توهم بعض أعداء الإسلام أن حديث : « لا عدوى » يخالف العلم و الواقع ، و زعموا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بذلك قد ألغى أحد فروع الطب ،وهو فرع الأمراض المعدية diseases infectious ،وقد خالف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بزعمهم الواقع بنفيه للعدوى وهي موجودة في الواقع ،ولو كان نبيا حقا لما خالف الطب و لما خالف الواقع إلى غير ذلك من الافتراءات .
و هذه الافتراءات في حقيقتها تنم عن الجهل بقواعد تفسير النصوص ،وسوء القصد ،و عند استخدام القواعد العلمية المتبعة في تفسير النصوص نجد أن الحديث يوافق الطب والواقع بل صحح الحديث اعتقادات فاسدة تخالف الطب و الواقع وقد وضع تدابير للحد من انتشار الأمراض المعدية و الوبائية مما يشهد بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا ينطق عن الهوى .
موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم
1. موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم
د.ربيع أحمد
2. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من
أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
يخالف العلم و الواقع ، و زعموا أن النبي - » لا عدوى « : فقد توهم بعض أعداء الإسلام أن حديث
diseases صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بذلك قد ألغى أحد فروع الطب ،وهو فرع الأمراض المعدية
وقد خالف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بزعمهم الواقع بنفيه للعدوى وهي موجودة ، infectious
في الواقع ،ولو كان نبيا حقا لما خالف الطب و لما خالف الواقع إلى غير ذلك من الافتراءات .
و هذه الافتراءات في حقيقتها تنم عن الجهل بقواعد تفسير النصوص ،وسوء القصد ،و عند استخدام
القواعد العلمية المتبعة في تفسير النصوص نجد أن الحديث يوافق الطب والواقع بل صحح الحديث
اعتقادات فاسدة تخالف الطب و الواقع وقد وضع تدابير للحد من انتشار الأمراض المعدية و الوبائية مما
يشهد بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا ينطق عن الهوى .
و قد يلاحظ القارئ تكرار بعض كلامي فأتكلم عن كل حديث على حدة و كأنه بحث مستقل لحاجة في
نفسي و هي دحض دعوى أن حديث لا عدوى يخالف الطب والواقع و أن العيب في فهم المشككين لا في
كلام خير المرسلين و الله من وراء القصد ربيع أحمد
3. ليس من الإنصاف فهم جزء من كلام شخص بمنأى عن باقي كلامه
مما يعلمه العقلاء أن من الإنصاف عند فهم جزء من كلام شخص أن ننظر لباقي كلامه ، و ليس من
الإنصاف أن نفهم جزءا من كلام شخص بمنأى عن باقي كلامه .
و عندما يتكلم شخصا في مسألة فتعترض عليه قبل أن يكملها فالإجابة المنطقية من هذا الشخص هي :
مهلا أخي هل سمعت باقي كلامي لكي تعترض ،وكنت سوف أجيب عن هذا الاعتراض أو باقي كلامي كان
سيوضح لك الأمر ؟!!.
ومن القواعد المتبعة عند تفسير أي نص من النصوص النظر للسياق الذي ذكر فيه النص والنظر لباقي كلام
النص فربما كان هذا الجزء من الكلام في النص عاما و السياق أو باقي كلام النص يخصصه و ربما كان هذا
الجزء من الكلام في النص مطلقا و السياق أو باقي كلام النص يقيده ،وربما كان هذا الجزء من الكلام في
النص مخالفا للواقع و عند تكملة النص يتبين عدم مخالفته للواقع .
4. مثلا مدرسة ممتلئة بالطلاب في جميع فصولها عدا فصلا به عدد قليلا جدا من الطلبة إذا قال مدرس هذا
الفصل لا يوجد طلبة هل كلامه يكون مخالفا للواقع أم أن كلامه له حممل أن عدد طلاب هذا الفصل
بالنسبة لباقي الفصول لا شيء.
و لو أن مدرسا أخذ يسأل العديد من الأسئلة للطلبة ،ولم يجبه أحد فقال : لا يوجد طالب هل كلامه يكون
مخالفا للواقع أم أن كلامه له حممل أنه لا يوجد طالب يجيبه عن أسئلته أو لا ي وجد طالب مجتهد ،وعليه
فلابد من النظر لسياق النص و الحيثيات التي قيل فيها عند تفسيره .
والخلاصة أن قص كلام شخص بانتقاء بعض كلامه وتخطئته دون النظر لباقي كلامه وسياق كلامه ليس
بالمنهج العلمي السوي .
5. أحاديث نفي العدوى ليست نصا في عدم وجود العدوى أو عدم تأثيرها مطلقا
عند تتبع أحاديث نفي العدوى لا نجد تصريحا بأن العدوى غير موجودة أو ليس لها أي تأثير ومن هذه
الأحاديث :
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي « : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولُ اللََِّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال
.1» ثَلاَثٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، وَالدَّارِ
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ « : - وعن أَبَ هُرَيْ رَةَ، يَ قُولُ: قَالَ رَسُولُ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
.2» صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ
1 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
2 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2777
6. لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، « : وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللََُّّ عَنْه - ، عَنِ النَّبِيِِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
.3» كَلِمَةٌ طَيِِبَة « : قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ » وَيُ عْجِبُنِِ الفَأْلُ
فَ قَامَ » لاَ عَدْوَى « : وعن أَبَ هُرَيْ رَةَ - رَضِيَ اللََُّّ عَنْه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
أَعْرَابٌِّ فَ قَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِِمَالِ أَمْثَالَ الظِِبَاءِ، فَ يَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَ تَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ -
.4» فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ « : - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وبون شاسع بين لا عدوى و بين لا وجود للعدوى و فرق شاسع بين لا عدوى و بين لا يوجد أي تأثير
للعدوى فالجملة الأولى : خبر لا حمذوف لفهمه من سياق الكلام و التقدير على الراجح مؤثرة بطبعها أو
تضر بذاتها أو تنتقل بذاتها أي لا عدوى مؤثرة بطبعها أو لا عدوى تضر بذاتها أو لا عدوى تنتقل بذاتها بل
لابد من توافر الأسباب و فوق ذلك إرادة الله أما الجملة الثانية فخبر لا موجود ،وهو لفظ " موجودة "
3 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
4 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5557
7. دلالة اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة على عدم نفي وجود العدوى بل نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
والطيرة
كثير من الأحاديث التي ذكر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - نفي العدوى اقترن معها نفي الطيرة ،
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي « : فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولُ اللََِّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال
5 ، وعن أَبَ هُرَيْ رَةَ، يَ قُولُ: قَالَ رَسُولُ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : » ثَلاَثٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، وَالدَّارِ
6 ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - » لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ «
قَالُوا: » لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَيُ عْجِبُنِِ الفَأْلُ « : رَضِيَ اللََُّّ عَنْه - ، أن النَّبِيِِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
.7» كَلِمَةٌ طَيِِبَة « : وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ
و من المعلوم أن هناك الكثير من الناس يتطير رغم أن الإسلام حرم ذلك ،و إذا كانت الطيرة موجودة في
الواقع من جهة اعتقاد بعض الناس ، و مع ذلك قد نفاها النبي - صلى الله عليه وسلم – فهذا يدل أن
المقصود بالنفي ليس نفي الوجود ، ولكن نفي أمر آخر ، وهو على الراجح نفي الاعتقاد الخاطئ في الطيرة
أو نفي تأثير الطيرة من دون الله .
5 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
6 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2777
7 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
8. و الاعتقاد في الطيرة ،ودعوى أن للتطير تأث يرا من دون الله كان سائدا عند الناس -ومازال - ،و هذا من
الطِِيَ رَةُ شِرْكٌ، الطِِيَ رَةُ « : الشرك ،و عَنْ عَبْدِ اللََِّّ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال
8 أي : التشاؤم الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو » شِرْكٌ ، ثَلَاثًا ، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَََّّ يُذْهِبُهُ بِالتَّ وَكُّلِ
الإحجام عن العمل أو ترك العمل من الشرك فالتطير يضعف التوكل على الله ،وفيه رجم بالغيب بأسباب لم
يأذن بها الله ، و فيه سوء ظن بالله ، و اعتقاد حصول الضر والنفع من غير الله تعالى ،و ك ل إنسان اعتقد
سببا لم يجعله الشرع سبب اً ، فإنه مشرك شركاً أصغر ، و إذا اعتقد أن هذا الشيء المتشائم به – أي سبب
ترك الفعل - يضر من دون الله فهو شرك أكبر .
و إذا لم يكن المقصود بنفي الطيرة نفي الوجود ، و لكن نفي الاعتقاد الخاطئ في الطيرة أو نفي تأثير الطيرة
من دون الله أي لا طيرة مؤثرة فكذلك المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى .
والاعتقاد الخاطئ في العدوى هو أن العدوى تنتقل بطبعها وبذاتها من شخص لآخر دون إجراء الله لذلك
،وأن العدوى تضر بذاتها و أن العدوى تؤثر بذاتها .
وهذا الاعتقاد اعتقاد باطل فلابد أن يعتقد الإنسان أن الله هو مسبب الأسباب ، و أن العدوى لا تنتقل
من شخص لآخر إلا إذا شاء الله ذلك و قدر ،ولا تضر العدوى إلا إذا شاء الله ذلك وقدر أي لابد من
اعتقاد أن العدوى لا تحصل إلا بقضاء الله ،وقدره فإذا شاء الله أن يصاب شخص بالعدوى ويمرض جعل
أسباب العدوى سارية ومؤث رة ، وأسباب المرض سارية ومؤثرة وإن شاء الله سلب أسباب العدوى قدرتها
8 - رواه أبو داود في سننه رقم 5197 وصححه الألباني
9. على التأثير فلا أثر للعدوى إلا بمشيئة الله وحده ،ولا عدوى مؤثرة بنفسها بل بإذن الله ،و لو كانت
العدوى مؤثرة بنفسها لما تخلفت أحيانا .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
) قوله صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا عدوى" المراد بالعدوى: انتقال المرض من شخص إلى شخص، أو من
بهيمة إلى بهيمة، أو من مكان إلى مكان.
والمرض يتعدِى من حمل إلى حمل، ويتعدِى من المريض إلى السليم، ويتعدِى من الجربى إلى الصحيحة، هذا
شيءٌ موجود ،والرسول - صَل ى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينفي هذا، وإنَّا ينفي العدوى التي كان يعتقدها أهل
الجاهلية من أنِ المرض يتعدِى بنفسه بدون تقدير الله - سبحانه وتعالى - ، فالعدوى وهي: انتقال المرض
من حمل إلى حمل بسبب قرب الصحيح من المريض، والمقدر لها هو الله تعالى، فقد يقرُب الصحيح من المريض
ولا يصيبه شيء، وقد يقرُب ويُصاب.
والسبب: أن هذا راجعٌ إلى الله، إن شاء سبحانه وتعالى انتقل هذا المرض، وإنْ شاء لم ينتقل، فمجرِد مقاربة
المريض أو القدوم على المحل الموبوء هذا سبب، أما التأثُّر فهو بيد الله سبحانه وتعالى، فقد يدخل الإنسان
في الأرض الموبوءة ولا يصاب، وقد يورِد الممرض على المصُح ولا يُصاب، قد ينام المريض بجانب الصحيح
ولا يصاب، وقد يصاب، فما وجه التفريق بين الحالتين؟ وجه التفريق: أن هذا راجعٌ إلى مشيئة الله تعالى.
10. أما أهل الجاهلية فلا يفرِِقون بل عندهم: أن كل من قارب الم رض- أو كل من قارب المريض- أنه يُصاب،
ولا ينسبون هذا إلى قضاء الله وقدره، ولا يتوكِلون على الله سبحانه وتعالى، ويفرِطون في التشاؤم والتطيُّر
وانتقال العدوى، ويعملون أعمالاً تُضحك.
فقوله صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا عدوى" يعنِ: على ما ك ان يعتقده أهل الجاهلية، أما أنِ العدوى تحصُل
بإذن الله فهذا أمرٌ واقع، ولهذا نهى صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مخالطة المجذوم، ونهى صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَل مَ عن
القدوم على الأرض الموبوءة، ونهى من كان في أرض فيها وباء أن يخرج منها ومن كان خارجها لا يدخل
فيها، لأن هذه أسبابٌ لانتشار المرض، والامتناع عنها أخذٌ بالأسباب الواقية، والإقدام عليها إلقاءٌ إلى
التَّ هْلُكة، والله نهى عن ذلك، إلاَّ من قَوِيَ إيمانه وتوكُّله على الله تعالى؛ فهذا قد يُقدم على الوباء ويخالط
المرضى ولا يصاب، لأنه متوكِِلٌ على الله - سبحانه وتعالى -، لكن هذا لا يكون إلاَّ لأهل الإيمان القوي،
أما أهل الإيمان الضعيف فهؤلاء يبتعدون عن هذه المواطن لئلا يصابوا، ثمِ تسوء عقيدتهم.
والإقدام على حملاَّت الخطر من الإلقاء إلى التهلُكة، والله تعالى يقول: ﴿ وَلا تُ لْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّ هْ لُكَة ﴾،
إلاَّ إذا كان هناك مصلحة راجحة من الإقدام على هذه الأمور فيُقدم عليها، أما إذا لم يكن فيه مصلحة
راجحة فالأخذ بالأسباب الواقية أحسن، وإذا كان هناك مصلحة راجحة فالإقدام أحسن، على حسب
الأحوال .
11. وقوله: "ولا طَيرة" هذا نفيٌ معناه: النهي، يعنِ: لا تتطيِروا، وإنْ كان الإنسان يجد في نفسه شيئاً فلا يمنعه ما
يجد في نفسه من المضُي والعزم، لأن إيمانه يسوقه، بخلاف ضعيف الإيمان فإن التشاؤم يتغلِب عليه فيتراجع،
ويكون هذا من الخلل في العقيدة، وضعف التوكُّل على الله سبحانه وتعالى ،وإذا وجدت في نفسك تشاؤماً أو
كراهية فتوكِل على الله وأقدِم .
والطيرة ليس لها أصل، بخلاف العدوى، وإنَّا هي من الشيطان، فهي تخيُّلٌ من الإنسان بسبب وسوسة
الشيطان فالتطيُّر ليس له أصل، ومن وجد في نفسه شيئاً من الكراهية فليتوكِل على الله وليعزم، ولا ترده
. الطيَرة عن مقصوده ( 9
1-7/ 9 - إعانة المستفيد لصالح الفوزان 5
12. أن المقصود بنفي » لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، وَالدَّارِ « : دلالة حديث
العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي « : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولُ اللََِّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، والشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي المرَْأَةِ، « 10 ، وفي رواية » ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، وَالدَّارِ
11 ، واقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة دليل أن المقصود بالنفي نفي الاعتقادات الفاسدة » وَالدَّارِ، وَالدَّابَّة
حول العدوى والطيرة .
و نفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل آخر في الحديث أن المقصود بالنفي نفي
الاعتقادات الفاسدة حول العدوى والطيرة .
و بيان ذلك أن المراد بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " أي إن كان الشؤم في
شيء ففي هذه الثلاثة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : ذكََرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَ قَالَ
10 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
11 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2725 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
13. « : 12 ، و في رواية » إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمرَْأَةِ، وَالفَرَسِ « :- النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَ يْهِ وَسَلَّمَ
. 13» إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ
ومعنى إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة أي إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به
فإنَّا يخلقه في هذه الأشياء وهذا لا يقتضي إثبات الشؤم فيها .
أي : إِنْ فُرِضَ وُجُودُ الشُّؤْمِ يَكُونُ في هذه الثَّلَاثَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَ فْيُ صِحَّةِ الشُّؤْمِ وَوُجُودُهُ عَلَى وَجْهِ
الْمُبَالَغَةِ فَ هُ وَ مِنْ قَبِيلِ قَ وْلِهِ - صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَ قَتْهُ الْعَيْنُ فَلَا يُ نَافِيهِ
. حِينَئِذٍ عُمُومُ نَ فْيِ الطِِيَ رَةِ فِي قَ وْلِهِ - صَلَّى اللََُّّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا عَدْوَى وَلَا طِيَ رَة 14
من قبيل » إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمرَْأَةِ، وَالفَرَسِ « :- وقول النَّبِيِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قول القائل : إن كان في هذه الدار أحد فزيد فهذا الكلام لا يفهم منه أن القائل يثبت أن في الدار زيدا ،
بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا
12 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2712
13 - رواه مسلم في صحيحه رقم 5552
15/ 14 - تحفة الأحوذي 8
14. و لو ك انت الطيرة مؤثرة في شيء لكانت مؤثرة في هذه الثلاثة لطول ملازمة الإنسان لهذه الأشياء، أما وإن
الطيرة ليست مؤثرة في هذه الأشياء رغم أنها أكثر ما يلازم المرء فإن الطيرة منفية في غيرها من باب أولى .
و على التسليم الجدلي أن في هذه المذكورات شؤم فالشؤم بمعنى ما يكرهه الإنسان فقد يسمى كل مكروه
وحمذور شؤم 15 ،وهذه الأشياء قد يقدر الله أن تكون سببا لما يكرهه الإنسان ويسيئه أو توصل إلى ما يكرهه
الإنسان و يسيئه أي هذه الأشياء قد يجعلها الله سببا قدريا في حصول ما يسيء الإنسان و يكرهه أو قد
يكون في بعض أعيان هذه الثلاثة ضرر حمسوس، كالمرأة السيئة الخلق، والدار الضيقة، أو السيئة الجيران،
والفرس السيئة الطباع، ونحو ذلك ، ، وهَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ لَيْسَ هُوَ مِنْ باب الطيرة .
وقال ابن الجوزي :) إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَ هَذِهِ الْأَشْيَاء، لَا على
. السَّبِيل الَّتِي تظنها الجَْاهِلِيَّة من الْعَدوي والطيرة، وَإِنَََّّا الْقدر يَجْعَل للأسباب تَأْثِيرا ( 16
وإضافة الشؤم إلى هذه الثلاثة إنَّا هو من قبيل المجاز فالشؤم قد يحصل مقارناً لهذه الأشياء لا أنه منها أو
يحدث الشؤم عندها لا بها ، وَقد تكون الدَّار قد قضى الله عز وَجل عَلَيْ هَا أَن يُمِيت فِيهَا خلقا من عباده كَمَا
2/ 15 - مطالع الأنوار على صحاح الآثار لابن قرقول 5
558/ 16 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 5
15. يقدر ذَلِك فِي الْبَ لَد الَّذِي ينزل الطَّاعُون بِهِ وَفِي الْمَكَان الَّذِي يكثر الوباء بِهِ فيضاف ذَلِك إِلَى الْمَكَان مج ازًا
. وَالله خلقه عِنْده وَقدره فِيهِ كَمَا يخلق الْمَوْت عِنْد قتل الْقَاتِل 17
وقال الطيبي : ) هذه الأشياء الثلاثة ليس لها بأنفسها وطباعها فعل وتأثير، وإنَّا ذلك كله بمشيئة الله
وقضائه، وخصت بالذكر لأنها أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، ولما كان الإنسان لا يخلو عن العارض فيها،
. أضيف إليها اليمن والشؤم إضافة مكان وحمل ( 18
و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به فإنَّا
يخلقه في هذه الأشياء من باب أولى ،وإذ لم يكن في هذه الأشياء شؤم فغيرها ليس فيه شؤم من باب أولى
لاَ « :- فليس في ذوات هذه الأشياء شؤم أو ضرر ،وعليه فيكون معنى قول النَّبِيِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أي لا تضر العدوى بنفسها ولا تضر » عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، وَالدَّارِ
الطيرة ،و على فرض وجود الشؤم لكان موجودا في هذه الأشياء ،وإذ لم يكن فيها فغيرها من باب أولى .
و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : أن في هذه الثلاثة شؤم وضرر بتقدير الله ذلك فيكون معنى
لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، إِنَََّّا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمرَْأَةِ، « :- قول النَّبِيِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
522/ 17 - مفتاح دار السعادة لابن القيم 5
5559/ 18 - شرح المشكاة للطيبي 7
16. لا تعتقدوا أن العدوى أو الطيرة تؤثر بنفسها من دون الله إنَّا الله قد يجعل في بعض الأشياء ضررا » وَالدَّارِ
لمن لازمها بتقديره سبحانه ،وليس لأن هذه الأشياء تضر بنفسها .
وعليه فنفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل أن السياق يتكلم عن نفي اعتقادات فاسدة
فالشريعة دائما و أبدا ترفض التقليد الأعمى و ترفض إشاعة الخرافات و الاعتقادات الفاسدة .
أن ، » لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ « : دلالة حديث
المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
17. لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، « : - عن أَبَ هُرَيْ رَة ،قال : قَالَ رَسُولُ اللََِّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
19 ،و هذا الحديث يدل أن نفي العدوى نفي الاعتقاد الفاسد فيها من » وَفِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ
عدة وجوه :
الوجه الأول : اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة ،و الطيرة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس فيها
،والمعنى نفي ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ،و
عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي الطيرة - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات
الخاطئة حول العدوى و الطيرة .
الوجه الثاني : اقتران نفي العدوى مع نفي الهامة ،والهامة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس و الهامة طير
من طير الليل كأنه يعنِ البومة قال ابن الأعراب: ) ك انوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول:
نَ عَتْ إليِ نفسي أو أحدا من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله( 20 ،وقال الشهرستاني :
) ومن العرب من يعتقد التناسخ، فيقول: إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته، فانتصب
طيرا هامة، فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة, وعن هذا أنكر عليهم الرسول عليه السلام ( 21 ، والمعنى نفي
19 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2777
20 - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن حسن ص 571
18. هذه المعتقدات الباطلة ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة
حول العدوى و الهامة .
الوجه الثالث: اقتران نفي العدوى مع نفي صفر ،و شهر صفر موجود لكن بعض الناس يعتقدون في شهر
صفر اعتقادات فاسدة ، ويتشاءمون به، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم -
ذلك 22 ، والتشاؤم بصفر من جنس الطيرة المنهي عنها ، و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى
و نفي صفر - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و شهر صفر .
وقال ابن عثيمين – رحمه الله –: ) وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة - أي لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَلاَ هَامَةَ
وَلاَ صَفَرَ - ليس نفيا للوجود; لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير; فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما;
فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما; فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا،
. ولكونه سببا إن كان باطلا ( 23
الوجه الرابع : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " فِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ " ،و قد كَ انَ فِي
وَفْدِ ثَقِيْفٍ رَجُلٌ مَجْذُوْمٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا قَدْ بَايَ عْنَاك؛ فَا رْجِعْ 24 مما يدل
89/ 21 - الملل و النحل للشهرستاني 5
22 - انظر حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 595
23 - القول المفيد لابن عثيمين ص 252
24 - رواه مسلم في صحيحه رقم 5559
19. على مشروعية اجتناب مريض الجذام كي لا تنتقل العدوى منه إلى غيره أي أن مخالطة هذا المريض من
الأسباب التي أجرى الله - سبحانه و تعالى - العادة بأنها تفضي إلى المرض لا استقلالا بطبعها مما يدل أن
للعدوى تأثيرا لكن تأثيرها ليس أمرا لازما بحيث تكون علة فاعلة .
و الإنسان مأمور باتقاء الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، وفي النار، فكذلك
اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، فإن هذه من أسباب المرض أي أن اجتناب المريض بمرض معدي من باب
تجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لا من باب تأثير الأسباب بنفسها ; فالأسباب لا تؤثر بنفسها .
، not highly infectious مرض معدي لكنه ليس شديد العدوى Leprosy ومرض الجذام
أثناء المخالطات الحميمة و المتكررة مع الحالات nasal droplets و ينتقل المرض عبر رذاذ الأنف
أو ملامسة long time of contact التي لم تُعالج أو ملامسة الأشخاص المصابين لفترات طويلة
القرح ومفرزات الأغشية المخاطية لمرضى الحالات أو المراحل المتقدمة .
و إن كان الجذام ليس شديد العدوى إلا أن هناك نوع من أنواعه شديد العدوى خاصة من رذاذ الأنف ،
فهو أخطر مراحل المرض و أخطر Lepromatous leprosy وهو الجذام الجذامينِ أو الأسدي
و تظهر ، diffuse skin lesions الأنواع حيث يصاب الجلد بآفات جلدية بصورة منتشرة
high bacterial تقرحات شديدة بالجلد و هذه الآفات الجلدية تكون حمملة بالبكتريا المسببة للمرض
. Lion face و أكثر الأماكن إصابة الوجه و الجبهة و يبدو وجه المريض كوجه الأسد load
20. ومريض الجذام إذا رأى صحيح البدن يديم النظر إليه و يحزن لما أصابه فيصاب بالإحباط و تضعف مناعته
وتزداد شدة المرض لذلك كان الهدي النبوي بالفرار منه حتى لا يقع بصره على الصحاح فيزداد مرضه كما
أن الإنسان عندما يرى أسدا يتصنع في عدم رؤية الأسد له .
أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ فيها » لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، وَيُ عْجِبُنِِ الفَأْلُ « : دلالة حديث
21. لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، « : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللََُّّ عَنْهُ - ، عَنِ النَّبِيِِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
25 ، وهذا الحديث يدل أن المقصود بالعدوى نفي » كَلِمَةٌ طَيِِبَة « : قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ » وَيُ عْجِبُنِِ الفَأْلُ
الاعتقاد الخاطئ فيها من وجهين :
الوجه الأول : اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة ،و الطيرة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس فيها
،والمعنى نفي ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ،و
عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي الطيرة - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات
الخاطئة حول العدوى و الطيرة .
الوجه الثاني : ذكر الفأل بعد نفيه للعدوى و الطيرة ، و ك ان - عليه الصلاة والسلام- يحب الفأل وفسره
بأنه الكلمة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة إذا سمعها فتفاءل بها ، وأنه سيحصل له كذا وكذا من الخيرات،
يكون من باب حسن الظن بالله- جل وعلا-، فالفأل حسن ظن بالله، والتشاؤم سوء ظن بالله- جل
وعلا-؛ ولهذا كان الفأل ممدوحا وحممودا، والشؤم مذموما.
ومعلوم أن العبد مأمور بأن يحسن الظن بالرب- جل وعلا- ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يتفاءل،
وكل ذلك من تعظيم الله - جل وعلا- وحسن الظن به وتعلق القلب به، وأنه لا يفعل للعبد إلا ما هو
. أصلح له 26
25 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5552
26 - التمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ ص 527
22. وهذا الحديث جمع النبي - صلى الله عليه وسلم -فيه بين حمذورين ومرغوب; فالمحذوران هما العدوى
والطيرة، والمرغوب هو الفأل، وهذا من حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن ذكر المرهوب
ينبغي أن يذكر معه ما يكون مرغوبا، ولهذا كان القرآن مثاني إذا ذكر أوصاف المؤمنين ذكر أوصاف
. الكافرين، وإذا ذكر العقوبة ذكر المثوبة، وهكذا 27
و ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم – للفأل بعد نفي العدوى و الطيرة يدل أن المقصود بالنفي نفي
الاعتقاد الخاطئ في العدوى و الطيرة ؛ لأن الاعتقاد الخاطئ في العدوى و الطيرة فيه سوء ظن بالله ورجم
بالغيب فاعتقاد أن العدوى تنتقل بنفسها و أنها حتما ستنتقل من شخص لشخص فيه توقع للبلاء دون
سبب حمقق و سوء ظن بالله ورجم بالغيب ،واعتقاد أن سبب الضرر هذا الشيء المتشائم به و توقع للبلاء
دون سبب حمقق و هذا فيه رجم بالغيب وسوء ظن بالله أما الفأل فاستبشار بحصول الخير عند سماع ما يسر
أي رجاء الخير و ظن حصوله، و اعتقاد أن الله يقدر النفع للإنسان فيبقى القلب متعلقا بالله تعالى وحده و
هذا من حسن الظن بالله .
دلالة حديث : فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
فَ قَامَ » لاَ عَدْوَى « : عن أَبَ هُرَيْ رَةَ - رَضِيَ اللََُّّ عَنْه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
أَعْرَابٌِّ فَ قَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِِمَ الِ أَمْثَالَ الظِِبَاءِ، فَ يَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَ تَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ -
27 - القول المفيد لابن عثيمين ص 277
23. 28 ،وهذا الحديث يدل أن المقصود بنفي العدوى نفي » فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ « : - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الاعتقاد الخاطئ في العدوى من وجهين :
الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعراب : أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِِمَالِ أَمْثَالَ
الظِِبَاءِ، فَ يَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَ تَجْرَبُ ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب عدوى الجرب
ومادامت مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح سببت عدوى الجرب فالعدوى موجودة ومؤثرة ، scabies
،ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعراب ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو
مثل ذلك .
أي من الذي سبب العدوى ؟ أو » فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ « : – الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من الذي أنزل العدوى ؟ أو من الذي قدر حدوث العدوى ؟ و سبب مرض الجرب في البعير انتقال الطفيل
إلى البعير ثم تكاثره داخل جلد البعير فيسبب التهابات Sarcoptes Scabiei المسبب للجرب
بالجلد على هيئة بثور تظهر نتيجة الحكة وكل ذلك بتقدير الله - عز وجل - ، ولو شاء الله عدم حدوث
ذلك لما حدث .
والمقصود أن البعير الأول حدث له مرض الجرب بقضاء الله و قدره و كذلك الثاني أو المرض الأول نزل من
عند الله وكذلك الثاني أو انتقل العدوى في الأول بأمر الله و كذلك الثاني مما يدل أن العدوى موجودة ،ولكن
لابد من الالتفات لمسبب الأسباب و عدم اعتقاد أن الأمراض تأتي من نفسها أو تنتقل من نفسها أو تؤثر
من نفسها .
28 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5557
25. مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ، لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ، خَلَقَ اللهُ كُلَّ « : الْإِبِل جَرَبًا، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ
29 ، و هذا الحديث لا ينفي حدوث العدوى بل ينفي » نَ فْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَ هَا وَمَوْتَ هَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَ هَا
حدوث العدوى بذاتها من وجوه :
الوجه الأول : كان السائد عند الناس في العصر النبوي و ما قبله أن العدوى تنتقل بنفسها وتعدي بنفسها
– إذا لم يكن علم الميكروبات اكتشف بعد - فصحح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هذا الفهم و قال
بعدم إمكان حدوث العدوى بنفسها فالمرض المعدي لا يعدي بنفسه ،ولكن بواسطة انتقال الميكرب من
أي المرض المعدي لا يعدي أحد بذاته بل الذي يحدث » لَا يُ عْدِي شَيْءٌ شَيْئًا « : شيء إلى غيره لذلك قال
هو انتقال الميكروب من إنسان أو حيوان إلى إنسان أو حيوان آخر أو العكس ثم يتكاثر الميكروب ثم يحدث
لا المرض causative microorganism المرض أي الذي ينتقل هو مسبب المرض
بتقدير الله – عز وجل - و القول بغير ذلك جهل بالطب و الواقع . disease
اكتشف عام 9575 م على يد أنتوني فان ليفنهوك Microbiology و علم الميكروبات
. Antony van Leeuwenhoek
الوجه الثاني : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعراب : إِنَّ النُّ قْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ
scabies بِعَجْبِهِ، فَ تَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب عدوى الجرب
،ومادامت مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح سببت عدوى الجرب فالعدوى موجودة ومؤثرة ،ولم يعترض
29 - رواه أحمد في مسنده رقم 8525
26. النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعراب ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك
.
أي ما سبب العدوى ؟ أو ما » مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ « : – الوجه الثالث : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أي ما مصدر العامل الممرض أي أين كان يعيش قبل ذلك ؟ . host مصدر حدوث العدوى
إلى البعير ثم Sarcoptes Scabiei و سبب مرض الجرب في البعير انتقال الطفيل المسبب للجرب
تكاثره داخل جلد البعير فيسبب التهابات بالجلد على هيئة بثور تظهر نتيجة الحكة وكل ذلك بتقدير الله -
عز وجل - ، ولو شاء الله عدم حدوث ذلك لما حدث .
فقرن نفي العدوى » لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَة « : – الوجه الرابع : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مع نفي صفر مع نفي الهامة ،والعدوى موجودة والتشائم بصفر موجود من جهة اعتقاد الناس والهامة
موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس لذلك النفي في الأمور الثلاثة ليس نفي للوجود لكن نفي الاعتقاد
الخاطئ عند الناس في العدوى و صفر و الهامة .
خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَ فْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَ هَا « : الوجه الخامس : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعد ذلك
مما يدل أن المقصود أن كل شيء في الكون يحدث بتدبير الله و مشيئته و كذلك » وَمَوْتَ هَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَ هَا
العدوى تحدث بتدبير الله و مشيئته فلا يجوز الاعتقاد في الأسباب ونسيان المسبب .
27. أقوال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تشهد بأنه يثبت حدوث العدوى
يوجد العديد من الأحاديث تدل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ك ان يثبت حدوث العدوى ،وليس
إثبات العدوى فحسب بل يثبت أن العدوى لا تنتقل من نفسها بل عن طريق عامل مسبب للمرض )
الكائنات الدقيقة و الطفيليات ( ،و ليس إثبات عامل مسبب للمرض فحسب بل وضع تدابير للوقاية من
العدوى وللحد من انتشار الوباء مما يشهد بأن النبي - صَل ى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا ينطق عن الهوى و من
ضمن هذه الأحاديث ما يلي :
28. لاَ « : الحديث الأول : عن أَبَ هُرَيْ رَةَ - رَضِيَ اللََُّّ عَنْه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
فَ قَامَ أَعْرَابٌِّ فَ قَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِِمَالِ أَمْثَالَ الظِِبَاءِ، فَ يَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَ تَجْرَبُ؟ » عَدْوَى
30 ،وهذا الحديث يثبت حدوث العدوى من » فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ « : - قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وجهين :
الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعراب : أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِِمَالِ أَمْثَالَ
الظِِبَاءِ، فَ يَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَ تَجْرَبُ ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب حدوث العدوى
ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعراب ،ويقول له هذا ليس ، scabies بالجرب
بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك .
أي من الذي سبب العدوى ؟ أو » فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ « : – الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من الذي أنزل العدوى ؟ أو من الذي قدر حدوث العدوى ؟ و السؤال عن سبب حدوث العدوى أو الذي
أنزل العدوى أو الذي قدر حدوث العدوى دليل على حدوث العدوى فلا يجوز أن أقول ؟ من فعل كذا و
لا يوجد فعل أصلا .
لَا يُ عْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، لَا « : - الحديث الثاني : عَنْ أَبِ هُرَيْ رَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثًا، قَالَ: فَ قَامَ أَعْرَابٌِّ، فَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النُّ قْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ ، » يُ عْدِي شَيْءٌ شَيْئًا
مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ، لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا « : بِعَجْبِهِ، فَ تَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ
30 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2775 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 5557
29. 31 ،وهذا الحديث يثبت حدوث العدوى » هَامَةَ، خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَ فْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَ هَا وَمَوْتَ هَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَ هَا
من وجهين :
الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعراب : إِنَّ النُّ قْبَةَ تَكُونُ بِم شْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ
بِعَجْبِهِ، فَ تَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب حدوث عدوى الجرب
ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعراب ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو ، scabies
هذا خطأ أو مثل ذلك .
أي ما سبب العدوى ؟ ما مصدر » مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ « : – الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حدوث العدوى ؟ و السؤال عن سبب حدوث العدوى دليل على حدوث العدوى فلا يجوز أن أقول ؟ من
فعل كذا و لا يوجد فعل أصلا .
أي ما سبب حدوث العدوي أو ما مصدر » مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ « : – و قول النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حدوث العدوى ؟ يدل أن العدوى لا تنتقل من نفسها و لا تحدث من نفسها بل عن طريق سبب.
وهذا يعتبر سبق علمي في العصر النبوي الذي لم يكن فيه علم الكائنات الدقيقة قد اكتشف بعد فالحديث
يثبت أن العدوى لا تنتقل من نفسها بل عن طريق عامل مسبب للمرض و هو إما كائن دقيق
31 - رواه أحمد في مسنده رقم 8525
30. ولو كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يتكلم من ، parasite أو طفيل microorganism
عند نفسه لقال بما هو سائد في عصره أن العدوى تنتقل بنفسها .
32» لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍِ « : الحديث الثالث : عن أب هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال
أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة; لئلا تنتقل العدوى 33 مما يدل على
حدوث العدوى ، وهذا يعتبر من التدابير للحد من انتشار الأمراض المعدية .
الحديث الرابع : عَنْ عَبْدِ اللََِّّ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَ لَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَ لَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ – أي
الطاعون - قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَ رَهُ عَبْدُ الرَّحمَْنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق الَ:
34 ،وهذا الحديث » إِذَا سمَِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَ قْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْ تُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه «
فيه نهي عن دخول المناطق التي بها مرض الطاعون ،و النهي عن الخروج من المناطق التي بها طاعون سواء
أكان الشخص مصابا بهذا الوباء أم لا لئلا ينتشر الطاعون في البلاد الأخرى ، و الطاعون أحد الأمراض
الوبائية مما يدل على إثبات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لحدوث العدوي بل فيه وضع تدبير للحد من
انتشار الوباء.
32 - رواه مسلم في صحيحه رقم 5559 ،ورواه أحمد في مسنده رقم 1595
33 - القول المفيد لابن عثيمين ص 252
34 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2757
31. و في الحديث منع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها نوع من الوباء ، والاختلاط بأهلها ،
وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها ، سواء أكان الشخص مصاباً بهذا الوباء أم لا ، وهذا يسمى
في الطب الحجر الصحي للحد من انتشار الوباء .
والوباء ينتقل من مكان توطنه إلى المناطق الخالية منه عن طريق الخروج من البلد التي بها وباء لبلد أخرى ليس
بها وباء أو دخول بلد بها وباء ثم الخروج منها لبلد أخرى .
وإن قيل لماذا نهي الشخص السليم الذي في مناطق الوباء من الخروج من المنطقة التي بها الوباء ؟ و الجواب
لأن هذا الشخص و إن كان سليما في الظاهر فقد يكون حاملا للمرض و هو لا يدري
أو آثار المرض لم تظهر بعد خلال فترة حضانة المرض asymptomatic carrier
. incubation period
و فترة حضانة المرض هي الفترة التي تمر من لحظة التعرض للكائن الدقيق أو الطفيل المسبب للعدوى وحتى
فقد تحدث disease حدوث المرض infection ظهور أعراض المرض ،و ليس معنى حدوث العدوى
العدوى و لا يحدث مرض ؛ لأن مناعة الشخص قوية أو الميكروب ضعيف لكن يكون الشخص حاملا
للمرض .
و الشخص الحامل للمرض قد ينقل المرض لغيره لذلك من حكمة الشريعة النهي عن خروج من في أرض
الوباء لبلد أخرى و إن كان سليما في الظاهر فمن علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ – ذلك ؟
32. لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَ رَةَ، « : - الحديث الخامس : عن أَبَ هُرَيْ رَةَ، يَ قُولُ: قَالَ رَسُولُ اللََّّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
35 ،و مرض الجذام من الأمراض المعدية وتزداد » وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المجَْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ
العدوى في الجذام الأسدي ،ولذلك جاءت الشريعة باجتناب المريض بمرض معدي كي لا ينتشر المرض عن
طريق المخالطة أو الاتصال فمن علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك ؟
و من هنا يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن السنة النبوية توافق العلم والواقع ، و المرض المعدي لا ينتقل
بنفسه بل الذي ينتقل مسبب المرض ،وليس كل من حدثت له عدوى يصاب بالمرض المعدي بل هذا يعتمد
على مناعة الشخص وقدرة الميكروب على إحداث المرض فإذا أراد الله أن يمرض الشخص هيئ له أسباب
المرض ،وإذا لم يشأ لا يحدث المرض حتى ولو توافرت أسبابه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
35 - رواه البخاري في صحيحه رقم 2777