهفة أوجسهت كونهت التحققيهة "الوضعيهة"،‬
‫وفلسفة سبنسر التركيبية إل ّ في التسمية أيضا؛ وذلك لنها أقرب إلى المنطق – الذي‬
  ‫هو نوع مخصوص من معرفة التفكير – منها إلى الفلسفة التي هي معرفة العالم.‬
‫وهكذا أُطلق لفظ الفلسفة في العالم الغربي تدريجا على ما ليس بعلم، أي: ما‬
‫ل يندرج فهي علم معيهن مهن العلوم الطبيعيهة أو الرياضيهة، ويعدّ مهع ذلك نظريهة فهي‬
                                                          ‫الكون والنسان أو الجتماع.‬
‫ولو نظر شخص في جميع هذه النظريات وقرأ تعاريفها لما وجد أيّ اشتراك بينها‬
                                                                    ‫سوى عدم علميتها.‬
‫وقد ذكرنا هذا المقدار كنموذج لنعرف أن الفرق بين الفلسفة قديما وحديثا ليس‬
‫كالفرق بيههن العلوم القديمههة والحديثههة، فهناك الطههب القديههم والحديههث، والهندسههة‬
‫القديمههة والحديههث، وعلم النفههس القديههم والحديههث، وعلم النبات القديههم والحيدث،‬
‫وهكذا... ول يوج هد أي هّ فارق ماهوي بي هن قديمه ها وحديثه ها، فل تطلق كلم هة الطب هّ‬
         ‫ه‬               ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬                      ‫ه‬
‫قديما على غيههر الطبههّ حديثا؛ إذ أن لكل الطههبين تعريههف واحههد، وهههو عبارة عههن:‬
‫"معرفة أحوال وعوارض جسم النسان، من حيث الصحة والسقم"، والختلف بين‬
‫الطب القديم والحديث يكمن في طريقة دراسة الظواهر، فإ نّ الطب الحديث يمتاز‬
‫مهن القديهم بغلبهة الطابهع التجريهبي عليهه، خلفا للطب ّه القديهم الذي يغلب عليهه الطابهع‬
‫الستدللي والقياسي، والشيء الخر الذي يمتاز به أحدهما عن الخر هو أ نّ الط بّ‬
‫القديهم ناقهص، فهي حيهن أن الطبه الحديهث كامهل، وهكذا الحال فهي سهائر العلوم‬
                                            ‫ّ‬
                                                                               ‫الخرى.‬
‫أم ّا "الفلسفة" فإنها تطلق قديما وحديثا على معا نٍ مختلفة، ولها بالنسبة إلى كلّ‬
‫معنهى تعريهف مسهتقل، فقهد تقدم أن كلمهة "الفلسهفة" أُطلقهت قديما على "مطلق‬
                 ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬             ‫ه‬       ‫ه‬    ‫ه‬      ‫ه‬
‫العلوم العقليهة" تارة، واقتصهرت على واحهد مهن شعبهها تارة أخرى، وههو "مها بعهد‬
 ‫ه ه‬       ‫ه‬               ‫ه‬      ‫ه ه‬            ‫ه‬              ‫ه‬


                                          ‫71‬
‫الطبيعهة"، أو "الفلسهفة الولى"، كمها أُطلقهت هذه الكلمهة حديثا على معانه متعددة،‬
        ‫ٍ‬
                                               ‫ولكلّ واحد منها تعريفه الخصوص.‬
                                             ‫انفصال العلوم عن الفلسفة‬
‫مهن الخطاء الفاحشهة والشائعهة – التهي تسهربت إلينها مهن الغرب، وشاعهت بيهن‬
‫مقلديهههم الشرقييههن – خرافههة انفصههال العلوم عههن الفلسههفة، والذي أدّى إلى هذا‬
‫التو ّهم هو التغير الذي طرأ على الفلسفة كمصطلح، فذهب بهم إلى الوهم إلى أن‬
‫التغيهر قهد طرأ على المعنهى، فزعموا أن العلوم قهد انفصهلت عهن الفلسهفة، فقهد تقدم‬
‫أن كلمة الفلسفة أو الحكمة كانت تطلق في مصطلح المتقدمين على العلوم العقلية‬
‫والفكريهة غالبا، وعلى هذا المصهطلح كانهت الفلسهفة "اسهما عاما" و"اسهم جنهس"،‬
‫وليسهت "اسهما مخصهوصا". وفهي المرحلة المتأخرة اختهص لفهظ الفلسهفة بمها بعهد‬
‫الطبيعههة والمنطههق ومعرفههة الجمال وأمثال ذلك، ممهها أدّى إلى توهههم أن الفلسههفة‬
‫قديما كانههت علما واحدا يضههم مسههائل مههن قبيههل: اللهيات والطههبيعيات والرياضيات‬
            ‫وسائر العلوم، ثم انفصلت واستقلت الطبيعيات والرياضيات عن الفلسفة.‬
‫وهذا مهن قبيهل لفهظ "الجسهم" الذي يطلق على الشكهل الظاهري للنسهان فهي‬
‫قبال الروح، ويشتمل على جميع أعضاء النسان من رأسه إلى قدميه، فلو فرض أ نّ‬
‫هذه الكلمهة أُطلقهت فهي مصهطلح ثانه على الجزء الواقهع أسهفل رقبهة النسهان فهي‬
                                          ‫ٍ‬
‫قبال الرأس، فس هيتوهم عنده ها أن رأس النس هان ق هد انفص هل ع هن جس همه، أي: أن‬
          ‫ه‬     ‫ه‬    ‫ه‬       ‫ه‬     ‫ه‬              ‫ه‬           ‫ه‬
‫التغير اللفظي سيؤدي إلى وقوع الخرين في خطأ معنوي؛ إذ يحسبون أن التغير قد‬
                                                           ‫طرأ على المعنى أيضا.‬
‫فهكذا المهر بالنسهبة إلى مقولة انفصهال العلوم عهن الفلسهفة، فقهد كانهت العلوم‬
‫تندرج في عنوان الفلسفة، وفي العصر الحديث اختص لفظ الفلسفة بواحد من تلك‬
‫العلوم، وهذا التغير ل ربط له بانفصال العلوم عن الفلسفة، إذ لم تكن العلوم جزءا‬
                               ‫من الفلسفة بمعناها المخصوص حتى تنفصل عنها.‬




                                       ‫81‬
‫الدرس الثالث‬
                   ‫الفلسفة الشراقية والفلسفة المشائية‬
‫تنقسهم الفلسهفة السهلمية إلى مدرسهتين: الشراقيهة، والمشائيهة. وأمّها الشراقيهة‬
‫فيتزعمهها "الشيهخ شهاب الديهن السههروردي" مهن علماء القرن السهادس، كمها يتزعهم‬
‫المدرسههة المشائيههة فههي السههلم "الشيههخ الرئيههس أبههو علي بههن سههينا"، هذا ويُعدّ‬
‫الشراقيون أتباعا لفلطون، والمشاؤون أتباعا لرسههطو، والختلف الجوهري بيههن‬
‫هاتين المدرستين يكمن في أن المدرسة الشراقية ل تكتفي في دراسة الفلسفة –‬
‫وبخاصههة "الحكمههة اللهيههة" – بمجرد السههتدلل العقلي، بههل تدعههي لزوم مجاهدة‬
‫النفههس وتزكيتههها للوصههول إلى الحقائق، خلفا لمدرسههة المشائيههن التههي تعتمههد‬
                                                                     ‫الستدلل فقط.‬
‫إن كلمههة "الشراق" التههي تعنههي انبثاق النور صههالحة لبيان الطريقههة المدرسههية‬
‫للشراقيين، إل ّ أ نّ كلمة "المشاء" – المأخوذة من المشي، أو بمعنى كثير المشي –‬
‫ههي مجرد تسهمية ل تهبين الطريقهة المدرسهية للمشائيهن، فقهد قيهل فهي بيان سهبب‬
‫إطلق هذه التسمية على أرسطو وأتباعه: إن أرسطو دأب على تعليم تلميذه ماشيا‬
‫معه هم، فإذا أردن ها أن نس هتعمل فيه هم كلم هة وتس همية تحم هل ف هي طياته ها طريقته هم‬
 ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه ه‬           ‫ه‬      ‫ه‬      ‫ه‬         ‫ه‬        ‫ه‬             ‫ه‬
‫الفلسهفية فل يوجهد أفضهل مهن كلمهة السهتدلليين، وعليهه تنقسهم الفلسهفة السهلمية‬
                                              ‫إلى المدرستين: الشراقية والستدللية.‬
‫ول بهد هنها مهن تحقيهق المسهألة التيهة: ههل هناك حقا اختلف فهي الرؤى بيهن‬
‫أفلطون وتلميذه أرسههطو؟ وهههل الطريقههة التههي أفادههها "الشيههخ شهاب الديههن‬
‫السههروردي" – الذي سهنسميه بشيهخ الشراق – ههي طريقهة أفلطون، وأن أفلطون‬
‫كان يدعو إلى الرياضات الروحية والمجاهدات النفسية والمكاشفات القلبية، ويميل –‬
‫كمها يقول شيخ الشراق – إلى "الحكمهة الذوقية"؟ وهل المسائل التهي اختلفت فيهها‬
‫المدرستان في عصر شيخ الشراق وبعده – كأصالة الماهية وأصالة الوجود، وكثرة‬
‫الوجود ووحدته، ومسألة الجعل، ومسألة تركب الجسم من الهيولى والصورة وعدم‬
‫تركبهه، ومسهألة المُثُهل والرباب والنواع، وقاعدة إمكان الشرف، وعشرات المسهائل‬
‫الخرى المشابهههة – كانههت بأجمعههها مورد اختلف بيههن أرسههطو وأفلطون، أو أنههها‬
‫بأجمعههها أو بعضههها – على القههل – حدثههت فيمهها بعههد، ولم تخطههر ببال أفلطون‬

                                         ‫91‬
‫وأرسهطو؟ والذي مكننها قوله هنها: إن مهن المتسهالم عليهه إجمال ً وجود اختلف فهي‬
‫الرؤى بيههن أفلطون وأرسههطو، فقههد ردّ أرسههطو الكثيههر مههن آراء أفلطون، رجاء‬
                                                                             ‫بغيرها.‬
‫وفههي المرحلة السههكندرية – التههي تعدّ حدا فاصههل ً بيههن المرحلتيههن اليونانيههة‬
‫والسههلمية – كان أتباع أفلطون وأرسههطو يؤلّفون فرقتيههن مختلفتيههن، وقههد دوّن‬
‫الفارابهي كتابا صهغيرا اسهمه "الجمهع بيهن رأيهي الحكيميهن" عرض فيهه آراء هذيهن‬
                        ‫الفيلسوفين، وسعى – بنحو من النحاء – إلى التوفيق بينهما.‬
‫والذي نراه – عنهد دراسهة كتهب أفلطون وأرسهطو والكتهب الخرى التهي كُتبهت فهي‬
‫بيان آرائهما، وباللتفات إلى مسار الفلسفة في المرحلة السلمية – أن أكثر المسائل‬
‫الخلفية بين الشراقيين والمشائين في الفلسفة السلمية، ما هي إل ّ مجموعة من‬
‫المسائل المستحدثة، ل ربط لها بأفلطون وأرسطو أبدا، من قبيل: الماهية والوجود،‬
‫والجعهل، وتركهب الجسهم وبسهاطته، وقاعدة إمكان الشرف، ووحدة الوجود وكثرتهه،‬
‫فالختلف بينهمها ل يعدو مها ذكره الفارابهي فهي كتاب "الجمهع بيهن رأيهي الحكيميهن"،‬
                                                           ‫وهو سوى ما تقدم ذكره.‬
‫ومهن وجههة نظرنها هناك ثلث مسهائل مهمهة وقعهت مورد اختلف بيهن أفلطون‬
                                                         ‫وأرسطو، وسيأتي توضيحها.‬
‫والههم مهن كل شيهء ممها يدعهو إلى التأمهل والتشكيهك أن يكون أفلطون مهن‬
                                                         ‫ّ‬
‫الدعاة إلى مجاهدة النف ههس والرياضات الروحي ههة، فل يمك ههن القتناع بأن أفلطون‬
                     ‫ه‬           ‫ه‬                    ‫ه‬
‫وأرسطو كانت لديهما طريقتان، هما: الشراقية، والستدللية، فإننا نستبعد أن يكون‬
‫أفلطون معروفا فهي عصهره – أو العصهور القريبهة منهه – بكونهه مهن دعاة الشراق‬
‫النفساني، كما أنه ليس من المعلوم انحصار كلمة "المشائين" في أرسطو وأتباعه؛ إذ‬
‫يقول الشهرسهتاني فهي الجزء الثانهي مهن كتابهه "الملل والنحهل": ]أمّها المشاؤون فههم‬
‫أهل "لوقين"، وقد كان أفلطون يدرس الحكمة ماشيا إجلل ً لها، فتبعه أرسطو، ولذا‬
                                                 ‫عرف "أرسطو" وأتباعه بالمشائين".‬
‫ول يمكهن التشكيهك طبعا فهي تسهمية أرسهطو وأتباعهه بالمشائيهن، واسهتمرار هذه‬
‫التسهمية فهي العصهور السهلمية، إل ّ أن الذي يقبهل الشهك والتردد، بهل النفهي والنكار،‬


                                         ‫02‬
‫ههو أن يكون "أفلطون" إشراقيا، فإننها ل نجهد أثرا لكون أفلطون فيلسهوفا إشراقيا‬
           ‫ه‬                       ‫ه‬      ‫ه‬                                ‫ه‬
‫داعيا إلى الحكمة الذوقية في كلم الفلسفة الذين سبقوا شيخ الشراق، كالفارابي،‬
‫وأبهي علي بهن سهينا، أو مؤرخهي الفلسهفة، كالشهرسهتاني، بهل ل نجهد أثرا لمصهطلح‬
                                                                                                       ‫) (‬
‫"الشراق" نفسهه 1 ، والذي صهرّح بهذه الكلمهة ههو شيهخ الشراق، وقهد زعهم أيضا فهي‬
‫مقدمهة كتابهه "حكمهة الشراق": أن جماعهة مهن الفلسهفة المتقدميهن كفيثاغورس‬
           ‫ه‬           ‫ه‬       ‫ه ه‬                    ‫ه‬      ‫ه‬      ‫ه‬
‫وأفلطون كانوا مهن دعاة الحكمهة الذوقيهة والشراقيهة، وزعهم أنه أفلطون رئيهس‬
             ‫ّ‬
                                                                                                                  ‫الشراقيين.‬
‫ونحهههن نرى أن شيهههخ الشراق قهههد اختار الطريقهههة الشراقيهههة متأثرا بالعرفاء‬
‫والمتصهوفة مهن المسهلمين، وقهد ابتكهر مزج الشراق بالسهتدلل، إل ّ أنهه نسهب هذه‬
‫الطريقهة – ربمها لتحظهى بالقبول – إلى جماعهة مهن المتقدميهن، ولم يقدم أي دليهل‬
‫على ذلك، كمهها أنههه لم يقدم دليل ً بشأن حكماء إيران القديمههة، ولو كان لديههه دليههل‬
                                                            ‫لذكره، ولما ترك هذه المسألة مبهمة ومجملة.‬
‫إن هّ بعههض مؤرخههي الفلسههفة ممههن ذكههر آراء أفلطون لم يتطرق إلى طريقتههه‬
‫الشراقيهة أبدا، فإنهك ل تجهد فهي "الملل والنحهل" للشهرسهتاني، أو "تاريهخ الفلسهفة"‬
‫للدكتور "هومن"، أو "قصة الفلسفة" لول ديورانت، أو "سير حكمت در أُوربا" أي ذكر‬
‫لطريقهة أفلطون الشراقيهة بالشكهل الذي يدّعيهه شيهخ الشراق، نعهم تجهد فهي كتاب‬
 ‫"سهير حكمت در أُوربا" موضوع الحب ّه الفلطوني، إذ ينقل عهن أفلطون قوله: ]إ نّ‬
‫الروح قبههل نزولههها إلى الدنيهها رأت الجمال المطلق، فهههي لذلك تتذكره حينمهها ترى‬
‫الجمال الظاهري فهي هذه الدنيها، فيشتهد حزنهها لفراقهه إن الحبه الجسهماني مجازي‬
                ‫ّ‬
‫كالحسهن الصهوري، إل ّ أن الحبه الحقيقهي شيهء آخهر، وههو سهبب الدراك الشراقهي،‬
                                               ‫ّ‬
                                                                                                  ‫وبلوغ الحياة الخالدة[.‬
‫1 . يرى "هنري كوربن" أن أول من استعمل هذه الكلمة في العالم السلمي شخص يدعى: ابن الوحشية "حوالي نهاية القرن الثالث، وبداية‬
                                                   ‫القرن الرابع للهجرة"، راجع كتاب: "سه حكيم مسلمان، ص ٣٧ و ٢٨١ الطبعة الثانية".‬
‫يقول السميد حسمن تقمي زادة فمي ملحظات "تاريمخ علوم در إسملم" فمي مجلة "مقالت وبررسميها" التمي تصمدر عمن قسمم التحقيمق فمي كليمة‬
‫اللهيات والمعارف السملمية فمي جامعمة طهران، العدد ٣ و ٤، صم ٣١٢، بعمد ذكمر كتاب مجهول منسموب إلى ابمن الوحشيمة هذا: "والكتاب‬
‫الخر لبن الوحشية النبطي، اسمه "الفلحة النبطية"، ينسبه أيضً إلى فيلسوف بابلي اسمه "قوثامي" ترجمه من أقدم كتب "فمبوشاد" البابلية‬
                                                                          ‫ا‬
‫وقد نسب ابن خلدون – برغم أسلوبه التحقيقي – الكتاب الثاني إلى النبطيين الذين ترجموه من اليونانية إلى العربية. ولكن اتضح فيما بعد من‬
‫خلل دراسمات غوتشميمد ونولدكمه اللمانمي – وبخاصمة نالينمو اليطالي – أن هذا الكتاب منحول، ومليمء بالباطيمل، بمل يرى نالينمو أنّم ابمن‬
‫الوحشيمة شخصمية مختلفمة، وأنّم أبما طالب الزّات قد اختلق جميمع هذه الباطيمل ونسمبها إلى هذا الشخمص المزعوم، كمما يرى المحققون أن هذا‬
                                                                                           ‫ي‬
                     ‫النوع من الكتب من مؤلفات الشعوبية الذين حاولوا أن يثبتوا أن العلوم كانت عند العاجم، ولم يكن لدى العرب منها شيء.‬
‫فل يبعد أن يكون كتاب "الفلحة النبطية" هو الذي أوقع شيخ الشراق في الشتباه، أو كتاب آخر مثله من كتب الشعوبية، وليس بأيدينا كتاب‬
                                                                ‫"الفلحة النبطية" لنقارن ما فيه بما وصلنا من شيخ الشراق في هذا المجال.‬


                                                                ‫12‬
‫إنه الحبه الذي تحدث عنهه أفلطون – وعرف فيمها بعهد بالحب ّه الفلطونهي – ههو‬
                                                                 ‫ّ‬     ‫ّ‬
‫حبههّ الجمال الذي يرى له أفلطون – عنههد الحكماء على القههل – جذورا إلهيههة، ول‬
‫ربهط لهذا الحبه بمها ذكره شيهخ الشراق فهي باب تهذيهب النفهس، والسهلوك العرفانهي‬
                                                                ‫ّ‬
                                                                                                  ‫إلى ا سبحانه.‬
‫إل ّ أن "برترانهد رسهل" ذكهر فهي الجزء الول مهن كتابهه "تاريهخ الفلسهفة" امتزاج‬
‫التعقهههل والشراق فهههي فلسهههفة أفلطون مرارا دون أن يقدّم دليل ً على ذلك، ولم‬
‫يوضّهح أنّه إشراق أفلطون يحصهل مهن طريهق مجاهدة النفهس وتزكيتهها، أو أنّهه وليهد‬
‫حبّ الجمال. والتحقيق بشكل أوسع بحاجة إلى دراسة جميع كتب أفلطون مباشرة.‬
‫نعههم يمكههن قبول نسههبة الشراق إلى "فيثاغورس"، ويبدو أنّههه اسههتهلمه مههن‬
  ‫ه‬                                                   ‫ه‬
‫الشرقييهن. ويدعهي برتراندرسهل أنه أفلطون – الذي يراه إشراقيا – قهد تأثهر فهي ذلك‬
                                               ‫ّ‬
                                                                                                      ‫) (‬
                                                                                                     ‫بفيثاغورس 1 .‬
‫ومههن بيههن آراء أفلطون – سههواءٌ اعتههبرناه إشراقيا أم ل – ثلث مسههائل تؤلّف‬
                     ‫السس الشاخصة في فلسفته، وقد خالفه أرسطو فيها جميعا، وهي:‬
‫١- نظريههة المُثُههل، ومفادههها أنههّ مهها نشاهده فههي هذا العالم – مههن الجواهههر‬
‫والعراض – له حقيقة ووجود أصيل في عالم آخر، وأن أفراد هذا العالم ما هي إلّ‬
‫ظلل لحقائق ذلك العالم، فلجميههع أفراد النسههان الذيههن يعيشون فههي هذا العالم‬
‫أصهل وحقيقهة فهي عالم آخهر، والنسهان الصهيل والحقيقهي ههو إنسهان ذلك العالم،‬
                                                      ‫وهكذا المر بالنسبة إلى سائر الشياء الُخرى.‬
‫ويسهمّي أفلطون تلك الحقائق بهه"‪ ،"Idea‬وترجمهت إلى العربيهة بهه"المُثُهل"، كمها‬
‫سهميت جميهع تلك الحقائق بهه"المثهل الفلطونيهة"، وقهد أنكهر ابهن سهينا نظريهة المثهل‬
‫بشدة، فهي حيهن أيّدهها شيخ الشراق بشدة، وكذا الميرداماد، وصهدر المتألهين، إل ّ أن‬
‫تفس هير هذي هن الخيري هن – وبخاص هة الميرداماد – لنظري هة المث هل يختلف ع هن تفس هير‬
  ‫ه‬      ‫ه‬          ‫ه‬       ‫ه‬                     ‫ه‬          ‫ه‬         ‫ه‬       ‫ه‬
‫أفلطون وشيههخ الشراق، كمهها أيّههد نظريههة المثههل فههي الفترة السههلمية "الميههر‬
‫فندرسهكي" مهن فلسهفة العصهر الصهفوي، وله قصهيدة بالفارسهية يهبين فيهها رأيهه فهي‬
                                                                                                                 ‫المثل.‬

‫1 . للطلع على فلسفة "فيثاغورس" راجع الجزء الثاني من "الملل والنحل" للشهرستاني، والجزء الول من "تاريخ الفلسفة" لبرتراندرسل.‬


                                                          ‫22‬
‫٢- إ نّ الروح قبل تعلقها بالبدن كانت موجودة ومخلوقة في عالم أسمى وأرفع،‬
       ‫وهو عالم المثل نفسه، وبعد أن خلقت البدان تعلقت الرواح بها، وحلّت فيها.‬
‫٣- ومفاد المسألة الثالثة – التي تقوم على المسألتين السابقتين، وتعدّ كنتيجة لهما‬
‫– أن العلم ليهس سهوى اسهتذكار، وليهس تعلما حقيقيا، بمعنهى أن كلّ مها نتعلمهه فهي‬
‫هذا العالم – ونتصههوره شيئا مجهول ً تعلمناه أول مرة – مهها هههو فههي الحقيقههة إلّ‬
‫استحضار لتلك المور التي عرفناها سابقا في عالم المثل؛ وذلك لما تقدم أن الروح‬
‫قبهل تعلقهها بالبدن كانهت مخلوقهة فهي عالم أرفهع، وقهد شاهدت فيهه "المثهل"، وذكران‬
‫أن حقيقههة كلّ شيههء هههي "مثال" ذلك الشيههء، فتكون الرواح قههد أدركههت المثههل‬
‫والحقائق فهي وقهت سهابق، إل ّ أنهها بمجرد أن تحلّ فهي البدان تنسهى مها رأتهه فهي‬
‫عالم المثهل؛ وذلك لن البدان بالنسهبة إلى الرواح بمنزلة السهتارة التهي توضهع على‬
‫المرآة، تحول دون وصول الضوء وانطباع الصور فيها، وبفعل الديالكتيك، أي: البحث‬
‫والجدل والطرق العقليهة، أو بفعهل الحبهّ، أو المجاهدات الروحيهة والرياضات النفسهية‬
‫– على ما يراه شيخ الشراق وأضرابه – تنزاح تلك الستارة، فيسطع النور على المرآة‬
                                                                   ‫وتظهر فيها الصور.‬
‫وق هد خالف أرس هطو جمي هع هذه الص هور، فأنك هر أول ً وجود كلّيات مثالي هة ومجردة‬
        ‫ه‬                          ‫ه‬         ‫ه‬          ‫ه‬       ‫ه‬           ‫ه‬
         ‫وملكوتية؛ لنه يعدّ الكلّي – أو بتعبير أصح: "كلّية الكلّي" – مجرد أمر ذهني.‬
‫ورأى ثانيا أن الروح تُخلق بعههد خلق البدن، أي: مقارنههة لكتمال البدن، وأن البدن‬
‫ليههس حجابا مانعا بالنسههبة إلى الروح، بههل المههر بعكههس ذلك، فإنههه أداة بيههد الروح‬
‫للوص ههول إلى المعلومات الجديدة، فالروح إنم هها تحصهههل على المعلومات بواس ههطة‬
   ‫ه‬                              ‫ه‬                                      ‫ه‬
                                                       ‫الحواس الموجودة في البدن.‬
       ‫وثالثا: أن الروح لم تكن سابقا في عالم آخر لتحصل على المعلومات فيه.‬
‫وقهد اسهتمر الخلف – فهي هذه المسهائل المهمهة، وغيرهها مهن المسهائل التهي ل‬
‫ترقههى إلى أهميته ها – بيههن الفلس هفة الذي هن جاؤوا بعدهم ها، فظه هر فههي المدرس هة‬
 ‫ه‬              ‫ه‬       ‫ه‬              ‫ه‬        ‫ه‬                ‫ه‬
‫السهكندرية أنصهار لفلطون كمها ظههر أنصهار لرسهطو، فسهمي أتباع أفلطون فهي‬
‫هذه المرحلة بالفلطونييهن الجُدُد. وقهد أسهس هذه المدرسهة شخهص مصهري اسهمه‬




                                         ‫32‬
‫"آمونياس سهاكاس"، ومهن أبرز روّاد هذه المدرسهة شخهص مصهري مهن أصهل يونانهي‬
           ‫اسمه "أفلوطين"، وكان المؤرخون المسلمون يسمّونه "الشيخ اليوناني".‬
‫وقهد جاء الفلطونيون الجدد بأُمور جديهد ربمها اسهتقوها مهن المصهادر الشرقيهة.‬
‫وكان عدد أنصهال أرسهطو مهن الكسهندريين كثيرا، فشرحوا كتهب أرسهطو، وكان مهن‬
                                  ‫أبرزهم "تامسطيوس" و"إسكندر الفريدوسي".‬




                                      ‫42‬
‫الدرس الرابع‬
                         ‫المدارس الفكرية السلمية‬
‫ذكرنها فهي الدرس السهابق المدرسهة الفلسهفية الشراقيهة والمشائيهة باختصهار، كمها‬
‫ذكرنا مجموعة من المسائل الخلفية بين هاتين المدرستين، وقد تقدم أن أفلطون‬
‫– بناءً على المشهور – زعيههم المدرسههة الشراقيههة، وأن أرسههطو زعيههم المدرسههة‬
‫المشائيهة، وأشرنها إلى اسهتمرار هاتيهن المدرسهتين فهي العصهور السهلمية، فلبعهض‬
                         ‫الفلسفة المسلمين منهج إشراقي، ولبعضهم منهج مشائي.‬
‫وهناك ف ههي العالم الس ههلمي مدارس فكري ههة أخرى تختلف ع ههن المدرس ههتين‬
    ‫ه‬          ‫ه‬                ‫ه‬                ‫ه‬              ‫ه‬
‫المتقدمتيهن، ولقهد لعهب دورا هاما وأسهاسيا فهي تطويهر الثقافهة السهلمية، فل بهد مهن‬
                                       ‫الشارة إليها أيضا، والمهم من بينها مدرستان:‬
                                                           ‫١- المدرسة العرفانية.‬
                                                            ‫٢- المدرسة الكلمية.‬
‫إن العرفاء والمتكلمين لم يعتبروا أنفسهم أتباعا للفلسفة، سواءٌ الشراقيون أم‬
‫المشاؤون، بهل وقفوا ضدههم بشدة، ممها ترك فهي الفلسهفة السهلمية تأثيرا ملحوظا،‬
‫لقهد أدّى العرفان والكلم إلى تنشيهط حركهة الفلسهفة السهلمية، وفتهح آفاقا جديدة‬
‫أمام الفلس هفة، فالكثي هر م هن المس هائل المذكورة ف هي الفلس هفة الس هلمية ق هد أثاره‬
       ‫ه‬       ‫ه‬       ‫ه‬        ‫ه‬               ‫ه‬       ‫ه ه‬              ‫ه‬
  ‫المتكلمون والعرفاء، برغم أن آراء الفلسفة تختلف عن آراء العرفاء والمتكلمين.‬
‫وعليههه يكون مجموع المدارس الفكريههة السههلمية أربعههة، وبديهههي أننهها نريههد‬
‫المدارس الفكرية ذات الطابع الفلسفي العام، بمعنى معرفة الوجود والعالم، فنحن‬
‫– إذ نبحهث هنها فهي كلّيات الفلسهفة – ل نتعرض إلى المدارس الفكريهة الفقهيهة، أو‬
        ‫التفسيرية، أو الروائية، أو الدبية، أو السياسية، أو الخلقية؛ لنّها من وادٍ آخر.‬
‫ثهم إنّه جميهع هذه المدارس تمتاز – تأثرا بالتعاليهم السهلمية – بطابهع مخصهوص‬
‫مهن المدارس التهي تكونهت خارج ال ُهطر السهلمية، وبعبارة أخرى: غلبهت عليهها روح‬
                       ‫الثقافة السلمية، فتكون المدارس الفلسفة السلمية كالتي:‬
‫١ - المدرسهة الفلسهفية السهتدللية المشائيهة، وأتباعهها كثيرون؛ إذ ينتمهي‬
‫إليهها أكثهر الفلسهفة المسهلمين، مهن قبيهل: الكندي، والفارابهي، وابهن سهينا، والخواجهة‬
‫نصهير الديهن الطوسهي، والميرداماد، وابهن رشهد الندلسهي، ويعتهبر ابهن سهينا النموذج‬

                                         ‫52‬
‫الكامهل لهذه المدرسهة، فإن كتبهه الفلسهفية كلّهها – مهن قبيهل: "الشفاء" و"الشارات"‬
‫و"النجاة" و"دانهش نامهه علئي" و"المبدأ والمعاد" و"التعليقات" و"المباحثات" و"عيون‬
‫الحكمة" – في الفلسفة المشائية، وهذه المدرسة تعتمد الستدلل والبرهان العقلي‬
                                                                            ‫فقط.‬
‫٢- المدرسهة الفلسهفية الشراقيهة، وعدد المنتسهبين إليهها قليهل بالقياس إلى‬
‫المدرسهة المشائيهة، وقهد شادهها "شيهخ الشراق السههروردي"، وكان لقطهب الديهن‬
‫الشيرازي والشهرزوري وغيرهمهها طريقههة إشراقيههة، ويعدّ "شيههخ الشراق" نفسههه‬
‫النموذج الكامهل لهذه المدرسهة، فصهنف فيهها كتبا كثيرة، مهن قبيهل: "حكمهة الشراق"‬
‫و"التلويحات" و"المطارحات" و"المقارنات" و"هياكههل النور"، وأشهرههها كتاب "حكمههة‬
‫الشراق"، فقد انفرد هذا الكتاب بأسلوبه الشراقي الخالص، كما أن لشيخ الشراق‬
      ‫بعض الرسائل باللغة الفارسية، منها "أواز ﭙر جبرئيل" و"عقل سرخ" وغيرهما.‬
                                             ‫وتعتمد هذه المدرسة شيئين هما:‬
                                             ‫أو ل ً: الستدلل والبرهان العقلي.‬
‫وثانيا: المجاهدة الروحيههة وتزكيههة النفههس، فل ترى هذه المدرسههة السههتدلل‬
                                    ‫العقلي وحده كفايا في اكتشاف حقائق العالم.‬
‫٣ . المدرس هة الس هلوكية العرفاني هة، ويعتمههد فيههها العرفان والتصههوف على‬
                                        ‫ه‬               ‫ه‬      ‫ه‬
‫تصهفية النفهس، مهن خلل السهلوك والتقرب إلى ا حتهى بلوغ الحقيقهة، ول يعتمهد‬
‫السهتدلل العقلي أبدا، وترى هذه المدرسهة أن يهد السهتدلليين جذّاء، وليهس الهدف‬
                                 ‫لديها كشف الحقيقة فقط، بل الوصول إليها كذلك.‬
‫وينتمي إلى هذه المدرسة كثير من العرفاء البارزين في العالم السلمي، منهم:‬
‫أبهو يزيهد البسهطامي، والحلج، والشبلي، والجنيهد البغدادي، وذو النون المصهري، وأبهو‬
‫سعيد أبو الخير، والخواجة عبد ا النصاري، وأبو طالب المكي، وأبو نصر السرّاج،‬
‫وأبهو القاسهم القشيري، ومحيهي الديهن ابهن عربهي الندلسهي، وابهن الفارض المصهري،‬
                                                                ‫والمولوي الرّومي.‬
‫ويعتهبر محيهي الديهن بهن عربهي النموذج الكامهل فهي العرفان السهلمي؛ إذ جعهل‬
                            ‫من العرفان علما مدونا، وقد تأثر به كلّ من جاء بعده.‬


                                       ‫62‬
‫وتشترك المدرسهتان العرفانيهة والشراقيهة فهي جههة، وتختلفان فهي جهتيهن، فكلتها‬
                  ‫المدرستين تعتمد على تهذيب النفس وتزكيتها، وتختلفان فيما يلي:‬
‫أو ل ً: فههي أن العارف ينفههي السههتدلل كلّ، خلفا للفيلسههوف الشراقههي الذي‬
                                                 ‫يحتفظ به إلى جانب تزكية النفس.‬
‫ثانيا: أن غايهة الفيلسهوف الشراقهي – كأيّه فيلسهوف آخهر – كشهف الحقيقهة، فهي‬
                                                    ‫حين يهدف العارف إلى بلوغها.‬
‫٤ - المدرسهة السهتدللية الكلميهة، فالمتكلمون – كالفلس هفة المشائي هن –‬
   ‫ه‬           ‫ه‬
                ‫يعتمدون على الستدلل العقلي، إل ّ أنهم يختلفون عنهم في شيئين:‬
‫الول: أن القواعهد والمبادئ العقليهة التهي يفتتهح بهها المتكلمون بحوثههم تختلف‬
‫عن القواعد والمبادئ العقلية التي يفتتح بها الفلسفة بحوثهم، فإنّ أهم ما يفتتح به‬
‫المتكلمون – وبخاصههة المعتزلة منهههم – بحوثهههم قاعدة "الحسههن والقبههح"، إل ّ أن‬
‫المعتزلة يرون الحسن والقبح عقليين، في حين يراهما الشاعرة شرعيين، وقد رتّب‬
‫المعتزلة على هذه القاعدة مجموعهههة م ههن القواع ههد الخرى، م ههن قبي ههل: "قاعدة‬
          ‫ه‬       ‫ه‬            ‫ه‬          ‫ه‬
            ‫اللطف"، و"وجوب الصلح على الباري تعالى"، وكثيرا من المور الخرى.‬
‫إل ّ أن الفلسهفة يرون أن قاعدة الحسهن والقبهح مهن القواعهد البشريهة العتباريهة،‬
‫كسهائر المقبولت والمعقولت العمليهة المذكورة فهي المنطهق، والتهي ل تسهتخدم إلّ‬
‫فهي "الجدل" دون "البرهان"، ولذا يسهمّي الفلسهفة الكلم بهه"بالحكمهة الجدليهة"، ل‬
                                                               ‫"الحكمة البرهانية".‬
‫الثانهي: أن المتكلم – خلفا للفيلس هوف – يرى نفس هه مس هؤول ً ف هي الدفاع عهن‬
 ‫ه‬          ‫ه‬        ‫ه‬     ‫ه‬             ‫ه‬
‫حياض السهلم، فهي حيهن أن البحهث الفلسهفي بحهث حرّ، بمعنهى أن الفيلسهوف ليهس‬
                            ‫له هدف أو عقيدة معينة يرى نفسه ملزما بالدفاع عنها.‬
                                         ‫وينقسم الكلم بدوره إلى ثلثة أقسام:‬
                                              ‫١ - طريقة المعتزلة الكلمية.‬
                                             ‫٢ - طريقة الشاعرة الكلمية.‬
                                               ‫٣ - طريقة الشيعة الكلمية.‬
‫ول يسهعنا هنها شرح هذه الطرق بشكهل كامهل؛ إذ يحتاج كلّ واحدٍ منهها إلى بحهث‬
                                                                          ‫مستقل.‬


                                        ‫72‬
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة
مدخل إلى الفلسفة

More Related Content

What's hot

تاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثتاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثnashwa mohammed
 
علم النفس الاجتماعي الفصل 01
علم النفس الاجتماعي الفصل 01علم النفس الاجتماعي الفصل 01
علم النفس الاجتماعي الفصل 01aishah99
 
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د.... Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....benamor belgacem
 
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصرالفكر الإسلامي الحديث والمعاصر
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصرMohammad Kettani
 
الالحاد المعاصر2003
الالحاد المعاصر2003الالحاد المعاصر2003
الالحاد المعاصر2003surg_amr
 

What's hot (8)

تاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحثتاريخ مناهج البحث
تاريخ مناهج البحث
 
علم النفس الاجتماعي الفصل 01
علم النفس الاجتماعي الفصل 01علم النفس الاجتماعي الفصل 01
علم النفس الاجتماعي الفصل 01
 
10
1010
10
 
1l
1l1l
1l
 
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د.... Benamor.belgacemمقاصد المقاصد   الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
Benamor.belgacemمقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة - د....
 
العلم الشرعي
العلم الشرعيالعلم الشرعي
العلم الشرعي
 
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصرالفكر الإسلامي الحديث والمعاصر
الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر
 
الالحاد المعاصر2003
الالحاد المعاصر2003الالحاد المعاصر2003
الالحاد المعاصر2003
 

Similar to مدخل إلى الفلسفة

شغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلشغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلAbeer Rizk
 
الانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةالانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةMero Cool
 
التاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيالتاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيAyad Haris Beden
 
المذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروباالمذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروبامنى محمد
 
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّايجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّاBen Messaoud Mohamed
 
الفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxالفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxssuserb92ba6
 
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةHassan Kourani
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثHassan Kourani
 
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريموجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريssuser4dca04
 
مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&blrose2011
 
أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7bakork
 
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptمفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptQamarBHaddad
 
Tabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhTabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhحسن قروق
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلاميbenamor belgacem
 
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015محمد الجمل
 
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلمشيخ العمود
 
الفلسفة الواقعية
الفلسفة الواقعيةالفلسفة الواقعية
الفلسفة الواقعيةmabbas62
 
النورسي ..مربيا
النورسي ..مربياالنورسي ..مربيا
النورسي ..مربياHamid Benkhibech
 

Similar to مدخل إلى الفلسفة (20)

شغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدلشغل المدرسة المعدل
شغل المدرسة المعدل
 
الانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعيةالانثروبولوجيا الاجتماعية
الانثروبولوجيا الاجتماعية
 
التاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبيالتاريخ للصف الرابع الادبي
التاريخ للصف الرابع الادبي
 
المذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروباالمذاهب الأدبية في أوروبا
المذاهب الأدبية في أوروبا
 
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّايجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
يجب أن نحطّم الحكم المسبق الشائع الذي فحواه أن الفلسفة شيئا صعبا جدّا
 
الفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptxالفلسفة اليونانية.pptx
الفلسفة اليونانية.pptx
 
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفةالمخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
المخطط الأوّلي للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مراحل البحث المختلفة
 
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحثالمخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
المخطط التمهيديّ للبحث يخضع للكثير من التعديلات أثناء مختلف مراحل البحث
 
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطريموجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
موجز_في_أساسيات_علم_النفس_الفطري
 
مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&مطوية ما هي الثقافة &&&
مطوية ما هي الثقافة &&&
 
أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7أسس المناهج و تنظيماتها7
أسس المناهج و تنظيماتها7
 
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.pptمفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
مفهوم علم الجمال والفن والجمال.ppt
 
Tabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadhTabayun05 2013 walid nwihadh
Tabayun05 2013 walid nwihadh
 
u090927
u090927u090927
u090927
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 
مصطلح (الثقافة) – مفهومه ودلالاته وعلاقته بمصطلح (الحضارة)
مصطلح (الثقافة) – مفهومه ودلالاته وعلاقته بمصطلح (الحضارة)مصطلح (الثقافة) – مفهومه ودلالاته وعلاقته بمصطلح (الحضارة)
مصطلح (الثقافة) – مفهومه ودلالاته وعلاقته بمصطلح (الحضارة)
 
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
تاريخ الصف الأول الثانوى 2015
 
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم
001 محاضرة المدخل إلى طلب العلم
 
الفلسفة الواقعية
الفلسفة الواقعيةالفلسفة الواقعية
الفلسفة الواقعية
 
النورسي ..مربيا
النورسي ..مربياالنورسي ..مربيا
النورسي ..مربيا
 

More from سراج منير

العقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزالعقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزسراج منير
 
في النفس والجسد
في النفس والجسدفي النفس والجسد
في النفس والجسدسراج منير
 
فلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينفلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينسراج منير
 
الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته سراج منير
 
الانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرالانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرسراج منير
 
الانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهالانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهسراج منير
 
مدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانمدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانسراج منير
 

More from سراج منير (9)

العقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجزالعقل - مدخل موجز
العقل - مدخل موجز
 
‫لغز العقل
‫لغز العقل‫لغز العقل
‫لغز العقل
 
في النفس والجسد
في النفس والجسدفي النفس والجسد
في النفس والجسد
 
فلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرينفلسفة العلم في القرن العشرين
فلسفة العلم في القرن العشرين
 
الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته الانسان من اجل ذاته
الانسان من اجل ذاته
 
الانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهرالانسان بين الجوهر والمظهر
الانسان بين الجوهر والمظهر
 
الانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحررهالانسان المستلب وآفاق تحرره
الانسان المستلب وآفاق تحرره
 
ارتقاء الانسان
ارتقاء الانسانارتقاء الانسان
ارتقاء الانسان
 
مدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفانمدخل إلى الكلام والعرفان
مدخل إلى الكلام والعرفان
 

مدخل إلى الفلسفة

  • 1. ‫مدخل إلى العلوم السلمية )٣(‬ ‫الفلسفة‬ ‫الستاذ الشهيد مرتضى المطهري‬ ‫ترجمة: حسن علي الهاشمي‬ ‫مراجعة: السيد علي مطر‬ ‫دار الولء‬ ‫1‬
  • 2. ‫تمهيد‬ ‫ما هو المراد من العلوم السلمية؟‬ ‫يجدر بنها فهي هذا الدرس أن نتحدّث قليل ً عهن كلمهة "العلوم السهلمية" وضهع لهها‬ ‫تعريفا جليا؛ ليتضح مرادنا من العلوم السلمية، وماهية الكلّيات التي نحاول معرفتها‬ ‫في هذه الدروس.‬ ‫إنه العلوم السهلمية، التهي ههي موضوع بحثنها، يمكهن تعريفهها على أنحاء عدّة،‬ ‫ّ‬ ‫وتبعا لختلف التعاريف تختلف المواضيع:‬ ‫١- العلوم التي تدور موضوعاتها أو مسائلها حول أُصول السلم وفروعه، أو التي‬ ‫يمكن من خللها إثبات أُصول السلم وفروعه، وهي: القرآن والسنّة، من قبيل: علم‬ ‫) (‬ ‫القراءة، علم التفس هير، علم الحدي هث، علم الكلم النقلي 1 ، علم الفق هه، علم الخلق‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫) (‬ ‫النقلي 2 .‬ ‫٢- العلوم المذكورة آنفا، بالضافة إلى العلوم المُمهّدة لها، والعلوم المُمهّدة من‬ ‫قبيهل: الدب العربهي، مهن الصهرف والنحهو واللغهة والمعانهي والبيان والبديهع وغيرهها،‬ ‫ومهن قبيهل: الكلم العقلي، والخلق العقليهة، والحكمهة اللهيهة، والمنطهق، وأ ُهصول‬ ‫الفقه، والرجال، والدراية.‬ ‫٣- العلوم التهي تعدّ – بنحهو مهن النحاء – جزءا مهن الواجبات السهلمية، وههي‬ ‫التهي يجهب على المسهلمين تحصهيلها، ولو على نحهو الواجهب الكفائي، والتهي يشملهها‬ ‫الحديث النبويّ المعروف: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".‬ ‫إن العلوم التهي تعتهبر موضوعاتهها ومسهائلها مهن الصهول أو الفروع السهلمية أو‬ ‫التهي يسهتند إليهها فهي إثبات تلك الصهول والفروع، مهن الواجهب تحصهيلها؛ لن ّه الحاطهة‬ ‫بأُهصول الديهن السهلمي مهن الواجبات العينيهة على كلّ مسهلم، والحاطهة بفروعهها‬ ‫واجهب كفائي، كمها تجهب دراسهة القرآن والسهنّة أيضا؛ إذ ل يتيسهر مهن دونهمها معرفهة‬ ‫أُصول السلم وفروعه.‬ ‫وهكذا تجب دراسة العلوم المُمهّدة لتحصيل هذه العلوم من باب )وجوب مقدمة‬ ‫الواجهب(، أي: ينبغهي أن يكون هناك دائما أفراد ملمّون بهذه العلوم بالمقدار الكافهي‬ ‫1 . سيتضح فيما بعد أن علم الكلم على قسمين: عقلي ونقلي، وسيتضح الفرق بينهما.‬ ‫2 . الخلق أيضً على قسمين كعلم الكلم: عقلية ونقلية، وسنتحدث فيما بعد عن ذلك أيضً.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫2‬
  • 3. ‫على القل. بل ينبغهي أن يكون هناك دائما مَهنْ يساهم في تطوير العلوم السهاسية‬ ‫والتمهيدية، ويعمل على إثرائها وتنميتها باستمرار.‬ ‫وق هد س هعى العلماء المس هلمون طوال القرون الربع هة عش هر إلى توس هيع رقع هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫العلوم المذكورة، وقهد حققوا فهي هذا الصهدد نجاحات ملحوظهة، وسهتطّلعون تدريجيا‬ ‫على نشوء هذه العلوم ونموّها وتحوّلها وتكاملها.‬ ‫إنهّ العلوم التهي ههي باب الفريضهة والت هي يج هب على المسهلمين تحصهيلها غيهر‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫منحصهرة فهي العلوم المتقدمهة، فكهل علم توقفهت تلبيهة الحاجات الضروريهة للمجتمهع‬ ‫السلمي على معرفته والتخصص والجتهاد فيه، وجب على المسلمين تحصيله من‬ ‫باب المقدمة التهيؤيّة.‬ ‫ولكي نوضح أن السلم دين جامع وشامل، وأنه لم يكتف بسلسلة من المواعظ‬ ‫الخلقيهة والفرديهة فقهط، وأنهه ديهن يعمهل على صهيانة المجتمهع، نقول: إنه السهلم‬ ‫ّ‬ ‫عمهد إلى كلّ مها يحتاج إليهه المجتمهع فأوجبهه على الكفايهة، فإذا كان المجتمهع بحاجهة‬ ‫إلى طههبيب على سههبيل المثال، يغدو الطبههّ واجبا كفائيا، أي: يجههب توفيههر الطباء‬ ‫ه‬ ‫بالمقدار الكافهي، وإذا لم يكهن هناك أطباء بالمقدار الكافهي وجهب على الجميهع أن‬ ‫يُمهّدوا الرضيهة بغيهة توفيهر الطباء، ورفهع هذه الحاجهة، وبمها أن الطبه يتوقهف على‬ ‫ّ‬ ‫تحصهيل علوم الطهب يكون تحصهيلها حتما مهن الواجبات الكفائيهة، وهكذا المهر فهي‬ ‫التعليم، والسياسة، والتجارة، وأنواع الفنون والصناعات الُخرى.‬ ‫وفهي الموارد التهي يتوقهف فيهها حفهظ المجتمهع السهلمي وكيانهه على تحصهيل‬ ‫العلوم والصناعات بأرفع مستوى ممكن يجب تحصيل تلك العلوم بذلك المقدار، ومن‬ ‫هنها يعتهبر السهلم جميهع العلوم الضروريهة للمجتمهع السهلمي فريضهة، وعليهه سهوف‬ ‫تشمهل العلوم السهلمية – بحسهب هذا التعريهف الثالث – الكثيهر مهن العلوم الطبيعيهة‬ ‫والرياضية "التي يحتاج إليها المجتمع السلمي".‬ ‫٤- العلوم التهي تكاملت فهي الحواضهر العلميهة السهلمية، أعمه مهن التهي تعد فهي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظهر السهلم واجبهة وضروريهة، وأعمه مهن التهي تعدّ فهي نظره محظورة إل ّ أنّهها على‬ ‫ّ‬ ‫كلّ حال شق ّت طريقها في المجتمع السلمي، من قبيل: علم التنجيم الحكامي "ل‬ ‫علم التنجيههم الرياضههي"، فإننهها نعلم بإباحههة علم التنجيههم، كونههه جزءا مههن العلوم‬ ‫3‬
  • 4. ‫السهلمية المباحهة، فيمها إذا ارتبهط بالمعادلت الرياضيهة التهي تدرس أحوال الكون،‬ ‫وتقوم ب ههبيان س ههلسلة م ههن التنبؤات القائم ههة على ال ُ ههسس الرياضي ههة كالخس ههوف‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والكسهوف، وأمّها الخارج منهها عهن حدود المعادلت الرياضيهة – المتعلق بهبيان سهلسلة‬ ‫مهن الروابهط الخفيّهة بيهن الحوادث السهماوية والوقائع الرضيهة، منتهيا إلى سهلسلة مهن‬ ‫التكهنات بشأن الحوادث الرضية – فهو حرام في نظر السلم، ولكن برغم ذلك تجد‬ ‫) (‬ ‫كل هذين النوعين من علم التنجيم موجودا في مهد الثقافة والحضارة السلمية 1 .‬ ‫وبعد أن عرضنا تعاريف مختلفة لكلمة "العلوم السلمية"، واتضح أن هذه الكلمة‬ ‫تستعمل في الموارد المختلفة في معا نٍ متعددة، وأن بعض تلك المعاني أوسع من‬ ‫بعهض أو أضيهق، نشيهر إلى أن المراد مهن العلوم السهلمية التهي نريهد أن نتحدث عنهها‬ ‫بشكل كلي هو ما ذكرناه في التعريف الثالث، أي: العلوم التي يعدّها السلم – بنحو‬ ‫م هن النحاء – فريض هة ذات تاري هخ عري هق ف هي الثقاف هة والحضارة الس هلمية، والت هي‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫تحظهى باحترام المسهلمين وتقديرههم بوصهفها أداة لرفهع حاجهة، أو وسهيلة إلى إنجاز‬ ‫فريضة من الفرائض.‬ ‫وفهي هذا الدرس ينبغهي للطلب العزاء أن يدركوا أن الثقافهة السهلمية تشكهل‬ ‫ثقافهة خاصهة بيهن الثقافات العالميهة، ولهها روحهها الخاصهة بهها، وسهلسلة مهن المميزات‬ ‫الخاصة، ومهن أجل معرفة ثقافهة من الثقافات، أنهها ذات أصهالة مسهتقلة، تتمتع بحياة‬ ‫وروح خاصههة، أو أنههها مجرد تقليههد للثقافات الخرى – وربمهها كانههت مجرد اسههتمرار‬ ‫للثقافات الس هابقة – ينبغ هي معرف هة بواع هث تلك الثقاف هة وهدفه ها وحركته ها وطريق هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫نموّها، وكذا سماتها البارزة وإخضاعها للفحص الدقيق، فإذا تمتعت ثقافة ما ببواعث‬ ‫خاصهة وكان لهها هدفهها وحركتهها الخاصهة بهها، وكانهت طريقهة حركتهها مغايرة لطريقهة‬ ‫حركهة سهائر الثقافات، وكان لهها سهماتها البارزة، عدّ ذلك دليل ً على أصهالة تلك الثقافهة‬ ‫واستقللها.‬ ‫وبديههي أن إثبات أصهالة ثقافهة وحضارة مها ل يعنهي بالضرورة أنهها لم تسهتفد مهن‬ ‫الثقافات والحضارات الُخرى، لن هذا مسههتحيل؛ إذ مهها مههن ثقافههة فههي العالم إلّ‬ ‫1 . للطلع على العلوم التي تكاملت أو دخلت في الثقافة السلمية يراجع كتاب: )كارنامه إسلم(، لمؤلفه الكتور: عبد الحسين ز ّين كوب.‬ ‫ر‬ ‫4‬
  • 5. ‫اسههتفادت مههن الثقافات والحضارات الُخرى، وإنمهها الكلم فههي كيفيههة السههتفادة‬ ‫والنتفاع.‬ ‫فأحههد أنواع النتفاع أن تقوم ثقافههة باسههتيراد ثقافههة أو حضارة أُخرى بل أدنههى‬ ‫تصههرف فيههها، والنوع الخههر أن تقوم الثقافههة بعمليههة اسههتيعاب الثقافههة والحضارة‬ ‫الُخرى، كمها تصهنع الخليّهة الحيّهة فهي اجتذاب المواد وهضمهها وتحويلهها إلى موجودات‬ ‫وكائنات جديدة.‬ ‫والثقافة السلمية من النوع الثاني، فقد نمت كالخلي ّة الحي ّة، إذ اجتذبت الثقافات‬ ‫الُخرى مهن اليونانيهة والهنديهة واليرانيهة وغيرهها وحوّلتهها إلى كائن جديهد له سهماته‬ ‫الخاصهة. وقهد اعترف الباحثون فهي تاريهخ الثقافهة والحضارة بأن الحضارة السهلمية‬ ‫من أكبر الحضارات والثقافات البشرية.‬ ‫أ ين تكون تك و ّ نت هذه الخلي ّة الحيو ية الثقاف ية، وعلى يد من؟ و من‬ ‫أي نقطة بدأ تكاملها؟‬ ‫إ نّ هذه الخلي ّة – كسائر الخليا التي تكون صغيرة وغير محسوسة في بدايتها –‬ ‫ظهرت في المدينة المنوّرة على يد الرسول الكرم )صلّى ا عليه وآله وسلم(، فبدأ‬ ‫النوع الوّل من العلوم السلمية أعماله..‬ ‫) (‬ ‫ولمزيد من الطلع ينبغي الرجوع إلى الكتب الخاصة 1 .‬ ‫وينبغي التذكير بأن العلوم السلمية تنقسم إلى قسمين: العلوم العقلية، والعلوم‬ ‫النقلية.‬ ‫وسنبدأ بالفلسفة الذي يعدّ جزءا من العلوم العقلية.‬ ‫1 . راجع: "كارنامه إسلم"، تأليف: الدكتور ز ّين كوب، و"تاريخ التمدن السلمي"، لمؤلفه: جرجي زيدان، ج ٣، و"خدمات متقابل إسلم‬ ‫ر‬ ‫وإيران"، بقلم المؤلف، القسم الثالث.‬ ‫5‬
  • 6. 6
  • 7. ‫الفلسفة‬ ‫الدرس الول‬ ‫ما هي الفلسفة؟ ) ١ (‬ ‫أول م ها ينبغ هي معرفت هه ع هن الفلس هفة أن نحدد معناه ها، ولك هن نظرا إلى الخلط‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الواقع في الجابة عن هذا السؤال ل بد قبل كل شيء من مقدمة قصيرة تذكر عادة‬ ‫في المنطق:‬ ‫التعريف اللفظي والتعريف المعنوي‬ ‫يقول المناطقة: حينما يسأل عن ماهية الشيء يكون مورد السؤال مختلفا، فتارة‬ ‫يسهأل عهن مفهوم اللفهظ ومعناه، أي: حينمها نسهأل: مها ههو الشيهء الكذائي؟ يكون‬ ‫المراد به"ما هو" الستفهام عن المعنى اللغوي أو الصطلحي لذلك اللفظ؟ فلو أننا‬ ‫قرأنهها كتابا، وواجهنهها لفههظ "العنقاء"، ولم نعرف معناه، وسههألنا شخصهها: مهها هههي‬ ‫العنقاء؟ فسيجيب: طائر خرافي، أو واجهنا لفظ "الكلمة" في كلم المناطقة، وسألنا‬ ‫آخهر عهن معناهها فهي مصهطلحهم، فسهيقول: "الكلمهة" فهي مصهطلح المناطقهة عبارة‬ ‫عن "الفعل" في مصطلح النحاة.‬ ‫وبديهههي أن علقههة اللفههظ بالمعنههى علقههة وضعيههة واصههطلحية، سههواء أكان‬ ‫اصطلحا مخصوما أم عاما.‬ ‫وللجابة عن ذلك ل بد من الرجوع إلى موارد الستعمال أو الكتب اللغوية، ومن‬ ‫المحتمهل أن يكون لمثهل هذا السهؤال عدّة أجوبهة صهحيحة؛ إذ يمكهن أن يكون للّهفظ‬ ‫الواحهد معانهٍ مختلفهة لختلف العراف، فقهد يكون له معنهى فهي عرف المناطقهة‬ ‫والفلسفة، ومعنهى آخر في عرف الُدباء، كما أ نّ للفهظ "الكلمهة" معنهى في العرف‬ ‫العام وعرف الُدباء، ومعن هى آخ هر ف هي عرف المناطق هة، أو لف هظ "القياس" الذي له‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫معنى في عرف المناطقة، ومعنى آخر في عرف الفقهاء والصوليين.‬ ‫وحينمها يكون للّهفظ فهي العرف الواحهد معنيان أو عدّة معانه ل بهد أن نقول: إنّه‬ ‫ٍ‬ ‫هذا اللفهظ يطلق فهي المصهطلح الكذائي على هذا المعنهى، وفهي المصهطلح الخهر‬ ‫على معنى آخر، ويسمّى جواب هذه السئلة به"التعريف اللفظي".‬ ‫وتارة ل يكون مورد السهؤال معنهى اللفهظ، بهل حقيقهة المعنهى؛ وذلك لننها نعرف‬ ‫معناه، إل ّ أننا نجهل حقيقته وكنهه، فلو سألنا: "ما هو النسان"؟ لما كان يعني ذلك‬ ‫7‬
  • 8. ‫أننها نجههل معنهى النسهان اللغوي؛ إذ كلنها يعلم أن لفهظ النسهان قهد وضهع لهذا الكائن‬ ‫المخصهوص الناطهق الذي يقهف على رجليهه بقامتهه المسهتوية، بهل السهؤال عهن ماهيهة‬ ‫النسهان وحقيقتهه، وعندهها ل يكون الجواب الصهحيح عهن هذا السهؤال إل ّ واحدا فل‬ ‫يمكههن أن تكون له عدّة أجوبههة صههحيحة، ويسههمّى جواب هذا النوع مههن السههئلة‬ ‫به"التعريف الحقيقي".‬ ‫والتعريف اللفظي مقدم على التعريف الحقيقي، أي: ل بد من بيان مفهوم اللفظ‬ ‫أول ً، ثهم تعريهف المعنهى المحدد تعريفا حقيقيا، وإل ّ وقعنها فهي نزاعات ومغالطات ل‬ ‫داعي إليها؛ إذ لو كان للفظ ما عدّة معانٍ لغوية واصطلحية وغفلنا عن ذلك، يحتمل‬ ‫أن تنظههر كلّ جماعههة إلى احههد معانيههه اللغويههة أو الصههطلحية، فتعرّههفه على ذلك‬ ‫السهاس غافلة عهن أن الجماعهة الخرى تنظهر إلى معناه الخهر، فيعود النزاع بينهمها‬ ‫لفظيا.‬ ‫إن عدم التفريهق بيهن معنهى اللفهظ وحقيقهة المعنهى قهد يؤدي أحيانا إلى سهراية‬ ‫التغيرات الطارئة على المعنهى اللفظهي إلى حقيقهة ذلك المعنهى، فمهن الممكهن مثلً‬ ‫أن يوضههع اللفههظ المخصههوص ابتداءً مههن الكلّ، ثههم تتغيههر المصههطلحات بعههد ذلك،‬ ‫فيستعمل اللفظ نفسهه فهي الجزء، فلو لم يفرق الشخهص بيهن معنى اللفهظ وحقيقهة‬ ‫المعنهى يتصهور أن ذلك "الكلّ" قهد "تجزّأ" حقيقةً، برغهم أنهه لم يحدث أيه تغييهر فهي‬ ‫ّ‬ ‫ذلك الكلّ سوى أن اللفظ المستعمل فيه قد استعمل في جزئه.‬ ‫وقد كثر هذا الخلط في "الفلسفة" عند فلسفة الغرب عموما، وعند مقلديهم من‬ ‫الشرقيين، وربما نوفق إلى توضيح ذلك في الدروس المقبلة.‬ ‫إنه كلمهة "الفلسهفة" بوصهفها عنوانا اصهطلحيا قهد مرّت بتعريفات متعددة، فقهد‬ ‫ّ‬ ‫عرّفته ها كلّ مجموع هة م هن الفلس هفة بتعري هف مخص هوص، إل ّ أن هذا الختلف ف هي‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫التعاريهف والتعابيهر ل يرجهع إلى حقيقهة واحدة، فكلّ مجموعهة اسهتعملت هذا اللفهظ‬ ‫في معنىً مخصوص، وعرفته على أساسه.‬ ‫فإ نّ ما يكون فلسفة في نظر بعض ل يكون كذلك في نظر غيرهم، فهم إم ّا أن‬ ‫ينكروا أهميت هه، أو يطلقوا علي هه تس همية أخرى، أو يعدّوه جزءا م هن علم آخ هر، ولذلك‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫نحاول للجابة عن السؤال القائل: "ما هي الفلسفة؟" أن نأخذ بنظر العتبار مختلف‬ ‫8‬
  • 9. ‫الصطلحات، وسنجيب عنه أول ً من وجهة نظر الفلسفة المسلمين وقبل كلّ شيء‬ ‫ل بد من البحث عن الجذور اللغوية لهذه الكلمة.‬ ‫لفظ الفلسفة‬ ‫الفلسهفة كلمهة يونانيهة، فقهد أجمهع العلماء – ممهن اطلع قديما وحديثا على اللغهة‬ ‫اليونانيهة، وتاريهخ اليونان العلمهي القديهم – على أن هذه الكلمهة معربهة "فيلوسهوفيا"،‬ ‫وههي متحوتهة مهن كلمتيهن: "فيلو" و"سهوفيا"، والُولى تعنهي "الحبهّ"، والثانيهة تعنهي‬ ‫"الحكمهة"، فيكون معنهى "فيلوسهوفيا": حبه الحكمهة، ولذا وصهف أفلطون سهقراط‬ ‫ّ‬ ‫) (‬ ‫بأنه "فيلسوفوس"، بمعنى محبّ الحكمة 1 .‬ ‫وقهد ظهرت قبهل سهقراط جماعهة سهمّت نفسهها "سهوفيست"، أي: العالم، فاتخذت‬ ‫) (‬ ‫من إدراك النسان مقياسا لمعرفة الحقائق، واستعملت المغالطة 2 في استدللتها،‬ ‫حتهى أفرغهت كلمهة "سهوفيست" مهن معناهها الصهيل تدريجيا، وصهارت تعسهمل فهي‬ ‫المغالِط، فعاد لفظ "السوفيست" مرادفا للمغالطة، وقد عرّبت به"السفسطة" التي ل‬ ‫زلنا نستعملها في المغالطة.‬ ‫وقهد امتنهع سهقراط مهن تسهمية نفسهه بهه"السهوفيست" بمعنهى العالم، إمها تواضعا‬ ‫) (‬ ‫وإمّهها احترازا مههن عدّه ضمههن جماعههة السههوفيست المتقدمههة 3 ، وسههمّى نفسههه‬ ‫بهه"الفيلسهوف"، بمعنهى "محبه العلم"، حتهى ارتقهت كلمهة "فيلوسهوفيا" تدريجيا مهن‬ ‫ّ‬ ‫مفهوم "مح بّ العلم" إلى مفهوم "العالم"، بعكس كلمة سوفيست التي انحطهت مهن‬ ‫مفهوم "العالم" إلى مفهوم "المغالط"، فصهارت كلمهة الفلسهفة مرادفهة للعلم، وعليهه‬ ‫لم يطلق "الفيلسهوف" بمعناه الصهطلحي على شخهص قبهل سهقراط، كمها أنهها لم‬ ‫تطلق على شخهص بعده رأسها، ولم يكهن لكلمهة الفلسهفة مفهوم محدد آنذاك، وقيهل:‬ ‫إن أرسطو لم يستعمل هذه الكلمة، بل شاعت كلمتا الفلسفة والفيلسوف بعد ذلك.‬ ‫في مصطلح المسلمين‬ ‫أخ هذ المس هلمون هذه الكلم هة م هن اليوناني هة، فعرّبوه ها، وأعطوه ها طابعا شرقيا،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫واستعملوها في مطلق العلوم العقلية.‬ ‫1 . الملل والنحل للشهرستاني، المجلد الثاني، ص ١٣٢، وتاريخ الفلسفة، للدكتور "هومن"، المجلد الول، ص ٠٢.‬ ‫2 . أسلوب قياسي يهدف إلى تضليل الخصم.‬ ‫3 . تاريخ الفلسفة، للدكتور "هومن"، المجلد الول، ص ٩٦١.‬ ‫9‬
  • 10. ‫ليست الفلسفة في المصطلح الشائع بين المسلمين اسما لفن أو علم مخصوص،‬ ‫فإنه هم يدرجون جمي هع العلوم العقلي هة – ف هي قبال النقلي هة م هن قبي هل: اللغ هة والنحهو‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والتفسير والحديث والفقه والصول –‬ ‫فهي عنوان الفلسهفة، وقهد كان لكلمهة "فيلسهوف" مفهوم عام آنذاك، فكانهت تطلق‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫على الشخص الجامع لجميع العلوم العقلية أعم من اللهيات والرياضيات والطبيعيات‬ ‫والسههياسة والخلق وتدبيههر المنزل، حتههى اشتهرت هذه العبارة بينهههم: "الفيلسههوف‬ ‫عالم عقلي مضاهٍ للعالم العيني".‬ ‫وق هد اس هتعمل المس هلمون لفظت هي: الفلس هفة والحكمهة ف هي مقام بيان التقسهيم‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الرسههطي للعلوم، وكانوا يقولون: إن الفلسههفة – أي: العلوم العقليههة – تنقسههم إلى‬ ‫قسمين: نظرية وعملية.‬ ‫أمّها النظريهة: فههي التهي تبحهث فهي الشياء كمها ههي، ]وكمها ينبغهي أن تعلم[، وأمها‬ ‫العملية: فهي التي تبحث في أفعال النسان كما ينبغي أن تكون ]وتفعل[.‬ ‫والفلسفة النظرية على ثلثة أقسام:‬ ‫اللهيات أو "الفلسهفة العليها"، والرياضيات أو "الفلسهفة الوسهطى"، والطهبيعيات أو‬ ‫"الفلسفة السفلى".‬ ‫وتشتمهل الفلسهفة العليها أو اللهيات بدورهها على فنيهن: الحكام العامهة "الوجود"،‬ ‫واللهيات بالمعنى الخص "معرفة ا".‬ ‫والرياضيات على أربع هة أقس هام، وكلّ واح هد منه ها علم برأس هه، وه هي: الحس هاب،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والهندسة، والهيئة، والموسيقى.‬ ‫وللطبيعيات أقسام كثيرة.‬ ‫وتنقسم الفلسفة العلمية أيضا إلى: علم الخلق، وتدبير المنزل، وسياسة المدن.‬ ‫فالفيلسوف الكامل – بناءً على ذلك – هو المستوعب لجميع العلوم المذكورة.‬ ‫الفلسفة الحقيقية أو العلم العلى‬ ‫وم هن بي هن القس هام المختلف هة للفلس هفة يحظ هى واح هد منه ها بدرج هة س هامية لدى‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفلسهفة، وههو المعروف بينههم بالسهماء التيهة: الفلسهفة الولى، الفلسهفة العليها،‬ ‫العلم العلى، العلم الكلّ، اللهيات، مههها وراء الطبيعهههة "الميتافيزيقههها"؛ إذ يمتاز هذا‬ ‫01‬
  • 11. ‫العلم مههن سههائر العلوم أول ً: باعتباره أكثرههها برهانا ويقينا لدى المتقدميههن، وثانيا:‬ ‫بكونههه حاكما على سههائر العلوم، فهههو سههلطانها؛ ولذلك لحتياج العلوم الخرى إليههه‬ ‫) (‬ ‫بشكل كامل دون العكس، وثالثا: بكونه أكثر العلوم شمول ً واستيعابا 1 .‬ ‫ويرى هؤلء الفلسهفة أنه هذا العلم ههو الفلسهفة الحقيقيهة، لذا تطلق الفلسهفة‬ ‫ّ‬ ‫أحيانا على هذا العلم خاصة، ولكنه إطلق نادر.‬ ‫إذن كان للفظ الفلسفة معنيان عند الفلسفة المتقدمين:‬ ‫أحدهمها: المعنهى الشائع، وههو عبارة عهن مطلق العلم المعقول الشامهل لجميهع‬ ‫العلوم غير النقلية، والخر: المعنى غير الشائع، وهو علم اللهيات أو الفلسفة الولى،‬ ‫وهو واحد من شُعب الفلسفة النظرية الثلثة.‬ ‫ولو أردنها تعريهف الفلسهفة بناءً على مصهطلح المتقدميهن – آخذيهن بنظهر العتبار‬ ‫المصهطلح الشائع – نجدهها عامهة، ل تقتصهر على فنّه وعلمه مخصهوص، فليهس لهها‬ ‫ٍ‬ ‫تعريهههف معيهههن، فالفلسهههفة – طبقا لهذا المصهههطلح – تعنهههي العلم غيهههر النقلي،‬ ‫والفيلس هوف يعنههي المس هتوعب لجمي هع العلوم، وباعتبار هذه الشموليههة ف هي مفهوم‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفلسفة يقال: إن الفلسفة كمال نفساني من الناحية النظرية والعملية.‬ ‫ولو أخذنهها المصههطلح غيههر الشائع، وأردنهها مههن الفلسههفة ذلك العلم الذي عنونههه‬ ‫المتقدمون بالفلسهفة الحقيقيهة، أو الفلسهفة الولى، أو العلم العلى، يكون للفلسهفة‬ ‫تعريهف مخصهوص، ويكون جواب السهؤال القائل: "مها ههي الفلسهفة؟" ههو: "العلم‬ ‫بأحوال الموجود مهن حيهث ههو موجود، ل مهن حيهث تعينهه المخصهوص، كأن يكون‬ ‫جسما أو كمّا أو كيفا أو إنسانا أو نباتا أو غير ذلك".‬ ‫)2(‬ ‫وتوضيهح ذلك أن معلوماتنها على نوعيهن: فههي إمها أن تخصه نوعا وإمّها جنسها‬ ‫ّ‬ ‫معينا، وبعبارة أخرى: تخص ههههّ الحوال والحكام والعوارض المخص ههههوص لنوع أو‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫جنس معين، كعلمنا بأحكام العداد، أو المقادير، أو أحوال النباتات وآثارها، أو أحكام‬ ‫جس هم النس هان وأحواله وآثاره، وأمثال ذلك، ونس همّي الول منه ها: علم الحس هاب، أو‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫علم معرفة العداد، والثاني: علم الهندسة، أو معرفة المقادير، والثالث: علم النباتات،‬ ‫1 . ل يسمعنا فمي هذه البحوث المختصمرة إثبات هذه المتيازات الثلثمة، فعلى ممن أراد التفصميل مراجعمة الفصمول الثلثمة الولى ممن إلهيات‬ ‫الشفاء، وبداية الجزء الول من السفار.‬ ‫2 . لمعرفة الفرق بين النوع والجنس يراجع كتب المنطق.‬ ‫11‬
  • 12. ‫والرابهع: علم الطبهّ، أو علم معرفهة البدان، وهكذا سهائر العلوم مهن قبيهل: معرفهة‬ ‫أحوال السهههههماء والرض والمعادن والحيوانات، وعلم النفهههههس والجتماع والذرّة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫وغيرها.‬ ‫أو أنههها ل تخههص نوعا معينا، فل تكون للوجود تلك الثار والحوال والحكام بمهها‬ ‫ههو نوع مخصهوص، بهل بمها ههو "موجود"، وبعبارة أخرى: إننها تارة ندرس العالم مهن‬ ‫حيهث الكثرة، والموضوعات المنفصهل بعضهها عهن بعهض، وأخرى ندرسهه مهن حيهث‬ ‫الوحدة، أي: نأخذ بنظر العتبار "الموجود" بما هو موجود، وبوصفه "واحدا"، وندرس‬ ‫ذلك الواحد بما هو شامل لكلّ شيء.‬ ‫فلو شبهنها العالم بجسهم لوجدنها أن دراسهتنا لهذا الجسهم على نوعيهن: فبعضهها‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يخصه أعضاء هذا الجسهم مهن رأسهه أو يده أو رجله أو عينهه، وبعضهها الخهر يخصه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جميهع هذا الجسهم، مهن قبيهل السهئلة التيهة: متهى وجهد هذا الجسهم؟ وإلى متهى‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يستمر؟ أو هل هناك معنىً للسؤال عن مجموع هذا الجسم به"متى" أساسا؟ وهل‬ ‫لهذا الجسهم وحدة حقيقيهة، فتكون كثرة أعضائه ظاهريهة ل حقيقيهة، أو أنهّ وحدتهه‬ ‫اعتباريههة ل تتجاوز الوحدة الصههناعية؟ وهههل لهذا الجسههم مبدأ صههدرت عنههه سههائر‬ ‫العضاء؟ فه هل له رأس مثل ً، وص هار الرأس سهببا لظهور س هائر العضاء، أو ليهس له‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫رأس؟ وهههل يتمتههع هذا الرأس – بناءً على وجوده – بعقههل شاعههر ومدرك، أو هههو‬ ‫مجرد رأس أجوف؟ ههل يتمتهع جميهع هذا الجسهم بمها فيهه مهن العظهم والظفهر بنوع‬ ‫مههن الحياة، أو أن شعوره وإدراكههه منحصههر فههي بعههض الكائنات التههي وجدت فيههه‬ ‫مصادفة كالديدان التي تظهر في الجثة الهامدة، فتمثل تلك الديدان جميع الحيوانات،‬ ‫ومنهها النسهان؟ ههل يتحرك هذا الجسهم جميعهه نحهو هدف معيهن وكمال منشود، أو‬ ‫أنهه بل هدف؟ ههل تظههر العضاء وتزول صهدفة، أم تخضهع لقانون العليّهة؛ فل تقهع‬ ‫ظاهرة بل علّة، ول يصدر معلول مخصوص إل ّ عن علّة معينة؟ هل النظام المسيطر‬ ‫على هذا الجسهم حتمهي ل يتخلف، أو ل ضرورة فيهه ول حتميهة؟ ههل لتقدم أعضاء‬ ‫هذا الجسهم وتأخرهها وترتبهها بهذا الشكهل المخصهوص واقعيهة أو ل؟ كهم يبلغ عدد‬ ‫العضاء الكاملة لهذا الجسم؟ وأمثال ذلك.‬ ‫21‬
  • 13. ‫فالقسهم الذي يقتصهر على دراسهة أعضاء عالم الوجود يسهمّى بهه"العلم"، والذي‬ ‫يتناول مجموع العالم يسمّى به"الفلسفة".‬ ‫فلهذا العلم إذن نمهط مخصهوص مهن المسهائل يميزهها عهن سهائر مسهائل العلوم‬ ‫الخرى التهي تدرس موجودا معينا، فحينمها ندرس هذا النمهط المعيهن بلحاظ معرفهة‬ ‫"أجزاء العلوم"، ونحاول أن ندرك – مهن الناحيهة الفنيهة – أن هذا النمهط مهن المسهائل‬ ‫من عوارض أي موضوع، نجد أنه من عوارض "الموجود بما هو موجود"، ول يسعنا‬ ‫توضي هح هذا المطلب وشرح هه ف هي هذه الدروس، فل ب هد م هن الرجوع ف هي ذلك إلى‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫الكتب الفلسفية الموسعة.‬ ‫هذا مضافا إلى أننها – إذا أردنها أن نبحهث فهي ماهيهة الشياء، مهن قبيهل: ماهيهة‬ ‫الجسم أو النسان وتعريفها الحقيقي، أو أردنا أن نبحث عن وجود الشياء، من قبيل‬ ‫أن الدائرة الحقيقيهة أو الخهط الحقيقهي موجودان أو ل؟ - ل بهد لنها مهن الرجوع إلى‬ ‫هذا الف هن أيضا؛ لن البح هث ف هي هذه المور بح هث ف هي عوارض الموجود بم ها ه هو‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫موجود، فهههو – فههي اصههطلح الماهيات – مههن عوارض وأحكام الموجود بمهها هههو‬ ‫موجود، ولهذا البحههث أيضا أطراف متشعبههة ل تسههعها دروسههنا، فلتطلب فههي الكتههب‬ ‫الفلسفية المطولة.‬ ‫فنتيج هة البح هث أن هه لو س هألنا شخ هص قائل ً: "م ها ه هي الفلس هفة؟"، لقلن ها له قب هل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الجواب: إن لهذا اللفهظ مصهطلح مخصهوص لدى كلّ جماعهة، فإن كان المراد تعريهف‬ ‫الفلسهفة بحسهب اصهطلح المسهلمين، فالجواب: أن هذه الكلمهة اسهم جنهس لجميهع‬ ‫العلوم العقليهة، وليسهت اسهما لعلم مخصهوص حتهى يمكهن تعريفهها. وههي – بحسهب‬ ‫المصطلح غير الشائع – اسم للفلسفة الولى، أي: العلم الذي يبحث عن أكثر مسائل‬ ‫الوجود كلي ّة مما ل ربط له بموضوع مخصوص مع ارتباطه بجميع الموضوعات، فهي‬ ‫العلم الذي يدرس الوجود بأجمعه بوصفه موضوعا واحدا.‬ ‫31‬
  • 14. ‫الدرس الثاني‬ ‫ما هي الفلسفة؟ ) ٢ (‬ ‫في الدرس المتقدم عرّفنا الفلسفة في مصطلح الفلسفة المسلمين، وسنتعرض‬ ‫هنا إلى بعض التعاريف الخرى للفلسفة بغية الطلع عليها إجمال ً.‬ ‫ولكهن قبهل الخوض فهي ذكهر التعاريهف الجديدة نشيهر إلى خطهأ تاريخهي أدّى إلى‬ ‫الوقوع في خطأ آخر.‬ ‫ما بعد الطبيعة "الميتافيزيقا"‬ ‫إنّ أرسطو أوّل من توصل إلى وجود مجموعة من المسائل ل تدخل في أي علم‬ ‫من العلوم، سواء الطبيعية أو الرياضية أو الخلقية أو الجتماعية أو المنطقية، ول بدّ‬ ‫من عدّها ضمن علم مستقل، وقد يكون أول من أدرك أنّ "الموجود بما هو موجود"‬ ‫هو المحور الذي يجمع حوله هذه المسائل بوصفها عوارض وأحوال ً له، وربما يكون‬ ‫أول مهن اكتشهف أن الرابهط بيهن مسهائل كلّ علم ومميزهها عهن سهائر مسهائل العلوم‬ ‫الخرى هو ما يسمّى به"الموضوع" لذلك العلم.‬ ‫وقد توسعت بالطبع مسائل هذا العلم فيما بعد، فأُضيفت إليه – كأي علم آخر –‬ ‫بحوث كثيرة، وسهيتضح لك ذلك فيمها لو قارنهت بيهن مها وراء الطبيعهة لهه"أرسهطو"، ومها‬ ‫وراء الطبيعهة لهه"ابهن سهينا"، وسهيزداد الوضوح لو قارنتهه بمها وراء الطبيعهة لهه"صهدر‬ ‫المتألهين"، ومهما يكن من شيء فإنّ أرسطو هو أول من اكتشف هذا العلم بوصفه‬ ‫علما مستقل ً، وأفرد له مكانا بين العلوم الخرى.‬ ‫إل ّ أن "أرسطو" لم يعنون هذا العلم بعنوان مخصوص، حتى جمعت مؤلفاته بعد‬ ‫ذلك فهي موسهوعة علميهة، فوقهع هذا العلم فهي الترتيهب بعهد "الطهبيعيات"، فعرف‬ ‫به"الميتافيزيقا"، أي: ما بعد الطبيعة.‬ ‫ثهم جُهلت هذه الحقيقهة تدريجا، فتوههم أن سهبب تسهمية هذا العلم بهه"مها بعهد‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الطبيعهة" أن مسهائله أو بعهض مسهائله – مهن قبيهل: ا سهبحانه، والعقول المجردة –‬ ‫خارجة عن الطبيعة، ولذلك أشكل "ابن سينا" على تسمية على هذا العلم به"ما بعد‬ ‫الطبيعهة" داعيا إلى تسهميته بهه"مها قبهل الطبيعهة"، ولذلك لن وجود ا سهبحانه قبهل‬ ‫) (‬ ‫الطبيعة ل بعدها 1 .‬ ‫1 . اللهيات من كتاب الشفاء، الطبقة القديمة، ص ٥١.‬ ‫41‬
  • 15. ‫ثهم أوقهع الخطهأ اللفظهي والناشهئ مهن الترجمهة بعهض المتفلسهفين المحدثيهن فهي‬ ‫خطأ معنوي، فقد تصور جمع غفير من الغربيين أن كلمة "ما بعد الطبيعة" مساوية‬ ‫له"ما وراء الطبيعة"، وأن موضوع هذا العلم أمور خارجة عن الطبيعة، في حين أن‬ ‫موضوعه – كما علمنا – يشتمل على الطبيعة وما وراءها وكلّ ما هو موجود، ونتيجة‬ ‫هذا الخطأ أنهم عرّفوا "الميتافيزيقا" خطأً به"علم يبحث عن ا والمور المجردة عن‬ ‫المادة فقط".‬ ‫الفلسفة في العصر الحديث‬ ‫إن هّ التغيههر الذي طرا على الفلسههفة فههي العصههر الحديههث – الذي بدأ مههن القرن‬ ‫السههادس عشههر على يههد جماعههة على رأسهههم الفيلسههوف الفرنسههي "ديكارت"،‬ ‫والفيلسوف النجليزي "بيكون" – هو أن السلوب القياسي والعقلي تخلى عن مكانه‬ ‫في جميع العلوم للسلوب التجريبي والحسّي، فخرجت العلوم الطبيعية بأجمعها عن‬ ‫دائرة السهلوب القياس هي، ودخلت فهي مجال الس هلوب التجريهبي، فهي حي هن اتخذت‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الرياضيات حالة نصف قياسية ونصف تجريبية.‬ ‫ثهم ذههب الوههم ببعضه إلى عدم جدوائيهة السهلوب القياسهي، فل أسهاس للعلم‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يحاول اس هتعمال القياس فق هط دون التجرب هة العلمي هة، وبم ها أن علوم م ها بع هد‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الطبيعة من هذا القبيل – أي: ل مدخلية للتجربة فيها – فليس لها اعتبار، فمسائل هذا‬ ‫العلم غير جديرة بالبحث والتحقيق نفيا أو إثباتا، فوضعت هذه الجماعة إشارة بالقلم‬ ‫الحمر حول العلم الذي كان يعد يوما من أرفع العلوم وأشرفها، بل سلطانها، وألغت‬ ‫ّ‬ ‫وجود علم اسمه ما بعد الطبيعة، أو الفلسفة الولى، بل ل يمكن له أن يوجد، وبذلك‬ ‫سلبت النسان أعزّ ما يحتاج إليه العقل البشري.‬ ‫ومنحهت جماعهة أُخرى السهلوب القياسهي بعهض العتبار، ورأت ضرورة السهتفادة‬ ‫منه فيما بعد الطبيعة والخلق، وبذلك ظهر مصطلح جديد؛ إذ سُمّي ما يستعمل فيه‬ ‫الس هلوب التجري هبي به ه"العلم"، وم ها يس هتعمل في هه القياس – أعم هّ م هن الميتافيزيق ها‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫والخلق والمنطهق وغيرهها – بهه"الفلسهفة"، فيكون تعريهف الفلسهفة – فهي مصهطلح‬ ‫هؤلء – عبارة عههن: "العلوم التههي تُدرس مههن خلل السههلوب القياسههي فقههط، ول‬ ‫يتطرق إليها السلوب التجريبي أبدا".‬ ‫51‬
  • 16. ‫فتكون الفلسههفة – بناءً على هذا الرأي – اسههما عاما ل مختصهها كمهها هههو رأي‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المتقدميهن، أي ليسهت اسهما لعلم معيهن، بهل تنضوي تحتهها عدّة علوم، إل ّ أن دائرة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفلسفة – في مصطلح هؤلء – أضيق منها في مصطلح المتقدمين، لشتمالها على‬ ‫علم مها بعهد الطبيعهة والخلق والمنطهق وعلم الحقوق وبعهض العلوم الخرى، دون‬ ‫الرياضيات والط هبيعيات، خلفا لمص هطلح المتقدمي هن الشام هل للرياضيات والط هبيعيات‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫أيضا.‬ ‫إن هّ الجماع هة الولى الت هي أنكرت م ها بع هد الطبيع هة والس هلوب القياس هي مطلقا،‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫معتمدة العلوم الحسهيّة والتجريبيهة فقهط، انتبههت شيئا فشيئا إلى أنهها لو حصهرت كلّ‬ ‫الشياء فهي العلوم التجريبيهة – وههي علوم ذات مسهائل جزئيهة تبحهث فهي موضوعات‬ ‫مخصهوصة – سهتحرم تماما معرفهة العالم بشكهل كلّي، وههو مها تدّهعي الفلسهفة أو مها‬ ‫بعهد الطبيعهة التصهدي لبيانهه، ومهن هنها ظههر تفكيهر جديهد، صهار فيمها بعهد أسهاس‬ ‫)الفلسفة العلمية(، بمعنى أن الفلسفة التي تعتمد على العلوم اعتمادا كامل ً تتمخض‬ ‫عهن مسهائل كلّهية تسهمّى بهه"الفلسهفة"؛ وذلك بمقارنهة بعهض العلوم ببعضهها الخهر،‬ ‫وربهط مسهائلها، والوقوف على نوع مهن الرتباط الكلّي بيهن قوانيهن ومسهائل العلوم،‬ ‫وقد سلك هذا السلوب الفيلسوف الفرنسي "أوجست كونت"، والفيلسوف النجيلزي‬ ‫"هربرت سبنسر".‬ ‫فلم تعد الفلسفة – من وجهة نظر هذه الجماعة – علما مستقل ً بلحاظ الموضع‬ ‫أو المبادئ؛ إذ كان موضوعهها "الموجود بمها ههو موجود"، ومبادؤهها – أو أههم مبادئهها‬ ‫فهي القهل – مهن البديهيات الوليهة، فصهارت علما وظيفتهه دراسهة مها تنتجهه العلوم‬ ‫الخرى، والربط بينها، واستخراج مسائل أكثر كلّية من مسائل العلوم المحدودة، وهذا‬ ‫مها تجده فهي الفلسهفة التحققيهة "الوضعيهة" لهه"أوجسهت كونهت"، والفلسهفة التركيبيهة‬ ‫له"هربرت سبنسر".‬ ‫فالفلسفة – بنظر هؤلء – ليست علما مستقل ً عن سائر العلوم، بل نسبة العلوم‬ ‫إلى الفلسهفة كنسهبة مقدار مهن المعرفهة إلى مقدار أكثهر منهه، أي: أن الفلسهفة إدراك‬ ‫أوسع وأكثر كليةً للشياء التي تعرفها وتدركها سائر العلوم.‬ ‫61‬
  • 17. ‫وقهد رأى بعهض آخهر مثهل "كانهت" أن مهن الضروري – قبهل كلّ شيهء – التحقيهق‬ ‫فهي المعرفهة نفسهها، والقوة التهي أوجدت هذه المعرفهة، وههي العقهل، فشرع فهي‬ ‫دراسهة عقهل النسهان، وسهمّى دراسهته بهه"الفلسهفة" أو"الفلسهفة النقديهة: ‪Critical‬‬ ‫‪ "Philosophy‬وفلسفة "كانت" ل تشترك طبعا مع ما يسمّى عند المتقدمين بالفلسفة‬ ‫إل ّ فهي التسهمية، كمها أنهها ل تشترك مهع فلسهفة أوجسهت كونهت التحققيهة "الوضعيهة"،‬ ‫وفلسفة سبنسر التركيبية إل ّ في التسمية أيضا؛ وذلك لنها أقرب إلى المنطق – الذي‬ ‫هو نوع مخصوص من معرفة التفكير – منها إلى الفلسفة التي هي معرفة العالم.‬ ‫وهكذا أُطلق لفظ الفلسفة في العالم الغربي تدريجا على ما ليس بعلم، أي: ما‬ ‫ل يندرج فهي علم معيهن مهن العلوم الطبيعيهة أو الرياضيهة، ويعدّ مهع ذلك نظريهة فهي‬ ‫الكون والنسان أو الجتماع.‬ ‫ولو نظر شخص في جميع هذه النظريات وقرأ تعاريفها لما وجد أيّ اشتراك بينها‬ ‫سوى عدم علميتها.‬ ‫وقد ذكرنا هذا المقدار كنموذج لنعرف أن الفرق بين الفلسفة قديما وحديثا ليس‬ ‫كالفرق بيههن العلوم القديمههة والحديثههة، فهناك الطههب القديههم والحديههث، والهندسههة‬ ‫القديمههة والحديههث، وعلم النفههس القديههم والحديههث، وعلم النبات القديههم والحيدث،‬ ‫وهكذا... ول يوج هد أي هّ فارق ماهوي بي هن قديمه ها وحديثه ها، فل تطلق كلم هة الطب هّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫قديما على غيههر الطبههّ حديثا؛ إذ أن لكل الطههبين تعريههف واحههد، وهههو عبارة عههن:‬ ‫"معرفة أحوال وعوارض جسم النسان، من حيث الصحة والسقم"، والختلف بين‬ ‫الطب القديم والحديث يكمن في طريقة دراسة الظواهر، فإ نّ الطب الحديث يمتاز‬ ‫مهن القديهم بغلبهة الطابهع التجريهبي عليهه، خلفا للطب ّه القديهم الذي يغلب عليهه الطابهع‬ ‫الستدللي والقياسي، والشيء الخر الذي يمتاز به أحدهما عن الخر هو أ نّ الط بّ‬ ‫القديهم ناقهص، فهي حيهن أن الطبه الحديهث كامهل، وهكذا الحال فهي سهائر العلوم‬ ‫ّ‬ ‫الخرى.‬ ‫أم ّا "الفلسفة" فإنها تطلق قديما وحديثا على معا نٍ مختلفة، ولها بالنسبة إلى كلّ‬ ‫معنهى تعريهف مسهتقل، فقهد تقدم أن كلمهة "الفلسهفة" أُطلقهت قديما على "مطلق‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫العلوم العقليهة" تارة، واقتصهرت على واحهد مهن شعبهها تارة أخرى، وههو "مها بعهد‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫71‬
  • 18. ‫الطبيعهة"، أو "الفلسهفة الولى"، كمها أُطلقهت هذه الكلمهة حديثا على معانه متعددة،‬ ‫ٍ‬ ‫ولكلّ واحد منها تعريفه الخصوص.‬ ‫انفصال العلوم عن الفلسفة‬ ‫مهن الخطاء الفاحشهة والشائعهة – التهي تسهربت إلينها مهن الغرب، وشاعهت بيهن‬ ‫مقلديهههم الشرقييههن – خرافههة انفصههال العلوم عههن الفلسههفة، والذي أدّى إلى هذا‬ ‫التو ّهم هو التغير الذي طرأ على الفلسفة كمصطلح، فذهب بهم إلى الوهم إلى أن‬ ‫التغيهر قهد طرأ على المعنهى، فزعموا أن العلوم قهد انفصهلت عهن الفلسهفة، فقهد تقدم‬ ‫أن كلمة الفلسفة أو الحكمة كانت تطلق في مصطلح المتقدمين على العلوم العقلية‬ ‫والفكريهة غالبا، وعلى هذا المصهطلح كانهت الفلسهفة "اسهما عاما" و"اسهم جنهس"،‬ ‫وليسهت "اسهما مخصهوصا". وفهي المرحلة المتأخرة اختهص لفهظ الفلسهفة بمها بعهد‬ ‫الطبيعههة والمنطههق ومعرفههة الجمال وأمثال ذلك، ممهها أدّى إلى توهههم أن الفلسههفة‬ ‫قديما كانههت علما واحدا يضههم مسههائل مههن قبيههل: اللهيات والطههبيعيات والرياضيات‬ ‫وسائر العلوم، ثم انفصلت واستقلت الطبيعيات والرياضيات عن الفلسفة.‬ ‫وهذا مهن قبيهل لفهظ "الجسهم" الذي يطلق على الشكهل الظاهري للنسهان فهي‬ ‫قبال الروح، ويشتمل على جميع أعضاء النسان من رأسه إلى قدميه، فلو فرض أ نّ‬ ‫هذه الكلمهة أُطلقهت فهي مصهطلح ثانه على الجزء الواقهع أسهفل رقبهة النسهان فهي‬ ‫ٍ‬ ‫قبال الرأس، فس هيتوهم عنده ها أن رأس النس هان ق هد انفص هل ع هن جس همه، أي: أن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫التغير اللفظي سيؤدي إلى وقوع الخرين في خطأ معنوي؛ إذ يحسبون أن التغير قد‬ ‫طرأ على المعنى أيضا.‬ ‫فهكذا المهر بالنسهبة إلى مقولة انفصهال العلوم عهن الفلسهفة، فقهد كانهت العلوم‬ ‫تندرج في عنوان الفلسفة، وفي العصر الحديث اختص لفظ الفلسفة بواحد من تلك‬ ‫العلوم، وهذا التغير ل ربط له بانفصال العلوم عن الفلسفة، إذ لم تكن العلوم جزءا‬ ‫من الفلسفة بمعناها المخصوص حتى تنفصل عنها.‬ ‫81‬
  • 19. ‫الدرس الثالث‬ ‫الفلسفة الشراقية والفلسفة المشائية‬ ‫تنقسهم الفلسهفة السهلمية إلى مدرسهتين: الشراقيهة، والمشائيهة. وأمّها الشراقيهة‬ ‫فيتزعمهها "الشيهخ شهاب الديهن السههروردي" مهن علماء القرن السهادس، كمها يتزعهم‬ ‫المدرسههة المشائيههة فههي السههلم "الشيههخ الرئيههس أبههو علي بههن سههينا"، هذا ويُعدّ‬ ‫الشراقيون أتباعا لفلطون، والمشاؤون أتباعا لرسههطو، والختلف الجوهري بيههن‬ ‫هاتين المدرستين يكمن في أن المدرسة الشراقية ل تكتفي في دراسة الفلسفة –‬ ‫وبخاصههة "الحكمههة اللهيههة" – بمجرد السههتدلل العقلي، بههل تدعههي لزوم مجاهدة‬ ‫النفههس وتزكيتههها للوصههول إلى الحقائق، خلفا لمدرسههة المشائيههن التههي تعتمههد‬ ‫الستدلل فقط.‬ ‫إن كلمههة "الشراق" التههي تعنههي انبثاق النور صههالحة لبيان الطريقههة المدرسههية‬ ‫للشراقيين، إل ّ أ نّ كلمة "المشاء" – المأخوذة من المشي، أو بمعنى كثير المشي –‬ ‫ههي مجرد تسهمية ل تهبين الطريقهة المدرسهية للمشائيهن، فقهد قيهل فهي بيان سهبب‬ ‫إطلق هذه التسمية على أرسطو وأتباعه: إن أرسطو دأب على تعليم تلميذه ماشيا‬ ‫معه هم، فإذا أردن ها أن نس هتعمل فيه هم كلم هة وتس همية تحم هل ف هي طياته ها طريقته هم‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفلسهفية فل يوجهد أفضهل مهن كلمهة السهتدلليين، وعليهه تنقسهم الفلسهفة السهلمية‬ ‫إلى المدرستين: الشراقية والستدللية.‬ ‫ول بهد هنها مهن تحقيهق المسهألة التيهة: ههل هناك حقا اختلف فهي الرؤى بيهن‬ ‫أفلطون وتلميذه أرسههطو؟ وهههل الطريقههة التههي أفادههها "الشيههخ شهاب الديههن‬ ‫السههروردي" – الذي سهنسميه بشيهخ الشراق – ههي طريقهة أفلطون، وأن أفلطون‬ ‫كان يدعو إلى الرياضات الروحية والمجاهدات النفسية والمكاشفات القلبية، ويميل –‬ ‫كمها يقول شيخ الشراق – إلى "الحكمهة الذوقية"؟ وهل المسائل التهي اختلفت فيهها‬ ‫المدرستان في عصر شيخ الشراق وبعده – كأصالة الماهية وأصالة الوجود، وكثرة‬ ‫الوجود ووحدته، ومسألة الجعل، ومسألة تركب الجسم من الهيولى والصورة وعدم‬ ‫تركبهه، ومسهألة المُثُهل والرباب والنواع، وقاعدة إمكان الشرف، وعشرات المسهائل‬ ‫الخرى المشابهههة – كانههت بأجمعههها مورد اختلف بيههن أرسههطو وأفلطون، أو أنههها‬ ‫بأجمعههها أو بعضههها – على القههل – حدثههت فيمهها بعههد، ولم تخطههر ببال أفلطون‬ ‫91‬
  • 20. ‫وأرسهطو؟ والذي مكننها قوله هنها: إن مهن المتسهالم عليهه إجمال ً وجود اختلف فهي‬ ‫الرؤى بيههن أفلطون وأرسههطو، فقههد ردّ أرسههطو الكثيههر مههن آراء أفلطون، رجاء‬ ‫بغيرها.‬ ‫وفههي المرحلة السههكندرية – التههي تعدّ حدا فاصههل ً بيههن المرحلتيههن اليونانيههة‬ ‫والسههلمية – كان أتباع أفلطون وأرسههطو يؤلّفون فرقتيههن مختلفتيههن، وقههد دوّن‬ ‫الفارابهي كتابا صهغيرا اسهمه "الجمهع بيهن رأيهي الحكيميهن" عرض فيهه آراء هذيهن‬ ‫الفيلسوفين، وسعى – بنحو من النحاء – إلى التوفيق بينهما.‬ ‫والذي نراه – عنهد دراسهة كتهب أفلطون وأرسهطو والكتهب الخرى التهي كُتبهت فهي‬ ‫بيان آرائهما، وباللتفات إلى مسار الفلسفة في المرحلة السلمية – أن أكثر المسائل‬ ‫الخلفية بين الشراقيين والمشائين في الفلسفة السلمية، ما هي إل ّ مجموعة من‬ ‫المسائل المستحدثة، ل ربط لها بأفلطون وأرسطو أبدا، من قبيل: الماهية والوجود،‬ ‫والجعهل، وتركهب الجسهم وبسهاطته، وقاعدة إمكان الشرف، ووحدة الوجود وكثرتهه،‬ ‫فالختلف بينهمها ل يعدو مها ذكره الفارابهي فهي كتاب "الجمهع بيهن رأيهي الحكيميهن"،‬ ‫وهو سوى ما تقدم ذكره.‬ ‫ومهن وجههة نظرنها هناك ثلث مسهائل مهمهة وقعهت مورد اختلف بيهن أفلطون‬ ‫وأرسطو، وسيأتي توضيحها.‬ ‫والههم مهن كل شيهء ممها يدعهو إلى التأمهل والتشكيهك أن يكون أفلطون مهن‬ ‫ّ‬ ‫الدعاة إلى مجاهدة النف ههس والرياضات الروحي ههة، فل يمك ههن القتناع بأن أفلطون‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫وأرسطو كانت لديهما طريقتان، هما: الشراقية، والستدللية، فإننا نستبعد أن يكون‬ ‫أفلطون معروفا فهي عصهره – أو العصهور القريبهة منهه – بكونهه مهن دعاة الشراق‬ ‫النفساني، كما أنه ليس من المعلوم انحصار كلمة "المشائين" في أرسطو وأتباعه؛ إذ‬ ‫يقول الشهرسهتاني فهي الجزء الثانهي مهن كتابهه "الملل والنحهل": ]أمّها المشاؤون فههم‬ ‫أهل "لوقين"، وقد كان أفلطون يدرس الحكمة ماشيا إجلل ً لها، فتبعه أرسطو، ولذا‬ ‫عرف "أرسطو" وأتباعه بالمشائين".‬ ‫ول يمكهن التشكيهك طبعا فهي تسهمية أرسهطو وأتباعهه بالمشائيهن، واسهتمرار هذه‬ ‫التسهمية فهي العصهور السهلمية، إل ّ أن الذي يقبهل الشهك والتردد، بهل النفهي والنكار،‬ ‫02‬
  • 21. ‫ههو أن يكون "أفلطون" إشراقيا، فإننها ل نجهد أثرا لكون أفلطون فيلسهوفا إشراقيا‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫داعيا إلى الحكمة الذوقية في كلم الفلسفة الذين سبقوا شيخ الشراق، كالفارابي،‬ ‫وأبهي علي بهن سهينا، أو مؤرخهي الفلسهفة، كالشهرسهتاني، بهل ل نجهد أثرا لمصهطلح‬ ‫) (‬ ‫"الشراق" نفسهه 1 ، والذي صهرّح بهذه الكلمهة ههو شيهخ الشراق، وقهد زعهم أيضا فهي‬ ‫مقدمهة كتابهه "حكمهة الشراق": أن جماعهة مهن الفلسهفة المتقدميهن كفيثاغورس‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫وأفلطون كانوا مهن دعاة الحكمهة الذوقيهة والشراقيهة، وزعهم أنه أفلطون رئيهس‬ ‫ّ‬ ‫الشراقيين.‬ ‫ونحهههن نرى أن شيهههخ الشراق قهههد اختار الطريقهههة الشراقيهههة متأثرا بالعرفاء‬ ‫والمتصهوفة مهن المسهلمين، وقهد ابتكهر مزج الشراق بالسهتدلل، إل ّ أنهه نسهب هذه‬ ‫الطريقهة – ربمها لتحظهى بالقبول – إلى جماعهة مهن المتقدميهن، ولم يقدم أي دليهل‬ ‫على ذلك، كمهها أنههه لم يقدم دليل ً بشأن حكماء إيران القديمههة، ولو كان لديههه دليههل‬ ‫لذكره، ولما ترك هذه المسألة مبهمة ومجملة.‬ ‫إن هّ بعههض مؤرخههي الفلسههفة ممههن ذكههر آراء أفلطون لم يتطرق إلى طريقتههه‬ ‫الشراقيهة أبدا، فإنهك ل تجهد فهي "الملل والنحهل" للشهرسهتاني، أو "تاريهخ الفلسهفة"‬ ‫للدكتور "هومن"، أو "قصة الفلسفة" لول ديورانت، أو "سير حكمت در أُوربا" أي ذكر‬ ‫لطريقهة أفلطون الشراقيهة بالشكهل الذي يدّعيهه شيهخ الشراق، نعهم تجهد فهي كتاب‬ ‫"سهير حكمت در أُوربا" موضوع الحب ّه الفلطوني، إذ ينقل عهن أفلطون قوله: ]إ نّ‬ ‫الروح قبههل نزولههها إلى الدنيهها رأت الجمال المطلق، فهههي لذلك تتذكره حينمهها ترى‬ ‫الجمال الظاهري فهي هذه الدنيها، فيشتهد حزنهها لفراقهه إن الحبه الجسهماني مجازي‬ ‫ّ‬ ‫كالحسهن الصهوري، إل ّ أن الحبه الحقيقهي شيهء آخهر، وههو سهبب الدراك الشراقهي،‬ ‫ّ‬ ‫وبلوغ الحياة الخالدة[.‬ ‫1 . يرى "هنري كوربن" أن أول من استعمل هذه الكلمة في العالم السلمي شخص يدعى: ابن الوحشية "حوالي نهاية القرن الثالث، وبداية‬ ‫القرن الرابع للهجرة"، راجع كتاب: "سه حكيم مسلمان، ص ٣٧ و ٢٨١ الطبعة الثانية".‬ ‫يقول السميد حسمن تقمي زادة فمي ملحظات "تاريمخ علوم در إسملم" فمي مجلة "مقالت وبررسميها" التمي تصمدر عمن قسمم التحقيمق فمي كليمة‬ ‫اللهيات والمعارف السملمية فمي جامعمة طهران، العدد ٣ و ٤، صم ٣١٢، بعمد ذكمر كتاب مجهول منسموب إلى ابمن الوحشيمة هذا: "والكتاب‬ ‫الخر لبن الوحشية النبطي، اسمه "الفلحة النبطية"، ينسبه أيضً إلى فيلسوف بابلي اسمه "قوثامي" ترجمه من أقدم كتب "فمبوشاد" البابلية‬ ‫ا‬ ‫وقد نسب ابن خلدون – برغم أسلوبه التحقيقي – الكتاب الثاني إلى النبطيين الذين ترجموه من اليونانية إلى العربية. ولكن اتضح فيما بعد من‬ ‫خلل دراسمات غوتشميمد ونولدكمه اللمانمي – وبخاصمة نالينمو اليطالي – أن هذا الكتاب منحول، ومليمء بالباطيمل، بمل يرى نالينمو أنّم ابمن‬ ‫الوحشيمة شخصمية مختلفمة، وأنّم أبما طالب الزّات قد اختلق جميمع هذه الباطيمل ونسمبها إلى هذا الشخمص المزعوم، كمما يرى المحققون أن هذا‬ ‫ي‬ ‫النوع من الكتب من مؤلفات الشعوبية الذين حاولوا أن يثبتوا أن العلوم كانت عند العاجم، ولم يكن لدى العرب منها شيء.‬ ‫فل يبعد أن يكون كتاب "الفلحة النبطية" هو الذي أوقع شيخ الشراق في الشتباه، أو كتاب آخر مثله من كتب الشعوبية، وليس بأيدينا كتاب‬ ‫"الفلحة النبطية" لنقارن ما فيه بما وصلنا من شيخ الشراق في هذا المجال.‬ ‫12‬
  • 22. ‫إنه الحبه الذي تحدث عنهه أفلطون – وعرف فيمها بعهد بالحب ّه الفلطونهي – ههو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حبههّ الجمال الذي يرى له أفلطون – عنههد الحكماء على القههل – جذورا إلهيههة، ول‬ ‫ربهط لهذا الحبه بمها ذكره شيهخ الشراق فهي باب تهذيهب النفهس، والسهلوك العرفانهي‬ ‫ّ‬ ‫إلى ا سبحانه.‬ ‫إل ّ أن "برترانهد رسهل" ذكهر فهي الجزء الول مهن كتابهه "تاريهخ الفلسهفة" امتزاج‬ ‫التعقهههل والشراق فهههي فلسهههفة أفلطون مرارا دون أن يقدّم دليل ً على ذلك، ولم‬ ‫يوضّهح أنّه إشراق أفلطون يحصهل مهن طريهق مجاهدة النفهس وتزكيتهها، أو أنّهه وليهد‬ ‫حبّ الجمال. والتحقيق بشكل أوسع بحاجة إلى دراسة جميع كتب أفلطون مباشرة.‬ ‫نعههم يمكههن قبول نسههبة الشراق إلى "فيثاغورس"، ويبدو أنّههه اسههتهلمه مههن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الشرقييهن. ويدعهي برتراندرسهل أنه أفلطون – الذي يراه إشراقيا – قهد تأثهر فهي ذلك‬ ‫ّ‬ ‫) (‬ ‫بفيثاغورس 1 .‬ ‫ومههن بيههن آراء أفلطون – سههواءٌ اعتههبرناه إشراقيا أم ل – ثلث مسههائل تؤلّف‬ ‫السس الشاخصة في فلسفته، وقد خالفه أرسطو فيها جميعا، وهي:‬ ‫١- نظريههة المُثُههل، ومفادههها أنههّ مهها نشاهده فههي هذا العالم – مههن الجواهههر‬ ‫والعراض – له حقيقة ووجود أصيل في عالم آخر، وأن أفراد هذا العالم ما هي إلّ‬ ‫ظلل لحقائق ذلك العالم، فلجميههع أفراد النسههان الذيههن يعيشون فههي هذا العالم‬ ‫أصهل وحقيقهة فهي عالم آخهر، والنسهان الصهيل والحقيقهي ههو إنسهان ذلك العالم،‬ ‫وهكذا المر بالنسبة إلى سائر الشياء الُخرى.‬ ‫ويسهمّي أفلطون تلك الحقائق بهه"‪ ،"Idea‬وترجمهت إلى العربيهة بهه"المُثُهل"، كمها‬ ‫سهميت جميهع تلك الحقائق بهه"المثهل الفلطونيهة"، وقهد أنكهر ابهن سهينا نظريهة المثهل‬ ‫بشدة، فهي حيهن أيّدهها شيخ الشراق بشدة، وكذا الميرداماد، وصهدر المتألهين، إل ّ أن‬ ‫تفس هير هذي هن الخيري هن – وبخاص هة الميرداماد – لنظري هة المث هل يختلف ع هن تفس هير‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫أفلطون وشيههخ الشراق، كمهها أيّههد نظريههة المثههل فههي الفترة السههلمية "الميههر‬ ‫فندرسهكي" مهن فلسهفة العصهر الصهفوي، وله قصهيدة بالفارسهية يهبين فيهها رأيهه فهي‬ ‫المثل.‬ ‫1 . للطلع على فلسفة "فيثاغورس" راجع الجزء الثاني من "الملل والنحل" للشهرستاني، والجزء الول من "تاريخ الفلسفة" لبرتراندرسل.‬ ‫22‬
  • 23. ‫٢- إ نّ الروح قبل تعلقها بالبدن كانت موجودة ومخلوقة في عالم أسمى وأرفع،‬ ‫وهو عالم المثل نفسه، وبعد أن خلقت البدان تعلقت الرواح بها، وحلّت فيها.‬ ‫٣- ومفاد المسألة الثالثة – التي تقوم على المسألتين السابقتين، وتعدّ كنتيجة لهما‬ ‫– أن العلم ليهس سهوى اسهتذكار، وليهس تعلما حقيقيا، بمعنهى أن كلّ مها نتعلمهه فهي‬ ‫هذا العالم – ونتصههوره شيئا مجهول ً تعلمناه أول مرة – مهها هههو فههي الحقيقههة إلّ‬ ‫استحضار لتلك المور التي عرفناها سابقا في عالم المثل؛ وذلك لما تقدم أن الروح‬ ‫قبهل تعلقهها بالبدن كانهت مخلوقهة فهي عالم أرفهع، وقهد شاهدت فيهه "المثهل"، وذكران‬ ‫أن حقيقههة كلّ شيههء هههي "مثال" ذلك الشيههء، فتكون الرواح قههد أدركههت المثههل‬ ‫والحقائق فهي وقهت سهابق، إل ّ أنهها بمجرد أن تحلّ فهي البدان تنسهى مها رأتهه فهي‬ ‫عالم المثهل؛ وذلك لن البدان بالنسهبة إلى الرواح بمنزلة السهتارة التهي توضهع على‬ ‫المرآة، تحول دون وصول الضوء وانطباع الصور فيها، وبفعل الديالكتيك، أي: البحث‬ ‫والجدل والطرق العقليهة، أو بفعهل الحبهّ، أو المجاهدات الروحيهة والرياضات النفسهية‬ ‫– على ما يراه شيخ الشراق وأضرابه – تنزاح تلك الستارة، فيسطع النور على المرآة‬ ‫وتظهر فيها الصور.‬ ‫وق هد خالف أرس هطو جمي هع هذه الص هور، فأنك هر أول ً وجود كلّيات مثالي هة ومجردة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫وملكوتية؛ لنه يعدّ الكلّي – أو بتعبير أصح: "كلّية الكلّي" – مجرد أمر ذهني.‬ ‫ورأى ثانيا أن الروح تُخلق بعههد خلق البدن، أي: مقارنههة لكتمال البدن، وأن البدن‬ ‫ليههس حجابا مانعا بالنسههبة إلى الروح، بههل المههر بعكههس ذلك، فإنههه أداة بيههد الروح‬ ‫للوص ههول إلى المعلومات الجديدة، فالروح إنم هها تحصهههل على المعلومات بواس ههطة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الحواس الموجودة في البدن.‬ ‫وثالثا: أن الروح لم تكن سابقا في عالم آخر لتحصل على المعلومات فيه.‬ ‫وقهد اسهتمر الخلف – فهي هذه المسهائل المهمهة، وغيرهها مهن المسهائل التهي ل‬ ‫ترقههى إلى أهميته ها – بيههن الفلس هفة الذي هن جاؤوا بعدهم ها، فظه هر فههي المدرس هة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫السهكندرية أنصهار لفلطون كمها ظههر أنصهار لرسهطو، فسهمي أتباع أفلطون فهي‬ ‫هذه المرحلة بالفلطونييهن الجُدُد. وقهد أسهس هذه المدرسهة شخهص مصهري اسهمه‬ ‫32‬
  • 24. ‫"آمونياس سهاكاس"، ومهن أبرز روّاد هذه المدرسهة شخهص مصهري مهن أصهل يونانهي‬ ‫اسمه "أفلوطين"، وكان المؤرخون المسلمون يسمّونه "الشيخ اليوناني".‬ ‫وقهد جاء الفلطونيون الجدد بأُمور جديهد ربمها اسهتقوها مهن المصهادر الشرقيهة.‬ ‫وكان عدد أنصهال أرسهطو مهن الكسهندريين كثيرا، فشرحوا كتهب أرسهطو، وكان مهن‬ ‫أبرزهم "تامسطيوس" و"إسكندر الفريدوسي".‬ ‫42‬
  • 25. ‫الدرس الرابع‬ ‫المدارس الفكرية السلمية‬ ‫ذكرنها فهي الدرس السهابق المدرسهة الفلسهفية الشراقيهة والمشائيهة باختصهار، كمها‬ ‫ذكرنا مجموعة من المسائل الخلفية بين هاتين المدرستين، وقد تقدم أن أفلطون‬ ‫– بناءً على المشهور – زعيههم المدرسههة الشراقيههة، وأن أرسههطو زعيههم المدرسههة‬ ‫المشائيهة، وأشرنها إلى اسهتمرار هاتيهن المدرسهتين فهي العصهور السهلمية، فلبعهض‬ ‫الفلسفة المسلمين منهج إشراقي، ولبعضهم منهج مشائي.‬ ‫وهناك ف ههي العالم الس ههلمي مدارس فكري ههة أخرى تختلف ع ههن المدرس ههتين‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫المتقدمتيهن، ولقهد لعهب دورا هاما وأسهاسيا فهي تطويهر الثقافهة السهلمية، فل بهد مهن‬ ‫الشارة إليها أيضا، والمهم من بينها مدرستان:‬ ‫١- المدرسة العرفانية.‬ ‫٢- المدرسة الكلمية.‬ ‫إن العرفاء والمتكلمين لم يعتبروا أنفسهم أتباعا للفلسفة، سواءٌ الشراقيون أم‬ ‫المشاؤون، بهل وقفوا ضدههم بشدة، ممها ترك فهي الفلسهفة السهلمية تأثيرا ملحوظا،‬ ‫لقهد أدّى العرفان والكلم إلى تنشيهط حركهة الفلسهفة السهلمية، وفتهح آفاقا جديدة‬ ‫أمام الفلس هفة، فالكثي هر م هن المس هائل المذكورة ف هي الفلس هفة الس هلمية ق هد أثاره‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫المتكلمون والعرفاء، برغم أن آراء الفلسفة تختلف عن آراء العرفاء والمتكلمين.‬ ‫وعليههه يكون مجموع المدارس الفكريههة السههلمية أربعههة، وبديهههي أننهها نريههد‬ ‫المدارس الفكرية ذات الطابع الفلسفي العام، بمعنى معرفة الوجود والعالم، فنحن‬ ‫– إذ نبحهث هنها فهي كلّيات الفلسهفة – ل نتعرض إلى المدارس الفكريهة الفقهيهة، أو‬ ‫التفسيرية، أو الروائية، أو الدبية، أو السياسية، أو الخلقية؛ لنّها من وادٍ آخر.‬ ‫ثهم إنّه جميهع هذه المدارس تمتاز – تأثرا بالتعاليهم السهلمية – بطابهع مخصهوص‬ ‫مهن المدارس التهي تكونهت خارج ال ُهطر السهلمية، وبعبارة أخرى: غلبهت عليهها روح‬ ‫الثقافة السلمية، فتكون المدارس الفلسفة السلمية كالتي:‬ ‫١ - المدرسهة الفلسهفية السهتدللية المشائيهة، وأتباعهها كثيرون؛ إذ ينتمهي‬ ‫إليهها أكثهر الفلسهفة المسهلمين، مهن قبيهل: الكندي، والفارابهي، وابهن سهينا، والخواجهة‬ ‫نصهير الديهن الطوسهي، والميرداماد، وابهن رشهد الندلسهي، ويعتهبر ابهن سهينا النموذج‬ ‫52‬
  • 26. ‫الكامهل لهذه المدرسهة، فإن كتبهه الفلسهفية كلّهها – مهن قبيهل: "الشفاء" و"الشارات"‬ ‫و"النجاة" و"دانهش نامهه علئي" و"المبدأ والمعاد" و"التعليقات" و"المباحثات" و"عيون‬ ‫الحكمة" – في الفلسفة المشائية، وهذه المدرسة تعتمد الستدلل والبرهان العقلي‬ ‫فقط.‬ ‫٢- المدرسهة الفلسهفية الشراقيهة، وعدد المنتسهبين إليهها قليهل بالقياس إلى‬ ‫المدرسهة المشائيهة، وقهد شادهها "شيهخ الشراق السههروردي"، وكان لقطهب الديهن‬ ‫الشيرازي والشهرزوري وغيرهمهها طريقههة إشراقيههة، ويعدّ "شيههخ الشراق" نفسههه‬ ‫النموذج الكامهل لهذه المدرسهة، فصهنف فيهها كتبا كثيرة، مهن قبيهل: "حكمهة الشراق"‬ ‫و"التلويحات" و"المطارحات" و"المقارنات" و"هياكههل النور"، وأشهرههها كتاب "حكمههة‬ ‫الشراق"، فقد انفرد هذا الكتاب بأسلوبه الشراقي الخالص، كما أن لشيخ الشراق‬ ‫بعض الرسائل باللغة الفارسية، منها "أواز ﭙر جبرئيل" و"عقل سرخ" وغيرهما.‬ ‫وتعتمد هذه المدرسة شيئين هما:‬ ‫أو ل ً: الستدلل والبرهان العقلي.‬ ‫وثانيا: المجاهدة الروحيههة وتزكيههة النفههس، فل ترى هذه المدرسههة السههتدلل‬ ‫العقلي وحده كفايا في اكتشاف حقائق العالم.‬ ‫٣ . المدرس هة الس هلوكية العرفاني هة، ويعتمههد فيههها العرفان والتصههوف على‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫تصهفية النفهس، مهن خلل السهلوك والتقرب إلى ا حتهى بلوغ الحقيقهة، ول يعتمهد‬ ‫السهتدلل العقلي أبدا، وترى هذه المدرسهة أن يهد السهتدلليين جذّاء، وليهس الهدف‬ ‫لديها كشف الحقيقة فقط، بل الوصول إليها كذلك.‬ ‫وينتمي إلى هذه المدرسة كثير من العرفاء البارزين في العالم السلمي، منهم:‬ ‫أبهو يزيهد البسهطامي، والحلج، والشبلي، والجنيهد البغدادي، وذو النون المصهري، وأبهو‬ ‫سعيد أبو الخير، والخواجة عبد ا النصاري، وأبو طالب المكي، وأبو نصر السرّاج،‬ ‫وأبهو القاسهم القشيري، ومحيهي الديهن ابهن عربهي الندلسهي، وابهن الفارض المصهري،‬ ‫والمولوي الرّومي.‬ ‫ويعتهبر محيهي الديهن بهن عربهي النموذج الكامهل فهي العرفان السهلمي؛ إذ جعهل‬ ‫من العرفان علما مدونا، وقد تأثر به كلّ من جاء بعده.‬ ‫62‬
  • 27. ‫وتشترك المدرسهتان العرفانيهة والشراقيهة فهي جههة، وتختلفان فهي جهتيهن، فكلتها‬ ‫المدرستين تعتمد على تهذيب النفس وتزكيتها، وتختلفان فيما يلي:‬ ‫أو ل ً: فههي أن العارف ينفههي السههتدلل كلّ، خلفا للفيلسههوف الشراقههي الذي‬ ‫يحتفظ به إلى جانب تزكية النفس.‬ ‫ثانيا: أن غايهة الفيلسهوف الشراقهي – كأيّه فيلسهوف آخهر – كشهف الحقيقهة، فهي‬ ‫حين يهدف العارف إلى بلوغها.‬ ‫٤ - المدرسهة السهتدللية الكلميهة، فالمتكلمون – كالفلس هفة المشائي هن –‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يعتمدون على الستدلل العقلي، إل ّ أنهم يختلفون عنهم في شيئين:‬ ‫الول: أن القواعهد والمبادئ العقليهة التهي يفتتهح بهها المتكلمون بحوثههم تختلف‬ ‫عن القواعد والمبادئ العقلية التي يفتتح بها الفلسفة بحوثهم، فإنّ أهم ما يفتتح به‬ ‫المتكلمون – وبخاصههة المعتزلة منهههم – بحوثهههم قاعدة "الحسههن والقبههح"، إل ّ أن‬ ‫المعتزلة يرون الحسن والقبح عقليين، في حين يراهما الشاعرة شرعيين، وقد رتّب‬ ‫المعتزلة على هذه القاعدة مجموعهههة م ههن القواع ههد الخرى، م ههن قبي ههل: "قاعدة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫اللطف"، و"وجوب الصلح على الباري تعالى"، وكثيرا من المور الخرى.‬ ‫إل ّ أن الفلسهفة يرون أن قاعدة الحسهن والقبهح مهن القواعهد البشريهة العتباريهة،‬ ‫كسهائر المقبولت والمعقولت العمليهة المذكورة فهي المنطهق، والتهي ل تسهتخدم إلّ‬ ‫فهي "الجدل" دون "البرهان"، ولذا يسهمّي الفلسهفة الكلم بهه"بالحكمهة الجدليهة"، ل‬ ‫"الحكمة البرهانية".‬ ‫الثانهي: أن المتكلم – خلفا للفيلس هوف – يرى نفس هه مس هؤول ً ف هي الدفاع عهن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫حياض السهلم، فهي حيهن أن البحهث الفلسهفي بحهث حرّ، بمعنهى أن الفيلسهوف ليهس‬ ‫له هدف أو عقيدة معينة يرى نفسه ملزما بالدفاع عنها.‬ ‫وينقسم الكلم بدوره إلى ثلثة أقسام:‬ ‫١ - طريقة المعتزلة الكلمية.‬ ‫٢ - طريقة الشاعرة الكلمية.‬ ‫٣ - طريقة الشيعة الكلمية.‬ ‫ول يسهعنا هنها شرح هذه الطرق بشكهل كامهل؛ إذ يحتاج كلّ واحدٍ منهها إلى بحهث‬ ‫مستقل.‬ ‫72‬