‫ّ‬
‫تدبر القرآن الكريم‬
‫حقيقته وأهميته‬

‫يف إصالح الفرد واجملتمع‬
‫أ.د. عبد القادر سليماني.‬
‫جامعة وهران، الجزائر.‬

‫1‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم.‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على حممد بن عبد اهلل، وعلى آله األطهار وأصحابه األبرار، ومن تبعهم بإحسان‬

‫إىل يوم الدين، وبعد:‬

‫ال شك أن القرآن الكرمي، هو كتاب اهلل –تعاىل- ، نزل به الروح األمني على قلب حممد ‪ ‬بلسان عريب‬
‫مبني، ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه، تنزيل من حكيم محيد، تكفل اهلل حبفظه، وتعبدنا بتالوته وتدبر‬
‫آياته ومعانيه، فقال تعاىل : ﭽﮑﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﭼ محمد: ٢٤.‬
‫مجع اهلل فيه خريي الدنيا واآلخرة، من متسك به جنا، ومن أعرض عنه فقد ضل وخسر، يقول سبحانه وتعاىل:‬
‫ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺﯻ ﯼﯽ ﯾ‬

‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ طه: ١٤٣ - ١٤٣.‬
‫وتدبر القرآن الكريم، والوقوف عند معاين آياته وأحكامه، هو من األمور املهمات، وآثاره على مجيع‬
‫املستويات جليات، إن على مستوى األفراد أو على مستوى اجملتمعات، وذلك يف مجيع اجملاالت، كإصالح‬
‫االعتقاد، وتهذيب األخالق، وتشريع األحكام، وتحديد سياسات األمة، التي بها يتم صالحها وحفظ‬
‫نظامها، اقتصاديا، وثقافيا، وصحيا، وتعليميا، واجتماعيا...، كل هذه املعاين وغريها، تدخل ضمن المقاصد‬
‫و‬
‫الجامعة للقرآن الكريم، يف تقومي حياة الناس إىل يوم الدين، قال اهلل تعاىل: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء: ٩.‬
‫وال ريب، أن قيمة القرآن كته، تكمل يف تالوته، وتدبره، والعمل به، فما اللفظ وترتيله إال وسيلة يف إدراك‬
‫وبر‬

‫املعىن وحتصيله، وطلب اخلشوع، والتأثر به، وترمجة هذا التأثر إىل عمل.‬

‫فما مفهوم تدبر القرآن الكريم، وما حقيقته؟ وما أهميته في إصالح الفرد والمجتمع؟‬

‫ولإلجابة عن هذا األسئلة وغريها، ارتأيت أن أقسم البحث إىل متهيد وثالثة مباحث وخامتة، ومجلة من‬
‫التوصيات.‬
‫أما التمهيد: فتناولت فيه تعريف بعض المصطلحات المفتاحية، اليت هلا عالقة باملوضوع، كالتدبر،‬

‫واإلصالح.‬

‫2‬
‫وأما المبحث األول: فبينت فيه أن اإلسالم قد أمر بتدبر القرآن الكريم ورغب فيه، وذلك من خالل‬
‫الكتاب والسنة النبوية.‬
‫وأما المبحث الثاني: فتناولت فيه حقيقة تدبر القرآن الكريم.‬
‫وأما المبحث الثالث: فتناولت فيه أهمية تدبر القرآن الكريم في إصالح الفرد والمجتمع.‬
‫وأما الخاتمة: فذكرت فيها مجلة من النتائج اليت تضمنها هذا البحث، وبعض التوصيات اليت رأيت أهنا تفيد‬
‫موضوع البحث خصوصا، وموضوع املؤمتر عموما.‬
‫واهلل ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.‬

‫3‬
‫التمهيد:‬
‫التعريف ببعض المصطلحات المفتاحية.‬
‫أوال: تعريف التدبر:‬
‫1-معنى التدبر في اللغة:‬
‫ُّبُر و ُّبْر نقيض القبُل، ودبُر كل شيء عقبُه ومؤخره، ومجعهما أَدبار، ودبُر كل شيء خالف قُبُله، وهو‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ُُ‬
‫َ ُ َّ ُ‬
‫ُُ‬
‫الد ُ الد ُ‬
‫النظر يف عاقبة األمر والتفكر فيه، وتدبر الكالم: النظر يف أوله وآخره ، مث إعادة النظر مرة بعد مرة ؛ وهلذا جاء‬
‫ع والتفهم والتبني ؛ ولذلك قيل : إنه مشتق من النظر يف أدبار األمور، وهي أواخرها‬
‫على وزن التفعل كالتجر‬
‫وعواقبها، ومنه تدبر القول ،كما يف قوله تعاىل : ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ‬

‫المؤمنون: ٦٨.‬

‫(1)‬

‫2-معنى تدبر القرآن الكريم:‬

‫هو تفهم معاين ألفاظه ، والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة ، وما دخل يف ضمنها وما ال تتم تلك املعاين إال‬

‫به، مما مل ج اللفظ على ذكره من اإلشارات والتنبيهات، وانتفاع القلب بذلك خبشوعه عند مواعظه، وخضوعه‬
‫يعر‬
‫ألوامره، وأخذ العربة منه، كل هذه املعاين حاضرة يف أقوال أهل العلم، وعلى رأسهم من املفسرين:‬
‫و‬
‫قال الطبري يف قوله تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤ ، " أي‬
‫ليتدبروا حجج اهلل اليت فيه، وما ع اهلل فيه من الشرائع، فيتعظوا ويعملوا به ".‬
‫شر‬

‫(2‬

‫وقال أبو بكر ابن طاهر: " تدبر يف لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه،‬
‫وسرك باإلقبال عليه ".‬
‫َّ‬

‫(‬

‫1- لسان العرب، حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ، دار صادر – بريوت، ط1، (د ت)، (4/262)، وخمتار الصحاح،‬
‫زين الدين الرازي (1/691)، والقاموس احمليط، الفريوز آبادي (1/204- 04)، تاج العروس من جواهر القاموس، حممد بن‬
‫حممد بن عبد الرزاق احلسيين، أبو الفيض، امللقب مبرتضى، الزبيدي، (1/6022).‬
‫َّ‬
‫2- تفسري القرآن العظيم، أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي، احملقق:سامي بن حممد سالمة، دار طيبة للنشر‬
‫والتوزيع، ط2، 0241ه - 9991م، (12/091).‬
‫ جلامع ألحكام القرآن، أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن ح األنصاري اخلزرجي مشس الدين القرطيب، احملقق: هشام‬‫فر‬
‫مسري البخاري، دار عامل الكتب، الرياض، اململكة العربية السعودية، 241ه - 002م، (91/2 ).‬
‫4‬
‫وقال الهروي: " أبنية الذكر ثالثة: االنتفاع بالعظة، واالستبصار بالعربة، والظفر بثمرة الفكرة ".‬

‫(1‬

‫وقال األلوسي: " وأصل التدبر : التأمل يف أدبار األمور وعواقبها، مث استُعمل يف كل تأمل سواء كان نظرا يف‬

‫حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه ".‬

‫(2‬

‫ويُستفاد من كالم العلماء في معنى التدبر، أن التدبر في القرآن يشمل األمور اآلتية:‬
‫معرفة معاين األلفاظ وما يُراد هبا.‬‫تأمل ما تدل عليه اآلية أو اآليات مما يُفهم من السياق أو كيب اجلمل.‬‫تر‬
‫ُّ‬
‫اعتبار العقل حبججه، وحترك القلب ببشائره وزواجره.‬‫اخلضوع ألوامره، واليقني بأخباره.‬‫ويتلخص من ذلك أن التدبر: هو التفكر، والتأم ل الذي يبلغ به صاحبه معرفة املراد من املعاين، وإمنا يكون‬

‫ذلك يف كالم قليل اللفظ كثري املعاين اليت أُودعت فيه ، حبيث كلما ازداد املتدبر تدبرا، انكشفت له معان مل تكن‬
‫بادية له بادئ النظر.‬

‫(‬

‫ثانيا: تعريف اإلصالح:‬
‫1-اإلصالح لغة:‬

‫الصالح على خالف الفساد، والصالح والصلوح مبعىن واحد، فهو يصلح صالحا وصلوحا، فهو صاحل،‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫(4‬
‫وصليح، واجلمع صلحاء وصلوح.‬
‫ُ‬

‫واإلصالح نقيض اإلفساد واملصلحة الصالح، واالستصالح نقيض االستفساد، وأَصلَح الشيءَ بعد فساده‬
‫ْ‬
‫ْ ْ‬
‫َّ ُ‬
‫َ‬
‫أَقامه، وأَصلَح الدابة أَحسن إليها فَصلَحت، والصلح تَصاحل القوم بينهم، والصلح السلم، وقد اصطَلَحوا وصاحلوا‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫َ َ‬
‫ُّ ُ‬
‫َ‬

‫1- مفتاح دار السعادة ومنثور والية العلم واإلرادة، دار الكتب العلمية، بريوت، (1/ 21).‬
‫2- روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، حممود األلوسي أبو الفضل، دار إحياء الرتاث العريب-بريوت، (4/051).‬
‫ التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور التونسي، مؤسسة التاريخ العريب، بريوت،ط1، 0241ه ،0002م، ( 2/241).‬‫4- لسان العرب، ابن منظور، (2/615)، التحرير والتنوير، ابن عاشور، (2/212)، والقاموس احمليط (1/122)، والصحاح يف‬
‫اللغة، اجلوهري، (1/ 9 ).‬
‫5‬
‫واصلَحوا وتَصاحلوا واصاحلوا مبعىن واحد، وقوم صلُوح متصاحلُون، كأَهنم وصفوا باملصدر، والصالح بكسر الصاد‬
‫َّ‬
‫ُ ُ‬
‫َّ ُ‬
‫ُ‬
‫مصدر املصاحلة.‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وقوبل الصالح يف القرآن، تارة بالسيئة، كما يف قوله تعاىل: ﭽﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﭼ التوبة: ٤٠٣ ، وتارة بالفساد، كما يف قوله تعاىل: ﭽ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‬

‫يونس: ٣٦ ، ومها خمتصان يف أكثر االستعمال باألفعال.‬
‫2-اإلصالح اصطالحا:‬
‫ً‬

‫عرف العلماء الصالح بعدة تعريفات وهي:‬
‫أن الصالح: هو سلوك طريق اهلدى.‬
‫وقيل:هو استقامة احلال على ما يدعو إليه العقل.‬
‫وقيل:هو استقامة احلال على ما يدعو إليه العقل و ع.‬
‫الشر‬
‫وقيل: هو استقامة األعمال وطهارة النفس.‬

‫(1‬

‫التعريف المختار لإلصالح:‬
‫ومن خالل النظر يف هذه التعريفات، جند أهنا متقاربة، وميكن اجلمع بينها بتعريف شامل، وهو: أن الصالح‬
‫سلوك طريق اهلدى، واستقامة احلال على ما يدعو إليه العقل و ع.‬
‫الشر‬
‫والعالقة بني املعىن اللغوي واالصطالحي وثيقة بينهما، حيث يتبني من املعىن االصطالحي أن اهلدف من‬
‫اإلصالح هو استقامة اإلنسان على طريق اهلدى، كما يدعو لذلك العقل و ع، وهذا ما تبني من املعىن‬
‫الشر‬
‫اللغوي.‬

‫المبحث األول:‬
‫األمر بتدبر القرآن الكريم والترغيب فيه،‬
‫من خالل نصوص الكتاب والسنة النبوية.‬
‫ال شك أن النصوص الشرعية، جاءت دالة على االعتناء بالقرآن الكرمي، اعتناء خاصا، بغرض االنقياد حلكمه،‬
‫واإلقبال على أحكامه، واملشي خلفه، من خالل اتباع منهج خاص، يف التعامل مع القرآن الكرمي، تالوة، وتدبرا.‬

‫1- ابن عاشور، املصدر نفسه، ( /001).‬

‫6‬
‫أوال: األمر بالتدبر والترغيب فيه، في ضوء القرآن الكريم:‬
‫ال شك أن القرآن الكرمي، قد أشاد بكل األلفاظ والصيغ اليت جاءت يف إطار التدبر والتأمل، مبا يفيد األمر‬
‫والرتغيب فيه، بلفظ صريح:‬
‫كما يف قوله تعاىل : ﭽﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦‬

‫وقوله تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽﮑﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﭼ محمد: ٢٤.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﭼ المؤمنون: ٦٨.‬
‫ومعىن ﴿يتدبَّرون القرآن﴾، أي يتأملون داللته، وذلك حيتمل معنيني: أحدمها أن يتأملوا داللة تفاصيل آياته على‬

‫مقاصده اليت أرشد إليها املسلمني، أي تدبر تفاصيله؛ وثانيهما أن يتأملوا داللة مجلة القرآن ببالغته، على أنه من‬
‫عند اهلل، وأن الذي جاء به صادق.‬

‫(1‬

‫وبألفاظ غري صرحية، حتمل يف مضامينها مفهوم التدبر، كالتفقه، والتعقل، والتبصر، والتفكر، والتذكر، وغري‬
‫ذلك من املفردات، والصيغ اليت مفادها التدبر والتأمل يف آيات القرآن الكرمي:‬
‫كقوله تعاىل : ﭽﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢﯣﯤ ﭼ األنعام: ١٨.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﭼ النحل: ٤٣.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ النحل: ٢٢.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﭼ الزمر: ٢٤.‬
‫وقد تضمنت هذه اآليات وجوب التدبر، وقد أشار إىل ذلك احلافظ ابن كثير -رمحه اهلل تعاىل- ، حيث قال‬
‫: "يقول تعاىل آمرا عباده بتدبر القرآن، وناهيا هلم عن اإلعراض عنه، وعن تفهم معانيه احملكمة وألفاظه البليغة،‬
‫وخمربا هلم أنه ال اختالف فيه وال اضطراب، وال تضاد وال تعارض؛ ألنه تنزيل من حكيم محيد، فهو حق من‬

‫حق".‬

‫(2‬

‫1- التحرير والتنوير، ابن عاشور، ( / 24).‬
‫2- تفسري ابن كثري (2/46 ).‬
‫7‬
‫كما تضمنت هذه اآليات التوبيخ واإلنكار على من أعرض عن تدبر كتاب اهلل، وقد ذم جل وعال املعرض‬
‫عن هذا القرآن العظيم، يف آيات كثرية، منها قوله تعاىل: ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ الكهف: ٢١‬

‫، وقوله تعاىل: ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ السجدة: ٤٤.‬
‫ومعلوم أن كل من مل يشتغل بتدبر آيات القرآن العظيم، أي تصفحها وتفهمها، وإدراك معانيها، والعمل هبا،‬
‫فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق اإلنكار والتوبيخ املذكورين يف اآليات، إن كان اهلل أعطاه فهما يقدر‬
‫ُ‬
‫به على التدبر.‬

‫وقد شكا النيب ‪ ‬إىل ربه من هجران قومه هذا القرآن، كما جاء يف قوله تعاىل : ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬

‫ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﭼ الفرقان: ٠١.‬
‫وذكر أهل التفسري: أن ترك تدبره وتفهمه، هو من هجرانه، وترك اإلميان به وتصديقه، والعمل به، وامتثال‬
‫أوامره واجتناب زواجره، هو من هجرانه، والعدول عنه إىل غريه من شعر أو قول أو غناء أو هلو أو كالم أو طريقة‬
‫ُ‬
‫أو منهج مأخوذ من غريه، من أيضا يعترب من هجرانه.‬

‫(1‬

‫ثانيا: األمر بالتدبر والترغيب فيه، في ضوء السنة النبوية، وعمل السلف:‬
‫1-ال شك أن النبي ‪ ، ‬كانت له مع تدبر القرآن الكريم أخالقيات عالية وراقية، سجلتها سريته العطرة‬

‫وسنته الطاهرة ‪ ، ‬كيف ال! وهو القدوة واألسوة احلسنة للبشرية قاطبة وإىل يوم الدين، يف مجيع كاته‬
‫حر‬
‫وسكناته، وباخلصوص يف تعامله مع القرآن، تالوة واستماعا وتدبرا، ومن ذلك:‬
‫ما رواه ع ْبد اللَّه بن مسعود ‪ ‬قَال: قَال ِل النَّيب ‪ ( : ‬اقْ رأْ علَي الْقرآن )، قُ ْلت: آقْ رأُ علَْيك وعلَْيك‬
‫َ َ‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ‬
‫َ‬
‫ُ َ َ َ ََ َ‬
‫ُّ‬

‫أُنْزل؟! قَال: ( إين أُحب أَن أَمسَعهُ من غريي ).‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُّ ْ ْ َ ْ َ ْ‬

‫(2‬

‫قال ابن بطال -رمحه اهلل-:"حيتمل أن يكون كي يتدبره ويفهمه، وذلك أن املستمع أقوى".‬

‫(‬

‫1- ابن كثري، املصدر نفسه، (6/201) ، وجامع البيان يف تأويل القرآن، حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلملي، أبو‬
‫جعفر الطربي، احملقق:أمحد حممد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م،(91/462)، وتفسري القرطيب ( 1/22)،‬
‫معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، احملقق:حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر-عثمان مجعة ضمريية-‬
‫وخر‬
‫سليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2141،4 ه -2991م، (6/22).‬
‫2- رواه البخاري يف صحيحه (ح:1664، 51/224).‬
‫ ح صحيح البخاري ، أبو احلسن علي بن خلف بن عبد امللك بن بطال البكري القرطيب، حتقيق: أبو متيم ياسر بن إبراهيم‬‫شر‬
‫مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 241ه - 002م، (01/222).‬
‫8‬
‫ما رواه أبو ذر ‪ ، ‬قال: قَام الَّبي ‪ ، ‬حّت أَصَح، بآيَة، واآليَ ُ ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬‫َْ ة‬
‫َ ن‬
‫َ َّ ْ ب َ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ المائدة: ٦٣٣.‬

‫(1‬

‫( )‬

‫-وعن جندب، بلغه عن حذيفة أو مسعه عن النبي ‪": ‬ذكر ناسا يقرءون القرآن، ينثرونه نثر الدقل 2 ،‬

‫يتأولونه على غري تأويله".‬

‫( )‬

‫َّ‬
‫قال المبار كفوري:" أي يرمون بكلماته من غري روية وتأمل،كما يرمى الدقَل، بفتحتني، وهو رديء التمر، فإنه‬

‫لرداءته ال حيفظ، ويلقى منثورا ...وقال النووي: معناه أن قوما يقرأون، وليس حظهم من القرآن إال مروره على‬
‫اللسان، فال جياوز تراقيهم ليصل قلوهبم، وليس ذلك هو املطلوب، بل المطلوب تعقله وتدبره، بوقوعه في‬
‫القلب".‬

‫(4)‬

‫- وعن عائشة أنه ذُكر هلا أن ناسا يقرؤون القرآن يف الليل مرة أو مرتني، فقالت: أولئك قرؤوا ومل يقرؤوا، كنت‬

‫أقوم مع النبي ‪ ‬ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فال مير بآية فيها ختوف إال دعا اهلل‬
‫واستعاذ، وال مير بآية فيها استبشار إال دعا اهلل ورغب إليه.‬

‫(5)‬

‫قال الصنعاني :"احلديث دليل على أنه ينبغي للقارئ يف الصالة تدبر ما يقرؤه، وسؤال رمحته واالستعاذة من‬
‫عذابه".‬

‫(6)‬

‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال: (...وما اجتمع قوم يف بيت من بيوت اهلل، يتلون كتاب اهلل،‬‫ويتدارسونه بينهم، إال نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرمحة، وحفتهم املالئكة، وذكرهم اهلل فيمن عنده... ).‬

‫(2)‬

‫1- رواه يف السنن، ابن ماجة، (ح:04 1، 4/162)، والنسائي (ح:0001، 4/221)، وأمحد يف مسنده (ح:56 02،‬
‫4، 1 )، املستدرك على الصحيحني، حممد بن عبداهلل أبو عبداهلل احلاكم النيسابوري، حتقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار‬
‫الكتب العلمية، بريوت، ط1، 1141ه -0991م، (ح:542، 2/104)، وقال:صحيح ومل خيرجاه، ووافقه الذهيب، وصححه‬
‫األلباين يف مشكاة املصابيح، (5021).‬
‫َّ‬
‫2- والدقَل: الرديء اليابس من التمر، واملراد أن القارئ يرمي بكلمات القرآن من غري رؤية وتأمل،كما يتساقط الدقل من العذق‬
‫إذا هز، أنظر: النهاية يف غريب احلديث واألثر، أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري، حتقيق : طاهر أمحد الزاوي - حممود حممد‬
‫ُ‬
‫الطناحي، املكتبة العلمية- بريوت، 99 1ه -9291م، (2/992)، واللسان، البن منظور (11/642).‬
‫ األحاديث املرفوعة من التاريخ الكبري، للبخاري، (ح:452، 2/652).‬‫4- حتفة األحوذي ح جامع الرتمذي، حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم املبار كفوري أبو العال، دار الكتب العلمية، بريوت،‬
‫بشر‬
‫( /221).‬
‫5- رواه أمحد يف مسنده، (ح:264 2، 05/421).‬
‫6- سبل السالم، حممد بن إمساعيل األمري الكحالين الصنعاين، مكتبة مصطفى البايب احلليب، ط4، 92 1ه -0691م.‬
‫2- رواه مسلم يف صحيحه (ح:2624، 1/212).‬
‫9‬
‫واملعىن أهنم يقرؤون كتاب اهلل، سواء أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غريه يفسر، أم أهنم‬
‫جيتمعون حبيث يقرأ واحد منهم مقدارا من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبني ما‬
‫(1)‬

‫عليه من مالحظات، كل ذلك يدخل حتت التدارس، كذلك تأمل ما فيه، ومعرفةُ ما فيه، وتدبر ما فيه.‬
‫و‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫( )‬
‫وعن أبي وائل، قَال: جاءَ رجل إىل ابْن مسعُود، فَقال: قَرأْت الْمفصل اللَّْي لَةَ يف كعة، فَقال: هذا 2 كهذ‬‫َ َ َُ َ‬
‫َْ‬
‫رْ َ َ َ َ ًّ َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ َ َ ُ ُ َ َّ َ‬
‫الشعر، لَقد عرفْت النَّظَائر الَّيت كان النَّبي ‪ ‬يَقرن بَْي نَ هن، فَذكر عشرين سورة من الْمفصل، سورتَني يف كل‬
‫َ َ‬
‫ُ‬
‫ْ ُ ُ ُ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َّ ُ َ ْ‬
‫ْ َ ْ ََ ُ‬
‫َ‬
‫( )‬
‫كعة".‬
‫رْ َ‬
‫َ‬
‫قال النووي:"إن هذا كان قدر قراءته ‪ ‬غالبا، وأن تطويله الوارد، إمنا كان يف التدبر والترتيل".‬

‫(4)‬

‫(5)‬

‫وقال العيني:"ويستفاد منه النهي عن الهذ، وفيه احلث على الترسل والتدبر، وبه قال مجهور العلماء".‬
‫ُّ‬

‫وقال الحافظ ابن حجر:"ويف هذا احلَديث من الْفوائد، كراهةُ اإلفْ راط في سرعة التالوة ؛ ألَنَّهُ يُنَافي‬
‫َ ََ ْ‬
‫ُْ َ َ َ‬
‫ْ ََ‬
‫ََ َ ْ َ‬
‫الْمطْلُوب من التَّدبر والتَّ فكر يف معاين الْقرآن، وفيه أن الترتيل أفضل من الهذ ؛ إذ ال يصح التدبر مع‬
‫َ َ ْ َ َ َ‬
‫َ َ ُْ‬

‫اهلذ".‬

‫(6‬

‫َ ُّ‬
‫وعن أنَس ‪ ، ‬أنَّهُ سئل عن قراءَةُ النَّبى ‪ ، ‬فَقال:كان ميد م ًّا، مثَّ قَرأَ : ﴿بسم اللَّه الرمحَن الرحيم﴾، ميُد‬‫َّ ْ َّ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َ َ َ َ َد ُ َ‬
‫َ‬
‫(2‬
‫ببسم اللَّه، وميُد بالرمحَن، وميُد بالرحيم".‬
‫َ َ ُّ َّ ْ َ َ ُّ َّ‬
‫ْ‬
‫2‬

‫قال ابن بطال:" فكان يقرؤه على مهل ؛ ليبني ألمته كيف يقرؤون، كيف يمكنهم تدبر القرآن وفهمه".‬
‫و‬
‫وعن أَبي ع ْبد الرحمن السلمي، قال:ح َّثَنَا الَّذين كانُوا يُقرئُونَنَا الْقرآن، عُثْمان بْن عفان وع ْبد اللَّه بْن‬‫َد‬
‫َ َ‬
‫ْ‬
‫ََ ُ‬
‫َ َّ ْ َ‬
‫ُ‬
‫ُْ َ َ ُ ُ‬
‫َ‬
‫مسعُود، أَنَّهم قَالُوا:"كنَّا إذا تَعلَّمنَا من النَّبي ‪ ‬عشر آيَات، ملْ جنَاوزها حّت نَتَ علَّم ما فيها من الْع ْلم والْعمل"،‬
‫َْ‬
‫َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ‬
‫ُ َ َْ ْ‬
‫ُْ‬
‫َ ََ‬
‫َ َْ‬
‫1‬
‫قَالُوا:"فَتَ علَّمنَا الْق ْرآن والْع ْلم والْعمل مجيعا".‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ ََ َ َ‬
‫1- حتفة األحوذي، املبار كفوري أبو العال، (2/512-612).‬
‫َّ‬
‫2- وقوله"هذا":بفْتح اهلَاء وتَشديد الذال الْمعجمة، أَي سردا وإفْ راطا يف الس ْرعة، أنظر فتح الباري، احلافظ ابن حجر‬
‫َ ْ َ ْ‬
‫ُّ َ‬
‫ُْ ََ‬
‫ْ َْ َ َ‬
‫( /151)، وقال ابن رجب احلنبلي:"هو متابعة القراءة يف سرعة، كرهه ابن مسعود ملا فيه من قلة التدبر ملا يقرءوه"، أنظر فتح‬
‫و‬
‫الباري ح صحي ح البخاري، زين الدين أيب ج عبد الرمحن ابن شهاب الدين البغدادي مث الدمشقي الشهري بابن رجب، دار‬
‫الفر‬
‫شر‬
‫ابن اجلوزي– السعودية، الدمام- 2241ه ، (4/224).‬
‫الطبعة : الثانية ، حتقيق : أبو معاذ طارق بن عوض اهلل بن حممد‬
‫ متفق عليه، رواه البخاري يف صحيحه، (ح: 22، /4 2)، ومسلم يف صحيحه، (ح:16 1، 4/262).‬‫4- ح صحيح مسلم، النووي، (6/501).‬
‫شر‬
‫5- عمدة القاري ح صحيح البخاري، بدر الدين العيين احلنفي، (9/612).‬
‫شر‬
‫6- فتح الباري، احلافظ ابن حجر ( /151).‬
‫2-رواه البخاري يف صحيح، (ح:2564، 51/664).‬
‫2- ح صحيح البخاري، البن بطال، (91/16 ).‬
‫شر‬
‫01‬
‫أي: أهنم كانوا يتعلمون العلم والعمل مجيعا، فيكونون بذلك قد مجعوا بني العلم والفقه، وبني معرفة أحكامه وما‬
‫اشتمل عليه، فيجمعون العلم والعمل، وال شك أن ذلك ال يكون إال بالتدبر والتأمل والفهم.‬

‫2‬

‫وعن ابن عباس يف قوله تعاىل : ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ القيامة: ٨٣ ، كان رسول اهلل ‪ ‬إذا نزل‬‫جربيل بالوحي، كان مما حيرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه" .‬
‫و‬
‫وفيه دليل على وجوب ترتيل القراءة والرتسل فيها من غري هذرمة وال سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر وتدبر،‬
‫َ َْ‬

‫قال اهلل تعاىل: ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤.‬

‫4‬

‫2-وهذه بعض أخبار وأحوال السلف مع تدبر القرآن:‬
‫فكما سجل لنا التاريخ اإلسالمي، حياة النيب ‪ ‬مع تدبر القرآن، فقد سجل لنا أيضا وقفات وأحواال‬
‫وأخبارا، لسلفنا الصالح، مع تدبر القرآن، ومن ذلك:‬
‫ما روي عن مسروق قال: قال ِل رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك متيم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حّت‬
‫أصبح، أو قَرب أن يصبح يقرأ بآية من القرآن كع فيها ويسجد ويبكي ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ير‬
‫َُ‬

‫ﯦ ﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﭼ الجاثية: ٣٤.‬

‫5‬

‫وعن أبي حمزة -رمحه اهلل- : قلت البن عباس ‪ : ‬إين سريع القراءة، أقرأ القرآن يف مقام، فقال ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما-:"ألن أقرأ البقرة فأرتلها وأتدبَّرها أحب إِل من أن أقرأ القرآن كما تقول"، ويف رواية: "ألن أقرأ‬‫البقرة يف ليلة أتدبرها وأفكر فيها أحب إِل من أن أقرأ القرآن كله يف ليلة".‬

‫6‬

‫وعن أبي وائل قال: جاء رجل إىل عبد اهلل، فقال: إين قرأت املفصل البارحة، فقال عبد اهلل: هذا كهذ الشعر،‬
‫ونثرا كنثر الدقل، إين أفصل لتفصلوه، ولقد علمت النظائر اليت كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقرأ سورتني‬
‫يف كعة".‬
‫ر‬

‫2‬

‫1- جمموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين، احملقق: أنور الباز-عامر اجلزار، دار الوفاء،‬
‫ط ، 6241ه -5002م، (1/ 0 ).‬
‫2- ح سنن أيب داود، عبد احملسن العباد، (21/201).‬
‫شر‬
‫ أخرجه البخاري برقم (9294) 6/ 61 ، ومسلم برقم (244) 1/0 .‬‫4- تفسري ابن كثري، (1/22).‬
‫5- املعجم الكبري، الطرباين، (ح:6 21، 2/14)، والزهد أليب داود، (ح:92 ، 1/214).‬
‫6- خمتصر قيام الليل، حملمد بن نصر املروزي، (1/512).‬
‫2- شعب اإلميان، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، ط41، 0141ه .‬
‫11‬
‫وعن سعيد بن عبيد قال: رأيت سعيد بن جبير، وهو يؤمهم يف رمضان، يردد هذه اآلية : ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙﮚﮛ ﮜ ﭼ غافر: ٣٢ ، وﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ االنفطار: ٨ ، يرددها‬
‫1‬
‫مرتني أو ثالثا".‬
‫وروي عن محمد بن كعب القرظي ‪ ‬يقول : " ألن أقرأ ﴿إذَا زلْزلَت﴾ و﴿الْقارعةُ﴾ ليلة أرددمها وأتفكر‬
‫ُ‬
‫َ َ‬
‫ُ‬
‫2‬
‫ُّ‬
‫فيهما، أحب إِل من أن أبيت أهذ القرآن".‬
‫َّ‬
‫وسئل مجاهد عن رجلني قرأ أحدمها البقرة، وقرأ اآلخر البقرة وآل عمران، فكان كوعهما وسجودمها وجلوسهما‬
‫ر‬
‫سواء، أيهما أفضل ؟ قال الذي قرأ البقرة، مث قرأ جماهد : ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫)‬

‫ﭼ اإلسراء: ٨٠٣ ، واآلثار يف شأن السلف مع تدبر القرآن الكرمي كثرية، نكتفي هبذه اإلملاحة اليسرية.‬
‫وقال الحسن بن علي -رضي اهلل عنهما- :" إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من رهبم فكانوا يتدبروهنا‬

‫بالليل ، ويتفقدوهنا يف النهار".‬

‫4‬

‫وقال عبد اهلل بن عمرو: " لقد عشنا دهرا طويال، وإن أحدنا يؤتى اإلميان قبل القرآن، فتنزل السورة على حممد‬

‫‪ ، ‬فنتعلم حالهلا وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها ، مث لقد رأيت رجاال يؤتى أحدهم‬
‫القرآن قبل اإلميان، فيقرأ ما بني فاحتة الكتاب إىل خامتته، ال يدري ما آمره وال زاجره وما ينبغي أن يقف عنده‬
‫منه، ينثره نثر الدقل".‬

‫5‬

‫وقال النووي -رمحه اهلل- ، يف اإلرشاد إىل تدبر القرآن، عما كان عليه من أحوال السلف:‬
‫"وقد كانت للسلف عادات خمتلفة فيما يقرءون كل يوم، حبسب أحواهلم وأفهامهم ووظائفهم، فكان بعضهم‬

‫خيتم القرآن يف كل شهر، وبعضهم يف عشرين يوما، وبعضهم يف عشرة أيام، وبعضهم أو أكثرهم يف سبعة، كثري‬
‫و‬
‫منهم يف ثالثة...والمختار أنه يستكثر منه ما ميكنه الدوام عليه، وال يعتاد إال ما يغلب على ظنه الدوام عليه، يف‬
‫حال نشاطه وغريه، هذا إذا مل تكن له وظائف عامة أو خاصة، يتعطل بإكثار القرآن عنها، فإن كانت له وظيفة‬
‫1- رواه عبد الرزاق يف مصنفه (ح:6914، 2/294).‬
‫2- رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه، (ح:9، 2/204).‬
‫ رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه، (ح:21، 2/ 04).‬‫4- إحياء علوم الدين، حممد بن حممد الغزاِل أبو حامد، دار املعرفة، بريوت، (1/522).‬
‫5- املستدرك على الصحيحني ج1/ص19 (101)، سنن البيهقي الكربى ج /ص021( 205) .‬
‫21‬
‫عامة كوالية وتعليم وحنو ذلك، فليوظف لنفسه قراءة ميكنه احملافظة عليها، مع نشاطه وغريه، من غري إخالل‬
‫1‬
‫بشيء من كمال تلك الوظيفة، وعلى هذا حيمل ما جاء عن السلف".‬
‫ُ‬

‫وجملة القول: فهذه اآليات القرآنية، والنصوص الحديثية، وما ثبت من ذلك يف وقائع سير السلف‬

‫الصالح، يدل على أن تدبر القرآن، وتفهمه، وتعلمه، والعمل به، أمر استُقر عليه يف القرون الثالثة األولى‬
‫املشهود هلا باخلريية، وهو ال بد منه للمسلمين يف كل زمان ومكان، وأن ثواب قراءة الرتتيل والتدبر أجل وأرفع‬
‫ُّ ُ‬

‫قدرا.‬

‫2‬

‫وقد بني النبي ‪ ‬أن املشتغلني بذلك، هم خير الناس، كما ثبت عنه ‪ ‬من حديث عثمان ‪ ‬أنه قال:‬
‫" كم من تعلم القرآن وعلمه" ، وقال تعاىل : ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫خير‬

‫ﮆﮇ ﮈﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﭼ آل عمران: ٩٢.‬
‫فإعراض كثري من الناس عن التدبر في كتاب اهلل –تعالى- ، والنظر فيه، وتفهمه، والعمل به، وبالسنة الثابتة‬

‫املبينة له، يف مجيع اجملاالت احليوية، اجتماعيا، واقتصاديا، وتربويا، وثقافيا، وسياسيا، وما إىل ذلك من األمور اليت‬
‫حتتاج إليها األمة، أفرادا ومجاعات، هو من أعظم املناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أهنم على هدى، باتباعهم‬
‫4‬
‫مناهج غربية علمانية مستوردة، واهلل املستعان.‬

‫1- ح صحيح مسلم، للنووي، (4/021).‬
‫شر‬
‫2-زاد املعاد يف هدي خري العباد، مشس الدين ابن قيم اجلوزية، مؤسسة الرسالة، بريوت-مكتبة املنار اإلسالمية، الكويت،‬
‫ط22، 5141ه /4991م.‬
‫ رواه البخاري يف صحيحه (ح:9 64، 51/9 4).‬‫4- أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن، حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي، دار الفكر، بريوت،‬
‫5141ه - 5991م، (2/25 ).‬
‫31‬
‫المبحث الثاني:‬
‫حقيقة تدبر القرآن الكريم.‬
‫ال شك أن الواجب، لبلوغ حقيقة1 التدبر، على من خصه اهلل حبفظ كتابه، أن يتلوه حق تالوته، ويتدبر‬
‫َ‬
‫2‬
‫حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه، ويتبني غرائبه.‬
‫أوال: تكمن حقيقة التدبر يف الحقائق املرجوة واملقصودة منه، وتتمثل أصال يف بيان مراد اهلل –تعالى- من إنزاله‬
‫القرآن الكرمي، وقد تقدمت النصوص يف ذلك ، واملتتبع لآليات اخلاصة هبذا الشأن، وأخص بالذكر آيات البيان‬
‫وآيات التدبر، تتجلى لديه حقيقة التدبر األساسية، اليت تكشف لنا عن حكمتين من حكم إنزال القرآن على‬
‫َ‬
‫النيب ‪ ، ‬كما بني أهل العلم خلفا وسلفا:‬

‫الحكمة األولى: أن اهلل ‪ ‬أنزل القرآن على نبيه ‪ ، ‬ليبين للناس ما نُزل إليهم يف هذا الكتاب، من‬
‫األحكام الشرعية، والوعد والوعيد، وحنو ذلك.‬
‫ومن اآليات يف هذا الشأن، قوله تعاىل : ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭼ وقوله: ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ النحل:‬

‫٢٨.‬

‫4‬

‫والحكمة الثانية: هي التدبر والتفكر يف آيات اهلل واالتعاظ هبا، والتأمل يف أحكامها ومقاصدها، والعمل مبا‬
‫جاء فيها تقربا إىل رضى اهلل –تعاىل-.‬

‫1- احلَقيقةُ ما يصري إليه حق األمر ووجوبُه، وبلغ حقيقةَ األمر أي يَقني شأنه، وهي الثبات واالستقرار والقطع واليقني وخمالفة‬
‫َ ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اجملاز، وتتناقض احلقيقة مع الكذب والغلط والوهم والظن والشك والتخمني والرأي واالعتقاد والباطل، ويف احلديث:"ال يبلُغ املؤمن‬
‫حقيقةَ اإلميان حّت ال يَعيب مسلما بعْيب هو فيه"، يعين خالص اإلميان وحمضه كْن هه، أنظر لسان العرب (حقق)، (01/94)،‬
‫َْ َ وُ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وغريب احلديث البن األثري (1/5101).‬
‫2-تفسري القرطيب، 1/2.‬
‫ انظر املبحث األول: األمر والرتغيب يف تدبر القرآن، من الكتاب والسنة، ص:6، من هذا البحث.‬‫4- أضواء البيان، حممد األمني الشنقيطي، ( /01)، وتفسري القرطيب، (01/901)، وفتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية‬
‫من علم التفسري، حممد بن علي بن حممد كاين (املتوىف:0521ه )، (4/ 22).‬
‫الشو‬
‫41‬
‫ومن اآليات يف هذا الشأن، قوله تعاىل : ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص:‬

‫٩٤ ، وقوله : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦ ، وقوله:‬
‫﴿أَفَالَ يَتَدبَّرون القرآن أَم على قُلُوب أَقْ فاهلَآ﴾، حممد- 42، إىل غري ذلك من اآليات.‬
‫َُ‬
‫َ ُ َ‬
‫ْ‬

‫1‬

‫وعليه، فإن قوله تعاىل : ﴿ليَدبَّروا﴾ متعلق ب قوله تعاىل : ﴿أَنزلْنَاهُ﴾، واملراد أنزلناه ليدبروا آياته ؛ وذلك‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫بغرض استخراج حقائق أسرار التكوين والتشريع، ومضمون هذه املعاين يشري إىل الغاية والمقصود من إنزال‬
‫القرآن، فلم ينزله اهلل –تعاىل- ليتباهى الناس به، ويتمارى به القراء، دون اعتناء مبضمونه، واستخراج ملكنونه،‬
‫وأخذ مبراده ومطلوبه ، بل أنزله لتدبر آياته، والتفكر والنظر فيها، ومن مث العمل به مجلة وتفصيال، حبيث يتخذ‬
‫دستوراً ومنهجاً، يسريون عليه ويرجعون إليه، وحيتكمون إىل تعاليمه وآياته ؛ لقوله تعاىل : ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝﮞﮟ ﭼ المائدة: ٦٢.‬

‫ولن حيصل ذلك إال بتدبر آياته وفهم عباراته، والوقوف على مقصود اهلل -سبحانه وتعاىل- من كتابه، وملا‬
‫كان حصول املقصود من إنزال القرآن الكرمي ال يتم إال بالتدبر هلذا الكتاب الكرمي ، أمر اهلل بذلك فقال :‬
‫﴿ليدبروا آيَاته﴾، ومعناه : ليتفكروا فيها، فيقفوا على ما فيه ويعملوا به، وهذه أسمى حقائق تدبر القرآن.‬
‫ويف هذا السياق يقول السعدي -رمحه اهلل- مبينا حقيقة التدبر، وما ترمي إليه هذه العبارة من الخير والفوائد:‬
‫"يأمر تعاىل بتدبر كتابه، وهو التأمل يف معانيه، وحتديق الفكر فيه، ويف مبادئه وعواقبه، ولوازمه، ذلك ألن تدبر‬

‫كتاب اهلل مفتاح للعلوم واملعارف، وبه يُستنتج كل خري وتُ ج منه مجيع العلوم، وبه يزداد اإلميان يف القلب‬
‫ستخر‬
‫وترسخ شجرته، فإنه يعرف بالرب املعبود، وما له من صفات الكمال؛ وما ينزه عنه من مسات النقص، ويعرف‬
‫الطريق املوصلة إليه وصفة أهلها، وما هلم عند القدوم عليه، ويعرف العدو الذي هو العدو على احلقيقة، والطريق‬
‫2‬
‫املوصلة إىل العذاب، وصفة أهلها، وما هلم عند وجود أسباب العقاب.‬
‫ومن حقائق تدبر القرآن، أنه كلما ازداد العبد تأمال فيه، ازداد علما وعمال وبصيرة وإيمانا ؛ لذلك أمر اهلل‬
‫بذلك، وحث عليه، وأخرب أنه هو املقصود بإنزال القرآن، كما قال تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫1- حممد األمني الشنقيطي، املصدر نفسه، ( /01)، والتحرير والتنوير، ابن عاشور، (2/25).‬
‫2- تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان، عبد الرمحن بن ناصر بن عبد اهلل السعدي (املتوىف:62 1ه )، احملقق:عبد الرمحن‬
‫بن معال اللوحيق، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م، (1/921).‬
‫51‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤ ، وقال تعاىل : ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ محمد:‬

‫٢٤.‬
‫ثانيا:ومن خالل عملية التدبر، تتجلى حقائق وفوائد نفيسة، ومن بينها:‬
‫أن العبد يصل بالتدبر إىل حقيقة اليقين والعلم بأن القرآن كالم اهلل ؛ ألنه يراه يصدق بعضه بعضا، ويوافق‬‫بعضه بعضا، فرتى احلكم والقصة واإلخبارات تعاد يف القرآن يف عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، ال ينقض‬
‫بعضها بعضا، فبذلك يعلم كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه جبميع األمور ؛ فلذلك قال تعاىل: ﭽﭻ‬

‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦ ، أي: فلما كان من عند اهلل مل‬
‫يكن فيه اختالف أصال.‬

‫1‬

‫كما أن حقيقة تدبر القرآن تكشف لنا عن المعنى الحقيقي للدين اإلسالمي، وعالقته بترقية األمة حنو‬‫األحسن واألجود واألتقن ، يف مجيع اجملاالت احليوية املتعلقة حبياة الناس، فعملية التدبر للقرآن الكرمي، يف كلياته‬

‫وجزئياته، ويف أصوله وفروعه.‬

‫كما تفيدنا أن الدين هو ما كلف اهلل به األمة من جمموع العقائد، واألعمال، والشرائع، والنظم.‬‫-وأن إكمال الدين يف قوله تعاىل : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﭼ‬

‫المائدة: ١ ، هو إكمال البيان املراد هلل –تعاىل- ، الذي اقتضت احلكمة تنجيمه، فكان بعد نزول أحكام‬
‫االعتقاد، اليت ال يسع املسلمني جهلها، وبعد تفاصيل أحكام قواعد اإلسالم اليت آخرها احلج بالقول والفعل،‬
‫وبعد بيان شرائع املعامالت، وأصول النظام اإلسالمي، كان بعد ذلك كله قد ت البيان املراد هلل تعاىل يف قوله :‬
‫ﭽﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭼ النحل: ٩٦ ، وقوله: ﴿لتُبَ ين للنَّاس‬
‫َ‬

‫ما نُزل إلَْيهم﴾، النحل-44، حبيث صار جمموع التشريع احلاصل بالقرآن والسنة، كافيا يف هدي األمة يف‬
‫َ َ‬
‫ْ‬
‫عبادهتا، ومعاملتها، وسياستها، يف سائر عصورها، حبسب ما تدعو إليه حاجاهتا، فقد كان الدين وافيا يف كل‬
‫وقت، مبا حيتاجه املسلمون.‬

‫2‬

‫1- السعدي، املصدر نفسه، (1/921).‬
‫2- التحرير والتنوير، ابن عاشور، (4/ 1).‬
‫61‬
‫ثالثا: أن حقيقة تدبر القرآن تتضمن بيان وحتديد مظاهر اإلعجاز:‬
‫ذلك أن من تَدبر القرآن وجد فيه من وجوه اإلعجاز فنونا ظاهرة وخفية، من حيث اللفظ ومن جهة املعىن‬

‫قال اهلل –تعاىل- : ﭽ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ هود: ٣ ، فأُحكمت ألفاظه،‬
‫1‬
‫وفُصلت معانيه أو بالعكس على اخلالف، فكل من لفظه ومعناه فصيح ال جيارى وال يداىن.‬
‫1- فقد أخرب عن مغيبات ماضية وآتية، كانت ووقعت، طبق ما أخرب سواء بسواء.‬

‫-وأمر بكل خير، وهنى عن كل شر،كما قال: ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬

‫ﯗ ﯘ ﭼ األنعام: ١٣٣ ، أي:صدقا يف األخبار وعدال يف األحكام، فكله حق وصدق وعدل وهدى، ليس‬
‫فيه جمازفة وال كذب وال افرتاء، كما يوجد يف أشعار العرب وغريهم من األكاذيب واجملازفات، اليت ال حيسن‬
‫شعرهم إال هبا، وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البالغة، عند من يعرف ذلك تفصيال وإمجاال، ممن‬
‫فهم كالم العرب وتصاريف التعبري، فإنه إن تأملت أخباره وجدهتا يف غاية احلالوة، سواء كانت مبسوطة أو‬
‫وجيزة، وسواء تكررت أم ال، كلما تكرر حالَ وعالَ، ال خيلق عن كثرة الرد، وال ميل منه العلماء، كما جاء يف‬
‫و‬
‫َ‬
‫احلديث:" هو الذي ال تزيغ به األهواء، وال تلتبس به األلسنة، وال يشبع منه العلماء، وال خيْلق على كثرة الرد، وال‬
‫َ‬
‫2‬
‫تنقضي عجائبه".‬
‫ع ؛ لقوله تعاىل: ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫2- وإن أخذ يف الوعيد والتهديد، جاء منه ما تقشعر له اجلبال وتتصد‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﭼ الحشر: ٣٤ ، فما‬
‫ظنك بالقلوب الرهيفات.‬
‫وإن وعد، أتى مبا يفتح القلوب واآلذان، ويشوق إىل دار السالم، وجماورة عرش الرمحن، كما قال يف الرتغيب‬‫ْ ََ‬

‫: ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ السجدة: ٢٣ ، وقال: ﭽﯚ ﯛﯜ‬

‫ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ الزخرف: ٣٢.‬
‫وقال يف الترهيب: ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬‫اإلسراء: ٦٨ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ الملك: ٨٣ - ٢٣.‬
‫وقال يف الزجر: ﭽﭠ ﭡﭢﭣ ﭼ العنكبوت: ٠٢.‬‫1- تفسري ابن كثري، (1/991).‬
‫2-رواه الرتمذي يف سننه (ح:6092، 5/221)، قال أبو عيسى: هذا حديث ال نعرفه إال من هذا الوجه وإسناده جمهول ويف‬
‫احلارث مقال، وضعفه قال الشيخ األلباين، ضعيف الرتمذي (6092).‬
‫71‬
‫-وقال يف الوعظ: ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭼ الشعراء: ١٠٤ - ٢٠٤ ، إىل غري ذلك من أنواع الفصاحة والبالغة واحلالوة.‬
‫ وإن جاءت اآليات يف األحكام واألوامر والنواهي، اشتملت على األمر بكل معروف حسن ونافع وطيب‬‫َ‬

‫حمبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دينء ؛ كما قال ابن مسعود وغريه من السلف : إذا مسعت اهلل –تعاىل-‬
‫يقول يف القرآن : ﴿يَا أَيُّها الَّذين آمنُوا﴾، فأوعها مسعك فإنه خري ما يأمر به أو شر ينهى عنه1 ؛ وهلذا قال تعاىل‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫: ﭽﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﭼ األعراف: ٢١٣.‬
‫4- إن جاءت اآليات يف وصف المعاد، وما فيه من األهوال، ويف وصف الجنة والنار، وما أعد اهلل فيهما‬

‫ألوليائه وأعدائه من النعيم واجلحيم واملالذ والعذاب األليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إىل فعل اخلريات‬
‫واجتناب املنكرات، وزهدت يف الدنيا، ورغبت يف األخرى، وثبَّتت على الطريقة املثلى، وهدت إىل صراط اهلل‬
‫املستقيم وشرعه القومي، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.‬

‫(2‬

‫5- كما أن حقيقة تدبر القرآن، تكشف لنا عن الدالالت املعرفة باهلل –تعاىل- ، وعبادته حق العبادة.‬
‫والدالالت على سعة رمحته، وجزيل فضله، ووجوب شكره، كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه،‬
‫و‬

‫وعموم خلقه جلميع األشياء.‬

‫واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة، وما فعله من األفعال احلسنة، ومتام ربوبيته،‬

‫وانفراده فيها.‬

‫وأن مجيع التدبير يف العامل العلوي والسفلي، يف ماضي األوقات وحاضرها ومستقبلها بيد اهلل –تعالى- ، ليس‬
‫ألحد من األمر شيء، وال من القدرة شيء.‬
‫فينتج من ذلك أنه تعاىل هو المألوه المعبود وحده، الذي ال يستحق أحد من العبودية شيئا، كما مل يستحق‬
‫من الربوبية شيئا.‬
‫وينتج من ذلك امتالء القلوب بمعرفة اهلل –تعالى- وحمبته وخوفه ورجائه.‬

‫1- تفسري ابن كثري، (1/002).‬
‫2- ابن كثري، املصدر نفسه، (1/002-102).‬
‫81‬
‫وهذان األمران : أي معرفته وعبادته، مها من أعظم الحقائق اليت يُتوصل هبا عن طريق التدبر، ومها اللذان‬
‫خلق اهلل اخللق ألجلهما، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده، ومها املوصالن إىل كل خري وفالح وصالح،‬
‫وسعادة دنيوية وأخروية، ومها اللذان أشرف عطايا الكرمي لعباده، ومها أشرف اللذات على اإلطالق، ومها اللذان‬
‫إن فاتا، فات كل خري، وحضر كل شر، فنسأله تعاىل أن ميأل قلوبنا مبعرفته وحمبته، وأن جيعل كاتنا الباطنة‬
‫حر‬
‫1‬
‫والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة ألمره، إنه ال يتعاظمه سؤال، وال حيفيه نوال.‬

‫المبحث الثالث:‬
‫أهمية تدبر القرآن الكريم في إصالح الفرد والمجتمع.‬
‫ال شك أن منة اهلداية إىل احلق أعظم املنن ؛ ألن هبا صالح المجتمع وسالمة أفراده، من اعتداء قويهم على‬
‫ُ‬

‫ضعيفهم ، ولوال اهلداية لكانت نعمة اإلجياد خمتلة أو مضمحلة، وأن املراد باحلق الدين، وهو اإلميان واألعمال‬
‫الصاحلة، وأصوله وهي االعتقاد الصحيح.‬
‫واملعلوم أن التشريع ابتُدئ بالنهي عن عبادة غري اهلل ؛ ألن ذلك هو أصل اإلصالح؛ وال ريب أن إصالح‬
‫المعتقد وإصالح الفكر، مقدم على إصالح العمل ؛ إذ ال يشاق العقل إىل طلب الصاحلات إال إذ كان‬

‫صالحا2، وهذا ما يُعرف يف عصرنا مبصطلح األمن الفكري والعقدي، ويف احلديث الصحيح : " أال وإن يف‬
‫اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله، وإذا فسدت فسد اجلسد كله، أال وهي القلب".‬
‫ومبا أن اإلنسان هو حمور البناء، ومرتكز الوجود احلضاري، فإن إصالحه يتحقق وفق القيم احملددة يف الكتاب‬
‫والسنة، املؤسسة على منهج االستخالف الذي يتضمن التكليف بإعمار األرض بما هو أحسن وأنفع وأتقن،‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ال يتم إال بتدبر القرآن، الذي هو عنصر أساسي يف صناعة التميز الروحي واملادي ؛ لبلوغ اخلريية اليت ذكرها اهلل‬
‫‪ ‬يف كتابه اجمليد، حيث قال تعاىل: ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﭨ ﭩﭪ ﭼ آل عمران: ٠٣٣.‬

‫1- تفسري السعدي، املصدر السابق، (1/142).‬
‫2- التحرير والتنوير، ابن عاشور، (41/45).‬
‫ متفق عليه من حديث النعمان بن بشري، رواه البخاري (ح:05، 1/09)، ومسلم (ح:6992، 2/092).‬‫91‬
‫أي أن هذه األمة هي خري األمم، واملنتمون إليها هم أنفع الناس للناس ؛ حيث إهنم يأمرون باملعروف، وهو ما‬
‫عُرف حسنه شرعا وعقال، وينهون عن املنكر، وهو ما عُرف قُبحه شرعا وعقال، ويصدقون باهلل تصديقا جازما،‬
‫ُ‬
‫1‬
‫يؤيده العمل الصاحل.‬
‫أوال: أهمية تدبر القرآن واالعتناء به، يف ترقية الفرد والمجتمع:‬
‫ال ريب أن احلياة مع كتاب الله نعمة كها من أنعم اهلل هبا عليه، وما أسعد اإلنسان إذا جعل هذا الكتاب‬
‫يدر‬
‫إمامه، وهذا شأن املسلم، فاهتدى هبديه بعد أن تدبر آياته، وما أسعد اجملتمع الذي جيمع مثل هذا الفرد، وما‬
‫أشد بؤس الذين حرموا أنفسهم من هدايته، فخبطوا يف حياهتم مينة ويسرة، وانتهوا إىل ضياع أعمارهم وضياع‬
‫دنياهم وآخرهتم : ﴿قُل هل نُنَبئُكم باألَخسرين أَعماال الَّذين ضل سعيُهم يف احلَيَاة ُّنْيَا وهم حيسبُون أَنَّهم‬
‫ْ الد َ ُ ْ َْ َ َ ُ ْ‬
‫َ َ َّ َ ْ ُ ْ‬
‫ْ َ ْ ُ ْ ْ ْ َ َ َْ‬
‫حيسنُون صْنعا أُولَئك الَّذين كفروا بآيَات رهبم ولقائه فَحبطَت أَعماهلُم فَال نُقيم هلُم يَوم الْقيَامة وزنا﴾،الكهف،‬
‫َ ْ ََ‬
‫َ ْ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ْ َ َ َْ‬
‫ُْ َ ُ‬
‫َ َ َ َُ‬
‫01-501.(2)‬
‫وإن أكثر األوقات كة تلك اليت تُقضى مع هذا الكتاب الكرمي ؛ إذ يعيش اإلنسان مع كالم ربه ‪، ‬‬
‫بر‬
‫فيحس أنه يناجيه، فريتقي مقامه، ويشعر بالعناية اإلهلية حتيط به وترعاه، وتأخذ بيده إىل حيث سعادته وفالحه.‬
‫حيس عندئذ هذا األثر العميق للقرآن يف حياة الفرد واألمة ، مّت كت عمن تتلقى وماذا عليها بعد التلقي ،‬
‫أدر‬
‫يقف على أسرار هذا الكتاب الكرمي، بعد تدبر وتفكر وتأمل، وهو يصوغ تلك النفوس صياغة جديدة جعلت‬
‫منهم، أفرادا وجماعات، مناذج فريدة متميزة يف تاريخ البشرية الطويل.( )‬
‫ً‬
‫مث يدرك من يعيش مع كتاب اهلل عُمق اخلطر يف دعاوى الذين يتبعون أهواءهم، باتباع مناهج وثقافات علمانية‬

‫وغربية، تتعارض مع أصول ثقافتنا العربية واإلسالمية، تلك الدعاوى اليت تريد أن تقطع صلة األمة بكتاب رهبا‬
‫‪ ، ‬فتنسلخ عن مصدر اهلداية لتُغرق يف التيه والضياع(4)، قال اهلل : ﴿واتْل علَْيهم نَبَأَ الَّذي آتَْي نَاهُ آيَاتنَا‬
‫َ ُ َ ْ‬
‫َ‬
‫فَانسلَخ مْن ها فَأَتْ بَ عهُ َّيطَان فَكان من الْغَاوين﴾،األعراف-521.‬
‫َ َ َ‬
‫َ‬
‫َ الشْ ُ َ َ َ‬

‫1 - حممد بن أمحد أبو عبد اهلل القرطيب، تفسري القرآن العظيم، حتقيق أمحد بن عبد العليم الربدوين،ط2، دار الشعب القاهرة،‬
‫22 1ه ،(4/ 21)؛ وابن كثري،أبو الفداء إمساعيل بن كثري الدمشقي،تفسري القرآن العظيم،دار الفكر،(در،دت)،(1/09)‬
‫2- معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، (ت:615 ه )، حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر، وعثمان مجعة‬
‫وخر‬
‫ضمريية، وسليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط4، 2141 ه -2991م، (1/5).‬
‫ مقدمة تفسري البغوي، (1/5).‬‫4- البغوي، املصدر نفسه، (1/5).‬
‫02‬
‫ومن هنا ندرك أهمية تدبر القرآن واالعتناء به، يف ترقية الفرد والمجتمع، وآثاره االجيابية اليت تنعكس عليهما،‬
‫يف جمال إصالح أحواهلم االجتماعية واالقتصادية والثقافية والرتبوية، وما إىل ذلك من األمور احليوية واملهمة يف‬
‫حياة الناس.‬
‫ثانيا:تدبر القرآن ومفهوم اإلصالح في الرؤية اإلسالمية:‬
‫ال شك أن مفهوم اإلصالح يف الرؤية اإلسالمية، هو العودة للفطرة البشرية اليت خلق اهلل الناس عليها، قال‬
‫تعاىل : ﴿فطْرة اللَّه الَّيت فَطَر النَّاس علَْي ها ال تَْبديل خلَْلق اللَّه﴾، الروم-0 ، والعودة لدينه، وهلدي نبيه ‪ ، ‬قال‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫ََ‬
‫َ‬
‫تعاىل : ﴿ذَلك الدين الْقيم﴾، الروم-0 ، وما عدا ذلك فهو الفساد، وإن كان ظاهره الصالح، ففي اإلرشاد‬
‫َ‬
‫ُ َُ‬
‫1‬
‫إىل الصالح والكمال، مناء ملا أودع اهلل يف النفوس من اخلري يف الفطرة.( )‬
‫وال شك أن هذا الصالح، ينشأ عنه تواصل يف األجيال ؛ ألن االستقامة يف اآلباء دوام االستقامة يف النسل،‬
‫ألن النسل مْنسل من ذوات األصول ، فهو ينقل ما فيها من األحوال اخللقية واخلُلُقية، وملا كان النسل منسالَ من‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫الذكر واألنثى ، كان حبكم الطبع حمصال على جمموع من احلالتني ، فإن استوت احلالتان أو تقاربتا، جاء النسل‬
‫على أحوال مساوية املظاهر ألحوال سلفه.(2)‬
‫واإلصالح مهمة األنبياء واملرسلني ، والدعاة إىل اهلل واملخلصني ، كما جاء على لسان شعيب ‪ ، ‬يف قوله‬
‫تعاىل : ﴿إن أُريد إالَّ اإلصالَح ما استَطَعت﴾، هود-22، أي: ليس ِل من املقاصد إال أن تصلح أحوالكم،‬
‫ْ ُ‬
‫ْ َ َ ْ ْ ُ‬
‫وتستقيم منافعكم.‬

‫وهذا اإلصالح شامل للدين والدنيا واآلخرة، كما جاء عن أبي هريرة ‪ ‬قال:كان رسول اهلل‪ ‬يقول : (‬
‫اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي اليت فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي اليت فيها‬
‫معادي...).( )‬
‫قال المناوي رمحه اهلل يف ح هذا احلديث:‬
‫شر‬
‫1- التحرير والتنوير، ابن عاشور، املصدر السابق، (2/44).‬
‫2- ابن عاشور، املصدر السابق، (2/242).‬
‫ رواه مسلم يف صحيحه (ح:2924، 1/942).‬‫12‬
‫"(اللهم اصلح ِل ديين الذي هو عصمة أمري) ، أي الذي هو حافظ جلميع أموري، فإن من فسد دينه فسدت‬
‫أموره، وخاب وخسر.‬
‫(وأصلح ِل دنياي اليت فيها معاشي)، أي بإعطاء الكفاف فيما حيتاج إليه ، كونه حالال معينا على الطاعة.‬
‫و‬
‫(وأصلح ِل آخريت اليت فيها معادي)، أي ما أعود إليه يوم القيامة، قال الطييب: إصالح املعاد، اللطف والتوفيق‬
‫على طاعة اهلل وعبادته، وطلب الراحة باملوت، فجمع يف هذه الثالثة: صالح الدين والدنيا واملعاد، وهي أصول‬
‫مكارم األخالق".(1)‬
‫وقد تقدم، أن معىن "أصلَح" أي فَعل الصالح، وهو الطاعة هلل فيما أمر وهنى ؛ ألن اهلل ما أراد بشرعه إال‬
‫َ‬
‫ََ‬
‫إصالح الناس يف دينهم ودنياهم وأخراهم، وهي الحكمة من إنزال القرآن الكرمي ؛ ليتدبر الناس آياته،‬
‫فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، وال يكون ذلك إال بالتدبر فيها والتأمل ملعانيها، وإعادة الفكر‬
‫فيها مرة بعد مرة، تُدرك كة القرآن وخريه، فهو مفتاح للعلوم واملعارف، وبه يُستنتج كل خري، وتُ ج منه مجيع‬
‫ستخر‬
‫بر‬
‫العلوم الدينية والدنيوية.‬
‫ومن هنا يتضح لنا االرتباط القوي، والعالقة الوطيدة، بني تدبر القرآن وبني اإلصالح الذي أمر اهلل به أنبياءه‬

‫ورسله حتقيقه مع أممهم الذين أُرسلوا إليهم ؛ ليخرجوهم من الظلمات إىل النور.‬

‫وأهمية تدبر القرآن يف اإلصالح سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، ويف مجيع اجملاالت‬
‫احليوية، فإهنا تكمن يف إدراك وبلوغ المقاصد اليت جاء القرآن لتبياهنا، وتتمثل يف معرفة اهلل -جل وعال-‬
‫وعبادته ، ومها اللذان خلق اهلل اخللق ألجلهما ، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده ، ومها املوصالن إىل كل‬
‫خري وفالح وصالح ، قال تعاىل : ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ الذاريات: ٨١ ، فاإلصالح يف‬
‫األرض ، أن تعمر بطاعة اهلل واإلميان به، فإذا عمل فيها بضده، كان سعيا فيها بالفساد، و إخرابا هلا عما‬

‫خلقت له.(2)‬
‫ُ‬

‫ثالثا:المقاصد واألبعاد في تدبر القرآن:‬

‫1- التيسري ح اجلامع الصغري، احلافظ زين الدين عبد الرؤوف املناوي، مكتبة اإلمام الشافعي،الرياض، ط ، 2041ه -‬
‫بشر‬
‫2291م، (1/144).‬
‫2- تفسري السعدي، املصدر السابق، (1/24).‬
‫22‬
‫ومن منطلقات حقائق تدبر القرآن استقرأ المفسرون المقاصد األصلية واألبعاد، املتعلقة مبجاالت اإلصالح‬

‫اليت حتدث عنها القرآن الكرمي ، وقد خلصها العالمة ابن عاشور يف مقدمة تفسريه(1)، يف مثانية أمور:‬

‫1- إصالح االعتقاد، وتعليم العقد الصحيح، وهو أعظم سبب إلصالح اخللق ؛ ألن إصالح االعتقاد هو‬
‫أصل اإلصالح، ومفتاح باب الصالح يف العاجل، والفالح يف اآلجل:‬
‫-ألنه يزيل عن النفس عادة اإلذعان لغري ما قام عليه الدليل.‬

‫ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن الشرك و كيات، وقد أشار إىل هذا املعىن قوله تعاىل : ﭽ ﭸ ﭹ‬‫الشر‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ هود: ٣٠٣ فأسند آلهلتهم‬
‫زيادة تتبيبهم ، وليس هو من فعل اآلهلة، ولكنه من آثار االعتقاد باآلهلة، فسبب هالكهم ودمارهم، إمنا كان‬
‫ََ‬
‫باتباعهم تلك اآلهلة وعبادهتم إياها.‬
‫2- إصالح األخالق وتهذيبها، وال يكون ذلك إال بالتعليم الصحيح واآلداب اإلسالمية، قال اهلل تعاىل: ﭽ‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ القلم: ٢ ، وفسرت عائشة -رضي اهلل تعاىل عنها- ملا سئلت عن خلقه ‪ ‬فقالت :‬
‫ُ‬
‫" كان خلقه القرآن"2، ويف احلديث الذي رواه مالك يف املوطأ بالغا أن رسول اهلل ‪ ‬قال: ( بُعثت ألمتم حسن‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫األخالق) .‬
‫ إصالح التشريع ، واألعراف والقوانني املسرية للمؤسسات (القضائية، االقتصادية، التعليمية، الصحية...مبا‬‫يتماشى والشريعة اإلسالمية).‬
‫قال تعاىل : ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ‬

‫النساء: ١٠٣.‬
‫وقال تعاىل : ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐﮑ ﮒ ﮓﮔ ﭼ المائدة: ٦٢.‬
‫ولقد مجع القرآن مجيع األحكام مجعا كليا يف الغالب ، وجزئيا يف املهم ، فقوله تعاىل : ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‬

‫النحل: ٩٦ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ المائدة: ١ ، املراد هبما إكمال الكليات اليت منها األمر‬
‫باالستنباط والقياس.‬

‫4‬

‫1- التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬
‫2- رواه أمحد يف مسنده، (ح:064 2، 05/611).‬
‫ رواه مالك يف املوطأ بالغا، (5/62 ).‬‫4- حترير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬
‫32‬
‫4- إصالح سياسة األمة، وتدبير شؤونها، العامة واخلاصة، يف مجيع اجملاالت احليوية، وعلى مجيع املستويات،‬
‫وهو يف حقيقة األمر باب عظيم يف القرآن الكرمي، والقصد منه صالح األمة، أفرادا وجماعات، وحفظ نظامها،‬
‫بإصالح عقائدهم وأخالقهم، وبإصالح أمزجتهم باحملافظة عليهم من املهلكات واألخطار واألمراض، ومبداواهتم،‬

‫ودفع األضرار عنهم، وبكفاية مؤهنم من الطعام واللباس واملسكن، باملعروف، دون تقتري وال سرف، كذا بإصالح‬
‫و‬
‫أمواهلم، بتنميتها وتعهدها وحفظها، وتربيتهم على احملافظة على وحدة األمة ومتاسكها، وعلى الوسطية واالعتدال‬
‫يف كل أمر، والبعد عن الشقاق والغلو والتطرف.‬
‫وذلك بتدبر اآليات اخلاصة هبذا الشأن، كقوله تعاىل : ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﭼ آل عمران: ١٠٣.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ‬

‫األنعام: ٩١٣.‬
‫وقوله تعاىل : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ األنفال:‬

‫٨٢. (1)‬

‫5- اإلصالح بالقصص، وأخبار األمم السالفة:‬
‫للتأسي بصالح أحوالهم ؛ وذلك بتدبر اآليات اخلاصة هبذا الشأن،كما جاء يف قوله تعاىل: ﴿حنن نَقص‬‫َْ ُ ُ ُّ‬
‫علَْيك أَحسن الْقصص مبَا أَوحْي نَا إلَْيك ه ذا الْقرآن وإن كنت من قَ ْبله لَمن الْغَافلني﴾، يوسف- ، وقوله تعاىل:‬
‫َ‬
‫َ َ َ ُْ َ َ ُ َ‬
‫َ َ ْ ََ َ َ‬
‫َْ‬
‫َ‬

‫ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ األنعام:‬

‫٠٩.‬
‫-وللتحذير من مساوئهم ، قال تعاىل: ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂﮃ ﮄﮅ ﮆ ﭼ إبراهيم: ١٢.‬
‫6- اإلصالح بالتربية والتعليم، مناهجها وطرقها وبراجمها، مبا يناسب حالة عصر املخاطبني، وما يؤهلهم إىل‬

‫تلقي الشريعة ونشرها، وذلك علم الشرائع وعلم األخبار، كان ذلك مبلغ علم خمالطي العرب من أهل الكتاب.‬
‫و‬
‫1- حترير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، (1/14).‬
‫42‬
‫وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة االستدالل يف أفانني جمادالته للضالني، ويف‬
‫دعوته إىل النظر، مث نوه بشأن احلكمة، فقال تعاىل : ﭽﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﭼ البقرة: ٩٨٤.‬
‫وهذا أوسع باب انبجست منه عيون املعارف، وانفتحت به عيون األميني إىل العلم.‬
‫وقد حلق به التنبيه املتكرر على فائدة العلم، وذلك شيء مل يطرق أمساع العرب من قبل، إمنا قصارى علومهم‬
‫أمور جتريبية، كان حكماؤهم أفرادا اختصوا بفرط ذكاء تُضم إليه جتربة ، وهم العرفاء ، فجاء القرآن بقوله تعاىل :‬
‫و‬

‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ العنكبوت: ١٢ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬

‫ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﭼ الزمر: ٩ ، وقوله تعاىل : ﭽﮉﮊ ﮋ ﭼ القلم: ٣ ، فنبه إىل مزية القراءة والكتابة.‬

‫1‬

‫2- اإلصالح بتدبر آيات الوعد والوعيد، املتضمنة المواعظ واإلنذار والتبشير، كذلك احملاجة واجملادلة‬
‫و‬

‫للمعاندين، وهذا باب الرتغيب والرتهيب.‬

‫2- اإلصالح بتدبر اآليات اخلاصة ببيان وجوه اإلعجاز في القرآن ؛ ليكون آية دالة على صدق الرسول ‪ ‬؛‬
‫ْ‬

‫إذ التصديق يتوقف على داللة املعجزة بعد التحدي، والقرآن مجع كونه معجزة بلفظه، ومتحدي ألجله مبعناه،‬

‫والتحدي وقع فيه، قال تعاىل : ﭽ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﭼ يونس: ٦١.(2)‬
‫ويتفرع عن عالقة التدبر باإلصالح:‬
‫أن وظيفة املصلحني، تنطلق من التدبر والتأمل، يف اآليات القرآنية اخلاصة بكل جمال من اجملاالت احليوية،‬
‫اجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وتربويا، وهي تتمثل يف إرادة اإلصالح، بتحقيق املصلحة اليت تصلح هبا أحوال‬

‫العباد، وتستقيم هبا أمورهم الدينية والدنيوية، وذلك:‬
‫بتحصيل املصاحل وتكميلها.‬‫وبدفع املفاسد وتقليلها.‬‫-ومبراعاة املصاحل العامة على املصاحل اخلاصة.‬

‫1- ابن عاشور، املصدر نفسه، (1/14)، بتصرف.‬
‫2- ابن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬
‫52‬
‫وأن من قام مبا يقدر عليه من اإلصالح، مل يكن ملوما وال مذموما يف عدم فعل ما ال يقدر عليه ، فعلى العبد‬
‫أن يقيم من اإلصالح يف نفسه ويف غريه، ما يقدر عليه، لقوله تعاىل : ﴿إن أُريد إالَّ اإلصالَح ما استَطَعت﴾،‬
‫ْ ُ‬
‫ْ َ َ ْ ْ ُ‬

‫هود-22، كما ينبغي له أن ال يتكل على نفسه طرفة عني ، بل ال يزال مستعينا بربه - سبحانه وتعاىل- ،‬
‫كال عليه، سائال له التوفيق ؛ لقوله تعاىل : ﴿وما تَوفيقي إال باللَّه علَْيه تَ َك ْلت وإلَْيه أُنيب﴾، ولقول النيب ‪‬‬
‫متو‬
‫ََ ْ‬
‫َ وَّ ُ َ‬
‫ُ‬
‫: " اللَّهم رمحَتَك أَرجو فَال تَك ْلين إىل نَفسي طَرفَةَ عني"1 .‬
‫ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ‬
‫َ ْ‬
‫ْ َْ‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات.‬

‫1- رواه أبو داود يف سننه (ح:2905، 4/424).‬
‫62‬
‫الخاتمة:‬
‫وجملة القول يف خاتمة هذا البحث املتواضع، وما تضمنه من نتائج:‬
‫فإن تدبر القرآن الكرمي، والوقوف عند معاين آياته وأحكامه، هو من األمور املهمات، وآثاره اإلصالحية على‬
‫مجيع املستويات جليات ، إن على مستوى األفراد أو على مستوى اجملتمعات، وذلك يف مجيع اجملاالت، كإصالح‬
‫ْ‬
‫االعتقاد، وتهذيب األخالق، وتشريع األحكام، وتحديد سياسات األمة، التي بها يتم صالحها وحفظ‬
‫نظامها، اقتصاديا، وثقافيا، وصحيا، وتعليميا، واجتماعيا...، كل هذه املعاين وغريها، تدخل ضمن المقاصد‬
‫و‬
‫الجامعة للقرآن الكريم، يف تقومي حياة الناس إىل يوم الدين، قال اهلل تعاىل: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء: ٩.‬
‫وال ريب أن قيمة القرآن كته تكمل يف تالوته، وتدبره، والعمل به، فما اللفظ وترتيله إال وسيلة يف إدراك‬
‫وبر‬

‫املعىن وحتصيله، وطلب اخلشوع، والتأثر به، وترمجة هذا التأثر إىل عمل صاحل.‬

‫فاآليات القرآنية، والنصوص الحديثية، وما ثبت من ذلك يف وقائع سير السلف الصالح، يدل على أن تدبر‬
‫القرآن، وتفهمه، وتعلمه، والعمل به، أمر ال بد منه للمسلمين، وأن ثواب قراءة الرتتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا.‬
‫ُّ ُ‬
‫وقد بني النبي ‪ ‬أن املشتغلني بذلك، هم خير الناس، كما ثبت عنه ‪ ‬يف الصحيح من حديث عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬أنه قال :( كم من تعلم القرآن وعلمه ) ، وقال تعاىل: ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫خير‬

‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ آل عمران: ٩٢.‬
‫فإعراض كثري من الناس عن التدبر في كتاب اهلل، والنظر فيه، وتفهمه، والعمل به، وبالسنة الثابتة املبينة له،‬

‫يف مجيع اجملاالت احليوية، اجتماعيا، واقتصاديا، وتربويا، وثقافيا، وسياسيا، وما إىل ذلك من األمور اليت حتتاج‬
‫إليها األمة، أفرادا ومجاعات، هو من أعظم املناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أهنم على هدى، باتباعهم مناهج‬
‫غربية علمانية مستوردة، واهلل املستعان.‬
‫وأن حقيقة التدبر تكمن يف الحقائق املرجوة واملقصودة منه، وتتمثل أصال يف بيان مراد اهلل من إنزاله القرآن‬
‫الكرمي، واملتتبع لآليات اخلاصة هبذا الشأن، وأخص بالذكر آيات البيان وآيات التدبر، تتجلى لديه حقيقة‬
‫ُّ‬
‫التدبر األساسية، اليت تكشف لنا عن حكمتين من حكم إنزال القرآن على النيب صلى اهلل عليه وسلم، كما بني‬
‫َ‬

‫أهل العلم خلفا وسلفا:‬

‫72‬
‫الحكمة األولى: أن اهلل ‪ ‬أنزل القرآن على نبيه ‪ ‬ليبين للناس ما نزِل إليهم يف هذا الكتاب، من‬
‫األحكام الشرعية، والوعد والوعيد، وحنو ذلك.‬
‫والحكمة الثانية: هي التدبر والتفكر يف آيات اهلل واالتعاظ هبا، والتأمل يف أحكامها ومقاصدها، والعمل مبا‬
‫جاء فيها تقربا إىل رضى اهلل –تعاىل-.‬
‫وعليه ، فإن قوله تعاىل : ﴿ليَدبَّروا﴾ متعلق ب قوله تعاىل : ﴿أَنزلْنَاهُ﴾، واملراد أنزلناه ليدبروا آياته، وذلك‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫بغرض استخراج حقائق أسرار التكوين والتشريع، ومضمون هذه املعاين يشري إىل الغاية والمقصود من إنزال‬
‫القرآن، وهو أن يتخذ دستوراً ومنهجاً، يسريون عليه املسلمون ويرجعون إليه، وحيتكمون إىل تعاليمه وآياته،‬

‫لقوله تعاىل : ﭽﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟ ﭼ المائدة: ٦٢.‬

‫وال شك أن االعتناء بالقرآن الكرمي تدبرا وتفكرا وتأمال، له األهمية الكربى يف ترقية الفرد والمجتمع، يف‬
‫جمال إصالح أحواهلم االجتماعية واالقتصادية والثقافية والرتبوية، وما إىل ذلك من األمور احليوية واملهمة يف حياة‬
‫الناس.‬

‫وأن مفهوم اإلصالح يف الرؤية اإلسالمية، هو العودة للفطرة البشرية اليت خلق اهلل الناس عليها، قال تعاىل: ﭽ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﭼ الروم: ٠١ ، وال يكون ذلك إال بالتدبر، والعودة لدينه،‬
‫وهلدي نبيه ‪ ، ‬قال تعاىل : ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ الروم: ٠١ ، وما عدا ذلك فهو الفساد، وإن كان‬
‫ظاهره الصالح، ففي اإلرشاد إىل الصالح والكمال مناء ملا أودع اهلل يف النفوس من اخلري يف الفطرة.‬
‫واإلصالح هو مهمة األنبياء واملرسلني، والدعاة إىل اهلل واملخلصني له، كما جاء على لسان شعيب ‪ ، ‬يف‬
‫قوله تعاىل: ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷﯸ ﭼ هود: ٦٦ ؛ ألن اهلل ما أراد بشرعه إال إصالح الناس، يف دينهم‬
‫ودنياهم وأخراهم، وهي الحكمة من إنزال القرآن الكرمي ؛ ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا‬

‫أسرارها وحكمها، فهو مفتاح للعلوم واملعارف الدينية والدنيوية، وبه يُستنتج كل خري، عاجال أو آجال.‬

‫ومن هنا يتضح لنا االرتباط القوي، والعالقة الوطيدة، بني تدبر القرآن وبني اإلصالح الذي أمر اهلل به أنبياءه‬

‫ورسله حتقيقه مع أممهم الذين أُرسلوا إليهم ؛ ليخرجوهم من الظلمات إىل النور.‬

‫82‬
‫وأهمية تدبر القرآن يف اإلصالح سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، تكمن يف إدراك‬
‫وبلوغ المقاصد، اليت جاء القرآن لتبياهنا، وتتمثل يف معرفة اهلل -جل وعال- وعبادته، ومها اللذان خلق اهلل‬
‫اخللق ألجلهما، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده، ومها املوصالن إىل كل خري وفالح وصالح.‬
‫فاإلصالح يف األرض، أن تعمر بطاعة اهلل واإلميان به، فإذا عمل فيها بضده، كان سعيا فيها بالفساد، وإخرابا‬
‫هلا عما خلقت له ؛ لقوله تعاىل : ﭽﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ األعراف: ٨١.‬
‫ومن منطلقات حقائق تدبر القرآن، تُستقرأ المقاصد األصلية واألبعاد، املتعلقة مبجاالت اإلصالح اليت‬

‫حتدث عنها القرآن الكرمي، وقد خلصها جل املفسرون يف:‬

‫-إصالح االعتقاد، وهو أعظم سبب إلصالح اخللق ؛ ألن إصالح االعتقاد هو أصل اإلصالح، ومفتاح‬

‫باب الصالح يف العاجل، والفالح يف اآلجل.‬
‫- وإصالح األخالق وتهذيبها.‬

‫- وإصالح التشريع، واألعراف والقوانني املسرية للمؤسسات (القضائية، االقتصادية، التعليمية، الصحية...مبا‬

‫يتماشى والشريعة اإلسالمية).‬

‫ وإصالح سياسة األمة، وتدبير شؤونها، العامة واخلاصة، يف مجيع اجملاالت احليوية، وعلى مجيع املستويات،‬‫وهو يف حقيقة األمر باب عظيم يف القرآن الكرمي، والقصد منه صالح األمة، أفرادا وجماعات، وحفظ نظامها.‬
‫ واإلصالح بالقصص، وأخبار األمم السالفة ؛ للتأسي بصالح أحوالهم، والتحذير من مساوئهم.‬‫ واإلصالح بالتربية والتعليم والتكوين، بسالمة املناهج والطرق والربامج، مبا يناسب حالة عصر املخاطَبني،‬‫وما يؤهلهم إىل ترقية احلضارة االسالمية، يصدق فيهم قوله تعاىل : ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ آل عمران:‬

‫٠٣٣.‬
‫ واإلصالح بتدبر آيات الوعد والوعيد، املتضمنة المواعظ واإلنذار والتبشير، كذلك احملاجة واجملادلة مع‬‫و‬
‫املخالف بالتي هي أحسن، وهذا باب الرتغيب والرتهيب.‬
‫ واإلصالح بتدبر اآليات اخلاصة ببيان وجوه اإلعجاز في القرآن ؛ ليكون آية دالة على صدق الرسول ‪‬‬‫، وعلى صدق عالمية االسالم.‬
‫وهكذا، تنطلق وظيفة المصلحين، يف كل زمان ومكان، من التدبر والتأمل والتفكر، يف اآليات القرآنية‬
‫اخلاصة بكل جمال من اجملاالت احليوية، االجتماعية، واالقتصادية، والثقافية، والرتبوية، والسياسية، بإرادة‬
‫اإلصالح الشامل، لتحقيق املصلحة اليت تصلح هبا أحوال العباد، وتستقيم هبا أمورهم الدينية والدنيوية، واهلل‬
‫أعلى وأعلم ، وعلمه أتم.‬
‫92‬
‫التوصيات:‬
‫وهذه بعض التوصيات اليت رأيت أهنا تفيد موضوع البحث خصوصا، وموضوع املؤمتر عموما.‬
‫ ينبغي االهتمام واالعتناء مبثل هذه املؤمترات والندوات العلمية، اخلاصة بالقرآن الكرمي والسنة النبوية.‬‫ تربية الشباب للعودة إىل االستقامة على هنج القرآن الكرمي والسنة النبوية، واالعتناء بكتاب اهلل، وحثهم على‬‫تالوته، وتدبره، وفهم معانيه، واالستفادة من هداياته وعظاته.‬
‫ تشجيع املؤسسات التعليمية، اخلاصة حبفظ القرآن الكرمي، وتنميتها وترقيتها، ماديا ومعنويا، وأن تكون بالفعل‬‫حمل اهتمام الراعي والرعية.‬
‫ إصالح تعليم القرآن الكريم، بإعادة النظر يف الوسائل والربامج، فالبد من وضع مناهج للمتعلمني، تشجعهم‬‫على تدبر القرآن الكريم وفهم معانيه، والوصول هبم إىل درجة تكسبهم ملكة التدبر لكتاب اهلل تعاىل.‬
‫ تشجيع اإلعالم وأجهزة التواصل المجتمعاتية بكل أنواعها، املرئية واملسموعة واملكتوبة، يف إظهار قيمة‬‫التدبر وأثره في اإلصالح، حنو األحسن واألتقن واألجود.‬
‫ تأسيس مواقع علمية تتعلق بالتدبر، وترمجتها إىل خمتلف اللغات العاملية.‬‫ بيان أن كل المصطلحات اليت تدل على اإلحسان واإلتقان ، والدقة، والجودة، والمهارات، واإلبداع، وما‬‫كها وجوهرها هو التدبر، الذي يرجع باإلنسان إىل الفطرة‬
‫شاكلها، يف فهم القرآن الكريم، إال وروحها ومحر‬
‫اليت فطر اهلل الناس عليها، سواء يف العقائد، أو العبادات، أو املعامالت، أو األخالق والفضائل ؛ وهلذا ميكننا‬
‫القول أن للتدبر آثارا طيبة ومتميزة يف تنمية الفرد والمجتمع، باعتباره عبادة ومنهج حياة، يساهم يف صناعة‬
‫التميز، وحافز كبري لكسب رهان التقدم والرقي الحضاري، والدفع باإلنسانية ملا هو أفضل وأنفع؛ وهلذا أمر به‬

‫اهلل ‪ ‬ونبيه املصطفى ‪ ، ‬ورغبا فيه.‬

‫واهلل ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.‬

‫03‬
‫فهرس المصادر والمراجع:‬
‫القرآن الكريم، برواية ورش.‬
‫1. أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن، حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي،‬
‫دار الفكر، بريوت، 5141ه - 5991م.‬
‫2. أمراض القلب وشفاؤها، شيخ اإلسالم ابن تيمية، املطبعة السلفية، القاهرة، ط99 1،2ه .‬
‫. تاج العروس من جواهر القاموس، حممد بن حممد بن عبد الرزاق احلسيين، أبو الفيض، امللقب مبرتضى،‬
‫الزبيدي.‬
‫َّ‬
‫4. التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور التونسي، مؤسسة التاريخ العريب، بريوت،ط1، 0241ه‬
‫،0002م.‬
‫5. حتفة األحوذي ح جامع الرتمذي، حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم املبار كفوري أبو العال، دار‬
‫بشر‬
‫الكتب العلمية، بريوت.‬
‫6. تفسري القرآن العظيم، أبو الفداء إمساعيل بن كثري الدمشقي، دار الفكر،(در،دت).‬
‫2. تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان، عبد الرمحن بن ناصر بن عبد اهلل السعدي (املتوىف:‬
‫62 1ه )، احملقق:عبد الرمحن بن معال اللوحيق، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م.‬
‫2. التيسري ح اجلامع الصغري، احلافظ زين الدين عبد الرؤوف املناوي، مكتبة اإلمام الشافعي، الرياض،‬
‫بشر‬
‫ط ، 2041ه -2291م.‬
‫9. جامع البيان يف تأويل القرآن، حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلملي، أبو جعفر الطربي،‬
‫احملقق: أمحد حممد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه - 0002م.‬
‫01. اجلامع ألحكام القرآن، لإلمام أبو عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري القرطيب، دار الكتب العلمية،‬
‫بريوت – لبنان، الطبعة عام 141ه - 991م.‬
‫11. روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، حممود األلوسي أبو الفضل، دار إحياء الرتاث‬
‫العريب-بريوت.‬
‫21. زاد املعاد يف هدي خري العباد، مشس الدين ابن قيم اجلوزية، مؤسسة الرسالة، بريوت-مكتبة املنار‬
‫اإلسالمية، الكويت، ط22، 5141ه /4991م.‬
‫1. سبل السالم، حممد بن إمساعيل األمري الكحالين الصنعاين، مكتبة مصطفى البايب احلليب، ط4،‬
‫92 1ه -0691م.‬
‫41. السنن الكربى، أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي، جملس دائرة املعارف النظامية الكائنة يف‬
‫اهلند ببلدة حيدر آباد، ط1، 44 1 ه.‬
‫13‬
‫51. السنن، ابن ماجه، حممد بن يزيد القزويين، حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بريوت.‬
‫61. السنن، أبو داود، سليمان بن األشعث السجستاين، حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد، دار الفكر.‬
‫21. السنن، الرتمذي، حممد بن عيسى أبو عيسى السلمي، السنن، أمحد حممد شاكر وآخرون، دار إحياء‬
‫الرتاث العريب، بريوت، (در، دت).‬
‫21. السنن، النسائي اجملتىب،أبو عبد الرمحن النسائي، حتقيق عبد الفتاح أبو غدة،ط2، مكتب املطبوعات‬
‫اإلسالمية، حالب، 6041ه ، 6291م.‬
‫91. ح سنن أيب داود، أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد بن حسني الغيايب احلنفى بدر الدين‬
‫شر‬
‫العيىن (املتوىف:552ه )، احملقق:أبو املنذر خالد بن إبراهيم املصري، مكتبة الرشد–الرياض،‬
‫ط0241،1ه -9991م.‬
‫02. ح صحيح البخاري، أ بو احلسن علي بن خلف بن عبد امللك بن بطال البكري القرطيب، حتقيق: أبو‬
‫شر‬
‫متيم ياسر بن إبراهيم مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 241ه - 002م.‬
‫12. شعب اإلميان، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، ط41، 0141ه .‬
‫22. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إمساعيل بن محاد اجلوهري، حتقيق:أمحد عبد الغفور عطار، دار‬
‫العلم للماليني-بريوت، ط4، 2041ه-2291م.‬
‫2. صحيح البخاري، حتقيق مصطفى ديب البغا، دار اهلدى، اجلزائر، 2991م.‬
‫42. صحيح مسلم، احملقق حممد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت، (در، دت).‬
‫52. الطبعة الثانية ، 041‬
‫62. فتح الباري ح صحي ح البخاري، أمحد بن علي ابن حجر العسقالين أبو الفضل، دار املعرفة، بريوت،‬
‫شر‬
‫(در، دت).‬
‫22. فتح الباري ح صحيح البخاري، زين الدين أيب ج عبد الرمحن ابن شهاب الدين البغدادي مث‬
‫الفر‬
‫شر‬
‫الدمشقي الشهري بابن رجب، دار ابن اجلوزي– السعودية، الدمام- 2241ه .‬
‫22. فتح القدير اجلامع ب ني فين الرواية والدراية من علم التفسري، لإلمام حممد بن علي بن حممد كاين‬
‫الشو‬
‫املتوىف عام 0521ه ، طبعة دار الفكر ودار الكلم الطيب، بريوت–لبنان، الطبعة األوىل عام 4141ه -‬
‫4991م.‬
‫92. القاموس احمليط، الفريوز آبادي، جمد الدين حممد بن يعقوب، مكتبة النووي، دمشق، (در، دت).‬
‫0 . جلامع ألحكام القرآن، أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن ح األنصاري اخلزرجي مشس الدين‬
‫فر‬
‫القرطيب، احملقق: هشام مسري البخاري، دار عامل الكتب، الرياض، اململكة العربية السعودية، 241ه -‬
‫002م.‬
‫1 . لسان العرب، حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ، دار صادر–بريوت، ط1، (د ت).‬
‫23‬
‫2 . جمموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين، احملقق: أنور الباز-عامر‬
‫اجلزار، دار الوفاء، ط ، 6241ه -5002م.‬
‫. خمتار الصحاح، حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان ناشرون-بريوت، 5141-‬
‫5991م.‬
‫4 . خمتصر قيام الليل، حملمد بن نصر املروزي‬
‫5 . املستدرك على الصحيحني، حممد بن عبداهلل أبو عبداهلل احلاكم النيسابوري، حتقيق: مصطفى عبد‬
‫القادر عطا، دار الكتب العلمية، بريوت، ط1، 1141ه -0991م.‬
‫6 . مسند اإلمام أمحد بن حنبل، أمحد بن حنبل أبو عبداهلل الشيباين، مؤسسة قرطبة-القاهرة إحياء علوم‬
‫الدين، حممد بن حممد الغزاِل أبو حامد، دار املعرفة، بريوت.‬
‫2 . مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن مهام الصنعاين، حتقيق:حبيب الرمحن األعظمي، املكتب‬
‫اإلسالمي، بريوت.‬
‫2 . املصنف يف األحاديث واآلثار لإلمام أيب بكر عبد اهلل بن حممد بن أيب شيبة الكويف العبسي املتوىف سنة‬
‫5 2ه ، ضبطه وصححه حممد بعد السالم شاهني ، مكتبة دار الباز-مكة ، الطبعة األوىل 6141ه -‬
‫5991م.‬
‫9 . معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر، وعثمان‬
‫وخر‬
‫مجعة ضمريية، وسليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط4، 2141 ه -2991م.‬
‫04. املعجم الكبري، سليمان بن أمحد بن أيوب أبو القاسم الطرباين، مكتبة العلوم واحلكم–املوصل، الطبعة‬
‫الثانية، 4041 – 291.‬
‫14. املنهاج ح صحيح مسلم بن احلجاج، أبو كريا حيىي بن شرف بن مري النووي، دار إحياء الرتاث‬
‫ز‬
‫شر‬
‫العريب، بريوت، ط2، 29 1.‬
‫24. موطأ مالك (رواية حيىي الليثي)، إعداد أمحد راتب عرموش، دار النفائس، ط2، 4041ه .‬
‫4. نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور، لإلمام برهان الدين أيب احلسن إبراهيم بن عمر البقاعي املتوىف‬
‫سنة 522ه ، ختريج عبد الرزاق غالب املهدي، توزيع مكتبة الباز–مكة، ط1، 5141ه -5991م.‬
‫44. النهاية يف غريب احلديث واألثر، أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري، حتقيق:طاهر أمحد الزاوى‬
‫وحممود حممد الطناحي، املكتبة العلمية-بريوت،99 1ه -9291م.‬

‫33‬

تدبر القرآن الكريم

  • 1.
    ‫ّ‬ ‫تدبر القرآن الكريم‬ ‫حقيقتهوأهميته‬ ‫يف إصالح الفرد واجملتمع‬ ‫أ.د. عبد القادر سليماني.‬ ‫جامعة وهران، الجزائر.‬ ‫1‬
  • 2.
    ‫بسم اهلل الرحمنالرحيم.‬ ‫الحمد هلل والصالة والسالم على حممد بن عبد اهلل، وعلى آله األطهار وأصحابه األبرار، ومن تبعهم بإحسان‬ ‫إىل يوم الدين، وبعد:‬ ‫ال شك أن القرآن الكرمي، هو كتاب اهلل –تعاىل- ، نزل به الروح األمني على قلب حممد ‪ ‬بلسان عريب‬ ‫مبني، ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه، تنزيل من حكيم محيد، تكفل اهلل حبفظه، وتعبدنا بتالوته وتدبر‬ ‫آياته ومعانيه، فقال تعاىل : ﭽﮑﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﭼ محمد: ٢٤.‬ ‫مجع اهلل فيه خريي الدنيا واآلخرة، من متسك به جنا، ومن أعرض عنه فقد ضل وخسر، يقول سبحانه وتعاىل:‬ ‫ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺﯻ ﯼﯽ ﯾ‬ ‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ طه: ١٤٣ - ١٤٣.‬ ‫وتدبر القرآن الكريم، والوقوف عند معاين آياته وأحكامه، هو من األمور املهمات، وآثاره على مجيع‬ ‫املستويات جليات، إن على مستوى األفراد أو على مستوى اجملتمعات، وذلك يف مجيع اجملاالت، كإصالح‬ ‫االعتقاد، وتهذيب األخالق، وتشريع األحكام، وتحديد سياسات األمة، التي بها يتم صالحها وحفظ‬ ‫نظامها، اقتصاديا، وثقافيا، وصحيا، وتعليميا، واجتماعيا...، كل هذه املعاين وغريها، تدخل ضمن المقاصد‬ ‫و‬ ‫الجامعة للقرآن الكريم، يف تقومي حياة الناس إىل يوم الدين، قال اهلل تعاىل: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء: ٩.‬ ‫وال ريب، أن قيمة القرآن كته، تكمل يف تالوته، وتدبره، والعمل به، فما اللفظ وترتيله إال وسيلة يف إدراك‬ ‫وبر‬ ‫املعىن وحتصيله، وطلب اخلشوع، والتأثر به، وترمجة هذا التأثر إىل عمل.‬ ‫فما مفهوم تدبر القرآن الكريم، وما حقيقته؟ وما أهميته في إصالح الفرد والمجتمع؟‬ ‫ولإلجابة عن هذا األسئلة وغريها، ارتأيت أن أقسم البحث إىل متهيد وثالثة مباحث وخامتة، ومجلة من‬ ‫التوصيات.‬ ‫أما التمهيد: فتناولت فيه تعريف بعض المصطلحات المفتاحية، اليت هلا عالقة باملوضوع، كالتدبر،‬ ‫واإلصالح.‬ ‫2‬
  • 3.
    ‫وأما المبحث األول:فبينت فيه أن اإلسالم قد أمر بتدبر القرآن الكريم ورغب فيه، وذلك من خالل‬ ‫الكتاب والسنة النبوية.‬ ‫وأما المبحث الثاني: فتناولت فيه حقيقة تدبر القرآن الكريم.‬ ‫وأما المبحث الثالث: فتناولت فيه أهمية تدبر القرآن الكريم في إصالح الفرد والمجتمع.‬ ‫وأما الخاتمة: فذكرت فيها مجلة من النتائج اليت تضمنها هذا البحث، وبعض التوصيات اليت رأيت أهنا تفيد‬ ‫موضوع البحث خصوصا، وموضوع املؤمتر عموما.‬ ‫واهلل ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.‬ ‫3‬
  • 4.
    ‫التمهيد:‬ ‫التعريف ببعض المصطلحاتالمفتاحية.‬ ‫أوال: تعريف التدبر:‬ ‫1-معنى التدبر في اللغة:‬ ‫ُّبُر و ُّبْر نقيض القبُل، ودبُر كل شيء عقبُه ومؤخره، ومجعهما أَدبار، ودبُر كل شيء خالف قُبُله، وهو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ُ َّ ُ‬ ‫ُُ‬ ‫الد ُ الد ُ‬ ‫النظر يف عاقبة األمر والتفكر فيه، وتدبر الكالم: النظر يف أوله وآخره ، مث إعادة النظر مرة بعد مرة ؛ وهلذا جاء‬ ‫ع والتفهم والتبني ؛ ولذلك قيل : إنه مشتق من النظر يف أدبار األمور، وهي أواخرها‬ ‫على وزن التفعل كالتجر‬ ‫وعواقبها، ومنه تدبر القول ،كما يف قوله تعاىل : ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ‬ ‫المؤمنون: ٦٨.‬ ‫(1)‬ ‫2-معنى تدبر القرآن الكريم:‬ ‫هو تفهم معاين ألفاظه ، والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة ، وما دخل يف ضمنها وما ال تتم تلك املعاين إال‬ ‫به، مما مل ج اللفظ على ذكره من اإلشارات والتنبيهات، وانتفاع القلب بذلك خبشوعه عند مواعظه، وخضوعه‬ ‫يعر‬ ‫ألوامره، وأخذ العربة منه، كل هذه املعاين حاضرة يف أقوال أهل العلم، وعلى رأسهم من املفسرين:‬ ‫و‬ ‫قال الطبري يف قوله تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤ ، " أي‬ ‫ليتدبروا حجج اهلل اليت فيه، وما ع اهلل فيه من الشرائع، فيتعظوا ويعملوا به ".‬ ‫شر‬ ‫(2‬ ‫وقال أبو بكر ابن طاهر: " تدبر يف لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه،‬ ‫وسرك باإلقبال عليه ".‬ ‫َّ‬ ‫(‬ ‫1- لسان العرب، حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ، دار صادر – بريوت، ط1، (د ت)، (4/262)، وخمتار الصحاح،‬ ‫زين الدين الرازي (1/691)، والقاموس احمليط، الفريوز آبادي (1/204- 04)، تاج العروس من جواهر القاموس، حممد بن‬ ‫حممد بن عبد الرزاق احلسيين، أبو الفيض، امللقب مبرتضى، الزبيدي، (1/6022).‬ ‫َّ‬ ‫2- تفسري القرآن العظيم، أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي، احملقق:سامي بن حممد سالمة، دار طيبة للنشر‬ ‫والتوزيع، ط2، 0241ه - 9991م، (12/091).‬ ‫ جلامع ألحكام القرآن، أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن ح األنصاري اخلزرجي مشس الدين القرطيب، احملقق: هشام‬‫فر‬ ‫مسري البخاري، دار عامل الكتب، الرياض، اململكة العربية السعودية، 241ه - 002م، (91/2 ).‬ ‫4‬
  • 5.
    ‫وقال الهروي: "أبنية الذكر ثالثة: االنتفاع بالعظة، واالستبصار بالعربة، والظفر بثمرة الفكرة ".‬ ‫(1‬ ‫وقال األلوسي: " وأصل التدبر : التأمل يف أدبار األمور وعواقبها، مث استُعمل يف كل تأمل سواء كان نظرا يف‬ ‫حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه ".‬ ‫(2‬ ‫ويُستفاد من كالم العلماء في معنى التدبر، أن التدبر في القرآن يشمل األمور اآلتية:‬ ‫معرفة معاين األلفاظ وما يُراد هبا.‬‫تأمل ما تدل عليه اآلية أو اآليات مما يُفهم من السياق أو كيب اجلمل.‬‫تر‬ ‫ُّ‬ ‫اعتبار العقل حبججه، وحترك القلب ببشائره وزواجره.‬‫اخلضوع ألوامره، واليقني بأخباره.‬‫ويتلخص من ذلك أن التدبر: هو التفكر، والتأم ل الذي يبلغ به صاحبه معرفة املراد من املعاين، وإمنا يكون‬ ‫ذلك يف كالم قليل اللفظ كثري املعاين اليت أُودعت فيه ، حبيث كلما ازداد املتدبر تدبرا، انكشفت له معان مل تكن‬ ‫بادية له بادئ النظر.‬ ‫(‬ ‫ثانيا: تعريف اإلصالح:‬ ‫1-اإلصالح لغة:‬ ‫الصالح على خالف الفساد، والصالح والصلوح مبعىن واحد، فهو يصلح صالحا وصلوحا، فهو صاحل،‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(4‬ ‫وصليح، واجلمع صلحاء وصلوح.‬ ‫ُ‬ ‫واإلصالح نقيض اإلفساد واملصلحة الصالح، واالستصالح نقيض االستفساد، وأَصلَح الشيءَ بعد فساده‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫أَقامه، وأَصلَح الدابة أَحسن إليها فَصلَحت، والصلح تَصاحل القوم بينهم، والصلح السلم، وقد اصطَلَحوا وصاحلوا‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫1- مفتاح دار السعادة ومنثور والية العلم واإلرادة، دار الكتب العلمية، بريوت، (1/ 21).‬ ‫2- روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، حممود األلوسي أبو الفضل، دار إحياء الرتاث العريب-بريوت، (4/051).‬ ‫ التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور التونسي، مؤسسة التاريخ العريب، بريوت،ط1، 0241ه ،0002م، ( 2/241).‬‫4- لسان العرب، ابن منظور، (2/615)، التحرير والتنوير، ابن عاشور، (2/212)، والقاموس احمليط (1/122)، والصحاح يف‬ ‫اللغة، اجلوهري، (1/ 9 ).‬ ‫5‬
  • 6.
    ‫واصلَحوا وتَصاحلوا واصاحلوامبعىن واحد، وقوم صلُوح متصاحلُون، كأَهنم وصفوا باملصدر، والصالح بكسر الصاد‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫مصدر املصاحلة.‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقوبل الصالح يف القرآن، تارة بالسيئة، كما يف قوله تعاىل: ﭽﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﭼ التوبة: ٤٠٣ ، وتارة بالفساد، كما يف قوله تعاىل: ﭽ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‬ ‫يونس: ٣٦ ، ومها خمتصان يف أكثر االستعمال باألفعال.‬ ‫2-اإلصالح اصطالحا:‬ ‫ً‬ ‫عرف العلماء الصالح بعدة تعريفات وهي:‬ ‫أن الصالح: هو سلوك طريق اهلدى.‬ ‫وقيل:هو استقامة احلال على ما يدعو إليه العقل.‬ ‫وقيل:هو استقامة احلال على ما يدعو إليه العقل و ع.‬ ‫الشر‬ ‫وقيل: هو استقامة األعمال وطهارة النفس.‬ ‫(1‬ ‫التعريف المختار لإلصالح:‬ ‫ومن خالل النظر يف هذه التعريفات، جند أهنا متقاربة، وميكن اجلمع بينها بتعريف شامل، وهو: أن الصالح‬ ‫سلوك طريق اهلدى، واستقامة احلال على ما يدعو إليه العقل و ع.‬ ‫الشر‬ ‫والعالقة بني املعىن اللغوي واالصطالحي وثيقة بينهما، حيث يتبني من املعىن االصطالحي أن اهلدف من‬ ‫اإلصالح هو استقامة اإلنسان على طريق اهلدى، كما يدعو لذلك العقل و ع، وهذا ما تبني من املعىن‬ ‫الشر‬ ‫اللغوي.‬ ‫المبحث األول:‬ ‫األمر بتدبر القرآن الكريم والترغيب فيه،‬ ‫من خالل نصوص الكتاب والسنة النبوية.‬ ‫ال شك أن النصوص الشرعية، جاءت دالة على االعتناء بالقرآن الكرمي، اعتناء خاصا، بغرض االنقياد حلكمه،‬ ‫واإلقبال على أحكامه، واملشي خلفه، من خالل اتباع منهج خاص، يف التعامل مع القرآن الكرمي، تالوة، وتدبرا.‬ ‫1- ابن عاشور، املصدر نفسه، ( /001).‬ ‫6‬
  • 7.
    ‫أوال: األمر بالتدبروالترغيب فيه، في ضوء القرآن الكريم:‬ ‫ال شك أن القرآن الكرمي، قد أشاد بكل األلفاظ والصيغ اليت جاءت يف إطار التدبر والتأمل، مبا يفيد األمر‬ ‫والرتغيب فيه، بلفظ صريح:‬ ‫كما يف قوله تعاىل : ﭽﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽﮑﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﭼ محمد: ٢٤.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﭼ المؤمنون: ٦٨.‬ ‫ومعىن ﴿يتدبَّرون القرآن﴾، أي يتأملون داللته، وذلك حيتمل معنيني: أحدمها أن يتأملوا داللة تفاصيل آياته على‬ ‫مقاصده اليت أرشد إليها املسلمني، أي تدبر تفاصيله؛ وثانيهما أن يتأملوا داللة مجلة القرآن ببالغته، على أنه من‬ ‫عند اهلل، وأن الذي جاء به صادق.‬ ‫(1‬ ‫وبألفاظ غري صرحية، حتمل يف مضامينها مفهوم التدبر، كالتفقه، والتعقل، والتبصر، والتفكر، والتذكر، وغري‬ ‫ذلك من املفردات، والصيغ اليت مفادها التدبر والتأمل يف آيات القرآن الكرمي:‬ ‫كقوله تعاىل : ﭽﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢﯣﯤ ﭼ األنعام: ١٨.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﭼ النحل: ٤٣.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ النحل: ٢٢.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﭼ الزمر: ٢٤.‬ ‫وقد تضمنت هذه اآليات وجوب التدبر، وقد أشار إىل ذلك احلافظ ابن كثير -رمحه اهلل تعاىل- ، حيث قال‬ ‫: "يقول تعاىل آمرا عباده بتدبر القرآن، وناهيا هلم عن اإلعراض عنه، وعن تفهم معانيه احملكمة وألفاظه البليغة،‬ ‫وخمربا هلم أنه ال اختالف فيه وال اضطراب، وال تضاد وال تعارض؛ ألنه تنزيل من حكيم محيد، فهو حق من‬ ‫حق".‬ ‫(2‬ ‫1- التحرير والتنوير، ابن عاشور، ( / 24).‬ ‫2- تفسري ابن كثري (2/46 ).‬ ‫7‬
  • 8.
    ‫كما تضمنت هذهاآليات التوبيخ واإلنكار على من أعرض عن تدبر كتاب اهلل، وقد ذم جل وعال املعرض‬ ‫عن هذا القرآن العظيم، يف آيات كثرية، منها قوله تعاىل: ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ الكهف: ٢١‬ ‫، وقوله تعاىل: ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ السجدة: ٤٤.‬ ‫ومعلوم أن كل من مل يشتغل بتدبر آيات القرآن العظيم، أي تصفحها وتفهمها، وإدراك معانيها، والعمل هبا،‬ ‫فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق اإلنكار والتوبيخ املذكورين يف اآليات، إن كان اهلل أعطاه فهما يقدر‬ ‫ُ‬ ‫به على التدبر.‬ ‫وقد شكا النيب ‪ ‬إىل ربه من هجران قومه هذا القرآن، كما جاء يف قوله تعاىل : ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﭼ الفرقان: ٠١.‬ ‫وذكر أهل التفسري: أن ترك تدبره وتفهمه، هو من هجرانه، وترك اإلميان به وتصديقه، والعمل به، وامتثال‬ ‫أوامره واجتناب زواجره، هو من هجرانه، والعدول عنه إىل غريه من شعر أو قول أو غناء أو هلو أو كالم أو طريقة‬ ‫ُ‬ ‫أو منهج مأخوذ من غريه، من أيضا يعترب من هجرانه.‬ ‫(1‬ ‫ثانيا: األمر بالتدبر والترغيب فيه، في ضوء السنة النبوية، وعمل السلف:‬ ‫1-ال شك أن النبي ‪ ، ‬كانت له مع تدبر القرآن الكريم أخالقيات عالية وراقية، سجلتها سريته العطرة‬ ‫وسنته الطاهرة ‪ ، ‬كيف ال! وهو القدوة واألسوة احلسنة للبشرية قاطبة وإىل يوم الدين، يف مجيع كاته‬ ‫حر‬ ‫وسكناته، وباخلصوص يف تعامله مع القرآن، تالوة واستماعا وتدبرا، ومن ذلك:‬ ‫ما رواه ع ْبد اللَّه بن مسعود ‪ ‬قَال: قَال ِل النَّيب ‪ ( : ‬اقْ رأْ علَي الْقرآن )، قُ ْلت: آقْ رأُ علَْيك وعلَْيك‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َ ََ َ‬ ‫ُّ‬ ‫أُنْزل؟! قَال: ( إين أُحب أَن أَمسَعهُ من غريي ).‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫(2‬ ‫قال ابن بطال -رمحه اهلل-:"حيتمل أن يكون كي يتدبره ويفهمه، وذلك أن املستمع أقوى".‬ ‫(‬ ‫1- ابن كثري، املصدر نفسه، (6/201) ، وجامع البيان يف تأويل القرآن، حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلملي، أبو‬ ‫جعفر الطربي، احملقق:أمحد حممد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م،(91/462)، وتفسري القرطيب ( 1/22)،‬ ‫معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، احملقق:حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر-عثمان مجعة ضمريية-‬ ‫وخر‬ ‫سليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2141،4 ه -2991م، (6/22).‬ ‫2- رواه البخاري يف صحيحه (ح:1664، 51/224).‬ ‫ ح صحيح البخاري ، أبو احلسن علي بن خلف بن عبد امللك بن بطال البكري القرطيب، حتقيق: أبو متيم ياسر بن إبراهيم‬‫شر‬ ‫مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 241ه - 002م، (01/222).‬ ‫8‬
  • 9.
    ‫ما رواه أبوذر ‪ ، ‬قال: قَام الَّبي ‪ ، ‬حّت أَصَح، بآيَة، واآليَ ُ ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬‫َْ ة‬ ‫َ ن‬ ‫َ َّ ْ ب َ‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ المائدة: ٦٣٣.‬ ‫(1‬ ‫( )‬ ‫-وعن جندب، بلغه عن حذيفة أو مسعه عن النبي ‪": ‬ذكر ناسا يقرءون القرآن، ينثرونه نثر الدقل 2 ،‬ ‫يتأولونه على غري تأويله".‬ ‫( )‬ ‫َّ‬ ‫قال المبار كفوري:" أي يرمون بكلماته من غري روية وتأمل،كما يرمى الدقَل، بفتحتني، وهو رديء التمر، فإنه‬ ‫لرداءته ال حيفظ، ويلقى منثورا ...وقال النووي: معناه أن قوما يقرأون، وليس حظهم من القرآن إال مروره على‬ ‫اللسان، فال جياوز تراقيهم ليصل قلوهبم، وليس ذلك هو املطلوب، بل المطلوب تعقله وتدبره، بوقوعه في‬ ‫القلب".‬ ‫(4)‬ ‫- وعن عائشة أنه ذُكر هلا أن ناسا يقرؤون القرآن يف الليل مرة أو مرتني، فقالت: أولئك قرؤوا ومل يقرؤوا، كنت‬ ‫أقوم مع النبي ‪ ‬ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فال مير بآية فيها ختوف إال دعا اهلل‬ ‫واستعاذ، وال مير بآية فيها استبشار إال دعا اهلل ورغب إليه.‬ ‫(5)‬ ‫قال الصنعاني :"احلديث دليل على أنه ينبغي للقارئ يف الصالة تدبر ما يقرؤه، وسؤال رمحته واالستعاذة من‬ ‫عذابه".‬ ‫(6)‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال: (...وما اجتمع قوم يف بيت من بيوت اهلل، يتلون كتاب اهلل،‬‫ويتدارسونه بينهم، إال نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرمحة، وحفتهم املالئكة، وذكرهم اهلل فيمن عنده... ).‬ ‫(2)‬ ‫1- رواه يف السنن، ابن ماجة، (ح:04 1، 4/162)، والنسائي (ح:0001، 4/221)، وأمحد يف مسنده (ح:56 02،‬ ‫4، 1 )، املستدرك على الصحيحني، حممد بن عبداهلل أبو عبداهلل احلاكم النيسابوري، حتقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار‬ ‫الكتب العلمية، بريوت، ط1، 1141ه -0991م، (ح:542، 2/104)، وقال:صحيح ومل خيرجاه، ووافقه الذهيب، وصححه‬ ‫األلباين يف مشكاة املصابيح، (5021).‬ ‫َّ‬ ‫2- والدقَل: الرديء اليابس من التمر، واملراد أن القارئ يرمي بكلمات القرآن من غري رؤية وتأمل،كما يتساقط الدقل من العذق‬ ‫إذا هز، أنظر: النهاية يف غريب احلديث واألثر، أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري، حتقيق : طاهر أمحد الزاوي - حممود حممد‬ ‫ُ‬ ‫الطناحي، املكتبة العلمية- بريوت، 99 1ه -9291م، (2/992)، واللسان، البن منظور (11/642).‬ ‫ األحاديث املرفوعة من التاريخ الكبري، للبخاري، (ح:452، 2/652).‬‫4- حتفة األحوذي ح جامع الرتمذي، حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم املبار كفوري أبو العال، دار الكتب العلمية، بريوت،‬ ‫بشر‬ ‫( /221).‬ ‫5- رواه أمحد يف مسنده، (ح:264 2، 05/421).‬ ‫6- سبل السالم، حممد بن إمساعيل األمري الكحالين الصنعاين، مكتبة مصطفى البايب احلليب، ط4، 92 1ه -0691م.‬ ‫2- رواه مسلم يف صحيحه (ح:2624، 1/212).‬ ‫9‬
  • 10.
    ‫واملعىن أهنم يقرؤونكتاب اهلل، سواء أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غريه يفسر، أم أهنم‬ ‫جيتمعون حبيث يقرأ واحد منهم مقدارا من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبني ما‬ ‫(1)‬ ‫عليه من مالحظات، كل ذلك يدخل حتت التدارس، كذلك تأمل ما فيه، ومعرفةُ ما فيه، وتدبر ما فيه.‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫( )‬ ‫وعن أبي وائل، قَال: جاءَ رجل إىل ابْن مسعُود، فَقال: قَرأْت الْمفصل اللَّْي لَةَ يف كعة، فَقال: هذا 2 كهذ‬‫َ َ َُ َ‬ ‫َْ‬ ‫رْ َ َ َ َ ًّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ َّ َ‬ ‫الشعر، لَقد عرفْت النَّظَائر الَّيت كان النَّبي ‪ ‬يَقرن بَْي نَ هن، فَذكر عشرين سورة من الْمفصل، سورتَني يف كل‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ُ ُ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َّ ُ َ ْ‬ ‫ْ َ ْ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫( )‬ ‫كعة".‬ ‫رْ َ‬ ‫َ‬ ‫قال النووي:"إن هذا كان قدر قراءته ‪ ‬غالبا، وأن تطويله الوارد، إمنا كان يف التدبر والترتيل".‬ ‫(4)‬ ‫(5)‬ ‫وقال العيني:"ويستفاد منه النهي عن الهذ، وفيه احلث على الترسل والتدبر، وبه قال مجهور العلماء".‬ ‫ُّ‬ ‫وقال الحافظ ابن حجر:"ويف هذا احلَديث من الْفوائد، كراهةُ اإلفْ راط في سرعة التالوة ؛ ألَنَّهُ يُنَافي‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ََ َ ْ َ‬ ‫الْمطْلُوب من التَّدبر والتَّ فكر يف معاين الْقرآن، وفيه أن الترتيل أفضل من الهذ ؛ إذ ال يصح التدبر مع‬ ‫َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫اهلذ".‬ ‫(6‬ ‫َ ُّ‬ ‫وعن أنَس ‪ ، ‬أنَّهُ سئل عن قراءَةُ النَّبى ‪ ، ‬فَقال:كان ميد م ًّا، مثَّ قَرأَ : ﴿بسم اللَّه الرمحَن الرحيم﴾، ميُد‬‫َّ ْ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َد ُ َ‬ ‫َ‬ ‫(2‬ ‫ببسم اللَّه، وميُد بالرمحَن، وميُد بالرحيم".‬ ‫َ َ ُّ َّ ْ َ َ ُّ َّ‬ ‫ْ‬ ‫2‬ ‫قال ابن بطال:" فكان يقرؤه على مهل ؛ ليبني ألمته كيف يقرؤون، كيف يمكنهم تدبر القرآن وفهمه".‬ ‫و‬ ‫وعن أَبي ع ْبد الرحمن السلمي، قال:ح َّثَنَا الَّذين كانُوا يُقرئُونَنَا الْقرآن، عُثْمان بْن عفان وع ْبد اللَّه بْن‬‫َد‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َّ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫مسعُود، أَنَّهم قَالُوا:"كنَّا إذا تَعلَّمنَا من النَّبي ‪ ‬عشر آيَات، ملْ جنَاوزها حّت نَتَ علَّم ما فيها من الْع ْلم والْعمل"،‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ َْ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َْ‬ ‫1‬ ‫قَالُوا:"فَتَ علَّمنَا الْق ْرآن والْع ْلم والْعمل مجيعا".‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫1- حتفة األحوذي، املبار كفوري أبو العال، (2/512-612).‬ ‫َّ‬ ‫2- وقوله"هذا":بفْتح اهلَاء وتَشديد الذال الْمعجمة، أَي سردا وإفْ راطا يف الس ْرعة، أنظر فتح الباري، احلافظ ابن حجر‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُْ ََ‬ ‫ْ َْ َ َ‬ ‫( /151)، وقال ابن رجب احلنبلي:"هو متابعة القراءة يف سرعة، كرهه ابن مسعود ملا فيه من قلة التدبر ملا يقرءوه"، أنظر فتح‬ ‫و‬ ‫الباري ح صحي ح البخاري، زين الدين أيب ج عبد الرمحن ابن شهاب الدين البغدادي مث الدمشقي الشهري بابن رجب، دار‬ ‫الفر‬ ‫شر‬ ‫ابن اجلوزي– السعودية، الدمام- 2241ه ، (4/224).‬ ‫الطبعة : الثانية ، حتقيق : أبو معاذ طارق بن عوض اهلل بن حممد‬ ‫ متفق عليه، رواه البخاري يف صحيحه، (ح: 22، /4 2)، ومسلم يف صحيحه، (ح:16 1، 4/262).‬‫4- ح صحيح مسلم، النووي، (6/501).‬ ‫شر‬ ‫5- عمدة القاري ح صحيح البخاري، بدر الدين العيين احلنفي، (9/612).‬ ‫شر‬ ‫6- فتح الباري، احلافظ ابن حجر ( /151).‬ ‫2-رواه البخاري يف صحيح، (ح:2564، 51/664).‬ ‫2- ح صحيح البخاري، البن بطال، (91/16 ).‬ ‫شر‬ ‫01‬
  • 11.
    ‫أي: أهنم كانوايتعلمون العلم والعمل مجيعا، فيكونون بذلك قد مجعوا بني العلم والفقه، وبني معرفة أحكامه وما‬ ‫اشتمل عليه، فيجمعون العلم والعمل، وال شك أن ذلك ال يكون إال بالتدبر والتأمل والفهم.‬ ‫2‬ ‫وعن ابن عباس يف قوله تعاىل : ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ القيامة: ٨٣ ، كان رسول اهلل ‪ ‬إذا نزل‬‫جربيل بالوحي، كان مما حيرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه" .‬ ‫و‬ ‫وفيه دليل على وجوب ترتيل القراءة والرتسل فيها من غري هذرمة وال سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر وتدبر،‬ ‫َ َْ‬ ‫قال اهلل تعاىل: ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٩٤.‬ ‫4‬ ‫2-وهذه بعض أخبار وأحوال السلف مع تدبر القرآن:‬ ‫فكما سجل لنا التاريخ اإلسالمي، حياة النيب ‪ ‬مع تدبر القرآن، فقد سجل لنا أيضا وقفات وأحواال‬ ‫وأخبارا، لسلفنا الصالح، مع تدبر القرآن، ومن ذلك:‬ ‫ما روي عن مسروق قال: قال ِل رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك متيم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حّت‬ ‫أصبح، أو قَرب أن يصبح يقرأ بآية من القرآن كع فيها ويسجد ويبكي ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ير‬ ‫َُ‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﭼ الجاثية: ٣٤.‬ ‫5‬ ‫وعن أبي حمزة -رمحه اهلل- : قلت البن عباس ‪ : ‬إين سريع القراءة، أقرأ القرآن يف مقام، فقال ابن عباس‬ ‫رضي اهلل عنهما-:"ألن أقرأ البقرة فأرتلها وأتدبَّرها أحب إِل من أن أقرأ القرآن كما تقول"، ويف رواية: "ألن أقرأ‬‫البقرة يف ليلة أتدبرها وأفكر فيها أحب إِل من أن أقرأ القرآن كله يف ليلة".‬ ‫6‬ ‫وعن أبي وائل قال: جاء رجل إىل عبد اهلل، فقال: إين قرأت املفصل البارحة، فقال عبد اهلل: هذا كهذ الشعر،‬ ‫ونثرا كنثر الدقل، إين أفصل لتفصلوه، ولقد علمت النظائر اليت كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقرأ سورتني‬ ‫يف كعة".‬ ‫ر‬ ‫2‬ ‫1- جمموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين، احملقق: أنور الباز-عامر اجلزار، دار الوفاء،‬ ‫ط ، 6241ه -5002م، (1/ 0 ).‬ ‫2- ح سنن أيب داود، عبد احملسن العباد، (21/201).‬ ‫شر‬ ‫ أخرجه البخاري برقم (9294) 6/ 61 ، ومسلم برقم (244) 1/0 .‬‫4- تفسري ابن كثري، (1/22).‬ ‫5- املعجم الكبري، الطرباين، (ح:6 21، 2/14)، والزهد أليب داود، (ح:92 ، 1/214).‬ ‫6- خمتصر قيام الليل، حملمد بن نصر املروزي، (1/512).‬ ‫2- شعب اإلميان، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، ط41، 0141ه .‬ ‫11‬
  • 12.
    ‫وعن سعيد بنعبيد قال: رأيت سعيد بن جبير، وهو يؤمهم يف رمضان، يردد هذه اآلية : ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙﮚﮛ ﮜ ﭼ غافر: ٣٢ ، وﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ االنفطار: ٨ ، يرددها‬ ‫1‬ ‫مرتني أو ثالثا".‬ ‫وروي عن محمد بن كعب القرظي ‪ ‬يقول : " ألن أقرأ ﴿إذَا زلْزلَت﴾ و﴿الْقارعةُ﴾ ليلة أرددمها وأتفكر‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫2‬ ‫ُّ‬ ‫فيهما، أحب إِل من أن أبيت أهذ القرآن".‬ ‫َّ‬ ‫وسئل مجاهد عن رجلني قرأ أحدمها البقرة، وقرأ اآلخر البقرة وآل عمران، فكان كوعهما وسجودمها وجلوسهما‬ ‫ر‬ ‫سواء، أيهما أفضل ؟ قال الذي قرأ البقرة، مث قرأ جماهد : ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫)‬ ‫ﭼ اإلسراء: ٨٠٣ ، واآلثار يف شأن السلف مع تدبر القرآن الكرمي كثرية، نكتفي هبذه اإلملاحة اليسرية.‬ ‫وقال الحسن بن علي -رضي اهلل عنهما- :" إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من رهبم فكانوا يتدبروهنا‬ ‫بالليل ، ويتفقدوهنا يف النهار".‬ ‫4‬ ‫وقال عبد اهلل بن عمرو: " لقد عشنا دهرا طويال، وإن أحدنا يؤتى اإلميان قبل القرآن، فتنزل السورة على حممد‬ ‫‪ ، ‬فنتعلم حالهلا وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها ، مث لقد رأيت رجاال يؤتى أحدهم‬ ‫القرآن قبل اإلميان، فيقرأ ما بني فاحتة الكتاب إىل خامتته، ال يدري ما آمره وال زاجره وما ينبغي أن يقف عنده‬ ‫منه، ينثره نثر الدقل".‬ ‫5‬ ‫وقال النووي -رمحه اهلل- ، يف اإلرشاد إىل تدبر القرآن، عما كان عليه من أحوال السلف:‬ ‫"وقد كانت للسلف عادات خمتلفة فيما يقرءون كل يوم، حبسب أحواهلم وأفهامهم ووظائفهم، فكان بعضهم‬ ‫خيتم القرآن يف كل شهر، وبعضهم يف عشرين يوما، وبعضهم يف عشرة أيام، وبعضهم أو أكثرهم يف سبعة، كثري‬ ‫و‬ ‫منهم يف ثالثة...والمختار أنه يستكثر منه ما ميكنه الدوام عليه، وال يعتاد إال ما يغلب على ظنه الدوام عليه، يف‬ ‫حال نشاطه وغريه، هذا إذا مل تكن له وظائف عامة أو خاصة، يتعطل بإكثار القرآن عنها، فإن كانت له وظيفة‬ ‫1- رواه عبد الرزاق يف مصنفه (ح:6914، 2/294).‬ ‫2- رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه، (ح:9، 2/204).‬ ‫ رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه، (ح:21، 2/ 04).‬‫4- إحياء علوم الدين، حممد بن حممد الغزاِل أبو حامد، دار املعرفة، بريوت، (1/522).‬ ‫5- املستدرك على الصحيحني ج1/ص19 (101)، سنن البيهقي الكربى ج /ص021( 205) .‬ ‫21‬
  • 13.
    ‫عامة كوالية وتعليموحنو ذلك، فليوظف لنفسه قراءة ميكنه احملافظة عليها، مع نشاطه وغريه، من غري إخالل‬ ‫1‬ ‫بشيء من كمال تلك الوظيفة، وعلى هذا حيمل ما جاء عن السلف".‬ ‫ُ‬ ‫وجملة القول: فهذه اآليات القرآنية، والنصوص الحديثية، وما ثبت من ذلك يف وقائع سير السلف‬ ‫الصالح، يدل على أن تدبر القرآن، وتفهمه، وتعلمه، والعمل به، أمر استُقر عليه يف القرون الثالثة األولى‬ ‫املشهود هلا باخلريية، وهو ال بد منه للمسلمين يف كل زمان ومكان، وأن ثواب قراءة الرتتيل والتدبر أجل وأرفع‬ ‫ُّ ُ‬ ‫قدرا.‬ ‫2‬ ‫وقد بني النبي ‪ ‬أن املشتغلني بذلك، هم خير الناس، كما ثبت عنه ‪ ‬من حديث عثمان ‪ ‬أنه قال:‬ ‫" كم من تعلم القرآن وعلمه" ، وقال تعاىل : ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫خير‬ ‫ﮆﮇ ﮈﮉ‬ ‫ﮊ ﮋ ﭼ آل عمران: ٩٢.‬ ‫فإعراض كثري من الناس عن التدبر في كتاب اهلل –تعالى- ، والنظر فيه، وتفهمه، والعمل به، وبالسنة الثابتة‬ ‫املبينة له، يف مجيع اجملاالت احليوية، اجتماعيا، واقتصاديا، وتربويا، وثقافيا، وسياسيا، وما إىل ذلك من األمور اليت‬ ‫حتتاج إليها األمة، أفرادا ومجاعات، هو من أعظم املناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أهنم على هدى، باتباعهم‬ ‫4‬ ‫مناهج غربية علمانية مستوردة، واهلل املستعان.‬ ‫1- ح صحيح مسلم، للنووي، (4/021).‬ ‫شر‬ ‫2-زاد املعاد يف هدي خري العباد، مشس الدين ابن قيم اجلوزية، مؤسسة الرسالة، بريوت-مكتبة املنار اإلسالمية، الكويت،‬ ‫ط22، 5141ه /4991م.‬ ‫ رواه البخاري يف صحيحه (ح:9 64، 51/9 4).‬‫4- أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن، حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي، دار الفكر، بريوت،‬ ‫5141ه - 5991م، (2/25 ).‬ ‫31‬
  • 14.
    ‫المبحث الثاني:‬ ‫حقيقة تدبرالقرآن الكريم.‬ ‫ال شك أن الواجب، لبلوغ حقيقة1 التدبر، على من خصه اهلل حبفظ كتابه، أن يتلوه حق تالوته، ويتدبر‬ ‫َ‬ ‫2‬ ‫حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه، ويتبني غرائبه.‬ ‫أوال: تكمن حقيقة التدبر يف الحقائق املرجوة واملقصودة منه، وتتمثل أصال يف بيان مراد اهلل –تعالى- من إنزاله‬ ‫القرآن الكرمي، وقد تقدمت النصوص يف ذلك ، واملتتبع لآليات اخلاصة هبذا الشأن، وأخص بالذكر آيات البيان‬ ‫وآيات التدبر، تتجلى لديه حقيقة التدبر األساسية، اليت تكشف لنا عن حكمتين من حكم إنزال القرآن على‬ ‫َ‬ ‫النيب ‪ ، ‬كما بني أهل العلم خلفا وسلفا:‬ ‫الحكمة األولى: أن اهلل ‪ ‬أنزل القرآن على نبيه ‪ ، ‬ليبين للناس ما نُزل إليهم يف هذا الكتاب، من‬ ‫األحكام الشرعية، والوعد والوعيد، وحنو ذلك.‬ ‫ومن اآليات يف هذا الشأن، قوله تعاىل : ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭼ وقوله: ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ النحل:‬ ‫٢٨.‬ ‫4‬ ‫والحكمة الثانية: هي التدبر والتفكر يف آيات اهلل واالتعاظ هبا، والتأمل يف أحكامها ومقاصدها، والعمل مبا‬ ‫جاء فيها تقربا إىل رضى اهلل –تعاىل-.‬ ‫1- احلَقيقةُ ما يصري إليه حق األمر ووجوبُه، وبلغ حقيقةَ األمر أي يَقني شأنه، وهي الثبات واالستقرار والقطع واليقني وخمالفة‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اجملاز، وتتناقض احلقيقة مع الكذب والغلط والوهم والظن والشك والتخمني والرأي واالعتقاد والباطل، ويف احلديث:"ال يبلُغ املؤمن‬ ‫حقيقةَ اإلميان حّت ال يَعيب مسلما بعْيب هو فيه"، يعين خالص اإلميان وحمضه كْن هه، أنظر لسان العرب (حقق)، (01/94)،‬ ‫َْ َ وُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وغريب احلديث البن األثري (1/5101).‬ ‫2-تفسري القرطيب، 1/2.‬ ‫ انظر املبحث األول: األمر والرتغيب يف تدبر القرآن، من الكتاب والسنة، ص:6، من هذا البحث.‬‫4- أضواء البيان، حممد األمني الشنقيطي، ( /01)، وتفسري القرطيب، (01/901)، وفتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية‬ ‫من علم التفسري، حممد بن علي بن حممد كاين (املتوىف:0521ه )، (4/ 22).‬ ‫الشو‬ ‫41‬
  • 15.
    ‫ومن اآليات يفهذا الشأن، قوله تعاىل : ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص:‬ ‫٩٤ ، وقوله : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦ ، وقوله:‬ ‫﴿أَفَالَ يَتَدبَّرون القرآن أَم على قُلُوب أَقْ فاهلَآ﴾، حممد- 42، إىل غري ذلك من اآليات.‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫1‬ ‫وعليه، فإن قوله تعاىل : ﴿ليَدبَّروا﴾ متعلق ب قوله تعاىل : ﴿أَنزلْنَاهُ﴾، واملراد أنزلناه ليدبروا آياته ؛ وذلك‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫بغرض استخراج حقائق أسرار التكوين والتشريع، ومضمون هذه املعاين يشري إىل الغاية والمقصود من إنزال‬ ‫القرآن، فلم ينزله اهلل –تعاىل- ليتباهى الناس به، ويتمارى به القراء، دون اعتناء مبضمونه، واستخراج ملكنونه،‬ ‫وأخذ مبراده ومطلوبه ، بل أنزله لتدبر آياته، والتفكر والنظر فيها، ومن مث العمل به مجلة وتفصيال، حبيث يتخذ‬ ‫دستوراً ومنهجاً، يسريون عليه ويرجعون إليه، وحيتكمون إىل تعاليمه وآياته ؛ لقوله تعاىل : ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝﮞﮟ ﭼ المائدة: ٦٢.‬ ‫ولن حيصل ذلك إال بتدبر آياته وفهم عباراته، والوقوف على مقصود اهلل -سبحانه وتعاىل- من كتابه، وملا‬ ‫كان حصول املقصود من إنزال القرآن الكرمي ال يتم إال بالتدبر هلذا الكتاب الكرمي ، أمر اهلل بذلك فقال :‬ ‫﴿ليدبروا آيَاته﴾، ومعناه : ليتفكروا فيها، فيقفوا على ما فيه ويعملوا به، وهذه أسمى حقائق تدبر القرآن.‬ ‫ويف هذا السياق يقول السعدي -رمحه اهلل- مبينا حقيقة التدبر، وما ترمي إليه هذه العبارة من الخير والفوائد:‬ ‫"يأمر تعاىل بتدبر كتابه، وهو التأمل يف معانيه، وحتديق الفكر فيه، ويف مبادئه وعواقبه، ولوازمه، ذلك ألن تدبر‬ ‫كتاب اهلل مفتاح للعلوم واملعارف، وبه يُستنتج كل خري وتُ ج منه مجيع العلوم، وبه يزداد اإلميان يف القلب‬ ‫ستخر‬ ‫وترسخ شجرته، فإنه يعرف بالرب املعبود، وما له من صفات الكمال؛ وما ينزه عنه من مسات النقص، ويعرف‬ ‫الطريق املوصلة إليه وصفة أهلها، وما هلم عند القدوم عليه، ويعرف العدو الذي هو العدو على احلقيقة، والطريق‬ ‫2‬ ‫املوصلة إىل العذاب، وصفة أهلها، وما هلم عند وجود أسباب العقاب.‬ ‫ومن حقائق تدبر القرآن، أنه كلما ازداد العبد تأمال فيه، ازداد علما وعمال وبصيرة وإيمانا ؛ لذلك أمر اهلل‬ ‫بذلك، وحث عليه، وأخرب أنه هو املقصود بإنزال القرآن، كما قال تعاىل : ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫1- حممد األمني الشنقيطي، املصدر نفسه، ( /01)، والتحرير والتنوير، ابن عاشور، (2/25).‬ ‫2- تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان، عبد الرمحن بن ناصر بن عبد اهلل السعدي (املتوىف:62 1ه )، احملقق:عبد الرمحن‬ ‫بن معال اللوحيق، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م، (1/921).‬ ‫51‬
  • 16.
    ‫ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ص: ٩٤ ، وقال تعاىل : ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ محمد:‬ ‫٢٤.‬ ‫ثانيا:ومن خالل عملية التدبر، تتجلى حقائق وفوائد نفيسة، ومن بينها:‬ ‫أن العبد يصل بالتدبر إىل حقيقة اليقين والعلم بأن القرآن كالم اهلل ؛ ألنه يراه يصدق بعضه بعضا، ويوافق‬‫بعضه بعضا، فرتى احلكم والقصة واإلخبارات تعاد يف القرآن يف عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، ال ينقض‬ ‫بعضها بعضا، فبذلك يعلم كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه جبميع األمور ؛ فلذلك قال تعاىل: ﭽﭻ‬ ‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٤٦ ، أي: فلما كان من عند اهلل مل‬ ‫يكن فيه اختالف أصال.‬ ‫1‬ ‫كما أن حقيقة تدبر القرآن تكشف لنا عن المعنى الحقيقي للدين اإلسالمي، وعالقته بترقية األمة حنو‬‫األحسن واألجود واألتقن ، يف مجيع اجملاالت احليوية املتعلقة حبياة الناس، فعملية التدبر للقرآن الكرمي، يف كلياته‬ ‫وجزئياته، ويف أصوله وفروعه.‬ ‫كما تفيدنا أن الدين هو ما كلف اهلل به األمة من جمموع العقائد، واألعمال، والشرائع، والنظم.‬‫-وأن إكمال الدين يف قوله تعاىل : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﭼ‬ ‫المائدة: ١ ، هو إكمال البيان املراد هلل –تعاىل- ، الذي اقتضت احلكمة تنجيمه، فكان بعد نزول أحكام‬ ‫االعتقاد، اليت ال يسع املسلمني جهلها، وبعد تفاصيل أحكام قواعد اإلسالم اليت آخرها احلج بالقول والفعل،‬ ‫وبعد بيان شرائع املعامالت، وأصول النظام اإلسالمي، كان بعد ذلك كله قد ت البيان املراد هلل تعاىل يف قوله :‬ ‫ﭽﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭼ النحل: ٩٦ ، وقوله: ﴿لتُبَ ين للنَّاس‬ ‫َ‬ ‫ما نُزل إلَْيهم﴾، النحل-44، حبيث صار جمموع التشريع احلاصل بالقرآن والسنة، كافيا يف هدي األمة يف‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫عبادهتا، ومعاملتها، وسياستها، يف سائر عصورها، حبسب ما تدعو إليه حاجاهتا، فقد كان الدين وافيا يف كل‬ ‫وقت، مبا حيتاجه املسلمون.‬ ‫2‬ ‫1- السعدي، املصدر نفسه، (1/921).‬ ‫2- التحرير والتنوير، ابن عاشور، (4/ 1).‬ ‫61‬
  • 17.
    ‫ثالثا: أن حقيقةتدبر القرآن تتضمن بيان وحتديد مظاهر اإلعجاز:‬ ‫ذلك أن من تَدبر القرآن وجد فيه من وجوه اإلعجاز فنونا ظاهرة وخفية، من حيث اللفظ ومن جهة املعىن‬ ‫قال اهلل –تعاىل- : ﭽ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ هود: ٣ ، فأُحكمت ألفاظه،‬ ‫1‬ ‫وفُصلت معانيه أو بالعكس على اخلالف، فكل من لفظه ومعناه فصيح ال جيارى وال يداىن.‬ ‫1- فقد أخرب عن مغيبات ماضية وآتية، كانت ووقعت، طبق ما أخرب سواء بسواء.‬ ‫-وأمر بكل خير، وهنى عن كل شر،كما قال: ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ﯗ ﯘ ﭼ األنعام: ١٣٣ ، أي:صدقا يف األخبار وعدال يف األحكام، فكله حق وصدق وعدل وهدى، ليس‬ ‫فيه جمازفة وال كذب وال افرتاء، كما يوجد يف أشعار العرب وغريهم من األكاذيب واجملازفات، اليت ال حيسن‬ ‫شعرهم إال هبا، وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البالغة، عند من يعرف ذلك تفصيال وإمجاال، ممن‬ ‫فهم كالم العرب وتصاريف التعبري، فإنه إن تأملت أخباره وجدهتا يف غاية احلالوة، سواء كانت مبسوطة أو‬ ‫وجيزة، وسواء تكررت أم ال، كلما تكرر حالَ وعالَ، ال خيلق عن كثرة الرد، وال ميل منه العلماء، كما جاء يف‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫احلديث:" هو الذي ال تزيغ به األهواء، وال تلتبس به األلسنة، وال يشبع منه العلماء، وال خيْلق على كثرة الرد، وال‬ ‫َ‬ ‫2‬ ‫تنقضي عجائبه".‬ ‫ع ؛ لقوله تعاىل: ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫2- وإن أخذ يف الوعيد والتهديد، جاء منه ما تقشعر له اجلبال وتتصد‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﭼ الحشر: ٣٤ ، فما‬ ‫ظنك بالقلوب الرهيفات.‬ ‫وإن وعد، أتى مبا يفتح القلوب واآلذان، ويشوق إىل دار السالم، وجماورة عرش الرمحن، كما قال يف الرتغيب‬‫ْ ََ‬ ‫: ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ السجدة: ٢٣ ، وقال: ﭽﯚ ﯛﯜ‬ ‫ﯝ ﯞﯟﯠ ﯡ ﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ الزخرف: ٣٢.‬ ‫وقال يف الترهيب: ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬‫اإلسراء: ٦٨ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ الملك: ٨٣ - ٢٣.‬ ‫وقال يف الزجر: ﭽﭠ ﭡﭢﭣ ﭼ العنكبوت: ٠٢.‬‫1- تفسري ابن كثري، (1/991).‬ ‫2-رواه الرتمذي يف سننه (ح:6092، 5/221)، قال أبو عيسى: هذا حديث ال نعرفه إال من هذا الوجه وإسناده جمهول ويف‬ ‫احلارث مقال، وضعفه قال الشيخ األلباين، ضعيف الرتمذي (6092).‬ ‫71‬
  • 18.
    ‫-وقال يف الوعظ:ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗ ﭼ الشعراء: ١٠٤ - ٢٠٤ ، إىل غري ذلك من أنواع الفصاحة والبالغة واحلالوة.‬ ‫ وإن جاءت اآليات يف األحكام واألوامر والنواهي، اشتملت على األمر بكل معروف حسن ونافع وطيب‬‫َ‬ ‫حمبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دينء ؛ كما قال ابن مسعود وغريه من السلف : إذا مسعت اهلل –تعاىل-‬ ‫يقول يف القرآن : ﴿يَا أَيُّها الَّذين آمنُوا﴾، فأوعها مسعك فإنه خري ما يأمر به أو شر ينهى عنه1 ؛ وهلذا قال تعاىل‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫: ﭽﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﭼ األعراف: ٢١٣.‬ ‫4- إن جاءت اآليات يف وصف المعاد، وما فيه من األهوال، ويف وصف الجنة والنار، وما أعد اهلل فيهما‬ ‫ألوليائه وأعدائه من النعيم واجلحيم واملالذ والعذاب األليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إىل فعل اخلريات‬ ‫واجتناب املنكرات، وزهدت يف الدنيا، ورغبت يف األخرى، وثبَّتت على الطريقة املثلى، وهدت إىل صراط اهلل‬ ‫املستقيم وشرعه القومي، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.‬ ‫(2‬ ‫5- كما أن حقيقة تدبر القرآن، تكشف لنا عن الدالالت املعرفة باهلل –تعاىل- ، وعبادته حق العبادة.‬ ‫والدالالت على سعة رمحته، وجزيل فضله، ووجوب شكره، كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه،‬ ‫و‬ ‫وعموم خلقه جلميع األشياء.‬ ‫واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة، وما فعله من األفعال احلسنة، ومتام ربوبيته،‬ ‫وانفراده فيها.‬ ‫وأن مجيع التدبير يف العامل العلوي والسفلي، يف ماضي األوقات وحاضرها ومستقبلها بيد اهلل –تعالى- ، ليس‬ ‫ألحد من األمر شيء، وال من القدرة شيء.‬ ‫فينتج من ذلك أنه تعاىل هو المألوه المعبود وحده، الذي ال يستحق أحد من العبودية شيئا، كما مل يستحق‬ ‫من الربوبية شيئا.‬ ‫وينتج من ذلك امتالء القلوب بمعرفة اهلل –تعالى- وحمبته وخوفه ورجائه.‬ ‫1- تفسري ابن كثري، (1/002).‬ ‫2- ابن كثري، املصدر نفسه، (1/002-102).‬ ‫81‬
  • 19.
    ‫وهذان األمران :أي معرفته وعبادته، مها من أعظم الحقائق اليت يُتوصل هبا عن طريق التدبر، ومها اللذان‬ ‫خلق اهلل اخللق ألجلهما، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده، ومها املوصالن إىل كل خري وفالح وصالح،‬ ‫وسعادة دنيوية وأخروية، ومها اللذان أشرف عطايا الكرمي لعباده، ومها أشرف اللذات على اإلطالق، ومها اللذان‬ ‫إن فاتا، فات كل خري، وحضر كل شر، فنسأله تعاىل أن ميأل قلوبنا مبعرفته وحمبته، وأن جيعل كاتنا الباطنة‬ ‫حر‬ ‫1‬ ‫والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة ألمره، إنه ال يتعاظمه سؤال، وال حيفيه نوال.‬ ‫المبحث الثالث:‬ ‫أهمية تدبر القرآن الكريم في إصالح الفرد والمجتمع.‬ ‫ال شك أن منة اهلداية إىل احلق أعظم املنن ؛ ألن هبا صالح المجتمع وسالمة أفراده، من اعتداء قويهم على‬ ‫ُ‬ ‫ضعيفهم ، ولوال اهلداية لكانت نعمة اإلجياد خمتلة أو مضمحلة، وأن املراد باحلق الدين، وهو اإلميان واألعمال‬ ‫الصاحلة، وأصوله وهي االعتقاد الصحيح.‬ ‫واملعلوم أن التشريع ابتُدئ بالنهي عن عبادة غري اهلل ؛ ألن ذلك هو أصل اإلصالح؛ وال ريب أن إصالح‬ ‫المعتقد وإصالح الفكر، مقدم على إصالح العمل ؛ إذ ال يشاق العقل إىل طلب الصاحلات إال إذ كان‬ ‫صالحا2، وهذا ما يُعرف يف عصرنا مبصطلح األمن الفكري والعقدي، ويف احلديث الصحيح : " أال وإن يف‬ ‫اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله، وإذا فسدت فسد اجلسد كله، أال وهي القلب".‬ ‫ومبا أن اإلنسان هو حمور البناء، ومرتكز الوجود احلضاري، فإن إصالحه يتحقق وفق القيم احملددة يف الكتاب‬ ‫والسنة، املؤسسة على منهج االستخالف الذي يتضمن التكليف بإعمار األرض بما هو أحسن وأنفع وأتقن،‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال يتم إال بتدبر القرآن، الذي هو عنصر أساسي يف صناعة التميز الروحي واملادي ؛ لبلوغ اخلريية اليت ذكرها اهلل‬ ‫‪ ‬يف كتابه اجمليد، حيث قال تعاىل: ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭨ ﭩﭪ ﭼ آل عمران: ٠٣٣.‬ ‫1- تفسري السعدي، املصدر السابق، (1/142).‬ ‫2- التحرير والتنوير، ابن عاشور، (41/45).‬ ‫ متفق عليه من حديث النعمان بن بشري، رواه البخاري (ح:05، 1/09)، ومسلم (ح:6992، 2/092).‬‫91‬
  • 20.
    ‫أي أن هذهاألمة هي خري األمم، واملنتمون إليها هم أنفع الناس للناس ؛ حيث إهنم يأمرون باملعروف، وهو ما‬ ‫عُرف حسنه شرعا وعقال، وينهون عن املنكر، وهو ما عُرف قُبحه شرعا وعقال، ويصدقون باهلل تصديقا جازما،‬ ‫ُ‬ ‫1‬ ‫يؤيده العمل الصاحل.‬ ‫أوال: أهمية تدبر القرآن واالعتناء به، يف ترقية الفرد والمجتمع:‬ ‫ال ريب أن احلياة مع كتاب الله نعمة كها من أنعم اهلل هبا عليه، وما أسعد اإلنسان إذا جعل هذا الكتاب‬ ‫يدر‬ ‫إمامه، وهذا شأن املسلم، فاهتدى هبديه بعد أن تدبر آياته، وما أسعد اجملتمع الذي جيمع مثل هذا الفرد، وما‬ ‫أشد بؤس الذين حرموا أنفسهم من هدايته، فخبطوا يف حياهتم مينة ويسرة، وانتهوا إىل ضياع أعمارهم وضياع‬ ‫دنياهم وآخرهتم : ﴿قُل هل نُنَبئُكم باألَخسرين أَعماال الَّذين ضل سعيُهم يف احلَيَاة ُّنْيَا وهم حيسبُون أَنَّهم‬ ‫ْ الد َ ُ ْ َْ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َّ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ ْ ْ َ َ َْ‬ ‫حيسنُون صْنعا أُولَئك الَّذين كفروا بآيَات رهبم ولقائه فَحبطَت أَعماهلُم فَال نُقيم هلُم يَوم الْقيَامة وزنا﴾،الكهف،‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ ْ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ْ َ َ َْ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫01-501.(2)‬ ‫وإن أكثر األوقات كة تلك اليت تُقضى مع هذا الكتاب الكرمي ؛ إذ يعيش اإلنسان مع كالم ربه ‪، ‬‬ ‫بر‬ ‫فيحس أنه يناجيه، فريتقي مقامه، ويشعر بالعناية اإلهلية حتيط به وترعاه، وتأخذ بيده إىل حيث سعادته وفالحه.‬ ‫حيس عندئذ هذا األثر العميق للقرآن يف حياة الفرد واألمة ، مّت كت عمن تتلقى وماذا عليها بعد التلقي ،‬ ‫أدر‬ ‫يقف على أسرار هذا الكتاب الكرمي، بعد تدبر وتفكر وتأمل، وهو يصوغ تلك النفوس صياغة جديدة جعلت‬ ‫منهم، أفرادا وجماعات، مناذج فريدة متميزة يف تاريخ البشرية الطويل.( )‬ ‫ً‬ ‫مث يدرك من يعيش مع كتاب اهلل عُمق اخلطر يف دعاوى الذين يتبعون أهواءهم، باتباع مناهج وثقافات علمانية‬ ‫وغربية، تتعارض مع أصول ثقافتنا العربية واإلسالمية، تلك الدعاوى اليت تريد أن تقطع صلة األمة بكتاب رهبا‬ ‫‪ ، ‬فتنسلخ عن مصدر اهلداية لتُغرق يف التيه والضياع(4)، قال اهلل : ﴿واتْل علَْيهم نَبَأَ الَّذي آتَْي نَاهُ آيَاتنَا‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫فَانسلَخ مْن ها فَأَتْ بَ عهُ َّيطَان فَكان من الْغَاوين﴾،األعراف-521.‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ الشْ ُ َ َ َ‬ ‫1 - حممد بن أمحد أبو عبد اهلل القرطيب، تفسري القرآن العظيم، حتقيق أمحد بن عبد العليم الربدوين،ط2، دار الشعب القاهرة،‬ ‫22 1ه ،(4/ 21)؛ وابن كثري،أبو الفداء إمساعيل بن كثري الدمشقي،تفسري القرآن العظيم،دار الفكر،(در،دت)،(1/09)‬ ‫2- معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، (ت:615 ه )، حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر، وعثمان مجعة‬ ‫وخر‬ ‫ضمريية، وسليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط4، 2141 ه -2991م، (1/5).‬ ‫ مقدمة تفسري البغوي، (1/5).‬‫4- البغوي، املصدر نفسه، (1/5).‬ ‫02‬
  • 21.
    ‫ومن هنا ندركأهمية تدبر القرآن واالعتناء به، يف ترقية الفرد والمجتمع، وآثاره االجيابية اليت تنعكس عليهما،‬ ‫يف جمال إصالح أحواهلم االجتماعية واالقتصادية والثقافية والرتبوية، وما إىل ذلك من األمور احليوية واملهمة يف‬ ‫حياة الناس.‬ ‫ثانيا:تدبر القرآن ومفهوم اإلصالح في الرؤية اإلسالمية:‬ ‫ال شك أن مفهوم اإلصالح يف الرؤية اإلسالمية، هو العودة للفطرة البشرية اليت خلق اهلل الناس عليها، قال‬ ‫تعاىل : ﴿فطْرة اللَّه الَّيت فَطَر النَّاس علَْي ها ال تَْبديل خلَْلق اللَّه﴾، الروم-0 ، والعودة لدينه، وهلدي نبيه ‪ ، ‬قال‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫تعاىل : ﴿ذَلك الدين الْقيم﴾، الروم-0 ، وما عدا ذلك فهو الفساد، وإن كان ظاهره الصالح، ففي اإلرشاد‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫1‬ ‫إىل الصالح والكمال، مناء ملا أودع اهلل يف النفوس من اخلري يف الفطرة.( )‬ ‫وال شك أن هذا الصالح، ينشأ عنه تواصل يف األجيال ؛ ألن االستقامة يف اآلباء دوام االستقامة يف النسل،‬ ‫ألن النسل مْنسل من ذوات األصول ، فهو ينقل ما فيها من األحوال اخللقية واخلُلُقية، وملا كان النسل منسالَ من‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫الذكر واألنثى ، كان حبكم الطبع حمصال على جمموع من احلالتني ، فإن استوت احلالتان أو تقاربتا، جاء النسل‬ ‫على أحوال مساوية املظاهر ألحوال سلفه.(2)‬ ‫واإلصالح مهمة األنبياء واملرسلني ، والدعاة إىل اهلل واملخلصني ، كما جاء على لسان شعيب ‪ ، ‬يف قوله‬ ‫تعاىل : ﴿إن أُريد إالَّ اإلصالَح ما استَطَعت﴾، هود-22، أي: ليس ِل من املقاصد إال أن تصلح أحوالكم،‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫وتستقيم منافعكم.‬ ‫وهذا اإلصالح شامل للدين والدنيا واآلخرة، كما جاء عن أبي هريرة ‪ ‬قال:كان رسول اهلل‪ ‬يقول : (‬ ‫اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي اليت فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي اليت فيها‬ ‫معادي...).( )‬ ‫قال المناوي رمحه اهلل يف ح هذا احلديث:‬ ‫شر‬ ‫1- التحرير والتنوير، ابن عاشور، املصدر السابق، (2/44).‬ ‫2- ابن عاشور، املصدر السابق، (2/242).‬ ‫ رواه مسلم يف صحيحه (ح:2924، 1/942).‬‫12‬
  • 22.
    ‫"(اللهم اصلح ِلديين الذي هو عصمة أمري) ، أي الذي هو حافظ جلميع أموري، فإن من فسد دينه فسدت‬ ‫أموره، وخاب وخسر.‬ ‫(وأصلح ِل دنياي اليت فيها معاشي)، أي بإعطاء الكفاف فيما حيتاج إليه ، كونه حالال معينا على الطاعة.‬ ‫و‬ ‫(وأصلح ِل آخريت اليت فيها معادي)، أي ما أعود إليه يوم القيامة، قال الطييب: إصالح املعاد، اللطف والتوفيق‬ ‫على طاعة اهلل وعبادته، وطلب الراحة باملوت، فجمع يف هذه الثالثة: صالح الدين والدنيا واملعاد، وهي أصول‬ ‫مكارم األخالق".(1)‬ ‫وقد تقدم، أن معىن "أصلَح" أي فَعل الصالح، وهو الطاعة هلل فيما أمر وهنى ؛ ألن اهلل ما أراد بشرعه إال‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫إصالح الناس يف دينهم ودنياهم وأخراهم، وهي الحكمة من إنزال القرآن الكرمي ؛ ليتدبر الناس آياته،‬ ‫فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، وال يكون ذلك إال بالتدبر فيها والتأمل ملعانيها، وإعادة الفكر‬ ‫فيها مرة بعد مرة، تُدرك كة القرآن وخريه، فهو مفتاح للعلوم واملعارف، وبه يُستنتج كل خري، وتُ ج منه مجيع‬ ‫ستخر‬ ‫بر‬ ‫العلوم الدينية والدنيوية.‬ ‫ومن هنا يتضح لنا االرتباط القوي، والعالقة الوطيدة، بني تدبر القرآن وبني اإلصالح الذي أمر اهلل به أنبياءه‬ ‫ورسله حتقيقه مع أممهم الذين أُرسلوا إليهم ؛ ليخرجوهم من الظلمات إىل النور.‬ ‫وأهمية تدبر القرآن يف اإلصالح سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، ويف مجيع اجملاالت‬ ‫احليوية، فإهنا تكمن يف إدراك وبلوغ المقاصد اليت جاء القرآن لتبياهنا، وتتمثل يف معرفة اهلل -جل وعال-‬ ‫وعبادته ، ومها اللذان خلق اهلل اخللق ألجلهما ، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده ، ومها املوصالن إىل كل‬ ‫خري وفالح وصالح ، قال تعاىل : ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ الذاريات: ٨١ ، فاإلصالح يف‬ ‫األرض ، أن تعمر بطاعة اهلل واإلميان به، فإذا عمل فيها بضده، كان سعيا فيها بالفساد، و إخرابا هلا عما‬ ‫خلقت له.(2)‬ ‫ُ‬ ‫ثالثا:المقاصد واألبعاد في تدبر القرآن:‬ ‫1- التيسري ح اجلامع الصغري، احلافظ زين الدين عبد الرؤوف املناوي، مكتبة اإلمام الشافعي،الرياض، ط ، 2041ه -‬ ‫بشر‬ ‫2291م، (1/144).‬ ‫2- تفسري السعدي، املصدر السابق، (1/24).‬ ‫22‬
  • 23.
    ‫ومن منطلقات حقائقتدبر القرآن استقرأ المفسرون المقاصد األصلية واألبعاد، املتعلقة مبجاالت اإلصالح‬ ‫اليت حتدث عنها القرآن الكرمي ، وقد خلصها العالمة ابن عاشور يف مقدمة تفسريه(1)، يف مثانية أمور:‬ ‫1- إصالح االعتقاد، وتعليم العقد الصحيح، وهو أعظم سبب إلصالح اخللق ؛ ألن إصالح االعتقاد هو‬ ‫أصل اإلصالح، ومفتاح باب الصالح يف العاجل، والفالح يف اآلجل:‬ ‫-ألنه يزيل عن النفس عادة اإلذعان لغري ما قام عليه الدليل.‬ ‫ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن الشرك و كيات، وقد أشار إىل هذا املعىن قوله تعاىل : ﭽ ﭸ ﭹ‬‫الشر‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ هود: ٣٠٣ فأسند آلهلتهم‬ ‫زيادة تتبيبهم ، وليس هو من فعل اآلهلة، ولكنه من آثار االعتقاد باآلهلة، فسبب هالكهم ودمارهم، إمنا كان‬ ‫ََ‬ ‫باتباعهم تلك اآلهلة وعبادهتم إياها.‬ ‫2- إصالح األخالق وتهذيبها، وال يكون ذلك إال بالتعليم الصحيح واآلداب اإلسالمية، قال اهلل تعاىل: ﭽ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ القلم: ٢ ، وفسرت عائشة -رضي اهلل تعاىل عنها- ملا سئلت عن خلقه ‪ ‬فقالت :‬ ‫ُ‬ ‫" كان خلقه القرآن"2، ويف احلديث الذي رواه مالك يف املوطأ بالغا أن رسول اهلل ‪ ‬قال: ( بُعثت ألمتم حسن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫األخالق) .‬ ‫ إصالح التشريع ، واألعراف والقوانني املسرية للمؤسسات (القضائية، االقتصادية، التعليمية، الصحية...مبا‬‫يتماشى والشريعة اإلسالمية).‬ ‫قال تعاىل : ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ‬ ‫النساء: ١٠٣.‬ ‫وقال تعاىل : ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﮐﮑ ﮒ ﮓﮔ ﭼ المائدة: ٦٢.‬ ‫ولقد مجع القرآن مجيع األحكام مجعا كليا يف الغالب ، وجزئيا يف املهم ، فقوله تعاىل : ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‬ ‫النحل: ٩٦ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ المائدة: ١ ، املراد هبما إكمال الكليات اليت منها األمر‬ ‫باالستنباط والقياس.‬ ‫4‬ ‫1- التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬ ‫2- رواه أمحد يف مسنده، (ح:064 2، 05/611).‬ ‫ رواه مالك يف املوطأ بالغا، (5/62 ).‬‫4- حترير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬ ‫32‬
  • 24.
    ‫4- إصالح سياسةاألمة، وتدبير شؤونها، العامة واخلاصة، يف مجيع اجملاالت احليوية، وعلى مجيع املستويات،‬ ‫وهو يف حقيقة األمر باب عظيم يف القرآن الكرمي، والقصد منه صالح األمة، أفرادا وجماعات، وحفظ نظامها،‬ ‫بإصالح عقائدهم وأخالقهم، وبإصالح أمزجتهم باحملافظة عليهم من املهلكات واألخطار واألمراض، ومبداواهتم،‬ ‫ودفع األضرار عنهم، وبكفاية مؤهنم من الطعام واللباس واملسكن، باملعروف، دون تقتري وال سرف، كذا بإصالح‬ ‫و‬ ‫أمواهلم، بتنميتها وتعهدها وحفظها، وتربيتهم على احملافظة على وحدة األمة ومتاسكها، وعلى الوسطية واالعتدال‬ ‫يف كل أمر، والبعد عن الشقاق والغلو والتطرف.‬ ‫وذلك بتدبر اآليات اخلاصة هبذا الشأن، كقوله تعاىل : ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﭼ آل عمران: ١٠٣.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ‬ ‫األنعام: ٩١٣.‬ ‫وقوله تعاىل : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ األنفال:‬ ‫٨٢. (1)‬ ‫5- اإلصالح بالقصص، وأخبار األمم السالفة:‬ ‫للتأسي بصالح أحوالهم ؛ وذلك بتدبر اآليات اخلاصة هبذا الشأن،كما جاء يف قوله تعاىل: ﴿حنن نَقص‬‫َْ ُ ُ ُّ‬ ‫علَْيك أَحسن الْقصص مبَا أَوحْي نَا إلَْيك ه ذا الْقرآن وإن كنت من قَ ْبله لَمن الْغَافلني﴾، يوسف- ، وقوله تعاىل:‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ْ ََ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ األنعام:‬ ‫٠٩.‬ ‫-وللتحذير من مساوئهم ، قال تعاىل: ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫ﮁ ﮂﮃ ﮄﮅ ﮆ ﭼ إبراهيم: ١٢.‬ ‫6- اإلصالح بالتربية والتعليم، مناهجها وطرقها وبراجمها، مبا يناسب حالة عصر املخاطبني، وما يؤهلهم إىل‬ ‫تلقي الشريعة ونشرها، وذلك علم الشرائع وعلم األخبار، كان ذلك مبلغ علم خمالطي العرب من أهل الكتاب.‬ ‫و‬ ‫1- حترير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور، (1/14).‬ ‫42‬
  • 25.
    ‫وقد زاد القرآنعلى ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة االستدالل يف أفانني جمادالته للضالني، ويف‬ ‫دعوته إىل النظر، مث نوه بشأن احلكمة، فقال تعاىل : ﭽﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﭼ البقرة: ٩٨٤.‬ ‫وهذا أوسع باب انبجست منه عيون املعارف، وانفتحت به عيون األميني إىل العلم.‬ ‫وقد حلق به التنبيه املتكرر على فائدة العلم، وذلك شيء مل يطرق أمساع العرب من قبل، إمنا قصارى علومهم‬ ‫أمور جتريبية، كان حكماؤهم أفرادا اختصوا بفرط ذكاء تُضم إليه جتربة ، وهم العرفاء ، فجاء القرآن بقوله تعاىل :‬ ‫و‬ ‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ العنكبوت: ١٢ ، وقوله تعاىل : ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬ ‫ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﭼ الزمر: ٩ ، وقوله تعاىل : ﭽﮉﮊ ﮋ ﭼ القلم: ٣ ، فنبه إىل مزية القراءة والكتابة.‬ ‫1‬ ‫2- اإلصالح بتدبر آيات الوعد والوعيد، املتضمنة المواعظ واإلنذار والتبشير، كذلك احملاجة واجملادلة‬ ‫و‬ ‫للمعاندين، وهذا باب الرتغيب والرتهيب.‬ ‫2- اإلصالح بتدبر اآليات اخلاصة ببيان وجوه اإلعجاز في القرآن ؛ ليكون آية دالة على صدق الرسول ‪ ‬؛‬ ‫ْ‬ ‫إذ التصديق يتوقف على داللة املعجزة بعد التحدي، والقرآن مجع كونه معجزة بلفظه، ومتحدي ألجله مبعناه،‬ ‫والتحدي وقع فيه، قال تعاىل : ﭽ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﭼ يونس: ٦١.(2)‬ ‫ويتفرع عن عالقة التدبر باإلصالح:‬ ‫أن وظيفة املصلحني، تنطلق من التدبر والتأمل، يف اآليات القرآنية اخلاصة بكل جمال من اجملاالت احليوية،‬ ‫اجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وتربويا، وهي تتمثل يف إرادة اإلصالح، بتحقيق املصلحة اليت تصلح هبا أحوال‬ ‫العباد، وتستقيم هبا أمورهم الدينية والدنيوية، وذلك:‬ ‫بتحصيل املصاحل وتكميلها.‬‫وبدفع املفاسد وتقليلها.‬‫-ومبراعاة املصاحل العامة على املصاحل اخلاصة.‬ ‫1- ابن عاشور، املصدر نفسه، (1/14)، بتصرف.‬ ‫2- ابن عاشور، املصدر السابق، (1/14)، بتصرف.‬ ‫52‬
  • 26.
    ‫وأن من قاممبا يقدر عليه من اإلصالح، مل يكن ملوما وال مذموما يف عدم فعل ما ال يقدر عليه ، فعلى العبد‬ ‫أن يقيم من اإلصالح يف نفسه ويف غريه، ما يقدر عليه، لقوله تعاىل : ﴿إن أُريد إالَّ اإلصالَح ما استَطَعت﴾،‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫هود-22، كما ينبغي له أن ال يتكل على نفسه طرفة عني ، بل ال يزال مستعينا بربه - سبحانه وتعاىل- ،‬ ‫كال عليه، سائال له التوفيق ؛ لقوله تعاىل : ﴿وما تَوفيقي إال باللَّه علَْيه تَ َك ْلت وإلَْيه أُنيب﴾، ولقول النيب ‪‬‬ ‫متو‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ وَّ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫: " اللَّهم رمحَتَك أَرجو فَال تَك ْلين إىل نَفسي طَرفَةَ عني"1 .‬ ‫ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات.‬ ‫1- رواه أبو داود يف سننه (ح:2905، 4/424).‬ ‫62‬
  • 27.
    ‫الخاتمة:‬ ‫وجملة القول يفخاتمة هذا البحث املتواضع، وما تضمنه من نتائج:‬ ‫فإن تدبر القرآن الكرمي، والوقوف عند معاين آياته وأحكامه، هو من األمور املهمات، وآثاره اإلصالحية على‬ ‫مجيع املستويات جليات ، إن على مستوى األفراد أو على مستوى اجملتمعات، وذلك يف مجيع اجملاالت، كإصالح‬ ‫ْ‬ ‫االعتقاد، وتهذيب األخالق، وتشريع األحكام، وتحديد سياسات األمة، التي بها يتم صالحها وحفظ‬ ‫نظامها، اقتصاديا، وثقافيا، وصحيا، وتعليميا، واجتماعيا...، كل هذه املعاين وغريها، تدخل ضمن المقاصد‬ ‫و‬ ‫الجامعة للقرآن الكريم، يف تقومي حياة الناس إىل يوم الدين، قال اهلل تعاىل: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء: ٩.‬ ‫وال ريب أن قيمة القرآن كته تكمل يف تالوته، وتدبره، والعمل به، فما اللفظ وترتيله إال وسيلة يف إدراك‬ ‫وبر‬ ‫املعىن وحتصيله، وطلب اخلشوع، والتأثر به، وترمجة هذا التأثر إىل عمل صاحل.‬ ‫فاآليات القرآنية، والنصوص الحديثية، وما ثبت من ذلك يف وقائع سير السلف الصالح، يدل على أن تدبر‬ ‫القرآن، وتفهمه، وتعلمه، والعمل به، أمر ال بد منه للمسلمين، وأن ثواب قراءة الرتتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا.‬ ‫ُّ ُ‬ ‫وقد بني النبي ‪ ‬أن املشتغلني بذلك، هم خير الناس، كما ثبت عنه ‪ ‬يف الصحيح من حديث عثمان بن‬ ‫عفان ‪ ‬أنه قال :( كم من تعلم القرآن وعلمه ) ، وقال تعاىل: ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫خير‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ آل عمران: ٩٢.‬ ‫فإعراض كثري من الناس عن التدبر في كتاب اهلل، والنظر فيه، وتفهمه، والعمل به، وبالسنة الثابتة املبينة له،‬ ‫يف مجيع اجملاالت احليوية، اجتماعيا، واقتصاديا، وتربويا، وثقافيا، وسياسيا، وما إىل ذلك من األمور اليت حتتاج‬ ‫إليها األمة، أفرادا ومجاعات، هو من أعظم املناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أهنم على هدى، باتباعهم مناهج‬ ‫غربية علمانية مستوردة، واهلل املستعان.‬ ‫وأن حقيقة التدبر تكمن يف الحقائق املرجوة واملقصودة منه، وتتمثل أصال يف بيان مراد اهلل من إنزاله القرآن‬ ‫الكرمي، واملتتبع لآليات اخلاصة هبذا الشأن، وأخص بالذكر آيات البيان وآيات التدبر، تتجلى لديه حقيقة‬ ‫ُّ‬ ‫التدبر األساسية، اليت تكشف لنا عن حكمتين من حكم إنزال القرآن على النيب صلى اهلل عليه وسلم، كما بني‬ ‫َ‬ ‫أهل العلم خلفا وسلفا:‬ ‫72‬
  • 28.
    ‫الحكمة األولى: أناهلل ‪ ‬أنزل القرآن على نبيه ‪ ‬ليبين للناس ما نزِل إليهم يف هذا الكتاب، من‬ ‫األحكام الشرعية، والوعد والوعيد، وحنو ذلك.‬ ‫والحكمة الثانية: هي التدبر والتفكر يف آيات اهلل واالتعاظ هبا، والتأمل يف أحكامها ومقاصدها، والعمل مبا‬ ‫جاء فيها تقربا إىل رضى اهلل –تعاىل-.‬ ‫وعليه ، فإن قوله تعاىل : ﴿ليَدبَّروا﴾ متعلق ب قوله تعاىل : ﴿أَنزلْنَاهُ﴾، واملراد أنزلناه ليدبروا آياته، وذلك‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫بغرض استخراج حقائق أسرار التكوين والتشريع، ومضمون هذه املعاين يشري إىل الغاية والمقصود من إنزال‬ ‫القرآن، وهو أن يتخذ دستوراً ومنهجاً، يسريون عليه املسلمون ويرجعون إليه، وحيتكمون إىل تعاليمه وآياته،‬ ‫لقوله تعاىل : ﭽﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟ ﭼ المائدة: ٦٢.‬ ‫وال شك أن االعتناء بالقرآن الكرمي تدبرا وتفكرا وتأمال، له األهمية الكربى يف ترقية الفرد والمجتمع، يف‬ ‫جمال إصالح أحواهلم االجتماعية واالقتصادية والثقافية والرتبوية، وما إىل ذلك من األمور احليوية واملهمة يف حياة‬ ‫الناس.‬ ‫وأن مفهوم اإلصالح يف الرؤية اإلسالمية، هو العودة للفطرة البشرية اليت خلق اهلل الناس عليها، قال تعاىل: ﭽ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﭼ الروم: ٠١ ، وال يكون ذلك إال بالتدبر، والعودة لدينه،‬ ‫وهلدي نبيه ‪ ، ‬قال تعاىل : ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ الروم: ٠١ ، وما عدا ذلك فهو الفساد، وإن كان‬ ‫ظاهره الصالح، ففي اإلرشاد إىل الصالح والكمال مناء ملا أودع اهلل يف النفوس من اخلري يف الفطرة.‬ ‫واإلصالح هو مهمة األنبياء واملرسلني، والدعاة إىل اهلل واملخلصني له، كما جاء على لسان شعيب ‪ ، ‬يف‬ ‫قوله تعاىل: ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷﯸ ﭼ هود: ٦٦ ؛ ألن اهلل ما أراد بشرعه إال إصالح الناس، يف دينهم‬ ‫ودنياهم وأخراهم، وهي الحكمة من إنزال القرآن الكرمي ؛ ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا‬ ‫أسرارها وحكمها، فهو مفتاح للعلوم واملعارف الدينية والدنيوية، وبه يُستنتج كل خري، عاجال أو آجال.‬ ‫ومن هنا يتضح لنا االرتباط القوي، والعالقة الوطيدة، بني تدبر القرآن وبني اإلصالح الذي أمر اهلل به أنبياءه‬ ‫ورسله حتقيقه مع أممهم الذين أُرسلوا إليهم ؛ ليخرجوهم من الظلمات إىل النور.‬ ‫82‬
  • 29.
    ‫وأهمية تدبر القرآنيف اإلصالح سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، تكمن يف إدراك‬ ‫وبلوغ المقاصد، اليت جاء القرآن لتبياهنا، وتتمثل يف معرفة اهلل -جل وعال- وعبادته، ومها اللذان خلق اهلل‬ ‫اخللق ألجلهما، ومها الغاية املقصودة منه تعاىل لعباده، ومها املوصالن إىل كل خري وفالح وصالح.‬ ‫فاإلصالح يف األرض، أن تعمر بطاعة اهلل واإلميان به، فإذا عمل فيها بضده، كان سعيا فيها بالفساد، وإخرابا‬ ‫هلا عما خلقت له ؛ لقوله تعاىل : ﭽﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ األعراف: ٨١.‬ ‫ومن منطلقات حقائق تدبر القرآن، تُستقرأ المقاصد األصلية واألبعاد، املتعلقة مبجاالت اإلصالح اليت‬ ‫حتدث عنها القرآن الكرمي، وقد خلصها جل املفسرون يف:‬ ‫-إصالح االعتقاد، وهو أعظم سبب إلصالح اخللق ؛ ألن إصالح االعتقاد هو أصل اإلصالح، ومفتاح‬ ‫باب الصالح يف العاجل، والفالح يف اآلجل.‬ ‫- وإصالح األخالق وتهذيبها.‬ ‫- وإصالح التشريع، واألعراف والقوانني املسرية للمؤسسات (القضائية، االقتصادية، التعليمية، الصحية...مبا‬ ‫يتماشى والشريعة اإلسالمية).‬ ‫ وإصالح سياسة األمة، وتدبير شؤونها، العامة واخلاصة، يف مجيع اجملاالت احليوية، وعلى مجيع املستويات،‬‫وهو يف حقيقة األمر باب عظيم يف القرآن الكرمي، والقصد منه صالح األمة، أفرادا وجماعات، وحفظ نظامها.‬ ‫ واإلصالح بالقصص، وأخبار األمم السالفة ؛ للتأسي بصالح أحوالهم، والتحذير من مساوئهم.‬‫ واإلصالح بالتربية والتعليم والتكوين، بسالمة املناهج والطرق والربامج، مبا يناسب حالة عصر املخاطَبني،‬‫وما يؤهلهم إىل ترقية احلضارة االسالمية، يصدق فيهم قوله تعاىل : ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ آل عمران:‬ ‫٠٣٣.‬ ‫ واإلصالح بتدبر آيات الوعد والوعيد، املتضمنة المواعظ واإلنذار والتبشير، كذلك احملاجة واجملادلة مع‬‫و‬ ‫املخالف بالتي هي أحسن، وهذا باب الرتغيب والرتهيب.‬ ‫ واإلصالح بتدبر اآليات اخلاصة ببيان وجوه اإلعجاز في القرآن ؛ ليكون آية دالة على صدق الرسول ‪‬‬‫، وعلى صدق عالمية االسالم.‬ ‫وهكذا، تنطلق وظيفة المصلحين، يف كل زمان ومكان، من التدبر والتأمل والتفكر، يف اآليات القرآنية‬ ‫اخلاصة بكل جمال من اجملاالت احليوية، االجتماعية، واالقتصادية، والثقافية، والرتبوية، والسياسية، بإرادة‬ ‫اإلصالح الشامل، لتحقيق املصلحة اليت تصلح هبا أحوال العباد، وتستقيم هبا أمورهم الدينية والدنيوية، واهلل‬ ‫أعلى وأعلم ، وعلمه أتم.‬ ‫92‬
  • 30.
    ‫التوصيات:‬ ‫وهذه بعض التوصياتاليت رأيت أهنا تفيد موضوع البحث خصوصا، وموضوع املؤمتر عموما.‬ ‫ ينبغي االهتمام واالعتناء مبثل هذه املؤمترات والندوات العلمية، اخلاصة بالقرآن الكرمي والسنة النبوية.‬‫ تربية الشباب للعودة إىل االستقامة على هنج القرآن الكرمي والسنة النبوية، واالعتناء بكتاب اهلل، وحثهم على‬‫تالوته، وتدبره، وفهم معانيه، واالستفادة من هداياته وعظاته.‬ ‫ تشجيع املؤسسات التعليمية، اخلاصة حبفظ القرآن الكرمي، وتنميتها وترقيتها، ماديا ومعنويا، وأن تكون بالفعل‬‫حمل اهتمام الراعي والرعية.‬ ‫ إصالح تعليم القرآن الكريم، بإعادة النظر يف الوسائل والربامج، فالبد من وضع مناهج للمتعلمني، تشجعهم‬‫على تدبر القرآن الكريم وفهم معانيه، والوصول هبم إىل درجة تكسبهم ملكة التدبر لكتاب اهلل تعاىل.‬ ‫ تشجيع اإلعالم وأجهزة التواصل المجتمعاتية بكل أنواعها، املرئية واملسموعة واملكتوبة، يف إظهار قيمة‬‫التدبر وأثره في اإلصالح، حنو األحسن واألتقن واألجود.‬ ‫ تأسيس مواقع علمية تتعلق بالتدبر، وترمجتها إىل خمتلف اللغات العاملية.‬‫ بيان أن كل المصطلحات اليت تدل على اإلحسان واإلتقان ، والدقة، والجودة، والمهارات، واإلبداع، وما‬‫كها وجوهرها هو التدبر، الذي يرجع باإلنسان إىل الفطرة‬ ‫شاكلها، يف فهم القرآن الكريم، إال وروحها ومحر‬ ‫اليت فطر اهلل الناس عليها، سواء يف العقائد، أو العبادات، أو املعامالت، أو األخالق والفضائل ؛ وهلذا ميكننا‬ ‫القول أن للتدبر آثارا طيبة ومتميزة يف تنمية الفرد والمجتمع، باعتباره عبادة ومنهج حياة، يساهم يف صناعة‬ ‫التميز، وحافز كبري لكسب رهان التقدم والرقي الحضاري، والدفع باإلنسانية ملا هو أفضل وأنفع؛ وهلذا أمر به‬ ‫اهلل ‪ ‬ونبيه املصطفى ‪ ، ‬ورغبا فيه.‬ ‫واهلل ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل‬ ‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.‬ ‫03‬
  • 31.
    ‫فهرس المصادر والمراجع:‬ ‫القرآنالكريم، برواية ورش.‬ ‫1. أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن، حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي،‬ ‫دار الفكر، بريوت، 5141ه - 5991م.‬ ‫2. أمراض القلب وشفاؤها، شيخ اإلسالم ابن تيمية، املطبعة السلفية، القاهرة، ط99 1،2ه .‬ ‫. تاج العروس من جواهر القاموس، حممد بن حممد بن عبد الرزاق احلسيين، أبو الفيض، امللقب مبرتضى،‬ ‫الزبيدي.‬ ‫َّ‬ ‫4. التحرير والتنوير، حممد الطاهر بن عاشور التونسي، مؤسسة التاريخ العريب، بريوت،ط1، 0241ه‬ ‫،0002م.‬ ‫5. حتفة األحوذي ح جامع الرتمذي، حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم املبار كفوري أبو العال، دار‬ ‫بشر‬ ‫الكتب العلمية، بريوت.‬ ‫6. تفسري القرآن العظيم، أبو الفداء إمساعيل بن كثري الدمشقي، دار الفكر،(در،دت).‬ ‫2. تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان، عبد الرمحن بن ناصر بن عبد اهلل السعدي (املتوىف:‬ ‫62 1ه )، احملقق:عبد الرمحن بن معال اللوحيق، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه -0002م.‬ ‫2. التيسري ح اجلامع الصغري، احلافظ زين الدين عبد الرؤوف املناوي، مكتبة اإلمام الشافعي، الرياض،‬ ‫بشر‬ ‫ط ، 2041ه -2291م.‬ ‫9. جامع البيان يف تأويل القرآن، حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلملي، أبو جعفر الطربي،‬ ‫احملقق: أمحد حممد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241ه - 0002م.‬ ‫01. اجلامع ألحكام القرآن، لإلمام أبو عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري القرطيب، دار الكتب العلمية،‬ ‫بريوت – لبنان، الطبعة عام 141ه - 991م.‬ ‫11. روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، حممود األلوسي أبو الفضل، دار إحياء الرتاث‬ ‫العريب-بريوت.‬ ‫21. زاد املعاد يف هدي خري العباد، مشس الدين ابن قيم اجلوزية، مؤسسة الرسالة، بريوت-مكتبة املنار‬ ‫اإلسالمية، الكويت، ط22، 5141ه /4991م.‬ ‫1. سبل السالم، حممد بن إمساعيل األمري الكحالين الصنعاين، مكتبة مصطفى البايب احلليب، ط4،‬ ‫92 1ه -0691م.‬ ‫41. السنن الكربى، أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي، جملس دائرة املعارف النظامية الكائنة يف‬ ‫اهلند ببلدة حيدر آباد، ط1، 44 1 ه.‬ ‫13‬
  • 32.
    ‫51. السنن، ابنماجه، حممد بن يزيد القزويين، حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بريوت.‬ ‫61. السنن، أبو داود، سليمان بن األشعث السجستاين، حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد، دار الفكر.‬ ‫21. السنن، الرتمذي، حممد بن عيسى أبو عيسى السلمي، السنن، أمحد حممد شاكر وآخرون، دار إحياء‬ ‫الرتاث العريب، بريوت، (در، دت).‬ ‫21. السنن، النسائي اجملتىب،أبو عبد الرمحن النسائي، حتقيق عبد الفتاح أبو غدة،ط2، مكتب املطبوعات‬ ‫اإلسالمية، حالب، 6041ه ، 6291م.‬ ‫91. ح سنن أيب داود، أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد بن حسني الغيايب احلنفى بدر الدين‬ ‫شر‬ ‫العيىن (املتوىف:552ه )، احملقق:أبو املنذر خالد بن إبراهيم املصري، مكتبة الرشد–الرياض،‬ ‫ط0241،1ه -9991م.‬ ‫02. ح صحيح البخاري، أ بو احلسن علي بن خلف بن عبد امللك بن بطال البكري القرطيب، حتقيق: أبو‬ ‫شر‬ ‫متيم ياسر بن إبراهيم مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 241ه - 002م.‬ ‫12. شعب اإلميان، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية، بريوت، ط41، 0141ه .‬ ‫22. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إمساعيل بن محاد اجلوهري، حتقيق:أمحد عبد الغفور عطار، دار‬ ‫العلم للماليني-بريوت، ط4، 2041ه-2291م.‬ ‫2. صحيح البخاري، حتقيق مصطفى ديب البغا، دار اهلدى، اجلزائر، 2991م.‬ ‫42. صحيح مسلم، احملقق حممد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت، (در، دت).‬ ‫52. الطبعة الثانية ، 041‬ ‫62. فتح الباري ح صحي ح البخاري، أمحد بن علي ابن حجر العسقالين أبو الفضل، دار املعرفة، بريوت،‬ ‫شر‬ ‫(در، دت).‬ ‫22. فتح الباري ح صحيح البخاري، زين الدين أيب ج عبد الرمحن ابن شهاب الدين البغدادي مث‬ ‫الفر‬ ‫شر‬ ‫الدمشقي الشهري بابن رجب، دار ابن اجلوزي– السعودية، الدمام- 2241ه .‬ ‫22. فتح القدير اجلامع ب ني فين الرواية والدراية من علم التفسري، لإلمام حممد بن علي بن حممد كاين‬ ‫الشو‬ ‫املتوىف عام 0521ه ، طبعة دار الفكر ودار الكلم الطيب، بريوت–لبنان، الطبعة األوىل عام 4141ه -‬ ‫4991م.‬ ‫92. القاموس احمليط، الفريوز آبادي، جمد الدين حممد بن يعقوب، مكتبة النووي، دمشق، (در، دت).‬ ‫0 . جلامع ألحكام القرآن، أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن ح األنصاري اخلزرجي مشس الدين‬ ‫فر‬ ‫القرطيب، احملقق: هشام مسري البخاري، دار عامل الكتب، الرياض، اململكة العربية السعودية، 241ه -‬ ‫002م.‬ ‫1 . لسان العرب، حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ، دار صادر–بريوت، ط1، (د ت).‬ ‫23‬
  • 33.
    ‫2 . جمموعالفتاوى، تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين، احملقق: أنور الباز-عامر‬ ‫اجلزار، دار الوفاء، ط ، 6241ه -5002م.‬ ‫. خمتار الصحاح، حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان ناشرون-بريوت، 5141-‬ ‫5991م.‬ ‫4 . خمتصر قيام الليل، حملمد بن نصر املروزي‬ ‫5 . املستدرك على الصحيحني، حممد بن عبداهلل أبو عبداهلل احلاكم النيسابوري، حتقيق: مصطفى عبد‬ ‫القادر عطا، دار الكتب العلمية، بريوت، ط1، 1141ه -0991م.‬ ‫6 . مسند اإلمام أمحد بن حنبل، أمحد بن حنبل أبو عبداهلل الشيباين، مؤسسة قرطبة-القاهرة إحياء علوم‬ ‫الدين، حممد بن حممد الغزاِل أبو حامد، دار املعرفة، بريوت.‬ ‫2 . مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن مهام الصنعاين، حتقيق:حبيب الرمحن األعظمي، املكتب‬ ‫اإلسالمي، بريوت.‬ ‫2 . املصنف يف األحاديث واآلثار لإلمام أيب بكر عبد اهلل بن حممد بن أيب شيبة الكويف العبسي املتوىف سنة‬ ‫5 2ه ، ضبطه وصححه حممد بعد السالم شاهني ، مكتبة دار الباز-مكة ، الطبعة األوىل 6141ه -‬ ‫5991م.‬ ‫9 . معامل التنزيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، حققه ج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر، وعثمان‬ ‫وخر‬ ‫مجعة ضمريية، وسليمان مسلم احلرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط4، 2141 ه -2991م.‬ ‫04. املعجم الكبري، سليمان بن أمحد بن أيوب أبو القاسم الطرباين، مكتبة العلوم واحلكم–املوصل، الطبعة‬ ‫الثانية، 4041 – 291.‬ ‫14. املنهاج ح صحيح مسلم بن احلجاج، أبو كريا حيىي بن شرف بن مري النووي، دار إحياء الرتاث‬ ‫ز‬ ‫شر‬ ‫العريب، بريوت، ط2، 29 1.‬ ‫24. موطأ مالك (رواية حيىي الليثي)، إعداد أمحد راتب عرموش، دار النفائس، ط2، 4041ه .‬ ‫4. نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور، لإلمام برهان الدين أيب احلسن إبراهيم بن عمر البقاعي املتوىف‬ ‫سنة 522ه ، ختريج عبد الرزاق غالب املهدي، توزيع مكتبة الباز–مكة، ط1، 5141ه -5991م.‬ ‫44. النهاية يف غريب احلديث واألثر، أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري، حتقيق:طاهر أمحد الزاوى‬ ‫وحممود حممد الطناحي، املكتبة العلمية-بريوت،99 1ه -9291م.‬ ‫33‬