SlideShare a Scribd company logo
1 of 5
‫لعلنا قرأنا أو سمعنا الكثير عن سيكولوجيا الطفل، سيكولوجيا العماق، سيكولوجيا العدوان... إلخ لكن‬
    ‫سيكولوجيا السياسة أمر جديد ول شك، فهل للسياسة سيكولوجيا خاصة، متبلورة وقائمة بذاتها؟ هل ينطلق‬
                    ‫السياسي في عمله وممارساته السياسية من منطلقات سيكولوجية محددة؟‬


‫هل... هل... إلى آخر ما هنالك من أسئلة يمكن أن تتبادر إلى الذهن ونحن نواجه مثل هذا العنوان، لنخلص إلى‬
                              ‫إجابة واحدة على هذه السئلة جميعاً هي:‬

    ‫نعم. للسياسة سيكولوجياها الخاصة مثلما هنالك سيكولوجيا للعددان وسيكولوجيا للطفل.. كما إن للسياسة‬
  ‫علقة مباشرة ووطيدة بعلم النفس ذاته وميدان آخر بالغ الهمية أل وهو: الثقافة، أي أن هنالك ثلثة ميادين‬
   ‫للنشاط البشري وللمعرفة البشرية مترابطة فيما بينها أشد الترابط. هذه الميادين هي: علم النفس، السياسة،‬
 ‫ا‬
 ‫الثقافة، ذلك أن الثقافة تلعب دورً كبيرً في تحديد سيكولوجية الفرد والجماعة والسيكولوجية هذه تؤثر تأثيرً‬
                                                                     ‫ا‬     ‫ا‬
  ‫مباشرً في السياسة وتصرفات السياسيين وردود أفعالهم في هذا الموقف أو ذاك، كما أن السياسة تشكل أحد‬‫ا‬
   ‫العوامل الهامة في تغيير الثقافة والسيكولوجيا للفرد والمجتمع. من هنا نشأت فكرة علم النفس السياسي أو‬
 ‫سيكولوجيا السياسة، حيث تتقاطع هذه الميادين الثلثة فيؤثر واحدها في الخر ويتأثر به ضمن عملية تفاعل‬
 ‫متبادلة تستحق كل بحث وتمحيص للتوصل إلى فهم أفضل لسيكولوجيا السياسة أو علم النفس السياسي هذا،‬
                                              ‫كما يمكننا أن ندعوه.‬
 ‫واسع ومتنوع مجال هذا العلم، ذلك أنه يتضمن أنواع ً ل حد لها من النماذج والطرائق. وفي حين تبدو الفروع‬
                                                          ‫ا‬
 ‫الكاديمية الخرى متجهة نحو تضييق بؤرها بغية التركيز على تفاصيل معينة، فإن علم النفس السياسي يفتح‬
 ‫ذراعيه باستمرار للترحيب بالقضايا والستبصارات والمقاربات الجديدة. المر الذي يمكن رده إلى كثرة المواد‬
      ‫واتساع النطاق الذي يدرسه هذا الفرع، فالسياسية واسعة النطاق، تدخل في كل صغيرة وكبيرة من حياة‬
      ‫النسان، فردً ومجتمع ً. ونظرً لن السياسة ترتكز أساس ً، على الطبيعة البشرية، يتعين علينا لكي نفهم‬
                                                   ‫ا‬                       ‫ا‬    ‫ا‬         ‫ا‬
‫السياسة أن نفهم علم النفس من جهة، ونفهم ثقافة ذلك المجتمع من جهة ثانية، باعتباره وحدة سياسية واحدة‬
    ‫سواء أكانت ثقافته أحادية أم تعددية، فليس كل مجتمع مجتمع ً خالص ً، صافي ً، عرقي ً، أي يتكون من عرق‬
                         ‫ا‬      ‫ا‬       ‫ا‬      ‫ا‬
    ‫واحد له تاريخه وتراثه وثقافته الواحدة بل قد يكون في المجتمع عرقيات مختلفة، وبالتالي ثقافات مختلفة،‬
   ‫لهذا يمكن القول إن علم النفس السياسي يقع في نقطة التصال بين علم النفس وعلم الجتماع، من حيث أن‬
‫النظريات السياسية كلها تقوم على افتراضات تتعلق بطبيعة الفرد من جهة وديناميكية المجتمع من جهة ثانية،‬
                                   ‫القائد والجماعة، المواطن والدولة... إلخ..‬
   ‫إذً، لكي نفهم سيكولوجيا السياسة ل بد لنا قبل كل شيء، من أن نحللها إلى مكوناتها الثلثة ونفهم ك ً منها‬
         ‫ل‬                                                                                           ‫ا‬
                                                     ‫على حدة:‬
  ‫1 علم السياسة: مذ نشأت المجتمعات البشرية نشأت السياسة، ذلك أن السياسة هي فن إدارة المجتمع الذي‬
 ‫يتخذ شكلً أو وحدة سياسية ندعوها الدولة. لقد عني المفكرون والباحثون منذ القدم بمسألة الدولة والسياسة‬
   ‫والسياسي، نظرً لهمية هذه العناصر الثلثة في حياة النسان والمجتمع وشدة تأثيرها على تلك الحياة، فقد‬
                                                                                        ‫ا‬
   ‫يكلف خطأ سياسي واحد المجتمع خسائر باهظة مادية ومعنوية، قد تودي به إلى الهلك.... السياسة بالنسبة‬
‫إلى المجتمع مسألة حياة أو موت، خراب أو عمران، تخلف أو تقدم، انحسار أو ازدهار، لهذا كتب أفلطون في‬
   ‫السياسة بل تصور جمهورية مثلى للدولة، يكون فيها الفلسفة ورجال الدب والفكر هم رأسها المحرك، كما‬
    ‫كتب في علم السياسة أرسطو وراح ضحية السياسة سقراط نفسه، كذلك كتب المفكرون العرب: ابن رشد،‬
   ‫الفارابي، ابن خلدون... إلخ، فيما خصص اليطالي ميكافيللي كتابه »المير« لهذا العلم، باحث ً في مواصفات‬
                   ‫ا‬
       ‫السياسي الناجح، محددً السياسة ومقومات السياسة التي تفضي بها إلى الفلح أو الخفاق. ولقد أفاد‬
                                                                              ‫ا‬
 ‫المنظرون السياسيون الكلسيكيون، حين كتبوا في علم السياسة هذا، من علم النفس المتاح لهم بأكثر أشكاله‬
     ‫تقدم ً، لكن المدى الكبير الذي بلغه علماء السياسة في استخدام علم النفس والمعارف السيكولوجية لم يتم‬
                                                                                                  ‫ا‬
                                          ‫التوصل إليه إل في عهد حديث.‬
    ‫أي بعد أن تطور علم النفس وانصقل وتبلور على شكل علم قائم بذاته. ونظرً لن من المستحيل على عالم‬
                                ‫ا‬
     ‫سياسي أن يتجنب استخدام الفتراضات المتعلقة بالشخصية البشرية فقد انشغل بعضهم في هذا الستخدام‬
‫وغرقوا فيه إلى درجة اتهمهم بعض النقاد »بالسكلجة«، أي بتجاوزهم الحدود المسموح بها للسيكولوجيا، مما‬
            ‫سبب القلق للنقاد الذين شعروا بطغيان السيكولوجيا على السياسة لدى علماء السياسة أولئك.‬
     ‫عبر التاريخ ظل الشغل الشاغل لعلماء السياسة هو تحديد مواصفات السياسة الناجحة التي توفر للمجتمع‬



‫1‬
‫الرخاء والزدهار، المن والسلم، الحرية والستقلل وبالتالي السيادة والكرامة، وقد انصبت انتقاداتهم كلها‬
‫على الممارسات السياسية التي تنعكس على المجتمع انعكاسات سلبية تودي به إلى أضداد ما سبق وذكرت..‬
       ‫خاصة وهم يعلمون أن كل سلوك أو قرار يتخذه السياسي سينعكس سلب ً أو إيجاب ً على المجتمع.‬
                     ‫ا‬         ‫ا‬
   ‫كذلك كان الهم الدائم لعلماء السياسة أن يحللوا الدوافع والسباب الكامنة وراء هذه السياسة أو تلك هذا‬
‫السلوك السياسي أو ذاك، مثال على ذلك خروشوف: لماذا خلع حذاءه وضرب به المنضدة التي يجلس عليها؟‬
  ‫أزمة خليج الخنازير التي كادت تفجر حرب ً عالمية ثالثة، اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو، وهو الحدث‬
                                                               ‫ا‬
                            ‫الذي أشعل مباشرة فتيل الحرب العالمية الولى.. إلخ.‬
 ‫إنهم ينطلقون في أبحاثهم وتحليلتهم هذه من نقطة أساسية هي التالية: إذا ما تمت معرفة السباب والدوافع‬
    ‫وراء هذه السياسة أو ذلك التصرف، أصبح بالمكان فهمه وبالتالي تفادي وقوع مثيل له في المستقبل.‬


  ‫ضمن هذا المجال ينضوي اهتمام علماء السياسة بدراسة ظاهرة بدت غاية في الهمية لتأثيرها البالغ في‬
‫مجرى التاريخ وأحداث العالم كله في القرن العشرين، أل وهي ظاهرة الستبداد والدولة الستبدادية. لقد انكب‬
      ‫علماء السياسة في مرحلة من المراحل على تحليل تلك الظاهرة طبقاً لنواع بعينها من الحكم غير‬
 ‫الديموقراطي، فحددوا لب المسألة الستبدادية بأنه يكمن في طبيعة النظام الستبدادي ذاته. نتيجة ذلك جرت‬
‫دراسة الستبداد بطرق متعددة بغية تحديد جوهره من حيث أنه سياسات وممارسات منظمة للدولة، ولقد اتفقت‬
              ‫معظم تلك الدراسات على عناصر أساسية عدة تتكون منها استبدادية الدولة وهي:‬

‫-1 وجود مجموعة من الفكار المتطرفة ذات الطبيعة اليديولوجية )السياسية العقائدية وأحيان ً الدينية( التي‬
              ‫ا‬
 ‫تخدم كخطوط إرشاد مطلقة. هنا، تعد النظمة الستبدادية والدكتاتوريات العسكرية في القرن العشرين جديدة‬
 ‫تمام ً، نظرً لن اليديولوجيا هي التي لعبت، في الغلب، الدور الساسي في قيامها. تتضح هذه الحالة بأجلى‬
                                                                                            ‫ا‬    ‫ا‬
      ‫أشكالها في الفاشية والنازية، إذ شكلت مجموعة أفكار سياسية »متماسكة« أو ما يمكن أن نسميها‬
  ‫باليديولوجيا، خطوط إرشاد مطلقة للحزب، الدولة، والناس بغية التقدم نحو أهداف النظام »المجيدة«. تلك‬
 ‫الفكارالتي تنتقل عادة عبر منظومة وحيدة التجاه للدعاية. بحيث يتعين على المجتمع أن يؤمنوا بها كحقائق‬
                                              ‫مطلقة دون سواها.‬
‫بهذه الطريقة استطاعت تلك النظمة الدعاء بأنها هي الشعب ذاته دون أن تكون قد تسلمت المسؤولية من ذلك‬
             ‫الشعب بالنتخاب ودون أن يكون هذا الشعب قد فوضها بأن تنوب عنه أو تمثله البتة.‬
 ‫تتحول اليديولوجيا، ما إن تتم صياغتها على شكل »ماين كامبفز« أي كراسات صغيرة صفراء أو خضراء أو‬
‫حمراء، إلى ثقافة سياسية ذات عقابيل نفسية تظهر على شكل »نزعة تقليدية استبدادية« في حال دعم النظمة‬
    ‫الستبدادية اليمينية أو »نزعة استبدادية دوغمائية« في حال التطرف اليساري أو اليميني على السواء.‬


    ‫إنها الستعداد التام للمتثال الكامل لليديولوجيا أو خط الحزب، فاليديولوجيا المهيمنة تكون نتاج كل ما هو‬
           ‫تقليدي موروث وراسخ، لذلك ل تتحمل أية أفكار منافسة ول تتساهل مع أية مواقف مغايرة.‬

 ‫-2 وجود تنظيم مكرس لتلك الفكار: فالفكار الستبدادية تحتاج إلى تنظيم لكسب القوة السياسية. مثل هذه‬
‫الفكار قد تبقى هاجعة فترة طويلة من الزمن، تتغذى خللها وتبقى حية من خلل خليا أو روابط أخوية صغيرة‬
‫أو جمعيات سرية أو أحزاب هامشية... بعدئذ، وفي ظروف ملئمة، تثب إلى السلطة شريطة أن تكون قد أقامت‬
      ‫أو طورت تنظيم ً فعا ً. ذلك أن التنظيمات الستبدادية تطور مع الزمن مبدأ تنظيمي ً بارزً: التراتبية‬
                 ‫ا‬     ‫ا‬                                                         ‫ا ل‬
‫الستبدادية، أي ما دعي في الفاشستية بمبدأ: الفوهرر، )أي القائد(، حيث تمضي الوامر من القمة إلى القاعدة‬
                                       ‫لتنفذ بحذافيرها دون تردد أو تذمر:‬
               ‫بهذه الطريقة تتنامى ثقافة الطاعة السياسية العمياء للقائد وبالتالي للحزب والدولة.‬
 ‫فالولء المطلق والطاعة العمياء هما المتوقعان من الطبقات الدنيا في التنظيم. هذا الموقف التراتبي يغدو كلي‬
‫الوجود، أي هو موجود بين الحزب والقائد، الحزب والدولة، الحزب والمواطنين، إنها تراتبية شاقولية للسلطة‬
  ‫)أي من أعلى إلى أسفل( وهي أساسية للغاية بالنسبة إلى مفهوم الستبدادية. كما أنها تختلف عن التراتبية‬
  ‫الديمقراطية وحتى العسكرية في أنها ترفض أي نقد يأتي من تحت وتعادي أية جهة تتذمر أو تشكو حتى لو‬
                   ‫كان ذلك في صالح التنظيم. يدعى هذا التوجه التراتبي بالخضوع الستبدادي.‬


      ‫-3 ظهور أعمال متطرفة يدعى إليها أو يتم القيام بها لنشر تلك الفكار: أي استخدام الرعب والعدوان‬


‫2‬
‫الستبدادي للبقاء في السلطة فهناك اتفاق بين معظم علماء السياسة على أن أبرز سمة للنظمة الستبدادية‬
‫هي: حكم الخوف، وذلك من خلل القيام بأعمال قاسية ل إنسانية تصل أحيان ً إلى حد الوحشية بهدف واحد هو:‬
                               ‫ا‬
  ‫إخافة الناس وزرع الرعب في قلوبهم، بدءً من حملت التطهير إلى الغتيالت والقتل، إلى السجن والنفي،‬
                                                               ‫ا‬
 ‫وانتهاء بمعسكرات التجميع في دول القرن العشرين كليانية السيطرة. فكلها تهدف إلى تخويف الناس وإرهاب‬
 ‫كل من يحتمل أن يعارض القائد أو الحزب أو الدولة أو يتخذ موقعاً معادي ً لها. إنه السلح الساسي للقمع وكم‬
                                  ‫ا‬
                         ‫الفواه وبالتالي لسحق المعارضة بغية البقاء في السلطة.‬
  ‫أما تعريف »العدو« ، بالنسبة إلى هذه النظمة، فغالب ً ما يكون مبهم ً، إلى درجة يمكن معها لي مواطن أن‬
                                     ‫ا‬               ‫ا‬
             ‫يكون ذلك »العدو«، وبالتالي أن يخاف من العتقال، العقاب، التعذيب، وحتى الموت.‬
   ‫لعل ثقافة الخوف السياسي هي الكثر تميزً للنظمة والدكتاتوريات الستبدادية. إنها، وعلى نحو ل مناص‬
                                                              ‫ا‬
   ‫منه، تتغلغل في المجتمع بكامله والمؤسسات برمتها. هذا الميل لنزال العقاب القاسي بكل من يفترض أنه‬
 ‫منتهك، يدعى العدوان الستبدادي. لقد درس علماء السياسة ظاهرة الستبداد هذه بكثير من التفصيل ل مجال‬
   ‫لذكره هنا، كما درسوا ظواهر أخرى في السياسة كالتعصب العرقي مث ً، النزعة النفصالية، وغيرها من‬
                                 ‫ل‬
    ‫الظواهر السياسية مستفيدين من علم النفس وتطوراته في القرن العشرين، فما دور علم النفس يا ترى؟‬


                         ‫ب - علم النفس هو المك ّن الثاني لعلم النفس السياسي:‬
                                                     ‫و‬

  ‫كما نعلم، يهتم علم النفس أساس ً بدراسة النفس البشرية وما يك ّنها من عناصر، في محاولة جادة لفهم تلك‬
                                              ‫و‬                             ‫ا‬
    ‫النفس بكل ما فيها من غرائز وطباع، نزعات وميول، بواعث ودوافع، وعي ول وعي، نظرً لن السلوك‬
                 ‫ا‬
                ‫النساني يتوقف، في معظمه، على التركيبة السيكولوجية للنسان، فردً ومجتمع ً.‬
                 ‫ا‬         ‫ا‬
    ‫لقد ركز علماء النفس كثيرً على علم نفس الفرد مثل: سلوك قادة بعينهم، سلوك مواطنين أفراد كمنتجين‬
                                                                                ‫ا‬
  ‫ومشاركين مث ً، كما ركزوا على السلوك الجمعي سواء أكان ذلك على مستوى الجماعة أم المة. لقد امتدت‬
                                                                                          ‫ل‬
    ‫الدراسات السيكولوجية للفراد إلى ما وراء دراسات السيرة الذاتية لقائد بعينه أو استبيان آراء المواطنين‬
       ‫ومواقفهم كي تتضمن محاولت تنظيرية أكثر بحيث تقيم صلة وصل بين سمات الشخصية والتوجهات‬
‫اليديولوجية، كما هي الحال بالنسبة إلى الشخصية الستبدادية الفردية، فيما تضمن علم نفس السلوك الجمعي‬
  ‫مسائل تمتد من الشكال العرقية وغير العرقية لهويات الجماعة وصو ً إلى احتكاك الثقافات المتعددة بعضها‬
                                         ‫ل‬
                       ‫بالبعض الخر والمسائل المتعلقة بقضايا الحروب والتطلع إلى السلم.‬
‫لقد كان اللب الحقيقي لعلم النفس، منذ أن نشأ، هو تحليل نفسية الفرد والهتمام بالنفس البشرية ككينونة قائمة‬
     ‫بذاتها. لكن مع اتساع دائرة علم السياسة وتطور علم نفس السياسة، بات ل بد من النتقال إلى الهتمام‬
       ‫بالجماعة ودراسة علم النفس الجمعي، هنا بدت إشكالية مزعجة. فالنتقال من علم نفس الفرد الغني‬
    ‫بالمعلومات والمعارف إلى علم النفس الجمعي الوليد، وضئيل المعلومات والمعارف، واجه صعوبة كبيرة‬
 ‫قوامها أن علم النفس الجمعي ليس مجرد تراكم لعلم نفس الفرد، نظرً لن الجماعة ليست مجرد تراكم أفراد،‬
                                          ‫ا‬
 ‫بل هي تراكم كمي يحدث تغييرً نوعي ً تمام ً، المر الذي ترك انعكاسه على علم النفس السياسي وشوهه فترة‬
                                                                  ‫ا‬    ‫ا‬      ‫ا‬
    ‫من الزمن، ذلك أنه برز سؤال هام: إذا كانت الشخصية البشرية كينونة قائمة بذاتها وبالغة التعقيد بذاتها،‬
   ‫فكيف بالشخصية الجماعية؟ وإذا كان من العسير فهم سيكولوجيا الفرد فكيف يمكن يا ترى فهم سيكولوجيا‬
                    ‫الجماعة والمجتمع، الميدان الساسي لسيكولوجيا السياسة ومجال اهتمامها؟‬
   ‫الجواب جاء مع تقدم المعرفة في ميدان علم النفس وتطور التقنيات المستخدمة لستكشاف بعض العلقات‬
 ‫التفصيلية القائمة بين المواقف السياسية من جهة والحاسيس والعواطف من جهة ثانية، وكذلك لتحديد هوية‬
 ‫عدد من أوهام الوعي واللوعي، البواعث والدوافع التي تحدد فهم الناس لطبيعة السياسة وقدراتها. لكن هذا‬
      ‫أفضى إلى تناقض آخر هو أن نسبة صغيرة من مجموعة المواقف والمشاعر الكثيرة التي يقفها الناس‬
  ‫ويشعرون بها تجاه السياسة، تظهر فقط في سلوكهم السياسي العملي، مما يعني أن العمليات الظاهرة لنظام‬
      ‫سياسي ما، ل تتضمن إل جزءً يسيرً من جملة المواقف والتصورات السياسية لدى أفراده المشاركين.‬
                                                                     ‫ا‬     ‫ا‬
    ‫ولفهم هذا التناقض، يمكننا، لحسن الحظ، أن نعود إلى مفهوم الثقافة نستخدمه ونربطه بنظرية الشخصية‬
                           ‫والسلوك، فما أهمية الثقافة بالنسبة إلى علم النفس السياسي؟‬


                            ‫ج الثقافة هي المك ّن الثالث لعلم النفس السياسي:‬
                                                        ‫و‬

 ‫يمكننا تعريف الثقافة بأنها النطاق المشترك لمفاهيم الوعي واللوعي المكتسبة وللمشاعر المرتبطة بها، تلك‬
  ‫التي تتوضع في نفسية الفراد الداخلية، المؤسسات المجتمعية )مؤسسات اجتماعية اقتصادية، سياسية...(‬


‫3‬
‫للفئة الثقافية وممارساتها العامة ونتاجاتها. وبتحديدها كذلك، تبدو صلتها بعلم النفس السياسي واضحة بذاتها.‬
 ‫ترتكز العلوم الجتماعية كافة على حقيقة أساسية هي: أن المجتمع البشري ممكن الوجود فقط بفضل الثقافة.‬
     ‫فالسلوك الجتماعي من ّط من حيث الجوهر، وكذلك التعاملت ذات المعنى التي تجري بين البشر الذين‬
                                                                               ‫م‬
     ‫يتشاركون في العناصر الذاتية والرمزية لما يشكل الثقافات، إذ يكتب عالم الجتماع والمؤرخ المعروف‬
‫غرينفيلد.. "أن الحقيقة الجتماعية هي ثقافية بجوهرها وهي بالضرورة حقيقة رمزية أبدعتها المعاني الذاتية‬
  ‫للعناصر الفاعلة اجتماعي ً وتطوراتها. فالنظام الجتماعي )أي البنية الكلية الشاملة للمجتمع( يمثل نوع ً من‬
      ‫ا‬                                                                         ‫ا‬
 ‫التجسيد المادي أو الموضوعي لصورته التي يشترك في صنعها أولئك الذين يشاركون في تكوينه" )غرينفيلد‬
  ‫0991، 81( كما تبين لدارسين آخرين أن الثقافات السياسية كلها ترتكز على مجموعة خاصة من القيم‬
 ‫والمعايير الخلقية... لهذا تختلف المجتمعات البشرية من مكان إلى آخر، نظرً لختلف ثقافاتها، أي اختلف‬
                                ‫ا‬
 ‫قيمها ومعاييرها. فهذه الثقافة مث ً تركز على النجاز والستقلل الذاتي والفردية، فيما تركز تلك على الغيرية‬
                                                                         ‫ل‬
  ‫والهتمام بالخر والعناية به، بينما تركز ثقافة ثالثة على الكسب المادي والربح فقط، فيما تركز رابعة على‬
                                            ‫الشرف والكرامة... إلخ.‬
‫من هنا يمكننا القول: تتميز الثقافات وتختلف باختلف نتاج النسان الموضوعي، رموزه ولغته، قيمه والنماط‬
 ‫السلوكية المنظورة التي تحدد هوية هذه الثقافة أو تلك، بيد أن قدرة الثقافة وقوتها تكمنان في ما تقوم به من‬
‫عمليات فاعلة في عالم النسان الذاتي، في ل وعيه، حيث تعطي قوى الوعي واللوعي هامشاً واسعا من حرية‬
           ‫ً‬
                                                ‫الحركة والتخييل.‬
 ‫إن غنى البعد الذاتي للثقافة وتعقيده يرتفع أكثر فأكثر، لما له من جوانب إدراكية وعاطفية على حد سواء. من‬
 ‫هنا، يمكن التفكير بالثقافة على أنها »خارطة الطريق الذهنية« التي تقدم المعرفة والرشاد للسلوك السياسي.‬
   ‫لكن، للثقافة أيض ً امتدادات عاطفية قوية تفسر لماذا يمكن لصدام الثقافات أن يكون بالغ الشدة والخطورة،‬
                                                                                        ‫ا‬
  ‫ونظرً لن الحساس الساسي للناس بهويتهم يتجذر بقوة في مشاعرهم ذات التميز الثقافي، فإن التفاعلت‬      ‫ا‬
                  ‫بين عناصر من ثقافات مختلفة قد تكون مشحونة بسوء الفهم وبالتوتر أيض ً.‬
                   ‫ا‬
   ‫لهذا السبب قال هنتنغتون في »صراع الحضارات« إن النظرة المطمئنة والقائلة إن التحديث والقيم الغربية‬
 ‫المرتبطة به سيكتسحان القيم الساسية للثقافات الخرى، »إنما هي نظرة زائفة، ل أخلقية وخطرة«. فحسب‬
   ‫رأيه »الثقافي والهويات الثقافية، وهي بشكل من الشكال هويات حضارية، تشكل أنماط التماسك، التفكك،‬
    ‫والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة، فالبنية العالية في نيويورك وبكين قد تبدو متشابهة، لكن القيم‬
             ‫الثقافية الصحيحة ونظرات أولئك الناس الذين يقطنونها ليست، بالضرورة، متشابهة«.‬
  ‫بالنتيجة، الثقافة هي نمط للمعنى يتحول تاريخياً ويتجسد على شكل رموز ومنظومة من المفاهيم المتوارثة،‬
     ‫رمزي ً، يوصل الناس من خللها معرفتهم بالحياة ومواقفهم تجاهها، أي هي معا ٍ عامة مشتركة وكذلك‬
                           ‫ن‬                                                                     ‫ا‬
 ‫سلوكات، مؤسسات )دينية واجتماعية(، قيم ومثل، أعراف وتقاليد، أي بالمحصلة، هي نظرة إلى العالم، تفسر‬
 ‫لماذا أو كيف يتصرف الجماعات والفراد على النحو الذي يتصرفون به. هذه النظرة المختلفة إلى العالم تفسر‬
  ‫ظواهر وسلوكات معينة، مث ً: سلوك قائد سياسي في موقف بعينه، ردود الفعال تجاه أفعال بعينها، الموقف‬
                                                                             ‫ل‬
                                         ‫تجاه تهديد خارجي مث ً... إلخ.‬
                                                 ‫ل‬
  ‫لقد أكدت جميع الدراسات أن هناك ترابط ً عضوياً بين الثقافة والسياسة، وبسبب هذا الترابط، فإن التحصيل‬
                                                                   ‫ا‬
                                                ‫الثقافي لمجتمع أو‬


          ‫جماعة سكانية ما يعزز كل التعزيز فهمنا لسياسة هذه الجماعة، وذلك على الصعد التالية:‬


‫1 تحديد الولوية السياسية: فالثقافة تؤطر السياق الذي تحدث فيه السياسة، إذ تنظم الثقافات سلم الولويات‬
‫السياسية للمجتمع، بمعنى أنها تحدد الموضوعات المادية والمعنوية التي يراها الناس ذات قيمة أكبر فأصغر،‬
  ‫مثال على ذلك: وحدة اللمانيتين في فترة الحرب الباردة، فقد كانت الثقافة اللمانية تعطي الولوية لدى كل‬
 ‫ألماني لمسألة الوحدة وإعادة توحيد الدولتين اللتين قسمتهما الحرب والمتحاربون، لهذا كان هم السياسيين‬
 ‫الول هو إعادة تلك الوحدة، كذلك المر بالنسبة إلى الثقافة العربية التي تضع في رأس سلم أولوياتها تحرير‬
   ‫فلسطين ووحدة القطار العربية، فإذا ما استطاعت هذه الثقافية أن تجعل من هذه الولويات أولويات لدى‬
             ‫النظمة والحكام العرب، فمن المؤكد أن فلسطين ستتحرر والوحدة العربية ستتحقق.‬


   ‫2 تحديد الهوية: فالثقافة تربط ما بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، إذ تقدم الثقافة تعلي ً للسلوك‬
          ‫ل‬
‫السياسي من خلل النظرة المشتركة إلى العالم التي تجعل أفعال الفراد وممارساتهم متشابهة. الرابطة الحاسمة‬


‫4‬
‫هنا هي رابطة التماهي التي تجعل أعمالً معينة مقبولة وأخرى مرفوضة؛ رغم أن الحال قد تكون معكوسة‬
‫تمام ً لدى ثقافة أخرى. فالمقبول يصبح مرفوض ً والمرفوض مقبو ً، وجهة النظر هذه تقول إنه يتم تحريض‬
                                   ‫ل‬               ‫ا‬                                     ‫ا‬
 ‫كل من العمل الفردي والجماعي، ولو جزئي ً، من خلل الحساس بالمصير المشترك للناس ذوي الثقافة‬
                                                      ‫ا‬
                              ‫الواحدة. هذا الحساس يتضمن عنصرين:‬

‫أ التعزيز القوي المتبادل بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، مما يجعل السلوك المقر ثقافياً موضع مكافأة.‬

‫ب شعور المرء بأن الجانب سيعاملونه هو وأفراد جماعته الخرين بطريقة متماثلة وهناك الكثير من المثلة‬
                                  ‫على هذه الحالة، لو كان هنالك متسع.‬


    ‫3 تحديد الحد والمحافظة عليه: فالثقافة تضع الحدود بين الجماعات وتنظم العلقات والتفاعلت فيما بينها.‬
      ‫هذا التحديد يتم بأشكال شتى ومن خلل وسائط شتى: القرابة، السن، الجنس، المصالح المشتركة... إلخ.‬


‫4 التنظيم والتحريك: فالثقافة توفر الوسائل السياسية للجماعات والقادة ذلك أن هؤلء غالب ً ما يحتاجون، من‬
                 ‫ا‬
  ‫أجل تحريك المجتمع سياسي ً، إلى أدوات ووسائل ل توفرها لهم إل الثقافة، مثال على ذلك: التنظيمات التي‬
                                                                          ‫ا‬
 ‫تحدد اختلف الجماعة عن سواها وتميزها، التنظيمات التي توفر التواصل الداخلي للجماعة، التنظيمات التي‬
   ‫تقدم الليات الخاصة بصنع القرار، السلطة اللزمة لتنفيذ القرارات، التنظيمات التي توفر اليديولوجية‬
 ‫السياسية التي تشد اللحمة بين أفراد الجماعة، وأخيرً الحتفاليات والشعائر التي تربط اليديولوجية بمشاكل‬
                                                     ‫ا‬
                                             ‫الجماعة الراهنة.‬


                                  ‫ختام ً، إن الهتمام بهذه الميادين الثلثة‬
                                                                   ‫ا‬


     ‫: علم السياسة، علم النفس والثقافة ثم المزج بينها هو الذي أفضى إلى ظهور علم جديد يدعى علم النفس‬
    ‫السياسي وهو الذي يبشر إذا ما تطور تطورً أكبر بأن نفهم فهماً أدق وأوضح سيكولوجيا السياسة في عالم‬
                                                            ‫ا‬
                                   ‫تتعقد فيه السياسة وتشتد غموض ً.‬
                                    ‫ا‬
                                                ‫تحياتي‬



                                                  ‫منقول‬


                                   ‫عذرا على الطالة بس الموضوع رائع‬




‫5‬

More Related Content

What's hot

تقدير الذات
تقدير الذاتتقدير الذات
التقوى
التقوىالتقوى
التقوى
alheweny
 
حقيبة بناء وغرس القيم
حقيبة بناء وغرس القيمحقيبة بناء وغرس القيم
حقيبة بناء وغرس القيم
رؤية للتدريب والتطوير
 
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفيالفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
رؤية للحقائب التدريبية
 
طريق السعادة - زينب.pptx
طريق السعادة - زينب.pptxطريق السعادة - زينب.pptx
طريق السعادة - زينب.pptx
zezeahmed4
 
فنيات العلاج السلوكي
فنيات العلاج السلوكيفنيات العلاج السلوكي
فنيات العلاج السلوكي
raldabbagh
 
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبةمهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
Brahim Baghbagha (20k)
 

What's hot (20)

رباعيات القيادة
رباعيات  القيادةرباعيات  القيادة
رباعيات القيادة
 
اضطراب القلق
اضطراب القلقاضطراب القلق
اضطراب القلق
 
علم النفس 2ث
علم النفس 2ثعلم النفس 2ث
علم النفس 2ث
 
مهارات السكرتارية الحديثة فى القرن 21
مهارات السكرتارية الحديثة فى القرن 21  مهارات السكرتارية الحديثة فى القرن 21
مهارات السكرتارية الحديثة فى القرن 21
 
تقدير الذات
تقدير الذاتتقدير الذات
تقدير الذات
 
التقوى
التقوىالتقوى
التقوى
 
حقيبة بناء وغرس القيم
حقيبة بناء وغرس القيمحقيبة بناء وغرس القيم
حقيبة بناء وغرس القيم
 
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفيالفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
الفرق بين الذكاء العاطفي و النضج العاطفي
 
طريق السعادة - زينب.pptx
طريق السعادة - زينب.pptxطريق السعادة - زينب.pptx
طريق السعادة - زينب.pptx
 
Teaching think skills (Ar) تعليم مهارات التفكير
Teaching think skills (Ar) تعليم مهارات التفكيرTeaching think skills (Ar) تعليم مهارات التفكير
Teaching think skills (Ar) تعليم مهارات التفكير
 
فنيات العلاج السلوكي
فنيات العلاج السلوكيفنيات العلاج السلوكي
فنيات العلاج السلوكي
 
عادات النجاح 1
عادات النجاح 1عادات النجاح 1
عادات النجاح 1
 
عوامل النجاح.pptx
عوامل النجاح.pptxعوامل النجاح.pptx
عوامل النجاح.pptx
 
عرض بوربوينت دورة كيف تدير ذاتك وتقود رحلة حياتك
عرض بوربوينت دورة كيف تدير ذاتك وتقود رحلة حياتكعرض بوربوينت دورة كيف تدير ذاتك وتقود رحلة حياتك
عرض بوربوينت دورة كيف تدير ذاتك وتقود رحلة حياتك
 
تقنية الإدارة الحديثة
تقنية الإدارة الحديثةتقنية الإدارة الحديثة
تقنية الإدارة الحديثة
 
Tahfeez
TahfeezTahfeez
Tahfeez
 
كل ما يجب أن تعرفه عن البرمجة اللغوية العصبية (1)
كل ما يجب أن تعرفه عن البرمجة اللغوية العصبية (1)كل ما يجب أن تعرفه عن البرمجة اللغوية العصبية (1)
كل ما يجب أن تعرفه عن البرمجة اللغوية العصبية (1)
 
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبةمهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
مهارات التعامل مع الشخصيات الصعبة
 
مقياس هيرمان - بوصلة التفكير
مقياس هيرمان - بوصلة التفكيرمقياس هيرمان - بوصلة التفكير
مقياس هيرمان - بوصلة التفكير
 
نظرية التحليل النفسي
نظرية التحليل النفسينظرية التحليل النفسي
نظرية التحليل النفسي
 

Similar to سيكولوجيا السياسة (علم النفس السياسى )ه

مبادئ علم السياسة
مبادئ علم السياسةمبادئ علم السياسة
مبادئ علم السياسة
Mohammad Kettani
 
محاضرات في النظم السياسية المقارنة
محاضرات في النظم السياسية المقارنةمحاضرات في النظم السياسية المقارنة
محاضرات في النظم السياسية المقارنة
Younes Rajji
 
ملخص مدخل الى علم السياسة
ملخص مدخل الى علم السياسةملخص مدخل الى علم السياسة
ملخص مدخل الى علم السياسة
Droit Arabe
 
Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
 Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
Jamaity
 
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
Droit Arabe
 
ماذا حدث للإسلاميين؟
ماذا حدث للإسلاميين؟ماذا حدث للإسلاميين؟
ماذا حدث للإسلاميين؟
abdelkrim abdellaoui
 
Bahrain online بحرين اون لاين (48)
Bahrain online   بحرين اون لاين (48)Bahrain online   بحرين اون لاين (48)
Bahrain online بحرين اون لاين (48)
bahrainonline
 
What is the reason for stopping the site despite the annual subscription
What is the reason for stopping the site despite the annual subscriptionWhat is the reason for stopping the site despite the annual subscription
What is the reason for stopping the site despite the annual subscription
College of political Science, Tikrit University
 
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيمبسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
Ahmed Al-malki
 

Similar to سيكولوجيا السياسة (علم النفس السياسى )ه (20)

مبادئ علم السياسة
مبادئ علم السياسةمبادئ علم السياسة
مبادئ علم السياسة
 
محاضرات في النظم السياسية المقارنة
محاضرات في النظم السياسية المقارنةمحاضرات في النظم السياسية المقارنة
محاضرات في النظم السياسية المقارنة
 
ملخص مدخل الى علم السياسة
ملخص مدخل الى علم السياسةملخص مدخل الى علم السياسة
ملخص مدخل الى علم السياسة
 
بورديو بين الحياديّة العلميّة والالتزام المجتمعي من خلال كتابيه «حرفة عالم ال...
بورديو بين الحياديّة العلميّة والالتزام المجتمعي من خلال كتابيه «حرفة عالم ال...بورديو بين الحياديّة العلميّة والالتزام المجتمعي من خلال كتابيه «حرفة عالم ال...
بورديو بين الحياديّة العلميّة والالتزام المجتمعي من خلال كتابيه «حرفة عالم ال...
 
Multiculturalisme
MulticulturalismeMulticulturalisme
Multiculturalisme
 
المقدمة
المقدمةالمقدمة
المقدمة
 
عمل الطالبة حنين ضيف الله البشري ( تحسين )
عمل الطالبة  حنين ضيف الله البشري ( تحسين )عمل الطالبة  حنين ضيف الله البشري ( تحسين )
عمل الطالبة حنين ضيف الله البشري ( تحسين )
 
Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
 Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
Étude: Pensée sociale et résonances avec l'extrémisme violent
 
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانيةحول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
 
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
ملخص مبادئ القانون الدستوري 2
 
ماذا حدث للإسلاميين؟
ماذا حدث للإسلاميين؟ماذا حدث للإسلاميين؟
ماذا حدث للإسلاميين؟
 
Bahrain online بحرين اون لاين (48)
Bahrain online   بحرين اون لاين (48)Bahrain online   بحرين اون لاين (48)
Bahrain online بحرين اون لاين (48)
 
جميل الحمداوي..........بيار بورديو.pdf
جميل الحمداوي..........بيار بورديو.pdfجميل الحمداوي..........بيار بورديو.pdf
جميل الحمداوي..........بيار بورديو.pdf
 
العلمانية
العلمانيةالعلمانية
العلمانية
 
العلمانية
العلمانيةالعلمانية
العلمانية
 
What is the reason for stopping the site despite the annual subscription
What is the reason for stopping the site despite the annual subscriptionWhat is the reason for stopping the site despite the annual subscription
What is the reason for stopping the site despite the annual subscription
 
Benamor.belgacemافاق الدولة المدنية
 Benamor.belgacemافاق الدولة المدنية Benamor.belgacemافاق الدولة المدنية
Benamor.belgacemافاق الدولة المدنية
 
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيمبسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
 
التراث السياسي و الاجتماعي لدارالعلوم في "دئوبند" و النهضة الدئوبندية في شبه...
التراث السياسي و الاجتماعي لدارالعلوم  في "دئوبند" و النهضة الدئوبندية في شبه...التراث السياسي و الاجتماعي لدارالعلوم  في "دئوبند" و النهضة الدئوبندية في شبه...
التراث السياسي و الاجتماعي لدارالعلوم في "دئوبند" و النهضة الدئوبندية في شبه...
 
الديمقراطيـّـة
الديمقراطيـّـةالديمقراطيـّـة
الديمقراطيـّـة
 

More from Mohamed Yasser

أفغانستان ستطيح بأوباما
أفغانستان ستطيح بأوباماأفغانستان ستطيح بأوباما
أفغانستان ستطيح بأوباما
Mohamed Yasser
 
برلماني روسي
برلماني روسيبرلماني روسي
برلماني روسي
Mohamed Yasser
 
The standard atmosphere
The standard atmosphereThe standard atmosphere
The standard atmosphere
Mohamed Yasser
 
Introduction to flight 1
Introduction to flight  1Introduction to flight  1
Introduction to flight 1
Mohamed Yasser
 
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
Mohamed Yasser
 
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
Mohamed Yasser
 

More from Mohamed Yasser (20)

القواعد الامريكية في العالم
القواعد الامريكية في العالمالقواعد الامريكية في العالم
القواعد الامريكية في العالم
 
أفغانستان ستطيح بأوباما
أفغانستان ستطيح بأوباماأفغانستان ستطيح بأوباما
أفغانستان ستطيح بأوباما
 
برلماني روسي
برلماني روسيبرلماني روسي
برلماني روسي
 
Aerospace
AerospaceAerospace
Aerospace
 
Parts of an aircraft
Parts of an aircraftParts of an aircraft
Parts of an aircraft
 
Boundary layer
Boundary layerBoundary layer
Boundary layer
 
Fundmental thoughts
Fundmental thoughtsFundmental thoughts
Fundmental thoughts
 
The standard atmosphere
The standard atmosphereThe standard atmosphere
The standard atmosphere
 
Introduction to flight 1
Introduction to flight  1Introduction to flight  1
Introduction to flight 1
 
C 124
C 124C 124
C 124
 
Boeing
BoeingBoeing
Boeing
 
F 20
F 20F 20
F 20
 
F 16 i ( israil arm )
F   16 i   ( israil  arm  )F   16 i   ( israil  arm  )
F 16 i ( israil arm )
 
F 117 nighthawk
F 117    nighthawkF 117    nighthawk
F 117 nighthawk
 
التخطيط
التخطيطالتخطيط
التخطيط
 
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
 
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية  1
سلسلة القدرات العسكرية الاسرائيلية 1
 
موقع إلكتروني يكشف أماكن الأسلحة النووية الإسرائيلية
موقع إلكتروني يكشف أماكن الأسلحة النووية الإسرائيليةموقع إلكتروني يكشف أماكن الأسلحة النووية الإسرائيلية
موقع إلكتروني يكشف أماكن الأسلحة النووية الإسرائيلية
 
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
استراتيجية العصف الذهني. حقيبة تدريبية.
 
العصف الذهنى
العصف الذهنىالعصف الذهنى
العصف الذهنى
 

سيكولوجيا السياسة (علم النفس السياسى )ه

  • 1. ‫لعلنا قرأنا أو سمعنا الكثير عن سيكولوجيا الطفل، سيكولوجيا العماق، سيكولوجيا العدوان... إلخ لكن‬ ‫سيكولوجيا السياسة أمر جديد ول شك، فهل للسياسة سيكولوجيا خاصة، متبلورة وقائمة بذاتها؟ هل ينطلق‬ ‫السياسي في عمله وممارساته السياسية من منطلقات سيكولوجية محددة؟‬ ‫هل... هل... إلى آخر ما هنالك من أسئلة يمكن أن تتبادر إلى الذهن ونحن نواجه مثل هذا العنوان، لنخلص إلى‬ ‫إجابة واحدة على هذه السئلة جميعاً هي:‬ ‫نعم. للسياسة سيكولوجياها الخاصة مثلما هنالك سيكولوجيا للعددان وسيكولوجيا للطفل.. كما إن للسياسة‬ ‫علقة مباشرة ووطيدة بعلم النفس ذاته وميدان آخر بالغ الهمية أل وهو: الثقافة، أي أن هنالك ثلثة ميادين‬ ‫للنشاط البشري وللمعرفة البشرية مترابطة فيما بينها أشد الترابط. هذه الميادين هي: علم النفس، السياسة،‬ ‫ا‬ ‫الثقافة، ذلك أن الثقافة تلعب دورً كبيرً في تحديد سيكولوجية الفرد والجماعة والسيكولوجية هذه تؤثر تأثيرً‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫مباشرً في السياسة وتصرفات السياسيين وردود أفعالهم في هذا الموقف أو ذاك، كما أن السياسة تشكل أحد‬‫ا‬ ‫العوامل الهامة في تغيير الثقافة والسيكولوجيا للفرد والمجتمع. من هنا نشأت فكرة علم النفس السياسي أو‬ ‫سيكولوجيا السياسة، حيث تتقاطع هذه الميادين الثلثة فيؤثر واحدها في الخر ويتأثر به ضمن عملية تفاعل‬ ‫متبادلة تستحق كل بحث وتمحيص للتوصل إلى فهم أفضل لسيكولوجيا السياسة أو علم النفس السياسي هذا،‬ ‫كما يمكننا أن ندعوه.‬ ‫واسع ومتنوع مجال هذا العلم، ذلك أنه يتضمن أنواع ً ل حد لها من النماذج والطرائق. وفي حين تبدو الفروع‬ ‫ا‬ ‫الكاديمية الخرى متجهة نحو تضييق بؤرها بغية التركيز على تفاصيل معينة، فإن علم النفس السياسي يفتح‬ ‫ذراعيه باستمرار للترحيب بالقضايا والستبصارات والمقاربات الجديدة. المر الذي يمكن رده إلى كثرة المواد‬ ‫واتساع النطاق الذي يدرسه هذا الفرع، فالسياسية واسعة النطاق، تدخل في كل صغيرة وكبيرة من حياة‬ ‫النسان، فردً ومجتمع ً. ونظرً لن السياسة ترتكز أساس ً، على الطبيعة البشرية، يتعين علينا لكي نفهم‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫السياسة أن نفهم علم النفس من جهة، ونفهم ثقافة ذلك المجتمع من جهة ثانية، باعتباره وحدة سياسية واحدة‬ ‫سواء أكانت ثقافته أحادية أم تعددية، فليس كل مجتمع مجتمع ً خالص ً، صافي ً، عرقي ً، أي يتكون من عرق‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫واحد له تاريخه وتراثه وثقافته الواحدة بل قد يكون في المجتمع عرقيات مختلفة، وبالتالي ثقافات مختلفة،‬ ‫لهذا يمكن القول إن علم النفس السياسي يقع في نقطة التصال بين علم النفس وعلم الجتماع، من حيث أن‬ ‫النظريات السياسية كلها تقوم على افتراضات تتعلق بطبيعة الفرد من جهة وديناميكية المجتمع من جهة ثانية،‬ ‫القائد والجماعة، المواطن والدولة... إلخ..‬ ‫إذً، لكي نفهم سيكولوجيا السياسة ل بد لنا قبل كل شيء، من أن نحللها إلى مكوناتها الثلثة ونفهم ك ً منها‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫على حدة:‬ ‫1 علم السياسة: مذ نشأت المجتمعات البشرية نشأت السياسة، ذلك أن السياسة هي فن إدارة المجتمع الذي‬ ‫يتخذ شكلً أو وحدة سياسية ندعوها الدولة. لقد عني المفكرون والباحثون منذ القدم بمسألة الدولة والسياسة‬ ‫والسياسي، نظرً لهمية هذه العناصر الثلثة في حياة النسان والمجتمع وشدة تأثيرها على تلك الحياة، فقد‬ ‫ا‬ ‫يكلف خطأ سياسي واحد المجتمع خسائر باهظة مادية ومعنوية، قد تودي به إلى الهلك.... السياسة بالنسبة‬ ‫إلى المجتمع مسألة حياة أو موت، خراب أو عمران، تخلف أو تقدم، انحسار أو ازدهار، لهذا كتب أفلطون في‬ ‫السياسة بل تصور جمهورية مثلى للدولة، يكون فيها الفلسفة ورجال الدب والفكر هم رأسها المحرك، كما‬ ‫كتب في علم السياسة أرسطو وراح ضحية السياسة سقراط نفسه، كذلك كتب المفكرون العرب: ابن رشد،‬ ‫الفارابي، ابن خلدون... إلخ، فيما خصص اليطالي ميكافيللي كتابه »المير« لهذا العلم، باحث ً في مواصفات‬ ‫ا‬ ‫السياسي الناجح، محددً السياسة ومقومات السياسة التي تفضي بها إلى الفلح أو الخفاق. ولقد أفاد‬ ‫ا‬ ‫المنظرون السياسيون الكلسيكيون، حين كتبوا في علم السياسة هذا، من علم النفس المتاح لهم بأكثر أشكاله‬ ‫تقدم ً، لكن المدى الكبير الذي بلغه علماء السياسة في استخدام علم النفس والمعارف السيكولوجية لم يتم‬ ‫ا‬ ‫التوصل إليه إل في عهد حديث.‬ ‫أي بعد أن تطور علم النفس وانصقل وتبلور على شكل علم قائم بذاته. ونظرً لن من المستحيل على عالم‬ ‫ا‬ ‫سياسي أن يتجنب استخدام الفتراضات المتعلقة بالشخصية البشرية فقد انشغل بعضهم في هذا الستخدام‬ ‫وغرقوا فيه إلى درجة اتهمهم بعض النقاد »بالسكلجة«، أي بتجاوزهم الحدود المسموح بها للسيكولوجيا، مما‬ ‫سبب القلق للنقاد الذين شعروا بطغيان السيكولوجيا على السياسة لدى علماء السياسة أولئك.‬ ‫عبر التاريخ ظل الشغل الشاغل لعلماء السياسة هو تحديد مواصفات السياسة الناجحة التي توفر للمجتمع‬ ‫1‬
  • 2. ‫الرخاء والزدهار، المن والسلم، الحرية والستقلل وبالتالي السيادة والكرامة، وقد انصبت انتقاداتهم كلها‬ ‫على الممارسات السياسية التي تنعكس على المجتمع انعكاسات سلبية تودي به إلى أضداد ما سبق وذكرت..‬ ‫خاصة وهم يعلمون أن كل سلوك أو قرار يتخذه السياسي سينعكس سلب ً أو إيجاب ً على المجتمع.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫كذلك كان الهم الدائم لعلماء السياسة أن يحللوا الدوافع والسباب الكامنة وراء هذه السياسة أو تلك هذا‬ ‫السلوك السياسي أو ذاك، مثال على ذلك خروشوف: لماذا خلع حذاءه وضرب به المنضدة التي يجلس عليها؟‬ ‫أزمة خليج الخنازير التي كادت تفجر حرب ً عالمية ثالثة، اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو، وهو الحدث‬ ‫ا‬ ‫الذي أشعل مباشرة فتيل الحرب العالمية الولى.. إلخ.‬ ‫إنهم ينطلقون في أبحاثهم وتحليلتهم هذه من نقطة أساسية هي التالية: إذا ما تمت معرفة السباب والدوافع‬ ‫وراء هذه السياسة أو ذلك التصرف، أصبح بالمكان فهمه وبالتالي تفادي وقوع مثيل له في المستقبل.‬ ‫ضمن هذا المجال ينضوي اهتمام علماء السياسة بدراسة ظاهرة بدت غاية في الهمية لتأثيرها البالغ في‬ ‫مجرى التاريخ وأحداث العالم كله في القرن العشرين، أل وهي ظاهرة الستبداد والدولة الستبدادية. لقد انكب‬ ‫علماء السياسة في مرحلة من المراحل على تحليل تلك الظاهرة طبقاً لنواع بعينها من الحكم غير‬ ‫الديموقراطي، فحددوا لب المسألة الستبدادية بأنه يكمن في طبيعة النظام الستبدادي ذاته. نتيجة ذلك جرت‬ ‫دراسة الستبداد بطرق متعددة بغية تحديد جوهره من حيث أنه سياسات وممارسات منظمة للدولة، ولقد اتفقت‬ ‫معظم تلك الدراسات على عناصر أساسية عدة تتكون منها استبدادية الدولة وهي:‬ ‫-1 وجود مجموعة من الفكار المتطرفة ذات الطبيعة اليديولوجية )السياسية العقائدية وأحيان ً الدينية( التي‬ ‫ا‬ ‫تخدم كخطوط إرشاد مطلقة. هنا، تعد النظمة الستبدادية والدكتاتوريات العسكرية في القرن العشرين جديدة‬ ‫تمام ً، نظرً لن اليديولوجيا هي التي لعبت، في الغلب، الدور الساسي في قيامها. تتضح هذه الحالة بأجلى‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫أشكالها في الفاشية والنازية، إذ شكلت مجموعة أفكار سياسية »متماسكة« أو ما يمكن أن نسميها‬ ‫باليديولوجيا، خطوط إرشاد مطلقة للحزب، الدولة، والناس بغية التقدم نحو أهداف النظام »المجيدة«. تلك‬ ‫الفكارالتي تنتقل عادة عبر منظومة وحيدة التجاه للدعاية. بحيث يتعين على المجتمع أن يؤمنوا بها كحقائق‬ ‫مطلقة دون سواها.‬ ‫بهذه الطريقة استطاعت تلك النظمة الدعاء بأنها هي الشعب ذاته دون أن تكون قد تسلمت المسؤولية من ذلك‬ ‫الشعب بالنتخاب ودون أن يكون هذا الشعب قد فوضها بأن تنوب عنه أو تمثله البتة.‬ ‫تتحول اليديولوجيا، ما إن تتم صياغتها على شكل »ماين كامبفز« أي كراسات صغيرة صفراء أو خضراء أو‬ ‫حمراء، إلى ثقافة سياسية ذات عقابيل نفسية تظهر على شكل »نزعة تقليدية استبدادية« في حال دعم النظمة‬ ‫الستبدادية اليمينية أو »نزعة استبدادية دوغمائية« في حال التطرف اليساري أو اليميني على السواء.‬ ‫إنها الستعداد التام للمتثال الكامل لليديولوجيا أو خط الحزب، فاليديولوجيا المهيمنة تكون نتاج كل ما هو‬ ‫تقليدي موروث وراسخ، لذلك ل تتحمل أية أفكار منافسة ول تتساهل مع أية مواقف مغايرة.‬ ‫-2 وجود تنظيم مكرس لتلك الفكار: فالفكار الستبدادية تحتاج إلى تنظيم لكسب القوة السياسية. مثل هذه‬ ‫الفكار قد تبقى هاجعة فترة طويلة من الزمن، تتغذى خللها وتبقى حية من خلل خليا أو روابط أخوية صغيرة‬ ‫أو جمعيات سرية أو أحزاب هامشية... بعدئذ، وفي ظروف ملئمة، تثب إلى السلطة شريطة أن تكون قد أقامت‬ ‫أو طورت تنظيم ً فعا ً. ذلك أن التنظيمات الستبدادية تطور مع الزمن مبدأ تنظيمي ً بارزً: التراتبية‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا ل‬ ‫الستبدادية، أي ما دعي في الفاشستية بمبدأ: الفوهرر، )أي القائد(، حيث تمضي الوامر من القمة إلى القاعدة‬ ‫لتنفذ بحذافيرها دون تردد أو تذمر:‬ ‫بهذه الطريقة تتنامى ثقافة الطاعة السياسية العمياء للقائد وبالتالي للحزب والدولة.‬ ‫فالولء المطلق والطاعة العمياء هما المتوقعان من الطبقات الدنيا في التنظيم. هذا الموقف التراتبي يغدو كلي‬ ‫الوجود، أي هو موجود بين الحزب والقائد، الحزب والدولة، الحزب والمواطنين، إنها تراتبية شاقولية للسلطة‬ ‫)أي من أعلى إلى أسفل( وهي أساسية للغاية بالنسبة إلى مفهوم الستبدادية. كما أنها تختلف عن التراتبية‬ ‫الديمقراطية وحتى العسكرية في أنها ترفض أي نقد يأتي من تحت وتعادي أية جهة تتذمر أو تشكو حتى لو‬ ‫كان ذلك في صالح التنظيم. يدعى هذا التوجه التراتبي بالخضوع الستبدادي.‬ ‫-3 ظهور أعمال متطرفة يدعى إليها أو يتم القيام بها لنشر تلك الفكار: أي استخدام الرعب والعدوان‬ ‫2‬
  • 3. ‫الستبدادي للبقاء في السلطة فهناك اتفاق بين معظم علماء السياسة على أن أبرز سمة للنظمة الستبدادية‬ ‫هي: حكم الخوف، وذلك من خلل القيام بأعمال قاسية ل إنسانية تصل أحيان ً إلى حد الوحشية بهدف واحد هو:‬ ‫ا‬ ‫إخافة الناس وزرع الرعب في قلوبهم، بدءً من حملت التطهير إلى الغتيالت والقتل، إلى السجن والنفي،‬ ‫ا‬ ‫وانتهاء بمعسكرات التجميع في دول القرن العشرين كليانية السيطرة. فكلها تهدف إلى تخويف الناس وإرهاب‬ ‫كل من يحتمل أن يعارض القائد أو الحزب أو الدولة أو يتخذ موقعاً معادي ً لها. إنه السلح الساسي للقمع وكم‬ ‫ا‬ ‫الفواه وبالتالي لسحق المعارضة بغية البقاء في السلطة.‬ ‫أما تعريف »العدو« ، بالنسبة إلى هذه النظمة، فغالب ً ما يكون مبهم ً، إلى درجة يمكن معها لي مواطن أن‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫يكون ذلك »العدو«، وبالتالي أن يخاف من العتقال، العقاب، التعذيب، وحتى الموت.‬ ‫لعل ثقافة الخوف السياسي هي الكثر تميزً للنظمة والدكتاتوريات الستبدادية. إنها، وعلى نحو ل مناص‬ ‫ا‬ ‫منه، تتغلغل في المجتمع بكامله والمؤسسات برمتها. هذا الميل لنزال العقاب القاسي بكل من يفترض أنه‬ ‫منتهك، يدعى العدوان الستبدادي. لقد درس علماء السياسة ظاهرة الستبداد هذه بكثير من التفصيل ل مجال‬ ‫لذكره هنا، كما درسوا ظواهر أخرى في السياسة كالتعصب العرقي مث ً، النزعة النفصالية، وغيرها من‬ ‫ل‬ ‫الظواهر السياسية مستفيدين من علم النفس وتطوراته في القرن العشرين، فما دور علم النفس يا ترى؟‬ ‫ب - علم النفس هو المك ّن الثاني لعلم النفس السياسي:‬ ‫و‬ ‫كما نعلم، يهتم علم النفس أساس ً بدراسة النفس البشرية وما يك ّنها من عناصر، في محاولة جادة لفهم تلك‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫النفس بكل ما فيها من غرائز وطباع، نزعات وميول، بواعث ودوافع، وعي ول وعي، نظرً لن السلوك‬ ‫ا‬ ‫النساني يتوقف، في معظمه، على التركيبة السيكولوجية للنسان، فردً ومجتمع ً.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫لقد ركز علماء النفس كثيرً على علم نفس الفرد مثل: سلوك قادة بعينهم، سلوك مواطنين أفراد كمنتجين‬ ‫ا‬ ‫ومشاركين مث ً، كما ركزوا على السلوك الجمعي سواء أكان ذلك على مستوى الجماعة أم المة. لقد امتدت‬ ‫ل‬ ‫الدراسات السيكولوجية للفراد إلى ما وراء دراسات السيرة الذاتية لقائد بعينه أو استبيان آراء المواطنين‬ ‫ومواقفهم كي تتضمن محاولت تنظيرية أكثر بحيث تقيم صلة وصل بين سمات الشخصية والتوجهات‬ ‫اليديولوجية، كما هي الحال بالنسبة إلى الشخصية الستبدادية الفردية، فيما تضمن علم نفس السلوك الجمعي‬ ‫مسائل تمتد من الشكال العرقية وغير العرقية لهويات الجماعة وصو ً إلى احتكاك الثقافات المتعددة بعضها‬ ‫ل‬ ‫بالبعض الخر والمسائل المتعلقة بقضايا الحروب والتطلع إلى السلم.‬ ‫لقد كان اللب الحقيقي لعلم النفس، منذ أن نشأ، هو تحليل نفسية الفرد والهتمام بالنفس البشرية ككينونة قائمة‬ ‫بذاتها. لكن مع اتساع دائرة علم السياسة وتطور علم نفس السياسة، بات ل بد من النتقال إلى الهتمام‬ ‫بالجماعة ودراسة علم النفس الجمعي، هنا بدت إشكالية مزعجة. فالنتقال من علم نفس الفرد الغني‬ ‫بالمعلومات والمعارف إلى علم النفس الجمعي الوليد، وضئيل المعلومات والمعارف، واجه صعوبة كبيرة‬ ‫قوامها أن علم النفس الجمعي ليس مجرد تراكم لعلم نفس الفرد، نظرً لن الجماعة ليست مجرد تراكم أفراد،‬ ‫ا‬ ‫بل هي تراكم كمي يحدث تغييرً نوعي ً تمام ً، المر الذي ترك انعكاسه على علم النفس السياسي وشوهه فترة‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫من الزمن، ذلك أنه برز سؤال هام: إذا كانت الشخصية البشرية كينونة قائمة بذاتها وبالغة التعقيد بذاتها،‬ ‫فكيف بالشخصية الجماعية؟ وإذا كان من العسير فهم سيكولوجيا الفرد فكيف يمكن يا ترى فهم سيكولوجيا‬ ‫الجماعة والمجتمع، الميدان الساسي لسيكولوجيا السياسة ومجال اهتمامها؟‬ ‫الجواب جاء مع تقدم المعرفة في ميدان علم النفس وتطور التقنيات المستخدمة لستكشاف بعض العلقات‬ ‫التفصيلية القائمة بين المواقف السياسية من جهة والحاسيس والعواطف من جهة ثانية، وكذلك لتحديد هوية‬ ‫عدد من أوهام الوعي واللوعي، البواعث والدوافع التي تحدد فهم الناس لطبيعة السياسة وقدراتها. لكن هذا‬ ‫أفضى إلى تناقض آخر هو أن نسبة صغيرة من مجموعة المواقف والمشاعر الكثيرة التي يقفها الناس‬ ‫ويشعرون بها تجاه السياسة، تظهر فقط في سلوكهم السياسي العملي، مما يعني أن العمليات الظاهرة لنظام‬ ‫سياسي ما، ل تتضمن إل جزءً يسيرً من جملة المواقف والتصورات السياسية لدى أفراده المشاركين.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ولفهم هذا التناقض، يمكننا، لحسن الحظ، أن نعود إلى مفهوم الثقافة نستخدمه ونربطه بنظرية الشخصية‬ ‫والسلوك، فما أهمية الثقافة بالنسبة إلى علم النفس السياسي؟‬ ‫ج الثقافة هي المك ّن الثالث لعلم النفس السياسي:‬ ‫و‬ ‫يمكننا تعريف الثقافة بأنها النطاق المشترك لمفاهيم الوعي واللوعي المكتسبة وللمشاعر المرتبطة بها، تلك‬ ‫التي تتوضع في نفسية الفراد الداخلية، المؤسسات المجتمعية )مؤسسات اجتماعية اقتصادية، سياسية...(‬ ‫3‬
  • 4. ‫للفئة الثقافية وممارساتها العامة ونتاجاتها. وبتحديدها كذلك، تبدو صلتها بعلم النفس السياسي واضحة بذاتها.‬ ‫ترتكز العلوم الجتماعية كافة على حقيقة أساسية هي: أن المجتمع البشري ممكن الوجود فقط بفضل الثقافة.‬ ‫فالسلوك الجتماعي من ّط من حيث الجوهر، وكذلك التعاملت ذات المعنى التي تجري بين البشر الذين‬ ‫م‬ ‫يتشاركون في العناصر الذاتية والرمزية لما يشكل الثقافات، إذ يكتب عالم الجتماع والمؤرخ المعروف‬ ‫غرينفيلد.. "أن الحقيقة الجتماعية هي ثقافية بجوهرها وهي بالضرورة حقيقة رمزية أبدعتها المعاني الذاتية‬ ‫للعناصر الفاعلة اجتماعي ً وتطوراتها. فالنظام الجتماعي )أي البنية الكلية الشاملة للمجتمع( يمثل نوع ً من‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫التجسيد المادي أو الموضوعي لصورته التي يشترك في صنعها أولئك الذين يشاركون في تكوينه" )غرينفيلد‬ ‫0991، 81( كما تبين لدارسين آخرين أن الثقافات السياسية كلها ترتكز على مجموعة خاصة من القيم‬ ‫والمعايير الخلقية... لهذا تختلف المجتمعات البشرية من مكان إلى آخر، نظرً لختلف ثقافاتها، أي اختلف‬ ‫ا‬ ‫قيمها ومعاييرها. فهذه الثقافة مث ً تركز على النجاز والستقلل الذاتي والفردية، فيما تركز تلك على الغيرية‬ ‫ل‬ ‫والهتمام بالخر والعناية به، بينما تركز ثقافة ثالثة على الكسب المادي والربح فقط، فيما تركز رابعة على‬ ‫الشرف والكرامة... إلخ.‬ ‫من هنا يمكننا القول: تتميز الثقافات وتختلف باختلف نتاج النسان الموضوعي، رموزه ولغته، قيمه والنماط‬ ‫السلوكية المنظورة التي تحدد هوية هذه الثقافة أو تلك، بيد أن قدرة الثقافة وقوتها تكمنان في ما تقوم به من‬ ‫عمليات فاعلة في عالم النسان الذاتي، في ل وعيه، حيث تعطي قوى الوعي واللوعي هامشاً واسعا من حرية‬ ‫ً‬ ‫الحركة والتخييل.‬ ‫إن غنى البعد الذاتي للثقافة وتعقيده يرتفع أكثر فأكثر، لما له من جوانب إدراكية وعاطفية على حد سواء. من‬ ‫هنا، يمكن التفكير بالثقافة على أنها »خارطة الطريق الذهنية« التي تقدم المعرفة والرشاد للسلوك السياسي.‬ ‫لكن، للثقافة أيض ً امتدادات عاطفية قوية تفسر لماذا يمكن لصدام الثقافات أن يكون بالغ الشدة والخطورة،‬ ‫ا‬ ‫ونظرً لن الحساس الساسي للناس بهويتهم يتجذر بقوة في مشاعرهم ذات التميز الثقافي، فإن التفاعلت‬ ‫ا‬ ‫بين عناصر من ثقافات مختلفة قد تكون مشحونة بسوء الفهم وبالتوتر أيض ً.‬ ‫ا‬ ‫لهذا السبب قال هنتنغتون في »صراع الحضارات« إن النظرة المطمئنة والقائلة إن التحديث والقيم الغربية‬ ‫المرتبطة به سيكتسحان القيم الساسية للثقافات الخرى، »إنما هي نظرة زائفة، ل أخلقية وخطرة«. فحسب‬ ‫رأيه »الثقافي والهويات الثقافية، وهي بشكل من الشكال هويات حضارية، تشكل أنماط التماسك، التفكك،‬ ‫والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة، فالبنية العالية في نيويورك وبكين قد تبدو متشابهة، لكن القيم‬ ‫الثقافية الصحيحة ونظرات أولئك الناس الذين يقطنونها ليست، بالضرورة، متشابهة«.‬ ‫بالنتيجة، الثقافة هي نمط للمعنى يتحول تاريخياً ويتجسد على شكل رموز ومنظومة من المفاهيم المتوارثة،‬ ‫رمزي ً، يوصل الناس من خللها معرفتهم بالحياة ومواقفهم تجاهها، أي هي معا ٍ عامة مشتركة وكذلك‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫سلوكات، مؤسسات )دينية واجتماعية(، قيم ومثل، أعراف وتقاليد، أي بالمحصلة، هي نظرة إلى العالم، تفسر‬ ‫لماذا أو كيف يتصرف الجماعات والفراد على النحو الذي يتصرفون به. هذه النظرة المختلفة إلى العالم تفسر‬ ‫ظواهر وسلوكات معينة، مث ً: سلوك قائد سياسي في موقف بعينه، ردود الفعال تجاه أفعال بعينها، الموقف‬ ‫ل‬ ‫تجاه تهديد خارجي مث ً... إلخ.‬ ‫ل‬ ‫لقد أكدت جميع الدراسات أن هناك ترابط ً عضوياً بين الثقافة والسياسة، وبسبب هذا الترابط، فإن التحصيل‬ ‫ا‬ ‫الثقافي لمجتمع أو‬ ‫جماعة سكانية ما يعزز كل التعزيز فهمنا لسياسة هذه الجماعة، وذلك على الصعد التالية:‬ ‫1 تحديد الولوية السياسية: فالثقافة تؤطر السياق الذي تحدث فيه السياسة، إذ تنظم الثقافات سلم الولويات‬ ‫السياسية للمجتمع، بمعنى أنها تحدد الموضوعات المادية والمعنوية التي يراها الناس ذات قيمة أكبر فأصغر،‬ ‫مثال على ذلك: وحدة اللمانيتين في فترة الحرب الباردة، فقد كانت الثقافة اللمانية تعطي الولوية لدى كل‬ ‫ألماني لمسألة الوحدة وإعادة توحيد الدولتين اللتين قسمتهما الحرب والمتحاربون، لهذا كان هم السياسيين‬ ‫الول هو إعادة تلك الوحدة، كذلك المر بالنسبة إلى الثقافة العربية التي تضع في رأس سلم أولوياتها تحرير‬ ‫فلسطين ووحدة القطار العربية، فإذا ما استطاعت هذه الثقافية أن تجعل من هذه الولويات أولويات لدى‬ ‫النظمة والحكام العرب، فمن المؤكد أن فلسطين ستتحرر والوحدة العربية ستتحقق.‬ ‫2 تحديد الهوية: فالثقافة تربط ما بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، إذ تقدم الثقافة تعلي ً للسلوك‬ ‫ل‬ ‫السياسي من خلل النظرة المشتركة إلى العالم التي تجعل أفعال الفراد وممارساتهم متشابهة. الرابطة الحاسمة‬ ‫4‬
  • 5. ‫هنا هي رابطة التماهي التي تجعل أعمالً معينة مقبولة وأخرى مرفوضة؛ رغم أن الحال قد تكون معكوسة‬ ‫تمام ً لدى ثقافة أخرى. فالمقبول يصبح مرفوض ً والمرفوض مقبو ً، وجهة النظر هذه تقول إنه يتم تحريض‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫كل من العمل الفردي والجماعي، ولو جزئي ً، من خلل الحساس بالمصير المشترك للناس ذوي الثقافة‬ ‫ا‬ ‫الواحدة. هذا الحساس يتضمن عنصرين:‬ ‫أ التعزيز القوي المتبادل بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، مما يجعل السلوك المقر ثقافياً موضع مكافأة.‬ ‫ب شعور المرء بأن الجانب سيعاملونه هو وأفراد جماعته الخرين بطريقة متماثلة وهناك الكثير من المثلة‬ ‫على هذه الحالة، لو كان هنالك متسع.‬ ‫3 تحديد الحد والمحافظة عليه: فالثقافة تضع الحدود بين الجماعات وتنظم العلقات والتفاعلت فيما بينها.‬ ‫هذا التحديد يتم بأشكال شتى ومن خلل وسائط شتى: القرابة، السن، الجنس، المصالح المشتركة... إلخ.‬ ‫4 التنظيم والتحريك: فالثقافة توفر الوسائل السياسية للجماعات والقادة ذلك أن هؤلء غالب ً ما يحتاجون، من‬ ‫ا‬ ‫أجل تحريك المجتمع سياسي ً، إلى أدوات ووسائل ل توفرها لهم إل الثقافة، مثال على ذلك: التنظيمات التي‬ ‫ا‬ ‫تحدد اختلف الجماعة عن سواها وتميزها، التنظيمات التي توفر التواصل الداخلي للجماعة، التنظيمات التي‬ ‫تقدم الليات الخاصة بصنع القرار، السلطة اللزمة لتنفيذ القرارات، التنظيمات التي توفر اليديولوجية‬ ‫السياسية التي تشد اللحمة بين أفراد الجماعة، وأخيرً الحتفاليات والشعائر التي تربط اليديولوجية بمشاكل‬ ‫ا‬ ‫الجماعة الراهنة.‬ ‫ختام ً، إن الهتمام بهذه الميادين الثلثة‬ ‫ا‬ ‫: علم السياسة، علم النفس والثقافة ثم المزج بينها هو الذي أفضى إلى ظهور علم جديد يدعى علم النفس‬ ‫السياسي وهو الذي يبشر إذا ما تطور تطورً أكبر بأن نفهم فهماً أدق وأوضح سيكولوجيا السياسة في عالم‬ ‫ا‬ ‫تتعقد فيه السياسة وتشتد غموض ً.‬ ‫ا‬ ‫تحياتي‬ ‫منقول‬ ‫عذرا على الطالة بس الموضوع رائع‬ ‫5‬