الكامل في أحاديث العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا ...
الفتور
1. 1
بسم ا الرحمن الرحيم
الفتور
مظاهره ،
وأسبابه ،
وعلجه
بقلم : د/ فيصل بن سعود الحليبي
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالحساء
الكتاب خرج مطبوعًا لدى مدار الوطن بالرياض عام ٥٢٤١هـ
2. 2
المقدمة :
حمدا كريما لمن تفرد بالعظمة والكبرياء ، وحم د ًا
متواص ل ً لمن بيده مقادير كل شيء ، حمدا له من كل قلب
مؤمن ، ومن كل نفس مخبتة ، حمدا له على اليمان ، وحم د ًا
له على السلم ، وحم د ًا له على القرآن ، حم د ًا له على كل
نعمة ، وحمدا له في السراء والضراء ، وحم د ًا له على كل حال
.
نشهد أل إله إل ا وحده ل شريك له ، ونشهد أن محمدا
عبده ورسوله ، اصطفاه على خلقه بأكرم رسالة ، وأعظم
نبوة ، صلى ا عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثي ر ًا .
ن ي َاأ َ ي ّ ه َا ا ل ّ ذ ِي ن َ آ م َ ن ُوا ا ت ّ ق ُوا ال ل ّ ه َ و َآ م ِ ن ُوا ب ِ ر َ س ُو ل ِ ه ِ ي ُ ؤ ْ ت ِ ك ُ م ْ
ك ِ ف ْ ل َ ي ْ ن ِ م ِ ن ْ ر َ ح ْ م َ ت ِ ه ِ و َ ي َ ج ْ ع َ ل ْ ل َ ك ُ م ْ ن ُو ر ًا ت َ م ْ ش ُو ن َ ب ِ ه ِ و َ ي َ غ ْ ف ِ ر ْ
ل َ ك ُ م ْ و َال ل ّ ه ُ غ َ ف ُو ر ٌ ر َ ح ِي م ٌ ل .
أما بعد : فإنه حينما تنجو سفين ة ُ المر ء ِ من بحر
المعاصي المهلك ، فترسو على ساحل اليمان المن ، يكون
حينها عرض ة ً لحبائل الشيطان المغرضة ، وشباكه المعقدة ،
وأنيابه المفترسة ، وما ذاك إل لنه غر ض ٌ كم تمنى الشيطان
أن يصيبه بسهمه المسموم ، ليرديه قتيل الضعف الممقوت ،
والنتكاسة المهينة .
ولكن ما أهون هذا الشيطان ، وما أقل حيلته ، وما
أضعف كيده ، إذا واجهه المؤمن بسلح اليمان المضاء ، ونوره
الوضاء ؛ فراجع أسباب ضعف إيمانه ، ونظر في علل فتوره
وتقصيره ، واتخذ من أسباب الثبات على دينه ما ينصره على
الشيطان في هذا الصراع العنيف .
والفتور _ أيها القارئ الكريم _ مرض يتسم بالتسلل
الخفي حينما يريد أن يدس داءه في قلب المسلم أو عقله ، كما
أنه ل يأتي بغتة ، بل إن ن َ ف َس الشيطا ن ِ فيه طويل ، وكيده في
الصابة به متنوع ، حتى يقتنع صاحبه أنه فيه على حق ، وأنه
كان على خطأ أو تطرف .
3. 3
ولقد تنوعت في هذا الزمان وسائل الفتور ، وتعددت
صوره ، واتخذ همه مح ل ً في صدر المصاب به ، ربما بمعرفته
له ، أو بمعاينته لثاره عليه ، مع أن هذا الداء قد يتقمص في
نفس المصاب به شخصية أخرى ، وهي الكآبة أحيا ن ًا ، أو
الحيرة ، أو الخوف ، أو النطواء أو نحو لك .
والفتور : انكسار وضعف ، ولعلك تلمح بوضوح أن هذه
الكلمة تشير إلى أن هذا الضعف قد س ُبق بقوة ، وذلك
النكسار قد تقدمته صلبة ، ولهذا قال علماء اللغة : ) فتر : أي
سكن بعد ح ِ د ّة ، ولن بعد ش ِ د ّة ( )1( .
فالفتور إ ذ ًا مرض يصيب القوياء ، ويترصد لكل من يتطلع
إلى الكمال في دينه ، وعلى هذا فإن المر يزداد خطورة ؛ إذ
أن أهم المقصودين هنا هم شريحة أهل اليمان من العاملين
المنتجين ، والمبدعين المتفوقين ، الذين تنهض عليهم المة ،
وتنقاد لهم سفينتها .
وأخي ر ًا ؛ فمن إدراكي لهمية هذا الموضوع ، أردت أن
أزود نفسي المقصرة أو ل ً ببعض الجرعات الوقائية ضد هذا
الداء ؛ لحمي نفسي منه بإذن ا ، وأشارك في وقاية
مجتمعي وأمتي من نفوذه وانتشاره ، سائ ل ً المولى سبحانه أن
يقينا شرور نفوسنا ، وأن يهدينا إلى هداه ، ويقبضنا إليه غير
مفتونين ، وأن يثبت قلوبنا على طاعته ودينه ، إنه سميع مجيب .
فيصل بن سعود الحليبي
)( انظر : لسان العرب ، ) فتر ( ، 471/01.
1
4. 4
أسس م س ل ّمة في مشكلة الفتور
إننفا قبفل التعرف على أسفباب إصفابة المؤمفن بالفتور ففي
العبادة ، لبفد مفن تفبيين حقائق ومسفلمات تتعلق بضعفف إيمان
المؤمن وفتوره ، أذكرها في القواعد التالية :
القاعدة الولى : أن جميفع الخلق _ سفوى مفن عصفمه ا _
معرض للصففابة بالفتور ، والوقوع فففي الخطاء والمعاصففي ،
وهذا أمفر قفد أثبتفه النفبي و ، وجعله سفمة لكفل بنفي آدم فقال :
) ك ُ ل ّ ا ب ْ ن ِ آ د َ م َ خ َ ط ّا ء ٌ ، و َ خ َ ي ْ ر ُ ا ل ْ خ َ ط ّا ئ ِي ن َ ال ت ّ و ّا ب ُو ن َ ( )1( .
ولم فا كان النس فان مفطو ر ًا على الوقوع ف في المعص فية ،
ف ف ف ف
واقتراف الخط فأ ، أرشده ا تعالى إلى طري فق الخلص منه فا ،
ف ف ف
وهفو التوبفة النصفوح ، فمفن توخاه نجفا ، ومفن تنكفب عنفه خسفِر ،
ومفن هنفا جاء الترغيفب الربانفي إلى طريفق النجاة بالعففو عمفا
اقترففه النسفان مفن الذنوب ، وليفس هذا فحسفب ، بفل وبتبديفل
السفيئات السفابقة إلى حسفنات أي ض ًفا ، فيفا له مفن فضفل عظيفم ،
وع فو كر يم ، يقول ا تعالى ف يه : و إ ِ ل م َ ن ْ ت َا ب َ و َآ م َ ن َ و َ ع َ م ِ ل َ
ّ
ع َ م َ ل ص َا ل ِ ح ًا ف َ أ ُ و ْ ل َ ئ ِ ك َ ي ُ ب َ د ّ ل ُ ال ل ّ ه ُ س َ ي ّ ئ َا ت ِ ه ِ م ْ ح َ س َ ن َا ت ٍ و َ ك َا ن َ ال ل ّ ه ُ
ً
غ َ ف ُو ر ًا ر َ ح ِي م ًا غ .
ويقول النفبي و : ) و َا ل ّ ذ ِي ن َ ف ْس ف ِي ب ِ ي َ د ِه ف ِ ، ل َ و ْ ل َم ف ْ ت ُ ذ ْ ن ِ ب ُوا ،
ل َ ذ َ ه َبف ال ل ّ ه ُ ب ِ ك ُ م ْ ، و َ ل َ ج َا ء َ ب ِ ق َ و ْ م ٍ ي ُ ذ ْ ن ِ ب ُو ن َ ف َ ي َسف ت َ غ ْ ف ِ ر ُو ن َ ال ل ّ ه َ ،
ْ َ
ف َ ي َ غ ْ ف ِ ر ُ ل َ ه ُ م ْ ( )2( .
القاعدة الثانية : أن قلب المرء وإن صفا ، وثبت على اليمان
، واستلذ بحلوته ، فإنه مع ر ّض للنتكاسة ، ومهيأ للنقلب ، قد
يقرب من ذلك وقد يبعد عنه ، يقول النبي ي : ) إ ِ ن ّ م َا س ُ م ّ ي َ
ا ل ْ ق َ ل ْ ب ُ م ِ ن ْ ت َ ق َ ل ّ ب ِ ه ِ ؛ إ ِ ن ّ م َا م َ ث َ ل ُ ا ل ْ ق َ ل ْ ب ِ ك َ م َ ث َ ل ِ ر ِي ش َ ة ٍ م ُ ع َ ل ّ ق َ ة ٍ ف ِي
أ َ ص ْ ل ِ ش َ ج َ ر َ ة ٍ ي ُ ق َ ل ّ ب ُ ه َا ال ر ّي ح ُ ظ َ ه ْ ر ًا ل ِ ب َ ط ْ ن ٍ ( )3( .
)( رواه الترمذي ، وابففن ماجففه ، والدارمففي ، وإسففناده حسففن ، ورواه الحاكففم
1
وصححه .
)( رواه مسلم .
2
)( رواه أحمد وهو صحيح .
3
5. 5
وإن القلب أيها المؤمنون لشديد التقلب ، ويضرب النبي و
لشدة هذا التقلب مث ل ً فيقول : ) لقلب ابن آدم أسرع تقل ب ًا من
القدر إذا استجمعت غليا ن ًا ( )1( .
ومن الذي بيده تقليب القلوب وتصريفها ، إنه ا سبحانه ،
يقول النبي ي :
) إ ِ ن ّ ق ُ ل ُو ب َ ب َ ن ِي آ د َ م َ ك ُ ل ّ ه َا ب َ ي ْ ن َ إ ص ْ ب َ ع َ ي ْ ن ِ م ِ ن ْ أ َ ص َا ب ِ ع ِ ال ر ّ ح ْ م َ ن ِ ،
ك َ ق َ ل ْ ب ٍ و َا ح ِ د ٍ ، ي ُ ص َ ر ّ ف ُ ه ُ ح َ ي ْ ث ُ ي َ ش َا ء ُ ، ث ُ م ّ ق َا ل َ ر َ س ُو ل ُ ال ل ّ ه ِ ك :
ال ل ّ ه ُ م ّ م ُ ص َ ر ّ ف َ ا ل ْ ق ُ ل ُو ب ِ ص َ ر ّ ف ْ ق ُ ل ُو ب َ ن َا ع َ ل َى ط َا ع َ ت ِ ك َ ( )2( .
القاعدة الثالثة : أن مذهب أهل السنة والجماعة في شأن
اليمان ، أنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهل يستوي
إيمان عبد تعلق قلبه بالمساجد ، وشغف بحب ا ورسوله إ ،
وأضاء نور القرآن عقله ، وأنارت السنة بصيرته ، بمن صد عن
هذا كله ، فرضي بمستنقعات الرذيلة له مور د ًا ومشر ب ًا ،
وامتلكت جوار ح َ ه ُ المعاصي ، وسرى في دمه دا ء ُ التبعية لكل
ناعق ، فاستمتع بالشهوات المحرمة ، وس ل ّم قياده لشيطان
الهوى ؟ ل وا الذي ل إله إل هو ل يستوون ، وهل يستوي من
قال ا فيه : ق إ ِ ن ّ م َا ا ل ْ م ُ ؤ ْ م ِ ن ُو ن َ ا ل ّ ذ ِي ن َ إ ِ ذ َا ذ ُ ك ِ ر َ ال ل ّ ه ُ و َ ج ِ ل َ ت ْ
ق ُ ل ُو ب ُ ه ُ م ْ و َ إ ِ ذ َا ت ُ ل ِ ي َ ت ْ ع َ ل َ ي ْ ه ِ م ْ آيا ت ُ ه ُ ز َا د َ ت ْ ه ُ م ْ إ ِ ي م َا ن َ ًا و َ ع َ ل َى ر َ ب ّ ه ِ م ْ
ي َ ت َ و َ ك ّ ل ُو ن َ ي ، هل يستوي هؤلء بمن قال ا تعالى فيهم :
و َ إ ِ ذ َا ذ ُ ك ِ ر َ ال ل ّ ه ُ و َ ح ْ د َ ه ُ ا ش ْ م َ أ َ ز ّ ت ْ ق ُ ل ُو ب ُ ا ل ّ ذ ِي ن َ ل ي ُ ؤ ْ م ِ ن ُو ن َ
َ
ب ِا ل خ ِ ر َ ة ِ و َ إ ِ ذ َا ذ ُ ك ِ ر َ ا ل ّ ذ ِي ن َ م ِ ن ْ د ُو ن ِ ه ِ إ ِ ذ َا ه ُ م ْ ي َ س ْ ت َ ب ْ ش ِ ر ُو ن َ ب ْ
أقول : ل يستوون !!
القاعدة الرابعة : أن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة
من اليمان التي يجدها في أعظم العبادات قد ر ًا ، وأكثرها
تأثي ر ًا ؛ كالصلة ، والحج ، والصيام وتلوة القرآن ، وقيام
الليل ، أمر متعذر ؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا ،
وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، وليس هذا من
الرياء أو النفاق في شيء ، وقد وجد هذا أفضل القرون من
)( رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ، وإسناده صحيح .
1
)( رواه مسلم .
2
6. 6
صحابة النبي ص ؛ فقد روى مسلم في صحيحه : ع َ ن ْ ح َ ن ْ ظ َ ل َ ة َ
ا ل ُس َ ي ّ د ِ ي ّ ا ، ق َا ل َ : ل َ ق ِ ي َ ن ِي أ َ ب ُو ب َ ك ْ ر ٍ ، ، ف َ ق َا ل َ : ك َ ي ْ ف َ أ َ ن ْ ت َ ي َا ْ
ح َ ن ْ ظ َ ل َ ة ُ ؟ ق َا ل َ ق ُ ل ْ ت ُ : ن َا ف َ ق َ ح َ ن ْ ظ َ ل َ ة ُ ، ق َا ل َ : س ُ ب ْ ح َا ن َ ال ل ّ ه ِ ، م َا
ت َ ق ُو ل ُ ؟ ق َا ل َ ق ُ ل ْ ت ُ : ن َ ك ُو ن ُ ع ِ ن ْ د َ ر َ س ُو ل ِ ال ل ّ ه ِ ت ي ُ ذ َ ك ّ ر ُ ن َا ب ِال ن ّا ر ِ
ْ
و َا ل ْ ج َ ن ّ ة ِ ، ح َ ت ّى ك َ أ َ ن ّا ر َ أ ي ُ ع َ ي ْ ن ٍ ، ف َ إ ِ ذ َا خ َ ر َ ج ْ ن َا م ِ ن ْ ع ِ ن ْ د ِ ر َ س ُو ل ِ
ال ل ّ ه ِ ا ع َا ف َ س ْ ن َا ا ل َز ْ و َا ج َ و َا ل َو ْ ل د َ و َال ض ّ ي ْ ع َا ت ِ ، ف َ ن َ س ِي ن َا ك َ ث ِي ر ًا ،
ْ َ ْ
ق َا ل َ أ َ ب ُو ب َ ك ْ ر ٍ : ف َ و َال ل ّ ه ِ إ ِ ن ّا ل َ ن َ ل ْ ق َى م ِ ث ْ ل َ ه َ ذ َا ، ف َا ن ْ ط َ ل َ ق ْ ت ُ أ َ ن َا و َأ َ ب ُو
ب َ ك ْ ر ٍ ح َ ت ّى د َ خ َ ل ْ ن َا ع َ ل َى ر َ س ُو ل ِ ال ل ّ ه ِ ب ، ق ُ ل ْ ت ُ : ن َا ف َ ق َ ح َ ن ْ ظ َ ل َ ة ُ ي َا
ر َ س ُو ل َ ال ل ّ ه ِ، ف َ ق َا ل َ ر َ س ُو ل ُ ال ل ّ ه ِ ر : و َ م َا ذ َا ك َ ؟ ق ُ ل ْ ت ُ : ي َا ر َ س ُو ل َ
ْ
ال ل ّ ه ِ ، ن َ ك ُو ن ُ ع ِ ن ْ د َ ك َ ت ُ ذ َ ك ّ ر ُ ن َا ب ِال ن ّا ر ِ و َا ل ْ ج َ ن ّ ة ِ ح َ ت ّى ك َ أ َ ن ّا ر َ أ ي ُ ع َ ي ْ ن ٍ
، ف َ إ ِ ذ َا خ َ ر َ ج ْ ن َا م ِ ن ْ ع ِ ن ْ د ِ ك َ ، ع َا ف َ س ْ ن َا ا ل َز ْ و َا ج َ و َا ل َو ْ ل د َ
ْ َ ْ
و َال ض ّ ي ْ ع َا ت ِ ن َ س ِي ن َا ك َ ث ِي ر ًا ، ف َ ق َا ل َ ر َ س ُو ل ُ ال ل ّ ه ِ و : و َا ل ّ ذ ِي ن َ ف ْ س ِي
ب ِ ي َ د ِ ه ِ إ ِ ن ْ ل َ و ْ ت َ د ُو م ُو ن َ ع َ ل َى م َا ت َ ك ُو ن ُو ن َ ع ِ ن ْ د ِي و َ ف ِي ال ذ ّ ك ْ ر ِ ،
ل َ ص َا ف َ ح َ ت ْ ك ُ م ُ ا ل ْ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ ع َ ل َى ف ُ ر ُ ش ِ ك ُ م ْ و َ ف ِي ط ُ ر ُ ق ِ ك ُ م ْ ، و َ ل َ ك ِ ن ْ ي َا
َ
ح َ ن ْ ظ َ ل َ ة ُ ، س َا ع َ ة ً و َ س َا ع َ ة ً ، ث َ ل ث َ م َ ر ّا ت ٍ ( .
َ
7. 7
مظاهر الفتور
إن سفؤا ل ً تتحدث بفه قلوبنفا ، وإن لم تنطفق بفه ألسفنتنا ،
وهففو : كيففف أعرف أننففي مصففاب بداء الفتور ، مففا أعراضففه ،
وأشكاله التي يظهر بها في عبادتي ، وفي حياتي ؟
أخي الكريم : إن ثمة مظاهر كثيرة لهذا الداء ، تشير لك
بثلمة في إيمانك تحتاج إلى ترميم ، واهتزاز في علقتك بربك
تحتاج إلى تثبيت ، أذكر لك طر ف ًا منها ، فارع سمعك لذكرها ،
ولنتحسس وجودها أو عدمها في نفوسنا :
المظهر الول : قسوة القلب ، ذلك السياج المانع للقلب من
الخشوع لله تعالى ، الحابس لدمع العين من خشيته ، الحائل
دون قشعريرة الجلد وليونته ذ ل ً لله تعالى ، فل يعرف القلب
بعد هذا معرو ف ًا ، ول ينكر منك ر ًا ، قد ج ف ّت ينابيع الحب فيه ،
وأقفرت رياض الرحمة لديه ، واصفرت خضرة المشاعر في
فؤاده ، ف ف َ و َ ي ْ ل ٌ ل ِ ل ْ ق َا س ِ ي َ ة ِ ق ُ ل ُو ب ُ ه ُ م ْ م ِ ن ْ ذ ِ ك ْ ر ِ ال ل ّ ه ِ أ ُ و ْ ل َ ئ ِ ك َ ف ِي
ضَللٍَ
م ُ ب ِي ن ٍ م .
وتستمر القسوة بالقلب حتى تصل إلى درجة تتضاءل
أمامها صلبة الحجار والصخور ، أ ث ُ م ّ ق َ س َ ت ْ ق ُ ل ُو ب ُ ك ُ م ْ م ِ ن ْ ب َ ع ْ د ِ
ذ َ ل ِ ك َ ف َ ه ِ ي َ ك َا ل ْ ح ِ ج َا ر َ ة ِ أ َ و ْ أ َ ش َ د ّ ق َ س ْ و َ ة ً و َ إ ِ ن ّ م ِ ن ْ ا ل ْ ح ِ ج َا ر َ ة ِ ل َ م َا
ي َ ت َ ف َ ج ّ ر ُ م ِ ن ْ ه ُ ا ل َن ْ ه َا ر ُ و َ إ ِ ن ّ م ِ ن ْ ه َا ل َ م َا ي َ ش ّ ق ّ ق ُ ف َ ي َ خ ْ ر ُ ج ُ م ِ ن ْ ه ُ ا ل ْ م َا ء ُ
ْ
و َ إ ِ ن ّ م ِ ن ْ ه َا ل َ م َا ي َ ه ْ ب ِ ط ُ م ِ ن ْ خ َ ش ْ ي َ ة ِ ال ل ّ ه ِ و َ م َا ال ل ّ ه ُ ب ِ غ َا ف ِ ل ٍ ع َ م ّا
ت َ ع ْ م َ ل ُو ن َ ت .
وشتان بيفن مفن كان هذا حال قلوبهفم ، وبيفن مفن تنتففض
أجسادهم كالعصافير المبللة بالمطر رهبة من ا تعالى ، حتى
خ ل ّد ا ذكرهفم ووصففهم ففي كتابفه العزيفز فقال : خ ال ل ّهفُ ن َ ز ّ ل َ
أ َ ح ْس ف َ ن َ ا ل ْ ح َ د ِيث ف ِ ك ِ ت َا ب ً فا م ُ ت َ ش َا ب ِ ه ً فا م َ ث َا ن ِي ف َ ت َ ق ْ ش َ ع ِ ر ّ م ِ ن ْه ف ُ ج ُ ل ُو د ُ
ف ف
ا ل ّ ذ ِينف ي َ خ ْ ش َ و ْنف ر َ ب ّ ه ُمف ث ُ م ّف ت َ ل ِينف ج ُ ل ُو د ُ ه ُمف و َ ق ُ ل ُو ب ُ ه ُمف إ ِ ل َى ذ ِ ك ْ ر ِ
ْ ْ ُ ْ َ َ
ال ل ّ ه ِ ذ َ ل ِ ك َ ه ُ د َى ال ل ّ ه ِ ي َ ه ْ د ِي ب ِ ه ِ م َ ن ْ ي َ ش َا ء ُ و َ م َ ن ْ ي ُ ض ْ ل ِ ل ْ ال ل ّ ه ُ ف َم َا
ل َ ه ُ م ِ ن ْ ه َا د ٍ ل .
8. 8
ول ريب أن ذكر الموت والستعداد للخرة وتمني حسن
الخاتمة علج لكل من قسا قلبه بالمعصية ، يقول الرسول ا :
) كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، أل فزوروها ؛ فإنها ترق
القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الخرة ( )1( .
المظ هر الثا ني : التهاون في ف عل الطاعات ، ما كان من ها
فرض ًا ، أو نف ل ً ، ي سي ر ًا كالذكار ، أو غ ير ذلك ، كال حج ، وال صلة
، وال صيام ، فإذا رأى الن سان نف سه متثاق ل ً في أداء العبادات ،
متكاسفل ً ففي النهوض إليهفا ، كار ه ًفا لدائهفا ، يشعفر كأنهفا أمثال
الجبال على كاهله ، فليعلم أن داء الفتور قفد دب ففي أوصفاله ،
وسفرى ففي دمفه ، يقول تعالى ذا م ًفا هذا الصفنف مفن المصفابين
بهزال اليمان وضعف ففففه : ب و َ إ ِ ذ َا ق َا م ُوا إ ِ ل َى الص ففف ف ّ ل ة ِ ق َا م ُوا
َ ف ف
ك ُسفَا ل َى ي ُ ر َا ء ُونف ال ن ّاسف و َ ل ي َ ذ ْ ك ُ ر ُونف ال ل ّهف إ ِ ل ق َ ل ِي ل ك ، ويقول
ً َ ّ َ َ َ َ
تعالى : ت و َ ل ي َ أ ْ ت ُونفَ الصفّ ل ة َ إ ِ ل و َ ه ُمفْ ك ُسفَا ل َى و َ ل ي ُن ف ِ ق ُونفَ إ ِ ل
ّ َ ّ َ َ
و َ ه ُمففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففف ف ْ
ك َا ر ِ ه ُو ن َ ك .
المظهر الثالث : بغض الصالحين الممتثلين للسنة ،
الحريصين على إقامة شعائر الدين في أنفسهم ، وأهليهم ،
ووسطهم ، فإذا ما رأيت العبد يجتنب مجالس الخير ، ويأنس
بأحاديث اللغو والتفاهة ، فاعلم أنه يعيش صرا ع ًا مع نفسه ،
فإنها تنازعه الثبات على الحق ، وتدعوه إلى الهمال فيه ،
والفتور في القيام به .
يقول الفاروق ي : ) جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء
أفئدة ( .
ويقول أبو الدرداء و : ) ل تزالون بخير ما أحببتم خياركم (
)2( .
المظ هر الرا بع : موت المشا عر الدين ية ، وعدم الغ ضب من
أجفل ا تعالى ؛ فإن المرء يمفر ففي يومفه وليلتفه بفتفن كثيرة ،
وامتحانات متتاليفففة ، على رأسفففها هذه المنكرات التفففي تموج
)( رواه الحاكم وهو صحيح .
1
)( رواه أبو نعيم .
2
9. 9
بالناس حتفى تكاد تغرقهفم ، ومفا تواجفه بفه تعاليفم السفلم مفن
السفخرية والسفتهزاء ، ومفا تتعرض له بعفض شعوب المسفلمين
من حروب البادة ال تي لم يش هد ل ها التار يخ مثي ل ، و ما يشاهده
ً
المس فلم اليوم م فن س فقوط أكث فر المس فلمين ف في شباك الغرب
ف ف ف ف ف ف
والشرق .
فعزاؤنفا كفل العزاء ففي كفل مفن ل يشعفر بهذا البلء ، ول
يحاول المشار كة في دف عه أو رف عه، ولو كان بل سانه أو بقل به ،
حتى غدا قلبه كأي قطعة لحم ميتة ، ل نبض فيها ول حراك .
يقول النبي ي : )) ت ُ ع ْ ر َ ض ُ ا ل ْ ف ِ ت َ ن ُ ع َ ل َى ا ل ْ ق ُ ل ُو ب ِ
ك َا ل ْ ح َ ص ِي ر ِ ع ُو د ًا ع ُو د ًا ، ف َ أ َ ي ّ ق َ ل ْ ب ٍ أ ُ ش ْ ر ِ ب َ ه َا ن ُ ك ِ ت َ ف ِي ه ِ ن ُ ك ْ ت َ ة ٌ
س َ و ْ د َا ء ُ ، و َأ َ ي ّ ق َ ل ْ ب ٍ أ َ ن ْ ك َ ر َ ه َا ن ُ ك ِ ت َ ف ِي ه ِ ن ُ ك ْ ت َ ة ٌ ب َ ي ْ ض َا ء ُ ، ح َ ت ّى
ت َ ص ِي ر َ ع َ ل َى ق َ ل ْ ب َ ي ْ ن ِ ؛ ع َ ل َى أ َ ب ْ ي َ ض َ م ِ ث ْ ل ِ ال ص ّ ف َا ف َ ل ت َ ض ُ ر ّ ه ُ ف ِ ت ْ ن َ ة ٌ
َ
م َا د َا م َ ت ِ ال س ّ م َا و َا ت ُ و َا ل َر ْ ض ُ ، و َا ل خ َ ر ُ أ َ س ْ و َ د ُ م ُ ر ْ ب َا د ٌ ك َا ل ْ ك ُو ز ِ
ْ ْ
م ُ ج َ خ ّ ي ًا ، ل ي َ ع ْ ر ِ ف ُ م َ ع ْ ر ُو ف ًا و َ ل ي ُ ن ْ ك ِ ر ُ م ُ ن ْ ك َ ر ًا إ ِ ل م َا أ ُ ش ْ ر ِ ب َ م ِ ن ْ
ّ َ َ
ه َ و َا ه ُ ( )1( .
المظهر الخامس : عدم الشكر في السراء ، وعدم الصبر
في الضراء ، وإنما يأتي ذلك من ضعف اليمان ، والفتور في
الصلة بين العبد وخالقه ، فلو أن العبد استحضر أن كل نعمة
تصل إليه إنما هي من ا وحده ، لشكر ا عليها ، فتزداد
صلته بخالقه الذي م َ ن ّ عليه بهذه النعم وغيرها ، ولو أنه حينما
تحل به مصيبة ، أو تقع به كارثة ، علم بأنها ابتلء وامتحان من
ا ، ليصبر عليها ، لينال أجر الصابرين ، فيفوز مع الفائزين ،
ول يكون الشكر في امتحان النعمة ، والصبر في امتحان الشدة
إل من المؤمنين .
يقول النبي ي : ) ع َ ج َ ب ًا ل َم ْ ر ِ ا ل ْ م ُ ؤ ْ م ِ ن ِ ، إ ِ ن ّ أ َ م ْ ر َ ه ُ ك ُ ل ّ ه ُ
ِ
خ َ ي ْ ر ٌ ، و َ ل َ ي ْ س َ ذ َا ك َ ل َح َ د ٍ إ ِ ل ل ِ ل ْ م ُ ؤ ْ م ِ ن ِ ، إ ِ ن ْ أ َ ص َا ب َ ت ْ ه ُ س َ ر ّا ء ُ ش َ ك َ ر َ ،
ّ ِ
ف َ ك َا ن َ خ َ ي ْ ر ًا ل َ ه ُ ، و َ إ ِ ن ْ أ َ ص َا ب َ ت ْ ه ُ ض َ ر ّا ء ُ ص َ ب َ ر َ ، ف َ ك َا ن َ خ َ ي ْ ر ًا ل َ ه ُ( )2( .
)( رواه مسلم .
1
)( رواه مسلم .
2
10. 01
فلننتبه أن تغرقنا الفرحة بالنعمة في بحر الكفر بمن
م َ ن ّ بها علينا ، أو توقعنا المصيبة في فقدان المل في الفرج
بمن عنده مفاتيح الفرج سبحانه وتعالى .
المظهر السادس : المجاهرة بالمعصية ، وعدم مبالة
المرء بمعرفة الناس بوقوعه فيها ، وهي من أعلى مراتب
الفتور ، حتى ح ذ ّر النبي ا منها في قوله : ) ك ُ ل ّ أ ُ م ّ ت ِي م ُ ع َا ف ًى
إ ِ ل ا ل ْ م ُ ج َا ه ِ ر ِي ن َ ، و َ إ ِ ن ّ م ِ ن َ ا ل ْ م ُ ج َا ه َ ر َ ة ِ أ َ ن ْ ي َ ع ْ م َ ل َ ال ر ّ ج ُ ل ُ ّ
ب ِال ل ّ ي ْ ل ِ ع َ م َ ل ، ث ُ م ّ ي ُ ص ْ ب ِ ح َ و َ ق َ د ْ س َ ت َ ر َ ه ُ ال ل ّ ه ُ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ف َ ي َ ق ُو ل َ : ي َا
ً
ف ُ ل ن ُ ، ع َ م ِ ل ْ ت ُ ا ل ْ ب َا ر ِ ح َ ة َ ك َ ذ َا و َ ك َ ذ َا ، و َ ق َ د ْ ب َا ت َ ي َ س ْ ت ُ ر ُ ه ُ ر َ ب ّ ه ُ ، َ
و َ ي ُ ص ْ ب ِ ح ُ ي َ ك ْ ش ِ ف ُ س ِ ت ْ ر َ ال ل ّ ه ِ ع َ ن ْ ه ُ ( )1( .
وما أشنع هذا الفعل الذي تتوغل النفس فيه في غمرة
المعصية المقترنة بالجهل ، فيزيد على وباء الذنب ، ظلمة
النسلخ من الحياء من ا ومن خلقه ، وإن الحياء لشعبة من
شعب اليمان ، فكيف إذا كان من ا تعالى !!
أما تشتاق نفس هذا المجاهر بالمعصية ، إلى ستر ا
تعالى يوم القيامة ، الذي جعله ا لمن أذنبوا ولم يجاهروا ،
يقول النبي ي : ) إ ِ ن ّ ال ل ّ ه َ ي ُ د ْ ن ِي ا ل ْ م ُ ؤ ْ م ِ ن َ ف َ ي َ ض َ ع ُ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ك َ ن َ ف َ ه ُ
و َ ي َ س ْ ت ُ ر ُ ه ُ ، ف َ ي َ ق ُو ل ُ : أ َ ت َ ع ْ ر ِ ف ُ ذ َ ن ْ ب َ ك َ ذ َا ، أ َ ت َ ع ْ ر ِ ف ُ ذ َ ن ْ ب َ ك َ ذ َا ،
ف َ ي َ ق ُو ل ُ : ن َ ع َ م ْ أ َ ي ْ ر َ ب ّ ، ح َ ت ّى إ ِ ذ َا ق َ ر ّ ر َ ه ُ ب ِ ذ ُ ن ُو ب ِ ه ِ ، و َ ر َأ َ ى ف ِي
ن َ ف ْ س ِ ه ِ أ َ ن ّ ه ُ ه َ ل َ ك َ ، ق َا ل َ : س َ ت َ ر ْ ت ُ ه َا ع َ ل َ ي ْ ك َ ف ِي ال د ّ ن ْ ي َا ، و َأ َ ن َا
أ َ غ ْ ف ِ ر ُ ه َا ل َ ك َ ا ل ْ ي َ و ْ م َ ، ف َ ي ُ ع ْ ط َى ك ِ ت َا ب َ
ح َ س َ ن َا ت ِ ه ِ ( )2( .
هذه جملة من العراض التي تظهر على المصاب بداء
الفتور ، توخيت في اختيارها كثرة الوقوع ، وغالبية الحدوث .
والشأن فففي أسففباب الفتور كذلك أي ض ًففا ، فإنهففا كثيرة ،
وتختلف من بيئة إلى أخرى ، و من ش خص ل خر ، غ ير أ نه يم كن
تسفففليط الضوء على جملة منهفففا ، نتلمفففس فيهفففا الواقعيفففة
والهميفة ، فحاول أن تعيفش معفي معرففة هذه السفباب ، فإن
معرفة سبب الداء ، طريق إلى إتقان الدواء .
)( رواه مسلم .
1
)( رواه البخاري .
2
11. 11
أسباب الفتور
المقصود بالسباب هنا : هي تلك الطرق الموصلة إلى
ضعف إيمان العبد بعد أن كان قو ي ًا ، وهي الوسائل التي
كسرت صلبة بنيان الدين في قلبه حتى أردته هزي ل ً واه ن ًا ،
تتلعب به الشهوات ، وتتقاذفه أمواجها ، وتثقل عليه كل ما
يتصل بدينه وعبادته .
السبب الول : عدم تعهد العبد إيمانه من حي ن ٍ لخر ، من
حيث الزيادة أو النقص ، فإن بدون مراجعة النسان نفسه مع
حال إيمانه ، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب ، فتعمل
معاولها الهدامة في بنيانه ، ولذا فإنه يجب على المؤمن إذا
رأى في إيمانه قصو ر ًا ، أو شعر بشي ء ٍ من مظاهر الفتور ، أن
يتزود من أسباب اليمان ، وينهل من معينه .
يقول أبو الدرداء ي : ) من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما
نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينت ق ِص ؟ ( .
وكان عمر و يقول لصحابه : ) هلموا نزدد إيما ن ًا ،
فيذكرون ا ف ( .
وكان ابن مسعود و يقول في دعائه : ) اللهم زدنا إيما ن ًا
ويقي ن ًا وفقها ( .
وكان معاذ بن جبل و يقول للرجل : ) اجلس بنا نؤمن
ساعة ( .
وقال عمار بن ياسر و : ) ثلث من ك ُ ن ّ فيه فقد استكمل
اليمان : إنصا ف ٌ من نفسه ، والنفاق من إقتار ، وبذل السلم
للعا ل َم ( )1( .
السبب الثاني : الجهل بما أعده ا تعالى للمتقين من
الجنان ، أو تجاهله ، أو نسيانه ، أو عدم مذاكرته بين الحين
والخر ، فإذا ما وقع النسان في شيء من هذا ، فتر عن
العبادة ، وتكاسل عنها ؛ لنه فطر على التعلق بالشكر ، وطلب
الجائزة على المعروف ، وقد هيأ ا ذلك لعباده إلى ح د ٍ ل
)( ذكره البخاري في صحيحه .
1
12. 21
تتصوره أذهانهم ، ول يخطر على بالهم ، ت هذا ذ ِ ك ْ ر ٌ و َ إ ِ ن ّ
ل ِ ل ْ م ُ ت ّ ق ِي ن َ ل َ ح ُ س ْ ن َ م َآ ب ٍ)94( ج َ ن ّا ت ِ ع َ د ْ ن ٍ م ُ ف َ ت ّ ح َ ة ً ل َ ه ُ م ْ ا ل َب ْ و َا ب ُ)
ْ
05( م ُ ت ّ ك ِ ئ ِي ن َ ف ِي ه َا ي َ د ْ ع ُو ن َ ف ِي ه َا ب ِ ف َا ك ِ ه َ ة ٍ ك َ ث ِي ر َ ة ٍ و َ ش َ ر َا ب ٍ)
15( و َ ع ِ ن ْ د َ ه ُ م ْ ق َا ص ِ ر َا ت ُ ال ط ّ ر ْ ف ِ أ َ ت ْ ر َا ب ٌ) 25( ه َ ذ َا م َا ت ُو ع َ د ُو ن َ
ل ِ ي َ و ْ م ِ ا ل ْ ح ِ س َا ب ِ)35( إ ِ ن ّ ه َ ذ َا ل َ ر ِ ز ْ ق ُ ن َا م َا ل َ ه ُ م ِ ن ْ ن َ ف َا د ٍ إ .
ويقول النبي و : ) ق َا ل َ ال ل ّ ه ُ : أ َ ع ْ د َ د ْ ت ُ ل ِ ع ِ ب َا د ِي ال ص ّا ل ِ ح ِي ن َ
م َا ل ع َ ي ْ ن ٌ ر َأ َ ت ْ ، و َ ل أ ُ ذ ُ ن ٌ س َ م ِ ع َ ت ْ ، و َ ل خ َ ط َ ر َ ع َ ل َى ق َ ل ْ ب ِ ب َ ش َ ر ٍ ،
َ َ َ
ف َا ق ْ ر َ ء ُوا إ ِ ن ْ ش ِ ئ ْ ت ُ م ْ ) ف َ ل ت َ ع ْ ل َ م ُ ن َ ف ْ س ٌ م َا أ ُ خ ْ ف ِ ي َ ل َ ه ُ م ْ م ِ ن ْ ق ُ ر ّ ة ِ
َ
أ َ ع ْ ي ُ ن ٍ ( )1( .
غير أن فئة منهم تباطئوا الثواب ، أو غفلوا عنه ، فماتت
أحاسيس الرغبة فيه ، وضعفت الهمة في طلبه .
السبب الثالث : استبعاد العقوبات الدنيوية ، والستهانة
بالعذاب الخروي ، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب . وهذا
السبب قسيم لسابقه ، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على
أمرين ، الرجاء في ثواب ا ، والخوف من عقابه ، فإذا ما
استبعد المسلم حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه ،
أو خطيئة ارتكبها ، تمادى في طريقها غير مبا ل ٍ بنتائج هذا
الفعل .
يقول بعض السلف : )) إنني أجد أثر المعصية في أهلي
ودابتي (( .
وإني لعجب ح ق ًا من عدد من الناس يعيشون في حياتهم
ضي ق ًا ونكدا ، وه م ًا وغ م ًا ، ونفرة واضطرا ب ًا ، وقد خلت بيوتهم
من سماع القرآن وتلوته ، وجفت ألسنتهم من الذكر والدعاء ،
ل تعرف منازلهم النوافل ، ول يتراحمون بالتناصح ، بل طلبوا
السعادة في غير مظانها ، ولهثوا خلف سراب التقليد ، ففتروا
عن الخير ، وتباطئوا عن الخيرات ، وسارعوا إلى الشهوات
والملذات .
فأ ي ّ ثبات على الحق يبقى ، وقد أ م ِ ن َ أولئك مع انحرافهم
عن جادة الدين العقوبة التي حلت بغيرهم ، فهل ينتظرون أن
تحل بهم .
)( رواه البخاري .
1
13. 31
أما الغفلة عن عذاب الخرة ، أو الستهانة به ، فهو رأس
الداء ، وصميم البلء ، إن الواحد منا ليستمع من بعض هؤلء
مقولت تقشعر منها البدان ، فمن قائل : إن هي إل ساعات
في النار ، ثم نخرج منها ، ومن قائل : إنما هو عذاب روحي
ومعنوي ليس إل ، بل استمعت لبعضهم يقول : الموتة واحدة ،
ول حساب ول عقاب ، وإنهم ليقولون منك ر ًا من القول وزو ر ًا ،
ويحسبونه هي ن ًا ، وهو عند ا عظيم .
وإل فأين هؤلء من قول ا تعالى : و إن ا ل ّ ذ ِي ن َ ك َ ف َ ر ُوا
ب ِآ ي َا ت ِ ن َا س َ و ْ ف َ ن ُ ص ْ ل ِي ه ِ م ْ ن َا ر ًا ك ُ ل ّ م َا ن َ ض ِ ج َ ت ْ ج ُ ل ُو د ُ ه ُ م ْ ب َ د ّ ل ْ ن َا ه ُ م ْ
ج ُ ل ُو د ًا غ َ ي ْ ر َ ه َا ل ِ ي َ ذ ُو ق ُوا ا ل ْ ع َ ذ َا ب َ إ ِ ن ّ ال ل ّ ه َ ك َا ن َ ع َ ز ِي ز ًا
ح َ ك ِي م ًا ح.
أيها المسلمون : بمحبة ا ، والخوف من عذابه ، والرجاء
في ثوابه ، نجا أصحاب محمد ف ، يقول عمر بن الخطاب ، : ) لو
نادى مناد من السماء : أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم
أجمعون إل رج ل ً واح د ًا ، لخفت أن أكون هو ، ولو نادى مناد :
أيها الناس إنكم داخلون النار إل رج ل ً واح د ًا ، لرجوت أن أكون
هو ( )1( .
ولما قرأ الفاروق و سورة الطور فبلغ قوله تعالىس إن
عذاب ربك لواقع ع بكى واشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه ، بل
حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين ، وكان يقال له :
) م ص ّر ا بك المصار ، وفتح بك الفتوح ، فيقول : وددت أن
أنجو ل أجر ول وزر ! ( .
ولما وقف عثمان بن عفان و على القبر فب ل ّ البكاء لحيته
قال : ) لو أنني بين الجنة والنار ل أدري إلى أيتهما يؤمر بي ،
لخترت أن أكون رما د ًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ! ( .
فلنضع الثواب أمام أعيننا ؛ لننهض إلى العبادة ونجد
فيها ، ولنضع العقاب نصب أعيننا ؛ لنصون أنفسنا من الوقوع
في المعاصي .
)( رواه أبو نعيم .
1
14. 41
السبب الرابع : النبهار بالدنيا وزينتها ، والغترار بنعمها
الزائلة ، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغ ي ّر به حال العباد
من الثبات إلى الفتور ، ومن القوة إلى الضعف ، من هنا ح ذ ّر
خالقها سبحانه من الغترار بها فقال : خ ي َاأ َ ي ّ ه َا ال ن ّا س ُ ا ت ّ ق ُوا
ر َ ب ّ ك ُ م ْ و َا خ ْ ش َ و ْا ي َ و ْ م ًا ل ي َ ج ْ ز ِي و َا ل ِ د ٌ ع َ ن ْ و َ ل َ د ِ ه ِ و َ ل م َ و ْ ل ُو د ٌ ه ُ و َ
َ َ
ج َا ز ٍ ع َ ن ْ و َا ل ِ د ِ ه ِ ش َ ي ْ ئ ًا إ ِ ن ّ و َ ع ْ د َ ال ل ّ ه ِ ح َ ق ّ ف َ ل ت َ غ ُ ر ّ ن ّ ك ُ م ْ ا ل ْ ح َ ي َا ة ُ
َ
ال د ّ ن ْ ي َا و َ ل ي َ غ ُ ر ّ ن ّ ك ُ م ْ ب ِال ل ّ ه ِ ا ل ْ غ َ ر ُو ر ُ ا .
َ
إنففه لبففد أن نعلم أن أيام الدنيففا كأحلم نوم ، أو كظففل
زائل ، إن أضحكفت قلي ل ً أبكفت كثي ر ًا ، ، وإن سفر ّت يو م ًفا أو أيا م ًفا
سففاءت أشه ر ًا وأعوا م ًففا ، وإن متع ففت قلي ل ً منع ففت طوي ل ً ، وم ففا
حص ف ّلت للعب فد فيه فا س فرو ر ًا ، إل خ ب ّأت له أضعاف ذلك شرو ر ًا . ف ف ف
ليس في الدنيا ثبوت إنما الدنيا فناء
نسجته العنكبوت إنما الدنيا كبيت
يقول الحسفن البصفري : والذي نفسفي بيده ، لقفد أدركفت
أقوا م ًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه .
غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها
وبهرجها طري ق ًا إلى جنة ربك ، كيف ل وهي مزرعة الخرة
وطريق لها ، وهي وإن كانت مم ر ًا ، فإنها توصلك إلى المقر ،
فاختر مقرك في ممرك .
وإن دارت بفففففففففففففك الدائرة ل تتبفففع الدنيفففا وأيامهفففا ذ م ًفففا
أن بهففففففا تسففففففتدرك الخرة مففن شرف الدنيففا ومففن فضله ففا
قال الفضيل _ رحمه ا _ : جعل ا الش ر ّ كله في بيت ،
وجعل مفتاحه ح ب ّ الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت وجعل
مفتاحه الزهد في الدنيا .
وقال رجل للفضيل بن عياض : كيف أصبحت يا أبا علي ؟
فكان يثقل عليه : كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ فقال : في
عافية ، فقال : كيف حالك ، فقال : عن أ ي ّ حال تسأل؟ عن
حال الدنيا أو حال الخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا ، فإن
الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب ، وإن كنت تسأل عن
15. 51
حال الخرة ، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ،
وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم
يخضع للموت ، ولم يتشمر للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزين
للدنيا)1(.
ق َا ل َ ا ل ْ م ُ س ْ ت َ و ْ ر ِ د ُ ب ْ ن ُ ش َ د ّا د ٍ : إ ِ ن ّي ل َ ف ِي ال ر ّ ك ْ ب ِ م َ ع َ ر َ س ُو ل ِ
ال ل ّ ه ِ ا إ ِ ذ ْ أ َ ت َى ع َ ل َى س َ خ ْ ل َ ة ٍ م َ ن ْ ب ُو ذ َ ة ٍ ، ف َ ق َا ل َ : أ َ ت ُ ر َ و ْ ن َ ه َ ذ ِ ه ِ
ه َا ن َ ت ْ ع َ ل َى أ َ ه ْ ل ِ ه َا ؟ ق ِي ل َ : ي َا ر َ س ُو ل َ ال ل ّ ه ِ ، م ِ ن ْ ه َ و َا ن ِ ه َا
أ َ ل ْ ق َ و ْ ه َا ، ق َا ل َ : ف َ و َا ل ّ ذ ِي ن َ ف ْ س ِي ب ِ ي َ د ِ ه ِ ل َل د ّ ن ْ ي َا أ َ ه ْ و َ ن ُ ع َ ل َى ال ل ّ ه ِ
م ِ ن ْ ه َ ذ ِ ه ِ ع َ ل َى أ َ ه ْ ل ِ ه َا ( )2( .
فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند ا ؛ بأن نعيمها يفنى
، وجديدها يبلى ، علم أنه لم يخلق لها ، وإنما خلق للخرة ،
فجد في العمل لها ، وم ز ّق ثوب الفتور والتواني عن جسده ،
ولبس ثوب المثابرة في عبادته ، ممتث ل ً قول ا تعالى : و
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين و.
السبب الخامس : طول المل ، وهذا هو قاتل الهمم ،
ومفتر القوى ، قرين التسويف والتأجيل ، وحبيب الخاملين
الهاملين ، وعدو التقياء النابهين .
ويكفي طول المل مذمة ا له ، حيث قال في كتابه :
) ذ َ ر ْ ه ُ م ْ ي َ أ ْ ك ُ ل ُوا و َ ي َ ت َ م َ ت ّ ع ُوا و َ ي ُ ل ْ ه ِ ه ِ م ُ ا ل َم َ ل ُ ف َ س َ و ْ ف َ ي َ ع ْ ل َ م ُو ن َ ( .
ْ
ويقول الرسول و واص ف ًا تعلق النسان بالدنيا وطول
المل فيها : ) ل ي َ ز َا ل ُ ق َ ل ْ ب ُ ا ل ْ ك َ ب ِي ر ِ ش َا ب ّا ف ِي ا ث ْ ن َ ت َ ي ْ ن ِ : ف ِي ح ُ ب ّ
َ
ال د ّ ن ْ ي َا ، و َ ط ُو ل ِ ا ل َم َ ل ِ ( )3( .
ْ
ة وطول عيش قد المرء يرغففب فففي الحيففا
بعد حلو العيش م ر ّه يضره تفنففى بشاشتففه ويبقففى
ما يرى شي ئ ًا يس ر ّه وتس فففوءه اليام حت فففى
ف ف
) ق َا ل َ ع َ ل ِ ي ّ ب ْ ن ُ أ َ ب ِي ط َا ل ِ ب ٍ : ا ر ْ ت َ ح َ ل َ ت ِ ال د ّ ن ْ ي َا م ُ د ْ ب ِ ر َ ة ً ،
و َا ر ْ ت َ ح َ ل َ ت ِ ا ل خ ِ ر َ ة ُ م ُ ق ْ ب ِ ل َ ة ً ، و َ ل ِ ك ُ ل ّ و َا ح ِ د َ ة ٍ م ِ ن ْ ه ُ م َا ب َ ن ُو ن َ ،
ْ
)( حلية الولياء 68/8 .
1
)( رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وهو صحيح لغيره .
2
)( رواه البخاري .
3
16. 61
ف َ ك ُو ن ُوا م ِ ن ْ أ َ ب ْ ن َا ء ِ ا ل خ ِ ر َ ة ِ ، و َ ل ت َ ك ُو ن ُوا م ِ ن ْ أ َ ب ْ ن َا ء ِ ال د ّ ن ْ ي َا ؛ ف َ إ ِ ن ّ
َ ْ
ا ل ْ ي َ و ْ م َ ع َ م َ ل ٌ و َ ل ح ِ س َا ب َ ، و َ غ َ د ًا ح ِ س َا ب ٌ و َ ل ع َ م َ ل ٌ ( )1( .
َ َ
أخي الحبيب : قل بربك ، أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا
كان طول المل يحيط بفكره ، ويمل عليه حياته ، كلما سمع
نداء الجد ، قال : غ د ًا ، كلما سمع صوت العمل ، قال : سوف
وسوف ، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس ، وتنتهي إلى الكسل
والخمول .
قال الحسن البصري : )) تؤ م ّل أن تع م ّر عمر نوح ، وأمر
ا يطرق كل ليلة (( .
فوافى المنية قبل يؤ م ّ ل ُ دنيففففا لتبقففففى له
فعاش الفسيل ومات المل حثي ث ً فففففا ير و ّي أص فففففول
الرجل
السبب السادس : من أسباب الفتور : تحميل النسان
نفسه في عبادته ما ل يحتمل عادة ، فإنه وإن استمر على فعل
الطاعة مع ثقلها عليه ، إل أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك ؛
لمخالفته المنهج النبوي الكريم ، وهو أن المؤمن ينبغي أن
يأخذ من العمال ما يطيق ، حتى ل يصاب بالملل والسآمة ،
فيعود هذا على ترك العمل نهائ ي ًا .
وقد أرشد ا تعالى إلى ذلك فقال : و اتقوا ا ما
استطعتم ا .
وعلم عباده ذلك الدعاء الكريم فقال : و ربنا ول تحملنا
ما ل طاقة لنا به م .
وهاهو نبي المة و يرسم الطريق المستقيم في العمل
بالعبادة ، وهو التوسط فيها ، فل إفراط ول تفريط ، حتى يبقى
المسلم على صلة دائمة ل تعرف الفتور ، وطريقة مستمرة ل
تعرف النقطاع ، فقال عليه الصلة والسلم : ) إن الدين يسر ،
ولن يشاد الدين أحد إل غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ( )2( .
ويدخل النبي و ذات يوم في المسجد ، فإذا حبل ممدود
بين ساريتين ، فقال :
)( ذكره البخاري في صحيحه .
1
)( رواه البخاري .
2
17. 71
) ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت ،
فقال النبي ف : ل ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر ،
فليقعد ( )1( .
ويتوعد النبي و المتنطعين في الدين ، المشددين على
أنفسهم في العبادة بما ل يطيقون بالهلك ، فقال : ) هلك
المتنطعون ( قالها ثل ث ًا )2( .
واستمع إلى قصة عبد ا بن عمرو بن العاص و في
طلبه الزيادة في العبادة بما ل يطيق ، كيف انتهت قصته بتمني
العتدال والتوسط الذي أرشده إليه النبي ا ، حيث قال
ع َ ب ْ د ُال ل ّ ه ِ ب ْ ن ُ ع َ م ْ ر ِو ب ْ ن ِ ا ل ْ ع َا ص ِ ر َ ض ِي ال ل ّه ع َ ن ْهما : ق َا ل َ ل ِي
ر َ س ُو ل ُ ال ل ّ ه ِ ر : ي َا ع َ ب ْ د َال ل ّ ه ِ ، أ َ ل َ م ْ أ ُ خ ْ ب َ ر ْ أ َ ن ّ ك َ ت َ ص ُو م ُ ال ن ّ ه َا ر َ
و َ ت َ ق ُو م ُ ال ل ّ ي ْ ل َ ، ف َ ق ُ ل ْ ت ُ : ب َ ل َى ي َا ر َ س ُو ل َ ال ل ّ ه ِ ، ق َا ل َ : ف َ ل ت َ ف ْ ع َ ل ْ ؛
َ
ص ُ م ْ و َأ َ ف ْ ط ِ ر ْ ، و َ ق ُ م ْ و َ ن َ م ْ ؛ ف َ إ ِ ن ّ ل ِ ج َ س َ د ِ ك َ ع َ ل َ ي ْ ك َ ح َ ق ّا ، و َ إ ِ ن ّ
ل ِ ع َ ي ْ ن ِ ك َ ع َ ل َ ي ْ ك َ ح َ ق ّا ، و َ إ ِ ن ّ ل ِ ز َ و ْ ج ِ ك َ ع َ ل َ ي ْ ك َ ح َ ق ّا ، و َ إ ِ ن ّ ل ِ ز َ و ْ ر ِ ك َ
ع َ ل َ ي ْ ك َ ح َ ق ّا ، و َ إ ِ ن ّ ب ِ ح َ س ْ ب ِ ك َ أ َ ن ْ ت َ ص ُو م َ ك ُ ل ّ ش َ ه ْ ر ٍ ث َ ل ث َ ة َ أ َ ي ّا م ٍ ،
َ
ف َ إ ِ ن ّ ل َ ك َ ب ِ ك ُ ل ّ ح َ س َ ن َ ة ٍ ع َ ش ْ ر َ أ َ م ْ ث َا ل ِ ه َا ، ف َ إ ِ ن ّ ذ َ ل ِ ك َ ص ِ ي َا م ُ ال د ّ ه ْ ر ِ
ك ُ ل ّ ه ِ ، ] قال عبد ا بن عمرو عن نفسه [ : ف َ ش َ د ّ د ْ ت ُ ف َ ش ُ د ّ د َ
ع َ ل َ ي ّ ؛ ق ُ ل ْ ت ُ : ي َا ر َ س ُو ل َ ال ل ّ ه ِ ، إ ِ ن ّي أ َ ج ِ د ُ ق ُ و ّ ة ً ، ق َا ل َ : ف َ ص ُ م ْ
ص ِ ي َا م َ ن َ ب ِ ي ّ ال ل ّ ه ِ د َا و ُ د َ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ال س ّ لم ، و َ ل ت َ ز ِ د ْ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ، ق ُ ل ْ ت ُ : و َ م َا
َ َ
ك َا ن َ ص ِ ي َا م ُ ن َ ب ِ ي ّ ال ل ّ ه ِ د َا و ُ د َ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ال س ّ لم ؟ ق َا ل َ ن ِ ص ْ ف َ ال د ّ ه ْ ر ِ ،
َ
ف َ ك َا ن َ ع َ ب ْ د ُال ل ّ ه ِ ي َ ق ُو ل ُ ب َ ع ْ د َ م َا ك َ ب ِ ر َ : ي َا ل َ ي ْ ت َ ن ِي ق َ ب ِ ل ْ ت ُ ر ُ خ ْ ص َ ة َ
ال ن ّ ب ِ ي ّ ص َ ل ّى ال ل ّه ع َ ل َ ي ْ ه ِ و َ س َ ل ّ م َ ( )3( .
وفي حديث آخر يح ذ ّر النبي و عبد ا بن عمرو بن
العاص ا من النقطاع عن قيام الليل ، فيقول فيه : ) يا عبد ا
، ل تكن مثل فلن ، كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل ( )4( .
قال ابن حجر _ رحمه ا _ : ) إن المقصود بالحديث هو
الترغيب في ملزمة العبادة ، والطريق الموصل إلى ذلك ؛ هو
)( رواه البخاري ومسلم .
1
)( رواه مسلم .
2
)( رواه البخاري .
3
)( رواه البخاري ومسلم .
4
18. 81
القتصاد فيها ، لن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو
مذموم ( )1( .
ويشير المام الشاطبي _ رحمه ا _ إلى هذا المعنى
فيقول : )) إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته ، وحرص
على الوقوع فيها ، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب ، فإنه
يعرض نفسه في واقع المر لبغض عبادة ا تعالى ، وكراهية
أحكام الشريعة ، التي غرس ا حبها في القلوب ، كما يدل
عليه قوله تعالى : ع ولك ن ّ ا حبب إليكم اليمان وزينه في
قلوبكم ق ، وذلك لن النفس تكره ما يفرض عليها ، إذا كان من
جنس ما يشق الدوام عليه ، بحيث ل يقرب وقت ذلك العمل
الشاق ، إل والنفس تشمئز منه ، وتود لو لم تعمل ، أو تتمنى
أنها لم تلتزم (( )2(.
ويكفينا قول النبي و : ) خ ُ ذ ُوا م ِ ن َ ا ل ْ ع َ م َ ل ِ م َا ت ُ ط ِي ق ُو ن َ ؛
ف َ إ ِ ن ّ ال ل ّ ه َ ل ي َ م َ ل ّ ح َ ت ّى ت َ م َ ل ّوا ، و َأ َ ح َ ب ّ ال ص ّ ل ة ِ إ ِ ل َى ال ن ّ ب ِ ي ّ ف م َا
َ َ
د ُو و ِ م َ ع َ ل َ ي ْ ه ِ ، و َ إ ِ ن ْ ق َ ل ّ ت ْ ، و َ ك َا ن َ إ ِ ذ َا ص َ ل ّى ص َ ل ة ً د َا و َ م َ ع َ ل َ ي ْ ه َا (
َ
)3( .
السبب السابع : البتداع في الدين ، وإنه لسبب خفي من
أسباب الفتور ، ومدخل للشيطان على النفس البشرية قلما
تتنبه له ، وذلك لن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر ،
بل أحكامها إلهية ، مصدرها الوحي ، جاءت مؤصلة بكلم ا
تعالى ، وسنة النبي ت ، أي : بالوحي الذي ل ينطق عن الهوى ،
من هنا كانت أحكامها متصفة بالحكمة ، قائمة على المصلحة ،
مملوءة بالرحمة ، وكان على العبد أن يقتصر عليها دون زيادة
أو نقصان .
أما النقصان ، فالخلل فيه واضح ل يحتاج إلى بيان ؛ لنه ل
يجوز أن يفعل النسان ما يحلو له من الدين ويترك ما ل يهوى ،
فقد قال ا تعالى : ف أ َ ف َ ت ُ ؤ ْ م ِ ن ُو ن َ ب ِ ب َ ع ْ ض ِ ا ل ْ ك ِ ت َا ب ِ و َ ت َ ك ْ ف ُ ر ُو ن َ
ب ِ ب َ ع ْ ض ٍ ف َ م َا ج َ ز َا ء ُ م َ ن ْ ي َ ف ْ ع َ ل ُ ذ َ ل ِ ك َ م ِ ن ْ ك ُ م ْ إ ِ ل خ ِ ز ْ ي ٌ ف ِي ا ل ْ ح َ ي َا ة ِ
ّ
)( فتح الباري 64/1.
1
)( العتصام 222/1 .
2
)( رواه البخاري .
3
19. 91
ال د ّ ن ْ ي َا و َ ي َ و ْ م َ ا ل ْ ق ِ ي َا م َ ة ِ ي ُ ر َ د ّو ن َ إ ِ ل َى أ َ ش َ د ّ ا ل ْ ع َ ذ َا ب ِ و َ م َا ال ل ّ ه ُ
ب ِ غ َا ف ِ ل ٍ ع َ م ّا ت َ ع ْ م َ ل ُو ن َ ب .
وأما الزيادة على الدين ، ولو كان ذلك بإنشاء العبادات أو
الذكار ، أو ابتكار طرق جديدة في أداء الطاعات ، فإن في
ذلك كله زيادة في التكليف ، ومشقة على العباد ، بسببها قد
يبغض النسان العبادة المفروضة من ربه ، والمشروعة من
نبيه ن ، وذلك لضيق وقت النسان ، وتزاحم الواجبات عليه ،
مما يؤدي إلى ترك المطلوب المشروع ، لفعل المبتدع
المرفوض ، وإنك سوف تجد هذا بوضوح في شأن المبتدعة ،
حيث ينشطون لبدعتهم ، ويفترون عما أوجب عليهم ، فما أجمل
الكتفاء بالسنة النبوية ، وما أروع القتداء بالحبيب ا ، وما
أفضل السير على منهاج سلف المة المهديين .
عن أ َ ن َ س َ ب ْ ن َ م َا ل ِ ك ٍ ر َ ض ِي ال ل ّه ع َ ن ْه قال : ) ج َا ء َ ث َ ل ث َ ة ُ
َ
ر َ ه ْ ط ٍ إ ِ ل َى ب ُ ي ُو ت ِ أ َ ز ْ و َا ج ِ ال ن ّ ب ِ ي ّ ص َ ل ّى ال ل ّه ع َ ل َ ي ْ ه ِ و َ س َ ل ّ م َ ،
ي َ س ْ أ َ ل ُو ن َ ع َ ن ْ ع ِ ب َا د َ ة ِ ال ن ّ ب ِ ي ّ ي ، ف َ ل َ م ّا أ ُ خ ْ ب ِ ر ُوا ك َ أ َ ن ّ ه ُ م ْ ت َ ق َا ل ّو ه َا ،
ف َ ق َا ل ُوا : و َأ َ ي ْ ن َ ن َ ح ْ ن ُ م ِ ن َ ال ن ّ ب ِ ي ّ ص َ ل ّى ال ل ّه ع َ ل َ ي ْ ه ِ و َ س َ ل ّ م َ ، ق َ د ْ
غ ُ ف ِ ر َ ل َ ه ُ م َا ت َ ق َ د ّ م َ م ِ ن ْ ذ َ ن ْ ب ِ ه ِ و َ م َا ت َ أ َ خ ّ ر َ ، ق َا ل َ أ َ ح َ د ُ ه ُ م ْ : أ َ م ّا أ َ ن َا
ف َ إ ِ ن ّي أ ُ ص َ ل ّي ال ل ّ ي ْ ل َ أ َ ب َ د ًا ، و َ ق َا ل َ آ خ َ ر ُ : أ َ ن َا أ َ ص ُو م ُ ال د ّ ه ْ ر َ و َ ل
َ
أ ُ ف ْ ط ِ ر ُ ، و َ ق َا ل َ آ خ َ ر ُ : أ َ ن َا أ َ ع ْ ت َ ز ِ ل ُ ال ن ّ س َا ء َ ف َ ل أ َ ت َ ز َ و ّ ج ُ أ َ ب َ د ًا ، ف َ ج َا ء َ
َ
ر َ س ُو ل ُ ال ل ّ ه ِ ص َ ل ّى ال ل ّه ع َ ل َ ي ْ ه ِ و َ س َ ل ّ م َ إ ِ ل َ ي ْ ه ِ م ْ ف َ ق َا ل َ : أ َ ن ْ ت ُ م ُ ا ل ّ ذ ِي ن َ
ق ُ ل ْ ت ُ م ْ ك َ ذ َا و َ ك َ ذ َا ، أ َ م َا و َال ل ّ ه ِ إ ِ ن ّي ل َخ ْ ش َا ك ُ م ْ ل ِ ل ّ ه ِ و َأ َ ت ْ ق َا ك ُ م ْ ل َ ه ُ ،
َ
ل َ ك ِ ن ّي أ َ ص ُو م ُ و َأ ُ ف ْ ط ِ ر ُ ، و َأ ُ ص َ ل ّي و َأ َ ر ْ ق ُ د ُ ، و َأ َ ت َ ز َ و ّ ج ُ ال ن ّ س َا ء َ ، ف َ م َ ن ْ
ر َ غ ِ ب َ ع َ ن ْ س ُ ن ّ ت ِي ف َ ل َ ي ْ س َ م ِ ن ّي ( )1( .
وكم يفرحنا كثي ر ًا هروب جملة من المبتدعة من ضللة
البدعة ، بعد أن أرهقتهم تكاليف بدعتهم ، ولكن يحزننا
وقوعهم في نار المعصية ، ول غرابة في ذلك ؛ فالبدعة ليس
مصيرها الفتور عن العبادة المشروعة فحسب ، بل الضياع
والحيرة في المر كله .
يقول ابن القيم _ رحمه ا _ : )) كان السلف يسمون أهل
الراء المخالفة للسنة ، وما جاء به الرسول ا ... يسمونهم :
)( رواه البخاري .
1
20. 02
أهل الشبهات والهواء ؛ لن الرأي المخالف للسنة ، جهل ل
علم ، وهوى ل دين ، فصاحبه ممن اتبع هواه بغير هدى من
ا ، وغايته الضلل في الدنيا ، والشقاء في الخرة (( )1(
السبب الثامن : الرفقة السيئة ، وهي الخطبوط الذي
يضم المصاب بداء الفتور ، كلما حدثته نفسه بالعودة إلى
الثبات ، والعزيمة على الرشد ، فتنته هذه الرفقة بعرض جديد
من ألوان الهوى ، وصور الفساد والخنا ، فتراه يتوهم السعادة
في مجالستهم ، والسهر معهم ، وإنها
لسعادة ل ك َ س َ ر َا ب ٍ بقيعة ي َ ح ْ س َ ب ُ ه ُ ال ظ ّ م ْآ ن ُ م َا ء ً ح َ ت ّى إ ِ ذ َا ج َاءه
ل َ م ْ ي َ ج ِ د ْ ه ُ ش َ ي ْ ئ ًا و َ و َ ج َ د َ ال ل ّ ه َ ع ِ ن ْ د َ ه ُ ف َ و َ ف ّا ه ُ ح ِ س َا ب َ ه ُ و َال ل ّ ه ُ س َ ر ِي ع ُ
ا ل ْ ح ِ س َا ب ِ ا . وسوف يوفي ا تعالى المغتر برفقة السوء
حسابه ، ويريه كيف تكون الحسرة ، فإن كان المتحسر في
الدنيا يعض على إصبع واحد حسرة وندامة ، فلسوف يعض
على كلتا يديه فجيعة وقه ر ًا .
وقد صور ا تعالى هذه الحسرة فقال : و و َ ي َ و ْ م َ ي َ ع َ ض ّ
ال ظ ّا ل ِ م ُ ع َ ل َى ي َ د َ ي ْ ه ِ ي َ ق ُو ل ُ ي َا ل َ ي ْ ت َ ن ِي ا ت ّ خ َ ذ ْ ت ُ م َ ع َ ال ر ّ س ُو ل ِ س َ ب ِي ل)
ً
72( ي َا و َ ي ْ ل َ ت َى ل َ ي ْ ت َ ن ِي ل َ م ْ أ َ ت ّ خ ِ ذ ْ ف ُ ل ن ًا خ َ ل ِي ل) 82( ل َ ق َ د ْ أ َ ض َ ل ّ ن ِي ع َ ن ْ
ً َ
ال ذ ّ ك ْ ر ِ ب َ ع ْ د َ إ ِ ذ ْ ج َا ء َ ن ِي و َ ك َا ن َ ال ش ّ ي ْ ط َا ن ُ ل ِ لِ ن س َا ن ِ خ َ ذ ُو ل ا .
ً ْ
ا أكبر : كم هدمت رفقة السوء من لبنات الخير في
نفوس كثير من الناس ، لهو ولغو ، وغيبة ونميمة ، ونظر إلى
الحرام ، واستهانة بالدين ، وسخرية بالصالحين ، وقتل للوقت ،
وتضييع للتكاليف .
فواعج ب ًا ممن ذاق حلوة النس بالصالحين ، كيف
يفارقهم ؟ يذكرونه بالله ، ويحيون في نفسه محبة الدين
والعمل له ، كلما رآهم زاد إيمانه إيمانا ، يعود منهم تشتاق
نفسه لداء العبادة ، يرغبونه في الخير ، وينهونه عن الشر ،
ويكفي القول فيهم : هم القوم ل يشقى جليسهم ، ولعل من
أنفع الدواء لضعف اليمان : الصحبة الصالحة التي تذكر
المسلم بالله عند غفلته ، وتعينه على طاعة ربه ، وقد أوصى
ا نبيه ن بمرافقتهم فقال : ب و َا ص ْ ب ِ ر ْ ن َ ف ْ س َ ك َ م َ ع َ ا ل ّ ذ ِي ن َ ا
)( إغاثة اللهفان 931/2 .
1
21. 12
ي َ د ْ ع ُو ن َ ر َ ب ّ ه ُ م ْ ب ِا ل ْ غ َ د َا ة ِ أتعشي ي ُ ر ِي د ُو ن َ و َ ج ْ ه َ ه ُ و َ ل ت َ ع ْ د ُ ع َ ي ْ ن َا ك َ
َ
ع َ ن ْ ه ُ م ْ ت ُ ر ِي د ُ ز ِي ن َ ة َ ا ل ْ ح َ ي َا ة ِ ال د ّ ن ْ ي َا ع .
احذر _ يا رعاك ا _ من صحبة البطالين ، فإنهم موتى
القلوب ، ول يورثونك إل مو ت ًا ، ول يكسبونك من ا إل بع د ًا ،
فاجتنبهم كما تجتنب الداء العضال ، والوحوش المفترسة ،
واربأ بنفسك أن تجالس من انحطت همتهم ، وتمرغت في
الخطايا كرامتهم ، فانفر بنفسك قبل أن تحترق بكيرهم ، أو
تختنق من دخانهم .
يقول النبي ي : ) م َ ث َ ل ُ ا ل ْ ج َ ل ِي س ِ ال ص ّا ل ِ ح ِ و َال س ّ و ْ ء ِ ك َ ح َا م ِ ل ِ
ا ل ْ م ِ س ْ ك ِ و َ ن َا ف ِ خ ِ ا ل ْ ك ِي ر ِ ، ف َ ح َا م ِ ل ُ ا ل ْ م ِ س ْ ك ِ : إ ِ م ّا أ َ ن ْ ي ُ ح ْذ ي َك و َ إ ِ م ّا
أ َ ن ْ ت َ ب ْ ت َا ع َ م ِ ن ْ ه ُ ، و َ إ ِ م ّا أ َ ن ْ ت َ ج ِ د َ م ِ ن ْ ه ُ ر ِي ح ًا ط َ ي ّ ب َ ة ً ، و َ ن َا ف ِ خ ُ ا ل ْ ك ِي ر ِ :
إ ِ م ّا أ َ ن ْ ي ُ ح ْ ر ِ ق َ ث ِ ي َا ب َ ك َ ، و َ إ ِ م ّا أ َ ن ْ ت َ ج ِ د َ ر ِي ح ًا خ َ ب ِي ث َ ة ً ( )1( .
ولقد ح ذ ّر ا نبيه و من مصاحبتهم فقال : م و َ ل ت ُ ط ِ ع ْ م َ ن ْ
َ
أ َ غ ْ ف َ ل ْ ن َا ق َ ل ْ ب َ ه ُ ع َ ن ْ ذ ِ ك ْ ر ِ ن َا و َا ت ّ ب َ ع َ ه َ و َا ه ُ و َ ك َا ن َ أ َ م ْ ر ُ ه ُ ف ُ ر ُ ط ًا أ .
السبب التاسع : النفراد والعزلة ، ففي زمن كثرت فيه
المغريات ، وتنوعت فيه وسائل الشهوات ، وسهلت فيه الخلوة
بما حرم من المثيرات ، أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور ،
وطري ق ًا إلى الخور والضعف ؛ لن المسلم حينما ينفرد ل يعرف
صوابه من خطئه ، ول قوته من ضعفه ، فتراه يسير متخب ط ًا في
عمى ، بل دليل يدل ، ول حكيم يرشد ، فيسهل قياده من
الشيطان للتقصير والهوى ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
.
من هنا : جاءت التعليمات النبوية بالمر بالتمسك
بالجماعة ، والتحذير من الفرقة والختلف ، لن ا ل يجمع
المة على ضللة ، فمن تمسك بهديها اهتدى ، ومن شق
جماعتها ضل وغوى .
يقول النبي ي : ) ع َ ل َ ي ْ ك ُ م ْ ب ِا ل ْ ج َ م َا ع َ ة ِ و َ إ ِ ي ّا ك ُ م ْ و َا ل ْ ف ُ ر ْ ق َ ة َ ؛
ف َ إ ِ ن ّ ال ش ّ ي ْ ط َا ن َ م َ ع َ ا ل ْ و َا ح ِ د ِ ، و َ ه ُ و َ م ِ ن َ ا ل ث ْ ن َ ي ْ ن ِ أ َ ب ْ ع َ د ُ ، م َ ن ْ أ َ ر َا د َ
ِ
ب ُ ح ْ ب ُو ح َ ة َ ا ل ْ ج َ ن ّ ة ِ ف َ ل ْ ي َ ل ْ ز َ م ِ ا ل ْ ج َ م َا ع َ ة َ ( )2( .
)( رواه البخاري .
1
)( رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
2
22. 22
ولعلك _ أيها القارئ الكريم _ تذكر قصة الرجل الذي قتل
تسعة وتسعين رج ل ً ، فإنه لما هداه ا تعالى على يدي ذلك
العالم ، وتأكد العالم من توبته وصدق إنابته ، لم يتركه يعبد
ا وحده ، بل قال له : ) ا ن ْ ط َ ل ِ ق ْ إ ِ ل َى أ َ ر ْ ض ِ ك َ ذ َا و َ ك َ ذ َا ؛ ف َ إ ِ ن ّ ب ِ ه َا
أ ُ ن َا س ًا ي َ ع ْ ب ُ د ُو ن َ ال ل ّ ه َ ف َا ع ْ ب ُ د ِ ال ل ّ ه َ م َ ع َ ه ُ م ْ ، و َ ل ت َ ر ْ ج ِ ع ْ إ ِ ل َى أ َ ر ْ ض ِ ك َ
َ
ف َ إ ِ ن ّ ه َا أ َ ر ْ ض ُ س َ و ْ ء ٍ ، ف َا ن ْ ط َ ل َ ق َ ح َ ت ّى إ ِ ذ َا ن َ ص َ ف َ ال ط ّ ر ِي ق َ ، أ َ ت َا ه ُ
ا ل ْ م َ و ْ ت ُ ، ف َا خ ْ ت َ ص َ م َ ت ْ ف ِي ه ِ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ ال ر ّ ح ْ م َ ة ِ و َ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ ا ل ْ ع َ ذ َا ب ِ ،
َ َ
ف َ ق َا ل َ ت ْ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ ال ر ّ ح ْ م َ ة ِ ج َا ء َ ت َا ئ ِ ب ًا م ُ ق ْ ب ِ ل ب ِ ق َ ل ْ ب ِ ه ِ إ ِ ل َى ال ل ّ ه ِ ،
ً َ
و َ ق َا ل َ ت ْ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ ا ل ْ ع َ ذ َا ب ِ : إ ِ ن ّ ه ُ ل َ م ْ ي َ ع ْ م َ ل ْ خ َ ي ْ ر ًا ق َ ط ّ ، ف َ أ َ ت َا ه ُ م ْ
َ
م َ ل َ ك ٌ ف ِي ص ُو ر َ ة ِ آ د َ م ِ ي ّ ف َ ج َ ع َ ل ُو ه ُ ب َ ي ْ ن َ ه ُ م ْ ، ف َ ق َا ل َ : ق ِي س ُوا م َا
ب َ ي ْ ن َ ا ل َر ْ ض َ ي ْ ن ِ ف َ إ ِ ل َى أ َ ي ّ ت ِ ه ِ م َا ك َا ن َ أ َ د ْ ن َى ف َ ه ُ و َ ل َ ه ُ ، ف َ ق َا س ُو ه ُ
ْ
ف َ و َ ج َ د ُو ه ُ أ َ د ْ ن َى إ ِ ل َى ا ل َر ْ ض ِ ا ل ّ ت ِي أ َ ر َا د َ ، ف َ ق َ ب َ ض َ ت ْ ه ُ م َ ل ئ ِ ك َ ة ُ
َ ْ
ال ر ّ ح ْ م َ ة ِ ( رواه مسلم .
وإنها لثمرة يانعة لمن قصد ا بالتوبة ، وقصد أهل الخير
والصلح ليعينوه بعد ا على عبادة ا تعالى ، فلنعم القصد ،
ولنعمت النتيجة .
السبب العاشر : عدم معرفة ا حق معرفته ، والجهل
بعظمته في النفوس ؛ فإن من عرف ا تعالى بأسمائه
وصفاته ، لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته ، أو الوقوع
في معصيته ، أو الخلوة بالخطيئة ، أو المجاهرة بالسيئة .
ومن جهل برقابة ا عليه ، وسمعه لكلمه ، ونظره إليه ،
وعلمه بحركاته وسكناته ، ولم يؤمن بقدرة ا عليه ، أو تغافل
عن هذا كله ، فقد نزع عن نفسه لبوس الحياء من الخالق
سبحانه ، ومن لم يستح فليصنع ما يشاء ، فل عجب بعد هذا إذا
فتر أو قصر .
فأين هؤلء من قول ا تعالى : ف ي َ س ْ ت َ خ ْ ف ُو ن َ م ِ ن ْ ال ن ّا س ِ
و َ ل ي َ س ْ ت َ خ ْ ف ُو ن َ م ِ ن ْ ال ل ّ ه ِ و َ ه ُ و َ م َ ع َ ه ُ م ْ إ ِ ذ ْ ي ُ ب َ ي ّ ت ُو ن َ م َا ل ي َ ر ْ ض َى
َ َ
م ِ ن ْ ا ل ْ ق َ و ْ ل ِ و َ ك َا ن َ ال ل ّ ه ُ ب ِ م َا ي َ ع ْ م َ ل ُو ن َ م ُ ح ِي ط ًا م .
أخي الحبيب : إن من تأمل أحوال المتنكبين عن طريق
الهداية بعد التزامهم بها يجد غفلتهم عن عظمة ا ا تتربع في
قلوبهم ، وإل فهل يستخف بالمعصية من يعلم بأن ا يراه
23. 32
ويسمعه ويحاسبه ، وهل يسرق الناس أموالهم من يعلم أن ا
هو الرزاق ذو القوة المتين ، وهل من يستعلي على الخلق
ويظلمهم يوقن بقدرة ا عليه ؟؟ إن لتعظيم ا في النفوس
لثرا يعلم به الذين أسهروا ليلهم قياما لله ركعا وسجدا،
وأمضوا نهارهم صياما وذك ر ًا .
خلوت ولكن قل عل ي ّ إذا مفا خلوت الدهفر يو م ًفا
وأن ما تخفي عليه رقي ب ُ ول تحسفففبن ا يغففففل
يغيب
الس فففبب الحادي عش فففر : اسفففتحقار ص فففغائر الذنوب ،
ف ف ف
والسفتهانة بعقوبتهفا ، وإنهفا وا القطرات التفي أجرت سفيول
الفجور ، والحصفى الصفغيرة التفي تراكمفت منهفا جبال الذنوب ،
فمرة نقول : صفغائ ر ُ ، ومرة نقول : لممفٌ ، ومفا المفر إل ملئكفة
يكتبون ، و صحف تمل ، ورب يح صي ، في كتاب ل يغادر صغيرة
ول كبيرة إل أحصاها ، فهل علم الفاتر عن الطاعة ذلك كله ؟
ع َن ف ْ ع َ ب ْ د ِ ال ل ّه ف ِ ب ْن ف ِ م َس ف ْ ع ُو د ٍ ع أ َ ن ّف ر َس ف ُو ل َ ال ل ّه ف ِ أ ق َا ل َ :
إ ِ ي ّا ك ُم ف ْ و َ م ُ ح َ ق ّ ر َات ف ِ ال ذ ّ ن ُوبفف ِ ، ف َ إ ِ ن ّ ه ُ ن ّ ف ي َ ج ْ ت َ م ِ ع ْن ف َ ع َ ل َى ال ر ّ ج ُ ل ِ
ح َ ت ّ ى ي ُ ه ْ ل ِ ك ْ ن َ ه ُ ، و َ إ ِ ن ّ ر َ س ُو ل َ ال ل ّ ه ِ ح ض َ ر َ ب َ ل َ ه ُن ّ م َ ث َ ل ك َ م َ ث َ ل ِ ق َ و ْ م ٍ
ً
ن َ ز َ ل ُوا أ َ ر ْضفف ف َ ف َ ل ة ٍ ، ف َ ح َ ض َ ر َ صفف ف َ ن ِي ع ُ ا ل ْ ق َ و ْمفف ف ِ ، ف َ ج َ ع َ ل َ ال ر ّ ج ُ ل ُ
َ
ي َ ن ْ ط َ ل ِقففف ف ُ ف َ ي َ ج ِي ء ُ ب ِا ل ْ ع ُو د ِ ، و َال ر ّ ج ُ ل ُ ي َ ج ِي ء ُ ب ِا ل ْ ع ُو د ِ ، ح َ ت ّىفففف
ج َ م َ ع ُوا س َ و َا د ًا ، ف َ أ َ ج ّ ج ُوا ن َا ر ًا ، و َأ َ ن ْ ض َ ج ُوا م َا ق َ ذ َ ف ُوا ف ِي ه َا ( )1( .
قال ب عض ال سلف : ) ت سامحت بلق مة فتناولت ها ، فأ نا اليوم
مفففففففففففففففففن أربعيفففففففففففففففففن سفففففففففففففففففنة إلى
خلف ( .
وصغيرها ذاك التقى خل الذنوب كبيرها
ض الشوك يحذر ما واحذر كماش فوق أر
إن الجبال من الحصى يرى ل تحقر صغيرة
السبب الثاني عشر : التعلق في اللتزام بالدين بالحياء
من الصالحين ، وإنه السوس الذي ينخر في دين النسان من
حيث ل يشعر ، فكم يفرح المرء بهدايته ، غير أنه لم يهتد إل
)( رواه المام أحمد ، وهو صحيح .
1
24. 42
لجل إعجابه بشخصية فلن ، أو استحسانه صوته أو صورته ،
حتى يصل المر بأن يتبعه في كل شيء ، ويقلده في كل أمر ،
فإذا ما أصيب قدوته بالفتور ، لحقه فيه دون تردد ، ولو
انتكس ، انقلب كما انقلب على عقبيه ، وإنه ل يضر ا شيئا .
إنه يجب أن نقتدي في سائر عباداتنا بالنبي إ ، وبسلفه
الخيار ، ل نرتضي بهم بدل ، وليكن ذلك نبراسنا في دعوتنا
الناس إلى منابر الهداية المضيئة ، فإن الحياء ل تؤمن عليهم
الفتنة .
يقول عبد ا بن مسعود ي : ) من كان منكم مست ن ًا ،
فليستن بمن مات ، أولئك أصحاب محمد ف ، كانوا خير هذه
المة ، أبرها قلو ب ًا ، وأعمقها عل م ًا ، وأقلها تكل ف ًا ، قوم
اختارهم ا لصحبة نبيه ا ، ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلقهم
وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد و كانوا على الهدي المستقيم (
)1( .
إن التشبه بالكرام فتشبهوا إن لم تكونوا
فلح مثلهم
السبب الثالث عشر : النشغال بالعلوم العلمية البحتة ،
والنفتاح على شتى وسائل تحصيلها ، من دون تفريق بين ما
ح ل ّ منها وما حرم ، كالتعذر في تعلم اللغة النجليزية برؤية
الفلم الجنبية ، أو الطلع على مواقع منحلة في شبكة
النترنت ، أو السفر إلى الخارج من غير أخذ الهبة الدينية التي
يجب أن يتسلح المسلم بها قبل ذهابه إلى هناك ، أو السكن مع
إحدى السر الكافرة ، والختلط بهم ؛ بحجة إجادة التعلم
والضطرار إليه .
فكم فجع النسان في دينه ، حينما رأى نفسه تنحدر من
سبيل التعليم إلى سبيل الغواية والنحلل ، وما ذاك إل بسبب
نظرة محرمة ، وإنها لتقع في قلبه كالسهم المسموم ، الذي
يردي قلبه بعد الحياة مي ت ًا ، وبعد الهداية ضا ل ، فليح ك ّم
ً
النسان الشرع في أفعاله وتصرفاته ، ول يكن مفت ي ًا لذاته ،
حاك م ًا بهواه ، ح وما ك َا ن َ ل ِ م ُ ؤ ْ م ِ ن ٍ و َ ل م ُ ؤ ْ م ِ ن َ ة ٍ إ ِ ذ َا ق َ ض َى ال ل ّ ه ُ
َ
)( رواه أبو نعيم .
1