SlideShare a Scribd company logo
1 of 439
Download to read offline
‫ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬
              ‫א‬         ‫א‬           ‫א‬
      ‫.‬                                          ‫אא‬
          ‫א‬
‫)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ‬                 ‫א‬                  ‫אא‬
‫ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ‬
                                ‫א‬           ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (‬
                    ‫א‬       ‫א‬           ‫.‬
  ‫.‬           ‫א א‬
‫مـصــر رايحــة على فين‬
‫الكتاب: مصر رايحة على فني‬
                                     ‫الكاتب: سعيد شعيب‬
                                   ‫البورتريهات: أدهم لطفي‬
                             ‫صور فوتوغرافية: مجدي إبراهيم‬
                                   ‫الناشر: موقع كتب عربية‬
                     ‫املوقع اإللكتروني: ‪www.kotobarabia.com‬‬
                                    ‫رقم اإليداع: 5002/12901‬
                            ‫الترقيم الدولي: 0-835-802-779‬

                ‫التجهيز الفنى : وكالة 11/51 للتجهيزات الفنية‬
‫02 شارع عبد العزيز جاويش - متفرع من شارع التحرير - باب اللوق‬
                                         ‫تليفون : 3307597/20‬
                             ‫البريد اإللكترونى : ‪info@15/11.net‬‬
                             ‫املوقع اإللكترونى: ‪www.15/11 .net‬‬
‫مـــصـــر رايـحــة عـلـى فــين‬


             ‫حـوارات‬
         ‫سعـيــد شـعـيب‬




              ‫النــاشـر‬
          ‫موقع كتب عربية‬
               ‫6002‬
‫للريــــــاح‬
     ‫...واهبة الحياة لألجنحــة‬
‫...أجنحتنــا‬
‫مقدمة البد منها‬
‫للطبعة االلكترونية‬
‫مر تقريبا عامان ونصف على صدور الطبعة الورقية، فهل ما زالت هذه الحوارات‬
‫صالحة للنشر، أظن أن األجابة.نعم ليس فقط ألنها عزيزة علي، ولكن ألن المقومات‬
                       ‫َ‬
‫الرئيسية، أو بمعنى أدق األفكار الرئيسية ألصحابها في الحقيقة لم تتغير أوتتطور... فما‬
‫زال موقف كل القوى كما هو تقريباً، بالرغم من أنه جرى في النهر الكثير والكثير ..‬
‫فهذه الحوارات –وبغض النظر عن التفاصيل- ترصد الكيفية التي يفكر بها عقل النخبة‬
                                                            ‫المصرية في هذا الزمان.‬
‫صحيح أنه على المستوى العام كانت هناك حالة حراك سياسي كبيرة، مثل حركة‬
‫كفاية بزخمها المذهل في بدايتها واآلمال التي تعلقت بها.. وحركة القضاة التي أصبحت‬
‫تلعب دورا سياسيا بارزا، ودخول 88 عضوا من جماعة اإلخوان إلى البرلمان.. ناهيك‬
‫عن تعديل المادة 67 وأخيرا التعديالت الدستورية التى، تشير بشكل أو آخر إلى تصاعد‬
         ‫دور المجموعة اإلصالحية في الحزب الحاكم بقيادة جمال مبارك ابن الرئيس.‬
‫كل هذا وغيره حدث في العامين األخيرين، وربما يستشعر القارئ الكريم من قراءته‬
‫للحوارات أن هناك شيئاً ما سيحدث أو يجب أن يحدث، فال أحد من الذين حاورتهم، من‬
                       ‫مؤيدي النظام الحاكم ومعارضيه، كان راضياً عما يعيشه وقتها.‬
‫ولكن لألسف كل هذا الحراك لم يغير في المعادلة السياسية، كما أنه لم يغير في‬
                                                    ‫موقف القوى السياسية وطبيعتها؟‬

                                         ‫‬
‫فما زال الجميع -كما جاء في الحوارات- يطلبون الحرية بحرارة، ولكنهم ال يمارسونها‬
‫على أرض الواقع.. النظام الحاكم يتعامل طوال الوقت بمنطق الخاطف للسلطة وللبلد،‬
‫يريد أخذها في مكان مظلم لكي يجري عليها «إصالحاته» وحده دون مشاركة من أحد..‬
‫كما أنه ال يمارس هذه الحرية في بنيته الحزبية، فكل ما يتبناه مجموعة اإلصالحيين هو‬
                                        ‫مجموعة أفكار ال عالقة لها بالقواعد الحزبية.‬
‫القوى السياسية األخرى معزولة جماهيريا وال تريد أن تدفع تكلفة نزولها إلى‬
‫المكسبناه فقط في الشارع، فاألفضل لقياداتها هي “نفر العروق في الفضائيات”. ناهيك‬
   ‫عن أنها –كما يتضح في الحوارات- ال تمارس حرية حقيقية في تنظيماتها وصحفها.‬
‫وهو ما ينطبق على جماعة اإلخوان، بل لقد تراجعوا أكثر وأكثر، فإذا كان د.عبد‬
‫المنعم أبو الفتوح عضو مكتب اإلرشاد قد أكد في هذا الكتاب أن من حق المسيحي رئاسة‬
‫الدولة باالنتخاب، وأنه والجماعة يردون على اإللحاد بالفكر وغيرها من األفكار .. فقد‬
‫وافق مهدي عاكف رئيس الجماعة في حوار معه على أن يحكم مصر ماليزي ألنه‬
        ‫مسلم، كما اعتبر أن تولي مسيحي مصري رئاسة الدولة باالنتخاب “فورتينة”.‬

                                                      ‫هل هذه نتيجة محبطة؟‬
‫بالطبع .. فرغم الحراك الظاهري، فان ما كسبناه- فقط ال غير- هو حرية سب‬
‫الرئيس وأسرته، ما كسبناه - فقط -هو حرية انتقاد النظام الحاكم، والتي وصلت حدها‬
‫األقصى (وهذا مهم ولكنه ال يكفي وحده لنهضة بلد) .. وتراجعت الحريات العامة‬
‫والحريات الفردية التي ال تجد من يدافع عنها في الصراع القبلي المتأجج بين الحكومة‬
                                                                   ‫ومعارضيها.‬

                                                                  ‫هل هناك أمل؟‬
‫أظن أن األمل في الحركات الجماهيرية المطلبية، ومنها االحتجاجات العمالية (تأمل‬
‫كيف تعاملت معها القوى السياسية المعارضة بإهمال) وأقصد هنا تحرك مختلف فئات‬
‫المجتمع لتحقيق مطالبها مثل العمال والمدرسين وأساتذة الجامعة وغيرهم .. فهذا سيجبر‬
‫النظام الحاكم -كما حدث في معظم االحتجاجات العمالية -على االستجابة ليس فقط‬
‫لمطالب اقتصادية، ولكن إقرار حق التظاهر واالعتصام واإلضراب وغيرها.. كما أنه‬
‫سيضبط إيقاع القوى المعارضة على موجة مطالب حقيقية للناس.. وأظن أن هذه هي‬
                                                 ‫األرضية الصلبة الحقيقية في البلد.‬


                                        ‫01‬
‫أما على المستوى المهني فهذه الحوارات التي أعتز بها اجتهدت في أن استخدم كل‬
‫تقنيات الحوار الصحفي، فلم أكتف بمجرد طرح السؤال والحصول على إجابة، وكنت‬
‫دائما أناقش اإلجابة -أيا كانت- بعديد من األسئلة التي يصح أن نسميها توليدية وصوال‬
‫إلى أقصى ما يمكن أن يعطيه من أحاوره، أي ال أتوقف عن طرح األسئلة إال بعد أن‬
‫أشعر بأنني لن أحصل على المزيد، وهنا أنتقل إلى منطقة أخرى، وهذا تسبب أحياناً في‬
‫مشادات، مثل التي حدثت مع الكاتب والصحفي الشهير محمد عودة –رحمه اهلل- الذي‬
‫طلب مني بغضب لملمة أوراقي وإنهاء الحوار، وهو ما حدث أيضا مع األستاذ ضياء‬
‫الدين داود وآخرين. كما استخدمت تكتيكاً آخر يعتمد على طرح سؤال تمهيدي، ومنه‬
‫إلى السؤال األساسي الذي ينتقد بشراسة اإلجابة التي حصلت عليها، وهو ما فعلته مثال‬
‫مع وزير الثقافة و د. يحي الجمل. وحاولت أيضا الدخول في مناطق جديدة، مستندا‬
‫إلى تحويل حتى الهواجس إلى أسئلة، وعدم الخوف من رد الفعل، وتعلمت درسا مهما،‬
‫وهو الحفاظ على مسافة تتيح لي دائما القدرة على النقاش والحوار، وتأكدت أن الفيصل‬
‫بالنسبة لمن تحاوره ليس قسوة األسئلة ولكن أظن في شعوره أن الهدف هو مناقشته‬
          ‫ومحاورته في أفكاره وأفعاله باحترام عميق وليس التشهير به أو اإلساءة إليه.‬
‫والغريب أنني اكتشفت أن الذي تحاوره يكون أكثر سعادة باألسئلة الحقيقية، ربما‬
‫ألنها تتيح له تقديم إجابات مختلفة، وتتيح له توضيح موقفه باستفاضة، والعكس صحيح،‬
‫فهو ال يشعر بنفس السعادة مع األسئلة التي على طريقة «أين ترعرعت» أي التي ال‬
                             ‫تسعى إلى مناقشته، وفي أحيان كثيرة يكون هدفها هو نفاقه.‬
‫وتعلمت أيضا أن الحوار الصحفي ليس «سين وجيم»، أي سؤال وجواب فقط، ولكنه‬
‫أيضا حالة، بالضبط مثل العمل الفني، سواء كان قصيدة أو قصة أو فيلما أو غيره،‬
‫ولذلك كنت حريصا في معظم الحوارات على ترك جملة عامية هنا أو هناك، وعلى‬
‫لمسات مثل (ضاحكا) و(غاضبا) و(مقاطعا)، ولم أكن أخجل من ذكر أن من أحاوره قدم‬
‫إجابة مفحمة أو جيدة، ولم أحذف أية إجابة حتى لو كانت فيها اتهامات لي بعدم المعرفة‬
‫مثال.. وأظن أن هذه التفاصيل الصغيرة منحت الحوارات مصداقية وعفوية وحيوية،‬
                                   ‫وجعلت القارئ يشعر وكأنه كان موجودا أثناء الحوار.‬
                                                 ‫وفي النهاية فالقارئ الكريم هو الحكم.‬
     ‫سعيــد شعيــب‬
    ‫2 أبريل 7002‬




                                         ‫11‬
‫مقدمة البد منها‬
‫للطبعة الورقية‬
                    ‫أما كيف جاءت هذه السلسلة من الحوارات.. فهذه لها حكاية.‬
‫كنت قد قررت إجراء حوار مع الكاتب والسيناريست محفوظ عبد الرحمن هكذا‬
‫وبدون مناسبة.. وألنني أعرفه معرفة عميقة منذ سنين طويلة وألنني أحبه.. فقد أجريت‬
‫معه العديد من الحوارات وكتبت عنه وعن أعماله كثيرا.. وربما لذلك لم يكن لدي‬
                           ‫ً‬
              ‫شغف بأن أجري معه حوارا فن ًا وظللت أفكر عن ماذا أحاور الرجل؟‬
                                                 ‫ً ي‬

‫وألهمني اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ بجملة كنت قد كتبتها قبل عدة سنوات، ولها حكاية..‬
‫فقد قابلت بالمصادفة في وسط البلد السيناريست محمد حلمي هالل وسألته عن فيلمه‬
‫“دخلة وداد” – على فكرة اشتراه فيما بعد الفنان نور الشريف ولم يخرج إلى النور‬
‫حتى اآلن - وقال لي: إن وداد في الفيلم تزوجت أربع مرات وفشلت: الرأسمالي،‬
‫النصاب، مدعي الدين، اليساري، يا ترى وداد مصيرها إيه “وبالطبع لم يكن عندي أو‬
                  ‫عند محمد إجابة للسؤال المرعب” هي البلد دي رايحه على فين؟.‬



                                      ‫31‬
‫هذا السؤال وجدته يقفز إلى عقلي وأنا في طريقي لمحاورة كاتبنا المعروف وأنجزت‬
‫الحوار وتم نشره ومن بعده كان الحوار مع الناقد الشهير فاروق عبد القادر.. ثم توالت‬
‫الحوارات مع رجال سياسة وثقافة وفن وغيرها. وكان لكل حوار مالبساته وظروفه،‬
‫وكانت هناك حوارات نجحت بتوفيق من اهلل سبحانه وتعالى، ومنها الحوار مع األديب‬
‫صنع اهلل إبراهيم في أعقاب رفضه جائزة مؤتمر الرواية، وبيانه الشهير وما ترتب‬
‫عليه من توابع كثيرة مدوية.. فقد كان الحدث الم ًا واستثنائ ًا، وكان أيضا صاحب‬
                       ‫ي‬         ‫ع‬
‫الحدث الم ًا واستثنائ ًا، وهذا أسهم في أن تتم قراءة الحوار باهتمام بالغ وأن تشير إليه‬
                                                                ‫ي‬         ‫ع‬
‫قت على الحدث وعليه. وهو نفس ما حدث مع حوار د. جابر‬        ‫العديد من الكتابات التي علَّ‬
‫عصفور أمين المجلس األعلى للثقافة، والذي أجريته بعد حوار صنع اهلل مباشرة وهو‬
                                                ‫الطرف الثاني المهم فيما حدث وقتها.‬

                                                       ‫ً‬
‫كما خدمتني الظروف أيضا في حوار د. عبد المنعم أبو الفتوح، فقد أجريته في أعقاب‬
‫الضجة التي أثارتها مصادرة كتاب “وصايا في عشق النساء” للشاعر أحمد الشهاوي‬
‫والذي كنت قد أجريت معه حوارا وقتها، والحقيقة أنني كنت مترددا في االختيار بين‬
                                                   ‫ً‬
‫أكثر من شخصية من اإلخوان المسلمين، كنت قد استبعدت من البداية النائب مصطفى‬
‫محمد مصطفى الذي فجر األزمة في مجلس الشعب، والسبب أنني كنت أريد محاورة‬
                          ‫ً‬
‫شخصية قيادية في اإلخوان المسلمين يكون كالمها مسئوال ومعبرا بشكل أو بآخر عن‬
                     ‫ً‬
‫عموم هذا التيار، وقد أشار علَى صاحبي وزميلي فتحي عامر – رحمه اهلل - بالدكتور‬
                                                     ‫ّ‬
                                                        ‫ً‬
‫عبد المنعم أبو الفتوح، مؤكدا أنه ذو ثقل كبير في أوساط اإلخوان، كما أنه - وقتها قبل‬
‫المرشد الجديد - كان مرشحا بقوة لتولي موقع المرشد العام لإلخوان، وأجريت الحوار‬
                                                          ‫ً‬
‫فعال حول األزمة وحول وجهة نظر اإلخوان في الحريات بشكل عام ومستقبل مصر.‬

‫والحقيقة أن هذه الحوارات صاحب الفضل األول فيها هو من حاورتهم.. فجميعهم‬
‫كانوا صادقين وصرحاء، ومعظمهم لم يرفضوا اإلجابة عن أي سؤال مهما كانت‬
‫قسوته أو صراحته، وذلك باستثناء د.سعد الدين إبراهيم، ، وهناك مرة واحدة طلب‬
‫من حاورته تغيير صيغة سؤال، وبعد مناقشة طويلة اقتنعت ووافقت مع الحفاظ على‬
‫المضمون، ومرة أخرى رفضت شخصية أخرى اإلجابة عن سؤال قائال: “مينفعشى‬
‫ألن ده سؤال يودي السجن”، وهناك ثالث مرات حذفت جزءاً من إجابات بعد موافقة‬
‫أصحابها طبعا ألنها تتعلق بانتقادات ألجهزة أمنية حساسة.. ومع ذلك البد أن أعترف‬
‫أن من حاورتهم هم أصحاب الفضل األول في أن تكتسب هذه الحوارات كل هذه‬

                                         ‫41‬
‫ً‬
‫األهمية، وأذكر منهم مثال األستاذ ضياء الدين داود رئيس الحزب العربي الديمقراطي‬
‫الناصري، والذي أجاب عن كل األسئلة رغم قسوة بعضها، كما أنه لم يحاول التدخل‬
‫على اإلطالق مستخد ًا موقعه في رئاسة الحزب العربي الديمقراطي الناصري ورئاسة‬
                                                          ‫م‬
‫مجلس إدارة جريدة العربي في النشر أو التعديل، ولم يقترب على اإلطالق من المقدمة‬
                      ‫ً‬
‫واألسئلة.. ونفس األمر حدث مع كل من حاورتهم ومنهم أيضا وزير الثقافة فاروق‬
‫حسني، الذي فوجئت بأنه لم يرفض اإلجابة عن أي سؤال ومنها أسئلة حساسة مجرد‬
                                                   ‫طرحها قد يسبب له مشكالت.‬

‫وكنت ـ منذ أول حوار أجريته ـ أطالب من أحاوره بأن يراجع إجاباته كما يشاء‬
‫وأقول بوضوح إن األسئلة والمقدمة والعناوين من حقي أنا وحدي، وكان هناك من‬
‫يرفض المراجعة وهناك من يوافق، ولكن كانت المفاجأة بالنسبة لي أن كل من راجعوا‬
‫لم يحذفوا أي إجابة صريحة، بل على العكس كانوا يزيدونها وضوحا وذلك ينطبق على‬
                  ‫ً‬
                                            ‫من هم في المعارضة أو في الحكومة.‬

‫والحقيقة أيضا أن هذه الحوارات لم تكن تخرج إلى النور أيضا لوال فرصة النشر في‬
                             ‫ِ‬
‫جريدة العربي والدعم المطلق ـ وهذه ليست مبالغة ـ من قبل األستاذ عبد اهلل السناوي‬
    ‫ً‬
‫رئيس التحرير واألستاذ عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي، فلم يحدث أبدا أن‬
‫تدخال بالحذف في كالم أي شخصية، فهذه الحوارات نشرت بالكامل كما أجريتها‬
‫بالضبط وقد تحمال الكثير مما سببته من مشكالت، وأقصى ما كان يحدث هو مناقشتي‬
‫في العنوان الرئيسي وفي أحيان نادرة يتم تغييره بعد موافقتي على هذا التغيير، وهذا‬
‫أمر عادي جدا في الصحافة. لقد وصل إيمانهما بالحرية إلى درجة أن هناك شخصيات‬
                           ‫ً‬
‫انتقدت بعنف وقسوة تجربة جمال عبد الناصر ومنهم مثال األستاذ فاروق عبد القادر‬
‫ومع ذلك ُشرت الحوارات كاملة رغم أنهما – األستاذان عبد اهلل السناوي وعبد الحليم‬
                                                                      ‫ن‬
‫قنديل-من القيادات الناصرية البارزة، ورغم أن النشر يتم في جريدة عبد الناصر،‬
                                                          ‫جريدة الحزب الناصري.‬

‫أضف إلى كل هؤالء الزمالء واألصدقاء الذين لم يبخلوا علي بأية معلومة كنت‬
‫أسأل عنها، فقبل كل حوار كنت أجمع ما أستطيعه من المادة المنشورة في الصحف‬
‫والمجالت وعلى اإلنترنت، كما كنت ألجأ إلى زمالئي وأصدقائي وكلهم لم يبخلوا علي‬
 ‫ّ‬
‫أبدا، بل على العكس تحملونني بمحبة فائقة وأعطوني أكثر بكثير مما كنت أنتظره،‬

                                      ‫51‬
‫ولذلك فهم أصحاب فضل في خروج هذه الحوارات إلى النور، ومنهم عبد الحليم قنديل‬
             ‫وأسامة سالمة ود.أحمد الصاوي وميسون صقر وأمين إسكندر وآخرون.‬
‫أضف إلى هؤالء الذين كانوا يهاتفونني والذين يقابلونني ويشجعونني على االستمرار‬
‫في هذه الحوارات ويقترحون علي أسماء كبيرة وكثيرة ويبدون استعدادهم لتوفير كل‬
                                                 ‫ّ‬
‫ما أريده، وهؤالء كثيرون بما يفوق الحصر، والحقيقة أن محبتهم الصافية لعبت دورا‬
 ‫ً‬
‫مه ًا في تشجيعي على االستمرار، فربما ال يعرفون أنني من النوع الذي يأكله الملل‬
                                                                            ‫م‬
                                       ‫ً‬
‫بسرعة شديدة، ولهذا السبب لم أستمر طويال في أي موقع صحفي توليته، ومن هنا‬
                              ‫فهؤالء األصدقاء لهم فضل كبير في إنجاز هذا الكتاب.‬

‫هذا ال يعني بالطبع أن هذه الحوارات كانت تحظى بإجماع، بل هناك من هاجمها‬
‫لسبب أو آلخر، فمن بين من كان يتابعها، من كان يخلط بين دور الصحفي وبين‬
‫دور القاضي، بمعنى أنه يتصور أن دوري هو االنتصار وسحق من أحاوره كأنني‬
‫في مباراة مصارعة وليس حوارا صحفيا.. ولذلك فقد غضب البعض مثال من حوار‬
‫الفنان الكبير عادل إمام والفنان فاروق حسني ود. جابر عصفور.. ليس ألنني أهملت‬
‫أو جاملت في األسئلة، ولكن ألن من أحاوره كان يجيب وال يرفع راية االستسالم،‬
‫وكنت دائ ًا أرد بأن دور الصحفي هو النقاش والمحاورة، بمعنى أدق دوره هو السؤال‬
                                                                   ‫م‬
‫والنقاش وال يحاسب إال على أسئلته، أما إجابات الشخص الذي نحاوره فهي مسئوليته‬
‫هو وحده وليست مسئولية الصحفي، ومن ال تعجبه إجابات من أحاوره فعليه أن يرد‬
‫عليها، ومن هنا فقد كنت حريصا على أال أكون جهة إصدار حكم على من أحاوره، أي‬
                                                ‫ً‬
‫أنني لست قاض ًا ولك ّني صحفي يحمل وجهة نظر، ومهمته السؤال والمناقشة، وهذا‬
                                                          ‫ن‬   ‫ي‬
                   ‫ما يجب أن يحاسبني عليه القارئ الكريم الذي هو وحده القاضي.‬

‫كما أنني اكتشفت أثناء هذه الرحلة أن كل تيار سياسي يتمنى أال أحاور إال أعضاء‬
‫فريقه، فالمعارضون يريدون أن أحاور من يريدونه من جبهتهم، ونفس األمر وجدته‬
‫ً‬
‫في المحسوبين على التيارات األخرى بما فيها الحكومة، فبعض الناصريين – مثال‬
                                          ‫ً‬
‫- يكرهون أن تحاور ماركس ًا أو أحدا من تيار اإلسالم السياسي والعكس صحيح..‬
                                                  ‫ي‬
‫وهم يتناسون أن من بديهيات مهنة الصحافة أن تحاور كل الناس وكل االتجاهات، وأن‬
‫موقفي أنا الشخصي من كل هذه األطياف يظهر في أسئلتي، وفي المقدمة والعناوين..‬
‫وفي مقاالت الرأي التي أكتبها، وخاصة أنني أدركت أن هذه الحوارات هي شهادة‬


                                      ‫61‬
‫للكيفية التي يفكر بها العقل المصري، أو بمعنى آخر تأريخ للعقل المصري في اللحظة‬
‫الراهنة، وهذا العقل المصري ليس هذا الفريق أو ذاك، ولكنه كل هؤالء مجتمعين.‬
‫ولذلك سيجد القارئ الكريم في هذه الحوارات ليس فقط أسئلة عن مستقبل مصر ولكن‬
‫هناك أيضا أسئلة عن ماضي وحاضر من أحاوره وعن طريقته في إدارة الموقع الذي‬
‫يتواله، وذلك حتى يستطيع القارئ تكوين صورة بأكبر قدر من الدقة عن الكيفية التي‬
‫تفكر بها النخبة المصرية، أي أنني كنت أهدف بقدر ما أستطيع ألن تكون كل االتجاهات‬
‫ممثلة في هذه الحوارات، وإن لم أستطع بالطبع أن أفعل ذلك بالكامل ألسباب كثيرة..‬
‫أولها أن محاورة كل االتجاهات وكل األجيال داخل هذه االتجاهات يحتاج إلى مجلدات‬
‫وهو فوق طاقة هذا الكتاب. األمر الثاني أن مصر غنية فعال بمئات وآالف الشخصيات‬
‫من كل النوعيات واالتجاهات. السبب الثالث أنني اكتشفت بعد هذه الحوارات أنني‬
‫أحتاج إلى تخصيصها، بمعني االنتقال من السؤال الكبير: «مصر رايحة على فين؟»‬
‫إلى أسئلة أكثر تفصيلية، مثل منطقة عالقة المسلمين بالمسيحيين.. وكيف نستطيع‬
‫أن نفض اشتباكاتها.. وعلى نفس المنوال األزمة االقتصادية وكيف نخرج منها. أي‬
‫االنتقال من التشخيص لحالة مصر إلى الحلول.. فقد اكتشفت أنه ال خالف بين كل من‬
‫حاورتهم من كل األطياف بمن فيهم الحكوميون على توصيف الخطوط العامة لألزمة‬
                                                 ‫ً‬
‫التي تعيشها مصر، ووجدت أيضا أنه ال خالف على الخطوط العامة للخروج منها،‬
                                                                ‫ً‬
‫فهناك إجماع مثال على إطالق الحريات بين الجميع، أي أنهم وضعوا الخرسانة القوية‬
‫التي يمكن أن يقام عليها مستقبل مصر، ولكنهم لم يقتربوا من تفاصيل هذا البناء، ومن‬
‫هنا البد من االنتقال إلى األسئلة التفصيلية التي لم تكن متاحة في هذه الحوارات، والتي‬
                         ‫ً ً‬                                           ‫ً‬
                  ‫اكتشفت أيضا أن معظم من حاورتهم ال يملكون تصورا دقيقا عنها.‬

     ‫ً‬                                                      ‫ً‬
‫وكان يهمني جدا في هذه السلسلة أن تتضمن حوارا مع البابا شنودة أو واحدا من‬
                             ‫ً‬
‫قيادات الكنيسة األرثوذكسية وخاصة بعد أن حاورت د. ميالد حنا المشهور بمعارضته‬
                                                ‫ً ع‬
‫للكنيسة، ولك ّي فشلت فشال ذري ًا رغم ما بذلته من جهد في هذا االتجاه امتد شهورا،‬
                                                                 ‫ن‬
‫ونصحني صديق مسيحي بأن أرسل األسئلة مكتوبة لمكتب قداسة البابا، وفي هذه‬
‫الحالة لو وافق على األسئلة – سيتم تحديد موعد، ولك ّني رفضت ألن الحوار الصحفي‬
                                ‫ن‬
‫في رأيي ليس سين وجيم فقط ولكنه مناقشة عميقة بين طرفين، المهم فشلت المحاوالت‬
                               ‫ً‬
‫وكانت صدمة كبيرة ولكن ما باليد حيلة.. أضف أيضا صدمتي من األب يوحنا قلتة‬
‫نائب الكاثوليك في مصر، فقد قابلت الرجل أكثر من مرة في ندوات ومؤتمرات وكان‬


                                        ‫71‬
‫ً‬
‫انطباعي عنه جيدا، وخاصة أنني قرأت له الكثير من المقاالت والكتب، واتصلت به‬
                                                                    ‫ً‬
‫وحددنا موعدا واثنين وثالثة.. ودائ ًا كان يخلف موعده وبعد مضي شهرين أو ثالثة‬
                                              ‫م‬
‫قررت أن أنسى الرجل ألنني أدركت أن هذه النوعية من الحوارات ربما تكون فوق‬
                          ‫ً ً‬
‫طاقته هو وقيادات الكنيسة، أو أنها قد تضرهم ضررا بالغا، فقد قال لي أحد األصدقاء‬
‫إن حوارك مع فالن وهو قيادة كنسية مرشحة لخالفة البابا وتحظى باحترام واسع قد‬
‫تضره وتفتح عليه معارك ليس وقتها مع المتعصبين داخل الكنيسة. وأعتقد أن هذا هو‬
                              ‫السبب وراء فشلي في محاورة البابا أو رجال الكنيسة.‬

                         ‫وفي النهاية استسلمت ألن أنشر ما لدي وأمري إلى اهلل.‬

‫ولكن البد من االعتراف بأن هذه الحوارات غلب على اختياراتها أحيانا حبي‬
‫الشخصي لبعض المجاالت، ولذلك سيجد القارئ الكريم فيها حوالي ثالثة أو أربعة‬
‫حوارات مع رجال فن وثقافة، وهما المجاالن اللذان أحبهما أكثر من غيرهما.. كما‬
                                                 ‫ً‬       ‫ً‬
‫أعترف بأنني بذلت جهدا مضاعفا مع بعض الشخصيات ألنني اكتشفت أن آراءهم‬
‫تتطابق تقريبا مع وجهات نظري.. ولكن في النهاية البد أن تكون هناك أسئلة ونقاش‬
‫في أفكارهم وتصوراتهم، ومن هؤالء المثقف الكبير والعالم الالمع الدكتور محمد أبو‬
                                                                          ‫الغار.‬
‫والبد أيضا من االعتراف بأن هذه الحوارات أفادتني إفادة بالغة، ولذلك سيالحظ‬
‫القارئ الكريم أن أول حوار يختلف عن الثاني والثالث وغيرهما.. فقد تطورت قدرتي‬
                          ‫ً م‬
‫على الحوار والنقاش، باإلضافة إلى أنها منحتني زادا مه ًا من المعلومات واألفكار..‬
‫ولكن الفائدة الكبرى والتي أعتبرها أهم من كل ذلك هي أنني تعلمت فضيلة التسامح‬
‫مع الذين أختلف معهم.. وتأكدت لدي قناعة قديمة وهي البعد عن األحكام اإلجمالية‬
‫القطعية.. فليس كل الحكوميين فاسدين وخونة، وليس كل المعارضين شرفاء.. فاألساس‬
‫هو ماذا يقدم الشخص وماذا يفعل.. ولذلك وبصراحة شديدة فقد زادت هذه الحوارات‬
                        ‫احترامي لبعض الشخصيات وقللت احترامي للبعض اآلخر.‬

‫وأريد التأكيد مرة أخرى على أن معظم – إن لم يكن كل- الذين حاورتهم من مختلف‬
       ‫ً‬     ‫ً‬          ‫ّ‬
‫االتجاهات ال يملكون تصورا تفصيل ًا لمستقبل هذا البلد، ولكن هناك إجماعا نادرا بينهم‬
                                                 ‫ي‬        ‫ً‬
‫جمي ًا – بمن فيهم المحسوب على الحكومة- يرون أن الحل الوحيد لألزمة التي تعيشها‬‫ع‬
‫مصر هو الحريات والتي بدونها فإن المستقبل مظلم، وفي الغالب ستحدث فوضى‬

                                        ‫81‬
‫ودمار سيضر الجميع بال استثناءات. وأتمنى أال يحدث.‬

          ‫سعيـــد شعيـــب‬
‫3 يناير 5002 وادي حوف - القاهرة‬




                                  ‫1‬
‫الزواج الحرام‬
‫الكاتب والناقد فاروق عبد القادر:‬
                                   ‫الفساد هد حيل البلد‬
                                                ‫*نعيش فترة تتسم بالشذوذ‬
                   ‫*كل المكاسب التي حققها المصريون طوال تاريخهم ضاعت‬
                               ‫*القيادات الحالية في كل المجاالت تم إخصاؤها‬
‫*نعم.. المصريون أصبحوا أعضاء في مؤسسة الفساد حتى يعيشوا ويحموا أنفسهم‬
                                                            ‫من بطش السلطة‬
                                 ‫*هناك مناخ وقح يشيع ويحرض على الفساد‬
                  ‫*هل يمكن أن يهربوا بمليارات دون تواطؤ ومشاركة الكبار؟‬
‫*لوال بعض المثقفين ما استطاع فاروق حسني أن يجمع المثقفين في حظيرته‬
                                                    ‫ويقول إنهم «كالهاموش»‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




‫قال لي الكاتب والناقد فاروق عبد القادر بعد الحوار «أنا ال أملك شيئا وال يملكني‬
‫شيء». وقال أيضا «أنا لم أطمح إلى منصب وخسرته أو سلطة وفقدتها أو وجاهة‬
‫اجتماعية ولم أنلها.. كل ما كنت أريده هو أن أكون كات ًا مؤثرا في بلدي، وأعتقد أن‬
                      ‫ً‬     ‫ب‬
‫هذا حدث»... كان هذا في غرفة مكتبه بمنزله في شبرا، الحي الشعبي الشهير، حيث‬
‫تفوح رائحة البساطة العفيفة والنظام األنيق.. فاألستاذ فاروق – يبدو مثل بيته - خارج‬
                                                       ‫ُ‬
‫كل الحسابات وخارج كل األطر والمؤسسات، حكومية وغير حكومية، فما زلت أذكر‬
‫كيف أنني وصديق العمر ناصر عراق كنا ننتظر ما يكتبه في المعارك التي ال يتوقف‬
‫عن خوضها، ونحفظ عن ظهر قلب مقاطع منها، إنه واحد من الذين تعلم منهم جيلنا‬
‫الكثير، ربما عندما كبرنا اختلفنا معه أحيانا، ولكنه يظل هو «فاروق عبد القادر»،‬
                  ‫ُ‬
‫الكيان الشامخ، القادر على االستقالل والحياة واإلبداع خارج كل األطر السياسية وغير‬
‫السياسية. فالصيغة التي أصر عليها لحياته ودفع ثمنها راض ًا من دمه، تمنحه مصداقية‬
                         ‫ي‬
‫من الصعب التشكيك فيها وتجعلنا - حتى لو اختلفنا معه أحيانا كما حدث في هذا الحوار‬
‫- ننصت باهتمام لعاشق متيم بهذا البلد. وفي هذا النقاش الذي امتد إلى أكثر من ثالث‬
‫ساعات لم أشعر بأن األستاذ فاروق يجيب ويحلل – كعادته – بذهن صاف ولكنه أيضا‬
             ‫ٍ‬
‫كان كالمحب المجروح الذي يرى حبه الوحيد – مصر – وهي تباع في سوق النخاسة،‬
                                                     ‫ألم أقل لكم إنه عاشق لهذا البلد.‬


                                         ‫52‬
‫مصر رايحه على فني‬




                                                                   ‫إليكم نص الحوار.‬
                                         ‫مصر «رايحة على فين» يا أستاذ فاروق؟‬
‫- السؤال ظاهره سؤال واحد ولكنه في الحقيقة يتضمن كثيرا من األسئلة ولكن‬
                    ‫ً‬
‫على العموم الفترة التي نعيشها حال ًا تتسم بالشذوذ في كل شيء، فهي ليست عادية‬
                                                  ‫ي‬
‫وما يحدث فيها غير مألوف، هي مرحلة كالنتوء في تاريخنا، فالمكاسب التي حققها‬
‫الشعب المصري في العصر الحديث سواء قبل 2591 أو بعدها ضاعت، والبقية الباقية‬
‫منها في طريقها إلى الضياع، ومنها على سبيل المثال مجانية التعليم التي تحولت إلى‬
‫مجانية شكلية. والمثال الثاني هو الديمقراطية، فعندنا تعددية حزبية وعندنا مجلس شعب‬
‫ومحكمة دستورية وغيرها، ولكن الممارسة في النهاية شكلية، فمنذ 6 أكتوبر 1891‬
‫وحتى هذه اللحظة يحكمنا قانون الطوارئ، ومنذ عام 7791 وعمل ما يسمى بالمنابر‬
‫هناك حظر على تكوين األحزاب، ومجلس الشعب أثبت في ممارساته أنه ليس مؤسسة‬
‫تشريعية ولكنه لألسف يكاد يكون أحد أجنحة هذه السلطة التي من المفترض أن يراقبها‬
‫ويحاسبها. إذن كل مكونات ما يمكن أن نسميه دولة حديثة ينعم فيها الفرد بحريته‬
                                                                           ‫ضاعت تماما.‬
                                                                  ‫وفي مجال الثقافة؟‬
‫- تكاد تنحصر في سلسلة من المهرجانات، ما يكاد ينتهي واحد حتى يبدأ آخر وهناك‬
‫خلط سخيف بين الثقافة والسياحة واإلعالم، فعندما تسأل عن ضرورة مهرجان ثقافي‬
‫يردون عليك بالسياحة، ثم كيف يستقيم أن يكون مسرحنا بهذا التردي والسقوط ونقيم‬
                                                                                  ‫ً‬
‫مهرجانا تجريب ًا كل عام ال قيمة له؟ والدورة التي تنعقد هذه األيام سيغلب عليها كما قالوا‬
                                                                         ‫ي‬
‫العروض الراقصة وهذا جدير بالسخرية أن تعرض هذه النوعية في بلد مثل بلدنا، فمن‬
                               ‫المستفيد؟! وماذا يعود على الناس من هذه المهرجانات؟!‬
                       ‫أستاذ فاروق كيف تلخص جوهر األزمات التي نعاني منها؟‬
‫- هناك ثالث أزمات رئيسية تمسك بخناق المصريين، أزمة بطالة طاحنة، وأزمة‬
‫غالء رهيبة، وفساد مرعب، وكل واحدة من هذه األزمات على حدة كافية «لهد حيل‬
                      ‫ً‬
‫البلد». فالجامعات ُخرج كل عام اآلالف الذين ال يجدون عمال ويتحولون إلى رصيد‬
                                                                     ‫ت‬
‫جاهز للتطرف الديني واألخالقي. والمواطن العادي بسبب الغالء الرهيب والمتزايد كل‬
‫يوم، أخرج من حياته كل الكماليات، ويعمل ليل نهار فقط لتوفير الحد األدنى للحياة،‬
                             ‫وهذه بطولة يومية يمارسها المصريون ولكنها غير معلنة.‬
                                                                             ‫والفساد؟‬
‫- كما يقول الشوام «تمأسس» أي تحول إلى مؤسسة أخطبوطية ولم تعد القضية‬


                                          ‫62‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




‫قضية فرد فاسد هنا وهناك، ولكنها قضية مناخ عام يشيع الفساد ويحرض عليه وال‬
‫يعاقبه وال يستنكره، وهذه الظاهرة المرعبة بدأت منذ منتصف السبعينيات،وقبلها كان‬
                                                                           ‫ً‬
‫الفساد محدودا ويتجسد في بعض األفراد، كان الفاسد يتوارى وال يمكن أن يرتكب هذا‬
                                                                   ‫الفعل الفاضح عالنية.‬
‫أضف إلى ذلك أن المواطن وخاصة من الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة، مقيد بدخل‬
‫محدود ال يكفي بالطبع لتلبية احتياجاته األساسية، ثم يجد أمامه با ًا موار ًا لزيادة دخله‬
             ‫ب‬       ‫ب‬
‫بالفساد، فكيف تمنعه أو ُجرم ما يفعله؟! أي أن النظام بأكمله يغريك ويدفعك إلى هذا‬
                                                            ‫ت ّ‬
‫الفساد، ووصل األمر إلى درجة أن رئيس الوزراء األسبق عبد العزيز حجازي كان‬
                                                     ‫يريد تقنين الرشوة ويسميها إكرامية.‬
                          ‫إذن.. فعموم المصريين متواطئون ومشاركون في الفساد؟‬
‫- الفساد مثل الماء ينزل من أعلى إلى أسفل، وعادة الصغير يخاف، ولكن عندما‬
‫يجد الكبار يفعلون ذلك دون خوف من أي عقاب فالبد أن يتشجع، ومن هنا أصبحنا‬
‫كلنا تقريبا أعضاء في مؤسسة الفساد التي يطمح المواطن الغلبان ألن تحميه من غول‬
‫الغالء ومن المهانة الفظيعة التي يلقاها في تفاصيل حياته اليومية، وإما أن يرضخ أو‬
‫يلجأ إلى الدائرة الفاسدة بحثا عن حماية. وعندما نجد وزراء ومحافظين سابقين يحاكمون‬
‫بتهمة الفساد، فالبد أن تسأل نفسك: كيف كانت األجهزة الرقابية غافلة عنهم وهم في‬
‫السلطة؟!! واآلن تجد ظاهرة أخرى لها عالقة مباشرة بالفساد وهي المصاهرة بين‬
‫السلطة والثروة، ابن المليونير يتزوج ابنة الوزير، وأصبح هذا هو الهدف والطموح، إذا‬
‫امتلكت المال فالبد أن تبحث عن السلطة، وإذا كانت لديك السلطة فالبد أن تبحث عن‬
                                      ‫المال وإذا جمعت الحسنييْن فستصبح سيد هذا البلد.‬
‫وهناك فساد آخر وهو الصمت على الفساد، ففي وقت من األوقات لم يكن للسينما‬
‫هدف سوى هؤالء الفاسدين، صحيح أنها لم تكن تكشف «الميكانيزم» الذي يؤدي إلى‬
‫الفساد ألن هذا غير مسموح، ولكن حتى هذه المساحة من االنتقاد اختفت. فمثال في واقعة‬
‫الفساد الشهيرة ليوسف عبد الرحمن اتضح أنه كان يتقاضى نصف مليون جنيه شهر ًا،‬
  ‫ي‬
‫وهذا طب ًا بخالف ما هو خفي، فكيف يحدث هذا؟ فمن الذي يحميه؟! ولماذا يبقى من‬    ‫ع‬
‫يحميه؟! الحقيقة أنه ال إجابة ألنه غير مسموح بها.. فلألسف منذ السبعينيات وربما‬
‫قبلها وال نعرف لماذا أقيل المسئول الفالني أو لماذا بقي المسئول العالني، وهل يمكن‬
‫أن يهرب رجال أعمال بمليارات من أموال المصريين دون وجود تواطؤ ومشاركة من‬
‫الكبار في داخل البنوك وخارجها؟ وعندما تزيد األمور ويمل الناس، يضحون بأحدهم‬
                         ‫حتى تستمر ماكينة الفساد، ويستمر سادتها ويستمر النظام نفسه.‬


                                          ‫72‬
‫مصر رايحه على فني‬




             ‫كيف لشعب أن يقبل الفساد ويشترك فيه وال يسعى إلى تغيير حقيقي؟‬
‫- قل في أخطاء «عبد الناصر» ما شئت، ولكن هناك نقطة أساسية يجمع عليها‬
‫خصومه قبل أنصاره، وهي الدفاع عن الفقير، وكان هدفه األساسي أن يكون قادرا على‬
       ‫ً‬
‫مواجهة متطلبات الحياة وبالتالي من الصعب أن يفسد. وإذا حدث تكون حاالت فردية‬
                                                        ‫ً‬
‫عندها تطلعات وليس مناخا يشيع ويحرض على الفساد. ولكن بدءا مما أسماه الكاتب‬
                   ‫ً‬
‫الراحل أحمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح» ظهرت تغيرات تفسر ما نحن فيه اآلن،‬
‫ففي األعوام 4791 و5791 و6791 دخلت مصر أموال رهيبة لم تحدث في تاريخها‬
‫كله، وذلك بسبب االنطالقة الرهيبة ألسعار البترول وإيرادات قناة السويس وأموال‬
‫السياحة ومئات اآلالف من المصريين الذين خرجوا للعمل في بالد النفط، باإلضافة‬
‫إلى قروض ضخمة.. كل هذا لم يصرف منه سوى %02 والباقي هو األساس للثروات‬
‫الموجودة حاليا للطبقة الجديدة، والتي ال نستطيع تسميتها رجال أعمال. وتم وضع بذور‬
‫فاسدة كثيرة، منها االنفصال بين العمل وعائد العمل، وأصبحت القاعدة هي جهد ألقل‬
‫وعائد أكبر، أي تشجيع وقح على الفساد.. وفي هذه األثناء ظهرت الشركات التي أخذت‬
‫الشكل العائلي بالتعاون مع بقايا الطبقات القديمة والتي كانت قد انتهت بعد 2591، وقد‬
‫اطمأن هؤالء إلى أن النظام الجديد ال يهددهم وأنهم جزء عضوي منه. ففي يوم من‬
                 ‫ً‬
‫األيام كان المسئول عن تعمير مصر من أقصاها إلى أقصاها مقاوال هو عثمان أحمد‬
‫عثمان، وهذا نموذج واضح الداللة ألن المقاولين يعترفون بالعموالت وال يعتبرونها‬
‫عي ًا، وبالتالي أصبح الطريق مفتوحا أمام الفاسدين. وأصبحت المسألة في يقين المواطن‬
                                                ‫ً‬                             ‫ب‬
‫العادي أن أي مسئول في منصبه البد أن يحقق أكبر ثروة ألنه ال يضمن االستمرار،‬
‫فال تقيله الجماهير ولكن يقيله األكبر منه ألسباب غامضة وغير معلنة، وهذا سبب‬
‫أساسي في انتشار مناخ الفساد، وزير المواصالت السابق سليمان متولي وهو من أكثر‬
‫الوزراء الذين بقوا في مناصبهم، فقد ظل عشرين عا ًا، عندما سأله صحفي لماذا ال‬
                             ‫م‬
‫تضع تخطيطاً للسكة الحديد لمدة خمس أو عشر سنوات؟ رد هذا الوزير المعمر: وهل‬
‫تضمن لي أن أبقى في مكاني خمسة أشهر وليس خمس سنوات؟!.. إذن فوجود الوزير‬
‫ال يرتبط بحسن أدائه ولكن كما قلت بأسباب غامضة.. ثم إن اختيار الوزراء والمسئولين‬
‫من جانب الدائرة الضيقة التي تحكم الرئاسة يتم عادة بالعالقات الشخصية أو بالمصادفة‬
‫ألنه ال يوجد مناخ ديمقراطي يتيح ألفضل العناصر البروز، ولذلك من الطبيعي أن‬
                          ‫نسمع عن وزراء تم اختيارهم بالمصادفة أو بطريق الخطأ.‬
‫خرج المصريون رافضين زيادة األسعار في يناير 7791 من أسوان إلى اإلسكندرية..‬


                                       ‫82‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




                             ‫واليوم ارتفعت األسعار مئات المرات.. لماذا لم يخرجوا؟‬
‫- في هذا الوقت خرج الناس إلى الشوارع ألن المفاجأة كانت كبيرة، فقد ارتفعت‬
‫أسعار عدد كبير من السلع بشكل معلن، وعادوا إلى بيوتهم بعد أن عادت كما كانت..‬
            ‫ً‬
‫ولكن اآلن ال يتم اإلعالن عن أي ارتفاع في األسعار ويستخدمون طرقا مثل تغيير‬
‫اسم السلعة أو وزنها وغيرها من طرق التحايل.. وأتصور أن %59 من المصريين‬
‫يستنفدون أقصى جهدهم لتوفير الضروريات، أي تنحصر حياة الواحد منهم في العمل‬
                                           ‫ً‬
‫والنوم فقط، وإذا أسعده زمانه بساعتين فراغا يتكفل به إعالم فاجر، وأنا ال أتكلم عن‬
                                                                ‫الذين يملكون (دش).‬
                     ‫وهل يوجد شعب في الدنيا يتواطأ ضد نفسه إلى هذه الدرجة؟‬
‫- أنا ال أدافع عن الشعب بشكل رومانسي، فهذا المواطن منهك وليس لديه أي فائض‬
‫وقت أو جهد حتى يهتم بالقضايا العامة. وأتوقع أن الحال لن تستمر على ما هي عليه.‬
‫أنا عندي يقين كامل بأنها «لن تعمر إال إذا خربت». وسيخرج المصريون إلى الشوارع‬
                  ‫ً‬
‫احتجاجا وسيتم قمعهم وسيتكرر هذا حتى يصبح قمعهم مستحيال.. وهذا السيناريو‬     ‫ً‬
                                             ‫سيحدث وأنا خائف منه ولكنني ال أرى ً‬
                                       ‫حال غيره.‬
                  ‫تتمنى أن يحتج المصريون وأنت يا أستاذ فاروق خائف.. لماذا؟‬
‫- أنا أرفض أن يتحمل شعبنا دون شعوب األرض إلى ما ال نهاية، ولكنني أنظر‬
‫إلى جانب آخر وهو أن القيادات الموجودة اآلن غير مؤهلة على اإلطالق، فهناك تراث‬
‫طويل من إخصاء هذه القيادات في كل المجاالت. فالقيادة التي تخرج تواجه الحقيقة‬
‫وهي إما أن تقبل شروط اللعبة أو تبتعد. ولكنني أعتقد أن هذا التحرك الحتمي في البداية‬
‫سيكون تلقائ ًا وعشوائ ًا، ولكنه بمرور الوقت سيفرز قياداته الحقيقية القادرة على أن‬
                                                              ‫ي‬        ‫ي‬
‫تسير معه إلى التغيير. وتأمل ما حدث في انتخابات نقابة الصحفيين، فحتى الذين ال‬
‫يعرفون «جالل عارف» أو «صالح منتصر» من الناس العاديين كانوا فرحين ألن ما‬
                                      ‫حدث هو شكل من أشكال رفض المفروض عليهم.‬
                         ‫تكلمنا كثيرا عن تحليل ما هو قائم.. في رأيك ما هو الحل؟‬
                                                                     ‫ً‬
‫- الشرط األول هو النضال لرفع قانون الطوارئ، ألنه محبط ألي شيء، فمن حق‬
‫السلطة اآلن أن تقبض علي وعليك دون أي أسباب. وثان ًا رفع القيود التي تقيد المواطن‬
                              ‫ي‬                           ‫ّ‬
‫وتقيد حق تكوين األحزاب وحق إصدار الصحف، وحق المجتمع المدني في أن يؤسس‬
                                                   ‫ُ‬
‫تجمعاته الديمقراطية للمثقفين والكتاب ولكل الناس.. هذه الحزمة من الحقوق البد أن‬
                      ‫ً‬
‫نناضل من أجل تحقيقها والتاريخ علمنا أن الحكام ال يعطون شيئا بإرادتهم، فمن يركب‬
‫سيارة بمليون جنيه لن يتركها إال والسيف على رقبته، ربما تطول المسألة.. ولكن حت ًا‬
 ‫م‬


                                        ‫2‬
‫مصر رايحه على فني‬




                                                              ‫البد أن يتغير كل هذا.‬
                          ‫ومن الذي سيقوم بتحقيق حزمة المطالب التي طرحتها؟‬
‫- أنا ال أرى من هو مؤهل ألن يفعل ذلك من كل الذين يتصدرون الواجهة، إال قلة‬
‫نادرة جدا، «فالكل أكلوا من الخبز المسموم». وفي المجال الذي أعرفه أكثر من غيره‬‫ً‬
‫وهو الثقافة أرى الذين أكلوا هذا الخبز المسموم والذين باعوا صمتهم وهذا له ثمن،‬
‫ولست في حاجة ألن أقول لك إن الفارق أصبح رهي ًا وال يستهان به بين أن يكون‬
                              ‫ب‬
‫مرض ًا عنك أو مغضو ًا عليك: سيارة وتليفون دولي وجلسات ال نهاية لها كل واحدة‬
                                                           ‫ب‬                    ‫ي‬
‫بـ005 جنيه وما أقوله منشور ومعروف. ولذلك عندما أقيل أحد أصدقائنا من منصبه‬
‫أصابه المرض وعملوا له عملية قلب مفتوح. وزمان كان الفارق بين أن تغضب عليك‬
                           ‫ً‬
‫الحكومة وأجهزتها أو ترضى عنك مقدوراً عليه، كان بسيطا، أما اآلن فممكن أن يصل‬
‫راتبك الرسمي إلى نصف مليون جنيه مثل يوسف عبد الرحمن.. ومع ذلك فأنا واثق من‬
‫أن شعبنا ينطوي على إمكانات قد ال نعرفها وال نراها، وفي احتجاجاته المتكررة سوف‬
                                            ‫تظهر حت ًا قياداته الحقيقية غير الملوثة.‬
                                                                           ‫م‬
‫كانت هناك مقاومة عنيفة ضد الرئيس السادات وسياساته من قبل األحزاب‬
                 ‫والمثقفين وغيرهم من القوى.. أين ذهب كل ذلك ولماذا هذا الموات؟‬
‫- هناك متغيرات حدثت في المنطقة والعالم كله، وال تنسى زلزال انهيار االتحاد‬
‫السوفييتي والدول الشيوعية، وأصبح في العالم قطب واحد.. زمان كنا نتحدث عن عدم‬
‫االنحياز واآلن نتمنى عدم االنصياع، وتطورات القضية الفلسطينية من أوسلو وما بعدها‬
‫وحماقة «صدام» في غزو الكويت وانتهى األمر بأن أصبح األمريكان هم حراس البوابة‬
                                                                              ‫الشرقية.‬
                                                              ‫ومتغيرات الداخل؟‬
           ‫- إرهاق المواطن وتزييف وعيه وإلهاؤه بلقمة العيش وتضييق الحريات.‬
                                                             ‫وماذا جرى للنخبة؟‬
                                                       ‫- في أفواههم ماء وذهب.‬
            ‫ولماذا فشلت التيارات السياسية في أن تزرع نفسها في أرض الواقع؟‬
‫- تيار اإلسالم السياسي لم يفشل، أما التيار ان القومي واالشتراكي فهما في انحسار‬
                                                        ‫ً‬         ‫ً‬
‫وتراجع وليس موتا أو فشال. أنا من المؤمنين بأنه ال أهمية لمصر بدون السياق العربي‬
‫والعكس صحيح، وقد أغنانا العالم جمال حمدان عن اإلفاضة في شرح ذلك. ولكن وكما‬
‫أن الذي سقط في موسكو عام 0991 لم يكن الفكر الماركسي وال النظرية نفسها، ولكنه‬
                                                                    ‫ً‬
‫أحد تطبيقاته، أيضا ما قامت به األحزاب القومية وبالتحديد البعثية وبتحديد أكثر بعث‬


                                         ‫03‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




                             ‫«صدام»، ال يعني فشل فكرة القومية ولكن أحد تطبيقاتها.‬
    ‫أما الفكر االشتراكي في مصر والعالم العربي فطبيعته مختلفة، فقد بقي دائما ً‬
‫عمال من‬
‫أعمال النخبة، ربما يبدو أثره في الواقع الثقافي والفكري أكثر بكثير من المجتمع نفسه.‬
‫فقد عجز اليساريون عن تحليل واقعهم، فكما كان يقال عندما تمطر الدنيا في موسكو‬
‫فإن الشيوعيين العرب يحملون الشماسي. فهم لألسف لم يعرفوا سوى النموذج الستاليني‬
‫وسارتر قال: إن الماركسية حقل استنبات ترمي فيها بذرة عربية تخرج ثمرة عربية.‬
‫ومع ذلك فالماركسية لم تخفت في العالم، والدليل صعود الصين المدوي وتحقيقها معدل‬
                                                          ‫نمو غير مسبوق في التاريخ.‬
                          ‫أستاذ فاروق أشعر بأن هذا الكالم من باب طمأنة الذات؟‬
‫- غير صحيح، فأنا أفهم الماركسية في حدود تطبيقاتها العامة والتفاصيل متروكة‬
‫للمعنيين سواء كانوا صينيين أو عربا أو غيرهم. فمثال المبدأ الماركسي: لكل قدر عمله‬
‫ولكل قدر حاجته، معناه أن هناك عقدا بين المواطن ونظام الحكم مؤداه أن تؤدي عملك‬
‫مقابل احتياجاتك وكل بلد يطبق األساليب التي تحقق هذا المبدأ بالطريقة المناسبة له‬
                                          ‫والتي تتفق مثال مع التدين في عالمنا العربي.‬
‫ولكن الصين حققت كل هذا التطور عندما تخلت عن بعض المقوالت الماركسية‬
                                                             ‫وأدخلت أفكارا رأسمالية؟‬
                                                                        ‫ً‬
‫- ولم ال؟! فإذا كانت التجربة قد أثبتت أن الحافز الفردي غاية في األهمية، فلماذا ال‬
                                                                              ‫َ‬
‫دخلها في نسيجي، المهم هنا هو تطبيق القواعد‬    ‫أعترف به حتى لو كان فكرة رأسمالية وأُ‬
                           ‫العامة للماركسية والتي أراها صالحة في كل مكان وزمان.‬
‫ولكن النموذج البعثي ال يكفي وحده لتفسير فشل الناصريين والقوميين في زرع‬
                                                                   ‫أفكارهم في الواقع؟‬
‫- مع األخذ في االعتبار أن عالقات الشعوب العربية لم تنقطع، فإن فكرة عروبة‬
‫مصر جديدة على المصريين، ومسألة أن مصر قلب العرب ومرشدته إلى الصالح‬
‫والفساد بدأت في العشرينيات من القرن الماضي. وتحتاج إلى وقت طويل حتى تترسخ،‬
‫خاصة أن التجارب التي حملت يافطة القومية - وخاصة البعث- انتهت كما قلت بغزو‬
‫دولة عربية أخرى.. وكانت الشعارات العروبية تأتي من أعلى، بالضبط مثلما كانت‬
                                            ‫الوحدة بين مصر وسوريا قرارا من أعلى.‬
‫أستاذ فاروق لماذا فشلت كل تجارب الديمقراطية في عالمنا العربي: مصر ولبنان‬
                                                                   ‫والسودان وغيرها؟‬
‫- ليس من الضروري أن نطبق النموذج الغربي في الديمقراطية وهي صوت واحد لكل‬


                                         ‫13‬
‫مصر رايحه على فني‬




‫مواطن، علينا أن نفكر في أشكال أخرى من الممارسة بحيث نحقق األهداف المطلوبة،‬
‫بمعنى أن يكون للجماهير الحق في اختيار من يمثلها ومن يديرون البلد لصالحها.. وربما‬
                        ‫ً‬
‫الفشل الذي تشير إليه كان سببه أننا عانينا من االحتالل طويال، وهناك أجزاء في العالم‬
                                            ‫العربي ظلت محتلة حتى أواخر الستينيات.‬
                                             ‫ً‬
                            ‫ولكن النضال ضد االحتالل كان مرتبطا بمد ديمقراطي؟‬
‫- تحقق هذا قبل 2591بسنوات قليلة، حيث ارتبط الجالء بالعدالة االجتماعية وهذا‬
‫زمن ًا غير كاف إلنضاج فكرة الديمقراطية، أضف إلى ذلك موقع العالم العربي الذي‬   ‫ي‬
‫فرض عليه معارك لم يخترها، ومنها زرع هذا الجسم االستيطاني الصهيوني، وعلينا‬
‫أال نكيل االتهامات ألنفسنا ونضع كل شيء في سياقه التاريخي والموضوعي، فالعرب‬
                                                       ‫مثل أي شعب آخر يريد الحرية.‬
‫ولماذا كانت فترات النهوض في تاريخنا مرتبطة باالستبداد والديكتاتورية والفترات‬
          ‫التي تحقق فيها هامش – ولو ضيق - من الحرية ارتبطت بالفقر والضياع؟‬
‫- لو لم يبطش محمد علي بعمر مكرم والقيادات الشعبية التي جعلته حاك ًا لمصر ولو‬
            ‫م‬
‫استعان بها ولم يستخدمها لحقق أكثر مما فعل بكثير، وكذلك عبد الناصر وخاصة بعد‬
‫6591 وكان ملء السمع والبصر ولو كان حقق الديمقراطية ووثق في الشعب أعتقد أن‬
                                               ‫هزيمة 7691 بأكملها ما كانت لتحدث.‬
‫لماذا تهاجم بشكل دائم المثقفين الذين يتعاونون مع أجهزة وزارة الثقافة وكأنهم‬
                                                                            ‫خونة؟‬
‫- نبتعد عن التخوين ألنه من أقسى الكلمات على قلبي وال أحبها، أما فكرة اإلصالح‬
‫من داخل السلطة فهي قديمة، وكانت لها مبرراتها الموضوعية في زمن عبد الناصر‬
‫ألن نظامه كله كان يعطي الفرصة للمثقف الجاد إلنجاز أهدافه التي ال تختلف كثيرا عن‬
      ‫ً‬
‫أهداف النظام. أعظم إبداع يوسف إدريس تدفق عندما كان على وفاق مع أهداف النظام،‬
‫وبعد ذلك تعثر. وهناك غيره من المثقفين المحترمين مثل فتحي رضوان وحسين فوزي‬
‫وغيرهما. وعندما أطاح السادات برجال عبد الناصر وإنجازاته بهبة ريح كان يقرب‬
‫ويبعد المثقف على قاعدة الوالء المباشر له ولسياساته، وهذا جعل الكثير من المثقفين‬
                          ‫يدركون أنهم لن يحققوا أي شيء من أهدافهم لو تعاونوا معه.‬
                                                    ‫هل حدث فرق في عهد مبارك؟‬
‫- على اإلطالق، ثوابت السادات باقية كما هي في السياسة الداخلية والخارجية،‬
‫التعديل تعديل في حركة السير، ولكن على نفس الطريق. وزد على ذلك اعتبارا خاصا‬
  ‫ً‬     ‫ً‬
‫بي، أنا أعمل بالنقد والناقد بشكل من األشكال قاض وصفة أساسية في القاضي هي‬
                                  ‫ٍ‬


                                        ‫23‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




‫االستغناء، بمعنى أن تحقق درجة من التجرد والبعد عن مظنة الشبهات. ولذلك أنا أبتعد‬
‫عن التعاون مع األجهزة الثقافية، ألنني أرى أنها مواطن شبهة، بمعنى أنها تستعين‬
‫بك لكي تحقق لها أهدافها هي بصرف النظر عن التقائها مع قناعتك الشخصية. بعبارة‬
‫أخرى تحويل المثقف إلى موظف وأنا من الذين مازالوا يؤمنون بأن المثقف الجدير بهذه‬
‫الصفة ليس الذي قرأ كتابين زيادة أو الذي يلغو ببعض المصطلحات، ولكن الذي تتوفر‬
                      ‫ً‬       ‫ً ً‬                                     ‫ً‬
‫فيه صفتان أوال أن يكون طموحا إلى واقع أكثر عدال وأمنا وجماال. وثان ًا أن تتحول هذه‬
                ‫ي‬                                       ‫ً‬
‫القناعات إلى سلوك، أي ال يعاني من التناقض بين ما يقول وما يفعل، وإال كيف يطمح‬
                                    ‫المعارض في أن يحصل على مزايا من يعارضه؟!!‬
‫معنى كالمك أن نترك أجهزة الدولة وهي ملك للشعب وليس للحكومة ألرباع‬
‫وأنصاف المثقفين أو للموظفين.. ثم إنك تكتب في مجلة المصور وهي قومية أو‬
                                                                 ‫بمعنى أدق حكومية؟‬
‫- أنا أكتب في المصور ولي أربعة كتب صدرت عن دار الهالل ولكن بمنطق محكم،‬
‫بمعنى أنني أقدم هذا التنازل، أي خروجا على مبدأ رفض التعامل مع أجهزة الثقافة‬
                                               ‫ً‬
‫الرسمية ولكن من أجل الوصول إلى الناس، ألنه ال جدوى من أن تخرج من الصمت‬
          ‫ً‬
‫إلى الصمت، وأختار لتحقيق ذلك أفضل األدوات المتاحة وأنشر رأيي كامال وبحرية‬
‫كاملة. وأرفض مثال عضوية أية لجان ألنها بال فائدة وأصبحت بابا لالسترزاق مثل‬
                                  ‫لجان القراءة بالمسارح ولجان المجلس األعلى للثقافة.‬
‫ولكن الدور الذي يمارسه الذين يتعاونون مع األجهزة الثقافية إذا كان يجمل وجه‬
                                 ‫ً‬
‫الحكومة، فانه في نفس الوقت يفيد الناس ولو قليال ويوسع دائرة العمل الجاد ولو‬
                                                                               ‫قليال؟‬
‫مكن وزير الثقافة فاروق حسني من أن يقول «إنني‬        ‫- الواقع أثبت أن ما يفعلونه ّ‬
‫جمعت المثقفين في حظيرة واحدة وإنهم يلتفون حولي «كالهاموش»، وما كان يستطيع‬
‫أن يقول ذلك بدون جهد هؤالء. وقد أثبتت المواقف أن الوالء األول لهؤالء هو لمن‬
                                                               ‫أجلسهم على مقاعدهم.‬
‫إذن كيف تنظر إلى المشروع القومي للترجمة الذي يصدره المجلس األعلى للثقافة‬
         ‫ومشروع مكتبة األسرة الذي تصدره هيئة الكتاب؟.. أال يحمالن أية إيجابيات؟‬
‫- المجلس عنده مشروع الترجمة والهيئة عندها مشروع األلف كتاب الثاني وأكاديمية‬
‫الفنون لديها قسم للترجمة وهيئة قصور الثقافة لديها سلسلة للترجمة.. ماذا تفهم من‬
‫ذلك؟! إنه ال يحكمهم أي تنسيق والدافع الوحيد لحركتهم ليس الثقافة ولكن الغيرة من‬
‫بعضهم بعضا. ولو كان هناك ضمير نقدي يقظ فالبد أن يسأل: ما هي ميزانية مشروع‬‫ً‬


                                         ‫33‬
‫مصر رايحه على فني‬




‫مكتبة األسرة وماذا يطبع؟ هل يغير أغلفة كتب ملقاة في المخازن؟! فهناك غياب كامل‬
‫للرقابة وال أحد يسأل أي مسئول ماذا فعلت ولماذا؟ وكل واحد منهم يختبئ وراء أي‬
                ‫ستار من أي نوع حتى يحمي نفسه وال داعي ألن نقول أكثر من هذا.‬
                          ‫ولكن هذه األنشطة تحقق مكاسب حتى لو كانت ضئيلة؟‬
‫- إن تحققت فهي جزئية وصغيرة وال تساوي كم الدعاية لها. على سبيل المثال‬
‫مهرجان المسرح التجريبي ينفق من 4 إلى 5 ماليين جنيه وفائدته قليلة.. فهل يستطيع‬
‫أحد إيقافه؟! مشروع التفرغ عندما بدأ عام 4691 كان هدفه ببساطة إتاحة الفرصة‬
‫للمبدعين أن يتحرروا من أعباء وظائفهم وينجزوا مشاريعهم الفنية، فكتب أبو المعاطي‬
‫أبو النجا رواية «العودة إلى المنفي» عن عبد اهلل النديم، وكتب ألفريد فرج مسرحية‬
‫«سليمان الحلبي». اآلن تحول المشروع إلى عطايا ومنح لتأييد سياسات وزارة الثقافة‬
                                 ‫أو على األقل الصمت عنها وال داعي لذكر األسماء.‬




                            ‫نشر هذا احلوار فى جريدة «العربى» العدد 478 بتاريخ 13/8/3002‬
                                             ‫وفى جريدة «العرب» الدولية الصادرة فى لندن‬

                                       ‫43‬
‫الزواج احلرام‬
    ‫د.فاروق عبد القادر‬




                                                                     ‫سيرة ذاتية‬

                                                                  ‫- فاروق عبد القادر.‬
                                                  ‫- ليسانس آداب جامعة عين شمس.‬
                                                                 ‫- كاتب ومترجم حر.‬
                      ‫- نشر دراساته ومقاالته في أهم صحف ومجالت العالم العربي.‬
    ‫- سكرتير تحرير مجلة «المسرح» – القاهرة – من أغسطس 7691 حتى ديسمبر 0791.‬
     ‫- المحرر المسئول عن مواد األدب والفن – مجلة الطليعة- القاهرة من 2791حتى عام 7791.‬
                                                          ‫- له العديد من الكتب منها:‬
‫ازدهار وسقوط المسرح المصري، القاهرة،9791. مساحة للضوء، مساحة للظالل‬
‫(أعمال في النقد المسرحي 7691 إلى 7791) القاهرة، 6891. نافذة على مسرح الغرب‬
‫المعاصر (دراسات وتجارب) القاهرة، 7891. أوراق من الرماد والجمر، القاهرة، 8891.‬
‫رؤى وهموم الثورة المحاصرة، بيروت، 0991 (طبعة ثانية: القاهرة، 5002). أوراق‬
‫أخرى من الرماد والجمر، القاهرة، 0991. من أوراق الرفض والقبول، القاهرة، 2991.‬
‫نفق معتم ومصابيح قليلة، القاهرة، 6991. البحث عن اليقين المراوغ، القاهرة، 8991.‬
‫كراسة سعد اهلل ونوس وأعمال أخرى، القاهرة، 0002. غروب شمس الحلم، القاهرة،‬
‫2002. في الرواية العربية المعاصرة، القاهرة، 3002. في المسرح المصري، تجريب‬
                                                              ‫وتخريب، القاهرة، 4002.‬
‫- وترجم نصوصا مسرحية عديدة منها: تينسي ويليامز: مسرحيات، القاهرة 0891. انطون‬
                                                                       ‫ً‬
      ‫تشيكوف: بالتونوف، دمشق،0891.آرتو آداموف: لعبة البنج بونج، دمشق،1891.‬
‫وترجم دراسات في المسرح منها: بيتر بروك: األعمال الكاملة (مجلد يضم أربعة أعمال:‬
‫يو. إس- المساحة الفارغة- النقطة المتحولة - الباب المفتوح) دار الهالل، القاهرة، 1002.‬
‫يمس روس ايفانس: المسرح التجريبي من ستالنسالفسكي إلى بيتر بروك، القاهرة، 9991.‬
‫وفي العلوم اإلنسانية والنقد األدبي: دراسة في قيادة جماعات األقلية، القاهرة، األلف‬
‫كتاب 5691. س.كوهن: مقدمة في نظريات الثورة، بيروت،9791. موريس كونفورث:‬
                                     ‫الفلسفة المفتوحة والمجتمع المفتوح،بيروت،9791.‬
‫ج.برنال: العلم في التاريخ (المجلد الرابع)، بيروت،2891. رايموند وليامز: في طرائق‬
‫الحداثة - عالم المعرفة، الكويت،8991. راسل جاكوبي: نهاية اليوتوبيا - عالم المعرفة،‬
                                                                          ‫الكويت،1002.‬


                                          ‫53‬
‫المحنة‬
‫وزير الثقافة فاروق حسني:‬
‫هذه هي شروط تداول السلطة يف مصر‬
‫*أوافق على االنتخاب المباشر لرئيس الجمهورية بشروط‬
    ‫*نعم الحكومة أقرضت رجال األعمال بشكل عشوائي‬
 ‫* أنا مع حرية تكوين األحزاب السياسية وليست الدينية‬
              ‫*لم أدفع جمال مبارك إلى العمل السياسي‬
          ‫*ال توجد أي عالقة خاصة بيني وبين الرئاسة‬
     ‫* الذي يطالب بفصل اآلثار عن وزارة الثقافة جاهل‬
            ‫* الخالف بيني وبين األزهر يحكمه القانون‬
‫احملنــة‬
     ‫فاروق حسنى‬




‫ما كان لهذه الحوارات أن تكتمل بدون مسئول حكومي، فقد كان الهدف منها هو أن‬
‫أقدم للقارئ الكريم بقدر ما أستطيع بانوراما، فيها كل ألوان الطيف السياسي في البلد، أو‬
‫بمعني آخر مقط ًا عرض ًا للعقل العام في مصر سواء كان في الحكومة أو المعارضة أو‬
                                                               ‫ي‬      ‫ع‬
‫خارجهما.. وكانت أمامي اختيارات كثيرة فضلت فيها فاروق حسني ألسباب كثيرة، أهمها‬
‫أنه وزير قديم وله وزن ال يستهان به داخل النظام، يمكن بسهولة اكتشافه إذا استعدت‬
‫المعارك الشرسة التي شنها ضده خصومه، ليس فقط في أوساط المثقفين ولكن حتى في‬
‫أروقة الحكم، ناهيك عما يتردد بقوة عن عالقة خاصة تربطه بالرئاسة، وما استطعت‬
‫الحصول عليه من معلومات تؤكد أنه كان أحد أهم الذين دفعوا جمال مبارك نجل الرئيس‬
‫إلى العمل السياسي وقريب منه بشكل أو بآخر.. وبعد كل هذا هو الوزير المسئول عن ثقافة‬
‫المصريين، ليس بمعنى تثقيفهم ولكن بمعنى مسئوليته عن البنية التحتية للثقافة المصرية‬
‫في بلد تحتكر فيه الدولة معظم وسائل اإلعالم والثقافة.. باإلضافة إلى أن فاروق حسني‬
‫بتركيبته الشخصية سوف يتقبل بسهولة أسئلة اجتهدت في أن تكون جادة، فالرجل بغض‬
                               ‫النظر عن أي اختالف، لديه مساحة ليبرالية ليست بالقليلة.‬
‫والحقيقة أنه لم يخيب ظني فقد رحب بإجراء أول حوار سياسي معه حول مستقبل‬
‫مصر، وكانت المفاجأة أنه يوافق على االنتخاب الحر المباشر لموقع الرئيس وحرية‬
‫تكوين األحزاب وإصدار الصحف وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات، ولكنه في‬


                                         ‫14‬
‫مصر رايحه على فني‬




‫نفس الوقت يضع شروطا البد من تحقيقها أوال قبل أن يتحقق كل ذلك.. ووافق على أن‬
‫تكون ثروات ورواتب الوزراء والمسئولين معلنة وأشار إلى أن مجلس الشعب يعرفها،‬
‫ونفى تماما أنه لعب دورا في دفع جمال مبارك إلى العمل السياسي رغم أنه في رأيه‬
‫«شاب وطني رائع». وأكد أن الذي يربطه بالرئاسة الشغل فقط، واعترف الوزير بأنه‬
‫يختار مساعديه من بين دائرة ضيقة وأشار إلى أن الخالف بينه وبين األزهر يحكمه‬
                                    ‫القانون وليس رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.‬
                                                    ‫ما هو تصورك لمستقبل مصر؟‬
‫- مصر دولة قديمة جدا وعظيمة جدا، أحيانا تمر بها محن وأحيانا أخرى تصل إلى‬
‫أوج ازدهارها. وال يجب أن نغلق باب األمل ألن لدينا محنة. هذا البلد لديه إمكانيات‬
‫دولة عظمى، والمحنة االقتصادية المؤقتة من المؤكد أن لها حلوال، ألن كيان الدولة هو‬
‫الخزينة األساسية، النيل، اآلثار، المناخ، المادة الخام. وبصراحة ال أعرف لماذا كل‬
‫هذا الرعب من مستقبل مصر، رغم أن هذا الشعب ال يمكن أن تقهره محنة اقتصادية‬
                                                                              ‫مؤقتة؟!‬
‫اسمح لي من حقنا أن نكون مرعوبين من المستقبل، فلدينا أزمة اقتصادية غير‬
‫مسبوقة وارتفاع جنوني في األسعار، دور مصر تراجع على كل المستويات، أي أن‬
                                                             ‫هناك عوامل إحباط كثيرة؟‬
                                                          ‫- لقد سألتني عن المستقبل.‬
                                              ‫إذن على أي أساس تبني هذا التفاؤل؟‬
‫- على إمكانيات الدولة، عندما تتعطل سيارة هل نحولها إلى خردة أم نستفيد من‬
‫إمكانياتها ونصلحها ونكمل مشوارنا باقتدار؟ ال يجب أن نتشاءم وستمر هذه األزمة‬
                                                           ‫ونحتاج إلى قليل من الصبر.‬
                                    ‫وما تفسيرك لألزمة العنيفة التي يمر بها البلد؟‬
‫- كارثة التهرب الضريبي، فالدولة تحصل الضرائب من أجل تدعيم النور‬
‫والمواصالت والكهرباء وغيرها وتقوم بدور كبير جدا، فعندما نتحدث عن البطالة البد‬
‫أن نسأل أين هي الدولة التي توظف في أجهزتها 6 ماليين؟ نحن 07 مليونا، فعندنا‬
‫ترهل في وزارة الثقافة كان مهوال، ويمكن أن يسير العمل بواحد على عشرة من العدد‬
                                                                               ‫الحالي.‬
                                                                   ‫ً‬
                                           ‫ولكن هناك حلوال ألزمة البطالة الرهيبة؟‬
‫- حلها إيجاد مشروعات جديدة، عندنا مساحة مليون كيلومتر مربع، وعندنا سبع‬
‫بحيرات لم يفكر أحد في استغاللها، الوادي الجديد 64% من مساحة مصر، 311 منطقة‬


                                         ‫24‬
‫احملنــة‬
     ‫فاروق حسنى‬




‫أثرية، لدينا صحراء عظيمة جدا، مناخ رائع والكثير من المغريات، الصعيد بكل جماله‬
‫وإمكانياته التراثية والطبيعية، هذه كلها مقومات رائعة. عندما تذهب إلى سويسرا فليس‬
 ‫فيها آثار ولكن طبيعة خالبة. كل هذا يحتاج إلى أن يفكر فيه ويستثمره رجال األعمال.‬
               ‫هل يعني كالمك ضمنيا أن الحكومة ليست مسئولة عما وصلنا إليه؟‬
‫- الحكومة ليست وحدها، فهي من الشعب ومع الشعب، وتدير العمل اليومي للدولة،‬
‫والشعب البد أن يقوم بدوره، فليس معقوال أال يدفع كل واحد الضرائب المستحقة عليه، حتى‬
                                                                   ‫ً‬
    ‫تبني الدولة طرقا وتدفع رواتب الموظفين وتبني مستشفيات وباقي الخدمات األساسية.‬
                                 ‫وهل الحكومة عاجزة عن سن القوانين وتنفيذها؟‬
                                          ‫ً‬
‫- القانون موجود وينفذ ولكن هناك تحايال غري ًا، وإذا تم «تظبيط» هذه األشياء تأكد‬
                                    ‫ب‬
‫أننا سنكون دولة غنية. ناهيك عن القوى الخارجية المتربصة بنا والتي تفتعل مشاكل‬
                                                                          ‫ً‬
                          ‫رهيبة جدا من حين إلى آخر، مثل السياحة وهي دخل رئيسي.‬
               ‫سأسألك باعتباري مواطنا: هذا العهد موجود منذ 42 عاما تقري ًا..‬
                  ‫ب‬       ‫ً‬
                                            ‫- (مقاطعا) أنت تتحدث عن الحكومة؟‬
                                                        ‫ً‬
‫ال العهد كله لم يقدم شيئا، لدينا أزمة اقتصادية هو المتسبب فيها ورواتب هزيلة‬
                                                           ‫«متأكلش عيش حاف»؟‬
‫- ال دعنا نتحاسب، أظن أنك مدرك أنه في عام 1891 كان شكل البلد «عامل‬
‫إزاي»، ال شوارع وال تليفونات وال مواصالت، كان هناك انهيار كامل وكانت خزينة‬
‫الدولة فارغة. وحدث اإلصالح االقتصادي وجدولة الديون في الداخل والخارج، ومن‬
‫وقتها «احسب كام» كيلومتر طرق تم عمله، وعدد المدن الصناعية والسكنية والسياحية‬
‫التي تم إنشاؤها، وانظر إلى اإلعمار الذي تم في سيناء. ثم إنك تنسى الزيادة الرهيبة‬
‫في السكان، فمن أين تأتي الحكومة لتغطي ذلك؟! فهذا وحش يلتهم أي تقدم اقتصادي‬
                                                                           ‫أو مادي.‬
‫إذا كان الرئيس وكل المسئولين يقولون إن سبب كل «البالوي» هو الزيادة‬
‫السكانية، فما المانع من صدور قانون ينظم هذا األمر مثل قوانين الصين التي تحرم‬
‫الطفل الثاني أو الثالث من االمتيازات التي تمنحها الدولة طالما أنكم ترون أن هذا هو‬
                                                                      ‫الحل الوحيد؟‬
‫- هذه مسألة قتلت بحثا ولدينا محافظات بدأت في السيطرة على هذه المشكلة، ولكن‬
‫دول الخليج مجتمعة «مكملتش» مليونا، ونحن نزيد كل عام مليونا ومائتي ألف، فهل هذا‬
‫معقول؟! وهذه مشكلتنا الكبيرة والعقلية المصرية تتعامل حتى فى وجود قانون بمنطق‬
                                                               ‫كل عيل يأتي برزقه.‬


                                        ‫34‬
‫مصر رايحه على فني‬




                           ‫وهل الحكومة عاجزة عن إصدار قوانين تحل المشكلة؟‬
‫- ال ليست عاجزة، لكنك تتعامل مع شعب سماته مختلفة، فقوانين فرنسا أو الهند قد‬
‫ال تصلح للتنفيذ عندنا، لكل بلد طبيعته، الصين أخذت هذا القرار في الوقت الذي كان‬
‫فيه ديكتاتورية رهيبة. اليوم نتحدث عن حرية الرأي والديمقراطية، ليس أمامنا إال أن‬
                                              ‫يعرفوا أن هذا ضد مصلحتهم في النهاية.‬
‫الكل يتحدث عن اإلصالح السياسي حكومة ومعارضة فما هو تصورك له في نقاط‬
                                                                               ‫محددة؟‬
   ‫- سأقول لك رأيي رغم أنني أعرف أن الحزب الناصري لن يكون سعيدا برأيي.‬
                                                           ‫سوف ننشر رأيك كامال.‬
‫- أوال البد أن نشخص المشاكل ثم نقوم بعملية قياس بالمجتمعات الدولية كلها، هل‬
                                                                     ‫عندنا حرية أم ال؟‬
                                           ‫عندنا هامش حرية وليس حرية كاملة؟‬
                                                            ‫- وما هو باقي الهامش؟‬
‫إلغاء قانون الطوارئ، انتخاب رئيس الجمهورية بشكل حر مباشر من بين عدة‬
                            ‫مرشحين، حرية تكوين األحزاب وحرية إصدار الصحف؟‬
                                            ‫- هناك فرق بين الديمقراطية والحرية؟‬
                                                                   ‫وما هو الفرق؟‬
                      ‫- الحرية أنتم تمارسونها في جريدة العربي ولم يعترض أحد.‬
          ‫ولكننا ال نستطيع النزول إلى الشارع للهتاف ضدك وضد السيد الرئيس؟‬
                                          ‫- هذا حدث، وطالبوا برأس وزير الثقافة.‬
                                            ‫ممنوع الهتاف ضد رئيس الجمهورية؟‬
‫- ال، هامش الحرية يصل إلى 59% وهذا جميل جدا، أي تكاد تكون حرية كاملة لم‬
‫نعشها من قبل، ال أنا وال أنت. أما الديمقراطية فهي تداول السلطة واالنتخابات الحرة،‬
                  ‫والموجود ليس هو ما نتمناه، إذن نرى ما هو المتبقي وكيف يتحقق؟.‬
                                          ‫من المؤكد أنك تريد حرية كاملة كمثقف؟‬
‫- من أجل استكمال الديمقراطية البد من انتخاب حر مباشر للرئيس كما تقول وتداول‬
‫للسلطة، والبد أن نبحثها إليجاد الطرق المناسبة للتنفيذ، وأنتم تطالبون بأن يكون هناك‬
‫انتخاب حر مباشر لمنصب الرئيس اآلن وفورا، ولكن هناك أسئلة قبله، من الذي سيأتي‬
                                        ‫ً‬
            ‫إلى هذا الموقع لو نفذت هذا الكالم فورا، وكيف ستختاره وعلى أي أساس؟.‬
                                                  ‫أختار بحريتي كمواطن من أريده؟‬


                                         ‫44‬
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353
6353

More Related Content

Viewers also liked (20)

5723
57235723
5723
 
911
911911
911
 
5718
57185718
5718
 
6497
64976497
6497
 
اخبار الدول واثار الاول
اخبار الدول واثار الاولاخبار الدول واثار الاول
اخبار الدول واثار الاول
 
6057
60576057
6057
 
5951
59515951
5951
 
ابن ظهيرة الفضائل الباهرة في محاسن القاهرة
  ابن ظهيرة الفضائل الباهرة في محاسن القاهرة  ابن ظهيرة الفضائل الباهرة في محاسن القاهرة
ابن ظهيرة الفضائل الباهرة في محاسن القاهرة
 
المفاخرات الباهرات بين عرائس متنزهات القاهرة المقدسي
المفاخرات الباهرات بين عرائس متنزهات القاهرة  المقدسيالمفاخرات الباهرات بين عرائس متنزهات القاهرة  المقدسي
المفاخرات الباهرات بين عرائس متنزهات القاهرة المقدسي
 
4725
47254725
4725
 
6270
62706270
6270
 
6215
62156215
6215
 
6409
64096409
6409
 
982
982982
982
 
6500
65006500
6500
 
975
975975
975
 
5764
57645764
5764
 
6259
62596259
6259
 
6399
63996399
6399
 
6401
64016401
6401
 

Similar to 6353

دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...
دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...
دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...Abed Demashqi
 
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2Mouldi Daoudi
 
الرد القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
الرد  القضية  سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفيالرد  القضية  سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
الرد القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفيAhmed Rahmouni
 
Ali urayet علي عبدالله وريث
Ali urayet علي عبدالله وريثAli urayet علي عبدالله وريث
Ali urayet علي عبدالله وريثZaki Banoon
 
Al mouaten 5 (en arabe)
Al mouaten 5 (en arabe)Al mouaten 5 (en arabe)
Al mouaten 5 (en arabe)IPP/SNJT
 
Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية طه جابر العلواني
 Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية   طه جابر العلواني Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية   طه جابر العلواني
Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية طه جابر العلوانيbenamor belgacem
 
Media kit final2 (english) dec 2016
Media kit final2 (english) dec 2016Media kit final2 (english) dec 2016
Media kit final2 (english) dec 2016Kareem Sakka
 
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعي
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعياحتجاجات المناؤين للخطاب الشرعي
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعيmjdcastle
 
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسر
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسرخالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسر
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسرBaker AbuBaker
 
اريتريا بركان القرن الأفريقي
اريتريا بركان القرن الأفريقي اريتريا بركان القرن الأفريقي
اريتريا بركان القرن الأفريقي zulabook
 
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارقصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارMbarki Noureddine
 

Similar to 6353 (20)

الفجر 202
الفجر 202الفجر 202
الفجر 202
 
دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...
دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...
دئ وتوجيهات عامة للثورة السورية للشيخ معاذ الخطيب قبيل انعقاد اجتماع هيئة الم...
 
الفجر 251
الفجر 251الفجر 251
الفجر 251
 
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2
حزب حركة النهضة وفقه المناورة السياسية 2
 
الفجر 245
الفجر 245الفجر 245
الفجر 245
 
الرد القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
الرد  القضية  سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفيالرد  القضية  سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
الرد القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
 
الفجر223
الفجر223الفجر223
الفجر223
 
الفجر 258
الفجر 258الفجر 258
الفجر 258
 
Ali urayet علي عبدالله وريث
Ali urayet علي عبدالله وريثAli urayet علي عبدالله وريث
Ali urayet علي عبدالله وريث
 
Al mouaten 5 (en arabe)
Al mouaten 5 (en arabe)Al mouaten 5 (en arabe)
Al mouaten 5 (en arabe)
 
الفجر212
الفجر212الفجر212
الفجر212
 
Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية طه جابر العلواني
 Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية   طه جابر العلواني Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية   طه جابر العلواني
Benamor.belgacemتأملات في الثورات العربية طه جابر العلواني
 
Media kit final2 (english) dec 2016
Media kit final2 (english) dec 2016Media kit final2 (english) dec 2016
Media kit final2 (english) dec 2016
 
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعي
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعياحتجاجات المناؤين للخطاب الشرعي
احتجاجات المناؤين للخطاب الشرعي
 
الفجر 196
الفجر 196الفجر 196
الفجر 196
 
الفجر 210
الفجر 210الفجر 210
الفجر 210
 
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسر
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسرخالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسر
خالد الحسن1-2017-فتح-ملف-حركي-نعبر-الجسر
 
اريتريا بركان القرن الأفريقي
اريتريا بركان القرن الأفريقي اريتريا بركان القرن الأفريقي
اريتريا بركان القرن الأفريقي
 
الفجر 256
الفجر 256الفجر 256
الفجر 256
 
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارقصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
 

More from kotob arabia (20)

1086
10861086
1086
 
960
960960
960
 
764
764764
764
 
6487
64876487
6487
 
6205
62056205
6205
 
942
942942
942
 
96
9696
96
 
5962
59625962
5962
 
763
763763
763
 
6486
64866486
6486
 
745
745745
745
 
6204
62046204
6204
 
6435
64356435
6435
 
5961
59615961
5961
 
6182
61826182
6182
 
959
959959
959
 
941
941941
941
 
594
594594
594
 
762
762762
762
 
744
744744
744
 

Recently uploaded

تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxتهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxfjalali2
 
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتالوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتMohamadAljaafari
 
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdfسلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdfbassamshammah
 
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليميةعرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليميةfsaied902
 
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptxAhmedFares228976
 
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبيةتطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبيةMohammad Alkataan
 
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfشكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfshimaahussein2003
 
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfعرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfr6jmq4dqcb
 
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...Osama ragab Ali
 
immunology_3.ppt.................................
immunology_3.ppt.................................immunology_3.ppt.................................
immunology_3.ppt.................................hakim hassan
 
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراقإعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراقOmarSelim27
 
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريم
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريممحمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريم
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريمelqadymuhammad
 
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxv2mt8mtspw
 
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيfjalali2
 
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناءOmarSelim27
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxssuser53c5fe
 
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfدور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf575cqhpbb7
 

Recently uploaded (19)

تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxتهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
 
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتالوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
 
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdfسلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
 
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليميةعرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
 
.العروض التقديمية والرسومات التعليمية bdf
.العروض التقديمية والرسومات التعليمية bdf.العروض التقديمية والرسومات التعليمية bdf
.العروض التقديمية والرسومات التعليمية bdf
 
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
 
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبيةتطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
 
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfشكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
 
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfعرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
 
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
 
immunology_3.ppt.................................
immunology_3.ppt.................................immunology_3.ppt.................................
immunology_3.ppt.................................
 
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراقإعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
 
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريم
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريممحمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريم
محمد احمد سيد احمد محمد سباق عمر يوسف عبدالكريم
 
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
 
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
 
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء
_BIMarabia 45.مجلة بيم ارابيا نمذجة معلومات اليناء
 
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي  جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي  جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
 
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfدور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
 

6353

  • 1.
  • 2.
  • 3. ‫ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫.‬ ‫אא‬ ‫א‬ ‫)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ‬ ‫א‬ ‫אא‬ ‫ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ‬ ‫א‬ ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫.‬ ‫.‬ ‫א א‬
  • 5. ‫الكتاب: مصر رايحة على فني‬ ‫الكاتب: سعيد شعيب‬ ‫البورتريهات: أدهم لطفي‬ ‫صور فوتوغرافية: مجدي إبراهيم‬ ‫الناشر: موقع كتب عربية‬ ‫املوقع اإللكتروني: ‪www.kotobarabia.com‬‬ ‫رقم اإليداع: 5002/12901‬ ‫الترقيم الدولي: 0-835-802-779‬ ‫التجهيز الفنى : وكالة 11/51 للتجهيزات الفنية‬ ‫02 شارع عبد العزيز جاويش - متفرع من شارع التحرير - باب اللوق‬ ‫تليفون : 3307597/20‬ ‫البريد اإللكترونى : ‪info@15/11.net‬‬ ‫املوقع اإللكترونى: ‪www.15/11 .net‬‬
  • 6. ‫مـــصـــر رايـحــة عـلـى فــين‬ ‫حـوارات‬ ‫سعـيــد شـعـيب‬ ‫النــاشـر‬ ‫موقع كتب عربية‬ ‫6002‬
  • 7.
  • 8. ‫للريــــــاح‬ ‫...واهبة الحياة لألجنحــة‬ ‫...أجنحتنــا‬
  • 9.
  • 10. ‫مقدمة البد منها‬ ‫للطبعة االلكترونية‬ ‫مر تقريبا عامان ونصف على صدور الطبعة الورقية، فهل ما زالت هذه الحوارات‬ ‫صالحة للنشر، أظن أن األجابة.نعم ليس فقط ألنها عزيزة علي، ولكن ألن المقومات‬ ‫َ‬ ‫الرئيسية، أو بمعنى أدق األفكار الرئيسية ألصحابها في الحقيقة لم تتغير أوتتطور... فما‬ ‫زال موقف كل القوى كما هو تقريباً، بالرغم من أنه جرى في النهر الكثير والكثير ..‬ ‫فهذه الحوارات –وبغض النظر عن التفاصيل- ترصد الكيفية التي يفكر بها عقل النخبة‬ ‫المصرية في هذا الزمان.‬ ‫صحيح أنه على المستوى العام كانت هناك حالة حراك سياسي كبيرة، مثل حركة‬ ‫كفاية بزخمها المذهل في بدايتها واآلمال التي تعلقت بها.. وحركة القضاة التي أصبحت‬ ‫تلعب دورا سياسيا بارزا، ودخول 88 عضوا من جماعة اإلخوان إلى البرلمان.. ناهيك‬ ‫عن تعديل المادة 67 وأخيرا التعديالت الدستورية التى، تشير بشكل أو آخر إلى تصاعد‬ ‫دور المجموعة اإلصالحية في الحزب الحاكم بقيادة جمال مبارك ابن الرئيس.‬ ‫كل هذا وغيره حدث في العامين األخيرين، وربما يستشعر القارئ الكريم من قراءته‬ ‫للحوارات أن هناك شيئاً ما سيحدث أو يجب أن يحدث، فال أحد من الذين حاورتهم، من‬ ‫مؤيدي النظام الحاكم ومعارضيه، كان راضياً عما يعيشه وقتها.‬ ‫ولكن لألسف كل هذا الحراك لم يغير في المعادلة السياسية، كما أنه لم يغير في‬ ‫موقف القوى السياسية وطبيعتها؟‬ ‫‬
  • 11. ‫فما زال الجميع -كما جاء في الحوارات- يطلبون الحرية بحرارة، ولكنهم ال يمارسونها‬ ‫على أرض الواقع.. النظام الحاكم يتعامل طوال الوقت بمنطق الخاطف للسلطة وللبلد،‬ ‫يريد أخذها في مكان مظلم لكي يجري عليها «إصالحاته» وحده دون مشاركة من أحد..‬ ‫كما أنه ال يمارس هذه الحرية في بنيته الحزبية، فكل ما يتبناه مجموعة اإلصالحيين هو‬ ‫مجموعة أفكار ال عالقة لها بالقواعد الحزبية.‬ ‫القوى السياسية األخرى معزولة جماهيريا وال تريد أن تدفع تكلفة نزولها إلى‬ ‫المكسبناه فقط في الشارع، فاألفضل لقياداتها هي “نفر العروق في الفضائيات”. ناهيك‬ ‫عن أنها –كما يتضح في الحوارات- ال تمارس حرية حقيقية في تنظيماتها وصحفها.‬ ‫وهو ما ينطبق على جماعة اإلخوان، بل لقد تراجعوا أكثر وأكثر، فإذا كان د.عبد‬ ‫المنعم أبو الفتوح عضو مكتب اإلرشاد قد أكد في هذا الكتاب أن من حق المسيحي رئاسة‬ ‫الدولة باالنتخاب، وأنه والجماعة يردون على اإللحاد بالفكر وغيرها من األفكار .. فقد‬ ‫وافق مهدي عاكف رئيس الجماعة في حوار معه على أن يحكم مصر ماليزي ألنه‬ ‫مسلم، كما اعتبر أن تولي مسيحي مصري رئاسة الدولة باالنتخاب “فورتينة”.‬ ‫هل هذه نتيجة محبطة؟‬ ‫بالطبع .. فرغم الحراك الظاهري، فان ما كسبناه- فقط ال غير- هو حرية سب‬ ‫الرئيس وأسرته، ما كسبناه - فقط -هو حرية انتقاد النظام الحاكم، والتي وصلت حدها‬ ‫األقصى (وهذا مهم ولكنه ال يكفي وحده لنهضة بلد) .. وتراجعت الحريات العامة‬ ‫والحريات الفردية التي ال تجد من يدافع عنها في الصراع القبلي المتأجج بين الحكومة‬ ‫ومعارضيها.‬ ‫هل هناك أمل؟‬ ‫أظن أن األمل في الحركات الجماهيرية المطلبية، ومنها االحتجاجات العمالية (تأمل‬ ‫كيف تعاملت معها القوى السياسية المعارضة بإهمال) وأقصد هنا تحرك مختلف فئات‬ ‫المجتمع لتحقيق مطالبها مثل العمال والمدرسين وأساتذة الجامعة وغيرهم .. فهذا سيجبر‬ ‫النظام الحاكم -كما حدث في معظم االحتجاجات العمالية -على االستجابة ليس فقط‬ ‫لمطالب اقتصادية، ولكن إقرار حق التظاهر واالعتصام واإلضراب وغيرها.. كما أنه‬ ‫سيضبط إيقاع القوى المعارضة على موجة مطالب حقيقية للناس.. وأظن أن هذه هي‬ ‫األرضية الصلبة الحقيقية في البلد.‬ ‫01‬
  • 12. ‫أما على المستوى المهني فهذه الحوارات التي أعتز بها اجتهدت في أن استخدم كل‬ ‫تقنيات الحوار الصحفي، فلم أكتف بمجرد طرح السؤال والحصول على إجابة، وكنت‬ ‫دائما أناقش اإلجابة -أيا كانت- بعديد من األسئلة التي يصح أن نسميها توليدية وصوال‬ ‫إلى أقصى ما يمكن أن يعطيه من أحاوره، أي ال أتوقف عن طرح األسئلة إال بعد أن‬ ‫أشعر بأنني لن أحصل على المزيد، وهنا أنتقل إلى منطقة أخرى، وهذا تسبب أحياناً في‬ ‫مشادات، مثل التي حدثت مع الكاتب والصحفي الشهير محمد عودة –رحمه اهلل- الذي‬ ‫طلب مني بغضب لملمة أوراقي وإنهاء الحوار، وهو ما حدث أيضا مع األستاذ ضياء‬ ‫الدين داود وآخرين. كما استخدمت تكتيكاً آخر يعتمد على طرح سؤال تمهيدي، ومنه‬ ‫إلى السؤال األساسي الذي ينتقد بشراسة اإلجابة التي حصلت عليها، وهو ما فعلته مثال‬ ‫مع وزير الثقافة و د. يحي الجمل. وحاولت أيضا الدخول في مناطق جديدة، مستندا‬ ‫إلى تحويل حتى الهواجس إلى أسئلة، وعدم الخوف من رد الفعل، وتعلمت درسا مهما،‬ ‫وهو الحفاظ على مسافة تتيح لي دائما القدرة على النقاش والحوار، وتأكدت أن الفيصل‬ ‫بالنسبة لمن تحاوره ليس قسوة األسئلة ولكن أظن في شعوره أن الهدف هو مناقشته‬ ‫ومحاورته في أفكاره وأفعاله باحترام عميق وليس التشهير به أو اإلساءة إليه.‬ ‫والغريب أنني اكتشفت أن الذي تحاوره يكون أكثر سعادة باألسئلة الحقيقية، ربما‬ ‫ألنها تتيح له تقديم إجابات مختلفة، وتتيح له توضيح موقفه باستفاضة، والعكس صحيح،‬ ‫فهو ال يشعر بنفس السعادة مع األسئلة التي على طريقة «أين ترعرعت» أي التي ال‬ ‫تسعى إلى مناقشته، وفي أحيان كثيرة يكون هدفها هو نفاقه.‬ ‫وتعلمت أيضا أن الحوار الصحفي ليس «سين وجيم»، أي سؤال وجواب فقط، ولكنه‬ ‫أيضا حالة، بالضبط مثل العمل الفني، سواء كان قصيدة أو قصة أو فيلما أو غيره،‬ ‫ولذلك كنت حريصا في معظم الحوارات على ترك جملة عامية هنا أو هناك، وعلى‬ ‫لمسات مثل (ضاحكا) و(غاضبا) و(مقاطعا)، ولم أكن أخجل من ذكر أن من أحاوره قدم‬ ‫إجابة مفحمة أو جيدة، ولم أحذف أية إجابة حتى لو كانت فيها اتهامات لي بعدم المعرفة‬ ‫مثال.. وأظن أن هذه التفاصيل الصغيرة منحت الحوارات مصداقية وعفوية وحيوية،‬ ‫وجعلت القارئ يشعر وكأنه كان موجودا أثناء الحوار.‬ ‫وفي النهاية فالقارئ الكريم هو الحكم.‬ ‫سعيــد شعيــب‬ ‫2 أبريل 7002‬ ‫11‬
  • 13.
  • 14. ‫مقدمة البد منها‬ ‫للطبعة الورقية‬ ‫أما كيف جاءت هذه السلسلة من الحوارات.. فهذه لها حكاية.‬ ‫كنت قد قررت إجراء حوار مع الكاتب والسيناريست محفوظ عبد الرحمن هكذا‬ ‫وبدون مناسبة.. وألنني أعرفه معرفة عميقة منذ سنين طويلة وألنني أحبه.. فقد أجريت‬ ‫معه العديد من الحوارات وكتبت عنه وعن أعماله كثيرا.. وربما لذلك لم يكن لدي‬ ‫ً‬ ‫شغف بأن أجري معه حوارا فن ًا وظللت أفكر عن ماذا أحاور الرجل؟‬ ‫ً ي‬ ‫وألهمني اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ بجملة كنت قد كتبتها قبل عدة سنوات، ولها حكاية..‬ ‫فقد قابلت بالمصادفة في وسط البلد السيناريست محمد حلمي هالل وسألته عن فيلمه‬ ‫“دخلة وداد” – على فكرة اشتراه فيما بعد الفنان نور الشريف ولم يخرج إلى النور‬ ‫حتى اآلن - وقال لي: إن وداد في الفيلم تزوجت أربع مرات وفشلت: الرأسمالي،‬ ‫النصاب، مدعي الدين، اليساري، يا ترى وداد مصيرها إيه “وبالطبع لم يكن عندي أو‬ ‫عند محمد إجابة للسؤال المرعب” هي البلد دي رايحه على فين؟.‬ ‫31‬
  • 15. ‫هذا السؤال وجدته يقفز إلى عقلي وأنا في طريقي لمحاورة كاتبنا المعروف وأنجزت‬ ‫الحوار وتم نشره ومن بعده كان الحوار مع الناقد الشهير فاروق عبد القادر.. ثم توالت‬ ‫الحوارات مع رجال سياسة وثقافة وفن وغيرها. وكان لكل حوار مالبساته وظروفه،‬ ‫وكانت هناك حوارات نجحت بتوفيق من اهلل سبحانه وتعالى، ومنها الحوار مع األديب‬ ‫صنع اهلل إبراهيم في أعقاب رفضه جائزة مؤتمر الرواية، وبيانه الشهير وما ترتب‬ ‫عليه من توابع كثيرة مدوية.. فقد كان الحدث الم ًا واستثنائ ًا، وكان أيضا صاحب‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫الحدث الم ًا واستثنائ ًا، وهذا أسهم في أن تتم قراءة الحوار باهتمام بالغ وأن تشير إليه‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫قت على الحدث وعليه. وهو نفس ما حدث مع حوار د. جابر‬ ‫العديد من الكتابات التي علَّ‬ ‫عصفور أمين المجلس األعلى للثقافة، والذي أجريته بعد حوار صنع اهلل مباشرة وهو‬ ‫الطرف الثاني المهم فيما حدث وقتها.‬ ‫ً‬ ‫كما خدمتني الظروف أيضا في حوار د. عبد المنعم أبو الفتوح، فقد أجريته في أعقاب‬ ‫الضجة التي أثارتها مصادرة كتاب “وصايا في عشق النساء” للشاعر أحمد الشهاوي‬ ‫والذي كنت قد أجريت معه حوارا وقتها، والحقيقة أنني كنت مترددا في االختيار بين‬ ‫ً‬ ‫أكثر من شخصية من اإلخوان المسلمين، كنت قد استبعدت من البداية النائب مصطفى‬ ‫محمد مصطفى الذي فجر األزمة في مجلس الشعب، والسبب أنني كنت أريد محاورة‬ ‫ً‬ ‫شخصية قيادية في اإلخوان المسلمين يكون كالمها مسئوال ومعبرا بشكل أو بآخر عن‬ ‫ً‬ ‫عموم هذا التيار، وقد أشار علَى صاحبي وزميلي فتحي عامر – رحمه اهلل - بالدكتور‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫عبد المنعم أبو الفتوح، مؤكدا أنه ذو ثقل كبير في أوساط اإلخوان، كما أنه - وقتها قبل‬ ‫المرشد الجديد - كان مرشحا بقوة لتولي موقع المرشد العام لإلخوان، وأجريت الحوار‬ ‫ً‬ ‫فعال حول األزمة وحول وجهة نظر اإلخوان في الحريات بشكل عام ومستقبل مصر.‬ ‫والحقيقة أن هذه الحوارات صاحب الفضل األول فيها هو من حاورتهم.. فجميعهم‬ ‫كانوا صادقين وصرحاء، ومعظمهم لم يرفضوا اإلجابة عن أي سؤال مهما كانت‬ ‫قسوته أو صراحته، وذلك باستثناء د.سعد الدين إبراهيم، ، وهناك مرة واحدة طلب‬ ‫من حاورته تغيير صيغة سؤال، وبعد مناقشة طويلة اقتنعت ووافقت مع الحفاظ على‬ ‫المضمون، ومرة أخرى رفضت شخصية أخرى اإلجابة عن سؤال قائال: “مينفعشى‬ ‫ألن ده سؤال يودي السجن”، وهناك ثالث مرات حذفت جزءاً من إجابات بعد موافقة‬ ‫أصحابها طبعا ألنها تتعلق بانتقادات ألجهزة أمنية حساسة.. ومع ذلك البد أن أعترف‬ ‫أن من حاورتهم هم أصحاب الفضل األول في أن تكتسب هذه الحوارات كل هذه‬ ‫41‬
  • 16. ‫ً‬ ‫األهمية، وأذكر منهم مثال األستاذ ضياء الدين داود رئيس الحزب العربي الديمقراطي‬ ‫الناصري، والذي أجاب عن كل األسئلة رغم قسوة بعضها، كما أنه لم يحاول التدخل‬ ‫على اإلطالق مستخد ًا موقعه في رئاسة الحزب العربي الديمقراطي الناصري ورئاسة‬ ‫م‬ ‫مجلس إدارة جريدة العربي في النشر أو التعديل، ولم يقترب على اإلطالق من المقدمة‬ ‫ً‬ ‫واألسئلة.. ونفس األمر حدث مع كل من حاورتهم ومنهم أيضا وزير الثقافة فاروق‬ ‫حسني، الذي فوجئت بأنه لم يرفض اإلجابة عن أي سؤال ومنها أسئلة حساسة مجرد‬ ‫طرحها قد يسبب له مشكالت.‬ ‫وكنت ـ منذ أول حوار أجريته ـ أطالب من أحاوره بأن يراجع إجاباته كما يشاء‬ ‫وأقول بوضوح إن األسئلة والمقدمة والعناوين من حقي أنا وحدي، وكان هناك من‬ ‫يرفض المراجعة وهناك من يوافق، ولكن كانت المفاجأة بالنسبة لي أن كل من راجعوا‬ ‫لم يحذفوا أي إجابة صريحة، بل على العكس كانوا يزيدونها وضوحا وذلك ينطبق على‬ ‫ً‬ ‫من هم في المعارضة أو في الحكومة.‬ ‫والحقيقة أيضا أن هذه الحوارات لم تكن تخرج إلى النور أيضا لوال فرصة النشر في‬ ‫ِ‬ ‫جريدة العربي والدعم المطلق ـ وهذه ليست مبالغة ـ من قبل األستاذ عبد اهلل السناوي‬ ‫ً‬ ‫رئيس التحرير واألستاذ عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي، فلم يحدث أبدا أن‬ ‫تدخال بالحذف في كالم أي شخصية، فهذه الحوارات نشرت بالكامل كما أجريتها‬ ‫بالضبط وقد تحمال الكثير مما سببته من مشكالت، وأقصى ما كان يحدث هو مناقشتي‬ ‫في العنوان الرئيسي وفي أحيان نادرة يتم تغييره بعد موافقتي على هذا التغيير، وهذا‬ ‫أمر عادي جدا في الصحافة. لقد وصل إيمانهما بالحرية إلى درجة أن هناك شخصيات‬ ‫ً‬ ‫انتقدت بعنف وقسوة تجربة جمال عبد الناصر ومنهم مثال األستاذ فاروق عبد القادر‬ ‫ومع ذلك ُشرت الحوارات كاملة رغم أنهما – األستاذان عبد اهلل السناوي وعبد الحليم‬ ‫ن‬ ‫قنديل-من القيادات الناصرية البارزة، ورغم أن النشر يتم في جريدة عبد الناصر،‬ ‫جريدة الحزب الناصري.‬ ‫أضف إلى كل هؤالء الزمالء واألصدقاء الذين لم يبخلوا علي بأية معلومة كنت‬ ‫أسأل عنها، فقبل كل حوار كنت أجمع ما أستطيعه من المادة المنشورة في الصحف‬ ‫والمجالت وعلى اإلنترنت، كما كنت ألجأ إلى زمالئي وأصدقائي وكلهم لم يبخلوا علي‬ ‫ّ‬ ‫أبدا، بل على العكس تحملونني بمحبة فائقة وأعطوني أكثر بكثير مما كنت أنتظره،‬ ‫51‬
  • 17. ‫ولذلك فهم أصحاب فضل في خروج هذه الحوارات إلى النور، ومنهم عبد الحليم قنديل‬ ‫وأسامة سالمة ود.أحمد الصاوي وميسون صقر وأمين إسكندر وآخرون.‬ ‫أضف إلى هؤالء الذين كانوا يهاتفونني والذين يقابلونني ويشجعونني على االستمرار‬ ‫في هذه الحوارات ويقترحون علي أسماء كبيرة وكثيرة ويبدون استعدادهم لتوفير كل‬ ‫ّ‬ ‫ما أريده، وهؤالء كثيرون بما يفوق الحصر، والحقيقة أن محبتهم الصافية لعبت دورا‬ ‫ً‬ ‫مه ًا في تشجيعي على االستمرار، فربما ال يعرفون أنني من النوع الذي يأكله الملل‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫بسرعة شديدة، ولهذا السبب لم أستمر طويال في أي موقع صحفي توليته، ومن هنا‬ ‫فهؤالء األصدقاء لهم فضل كبير في إنجاز هذا الكتاب.‬ ‫هذا ال يعني بالطبع أن هذه الحوارات كانت تحظى بإجماع، بل هناك من هاجمها‬ ‫لسبب أو آلخر، فمن بين من كان يتابعها، من كان يخلط بين دور الصحفي وبين‬ ‫دور القاضي، بمعنى أنه يتصور أن دوري هو االنتصار وسحق من أحاوره كأنني‬ ‫في مباراة مصارعة وليس حوارا صحفيا.. ولذلك فقد غضب البعض مثال من حوار‬ ‫الفنان الكبير عادل إمام والفنان فاروق حسني ود. جابر عصفور.. ليس ألنني أهملت‬ ‫أو جاملت في األسئلة، ولكن ألن من أحاوره كان يجيب وال يرفع راية االستسالم،‬ ‫وكنت دائ ًا أرد بأن دور الصحفي هو النقاش والمحاورة، بمعنى أدق دوره هو السؤال‬ ‫م‬ ‫والنقاش وال يحاسب إال على أسئلته، أما إجابات الشخص الذي نحاوره فهي مسئوليته‬ ‫هو وحده وليست مسئولية الصحفي، ومن ال تعجبه إجابات من أحاوره فعليه أن يرد‬ ‫عليها، ومن هنا فقد كنت حريصا على أال أكون جهة إصدار حكم على من أحاوره، أي‬ ‫ً‬ ‫أنني لست قاض ًا ولك ّني صحفي يحمل وجهة نظر، ومهمته السؤال والمناقشة، وهذا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ما يجب أن يحاسبني عليه القارئ الكريم الذي هو وحده القاضي.‬ ‫كما أنني اكتشفت أثناء هذه الرحلة أن كل تيار سياسي يتمنى أال أحاور إال أعضاء‬ ‫فريقه، فالمعارضون يريدون أن أحاور من يريدونه من جبهتهم، ونفس األمر وجدته‬ ‫ً‬ ‫في المحسوبين على التيارات األخرى بما فيها الحكومة، فبعض الناصريين – مثال‬ ‫ً‬ ‫- يكرهون أن تحاور ماركس ًا أو أحدا من تيار اإلسالم السياسي والعكس صحيح..‬ ‫ي‬ ‫وهم يتناسون أن من بديهيات مهنة الصحافة أن تحاور كل الناس وكل االتجاهات، وأن‬ ‫موقفي أنا الشخصي من كل هذه األطياف يظهر في أسئلتي، وفي المقدمة والعناوين..‬ ‫وفي مقاالت الرأي التي أكتبها، وخاصة أنني أدركت أن هذه الحوارات هي شهادة‬ ‫61‬
  • 18. ‫للكيفية التي يفكر بها العقل المصري، أو بمعنى آخر تأريخ للعقل المصري في اللحظة‬ ‫الراهنة، وهذا العقل المصري ليس هذا الفريق أو ذاك، ولكنه كل هؤالء مجتمعين.‬ ‫ولذلك سيجد القارئ الكريم في هذه الحوارات ليس فقط أسئلة عن مستقبل مصر ولكن‬ ‫هناك أيضا أسئلة عن ماضي وحاضر من أحاوره وعن طريقته في إدارة الموقع الذي‬ ‫يتواله، وذلك حتى يستطيع القارئ تكوين صورة بأكبر قدر من الدقة عن الكيفية التي‬ ‫تفكر بها النخبة المصرية، أي أنني كنت أهدف بقدر ما أستطيع ألن تكون كل االتجاهات‬ ‫ممثلة في هذه الحوارات، وإن لم أستطع بالطبع أن أفعل ذلك بالكامل ألسباب كثيرة..‬ ‫أولها أن محاورة كل االتجاهات وكل األجيال داخل هذه االتجاهات يحتاج إلى مجلدات‬ ‫وهو فوق طاقة هذا الكتاب. األمر الثاني أن مصر غنية فعال بمئات وآالف الشخصيات‬ ‫من كل النوعيات واالتجاهات. السبب الثالث أنني اكتشفت بعد هذه الحوارات أنني‬ ‫أحتاج إلى تخصيصها، بمعني االنتقال من السؤال الكبير: «مصر رايحة على فين؟»‬ ‫إلى أسئلة أكثر تفصيلية، مثل منطقة عالقة المسلمين بالمسيحيين.. وكيف نستطيع‬ ‫أن نفض اشتباكاتها.. وعلى نفس المنوال األزمة االقتصادية وكيف نخرج منها. أي‬ ‫االنتقال من التشخيص لحالة مصر إلى الحلول.. فقد اكتشفت أنه ال خالف بين كل من‬ ‫حاورتهم من كل األطياف بمن فيهم الحكوميون على توصيف الخطوط العامة لألزمة‬ ‫ً‬ ‫التي تعيشها مصر، ووجدت أيضا أنه ال خالف على الخطوط العامة للخروج منها،‬ ‫ً‬ ‫فهناك إجماع مثال على إطالق الحريات بين الجميع، أي أنهم وضعوا الخرسانة القوية‬ ‫التي يمكن أن يقام عليها مستقبل مصر، ولكنهم لم يقتربوا من تفاصيل هذا البناء، ومن‬ ‫هنا البد من االنتقال إلى األسئلة التفصيلية التي لم تكن متاحة في هذه الحوارات، والتي‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫اكتشفت أيضا أن معظم من حاورتهم ال يملكون تصورا دقيقا عنها.‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكان يهمني جدا في هذه السلسلة أن تتضمن حوارا مع البابا شنودة أو واحدا من‬ ‫ً‬ ‫قيادات الكنيسة األرثوذكسية وخاصة بعد أن حاورت د. ميالد حنا المشهور بمعارضته‬ ‫ً ع‬ ‫للكنيسة، ولك ّي فشلت فشال ذري ًا رغم ما بذلته من جهد في هذا االتجاه امتد شهورا،‬ ‫ن‬ ‫ونصحني صديق مسيحي بأن أرسل األسئلة مكتوبة لمكتب قداسة البابا، وفي هذه‬ ‫الحالة لو وافق على األسئلة – سيتم تحديد موعد، ولك ّني رفضت ألن الحوار الصحفي‬ ‫ن‬ ‫في رأيي ليس سين وجيم فقط ولكنه مناقشة عميقة بين طرفين، المهم فشلت المحاوالت‬ ‫ً‬ ‫وكانت صدمة كبيرة ولكن ما باليد حيلة.. أضف أيضا صدمتي من األب يوحنا قلتة‬ ‫نائب الكاثوليك في مصر، فقد قابلت الرجل أكثر من مرة في ندوات ومؤتمرات وكان‬ ‫71‬
  • 19. ‫ً‬ ‫انطباعي عنه جيدا، وخاصة أنني قرأت له الكثير من المقاالت والكتب، واتصلت به‬ ‫ً‬ ‫وحددنا موعدا واثنين وثالثة.. ودائ ًا كان يخلف موعده وبعد مضي شهرين أو ثالثة‬ ‫م‬ ‫قررت أن أنسى الرجل ألنني أدركت أن هذه النوعية من الحوارات ربما تكون فوق‬ ‫ً ً‬ ‫طاقته هو وقيادات الكنيسة، أو أنها قد تضرهم ضررا بالغا، فقد قال لي أحد األصدقاء‬ ‫إن حوارك مع فالن وهو قيادة كنسية مرشحة لخالفة البابا وتحظى باحترام واسع قد‬ ‫تضره وتفتح عليه معارك ليس وقتها مع المتعصبين داخل الكنيسة. وأعتقد أن هذا هو‬ ‫السبب وراء فشلي في محاورة البابا أو رجال الكنيسة.‬ ‫وفي النهاية استسلمت ألن أنشر ما لدي وأمري إلى اهلل.‬ ‫ولكن البد من االعتراف بأن هذه الحوارات غلب على اختياراتها أحيانا حبي‬ ‫الشخصي لبعض المجاالت، ولذلك سيجد القارئ الكريم فيها حوالي ثالثة أو أربعة‬ ‫حوارات مع رجال فن وثقافة، وهما المجاالن اللذان أحبهما أكثر من غيرهما.. كما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أعترف بأنني بذلت جهدا مضاعفا مع بعض الشخصيات ألنني اكتشفت أن آراءهم‬ ‫تتطابق تقريبا مع وجهات نظري.. ولكن في النهاية البد أن تكون هناك أسئلة ونقاش‬ ‫في أفكارهم وتصوراتهم، ومن هؤالء المثقف الكبير والعالم الالمع الدكتور محمد أبو‬ ‫الغار.‬ ‫والبد أيضا من االعتراف بأن هذه الحوارات أفادتني إفادة بالغة، ولذلك سيالحظ‬ ‫القارئ الكريم أن أول حوار يختلف عن الثاني والثالث وغيرهما.. فقد تطورت قدرتي‬ ‫ً م‬ ‫على الحوار والنقاش، باإلضافة إلى أنها منحتني زادا مه ًا من المعلومات واألفكار..‬ ‫ولكن الفائدة الكبرى والتي أعتبرها أهم من كل ذلك هي أنني تعلمت فضيلة التسامح‬ ‫مع الذين أختلف معهم.. وتأكدت لدي قناعة قديمة وهي البعد عن األحكام اإلجمالية‬ ‫القطعية.. فليس كل الحكوميين فاسدين وخونة، وليس كل المعارضين شرفاء.. فاألساس‬ ‫هو ماذا يقدم الشخص وماذا يفعل.. ولذلك وبصراحة شديدة فقد زادت هذه الحوارات‬ ‫احترامي لبعض الشخصيات وقللت احترامي للبعض اآلخر.‬ ‫وأريد التأكيد مرة أخرى على أن معظم – إن لم يكن كل- الذين حاورتهم من مختلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫االتجاهات ال يملكون تصورا تفصيل ًا لمستقبل هذا البلد، ولكن هناك إجماعا نادرا بينهم‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫جمي ًا – بمن فيهم المحسوب على الحكومة- يرون أن الحل الوحيد لألزمة التي تعيشها‬‫ع‬ ‫مصر هو الحريات والتي بدونها فإن المستقبل مظلم، وفي الغالب ستحدث فوضى‬ ‫81‬
  • 20. ‫ودمار سيضر الجميع بال استثناءات. وأتمنى أال يحدث.‬ ‫سعيـــد شعيـــب‬ ‫3 يناير 5002 وادي حوف - القاهرة‬ ‫1‬
  • 21.
  • 23.
  • 24. ‫الكاتب والناقد فاروق عبد القادر:‬ ‫الفساد هد حيل البلد‬ ‫*نعيش فترة تتسم بالشذوذ‬ ‫*كل المكاسب التي حققها المصريون طوال تاريخهم ضاعت‬ ‫*القيادات الحالية في كل المجاالت تم إخصاؤها‬ ‫*نعم.. المصريون أصبحوا أعضاء في مؤسسة الفساد حتى يعيشوا ويحموا أنفسهم‬ ‫من بطش السلطة‬ ‫*هناك مناخ وقح يشيع ويحرض على الفساد‬ ‫*هل يمكن أن يهربوا بمليارات دون تواطؤ ومشاركة الكبار؟‬ ‫*لوال بعض المثقفين ما استطاع فاروق حسني أن يجمع المثقفين في حظيرته‬ ‫ويقول إنهم «كالهاموش»‬
  • 25.
  • 26. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫قال لي الكاتب والناقد فاروق عبد القادر بعد الحوار «أنا ال أملك شيئا وال يملكني‬ ‫شيء». وقال أيضا «أنا لم أطمح إلى منصب وخسرته أو سلطة وفقدتها أو وجاهة‬ ‫اجتماعية ولم أنلها.. كل ما كنت أريده هو أن أكون كات ًا مؤثرا في بلدي، وأعتقد أن‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫هذا حدث»... كان هذا في غرفة مكتبه بمنزله في شبرا، الحي الشعبي الشهير، حيث‬ ‫تفوح رائحة البساطة العفيفة والنظام األنيق.. فاألستاذ فاروق – يبدو مثل بيته - خارج‬ ‫ُ‬ ‫كل الحسابات وخارج كل األطر والمؤسسات، حكومية وغير حكومية، فما زلت أذكر‬ ‫كيف أنني وصديق العمر ناصر عراق كنا ننتظر ما يكتبه في المعارك التي ال يتوقف‬ ‫عن خوضها، ونحفظ عن ظهر قلب مقاطع منها، إنه واحد من الذين تعلم منهم جيلنا‬ ‫الكثير، ربما عندما كبرنا اختلفنا معه أحيانا، ولكنه يظل هو «فاروق عبد القادر»،‬ ‫ُ‬ ‫الكيان الشامخ، القادر على االستقالل والحياة واإلبداع خارج كل األطر السياسية وغير‬ ‫السياسية. فالصيغة التي أصر عليها لحياته ودفع ثمنها راض ًا من دمه، تمنحه مصداقية‬ ‫ي‬ ‫من الصعب التشكيك فيها وتجعلنا - حتى لو اختلفنا معه أحيانا كما حدث في هذا الحوار‬ ‫- ننصت باهتمام لعاشق متيم بهذا البلد. وفي هذا النقاش الذي امتد إلى أكثر من ثالث‬ ‫ساعات لم أشعر بأن األستاذ فاروق يجيب ويحلل – كعادته – بذهن صاف ولكنه أيضا‬ ‫ٍ‬ ‫كان كالمحب المجروح الذي يرى حبه الوحيد – مصر – وهي تباع في سوق النخاسة،‬ ‫ألم أقل لكم إنه عاشق لهذا البلد.‬ ‫52‬
  • 27. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫إليكم نص الحوار.‬ ‫مصر «رايحة على فين» يا أستاذ فاروق؟‬ ‫- السؤال ظاهره سؤال واحد ولكنه في الحقيقة يتضمن كثيرا من األسئلة ولكن‬ ‫ً‬ ‫على العموم الفترة التي نعيشها حال ًا تتسم بالشذوذ في كل شيء، فهي ليست عادية‬ ‫ي‬ ‫وما يحدث فيها غير مألوف، هي مرحلة كالنتوء في تاريخنا، فالمكاسب التي حققها‬ ‫الشعب المصري في العصر الحديث سواء قبل 2591 أو بعدها ضاعت، والبقية الباقية‬ ‫منها في طريقها إلى الضياع، ومنها على سبيل المثال مجانية التعليم التي تحولت إلى‬ ‫مجانية شكلية. والمثال الثاني هو الديمقراطية، فعندنا تعددية حزبية وعندنا مجلس شعب‬ ‫ومحكمة دستورية وغيرها، ولكن الممارسة في النهاية شكلية، فمنذ 6 أكتوبر 1891‬ ‫وحتى هذه اللحظة يحكمنا قانون الطوارئ، ومنذ عام 7791 وعمل ما يسمى بالمنابر‬ ‫هناك حظر على تكوين األحزاب، ومجلس الشعب أثبت في ممارساته أنه ليس مؤسسة‬ ‫تشريعية ولكنه لألسف يكاد يكون أحد أجنحة هذه السلطة التي من المفترض أن يراقبها‬ ‫ويحاسبها. إذن كل مكونات ما يمكن أن نسميه دولة حديثة ينعم فيها الفرد بحريته‬ ‫ضاعت تماما.‬ ‫وفي مجال الثقافة؟‬ ‫- تكاد تنحصر في سلسلة من المهرجانات، ما يكاد ينتهي واحد حتى يبدأ آخر وهناك‬ ‫خلط سخيف بين الثقافة والسياحة واإلعالم، فعندما تسأل عن ضرورة مهرجان ثقافي‬ ‫يردون عليك بالسياحة، ثم كيف يستقيم أن يكون مسرحنا بهذا التردي والسقوط ونقيم‬ ‫ً‬ ‫مهرجانا تجريب ًا كل عام ال قيمة له؟ والدورة التي تنعقد هذه األيام سيغلب عليها كما قالوا‬ ‫ي‬ ‫العروض الراقصة وهذا جدير بالسخرية أن تعرض هذه النوعية في بلد مثل بلدنا، فمن‬ ‫المستفيد؟! وماذا يعود على الناس من هذه المهرجانات؟!‬ ‫أستاذ فاروق كيف تلخص جوهر األزمات التي نعاني منها؟‬ ‫- هناك ثالث أزمات رئيسية تمسك بخناق المصريين، أزمة بطالة طاحنة، وأزمة‬ ‫غالء رهيبة، وفساد مرعب، وكل واحدة من هذه األزمات على حدة كافية «لهد حيل‬ ‫ً‬ ‫البلد». فالجامعات ُخرج كل عام اآلالف الذين ال يجدون عمال ويتحولون إلى رصيد‬ ‫ت‬ ‫جاهز للتطرف الديني واألخالقي. والمواطن العادي بسبب الغالء الرهيب والمتزايد كل‬ ‫يوم، أخرج من حياته كل الكماليات، ويعمل ليل نهار فقط لتوفير الحد األدنى للحياة،‬ ‫وهذه بطولة يومية يمارسها المصريون ولكنها غير معلنة.‬ ‫والفساد؟‬ ‫- كما يقول الشوام «تمأسس» أي تحول إلى مؤسسة أخطبوطية ولم تعد القضية‬ ‫62‬
  • 28. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫قضية فرد فاسد هنا وهناك، ولكنها قضية مناخ عام يشيع الفساد ويحرض عليه وال‬ ‫يعاقبه وال يستنكره، وهذه الظاهرة المرعبة بدأت منذ منتصف السبعينيات،وقبلها كان‬ ‫ً‬ ‫الفساد محدودا ويتجسد في بعض األفراد، كان الفاسد يتوارى وال يمكن أن يرتكب هذا‬ ‫الفعل الفاضح عالنية.‬ ‫أضف إلى ذلك أن المواطن وخاصة من الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة، مقيد بدخل‬ ‫محدود ال يكفي بالطبع لتلبية احتياجاته األساسية، ثم يجد أمامه با ًا موار ًا لزيادة دخله‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫بالفساد، فكيف تمنعه أو ُجرم ما يفعله؟! أي أن النظام بأكمله يغريك ويدفعك إلى هذا‬ ‫ت ّ‬ ‫الفساد، ووصل األمر إلى درجة أن رئيس الوزراء األسبق عبد العزيز حجازي كان‬ ‫يريد تقنين الرشوة ويسميها إكرامية.‬ ‫إذن.. فعموم المصريين متواطئون ومشاركون في الفساد؟‬ ‫- الفساد مثل الماء ينزل من أعلى إلى أسفل، وعادة الصغير يخاف، ولكن عندما‬ ‫يجد الكبار يفعلون ذلك دون خوف من أي عقاب فالبد أن يتشجع، ومن هنا أصبحنا‬ ‫كلنا تقريبا أعضاء في مؤسسة الفساد التي يطمح المواطن الغلبان ألن تحميه من غول‬ ‫الغالء ومن المهانة الفظيعة التي يلقاها في تفاصيل حياته اليومية، وإما أن يرضخ أو‬ ‫يلجأ إلى الدائرة الفاسدة بحثا عن حماية. وعندما نجد وزراء ومحافظين سابقين يحاكمون‬ ‫بتهمة الفساد، فالبد أن تسأل نفسك: كيف كانت األجهزة الرقابية غافلة عنهم وهم في‬ ‫السلطة؟!! واآلن تجد ظاهرة أخرى لها عالقة مباشرة بالفساد وهي المصاهرة بين‬ ‫السلطة والثروة، ابن المليونير يتزوج ابنة الوزير، وأصبح هذا هو الهدف والطموح، إذا‬ ‫امتلكت المال فالبد أن تبحث عن السلطة، وإذا كانت لديك السلطة فالبد أن تبحث عن‬ ‫المال وإذا جمعت الحسنييْن فستصبح سيد هذا البلد.‬ ‫وهناك فساد آخر وهو الصمت على الفساد، ففي وقت من األوقات لم يكن للسينما‬ ‫هدف سوى هؤالء الفاسدين، صحيح أنها لم تكن تكشف «الميكانيزم» الذي يؤدي إلى‬ ‫الفساد ألن هذا غير مسموح، ولكن حتى هذه المساحة من االنتقاد اختفت. فمثال في واقعة‬ ‫الفساد الشهيرة ليوسف عبد الرحمن اتضح أنه كان يتقاضى نصف مليون جنيه شهر ًا،‬ ‫ي‬ ‫وهذا طب ًا بخالف ما هو خفي، فكيف يحدث هذا؟ فمن الذي يحميه؟! ولماذا يبقى من‬ ‫ع‬ ‫يحميه؟! الحقيقة أنه ال إجابة ألنه غير مسموح بها.. فلألسف منذ السبعينيات وربما‬ ‫قبلها وال نعرف لماذا أقيل المسئول الفالني أو لماذا بقي المسئول العالني، وهل يمكن‬ ‫أن يهرب رجال أعمال بمليارات من أموال المصريين دون وجود تواطؤ ومشاركة من‬ ‫الكبار في داخل البنوك وخارجها؟ وعندما تزيد األمور ويمل الناس، يضحون بأحدهم‬ ‫حتى تستمر ماكينة الفساد، ويستمر سادتها ويستمر النظام نفسه.‬ ‫72‬
  • 29. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫كيف لشعب أن يقبل الفساد ويشترك فيه وال يسعى إلى تغيير حقيقي؟‬ ‫- قل في أخطاء «عبد الناصر» ما شئت، ولكن هناك نقطة أساسية يجمع عليها‬ ‫خصومه قبل أنصاره، وهي الدفاع عن الفقير، وكان هدفه األساسي أن يكون قادرا على‬ ‫ً‬ ‫مواجهة متطلبات الحياة وبالتالي من الصعب أن يفسد. وإذا حدث تكون حاالت فردية‬ ‫ً‬ ‫عندها تطلعات وليس مناخا يشيع ويحرض على الفساد. ولكن بدءا مما أسماه الكاتب‬ ‫ً‬ ‫الراحل أحمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح» ظهرت تغيرات تفسر ما نحن فيه اآلن،‬ ‫ففي األعوام 4791 و5791 و6791 دخلت مصر أموال رهيبة لم تحدث في تاريخها‬ ‫كله، وذلك بسبب االنطالقة الرهيبة ألسعار البترول وإيرادات قناة السويس وأموال‬ ‫السياحة ومئات اآلالف من المصريين الذين خرجوا للعمل في بالد النفط، باإلضافة‬ ‫إلى قروض ضخمة.. كل هذا لم يصرف منه سوى %02 والباقي هو األساس للثروات‬ ‫الموجودة حاليا للطبقة الجديدة، والتي ال نستطيع تسميتها رجال أعمال. وتم وضع بذور‬ ‫فاسدة كثيرة، منها االنفصال بين العمل وعائد العمل، وأصبحت القاعدة هي جهد ألقل‬ ‫وعائد أكبر، أي تشجيع وقح على الفساد.. وفي هذه األثناء ظهرت الشركات التي أخذت‬ ‫الشكل العائلي بالتعاون مع بقايا الطبقات القديمة والتي كانت قد انتهت بعد 2591، وقد‬ ‫اطمأن هؤالء إلى أن النظام الجديد ال يهددهم وأنهم جزء عضوي منه. ففي يوم من‬ ‫ً‬ ‫األيام كان المسئول عن تعمير مصر من أقصاها إلى أقصاها مقاوال هو عثمان أحمد‬ ‫عثمان، وهذا نموذج واضح الداللة ألن المقاولين يعترفون بالعموالت وال يعتبرونها‬ ‫عي ًا، وبالتالي أصبح الطريق مفتوحا أمام الفاسدين. وأصبحت المسألة في يقين المواطن‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫العادي أن أي مسئول في منصبه البد أن يحقق أكبر ثروة ألنه ال يضمن االستمرار،‬ ‫فال تقيله الجماهير ولكن يقيله األكبر منه ألسباب غامضة وغير معلنة، وهذا سبب‬ ‫أساسي في انتشار مناخ الفساد، وزير المواصالت السابق سليمان متولي وهو من أكثر‬ ‫الوزراء الذين بقوا في مناصبهم، فقد ظل عشرين عا ًا، عندما سأله صحفي لماذا ال‬ ‫م‬ ‫تضع تخطيطاً للسكة الحديد لمدة خمس أو عشر سنوات؟ رد هذا الوزير المعمر: وهل‬ ‫تضمن لي أن أبقى في مكاني خمسة أشهر وليس خمس سنوات؟!.. إذن فوجود الوزير‬ ‫ال يرتبط بحسن أدائه ولكن كما قلت بأسباب غامضة.. ثم إن اختيار الوزراء والمسئولين‬ ‫من جانب الدائرة الضيقة التي تحكم الرئاسة يتم عادة بالعالقات الشخصية أو بالمصادفة‬ ‫ألنه ال يوجد مناخ ديمقراطي يتيح ألفضل العناصر البروز، ولذلك من الطبيعي أن‬ ‫نسمع عن وزراء تم اختيارهم بالمصادفة أو بطريق الخطأ.‬ ‫خرج المصريون رافضين زيادة األسعار في يناير 7791 من أسوان إلى اإلسكندرية..‬ ‫82‬
  • 30. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫واليوم ارتفعت األسعار مئات المرات.. لماذا لم يخرجوا؟‬ ‫- في هذا الوقت خرج الناس إلى الشوارع ألن المفاجأة كانت كبيرة، فقد ارتفعت‬ ‫أسعار عدد كبير من السلع بشكل معلن، وعادوا إلى بيوتهم بعد أن عادت كما كانت..‬ ‫ً‬ ‫ولكن اآلن ال يتم اإلعالن عن أي ارتفاع في األسعار ويستخدمون طرقا مثل تغيير‬ ‫اسم السلعة أو وزنها وغيرها من طرق التحايل.. وأتصور أن %59 من المصريين‬ ‫يستنفدون أقصى جهدهم لتوفير الضروريات، أي تنحصر حياة الواحد منهم في العمل‬ ‫ً‬ ‫والنوم فقط، وإذا أسعده زمانه بساعتين فراغا يتكفل به إعالم فاجر، وأنا ال أتكلم عن‬ ‫الذين يملكون (دش).‬ ‫وهل يوجد شعب في الدنيا يتواطأ ضد نفسه إلى هذه الدرجة؟‬ ‫- أنا ال أدافع عن الشعب بشكل رومانسي، فهذا المواطن منهك وليس لديه أي فائض‬ ‫وقت أو جهد حتى يهتم بالقضايا العامة. وأتوقع أن الحال لن تستمر على ما هي عليه.‬ ‫أنا عندي يقين كامل بأنها «لن تعمر إال إذا خربت». وسيخرج المصريون إلى الشوارع‬ ‫ً‬ ‫احتجاجا وسيتم قمعهم وسيتكرر هذا حتى يصبح قمعهم مستحيال.. وهذا السيناريو‬ ‫ً‬ ‫سيحدث وأنا خائف منه ولكنني ال أرى ً‬ ‫حال غيره.‬ ‫تتمنى أن يحتج المصريون وأنت يا أستاذ فاروق خائف.. لماذا؟‬ ‫- أنا أرفض أن يتحمل شعبنا دون شعوب األرض إلى ما ال نهاية، ولكنني أنظر‬ ‫إلى جانب آخر وهو أن القيادات الموجودة اآلن غير مؤهلة على اإلطالق، فهناك تراث‬ ‫طويل من إخصاء هذه القيادات في كل المجاالت. فالقيادة التي تخرج تواجه الحقيقة‬ ‫وهي إما أن تقبل شروط اللعبة أو تبتعد. ولكنني أعتقد أن هذا التحرك الحتمي في البداية‬ ‫سيكون تلقائ ًا وعشوائ ًا، ولكنه بمرور الوقت سيفرز قياداته الحقيقية القادرة على أن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تسير معه إلى التغيير. وتأمل ما حدث في انتخابات نقابة الصحفيين، فحتى الذين ال‬ ‫يعرفون «جالل عارف» أو «صالح منتصر» من الناس العاديين كانوا فرحين ألن ما‬ ‫حدث هو شكل من أشكال رفض المفروض عليهم.‬ ‫تكلمنا كثيرا عن تحليل ما هو قائم.. في رأيك ما هو الحل؟‬ ‫ً‬ ‫- الشرط األول هو النضال لرفع قانون الطوارئ، ألنه محبط ألي شيء، فمن حق‬ ‫السلطة اآلن أن تقبض علي وعليك دون أي أسباب. وثان ًا رفع القيود التي تقيد المواطن‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وتقيد حق تكوين األحزاب وحق إصدار الصحف، وحق المجتمع المدني في أن يؤسس‬ ‫ُ‬ ‫تجمعاته الديمقراطية للمثقفين والكتاب ولكل الناس.. هذه الحزمة من الحقوق البد أن‬ ‫ً‬ ‫نناضل من أجل تحقيقها والتاريخ علمنا أن الحكام ال يعطون شيئا بإرادتهم، فمن يركب‬ ‫سيارة بمليون جنيه لن يتركها إال والسيف على رقبته، ربما تطول المسألة.. ولكن حت ًا‬ ‫م‬ ‫2‬
  • 31. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫البد أن يتغير كل هذا.‬ ‫ومن الذي سيقوم بتحقيق حزمة المطالب التي طرحتها؟‬ ‫- أنا ال أرى من هو مؤهل ألن يفعل ذلك من كل الذين يتصدرون الواجهة، إال قلة‬ ‫نادرة جدا، «فالكل أكلوا من الخبز المسموم». وفي المجال الذي أعرفه أكثر من غيره‬‫ً‬ ‫وهو الثقافة أرى الذين أكلوا هذا الخبز المسموم والذين باعوا صمتهم وهذا له ثمن،‬ ‫ولست في حاجة ألن أقول لك إن الفارق أصبح رهي ًا وال يستهان به بين أن يكون‬ ‫ب‬ ‫مرض ًا عنك أو مغضو ًا عليك: سيارة وتليفون دولي وجلسات ال نهاية لها كل واحدة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫بـ005 جنيه وما أقوله منشور ومعروف. ولذلك عندما أقيل أحد أصدقائنا من منصبه‬ ‫أصابه المرض وعملوا له عملية قلب مفتوح. وزمان كان الفارق بين أن تغضب عليك‬ ‫ً‬ ‫الحكومة وأجهزتها أو ترضى عنك مقدوراً عليه، كان بسيطا، أما اآلن فممكن أن يصل‬ ‫راتبك الرسمي إلى نصف مليون جنيه مثل يوسف عبد الرحمن.. ومع ذلك فأنا واثق من‬ ‫أن شعبنا ينطوي على إمكانات قد ال نعرفها وال نراها، وفي احتجاجاته المتكررة سوف‬ ‫تظهر حت ًا قياداته الحقيقية غير الملوثة.‬ ‫م‬ ‫كانت هناك مقاومة عنيفة ضد الرئيس السادات وسياساته من قبل األحزاب‬ ‫والمثقفين وغيرهم من القوى.. أين ذهب كل ذلك ولماذا هذا الموات؟‬ ‫- هناك متغيرات حدثت في المنطقة والعالم كله، وال تنسى زلزال انهيار االتحاد‬ ‫السوفييتي والدول الشيوعية، وأصبح في العالم قطب واحد.. زمان كنا نتحدث عن عدم‬ ‫االنحياز واآلن نتمنى عدم االنصياع، وتطورات القضية الفلسطينية من أوسلو وما بعدها‬ ‫وحماقة «صدام» في غزو الكويت وانتهى األمر بأن أصبح األمريكان هم حراس البوابة‬ ‫الشرقية.‬ ‫ومتغيرات الداخل؟‬ ‫- إرهاق المواطن وتزييف وعيه وإلهاؤه بلقمة العيش وتضييق الحريات.‬ ‫وماذا جرى للنخبة؟‬ ‫- في أفواههم ماء وذهب.‬ ‫ولماذا فشلت التيارات السياسية في أن تزرع نفسها في أرض الواقع؟‬ ‫- تيار اإلسالم السياسي لم يفشل، أما التيار ان القومي واالشتراكي فهما في انحسار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتراجع وليس موتا أو فشال. أنا من المؤمنين بأنه ال أهمية لمصر بدون السياق العربي‬ ‫والعكس صحيح، وقد أغنانا العالم جمال حمدان عن اإلفاضة في شرح ذلك. ولكن وكما‬ ‫أن الذي سقط في موسكو عام 0991 لم يكن الفكر الماركسي وال النظرية نفسها، ولكنه‬ ‫ً‬ ‫أحد تطبيقاته، أيضا ما قامت به األحزاب القومية وبالتحديد البعثية وبتحديد أكثر بعث‬ ‫03‬
  • 32. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫«صدام»، ال يعني فشل فكرة القومية ولكن أحد تطبيقاتها.‬ ‫أما الفكر االشتراكي في مصر والعالم العربي فطبيعته مختلفة، فقد بقي دائما ً‬ ‫عمال من‬ ‫أعمال النخبة، ربما يبدو أثره في الواقع الثقافي والفكري أكثر بكثير من المجتمع نفسه.‬ ‫فقد عجز اليساريون عن تحليل واقعهم، فكما كان يقال عندما تمطر الدنيا في موسكو‬ ‫فإن الشيوعيين العرب يحملون الشماسي. فهم لألسف لم يعرفوا سوى النموذج الستاليني‬ ‫وسارتر قال: إن الماركسية حقل استنبات ترمي فيها بذرة عربية تخرج ثمرة عربية.‬ ‫ومع ذلك فالماركسية لم تخفت في العالم، والدليل صعود الصين المدوي وتحقيقها معدل‬ ‫نمو غير مسبوق في التاريخ.‬ ‫أستاذ فاروق أشعر بأن هذا الكالم من باب طمأنة الذات؟‬ ‫- غير صحيح، فأنا أفهم الماركسية في حدود تطبيقاتها العامة والتفاصيل متروكة‬ ‫للمعنيين سواء كانوا صينيين أو عربا أو غيرهم. فمثال المبدأ الماركسي: لكل قدر عمله‬ ‫ولكل قدر حاجته، معناه أن هناك عقدا بين المواطن ونظام الحكم مؤداه أن تؤدي عملك‬ ‫مقابل احتياجاتك وكل بلد يطبق األساليب التي تحقق هذا المبدأ بالطريقة المناسبة له‬ ‫والتي تتفق مثال مع التدين في عالمنا العربي.‬ ‫ولكن الصين حققت كل هذا التطور عندما تخلت عن بعض المقوالت الماركسية‬ ‫وأدخلت أفكارا رأسمالية؟‬ ‫ً‬ ‫- ولم ال؟! فإذا كانت التجربة قد أثبتت أن الحافز الفردي غاية في األهمية، فلماذا ال‬ ‫َ‬ ‫دخلها في نسيجي، المهم هنا هو تطبيق القواعد‬ ‫أعترف به حتى لو كان فكرة رأسمالية وأُ‬ ‫العامة للماركسية والتي أراها صالحة في كل مكان وزمان.‬ ‫ولكن النموذج البعثي ال يكفي وحده لتفسير فشل الناصريين والقوميين في زرع‬ ‫أفكارهم في الواقع؟‬ ‫- مع األخذ في االعتبار أن عالقات الشعوب العربية لم تنقطع، فإن فكرة عروبة‬ ‫مصر جديدة على المصريين، ومسألة أن مصر قلب العرب ومرشدته إلى الصالح‬ ‫والفساد بدأت في العشرينيات من القرن الماضي. وتحتاج إلى وقت طويل حتى تترسخ،‬ ‫خاصة أن التجارب التي حملت يافطة القومية - وخاصة البعث- انتهت كما قلت بغزو‬ ‫دولة عربية أخرى.. وكانت الشعارات العروبية تأتي من أعلى، بالضبط مثلما كانت‬ ‫الوحدة بين مصر وسوريا قرارا من أعلى.‬ ‫أستاذ فاروق لماذا فشلت كل تجارب الديمقراطية في عالمنا العربي: مصر ولبنان‬ ‫والسودان وغيرها؟‬ ‫- ليس من الضروري أن نطبق النموذج الغربي في الديمقراطية وهي صوت واحد لكل‬ ‫13‬
  • 33. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫مواطن، علينا أن نفكر في أشكال أخرى من الممارسة بحيث نحقق األهداف المطلوبة،‬ ‫بمعنى أن يكون للجماهير الحق في اختيار من يمثلها ومن يديرون البلد لصالحها.. وربما‬ ‫ً‬ ‫الفشل الذي تشير إليه كان سببه أننا عانينا من االحتالل طويال، وهناك أجزاء في العالم‬ ‫العربي ظلت محتلة حتى أواخر الستينيات.‬ ‫ً‬ ‫ولكن النضال ضد االحتالل كان مرتبطا بمد ديمقراطي؟‬ ‫- تحقق هذا قبل 2591بسنوات قليلة، حيث ارتبط الجالء بالعدالة االجتماعية وهذا‬ ‫زمن ًا غير كاف إلنضاج فكرة الديمقراطية، أضف إلى ذلك موقع العالم العربي الذي‬ ‫ي‬ ‫فرض عليه معارك لم يخترها، ومنها زرع هذا الجسم االستيطاني الصهيوني، وعلينا‬ ‫أال نكيل االتهامات ألنفسنا ونضع كل شيء في سياقه التاريخي والموضوعي، فالعرب‬ ‫مثل أي شعب آخر يريد الحرية.‬ ‫ولماذا كانت فترات النهوض في تاريخنا مرتبطة باالستبداد والديكتاتورية والفترات‬ ‫التي تحقق فيها هامش – ولو ضيق - من الحرية ارتبطت بالفقر والضياع؟‬ ‫- لو لم يبطش محمد علي بعمر مكرم والقيادات الشعبية التي جعلته حاك ًا لمصر ولو‬ ‫م‬ ‫استعان بها ولم يستخدمها لحقق أكثر مما فعل بكثير، وكذلك عبد الناصر وخاصة بعد‬ ‫6591 وكان ملء السمع والبصر ولو كان حقق الديمقراطية ووثق في الشعب أعتقد أن‬ ‫هزيمة 7691 بأكملها ما كانت لتحدث.‬ ‫لماذا تهاجم بشكل دائم المثقفين الذين يتعاونون مع أجهزة وزارة الثقافة وكأنهم‬ ‫خونة؟‬ ‫- نبتعد عن التخوين ألنه من أقسى الكلمات على قلبي وال أحبها، أما فكرة اإلصالح‬ ‫من داخل السلطة فهي قديمة، وكانت لها مبرراتها الموضوعية في زمن عبد الناصر‬ ‫ألن نظامه كله كان يعطي الفرصة للمثقف الجاد إلنجاز أهدافه التي ال تختلف كثيرا عن‬ ‫ً‬ ‫أهداف النظام. أعظم إبداع يوسف إدريس تدفق عندما كان على وفاق مع أهداف النظام،‬ ‫وبعد ذلك تعثر. وهناك غيره من المثقفين المحترمين مثل فتحي رضوان وحسين فوزي‬ ‫وغيرهما. وعندما أطاح السادات برجال عبد الناصر وإنجازاته بهبة ريح كان يقرب‬ ‫ويبعد المثقف على قاعدة الوالء المباشر له ولسياساته، وهذا جعل الكثير من المثقفين‬ ‫يدركون أنهم لن يحققوا أي شيء من أهدافهم لو تعاونوا معه.‬ ‫هل حدث فرق في عهد مبارك؟‬ ‫- على اإلطالق، ثوابت السادات باقية كما هي في السياسة الداخلية والخارجية،‬ ‫التعديل تعديل في حركة السير، ولكن على نفس الطريق. وزد على ذلك اعتبارا خاصا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بي، أنا أعمل بالنقد والناقد بشكل من األشكال قاض وصفة أساسية في القاضي هي‬ ‫ٍ‬ ‫23‬
  • 34. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫االستغناء، بمعنى أن تحقق درجة من التجرد والبعد عن مظنة الشبهات. ولذلك أنا أبتعد‬ ‫عن التعاون مع األجهزة الثقافية، ألنني أرى أنها مواطن شبهة، بمعنى أنها تستعين‬ ‫بك لكي تحقق لها أهدافها هي بصرف النظر عن التقائها مع قناعتك الشخصية. بعبارة‬ ‫أخرى تحويل المثقف إلى موظف وأنا من الذين مازالوا يؤمنون بأن المثقف الجدير بهذه‬ ‫الصفة ليس الذي قرأ كتابين زيادة أو الذي يلغو ببعض المصطلحات، ولكن الذي تتوفر‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫فيه صفتان أوال أن يكون طموحا إلى واقع أكثر عدال وأمنا وجماال. وثان ًا أن تتحول هذه‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫القناعات إلى سلوك، أي ال يعاني من التناقض بين ما يقول وما يفعل، وإال كيف يطمح‬ ‫المعارض في أن يحصل على مزايا من يعارضه؟!!‬ ‫معنى كالمك أن نترك أجهزة الدولة وهي ملك للشعب وليس للحكومة ألرباع‬ ‫وأنصاف المثقفين أو للموظفين.. ثم إنك تكتب في مجلة المصور وهي قومية أو‬ ‫بمعنى أدق حكومية؟‬ ‫- أنا أكتب في المصور ولي أربعة كتب صدرت عن دار الهالل ولكن بمنطق محكم،‬ ‫بمعنى أنني أقدم هذا التنازل، أي خروجا على مبدأ رفض التعامل مع أجهزة الثقافة‬ ‫ً‬ ‫الرسمية ولكن من أجل الوصول إلى الناس، ألنه ال جدوى من أن تخرج من الصمت‬ ‫ً‬ ‫إلى الصمت، وأختار لتحقيق ذلك أفضل األدوات المتاحة وأنشر رأيي كامال وبحرية‬ ‫كاملة. وأرفض مثال عضوية أية لجان ألنها بال فائدة وأصبحت بابا لالسترزاق مثل‬ ‫لجان القراءة بالمسارح ولجان المجلس األعلى للثقافة.‬ ‫ولكن الدور الذي يمارسه الذين يتعاونون مع األجهزة الثقافية إذا كان يجمل وجه‬ ‫ً‬ ‫الحكومة، فانه في نفس الوقت يفيد الناس ولو قليال ويوسع دائرة العمل الجاد ولو‬ ‫قليال؟‬ ‫مكن وزير الثقافة فاروق حسني من أن يقول «إنني‬ ‫- الواقع أثبت أن ما يفعلونه ّ‬ ‫جمعت المثقفين في حظيرة واحدة وإنهم يلتفون حولي «كالهاموش»، وما كان يستطيع‬ ‫أن يقول ذلك بدون جهد هؤالء. وقد أثبتت المواقف أن الوالء األول لهؤالء هو لمن‬ ‫أجلسهم على مقاعدهم.‬ ‫إذن كيف تنظر إلى المشروع القومي للترجمة الذي يصدره المجلس األعلى للثقافة‬ ‫ومشروع مكتبة األسرة الذي تصدره هيئة الكتاب؟.. أال يحمالن أية إيجابيات؟‬ ‫- المجلس عنده مشروع الترجمة والهيئة عندها مشروع األلف كتاب الثاني وأكاديمية‬ ‫الفنون لديها قسم للترجمة وهيئة قصور الثقافة لديها سلسلة للترجمة.. ماذا تفهم من‬ ‫ذلك؟! إنه ال يحكمهم أي تنسيق والدافع الوحيد لحركتهم ليس الثقافة ولكن الغيرة من‬ ‫بعضهم بعضا. ولو كان هناك ضمير نقدي يقظ فالبد أن يسأل: ما هي ميزانية مشروع‬‫ً‬ ‫33‬
  • 35. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫مكتبة األسرة وماذا يطبع؟ هل يغير أغلفة كتب ملقاة في المخازن؟! فهناك غياب كامل‬ ‫للرقابة وال أحد يسأل أي مسئول ماذا فعلت ولماذا؟ وكل واحد منهم يختبئ وراء أي‬ ‫ستار من أي نوع حتى يحمي نفسه وال داعي ألن نقول أكثر من هذا.‬ ‫ولكن هذه األنشطة تحقق مكاسب حتى لو كانت ضئيلة؟‬ ‫- إن تحققت فهي جزئية وصغيرة وال تساوي كم الدعاية لها. على سبيل المثال‬ ‫مهرجان المسرح التجريبي ينفق من 4 إلى 5 ماليين جنيه وفائدته قليلة.. فهل يستطيع‬ ‫أحد إيقافه؟! مشروع التفرغ عندما بدأ عام 4691 كان هدفه ببساطة إتاحة الفرصة‬ ‫للمبدعين أن يتحرروا من أعباء وظائفهم وينجزوا مشاريعهم الفنية، فكتب أبو المعاطي‬ ‫أبو النجا رواية «العودة إلى المنفي» عن عبد اهلل النديم، وكتب ألفريد فرج مسرحية‬ ‫«سليمان الحلبي». اآلن تحول المشروع إلى عطايا ومنح لتأييد سياسات وزارة الثقافة‬ ‫أو على األقل الصمت عنها وال داعي لذكر األسماء.‬ ‫نشر هذا احلوار فى جريدة «العربى» العدد 478 بتاريخ 13/8/3002‬ ‫وفى جريدة «العرب» الدولية الصادرة فى لندن‬ ‫43‬
  • 36. ‫الزواج احلرام‬ ‫د.فاروق عبد القادر‬ ‫سيرة ذاتية‬ ‫- فاروق عبد القادر.‬ ‫- ليسانس آداب جامعة عين شمس.‬ ‫- كاتب ومترجم حر.‬ ‫- نشر دراساته ومقاالته في أهم صحف ومجالت العالم العربي.‬ ‫- سكرتير تحرير مجلة «المسرح» – القاهرة – من أغسطس 7691 حتى ديسمبر 0791.‬ ‫- المحرر المسئول عن مواد األدب والفن – مجلة الطليعة- القاهرة من 2791حتى عام 7791.‬ ‫- له العديد من الكتب منها:‬ ‫ازدهار وسقوط المسرح المصري، القاهرة،9791. مساحة للضوء، مساحة للظالل‬ ‫(أعمال في النقد المسرحي 7691 إلى 7791) القاهرة، 6891. نافذة على مسرح الغرب‬ ‫المعاصر (دراسات وتجارب) القاهرة، 7891. أوراق من الرماد والجمر، القاهرة، 8891.‬ ‫رؤى وهموم الثورة المحاصرة، بيروت، 0991 (طبعة ثانية: القاهرة، 5002). أوراق‬ ‫أخرى من الرماد والجمر، القاهرة، 0991. من أوراق الرفض والقبول، القاهرة، 2991.‬ ‫نفق معتم ومصابيح قليلة، القاهرة، 6991. البحث عن اليقين المراوغ، القاهرة، 8991.‬ ‫كراسة سعد اهلل ونوس وأعمال أخرى، القاهرة، 0002. غروب شمس الحلم، القاهرة،‬ ‫2002. في الرواية العربية المعاصرة، القاهرة، 3002. في المسرح المصري، تجريب‬ ‫وتخريب، القاهرة، 4002.‬ ‫- وترجم نصوصا مسرحية عديدة منها: تينسي ويليامز: مسرحيات، القاهرة 0891. انطون‬ ‫ً‬ ‫تشيكوف: بالتونوف، دمشق،0891.آرتو آداموف: لعبة البنج بونج، دمشق،1891.‬ ‫وترجم دراسات في المسرح منها: بيتر بروك: األعمال الكاملة (مجلد يضم أربعة أعمال:‬ ‫يو. إس- المساحة الفارغة- النقطة المتحولة - الباب المفتوح) دار الهالل، القاهرة، 1002.‬ ‫يمس روس ايفانس: المسرح التجريبي من ستالنسالفسكي إلى بيتر بروك، القاهرة، 9991.‬ ‫وفي العلوم اإلنسانية والنقد األدبي: دراسة في قيادة جماعات األقلية، القاهرة، األلف‬ ‫كتاب 5691. س.كوهن: مقدمة في نظريات الثورة، بيروت،9791. موريس كونفورث:‬ ‫الفلسفة المفتوحة والمجتمع المفتوح،بيروت،9791.‬ ‫ج.برنال: العلم في التاريخ (المجلد الرابع)، بيروت،2891. رايموند وليامز: في طرائق‬ ‫الحداثة - عالم المعرفة، الكويت،8991. راسل جاكوبي: نهاية اليوتوبيا - عالم المعرفة،‬ ‫الكويت،1002.‬ ‫53‬
  • 37.
  • 39.
  • 40. ‫وزير الثقافة فاروق حسني:‬ ‫هذه هي شروط تداول السلطة يف مصر‬ ‫*أوافق على االنتخاب المباشر لرئيس الجمهورية بشروط‬ ‫*نعم الحكومة أقرضت رجال األعمال بشكل عشوائي‬ ‫* أنا مع حرية تكوين األحزاب السياسية وليست الدينية‬ ‫*لم أدفع جمال مبارك إلى العمل السياسي‬ ‫*ال توجد أي عالقة خاصة بيني وبين الرئاسة‬ ‫* الذي يطالب بفصل اآلثار عن وزارة الثقافة جاهل‬ ‫* الخالف بيني وبين األزهر يحكمه القانون‬
  • 41.
  • 42. ‫احملنــة‬ ‫فاروق حسنى‬ ‫ما كان لهذه الحوارات أن تكتمل بدون مسئول حكومي، فقد كان الهدف منها هو أن‬ ‫أقدم للقارئ الكريم بقدر ما أستطيع بانوراما، فيها كل ألوان الطيف السياسي في البلد، أو‬ ‫بمعني آخر مقط ًا عرض ًا للعقل العام في مصر سواء كان في الحكومة أو المعارضة أو‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫خارجهما.. وكانت أمامي اختيارات كثيرة فضلت فيها فاروق حسني ألسباب كثيرة، أهمها‬ ‫أنه وزير قديم وله وزن ال يستهان به داخل النظام، يمكن بسهولة اكتشافه إذا استعدت‬ ‫المعارك الشرسة التي شنها ضده خصومه، ليس فقط في أوساط المثقفين ولكن حتى في‬ ‫أروقة الحكم، ناهيك عما يتردد بقوة عن عالقة خاصة تربطه بالرئاسة، وما استطعت‬ ‫الحصول عليه من معلومات تؤكد أنه كان أحد أهم الذين دفعوا جمال مبارك نجل الرئيس‬ ‫إلى العمل السياسي وقريب منه بشكل أو بآخر.. وبعد كل هذا هو الوزير المسئول عن ثقافة‬ ‫المصريين، ليس بمعنى تثقيفهم ولكن بمعنى مسئوليته عن البنية التحتية للثقافة المصرية‬ ‫في بلد تحتكر فيه الدولة معظم وسائل اإلعالم والثقافة.. باإلضافة إلى أن فاروق حسني‬ ‫بتركيبته الشخصية سوف يتقبل بسهولة أسئلة اجتهدت في أن تكون جادة، فالرجل بغض‬ ‫النظر عن أي اختالف، لديه مساحة ليبرالية ليست بالقليلة.‬ ‫والحقيقة أنه لم يخيب ظني فقد رحب بإجراء أول حوار سياسي معه حول مستقبل‬ ‫مصر، وكانت المفاجأة أنه يوافق على االنتخاب الحر المباشر لموقع الرئيس وحرية‬ ‫تكوين األحزاب وإصدار الصحف وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات، ولكنه في‬ ‫14‬
  • 43. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫نفس الوقت يضع شروطا البد من تحقيقها أوال قبل أن يتحقق كل ذلك.. ووافق على أن‬ ‫تكون ثروات ورواتب الوزراء والمسئولين معلنة وأشار إلى أن مجلس الشعب يعرفها،‬ ‫ونفى تماما أنه لعب دورا في دفع جمال مبارك إلى العمل السياسي رغم أنه في رأيه‬ ‫«شاب وطني رائع». وأكد أن الذي يربطه بالرئاسة الشغل فقط، واعترف الوزير بأنه‬ ‫يختار مساعديه من بين دائرة ضيقة وأشار إلى أن الخالف بينه وبين األزهر يحكمه‬ ‫القانون وليس رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.‬ ‫ما هو تصورك لمستقبل مصر؟‬ ‫- مصر دولة قديمة جدا وعظيمة جدا، أحيانا تمر بها محن وأحيانا أخرى تصل إلى‬ ‫أوج ازدهارها. وال يجب أن نغلق باب األمل ألن لدينا محنة. هذا البلد لديه إمكانيات‬ ‫دولة عظمى، والمحنة االقتصادية المؤقتة من المؤكد أن لها حلوال، ألن كيان الدولة هو‬ ‫الخزينة األساسية، النيل، اآلثار، المناخ، المادة الخام. وبصراحة ال أعرف لماذا كل‬ ‫هذا الرعب من مستقبل مصر، رغم أن هذا الشعب ال يمكن أن تقهره محنة اقتصادية‬ ‫مؤقتة؟!‬ ‫اسمح لي من حقنا أن نكون مرعوبين من المستقبل، فلدينا أزمة اقتصادية غير‬ ‫مسبوقة وارتفاع جنوني في األسعار، دور مصر تراجع على كل المستويات، أي أن‬ ‫هناك عوامل إحباط كثيرة؟‬ ‫- لقد سألتني عن المستقبل.‬ ‫إذن على أي أساس تبني هذا التفاؤل؟‬ ‫- على إمكانيات الدولة، عندما تتعطل سيارة هل نحولها إلى خردة أم نستفيد من‬ ‫إمكانياتها ونصلحها ونكمل مشوارنا باقتدار؟ ال يجب أن نتشاءم وستمر هذه األزمة‬ ‫ونحتاج إلى قليل من الصبر.‬ ‫وما تفسيرك لألزمة العنيفة التي يمر بها البلد؟‬ ‫- كارثة التهرب الضريبي، فالدولة تحصل الضرائب من أجل تدعيم النور‬ ‫والمواصالت والكهرباء وغيرها وتقوم بدور كبير جدا، فعندما نتحدث عن البطالة البد‬ ‫أن نسأل أين هي الدولة التي توظف في أجهزتها 6 ماليين؟ نحن 07 مليونا، فعندنا‬ ‫ترهل في وزارة الثقافة كان مهوال، ويمكن أن يسير العمل بواحد على عشرة من العدد‬ ‫الحالي.‬ ‫ً‬ ‫ولكن هناك حلوال ألزمة البطالة الرهيبة؟‬ ‫- حلها إيجاد مشروعات جديدة، عندنا مساحة مليون كيلومتر مربع، وعندنا سبع‬ ‫بحيرات لم يفكر أحد في استغاللها، الوادي الجديد 64% من مساحة مصر، 311 منطقة‬ ‫24‬
  • 44. ‫احملنــة‬ ‫فاروق حسنى‬ ‫أثرية، لدينا صحراء عظيمة جدا، مناخ رائع والكثير من المغريات، الصعيد بكل جماله‬ ‫وإمكانياته التراثية والطبيعية، هذه كلها مقومات رائعة. عندما تذهب إلى سويسرا فليس‬ ‫فيها آثار ولكن طبيعة خالبة. كل هذا يحتاج إلى أن يفكر فيه ويستثمره رجال األعمال.‬ ‫هل يعني كالمك ضمنيا أن الحكومة ليست مسئولة عما وصلنا إليه؟‬ ‫- الحكومة ليست وحدها، فهي من الشعب ومع الشعب، وتدير العمل اليومي للدولة،‬ ‫والشعب البد أن يقوم بدوره، فليس معقوال أال يدفع كل واحد الضرائب المستحقة عليه، حتى‬ ‫ً‬ ‫تبني الدولة طرقا وتدفع رواتب الموظفين وتبني مستشفيات وباقي الخدمات األساسية.‬ ‫وهل الحكومة عاجزة عن سن القوانين وتنفيذها؟‬ ‫ً‬ ‫- القانون موجود وينفذ ولكن هناك تحايال غري ًا، وإذا تم «تظبيط» هذه األشياء تأكد‬ ‫ب‬ ‫أننا سنكون دولة غنية. ناهيك عن القوى الخارجية المتربصة بنا والتي تفتعل مشاكل‬ ‫ً‬ ‫رهيبة جدا من حين إلى آخر، مثل السياحة وهي دخل رئيسي.‬ ‫سأسألك باعتباري مواطنا: هذا العهد موجود منذ 42 عاما تقري ًا..‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫- (مقاطعا) أنت تتحدث عن الحكومة؟‬ ‫ً‬ ‫ال العهد كله لم يقدم شيئا، لدينا أزمة اقتصادية هو المتسبب فيها ورواتب هزيلة‬ ‫«متأكلش عيش حاف»؟‬ ‫- ال دعنا نتحاسب، أظن أنك مدرك أنه في عام 1891 كان شكل البلد «عامل‬ ‫إزاي»، ال شوارع وال تليفونات وال مواصالت، كان هناك انهيار كامل وكانت خزينة‬ ‫الدولة فارغة. وحدث اإلصالح االقتصادي وجدولة الديون في الداخل والخارج، ومن‬ ‫وقتها «احسب كام» كيلومتر طرق تم عمله، وعدد المدن الصناعية والسكنية والسياحية‬ ‫التي تم إنشاؤها، وانظر إلى اإلعمار الذي تم في سيناء. ثم إنك تنسى الزيادة الرهيبة‬ ‫في السكان، فمن أين تأتي الحكومة لتغطي ذلك؟! فهذا وحش يلتهم أي تقدم اقتصادي‬ ‫أو مادي.‬ ‫إذا كان الرئيس وكل المسئولين يقولون إن سبب كل «البالوي» هو الزيادة‬ ‫السكانية، فما المانع من صدور قانون ينظم هذا األمر مثل قوانين الصين التي تحرم‬ ‫الطفل الثاني أو الثالث من االمتيازات التي تمنحها الدولة طالما أنكم ترون أن هذا هو‬ ‫الحل الوحيد؟‬ ‫- هذه مسألة قتلت بحثا ولدينا محافظات بدأت في السيطرة على هذه المشكلة، ولكن‬ ‫دول الخليج مجتمعة «مكملتش» مليونا، ونحن نزيد كل عام مليونا ومائتي ألف، فهل هذا‬ ‫معقول؟! وهذه مشكلتنا الكبيرة والعقلية المصرية تتعامل حتى فى وجود قانون بمنطق‬ ‫كل عيل يأتي برزقه.‬ ‫34‬
  • 45. ‫مصر رايحه على فني‬ ‫وهل الحكومة عاجزة عن إصدار قوانين تحل المشكلة؟‬ ‫- ال ليست عاجزة، لكنك تتعامل مع شعب سماته مختلفة، فقوانين فرنسا أو الهند قد‬ ‫ال تصلح للتنفيذ عندنا، لكل بلد طبيعته، الصين أخذت هذا القرار في الوقت الذي كان‬ ‫فيه ديكتاتورية رهيبة. اليوم نتحدث عن حرية الرأي والديمقراطية، ليس أمامنا إال أن‬ ‫يعرفوا أن هذا ضد مصلحتهم في النهاية.‬ ‫الكل يتحدث عن اإلصالح السياسي حكومة ومعارضة فما هو تصورك له في نقاط‬ ‫محددة؟‬ ‫- سأقول لك رأيي رغم أنني أعرف أن الحزب الناصري لن يكون سعيدا برأيي.‬ ‫سوف ننشر رأيك كامال.‬ ‫- أوال البد أن نشخص المشاكل ثم نقوم بعملية قياس بالمجتمعات الدولية كلها، هل‬ ‫عندنا حرية أم ال؟‬ ‫عندنا هامش حرية وليس حرية كاملة؟‬ ‫- وما هو باقي الهامش؟‬ ‫إلغاء قانون الطوارئ، انتخاب رئيس الجمهورية بشكل حر مباشر من بين عدة‬ ‫مرشحين، حرية تكوين األحزاب وحرية إصدار الصحف؟‬ ‫- هناك فرق بين الديمقراطية والحرية؟‬ ‫وما هو الفرق؟‬ ‫- الحرية أنتم تمارسونها في جريدة العربي ولم يعترض أحد.‬ ‫ولكننا ال نستطيع النزول إلى الشارع للهتاف ضدك وضد السيد الرئيس؟‬ ‫- هذا حدث، وطالبوا برأس وزير الثقافة.‬ ‫ممنوع الهتاف ضد رئيس الجمهورية؟‬ ‫- ال، هامش الحرية يصل إلى 59% وهذا جميل جدا، أي تكاد تكون حرية كاملة لم‬ ‫نعشها من قبل، ال أنا وال أنت. أما الديمقراطية فهي تداول السلطة واالنتخابات الحرة،‬ ‫والموجود ليس هو ما نتمناه، إذن نرى ما هو المتبقي وكيف يتحقق؟.‬ ‫من المؤكد أنك تريد حرية كاملة كمثقف؟‬ ‫- من أجل استكمال الديمقراطية البد من انتخاب حر مباشر للرئيس كما تقول وتداول‬ ‫للسلطة، والبد أن نبحثها إليجاد الطرق المناسبة للتنفيذ، وأنتم تطالبون بأن يكون هناك‬ ‫انتخاب حر مباشر لمنصب الرئيس اآلن وفورا، ولكن هناك أسئلة قبله، من الذي سيأتي‬ ‫ً‬ ‫إلى هذا الموقع لو نفذت هذا الكالم فورا، وكيف ستختاره وعلى أي أساس؟.‬ ‫أختار بحريتي كمواطن من أريده؟‬ ‫44‬