SlideShare a Scribd company logo
1 of 58
‫مختصر كتاب الرحيق المختوم ) بحث في السيرة النبوية(‬
‫الحالة الجتماعية والقتصادية والخلقية في المجتمع الجاهلي:‬
‫الحالة الجتماعية:‬
‫كانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علقة الرجل مع أهله‬
‫في الشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الرادة ونفاذ القول القسط‬
‫الوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وإذا أراد الرجل أن يمتدح بما له في نظر العرب‬
‫المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إل المرأة، وكانت المرأة إذا‬
‫شاءت جمعت القبائل للسلم وإن شاءت أشعلت الحرب بينهم، وكان الرجل يعتبر رئيس السرة‬
‫وصاحب الكلمة، وارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها.‬
‫هذا في حال الشراف، أما أواسط الناس فهناك أنواع من الختلط بين الرجل والمرأة، ل يعبر‬
‫عنه إل بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة.‬
‫وروى البخاري عن عائشة قالت: أن النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء:‬
‫الول: كنكاح الناس اليوم، الثاني: الستبضاع، يقول الرجل لمرأته إذا طهرت: أرسلي فلن‬
‫فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ول يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، فإذا تبين حملها‬
‫أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، الثالث: يجتمع الرهط دون العشرة،‬
‫فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت، ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم،‬
‫فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به‬
‫ولدها، الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة ل تمنع ممن جاءها، وهن البغايا.‬
‫وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، فكان المتغلب في حروب‬
‫القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الولد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة‬
‫حياتهم.‬
‫والمعروف في الجاهلية تعدد الزوجات من غير حد، ويجمعون بين الختين، ويتزوجون بزوجات‬
‫آبائهم، وكان الطلق والرجعة بيد الرجل.‬
‫وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الوساط، إل أفرادا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم‬
‫نفوسهم يأبى الوقوع في الرذيلة.‬
‫وكانت علقة الرجل مع أولده على أنواع شتى، فمنهم من يئد البنات خشية العار ويقتل الولد‬
‫خشية الفقر والملق، ول يعد هذا من الخلق المنتشرة.‬
‫أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، وكان أساس النظام‬
‫الجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم ويسيرون على المثل ) أنصر أخاك ظالما أو مظلوما( على‬
‫المعنى الحقيقي دون تعديل السلم له.‬
‫العلقة بين القبائل كانت مفككة، وقواهم متفانية في الحروب، إل أن الرهبة والوجل من بعض‬
‫التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها، وكانت‬
‫الشهر الحرم رحمة وعونا لهم على حياتهم، فقد كانوا يأمنون فيها تمام المن، لشدة التزامهم‬
‫بحرمتها.‬

‫1‬
‫وقصارى الكلم أن الحالة الجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية، فالجهل ضارب‬
‫أطنابه والناس يعيشون كالنعام، والمرأة تباع وتشترى، والعلقة بين المة واهية، والحكومات‬
‫همها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها.‬
‫الحالة القتصادية:‬
‫التجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على الحوائج، والجولة التجارية ل تتيسر إل إذا ساد المن،‬
‫وكان مفقودا في جزيرة العرب، إل في الشهر الحرم، وفيها تعقد أسواق العرب كعكاظ وذي‬
‫المجاز ومجنة.‬
‫أما الصناعات فكانوا أبعد المم عنها، ومعظم الصناعات مثل الحياكة والدباغة وغيرها كانت‬
‫في أهل اليمن والحيرة ومشارف الشام، وهناك داخل الجزيرة شيء من الزراعة والحرث واقتناء‬
‫النعام، وكانت نساء العرب يشتغلن بالغزل.‬
‫الخلق:‬
‫1 – الكرم: وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع‬
‫وليس عنده من المال إل ناقته فيذبحها لضيفه.‬
‫2 – الوفاء بالعهد: وقد كان دينا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولدهم.‬
‫3 – عزة النفس والباء عن قبول الخسف والضيم: ومن نتائج ذلك الشجاعة وشدة الغيرة،‬
‫وسرعة النفعال، وكانوا ل يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.‬
‫4 – المضي في العزائم: فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والفتخار ل يصرفهم عنه‬
‫صارف.‬
‫5 – الحلم، والناة والتؤدة: كانوا يتمدحون بها إل أنها كانت فيهم عزيزة الوجود لفرط شجاعتهم‬
‫وسرعة إقدامهم على القتال.‬
‫6 – السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها: ومن نتائجها الصدق والمانة‬
‫والنفور عن الخداع والغدر.‬
‫السرة النبوية – النبي صلى ا عليه وسلم في كنف جده ثم عمه أبي طالب‬
‫تعرف أسرته صلى ا عليه وسلم، بالسرة الهاشمية، نسبة إلى جده هاشم بن عبدمناف.‬
‫إلى جده العطوف:‬
‫عاد به عبدالمطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب‬
‫بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولده، فكان ل يدعه‬
‫لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراض في ظل‬
‫الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، ل يجلس عليه أحد من بنيه إجل ل ً له،‬
‫فكان رسول ا صلى ا عليه وسلم يأتي وهو غلم جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه‬
‫ليؤخروه عنه فيقول عبدالمطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوا إن له لشأنا، ثم يجلس‬
‫معه على فراشه، ويمسج ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.‬
‫ولثمان سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ا عليه وسلم توفي جده عبد المطلب‬
‫بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.‬
‫2‬
‫إلى عمه الشفيق:‬
‫ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل‬
‫احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.‬
‫حياة الكدح:‬
‫لم يكن لرسول ا عمل معين في أول شبابه، إل أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنما،‬
‫رعاها في بني سعد، وفي مكة لهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب،‬
‫فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، ل يداري ول‬
‫يماري، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرحبا بأخي وشريكي.‬
‫وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة، قال ابن إسحاق:‬
‫كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه‬
‫بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول ا صلى ا عليه وسلم ما بلغها‬
‫من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى‬
‫الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلم لها يقال له: ميسرة، فقبله‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلمها ميسرة حتى قدم‬
‫الشام.‬
‫زواجه بخديجة:‬
‫ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من المانة والبركة ما لم تر قبل هذا، واخبرها‬
‫غلمها ميسرة بما رأى فيه صلى ا عليه وسلم من خلل عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح،‬
‫ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة، وكان السادات والرؤساء يحرصون على‬
‫زواجها فتأبى عليهم ذلك فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه‬
‫صلى ا عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة‬
‫وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه‬
‫من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل‬
‫نساء قومها نسبا وثروة وعق ل، وهي أول امرأة تزوجها رسول ا صلى ا عليه وسلم، ولم يتزوج‬
‫ً‬
‫عليها غيرها حتى ماتت.‬
‫وكل أولده منها سوى إبراهيم، ولدت له: أو ل ً: القاسم، ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة،‬
‫وعبدا، وكان عبدا يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم أما البنات فكلهن أدركن‬
‫السلم فأسلمن وهاجرن، إل أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى ا عليه وسلم سوى فاطمة،‬
‫فقد تأخرت بعد ستة أشهر ثم لحقت به.‬
‫في غار حراء ونزول الوحي:‬
‫في غار حراء: لما تقاربت سنه صلى ا عليه وسلم الربعين، وكانت تأملته الماضية قد وسعت‬
‫الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلء، فكان يأخذ السويق والماء، ويذهب إلى غار حراء‬
‫في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع‬
‫وثلثة أرباع ذراع من ذراع الحديد، فيقيم في شهر رمضان ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما‬
‫حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد‬
‫الشرك.‬

‫3‬
‫وكان اختياره لهذه العزلة طرفا من تدبير ا له وقد تمت هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة‬
‫بثلث سنوات.‬
‫جبريل ينزل بالوحي:‬
‫ولما تكامل له أربعون سنة بدأت طلئع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرا بمكة كان يسلم‬
‫عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة، فكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت‬
‫على ذلك ستة أشهر، ومدة النبوة ثلثة وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من‬
‫النبوة، فما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته بحراء شاء ا أن يفيض من رحمته على أهل‬
‫الرض فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن.‬
‫وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلئل يمكن تحديد ذلك اليوم الثنين الحادي والعشرين من‬
‫رمضان لي ل، الموافق 01 أغسطس سنة 016 م، وكان عمره أربعين سنة قمرية وستة أشهر واثنا‬
‫ً‬
‫عشر يوما، وذلك نحو 93 سنة شمسية وثلثة أشهر وعشرين يوما.‬
‫المر بالقيام بالدعوة:‬
‫الدعوة سرا ثلث سنوات: قام رسول ا بعد نزول آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى ا سبحانه‬
‫وتعالى، وحيث أن قومه جفاة ل دين لهم إل عبادة الصنام والوثان، ول حجة لهم إل أنه ألفوا‬
‫آباءهم على ذلك، ول أخلق لهم إل الخذ بالعزة والنفة، ول سبيل لهم في حل المشاكل إل‬
‫السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس،‬
‫ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية، لئل‬
‫يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم.‬
‫الرعيل الول: أول من أسلم: خديجة بنت خويلد، وموله زيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب،‬
‫وأبو بكر الصديق، أسلم هؤلء في أول يوم.‬
‫ثم نشط أبو بكر في الدعوة فأسلم على يده: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن‬
‫بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد ا.‬
‫الدعوة جهارا: أول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى ) وأنذر عشيرتك القربين(.‬
‫الضطهادات:‬
‫أعمال المشركون الساليب لحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة‬
‫ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الساليب ل يتجاوزونها‬
‫الضطهاد والتعذيب، ولكنهم ما رأوا أنها ل تجدي نفعا في إحباط الدعوى استشاروا‬
‫وقرروا القيام بتعذيب المسلمين، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالسلم،‬
‫سيد على من اختار من عبيده عن طريق اليمان.‬

‫من النبوة،‬
‫إلى طريق‬
‫فيما بينهم،‬
‫وانقض كل‬

‫والحاصل أن المشركين لم يعلموا بأحد دخل في السلم إل وتصدوا له بالذى والنكال، وكان‬
‫ذلك سه ل ً بالنسبة لضعفاء المسلمين، لسيما العبيد والماء، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل‬
‫كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الوباش، ولكن لمن أسلم من الكبار‬
‫والشرا ف كان ذلك صعبا جدا، إذ كانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلما كان يجترئ عليهم إل‬
‫أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر.‬
‫الهجرة الولى إلى الحبشة‬
‫4‬
‫كانت بداية العتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل‬
‫تشتد يوما فيوما وشهرا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وفي هذه الظروف نزلت‬
‫سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ا واسعة‬
‫إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب(.‬
‫وكان رسول ا ) صلى ا عليه وسلم( قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل، ل‬
‫يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة.‬
‫وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة، كان مكونا من اثني‬
‫عشر رج ل ً وأربعة نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول ا وقد قال النبي‬
‫فيهما ) إنهما أول بيت هاجر في سبيل ا بعد إبراهيم ولوط عليهما السلم(.‬
‫سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين:‬
‫في رمضان من نفس السنة خرج النبي ) صلى ا عليه وسلم( إلى الحرم، وفيه جميع كبير من‬
‫قريش، فقام فيهم وفاجأهم بتلوة سورة النجم، ولما وصل إلى قوله تعالى ) فاسجدوا لله‬
‫واعبدوا( ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدا، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب ممن لم‬
‫يحضر هذا المشهد من المشركين، وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف‬
‫تماما عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة،‬
‫فلما دنوا من مكة وعرفوا الحقيقة رجع منهم من رجع إلى الحبشة.‬
‫الهجرة الثانية إلى الحبشة:‬
‫واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق‬
‫من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر ا لهم‬
‫السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا.‬
‫وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلثة وثمانون رج ل ً إن كان فيهم عمار، فإن يشك فيه،‬
‫وثماني عشرة أو تسع عشرة امرأة.‬
‫إسلم حمزة رضي ا عنه:‬
‫أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة والغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة، وسبب إسلمه‬
‫أنا أبا جهل آذى الرسول عند الصفا والرسول ساكت ل يكلمه ثم ضربه أبو جهل في رأسه فشجه‬
‫حتى نزف منه الدم، وعلم حمزة بالمر وغضب وذهب إلى أبو جهل وضربه بالقوس فشجه شجة‬
‫منكرة.‬
‫إسلم عمر رضي ا عنه:‬
‫أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة، بعد ثلثة أيام من إسلم حمزة.‬
‫المقاطعة العامة‬
‫ميثاق الظلم والعدوان:‬
‫اجتمع المشركون في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا على بني هاشم وبني‬
‫المطلب إل يناكحوهم، ول يبايعوهم، ول يجالسوهم، حتى يسلموا إليهم رسول ا للقتل، وكتبوا‬
‫بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، وقد كتبها بغيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه الرسول فشلت‬
‫يده.‬
‫5‬
‫تم هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، وكان ذلك في محرم سنة سبع من البعثة.‬
‫ثلثة أعوام في شعب أبي طالب.‬
‫نقض صحيفة الميثاق:‬
‫مر عامان أو ثلثة أعوام والمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة‬
‫وفك الحصار، وذلك أن قريشا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من‬
‫كان كارها لها.‬
‫وكان القائم بذلك هشام بن عمرو، وكان معه زهير بن أبي أمية المخزومي، والمطعم بن‬
‫عدي، وأبي البختري بن هشام، و زمعة بن السود بن المطلب بن أسد.‬
‫عام الحزن‬
‫وفاة أبي طالب:‬
‫توفي في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر.‬
‫خديجة إلى رحمة ا:‬
‫توفيت في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، وعمرها خمس وستون سنة.‬
‫تراكم الحزان:‬
‫وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلل أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن واللم في قلب‬
‫رسول ا ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه، فإنهم تجرئوا عليه وكاشفوه بالنكال والذى‬
‫بعد موت أبي طالب، فازداد غما على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا‬
‫لدعوته، أو يؤووه وينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا، بل آذوه أشد الذى، ونالوا‬
‫منه ما لم ينله قومه.‬
‫دعوة السلم خارج مكة‬
‫الرسول صلى ا عليه وسلم في الطائف:‬
‫في شوال سنة عشر من النبوة خرج النبي إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة ستين مي ل، سارها‬
‫ً‬
‫ماشيا على قدميه جيئة وذهابا، ومعه موله زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق‬
‫دعاهم إلى السلم فلم تجب إليه واحدة منها.‬
‫وأقام رسول ا بين أهل الطائف عشرة أيام، ل يدع أحدا من أشرافهم إل جاءه وكلمه، فقالوا‬
‫أخرج من بلدنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيده م يسبونه ويصيحون‬
‫به، حتى اجتمع عليه الناس، وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، وكان‬
‫زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه.‬
‫عرض السلم على القبائل:‬
‫في ذي القعدة سنة عشر من النبوة عاد رسول ا إلى مكة ليستأنف عرض السلم على‬
‫القبائل والفراد، ولقتراب الموسم كان الناس يأتون إلى مكة فانتهز الرسول هذه الفرصة ليعرض‬
‫عليهم السلم، وقد بدأ يطلب منهم في هذه السنة أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه‬
‫ا به.‬
‫6‬
‫القبائل التي عرض عليها السلم:‬
‫ومن بين هذه القبائل: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرة‬
‫وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وبنو البكاء، وكندة، وكلب، والحارث ابن كعب، وعذرة،‬
‫والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد.‬
‫أما كيفية عرض السلم على هذه القبائل وردودهم فهي:‬
‫1 – بنو كلب: أتى النبي إلى بطن منهم يقال لهم: بنو عبدا، فدعاهم إلى ا وعرض عليهم‬
‫نفسه، حتى أنه ليقول لهم " يا بني عبدا، إن ا قد أحسن اسم أبيكم" فلم يقبلوا منه.‬
‫2 – بنو حنيفة: أتاهم في منازلهم فدعاهم إلى ا وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من‬
‫العرب أقبح عليه ردا منهم.‬
‫3 – بني عامر بن صعصعة: دعاهم إلى ا وعرض عليهم نفسه، فقال بحيرة بن فراس: وا لو‬
‫أني أخذت هذا الفتى من قريش لكلت به العرب، ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم‬
‫أظهرك ا على من خالفك أيكون لنا المر من بعدك؟ قال: " المر إلى ا، يضعه حيث يشاء" ، فقال‬
‫له: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك ا كان المر لغيرنا، ل حاجة لنا بأمر، فأبوا عليه.‬
‫بيعة العقبة الولى‬
‫في موسم حج سنة 21 من النبوة جاء اثنا عشر رج ل ً فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد‬
‫التقوا برسول ا في العام السابق، والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبدا وسبعة سواهم‬
‫وهم:‬
‫معاذ بن الحارث، ذكوان بن عبد القيس، عبادة بن الصامت، يزيد بن ثعلبة، العباس بن عبادة،‬
‫) من الخزرج( ، أبو الهيثم بن تيهان، عويم بن ساعدة، ) من الوس(.‬
‫التقى هؤلء الرجال برسول ا عند العقبة بمنى فبايعوه.‬
‫سفير السلم في المدينة:‬
‫مصعب بن عمير العبدري رضي ا عنه.‬
‫بيعة العقبة الثانية:‬
‫في موسم الحج في السنة )31( من النبوة حضر لداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسا من‬
‫المسلمين من أهل يثرب، جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين، فلما قدموا مكة جرت بينهم‬
‫وبين النبي اتصالت سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في‬
‫الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الولى من منى، وأن يتم الجتماع في سرية تامة في ظلم‬
‫الليل.‬
‫بنود البيعة:‬
‫قال جابر: قلنا يا رسول ا، علم نبايعك؟ قال:‬
‫" على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في ا، لتأخذكم في ا لومة لئمة، وعلى أن‬
‫تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة".‬
‫7‬
‫عقد البيعة:‬
‫وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد والتأكد بدأ عقد البيعة بالمصافحة.‬
‫اثنا عشر نقيبا:‬
‫بعد أن تمت البيعة طلب رسول ا أن يختاروا اثني عشر زعيما يكونون نقباء على قومهم،‬
‫وكانوا تسعة من الخزرج وثلثة من الوس وهم:‬
‫نقباء الخزرج: 1 – أعسد بن زرارة بن عدس، 2 – سعد بن الربيع بن عمرو، 3 – عبدا بن‬
‫رواحة بن ثعلبة، 4 – رافع بن مالك بن العجلن، 5 – البراء بن معرور بن صخر، 6 – عبدا بن‬
‫عمرو بن حرام، 7 – عبادة بن الصامت بن قيس، 8 – سعد بن عبادة بن دليم، 9 – المنذر بن عمرو‬
‫بن خنيس.‬
‫نقباء الوس: أسيد بن حضير بن سماك، 2 – سعد بن خيثمة بن الحارث، 3 – رفاعة بن‬
‫عبدالمنذر بن زبير.‬
‫ولما تم اختيار هؤلء النقباء أخذ عليهم النبي ميثاقا بصفتهم رؤساء مسئولين قال لهم: " أنتم‬
‫على قومكم بما فيهم كفلء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي" يعني‬
‫المسلمين، قالوا نعم.‬
‫طلئع الهجرة:‬
‫بدأ المسلمون يهاجرون، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم، لما يحسون به من‬
‫الخطر، وهذه نماذج من ذلك:‬
‫1 – أو المهاجرين أبو سلمة – هاجر قبل العقبة الكبرى بسنة – وزوجته وابنه، فلما أراد الخروج‬
‫قال له أصهاره، هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه؟ علم نتركك تسير بها في البلد؟‬
‫فأخذوا منه زوجته، وغضب آل أبي سلمة لرجلهم فقالوا ل نترك ابننا معها إذ نزعتموها من صاحبنا،‬
‫وتجاذبوا الغلم بينهم فخلعوا يده، وذهبوا به، وانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة.‬
‫2 – وهاجر صهيب بن سنان الرومي بعد رسول ا صلى ا عليه وسلم، فلما أراد الهجرة قال‬
‫له كفار قريش أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك‬
‫ونفسك؟ وا ل يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا نعم‬
‫قال: فإني قد جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول ا فقال: " ربح صهيب، ربح صهيب".‬
‫3 – وتواعد عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل موضعا اسمه‬
‫التناضب فوق سرف يصبحون عنده، ثم يهاجرون إلى المدنية فاجتمع عمر وعياش، وحبس عنهما‬
‫هشام.‬
‫ولما قدما المدينة ونزل بقباء قدم أبو جهل وأخوه الحارث إلى عياش – وأم الثلثة واحدة وهي‬
‫أسماء بنت مخربة – فقال له: إن أمك قد نذرت أل يمس رأسها مشط، ول تستظل بشمس حتى تراك،‬
‫فرق لها فقال لهم عمر: يا عياش، إنه وا إن يريدك القوم إل ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوا‬
‫لو آذى أمك القمل لمتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لستظلت، فأبى عياش إل الخروج معهما‬
‫ليبر قسم أمه، وبعد رجوعه معهم أوثقاه وربطاه، ثم دخل به مكة نهارا موثقا وقال: يا أهل مكة،‬
‫هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.‬
‫هذه ثلثة نماذج لما كان المشركون يفعلونه بمن يريد الهجرة إذا علموا ذلك.‬
‫8‬
‫ومع هذا كله وبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقوبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إل‬
‫رسول ا وأبو بكر وعلي، أقاما بأمره لهما، وإل من احتبسه المشركون كرها، وقد أعد رسول ا‬
‫جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعد أبو بكر جهازه.‬
‫هجرة النبي صلى ا عليه وسلم‬
‫بين تدبير قريش وتدبير ا سبحانه وتعالى:‬
‫من طبيعة مثل هذا الجتماع السرية، وكان هذا مكرا من قريش، ولكنهم ماكروا بذلك ا‬
‫سبحانه وتعالى، فخيبهم من حيث ل يشعرون، فقد نزل جبريل إلى النبي بوحي من ربه تبارك‬
‫وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وبين له خطة الرد على قريش فقال :ل تبت هذه الليلة على‬
‫فراشك.‬
‫وذهب النبي في الهاجرة ) حين يستريح الناس في بيوتهم( إلى أبي بكر ليبرم معه مراحل‬
‫الهجرة، ثم أبرم معه خطة الهجرة ورجع إلى بيته، وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد‬
‫حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، اتقاء مما قررته قريش.‬
‫تطويق منزل الرسول صلى ا عليه وسلم:‬
‫اختير لتنفيذ الخطة أحد عشر رئيسا من أكابر قريش وهم:‬
‫1 – أبو جهل بن هشام، 2 – الحكم بن أبي العاص، 3 – عقبة بن أبي معيط، 4 – النظر بن‬
‫الحارث، 5 – أمية بن خلف، 6 – زمعة بن السود، 7 – طعيمة بن عدي، 8 – أبو لهب، 9 – أبي بن‬
‫خلف، 01 – نبيه بن الحجاج، 11 – أخوه منبه بن الحجاج.‬
‫كان من عادة رسول ا أن ينام في أوائل الليل بعد صلة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى‬
‫المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليا تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده‬
‫الحضرمي الخضر، وأخبره أنه ل يصيبه مكروه.‬
‫فلما كانت عتمة الليل ونام الناس جاء المذكورون إلى بيت النبي سرا، واجتمعوا على بابه‬
‫يرصدونه، وهم يظنونه نائما حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه ونفذوا ما قرروا فيه.‬
‫وقد كان ميعاد تنفيذ المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروج النبي من البيت فباتوا متيقظين‬
‫ينتظرون ساعة الصفر.‬
‫الرسول يغادر بيته:‬
‫وقد فشلت قريش في خطتهم فش ل ً ذريعا، إذ خرج الرسول من البيت، واخترق صفوفهم وأخذ‬
‫حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ ا أبصارهم عنه فل يرونه، وهو يتلو‬
‫) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ل يبصرون( ، ومضى إلى بيت أبي‬
‫بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر لي ل ً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمين.‬
‫وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، بينما هم كذلك جاءهم رجل ورآهم ببابه‬
‫فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا، قال: قد مر بكم وذر على رؤوسكم التراب وانطلق !‬
‫ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليا، فقالوا: وا إن هذا محمدا نائما، فلم يبرحوا كذلك‬
‫حتى أصبحوا، وقام علي عن الفراش، وسألوه عن النبي فقال ل أعلم.‬
‫من الدار إلى الغار:‬
‫9‬
‫غادر الرسول بيته في ليلة 72 من شهر صفر سنة 41 من النبوة الموافق 21-31 سبتمر سنة‬
‫226 م وأتى إلى دار أبي بكر ، ثم غادرا وخرجا من مكة على عجل قبل أن يطلع الفجر.‬
‫وسلك الرسول الطريق المتجه إلى اليمن الذي يقع جنوب مكة، سلك هذا الطريق نحو خمسة‬
‫أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور.‬
‫إذ هما في الغار:‬
‫دخل أبو بكر قبل الرسول لكي يطمأن على المكان، وعند اطمئنانه أدخل رسول ا، وقد لدغ‬
‫أبا بكر في رجله من جحر داخل الغار، فتفل عليه رسول ا فذهب ما يجده.‬
‫وبقيا في الغار ثلثة ليال، ليلة الجمعة والسبت والحد، وكان عبدا بن أبي بكر يبيت عندهما،‬
‫وكان يرعى عليهما عامرة بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حيث تذهب ساعة‬
‫من العشاء.‬
‫أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلت الرسول صباح ليلة تنفيذ المؤامرة، فأول ما‬
‫فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليا، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما.‬
‫وضعت قريش جميع الطرق تحت المراقبة الشديدة، وقررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة‬
‫ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما حيين أو ميتين.‬
‫وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، روى البخاري أن أبي بكر قال: كنت مع النبي في الغار،‬
‫فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي ا، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال " أسكت‬
‫يا أبا بكر، اثنان، ا ثالثهما" ، وفي لفظ: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين ا ثالثهما".‬
‫في الطريق إلى المدينة:‬
‫وقد استمر البحث عنهما ثلثة أيام، وقد تهيأ رسول ا وصاحبه للخروج إلى المدينة.‬
‫وكانا قد استأجرا عبدا بن أريقط الليثي، وكان على الشرك، وقد واعداه غار ثور بعد ثلث‬
‫ليال براحلتيهما، فلما كانت ليلة الثنين غرة ربيع الول سنة )1( هـ/ 61 سبتمبر 226 م جاءهما‬
‫عبدا بن أريقط بالراحلتين، ثم ارتحل رسول ا وأبو بكر وارتحل معهما عامر بن فهيرة، وأخذ‬
‫بهم الدليل – عبدا بن أريقط- على طريق السواحل.‬
‫وأول ما سلك بهم عبد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربا‬
‫نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجاه شما ل ً على مقربة من شاطئ البحر‬
‫الحمر، وسلك طريقا لم يكن يسلكه أحدا إل نادرا.‬
‫بعض ما وقع في الطريق:‬
‫في الطريق لقي النبي بريدة بن الحصيب السلمي، ومعه نحو ثمانين بيتا فأسلم وأسلموا،‬
‫وصلى رسول ا العشاء الخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على الرسول بعد‬
‫أحد.‬
‫النزول بقباء:‬
‫في يوم الثنين 8 ربيع الول سنة 41 من النبوة، وهي السنة الولى من الهجرة الموافق‬
‫32/ سبتمر 226 م نزل رسول ا بقباء.‬
‫01‬
‫قال ابن القيم: وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه،‬
‫وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله والسكينة تغشاه، والوحي‬
‫ينزل عليه: ) فإن ا هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير(.‬
‫ونزل رسول ا بقباء على كلثوم بن الهدم.‬
‫ومكث علي بن أبي طالب رضي ا عنه بمكة ثلثا حتى أدى عن رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيا على قدميه حتى لحقهما بقباء، ونزل على كلثوم بن‬
‫الهدم.‬
‫وأقام رسول ا بقباء أربعة أيام: الثنين والثلثاء والربعاء والخميس، وأسس مسجد قباء‬
‫وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، ولما كان اليوم الخامس ) يوم الجمعة(‬
‫ركب بأمر ا له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار‬
‫نحو المدينة وهم حوله، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في‬
‫بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.‬
‫الدخول في المدينة:‬
‫ثم سار النبي بعد الجمعة حتى دخل المدينة، ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول،‬
‫ويعبر عنها بالمدينة مختصرا.‬
‫ونزل رسول ا عند أبي أيوب النصاري، وفي رواية أنس عند البخاري، قال نبي ا صلى ا‬
‫عليه وسلم: ) أي بيوت أهلنا أقرب؟( فقال أبو أيوب: أنا يا رسول ا، هذه داري، وهذا بابي، قال‬
‫) فانطلق فهيئ لنا مقي ل ً( ، قال قوما على بركة ا.‬
‫وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم ايمن، وخرج‬
‫معهم عبدا بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها‬
‫من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.‬
‫المرحلة الولى‬
‫بناء مجتمع جديد‬
‫قد أسلفنا أن نزول رسول ا بالمدينة في بني النجار كان يوم الجمعة )21/ ربيع الول/1 هـ‬
‫الموافق 72/ سبتمبر/ 226 م( وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب.‬
‫بناء المسجد النبوي:‬
‫وأول خطوة خطاها رسول ا بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت‬
‫فيه ناقته، فاشتراه من غلمين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبن‬
‫والحجار، ويقول:‬
‫فاغفر للنصار والمهاجرة‬

‫اللهم ل عيش إلى عيش الخرة‬

‫وفي أوائل الهجرة شرع الذان، وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة الخيار عبدا بن‬
‫زيد بن عبد ربه، فأقره النبي وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب فأقره النبي.‬
‫المؤاخاة بين المسلمين:‬
‫11‬
‫آخى رسول ا صلى ا عليه وسلم بين المهاجرين والنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا‬
‫تسعين رج ل ً نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من النصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون‬
‫بعد الموت دون ذوي الرحام إلى حيث وقعة بدر، فلما أنزل ا عز وجل ) وأولوا الرحام بعضهم‬
‫أولى ببعض( رد التوارث إلى الرحم دون عقد الخوة.‬
‫ومعنى هذا الخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فل‬
‫يكون أساس الولء والبراء إل السلم.‬
‫بنود المعاهدة مع اليهود:‬
‫1 – إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم،‬
‫وكذلك لغير بني عوف من اليهود.‬
‫2 – وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.‬
‫3 – وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.‬
‫4 – وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الثم.‬
‫5 – وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.‬
‫6 – وإن النصر للمظلوم.‬
‫7 – وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.‬
‫8 – وإن يثرب حرام جوفها لهل هذه الصحيفة.‬
‫9 – وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده مرده إلى ا عز‬
‫وجل، وإلى محمد رسول ا صلى ا عليه وسلم.‬
‫01 – وإنه ل تجار قريش ول من نصرها.‬
‫11 – وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.‬
‫21 – وإنه ل يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.‬
‫وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها ) إن‬
‫صح هذا التعبير( رسول ا صلى ا عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين.‬
‫الكفاح الدامي‬
‫سرية سيف البحر:‬
‫في رمضان سنة 1 هـ، الموافق مارس سنة 326 م، أ مر رسول ا على هذه السرية حمزة بن‬
‫ّ‬
‫عبدالمطلب، وبعثه في ثلثين رج ل ً من المهاجرين يعترضون عيرا لقريش جاءت من الشام، وفيها‬
‫أبو جهل بن هشام في ثلثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا‬
‫للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفا للفريقين جميعا، بين هؤلء وهؤلء حتى حجز‬
‫بينهم فلم يقتتلوا.‬
‫وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول ا صلى ا عليه وسلم، وكان أبيض، وحمله أبو مرثد‬
‫كناز بن حصين الغنوي.‬
‫21‬
‫سرية نخلة:‬
‫في رجب سنة 2 هـ، الموافق يناير سنة 426 م، بعث رسول ا فيها عبدا بن جحش السدي‬
‫إلى نخلة في اثني عشر رج ل ً من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير.‬
‫وكان رسول ا كتب له كتابا، وأمره أل ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فسار عبدا‬
‫ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة‬
‫والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارها" ، فقال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك،‬
‫وأنه ل يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا‬
‫كلهم، غير أنه لما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا‬
‫يتعقبانه، فتخلفا في طلبه.‬
‫وسار عبدا بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، وفيها‬
‫عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبدا بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني‬
‫المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب، الشهر الحرام، فإن قاتلناهم‬
‫انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم‬
‫عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والسيري ن إلى‬
‫المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في السلم، وأول قتيل في السلم،‬
‫وأول أسيرين في السلم.‬
‫وأنرك رسول ا ما فعلوه، وقال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام" ، وتوقف عن التصرف‬
‫في العير والسيرين.‬
‫ووجد المشركون فيما حدث فرصة لتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم ا، حتى نزلت الية‬
‫الكريمة: ) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل ا وكفر به‬
‫والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند ا والفتنة أكبر من القتل(.‬
‫غزوة بدر الكبرى‬
‫أول معركة من معارك السلم الفاصلة:‬
‫سبب الغزوة:‬
‫عند عودة عير قريش من الشام إلى مكة بعث رسول ا طلحة بن عبيد ا وسعيد بن زيد إلى‬
‫الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصل إلى الحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا‬
‫إلى المدينة وأخبرا رسول ا بالخبر.‬
‫وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها: ألف بعير موقرة بأموال ل تقل عن‬
‫خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إل نحو أربعين رج ل.‬
‫ً‬
‫لذلك أعلن رسول ا في المسلمين قائ ل ً: " هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل‬
‫ا ينفلكموها".‬
‫ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك المر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا‬
‫النتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير- هذا الصطدام العنيف في بدر، ولذلك تخلف كثير من‬
‫الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول ا في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في‬
‫السرايا والغزوات الماضية، ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة.‬
‫31‬
‫مبلغ قوة الجيش السلمي وتوزيع القيادات:‬
‫واستعد رسول ا للخروج ومعه ثلثمائة وبضعة عشر رج ل ً )313 ، أو 413 ، أو 713 رج ل ً( 28 أو‬
‫38 أو 68 من المهاجرين و 16 من الوس و 071 من الخزرج، ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفا ل ً‬
‫بليغا، ول اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلى فرس أو فرسان: فرس للزبير بن العوام،‬
‫وفرس للمقداد بن السود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلن والثلثة على بعير‬
‫واحد، وكان رسول ا وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا واحدا.‬
‫واستخلف على المدينة وعلى الصلة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن‬
‫عبدالمنذر، واستعمله على المدينة.‬
‫ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض.‬
‫وقسم جيشه إلى كتيبتين:‬
‫1 – كتيبة المهاجرين: وأعطى رايتها علي بن أبي طالب، ويقال لها العقاب.‬
‫2 – كتيبة النصار: وأعطى رايتها سعد بن معاذ، ) وكانت الرايتان سوداوين(.‬
‫وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت‬
‫القيادة العامة في يده كقائد أعلى للجيش.‬
‫الجيش السلمي يتحرك نحو بدر‬
‫النذير في مكة:‬
‫كان أبو سفيان على غاية من الحيطة والحذر، وكان يتحسس الخبار ويسأل من لقي من‬
‫الركبان، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمدا قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير، عندها‬
‫استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخا لقريش بالنفير إلى عيرهم.‬
‫أهل مكة يتجهزون للغزو:‬
‫فتحفز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كل وا‬
‫ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رج ل، وجمعوا في الخروج فلم‬
‫ً‬
‫يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إل بني عدي فلم‬
‫يخرج منهم أحد.‬
‫قوام الجيش المكي:‬
‫قوامه ألف وثلثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة،‬
‫وكان قائده العام أبا جهل.‬
‫مشكلة قبائل بني بكر:‬
‫ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة‬
‫والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكان ذلك يثنيهم، ولكن‬
‫تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، فقال لهم: أنا لكم جار من أن‬
‫تأتيكم كنانة من خلفكم.‬
‫جيش مكة يتحرك:‬
‫41‬
‫تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان‬
‫يقول فيها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها ا فارجعوا.‬
‫العير نفلت:‬
‫وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذرا متيقظا،‬
‫وضاعف حركاته الستكشافية، وغير وجهته إلى الساحل غربا تاركا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر‬
‫على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة.‬
‫هم الجيش المكي بالرجوع، ووقوع النشقاق فيه:‬
‫ولما تلقى جيش مكة رسالة أبي سفيان هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في‬
‫كبرياء وغطرسة قائ ل ً: وا ل نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلثا، فننحر الجزور، ونطعم الطعام،‬
‫ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فل يزالون يهابوننا أبدا.‬
‫وعاد الخنس بن شريق هو وبنو زهرة، وكان رئيسا عليهم فم يشهد بدرا زهري واحد، وكانوا‬
‫حوالي ثلثمائة رجل.‬
‫المجلس الستشاري:‬
‫عقد رسول ا مجلسا عسكريا استشاريا، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته، وحينئذ‬
‫تزعزع قلوب فريق من الناس، وخافوا اللقاء الدامي، وهم الذين قال ا فيهم: " كما أخرجك ربك‬
‫من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون‬
‫إلى الموت وهم ينظرون(.‬
‫أما قادة الجيش فقام أبو بكر وعمر وقال وأحسنا أما المقداد بن عمر فقال: يا رسول ا أمض‬
‫لما أراك ا، فنحن معك، وا ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ) اذهب أنت وربك فقاتل‬
‫إنا هاهنا قاعدون( ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون.‬
‫أما مقاتلي النصار فقد قال قائدهم وحامل لوائهم سعد بن معاذ: قد آمنا بك، فصدقناك،‬
‫وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة،‬
‫فامض يا رسول ا لما أردت، فسر بنا على بركة ا.‬
‫الجيش السلمي يواصل سيره:‬
‫ثم ارتحل رسول ا من ذفران، فسلك على ثنايا الصافر ثم انحط منها إلى بلد الدبة، وترك‬
‫الحنان بيمين، ثم نزل قريبا من بدر.‬
‫الرسول يقوم بعملية الستكشاف:‬
‫قام الرسول بنفسه بعملية الستكشاف مع أبي بكر، وبينما هما يتجولن حول معسكر مكة إذا‬
‫هما بشيخ من العرب فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه، سأل عن الجيشين زيادة في‬
‫التكتم، ولكن الشيخ قال ل أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول ا إذا أخبرتنا أخبرناك،‬
‫قال أو ذاك بذاك، قال نعم.‬
‫قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني‬
‫فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جيش المدينة، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا،‬
‫فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جيش مكة.‬
‫51‬
‫ولما فرغ من خبره قال: مما أنتما؟ فقال له رسول ا نحن من ماء، ثم انصرف عنه وبقي‬
‫الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟‬
‫الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي:‬
‫قام لهذه العملية ثلثة من قادة المهاجرين، علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن‬
‫أبي وقاص، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلمين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض، وجاءوا‬
‫بهم إلى الرسول، فخاطبهما قائ ل ً: أخبراني عن قريش، فأبلغاه عنها.‬
‫نزول المطر:‬
‫أنزل ا المطر، فكان واب ل ً شديدا على المشركين منهم من التقدم، وكان على المسلمين ط ل ً‬
‫طهرهم به ووطأ به الرض، وصلب به الرمل وثبت القدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم.‬
‫الجيش السلمي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية:‬
‫تحرك الرسول بالجيش ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ونهض الرسول بالجيش حتى أتى أقرب‬
‫ماء من العدو، ) وكان هذا الرأي للحباب بن منذر( فنزل عليه شطر الليل ثم صنعوا الحياض وغوروا‬
‫ما عداها من القلب.‬
‫مقر القيادة:‬
‫وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول ا أن يبني المسلمون‬
‫مقرا لقيادته، استعدادا للطوارئ، وتقديرا للهزيمة قبل النصر، فبنى المسلمون عريشا على تل‬
‫مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة.‬
‫تعبئة الجيش وقضاء الليل:‬
‫ثم عبأ رسول ا جيشه، ومشى في موضع المعركة، ثم بات رسول ا يصلي إلى جذع شجرة‬
‫هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئ النفوس ) إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من‬
‫السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به القدام(.‬
‫كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكان‬
‫خروجه صلى ا عليه وسلم في 8 أو 21 من نفس الشهر.‬
‫الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع النشقاق فيه:‬
‫قامت معارضة ضد أبي جهل، تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، يتزعمها عتبة ابن‬
‫ربيعة وحكيم ابن حزام، وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث إلى عامر بن‬
‫الحضرمي، أخي عمرو بن الحضرمي، المقتول في سرية عبدا بن جحش، فقال: هذا حليفك ) أي‬
‫عتبة( يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينيك، فقم فانشد عهدك، ومقتل أخيك، فقام عامر‬
‫وصرخ واعمراه واعمراه فحمي القوم، واستوثقوا على ما عليه من الشر، وافسد على الناس الرأي‬
‫الذي دعاهم إليه عتبة.‬
‫الجيشان يتراآن:‬
‫لما طلع المشركون وتراءى الجمعان، وعدل رسول ا صفوف المسلمين وأصدر أوامره إلى‬
‫جيشه بأل يبدءوا القتال حتى يتلقوا منه الوامر الخيرة.‬
‫ساعة الصفر وأول وقود المعركة:‬
‫61‬
‫أول وقود المعركة السود بن عبد السد المخزومي، خرج قائ ل ً: أعاهد ا لشربن من حوضهم‬
‫أو لهدمنه أو لموتن دونه، فقتله حمزة بن عبدالمطلب.‬
‫المبارزة:‬
‫خرج ثلثة من خيرة فرسان قريش وكانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة،‬
‫والوليد بن عتبة، وخرج لمبارزتهم عبيدة بن الحارث و حمزة بن عبدالمطلب و علي بن أبي طالب،‬
‫فبارز عبيدة، عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد.‬
‫الهجوم العام:‬
‫وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة للمشركين، إذ فقدوا ثلثة من خيرة فرسانهم وقادتهم‬
‫دفعة واحدة.‬
‫الرسول يناشد ربه:‬
‫وكان يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك( وقال ) اللهم إن تهلك‬
‫هذه العصابة اليوم ل تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا(.‬
‫نزول الملئكة:‬
‫وأغفى رسول ا إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه‬
‫النقع( أي الغبار.‬
‫الهجوم المضاد:‬
‫وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الخيرة بالهجمة المضادة فقال: ) شدوا( ، وحرضهم على القتال،‬
‫قائ ل ً: " والذي نفس محمد بيده، ل يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقب ل ً غير مدبر، إل أدخله‬
‫ا الجنة" ، وقال: " قوموا إلى جنة عرضها السموات والرض" ، وحينئذ قال عمير بن الحمام: بخ بخ،‬
‫فقال له الرسول ما يحملك على قول ذلك، قال ل وا إل رجاء أن أكون من أهلها، قال رسول ا:‬
‫:‬
‫أنت من أهلها، فأخرج تمرات من جعبته فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه‬
‫إنها لحياة طويلة، فرمى التمر ثم قاتلهم حتى قتل.‬
‫وحين أصدر رسول ا المر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر حماسه،‬
‫فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين.‬
‫إبليس ينسحب من ميدان القتال:‬
‫ولما رأى إبليس ) وقد جاء بصورة سراقة بن مالك( ما يفعله الملئكة بالمشركين فر وكان‬
‫يقول ) إني أرى ما ل ترون إني أخاف ا وا شديد العقاب( ، حتى ألقى نفسه في البحر.‬
‫الهزيمة الساحقة:‬
‫وبدأت أمارات الفشل والضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملت المسلمين‬
‫العنيفة واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والنسحاب.‬
‫صمود أبي جهل:‬
‫ولما رأى أبو جهل أمارات الضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل‬
‫يشجع جيشه.‬
‫71‬
‫مصرع أبي جهل:‬
‫قتله شابان هما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ ابن عفراء، ولما انتهت المعركة قال رسول‬
‫ا من ينظر ما صنع أبو جهل، فتفرق الناس في طلبه فوجده عبدا بن مسعود وبه آخر رمق فحز‬
‫) الذي ل إله إل هو؟( فرددها ثلثا، ثم قال : ) أكبر، الحمد‬
‫ا‬
‫رأسه وجاء به إلى رسول ا فقال ا‬
‫لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الحزاب وحدة، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه فقال‬
‫) هذا فرعون هذه المة(.‬
‫من روائع اليمان في هذه المعركة:‬
‫في هذه المعركة تجلت مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعركة‬
‫التقى الباء بالبناء، والخوة بالخوة، خالفت بينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف، والتقى‬
‫المقهور بقاهره فشفى منه غيظه.‬
‫1 – عن ابن عباس أن النبي قال " إني قد عرفت أن رجا ل ً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا‬
‫كرها، ل حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدا من بين هاشم فل يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام‬
‫فل يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فل يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها".‬
‫2 – كان النهي عن قتل أبي البختري، لنه كان أكف القوم عن رسول ا وهو بمكة وكان ل‬
‫يؤذيه، ول يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني‬
‫المطلب.‬
‫ولكنه قتل وقد قتله المجذر بن زياد البلوي لنه دافع عن زميله.‬
‫3 – كان عبدالرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، قال عبدالرحمن بن‬
‫عوف: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في خاصتي ومالي بمكة وأحفظه في المدينة، فلما‬
‫كان يوم بدر خرجت إلى جبل لحرزه حين نام الناس، فأبصر بلل، فخرج حتى وقف على مجلس‬
‫النصار فقال: أمية بن خلف، ل نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من النصار في آثارنا، فلما‬
‫خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رج ل ً ثقي ل، فلما‬
‫ً‬
‫أدركونا قلت له: أبرك، فبرك، فألقيت نفسي لمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب‬
‫أحدهم رجلي بسيفه.‬
‫4 – وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه،‬
‫ولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول ا، وهو في السر: يا عباس أسلم، فو ا أن‬
‫تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إل لما رأيت رسول ا يعجبه إسلمك.‬
‫قتلى الفريقين:‬
‫انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد‬
‫من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رج ل، ستة من المهاجرين وثمانية من النصار.‬
‫ً‬
‫أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وعامتهم القادة‬
‫والزعماء والصناديد.‬
‫ولما انقضت الحرب أقبل رسول ا حتى وقف على القتلى فقال: " بئس العشيرة كنتم لنبيكم،‬
‫كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس" ، ثم أمر بهم‬
‫فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.‬
‫ُ‬
‫81‬
‫مكة تتلقى نبأ الهزيمة:‬
‫فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة، تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا‬
‫صوب مكة مذعورين، ل يدرون كيف يدخلونها خج ل.‬
‫ً‬
‫المدينة تتلقى أنباء النصر:‬
‫ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول ا بشيرين إلى أهل المدينة، ليعجل لهم البشرى، أرسل‬
‫عبدا بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرا إلى أهل السافلة.‬
‫وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى أنهم أشاعوا‬
‫خبر مقتل النبي، ولما رأى أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبا ناقة رسول ا قال: قتل محمد، وهذه‬
‫ناقته نعرفها، وهذا زيد ل يدري ما يقول من الرعب وجاء منهزما.‬
‫فلما بلغ الرسولن أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح‬
‫المسلمين فعمت البهجة والسرور واهتزت أرجاء المدينة تهلي ل ً وتكبيرا، وتقدم رؤوس المسلمين‬
‫إلى طريق بدر ليهنئوا رسول ا بهذا الفتح المبين.‬
‫الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة:‬
‫أقام رسول ا ببدر بعد انتهاء المعركة ثلثة أيام، وقبل رحيله من كان المعرجة وقع خلف‬
‫بين الجيش حول الغنائم، وما اشتد هذا الخلف أمر رسول ا بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا،‬
‫ثم نزل الوحي بحل هذه المشكلة.‬
‫وبعد أن أقام رسول ا ببدر ثلثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه السارى من المشركين،‬
‫واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل عليه عبدا بن كعب، وتم تقسيم الغنائم بين‬
‫المسلمين بالتساوي بعد إخراج الخمس.‬
‫وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث وكان حامل لواء المشركين وقتله علي‬
‫بن أبي طالب.‬
‫ولما وصل إلى عرق الظبية أمر بقتل عقوبة بن أبي معيط.‬
‫وكان قتل هذين الطاغيتين واجبا نظرا إلى سوابقهما، فلم يكونا من السارى فحسب بل كانا‬
‫من مجرمي الحرب بالصطلح الحديث.‬
‫وفود التهنئة:‬
‫دخل رسول ا المدينة مظفرا منصورا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها فأسلم بشر كثير‬
‫من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبدا بن أبي وأصحابه في السلم ظاهرا.‬
‫قضية السارى:‬
‫استشار الرسول أصحابه في السارى، فقال أبو بكر: يا رسول ا أرى أن تأخذ منهم الفدية،‬
‫وعسى أن يهديهم ا، فيكونوا لنا عضدا.‬
‫وقال عمر بن الخطاب: أرى أن تمكنني من فلن - قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من‬
‫عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلن أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم ا أنه‬
‫ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.‬
‫91‬
‫فهوى الرسول رأي أبا بكر، وأخذ منهم الفداء، فنزلت الية " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا وا يريد الخرة وا عزيز حكيم، لول كتاب من ا سبق‬
‫لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم".‬
‫والكتاب الذي سبق من ا قيل: هو قوله تعالى " فإما منا بعد وإما فداء(.‬
‫القرآن يتحدث حول موضوع المعركة:‬
‫حول هذه المعركة نزلت سورة النفال، وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان،‬
‫وفرضت زكاة الفطر، ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في‬
‫حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ.‬
‫غزوة بني قينقاع:‬
‫كان الرسول صلى ا عليه وسلم حريصا على تنفيذ ما جاء في المعاهدة التي عقدها مع‬
‫اليهود، ولم يخالف المسلمون هذه المعاهدة، ولكن اليهود أخذوا في طريق الدس والمؤامرة‬
‫والتحريش وإثارة القلق والضطراب في صفوف المسلمين.‬
‫نموذج من مكيدة اليهود:‬
‫مر شاس بن قيس ) وهو شديد الحقد على المسلمين( على نفر من أصحاب الرسول من الوس‬
‫والخزرج في مجلس، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، بعد ما كان بينهم من العداوة في‬
‫الجاهلية، فغاضه اجتماعهم، فأمر شابا ممن كان معه بأن يجلس معهم ثم أذكر يوم بعاث وما كان‬
‫قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا‬
‫وتفاخروا حتى تواثب رجلن، فقال أحدهما للخر: إن شئتم أن نستعد لحياء الحرب الهلية التي‬
‫كانت بيننا، وغضب الفريقان، وكادت تنشب الحرب !‬
‫فبلغ ذلك رسول ا فخرج إليهم وقال :" يا معشر المسلمين، ا ا، أبدعوى الجاهلية وأنا بين‬
‫أظهركم بعد أن هداكم ا للسلم، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من‬
‫الكفر وألف بين قلوبكم؟".‬
‫فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال الوس والخزرج‬
‫بعضهم.‬
‫بنو قينقاع ينقضون العهد:‬
‫لما رأوا أن ا قد نصر المؤمنين نصرا مؤزرا في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة‬
‫وهيبة في قلوب القاصي والداني، كاشفوا بالشر والعداوة، وكان أعظمهم حقدا وشرا كعب بن‬
‫الشرف، كما أن شر طائفة من طوائفهم الثلث هم يهود بني قينقاع، كانوا يسكنون داخل المدينة،‬
‫وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والواني، ولجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل‬
‫منهم آلت الحرب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وكانوا أول من‬
‫نكث العهد والميثاق من اليهود.‬
‫وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول ا فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدى،‬
‫وحذرهم من البغي والعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم.‬
‫روى ابن هشام عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني‬
‫قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها‬
‫02‬
‫فعقده إلى ظهرها – وهي غافلة – فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل‬
‫من المسلمين على الصائغ فقتله – وكان يهوديا – فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ‬
‫أهل المسلم المسلمين على اليهود فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.‬
‫الحصار ثم التسليم ثم الجلء:‬
‫وحينئذ عيل صبر رسول ا، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبدالمنذر، وأعطى لواء‬
‫المسلمين حمزة بن عبدالمطلب، وسار بجنود ا إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم،‬
‫فحاصرهم أشد الحصار، وكان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 هـ، ودام الحصار خمسة‬
‫عشر ليلة إلى هلل ذي القعدة، وقذف ا في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول ا في‬
‫رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا.‬
‫وحينئذ قام عبدا بن أبي بن سلول بدور نفاقه، فألح على رسول ا أن يصدر عنهم العفو،‬
‫فقال: يا محمد، أحسن في موالي – وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج – فأبطأ عليه رسول ا فكرر‬
‫ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درعه فقال له رسول ا " أرسلني" وغضب حتى‬
‫رأوا لوجهه ظل ل، ثم قال: " ويحك أرسلني" ، ولكن المنافق مضى على إصراره وقال :ل وا ل‬
‫ً‬
‫أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الحمر والسود،‬
‫تحصدهم في غداة واحدة؟ إني وا أمرؤ أخشى الدوائر.‬
‫وعامل رسول ا هذا المنافق بالحسنى فوهبهم له وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ول‬
‫يجاوروه بها فخرجوا إلى أذرعات الشام، فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم.‬
‫وقبض رسول ا منهم أموالهم فأخذ منها ثلث قسى ودرعين وثلثة أسياف وثلثة رماح،‬
‫وخمس غنائمهم وكان الذي تولى جمع الغنائم محمد بن مسلمة.‬
‫غزوة أحد:‬
‫استعداد قريش لمعركة ناقمة:‬
‫كانت مكة تحترق غيظا على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وقتل‬
‫الصناديد والشراف، وكانت تجيش فيها نزعات النتقام، حتى أنهم كانوا قد منعوا البكاء على‬
‫قتلهم في بدر، ومنعوا في الستعجال في فداء السارى حتى ل يتفطن المسلمون مدى مأساتهم‬
‫وحزنهم.‬
‫وعلى إثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين، وأخذت في‬
‫الستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.‬
‫وكان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن حرب، وعبدا بن أبي ربيعة أكثر‬
‫زعماء قريش نشاطا وتحمسا لخوض المعركة.‬
‫وأول ما فعلوه احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان، والتي كانت سببا لمعركة بدر،‬
‫وقد استخدموا هذه الموال في هذه الحرب.‬
‫ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين من الحابيش وكنانة وأهل‬
‫تهامة، ومن طرق التحريض إغراء الشعراء ومنهم أبا عزة و مسافع بن عبد مناف الجمحي‬
‫لتحريض القبائل ضد المسلمين.‬
‫قوام جيش قريش وقيادته:‬
‫12‬
‫اجتمع من المشركين ثلثة آلف مقاتل من قريش والحفاء والحابيش، وعدد النسوة خمسة‬
‫عشر امرأة.‬
‫وكان سلح النقليات ثلثة آلف بعير، ومن سلح الفرسان مائتا فرس، وكان من سلح الوقاية‬
‫سبعمائة درع، والقيادة العامة لبي سفيان بن حرب، وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد يعاونه‬
‫عكرمة بن أبي جهل، أما اللواء فكان إلى بني عبدالدار.‬
‫الستخبارات النبوية تكشف حركة العدو:‬
‫كان العباس بن عبدالمطلب يرقب حركات قريش، ولما تحرك الجيش بعث برسالة إلى النبي،‬
‫وأسرع رسول العباس لبلغ الرسالة حيث قطع مسافة 005 كيلومتر في ثلثة أيام وهي الطريق‬
‫من مكة إلى المدينة، وسلم الرسالة إلى النبي وهو بمسجد قباء، قرأ الرسالة أبي بن كعب وأمره‬
‫الرسول بالكتمان.‬
‫استعداد المسلمين للطوارئ:‬
‫ظلت المدينة في حالة استنفار عام ل يفارق رجالها السلح حتى وهم في الصلة.‬
‫الجيش المكي إلى أسوار المدينة:‬
‫تابع جيش مكة سيره حتى نزل قريبا بجبل أحد، في مكان يقال له: عينين، الذي يقع شمالي‬
‫المدينة بجانب أحد، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شوال سنة ثلث من الهجرة.‬
‫المجلس الستشاري لخذ خطة الدفاع:‬
‫عقد الرسول مجلسا استشاريا تبادل فيه الرأي، وأخبرهم عن رؤيا رآها، قال: " إني قد رأيت‬
‫وا خيرا، رأيت بقرا يذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة" ،‬
‫وتأول البقر بنفر من الصحابة يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول‬
‫الدرع بالمدينة.‬
‫ثم قدم رأيه إلى صحابته أل يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها ووافقه على هذا الرأي‬
‫عبدا بن أبي ابن سلول ) رأس المنافقين( وذلك ليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك‬
‫أحد ! ، وكان حمزة بن عبدالمطلب ) عم الرسول( يرى مبارزتهم خارج المدينة.‬
‫وتنازل الرسول عن رأيه واستقر على الخروج من المدينة، واللقاء في الميدان السافر.‬
‫تكتيب الجيش السلمي وخروجه إلى ساحة القتال:‬
‫ثم صلى النبي بالناس يوم الجمعة، فوعظهم وأمرهم بالجد والجتهاد، وأخبر أن لهم النصر بما‬
‫صبروا، والتهيؤ للعدو، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبا بكر وعمر، فعمماه وألبساه، فتدجج‬
‫بسلحه ولبس درعين وتقلد السيف، ثم خرج على الناس.‬
‫وقسم النبي جيشه إلى ثلث كتائب:‬
‫1 – كتيبة المهاجرين، وأعطى لواءها مصعب بن عمير، 2 – كتيبة الوس من النصار، وأعطى‬
‫لواءها أسيد بن حضير، 3 – كتيبة الخزرج من النصار، وأعطى لواءها الحباب بن المنذر.‬
‫وكان الجيش مؤلفا من ألف مقاتل فيهم مائة دارع، ولم يكن فيهم من الفرسان أحد، واستعمل‬
‫على المدينة أبن أم مكتوم على الصلة.‬
‫22‬
‫المبيت بين أحد والمدينة:‬
‫وفي هذا المكان أدركهم المساء، فصلى المغرب، ثم صلى العشاء وبات هنالك، واختار‬
‫خمسين رج ل ً لحراسة المعسكر.‬
‫تمرد عبدا بن أبي وأصحابه:‬
‫وعند اقترابه من العدو، تمرد عبدا بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر ) ثلثمائة‬
‫مقاتل( قائ ل ً: ما ندري علم نقتل أنفسنا؟ ومتظاهرا بالحتجاج بأن الرسول ترك رأيه وأطاع غيره.‬
‫وكاد المنافق ينجح في تمرده، فقد همت طائفتان بنو حارثة من الوس، وبنو سلمة من‬
‫الخزرج، أن تفشل، ولكن ا تولهما، فثبتتا بعدما سرى فيهما الضطراب، قال تعالى: " إذ همت‬
‫طائفتان منكم أن تفشل وا وليهما وعلى ا فليتوكل المؤمنون".‬
‫وحاول عبدا بن حرام، تذكير المنافقين بواجبهم، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع،‬
‫وفي هؤلء المنافقين يقول ا تعالى: " وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل ا‬
‫أو ادفعوا، قالوا لو نعلم قتا ل ً لتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم لليمان يقولون بأفواههم ما‬
‫ليس في قلوبهم وا أعلم بما يكتمون".‬
‫بقية الجيش السلمي إلى أحد:‬
‫ونفذ رسول ا حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقب ل ً‬
‫المدينة، وجاع ل ً ظهره إلى هضاب جبل أحد، وعلى هذا صار جيش العدو فاص ل ً بين المسلمين وبين‬
‫المدينة.‬
‫خطة الدفاع:‬
‫اختار فصيلة من الرماة الماهرين قوامها خمسون مقات ل، وأعطى قيادتها لعبدا بن جبير،‬
‫ً‬
‫وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة ) جبل الرماة( جنوب شرق‬
‫معسكر المسلمين على بعد حوالي مائة وخمسين مترا من مقر الجيش.‬
‫والهدف من ذلك هو ما أبداه الرسول في كلماته التي ألقاها للرماة فقد قال لقائدهم: " انضح‬
‫الخيل عنا بالنبل، ل يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، ل نؤتين من قبلك" ، وقال‬
‫للرماة :" احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فل تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فل تشركونا".‬
‫أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام،‬
‫يسانده المقداد بن السود.‬
‫وهكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شوال سنة 3 هـ.‬
‫الرسول ينفث روح البسالة في الجيش:‬
‫نهى الرسول الناس عن الخذ في القتال حتى يأمرهم، ولبس درعين وحرض أصحابه على‬
‫القتال، وحضهم على المصابرة والجلد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه.‬
‫تعبئة الجيش المكي:‬
‫عبأ المشركون جيشهم حسب نظام الصفوف، فكانت القيادة العامة لبي سفيان صخر بن حرب،‬
‫الذي تمركز في قلب الجيش، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي‬
‫جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، وعلى الرماة عبدا بن أبي ربيعة.‬
‫32‬
‫أما اللواء فكان إلى مفرزة من بني عبد الدار، وقد أبيدوا عن بكرة أبيهم عند احتدام المعركة.‬
‫مناورات سياسية من قبل قريش:‬
‫قبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين، فقد أرسل‬
‫أبو سفيان إلى النصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فل حاجة لنا إلى‬
‫قتالكم، ورد عليه النصار ردا عنيفا وأسمعوه ما يكره.‬
‫وقامت قريش بمحاولة أخرى فقد خرج إلى النصار عميل خائن يسمى أبا عامر الفاسق واسمه‬
‫عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب فسماه الرسول الفاسق، وكان رأس الوس في‬
‫الجاهلية، فنادى قومه وتعرف عليهم، وقال: يا معشر الوس، أنا أبو عامر فقالوا :ل أنعم ا بك‬
‫عينا يا فاسق !‬
‫وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل اليمان.‬
‫جهود نسوة قريش في التحميس:‬
‫وتقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.‬
‫أول وقود المعركة:‬
‫كان حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أشجع فرسان قريش، وقد‬
‫قتله الزبير بن العوام.‬
‫ثقل المعركة حول اللواء وإبادة حملته:‬
‫وكان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبدالدار لحمل اللواء بعد قتل‬
‫قائدهم طلحة بن أبي طلحة، وكانوا عشرة من بني عبد الدار أبيدوا عن آخرهم ولم يبق منهم أحد‬
‫يحمل اللواء، وحمل اللواء غلم لهم حبشي اسمه صؤاب وقاتل حتى قتل وسقط اللواء على الرض‬
‫ولم يبق أحد يحمله.‬
‫مصرع أسد ا حمزة بن عبدالمطلب:‬
‫قتله وحشي بن حرب، قال: هززت حربتي، ودفعتها إليه، فوقعت في أحشائه حتى خرجت من‬
‫بين رجليه.‬
‫السيطرة على الموقف:‬
‫وبرغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل حمزة بن عبدالمطلب، ظل‬
‫المسلمون مسيطرين على الموقف كله، فقد قاتل الصحابة الكبار قتا ل ً فل عزائم المشركين، وفت‬
‫في أعضادهم.‬
‫من أحضان المرأة إلى مقارعة السيوف والدرقة:‬
‫وكان من البطال المغامرين يومئذ حنظلة الغسيل وهو حنظلة بن أبي عامر، كان حديث عهد‬
‫بالعرس، فلما سمع هواتف الحرب وهو على امرأته انخلع من أحضانها وقام إلى الجهاد، واستشهد.‬
‫نصيب فصيلة الرماة في المعركة:‬

‫42‬
‫وكان لها اليد البيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش السلمي، فقد هجم فرسان مكة‬
‫بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق، ثلث مرات وباءت هجماتهم بالفشل.‬
‫الهزيمة تنزل بالمشركين:‬
‫ظل الجيش السلمي الصغير مسيطرا على الموقف كله حتى خارت عزام أبطال المشركين،‬
‫وأخذت صفوفهم تتبدد، كأن ثلثة آلف مشرك يواجهون ثلثين ألف مسلم ل بضع مئات قلئل، وظهر‬
‫المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين.‬
‫غلطة الرماة الفظيعة:‬
‫وبينما كان الجيش ا لسلمي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على أهل مكة لم يكن أقل‬
‫ٍ‬
‫روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع‬
‫تماما، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سببا في مقتل النبي، وقد تركت‬
‫أسوأ أثر على سمعتهم، وعلى الهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر.‬
‫وقد ذهب أغلب الرماة لجلب الغنائم، ولم يبق منهم إل عشرة رجال أو أقل يقودهم عبدا بن‬
‫جبير فقد ذكرهم أوامر الرسول بالبقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا لكنهم لم يسمعوا كلمه.‬
‫خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش السلمي:‬
‫انتهز هذه الفرصة الذهبية، فكر بسرعة خاطفة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة‬
‫الجيش السلمي، فم يلبث أن أباد عبدا بن جبير وأصحابه إل البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم‬
‫انقض على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور‬
‫الجديد فانقلبوا على المسلمين، وأسرعت امرأة منهم وهي عمرة بن علقمة الحارثية، فرفعت لواء‬
‫المشركين فالتف حوله المشركون ولثوا به، واجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال، وأحيط‬
‫المسلمون من المام والخلف ووقعوا بين شقى الرحى.‬
‫موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:‬
‫كان الرسول مع تسعة نفر من الصحابة، في مؤخرة المسلمين وكان يرقب مجالدة المسلمين‬
‫ومطاردتهم المشركين، إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة كاملة، وقد تجلت عبقريته وشجاعته‬
‫المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: " إلي عباد ا" ، وهو يعرف أن المشركين سوف‬
‫يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطرا بنفسه في هذا الظرف‬
‫الدقيق.‬
‫تبدد المسلمين في الموقف:‬
‫أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إل أنفسها، فقد‬
‫أخذت طريق الفرار، وتركت ساحة القتال، وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها،‬
‫وانطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل، ورجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، والتبس العسكران‬
‫فلم يتميزا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.‬
‫وكانت هناك طائفة ثالثة لم يكن يهمهم إل رسول ا فقد كرت هذه الطائفة إلى رسول ا‬
‫وعمل التطويق في بدايته، وفي مقدمة هؤلء أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي‬
‫طالب، وغيره م كانوا في مقدمة المقاتلين.‬
‫احتدام القتال حول رسول ا:‬
‫52‬
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)

More Related Content

What's hot

غزوات الرسول
غزوات الرسول غزوات الرسول
غزوات الرسول Hossam Hos
 
السيرة النبوية مختصرة
السيرة النبوية مختصرةالسيرة النبوية مختصرة
السيرة النبوية مختصرةMero Cool
 
بوربوينت الوضوء
بوربوينت الوضوءبوربوينت الوضوء
بوربوينت الوضوءShaza Al Zhoor
 
Biography Imam Hanafi
Biography Imam HanafiBiography Imam Hanafi
Biography Imam HanafiSyukran
 
History of architecture 3 - LECTURE 1.ppt
History of architecture 3 - LECTURE 1.pptHistory of architecture 3 - LECTURE 1.ppt
History of architecture 3 - LECTURE 1.pptDania Abdel-aziz
 
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبعـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبHassan Boubakri
 
العمارة الاسلامية
العمارة الاسلاميةالعمارة الاسلامية
العمارة الاسلاميةBassem Magdy
 
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: Summary
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: SummaryThe Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: Summary
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: SummaryAdil Hussain
 
الأفعال التامة والناقصة
الأفعال التامة والناقصةالأفعال التامة والناقصة
الأفعال التامة والناقصةadelabdelkader
 
20 david the king part 1 arabic
20 david the king part 1 arabic20 david the king part 1 arabic
20 david the king part 1 arabicAt Minacenter
 
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم غايتي الجنة
 
النثر في العصر الجاهلي
النثر في العصر الجاهليالنثر في العصر الجاهلي
النثر في العصر الجاهليTop4Design
 
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبي
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبيL4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبي
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبيDr Ghaiath Hussein
 
islamic fatimi 2022.pdf
islamic fatimi 2022.pdfislamic fatimi 2022.pdf
islamic fatimi 2022.pdfMM TTS
 
تلخيص تاريخ عمارة
تلخيص تاريخ عمارةتلخيص تاريخ عمارة
تلخيص تاريخ عمارةBasel Samhouri
 
الاسراء والمعراج
الاسراء والمعراجالاسراء والمعراج
الاسراء والمعراجmohamed_rds
 
العصر العباسي والطولوني.pdf
 العصر العباسي والطولوني.pdf العصر العباسي والطولوني.pdf
العصر العباسي والطولوني.pdfMM TTS
 
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعلالفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعلarab2000.forumpro.fr
 

What's hot (20)

غزوات الرسول
غزوات الرسول غزوات الرسول
غزوات الرسول
 
دعوة الرسول
دعوة الرسولدعوة الرسول
دعوة الرسول
 
السيرة النبوية مختصرة
السيرة النبوية مختصرةالسيرة النبوية مختصرة
السيرة النبوية مختصرة
 
بوربوينت الوضوء
بوربوينت الوضوءبوربوينت الوضوء
بوربوينت الوضوء
 
Maria, La Madre De Jesus
Maria, La Madre De JesusMaria, La Madre De Jesus
Maria, La Madre De Jesus
 
Biography Imam Hanafi
Biography Imam HanafiBiography Imam Hanafi
Biography Imam Hanafi
 
History of architecture 3 - LECTURE 1.ppt
History of architecture 3 - LECTURE 1.pptHistory of architecture 3 - LECTURE 1.ppt
History of architecture 3 - LECTURE 1.ppt
 
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبعـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
 
العمارة الاسلامية
العمارة الاسلاميةالعمارة الاسلامية
العمارة الاسلامية
 
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: Summary
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: SummaryThe Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: Summary
The Life of the Prophet Muhammad: Chapter 12: Summary
 
الأفعال التامة والناقصة
الأفعال التامة والناقصةالأفعال التامة والناقصة
الأفعال التامة والناقصة
 
20 david the king part 1 arabic
20 david the king part 1 arabic20 david the king part 1 arabic
20 david the king part 1 arabic
 
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
 
النثر في العصر الجاهلي
النثر في العصر الجاهليالنثر في العصر الجاهلي
النثر في العصر الجاهلي
 
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبي
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبيL4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبي
L4 Goals of Shariya in Medicineمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في العمل الطبي
 
islamic fatimi 2022.pdf
islamic fatimi 2022.pdfislamic fatimi 2022.pdf
islamic fatimi 2022.pdf
 
تلخيص تاريخ عمارة
تلخيص تاريخ عمارةتلخيص تاريخ عمارة
تلخيص تاريخ عمارة
 
الاسراء والمعراج
الاسراء والمعراجالاسراء والمعراج
الاسراء والمعراج
 
العصر العباسي والطولوني.pdf
 العصر العباسي والطولوني.pdf العصر العباسي والطولوني.pdf
العصر العباسي والطولوني.pdf
 
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعلالفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل
الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل
 

Viewers also liked

1 examen et corrige science 2014 2 asl t1
1 examen et corrige science 2014 2 asl t11 examen et corrige science 2014 2 asl t1
1 examen et corrige science 2014 2 asl t1Ettaoufik Elayedi
 
السيرة النبوية العطرة
السيرة النبوية العطرةالسيرة النبوية العطرة
السيرة النبوية العطرةmido224
 
السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبويةadnanjabali
 
عرض تقديمي شمائل الرسول
عرض تقديمي شمائل الرسولعرض تقديمي شمائل الرسول
عرض تقديمي شمائل الرسولfatmah school
 
مطبوع العقيدة
مطبوع العقيدة مطبوع العقيدة
مطبوع العقيدة أبو وردة
 
النحو والصرف1
النحو والصرف1النحو والصرف1
النحو والصرف1أبو وردة
 
ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3Sof Wan
 
تاريخ آداب الغرب الإسلامي
تاريخ آداب الغرب الإسلاميتاريخ آداب الغرب الإسلامي
تاريخ آداب الغرب الإسلاميأبو وردة
 
[UH] مبادئ علوم الحديث
[UH] مبادئ علوم الحديث[UH] مبادئ علوم الحديث
[UH] مبادئ علوم الحديثTimAisyah
 
فقه المعاملات الفصل الثالث
فقه المعاملات الفصل الثالثفقه المعاملات الفصل الثالث
فقه المعاملات الفصل الثالثأبو وردة
 
مادة الفكر الإسلامي
مادة الفكر الإسلاميمادة الفكر الإسلامي
مادة الفكر الإسلاميأبو وردة
 
موضوعات التعبير كاملة 3 ث
موضوعات التعبير كاملة 3 ثموضوعات التعبير كاملة 3 ث
موضوعات التعبير كاملة 3 ثMaram Shokr
 

Viewers also liked (20)

1 examen et corrige science 2014 2 asl t1
1 examen et corrige science 2014 2 asl t11 examen et corrige science 2014 2 asl t1
1 examen et corrige science 2014 2 asl t1
 
Laréalitédeladémocratie
LaréalitédeladémocratieLaréalitédeladémocratie
Laréalitédeladémocratie
 
السيرة النبوية العطرة
السيرة النبوية العطرةالسيرة النبوية العطرة
السيرة النبوية العطرة
 
السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبوية
 
مجلة قزح للاطفال العدد الاول
مجلة قزح للاطفال  العدد الاول مجلة قزح للاطفال  العدد الاول
مجلة قزح للاطفال العدد الاول
 
عرض تقديمي شمائل الرسول
عرض تقديمي شمائل الرسولعرض تقديمي شمائل الرسول
عرض تقديمي شمائل الرسول
 
حياة الرسول
حياة الرسولحياة الرسول
حياة الرسول
 
مصطلح الحديث
مصطلح الحديثمصطلح الحديث
مصطلح الحديث
 
أشغال بيئية وشعبية
أشغال بيئية وشعبيةأشغال بيئية وشعبية
أشغال بيئية وشعبية
 
مطبوع العقيدة
مطبوع العقيدة مطبوع العقيدة
مطبوع العقيدة
 
تعبير ش
تعبير شتعبير ش
تعبير ش
 
المرحلة 3
المرحلة 3المرحلة 3
المرحلة 3
 
النحو والصرف1
النحو والصرف1النحو والصرف1
النحو والصرف1
 
ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3
 
تاريخ آداب الغرب الإسلامي
تاريخ آداب الغرب الإسلاميتاريخ آداب الغرب الإسلامي
تاريخ آداب الغرب الإسلامي
 
Français (G3)
Français (G3)Français (G3)
Français (G3)
 
[UH] مبادئ علوم الحديث
[UH] مبادئ علوم الحديث[UH] مبادئ علوم الحديث
[UH] مبادئ علوم الحديث
 
فقه المعاملات الفصل الثالث
فقه المعاملات الفصل الثالثفقه المعاملات الفصل الثالث
فقه المعاملات الفصل الثالث
 
مادة الفكر الإسلامي
مادة الفكر الإسلاميمادة الفكر الإسلامي
مادة الفكر الإسلامي
 
موضوعات التعبير كاملة 3 ث
موضوعات التعبير كاملة 3 ثموضوعات التعبير كاملة 3 ث
موضوعات التعبير كاملة 3 ث
 

Similar to مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)

the summary of the three books by Nabel Author.pptx
the summary of the three books by Nabel Author.pptxthe summary of the three books by Nabel Author.pptx
the summary of the three books by Nabel Author.pptxay8759099
 
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريالقرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريEissa Eldeeb
 
د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةbasheer777
 
New microsoft word document
New microsoft word documentNew microsoft word document
New microsoft word documentاheba sayed
 
المحور الثاني
المحور الثاني المحور الثاني
المحور الثاني Younes Rajji
 
الهجرة الثانية الى الحبشة
الهجرة الثانية الى الحبشةالهجرة الثانية الى الحبشة
الهجرة الثانية الى الحبشةAliya Alkuwari
 
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)Religion 6th-primary-2nd-term- (1)
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)khawagah
 
فلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيففلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيفbasheer777
 
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلمصحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلمallahcom
 
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2نسرين بدارنه
 
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحد
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحدرحلة الاستشهاد من المهد الى اللحد
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحدkhayr_albarya
 
فلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيففلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيفbasheer777
 
Wives Of Prophet Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)
Wives Of  Prophet  Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)Wives Of  Prophet  Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)
Wives Of Prophet Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)Saif Khan
 

Similar to مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية) (20)

the summary of the three books by Nabel Author.pptx
the summary of the three books by Nabel Author.pptxthe summary of the three books by Nabel Author.pptx
the summary of the three books by Nabel Author.pptx
 
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريالقرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
 
د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعة
 
New microsoft word document
New microsoft word documentNew microsoft word document
New microsoft word document
 
المحور الثاني
المحور الثاني المحور الثاني
المحور الثاني
 
الهجرة الثانية الى الحبشة
الهجرة الثانية الى الحبشةالهجرة الثانية الى الحبشة
الهجرة الثانية الى الحبشة
 
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)Religion 6th-primary-2nd-term- (1)
Religion 6th-primary-2nd-term- (1)
 
Prophet Mohammed
 Prophet Mohammed  Prophet Mohammed
Prophet Mohammed
 
فلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيففلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيف
 
السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبوية
 
Allah
AllahAllah
Allah
 
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلمصحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
صحيح الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
 
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2
الحكمة من تعدد زوجات الرسول 2
 
زكريا
زكريازكريا
زكريا
 
Usul Al-Din KBD Tingkatan 2 Sirah 3-Akhlak 2
Usul Al-Din KBD Tingkatan 2 Sirah 3-Akhlak 2Usul Al-Din KBD Tingkatan 2 Sirah 3-Akhlak 2
Usul Al-Din KBD Tingkatan 2 Sirah 3-Akhlak 2
 
Why prophet-muhammad-have-many-wives
Why prophet-muhammad-have-many-wivesWhy prophet-muhammad-have-many-wives
Why prophet-muhammad-have-many-wives
 
الرد الدامغ على الوثني نوفل كاتب الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة دفاعا عن نسل ...
الرد الدامغ على الوثني نوفل كاتب الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة دفاعا عن نسل ...الرد الدامغ على الوثني نوفل كاتب الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة دفاعا عن نسل ...
الرد الدامغ على الوثني نوفل كاتب الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة دفاعا عن نسل ...
 
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحد
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحدرحلة الاستشهاد من المهد الى اللحد
رحلة الاستشهاد من المهد الى اللحد
 
فلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيففلسطين لن تضيع كيف
فلسطين لن تضيع كيف
 
Wives Of Prophet Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)
Wives Of  Prophet  Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)Wives Of  Prophet  Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)
Wives Of Prophet Muhammad Sallallahu Alaihi Wa Sallam 13(2)
 

More from محاسن الإسلام لمحات من

More from محاسن الإسلام لمحات من (15)

الطريقة التربوية لحفظ القرآن بتركيز وفهم
الطريقة التربوية  لحفظ القرآن بتركيز وفهمالطريقة التربوية  لحفظ القرآن بتركيز وفهم
الطريقة التربوية لحفظ القرآن بتركيز وفهم
 
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 4
 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 4 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 4
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 4
 
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 3
 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 3  زاد المعاد في هدي خير العباد ج 3
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 3
 
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 2
 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 2  زاد المعاد في هدي خير العباد ج 2
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 2
 
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 1
 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 1  زاد المعاد في هدي خير العباد ج 1
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 1
 
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 5
 زاد المعاد في هدي خير العباد ج 5  زاد المعاد في هدي خير العباد ج 5
زاد المعاد في هدي خير العباد ج 5
 
طريقة الحصون الخمسة فى حفظ القرآن الكريم
طريقة الحصون الخمسة فى حفظ القرآن الكريمطريقة الحصون الخمسة فى حفظ القرآن الكريم
طريقة الحصون الخمسة فى حفظ القرآن الكريم
 
المختصر المفيد في اركان الايمان و التوحيد
المختصر المفيد في اركان الايمان و التوحيدالمختصر المفيد في اركان الايمان و التوحيد
المختصر المفيد في اركان الايمان و التوحيد
 
الفية ابن مالك
الفية ابن مالكالفية ابن مالك
الفية ابن مالك
 
الفية ابن مالك
الفية ابن مالكالفية ابن مالك
الفية ابن مالك
 
كتاب الصلاة
كتاب الصلاةكتاب الصلاة
كتاب الصلاة
 
استراتيجيات إدارة الوقت
استراتيجيات إدارة الوقتاستراتيجيات إدارة الوقت
استراتيجيات إدارة الوقت
 
كتاب فقه الدعوة
كتاب فقه الدعوةكتاب فقه الدعوة
كتاب فقه الدعوة
 
مهارات الإقناع والتأثير
مهارات الإقناع والتأثيرمهارات الإقناع والتأثير
مهارات الإقناع والتأثير
 
الخرائط الذهنية لمتن الآجرومية
الخرائط الذهنية لمتن الآجرومية الخرائط الذهنية لمتن الآجرومية
الخرائط الذهنية لمتن الآجرومية
 

مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)

  • 1. ‫مختصر كتاب الرحيق المختوم ) بحث في السيرة النبوية(‬ ‫الحالة الجتماعية والقتصادية والخلقية في المجتمع الجاهلي:‬ ‫الحالة الجتماعية:‬ ‫كانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علقة الرجل مع أهله‬ ‫في الشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الرادة ونفاذ القول القسط‬ ‫الوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وإذا أراد الرجل أن يمتدح بما له في نظر العرب‬ ‫المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إل المرأة، وكانت المرأة إذا‬ ‫شاءت جمعت القبائل للسلم وإن شاءت أشعلت الحرب بينهم، وكان الرجل يعتبر رئيس السرة‬ ‫وصاحب الكلمة، وارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها.‬ ‫هذا في حال الشراف، أما أواسط الناس فهناك أنواع من الختلط بين الرجل والمرأة، ل يعبر‬ ‫عنه إل بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة.‬ ‫وروى البخاري عن عائشة قالت: أن النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء:‬ ‫الول: كنكاح الناس اليوم، الثاني: الستبضاع، يقول الرجل لمرأته إذا طهرت: أرسلي فلن‬ ‫فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ول يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، فإذا تبين حملها‬ ‫أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، الثالث: يجتمع الرهط دون العشرة،‬ ‫فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت، ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم،‬ ‫فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به‬ ‫ولدها، الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة ل تمنع ممن جاءها، وهن البغايا.‬ ‫وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، فكان المتغلب في حروب‬ ‫القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الولد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة‬ ‫حياتهم.‬ ‫والمعروف في الجاهلية تعدد الزوجات من غير حد، ويجمعون بين الختين، ويتزوجون بزوجات‬ ‫آبائهم، وكان الطلق والرجعة بيد الرجل.‬ ‫وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الوساط، إل أفرادا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم‬ ‫نفوسهم يأبى الوقوع في الرذيلة.‬ ‫وكانت علقة الرجل مع أولده على أنواع شتى، فمنهم من يئد البنات خشية العار ويقتل الولد‬ ‫خشية الفقر والملق، ول يعد هذا من الخلق المنتشرة.‬ ‫أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، وكان أساس النظام‬ ‫الجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم ويسيرون على المثل ) أنصر أخاك ظالما أو مظلوما( على‬ ‫المعنى الحقيقي دون تعديل السلم له.‬ ‫العلقة بين القبائل كانت مفككة، وقواهم متفانية في الحروب، إل أن الرهبة والوجل من بعض‬ ‫التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها، وكانت‬ ‫الشهر الحرم رحمة وعونا لهم على حياتهم، فقد كانوا يأمنون فيها تمام المن، لشدة التزامهم‬ ‫بحرمتها.‬ ‫1‬
  • 2. ‫وقصارى الكلم أن الحالة الجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية، فالجهل ضارب‬ ‫أطنابه والناس يعيشون كالنعام، والمرأة تباع وتشترى، والعلقة بين المة واهية، والحكومات‬ ‫همها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها.‬ ‫الحالة القتصادية:‬ ‫التجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على الحوائج، والجولة التجارية ل تتيسر إل إذا ساد المن،‬ ‫وكان مفقودا في جزيرة العرب، إل في الشهر الحرم، وفيها تعقد أسواق العرب كعكاظ وذي‬ ‫المجاز ومجنة.‬ ‫أما الصناعات فكانوا أبعد المم عنها، ومعظم الصناعات مثل الحياكة والدباغة وغيرها كانت‬ ‫في أهل اليمن والحيرة ومشارف الشام، وهناك داخل الجزيرة شيء من الزراعة والحرث واقتناء‬ ‫النعام، وكانت نساء العرب يشتغلن بالغزل.‬ ‫الخلق:‬ ‫1 – الكرم: وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع‬ ‫وليس عنده من المال إل ناقته فيذبحها لضيفه.‬ ‫2 – الوفاء بالعهد: وقد كان دينا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولدهم.‬ ‫3 – عزة النفس والباء عن قبول الخسف والضيم: ومن نتائج ذلك الشجاعة وشدة الغيرة،‬ ‫وسرعة النفعال، وكانوا ل يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.‬ ‫4 – المضي في العزائم: فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والفتخار ل يصرفهم عنه‬ ‫صارف.‬ ‫5 – الحلم، والناة والتؤدة: كانوا يتمدحون بها إل أنها كانت فيهم عزيزة الوجود لفرط شجاعتهم‬ ‫وسرعة إقدامهم على القتال.‬ ‫6 – السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها: ومن نتائجها الصدق والمانة‬ ‫والنفور عن الخداع والغدر.‬ ‫السرة النبوية – النبي صلى ا عليه وسلم في كنف جده ثم عمه أبي طالب‬ ‫تعرف أسرته صلى ا عليه وسلم، بالسرة الهاشمية، نسبة إلى جده هاشم بن عبدمناف.‬ ‫إلى جده العطوف:‬ ‫عاد به عبدالمطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب‬ ‫بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولده، فكان ل يدعه‬ ‫لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراض في ظل‬ ‫الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، ل يجلس عليه أحد من بنيه إجل ل ً له،‬ ‫فكان رسول ا صلى ا عليه وسلم يأتي وهو غلم جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه‬ ‫ليؤخروه عنه فيقول عبدالمطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوا إن له لشأنا، ثم يجلس‬ ‫معه على فراشه، ويمسج ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.‬ ‫ولثمان سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ا عليه وسلم توفي جده عبد المطلب‬ ‫بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.‬ ‫2‬
  • 3. ‫إلى عمه الشفيق:‬ ‫ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل‬ ‫احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.‬ ‫حياة الكدح:‬ ‫لم يكن لرسول ا عمل معين في أول شبابه، إل أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنما،‬ ‫رعاها في بني سعد، وفي مكة لهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب،‬ ‫فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، ل يداري ول‬ ‫يماري، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرحبا بأخي وشريكي.‬ ‫وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة، قال ابن إسحاق:‬ ‫كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه‬ ‫بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول ا صلى ا عليه وسلم ما بلغها‬ ‫من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى‬ ‫الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلم لها يقال له: ميسرة، فقبله‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلمها ميسرة حتى قدم‬ ‫الشام.‬ ‫زواجه بخديجة:‬ ‫ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من المانة والبركة ما لم تر قبل هذا، واخبرها‬ ‫غلمها ميسرة بما رأى فيه صلى ا عليه وسلم من خلل عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح،‬ ‫ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة، وكان السادات والرؤساء يحرصون على‬ ‫زواجها فتأبى عليهم ذلك فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه‬ ‫صلى ا عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة‬ ‫وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه‬ ‫من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل‬ ‫نساء قومها نسبا وثروة وعق ل، وهي أول امرأة تزوجها رسول ا صلى ا عليه وسلم، ولم يتزوج‬ ‫ً‬ ‫عليها غيرها حتى ماتت.‬ ‫وكل أولده منها سوى إبراهيم، ولدت له: أو ل ً: القاسم، ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة،‬ ‫وعبدا، وكان عبدا يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم أما البنات فكلهن أدركن‬ ‫السلم فأسلمن وهاجرن، إل أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى ا عليه وسلم سوى فاطمة،‬ ‫فقد تأخرت بعد ستة أشهر ثم لحقت به.‬ ‫في غار حراء ونزول الوحي:‬ ‫في غار حراء: لما تقاربت سنه صلى ا عليه وسلم الربعين، وكانت تأملته الماضية قد وسعت‬ ‫الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلء، فكان يأخذ السويق والماء، ويذهب إلى غار حراء‬ ‫في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع‬ ‫وثلثة أرباع ذراع من ذراع الحديد، فيقيم في شهر رمضان ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما‬ ‫حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد‬ ‫الشرك.‬ ‫3‬
  • 4. ‫وكان اختياره لهذه العزلة طرفا من تدبير ا له وقد تمت هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة‬ ‫بثلث سنوات.‬ ‫جبريل ينزل بالوحي:‬ ‫ولما تكامل له أربعون سنة بدأت طلئع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرا بمكة كان يسلم‬ ‫عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة، فكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت‬ ‫على ذلك ستة أشهر، ومدة النبوة ثلثة وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من‬ ‫النبوة، فما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته بحراء شاء ا أن يفيض من رحمته على أهل‬ ‫الرض فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن.‬ ‫وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلئل يمكن تحديد ذلك اليوم الثنين الحادي والعشرين من‬ ‫رمضان لي ل، الموافق 01 أغسطس سنة 016 م، وكان عمره أربعين سنة قمرية وستة أشهر واثنا‬ ‫ً‬ ‫عشر يوما، وذلك نحو 93 سنة شمسية وثلثة أشهر وعشرين يوما.‬ ‫المر بالقيام بالدعوة:‬ ‫الدعوة سرا ثلث سنوات: قام رسول ا بعد نزول آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى ا سبحانه‬ ‫وتعالى، وحيث أن قومه جفاة ل دين لهم إل عبادة الصنام والوثان، ول حجة لهم إل أنه ألفوا‬ ‫آباءهم على ذلك، ول أخلق لهم إل الخذ بالعزة والنفة، ول سبيل لهم في حل المشاكل إل‬ ‫السيف، وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس،‬ ‫ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية، لئل‬ ‫يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم.‬ ‫الرعيل الول: أول من أسلم: خديجة بنت خويلد، وموله زيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب،‬ ‫وأبو بكر الصديق، أسلم هؤلء في أول يوم.‬ ‫ثم نشط أبو بكر في الدعوة فأسلم على يده: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن‬ ‫بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد ا.‬ ‫الدعوة جهارا: أول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى ) وأنذر عشيرتك القربين(.‬ ‫الضطهادات:‬ ‫أعمال المشركون الساليب لحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة‬ ‫ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الساليب ل يتجاوزونها‬ ‫الضطهاد والتعذيب، ولكنهم ما رأوا أنها ل تجدي نفعا في إحباط الدعوى استشاروا‬ ‫وقرروا القيام بتعذيب المسلمين، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالسلم،‬ ‫سيد على من اختار من عبيده عن طريق اليمان.‬ ‫من النبوة،‬ ‫إلى طريق‬ ‫فيما بينهم،‬ ‫وانقض كل‬ ‫والحاصل أن المشركين لم يعلموا بأحد دخل في السلم إل وتصدوا له بالذى والنكال، وكان‬ ‫ذلك سه ل ً بالنسبة لضعفاء المسلمين، لسيما العبيد والماء، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل‬ ‫كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الوباش، ولكن لمن أسلم من الكبار‬ ‫والشرا ف كان ذلك صعبا جدا، إذ كانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلما كان يجترئ عليهم إل‬ ‫أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر.‬ ‫الهجرة الولى إلى الحبشة‬ ‫4‬
  • 5. ‫كانت بداية العتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل‬ ‫تشتد يوما فيوما وشهرا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وفي هذه الظروف نزلت‬ ‫سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ا واسعة‬ ‫إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب(.‬ ‫وكان رسول ا ) صلى ا عليه وسلم( قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل، ل‬ ‫يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة.‬ ‫وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة، كان مكونا من اثني‬ ‫عشر رج ل ً وأربعة نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول ا وقد قال النبي‬ ‫فيهما ) إنهما أول بيت هاجر في سبيل ا بعد إبراهيم ولوط عليهما السلم(.‬ ‫سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين:‬ ‫في رمضان من نفس السنة خرج النبي ) صلى ا عليه وسلم( إلى الحرم، وفيه جميع كبير من‬ ‫قريش، فقام فيهم وفاجأهم بتلوة سورة النجم، ولما وصل إلى قوله تعالى ) فاسجدوا لله‬ ‫واعبدوا( ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدا، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب ممن لم‬ ‫يحضر هذا المشهد من المشركين، وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف‬ ‫تماما عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة،‬ ‫فلما دنوا من مكة وعرفوا الحقيقة رجع منهم من رجع إلى الحبشة.‬ ‫الهجرة الثانية إلى الحبشة:‬ ‫واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق‬ ‫من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر ا لهم‬ ‫السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا.‬ ‫وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلثة وثمانون رج ل ً إن كان فيهم عمار، فإن يشك فيه،‬ ‫وثماني عشرة أو تسع عشرة امرأة.‬ ‫إسلم حمزة رضي ا عنه:‬ ‫أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة والغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة، وسبب إسلمه‬ ‫أنا أبا جهل آذى الرسول عند الصفا والرسول ساكت ل يكلمه ثم ضربه أبو جهل في رأسه فشجه‬ ‫حتى نزف منه الدم، وعلم حمزة بالمر وغضب وذهب إلى أبو جهل وضربه بالقوس فشجه شجة‬ ‫منكرة.‬ ‫إسلم عمر رضي ا عنه:‬ ‫أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة، بعد ثلثة أيام من إسلم حمزة.‬ ‫المقاطعة العامة‬ ‫ميثاق الظلم والعدوان:‬ ‫اجتمع المشركون في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا على بني هاشم وبني‬ ‫المطلب إل يناكحوهم، ول يبايعوهم، ول يجالسوهم، حتى يسلموا إليهم رسول ا للقتل، وكتبوا‬ ‫بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق، وقد كتبها بغيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه الرسول فشلت‬ ‫يده.‬ ‫5‬
  • 6. ‫تم هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، وكان ذلك في محرم سنة سبع من البعثة.‬ ‫ثلثة أعوام في شعب أبي طالب.‬ ‫نقض صحيفة الميثاق:‬ ‫مر عامان أو ثلثة أعوام والمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة‬ ‫وفك الحصار، وذلك أن قريشا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من‬ ‫كان كارها لها.‬ ‫وكان القائم بذلك هشام بن عمرو، وكان معه زهير بن أبي أمية المخزومي، والمطعم بن‬ ‫عدي، وأبي البختري بن هشام، و زمعة بن السود بن المطلب بن أسد.‬ ‫عام الحزن‬ ‫وفاة أبي طالب:‬ ‫توفي في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر.‬ ‫خديجة إلى رحمة ا:‬ ‫توفيت في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، وعمرها خمس وستون سنة.‬ ‫تراكم الحزان:‬ ‫وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلل أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن واللم في قلب‬ ‫رسول ا ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه، فإنهم تجرئوا عليه وكاشفوه بالنكال والذى‬ ‫بعد موت أبي طالب، فازداد غما على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا‬ ‫لدعوته، أو يؤووه وينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا، بل آذوه أشد الذى، ونالوا‬ ‫منه ما لم ينله قومه.‬ ‫دعوة السلم خارج مكة‬ ‫الرسول صلى ا عليه وسلم في الطائف:‬ ‫في شوال سنة عشر من النبوة خرج النبي إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة ستين مي ل، سارها‬ ‫ً‬ ‫ماشيا على قدميه جيئة وذهابا، ومعه موله زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق‬ ‫دعاهم إلى السلم فلم تجب إليه واحدة منها.‬ ‫وأقام رسول ا بين أهل الطائف عشرة أيام، ل يدع أحدا من أشرافهم إل جاءه وكلمه، فقالوا‬ ‫أخرج من بلدنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيده م يسبونه ويصيحون‬ ‫به، حتى اجتمع عليه الناس، وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، وكان‬ ‫زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه.‬ ‫عرض السلم على القبائل:‬ ‫في ذي القعدة سنة عشر من النبوة عاد رسول ا إلى مكة ليستأنف عرض السلم على‬ ‫القبائل والفراد، ولقتراب الموسم كان الناس يأتون إلى مكة فانتهز الرسول هذه الفرصة ليعرض‬ ‫عليهم السلم، وقد بدأ يطلب منهم في هذه السنة أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه‬ ‫ا به.‬ ‫6‬
  • 7. ‫القبائل التي عرض عليها السلم:‬ ‫ومن بين هذه القبائل: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرة‬ ‫وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وبنو البكاء، وكندة، وكلب، والحارث ابن كعب، وعذرة،‬ ‫والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد.‬ ‫أما كيفية عرض السلم على هذه القبائل وردودهم فهي:‬ ‫1 – بنو كلب: أتى النبي إلى بطن منهم يقال لهم: بنو عبدا، فدعاهم إلى ا وعرض عليهم‬ ‫نفسه، حتى أنه ليقول لهم " يا بني عبدا، إن ا قد أحسن اسم أبيكم" فلم يقبلوا منه.‬ ‫2 – بنو حنيفة: أتاهم في منازلهم فدعاهم إلى ا وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من‬ ‫العرب أقبح عليه ردا منهم.‬ ‫3 – بني عامر بن صعصعة: دعاهم إلى ا وعرض عليهم نفسه، فقال بحيرة بن فراس: وا لو‬ ‫أني أخذت هذا الفتى من قريش لكلت به العرب، ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم‬ ‫أظهرك ا على من خالفك أيكون لنا المر من بعدك؟ قال: " المر إلى ا، يضعه حيث يشاء" ، فقال‬ ‫له: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك ا كان المر لغيرنا، ل حاجة لنا بأمر، فأبوا عليه.‬ ‫بيعة العقبة الولى‬ ‫في موسم حج سنة 21 من النبوة جاء اثنا عشر رج ل ً فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد‬ ‫التقوا برسول ا في العام السابق، والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبدا وسبعة سواهم‬ ‫وهم:‬ ‫معاذ بن الحارث، ذكوان بن عبد القيس، عبادة بن الصامت، يزيد بن ثعلبة، العباس بن عبادة،‬ ‫) من الخزرج( ، أبو الهيثم بن تيهان، عويم بن ساعدة، ) من الوس(.‬ ‫التقى هؤلء الرجال برسول ا عند العقبة بمنى فبايعوه.‬ ‫سفير السلم في المدينة:‬ ‫مصعب بن عمير العبدري رضي ا عنه.‬ ‫بيعة العقبة الثانية:‬ ‫في موسم الحج في السنة )31( من النبوة حضر لداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسا من‬ ‫المسلمين من أهل يثرب، جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين، فلما قدموا مكة جرت بينهم‬ ‫وبين النبي اتصالت سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في‬ ‫الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الولى من منى، وأن يتم الجتماع في سرية تامة في ظلم‬ ‫الليل.‬ ‫بنود البيعة:‬ ‫قال جابر: قلنا يا رسول ا، علم نبايعك؟ قال:‬ ‫" على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى المر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في ا، لتأخذكم في ا لومة لئمة، وعلى أن‬ ‫تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة".‬ ‫7‬
  • 8. ‫عقد البيعة:‬ ‫وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد والتأكد بدأ عقد البيعة بالمصافحة.‬ ‫اثنا عشر نقيبا:‬ ‫بعد أن تمت البيعة طلب رسول ا أن يختاروا اثني عشر زعيما يكونون نقباء على قومهم،‬ ‫وكانوا تسعة من الخزرج وثلثة من الوس وهم:‬ ‫نقباء الخزرج: 1 – أعسد بن زرارة بن عدس، 2 – سعد بن الربيع بن عمرو، 3 – عبدا بن‬ ‫رواحة بن ثعلبة، 4 – رافع بن مالك بن العجلن، 5 – البراء بن معرور بن صخر، 6 – عبدا بن‬ ‫عمرو بن حرام، 7 – عبادة بن الصامت بن قيس، 8 – سعد بن عبادة بن دليم، 9 – المنذر بن عمرو‬ ‫بن خنيس.‬ ‫نقباء الوس: أسيد بن حضير بن سماك، 2 – سعد بن خيثمة بن الحارث، 3 – رفاعة بن‬ ‫عبدالمنذر بن زبير.‬ ‫ولما تم اختيار هؤلء النقباء أخذ عليهم النبي ميثاقا بصفتهم رؤساء مسئولين قال لهم: " أنتم‬ ‫على قومكم بما فيهم كفلء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي" يعني‬ ‫المسلمين، قالوا نعم.‬ ‫طلئع الهجرة:‬ ‫بدأ المسلمون يهاجرون، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم، لما يحسون به من‬ ‫الخطر، وهذه نماذج من ذلك:‬ ‫1 – أو المهاجرين أبو سلمة – هاجر قبل العقبة الكبرى بسنة – وزوجته وابنه، فلما أراد الخروج‬ ‫قال له أصهاره، هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه؟ علم نتركك تسير بها في البلد؟‬ ‫فأخذوا منه زوجته، وغضب آل أبي سلمة لرجلهم فقالوا ل نترك ابننا معها إذ نزعتموها من صاحبنا،‬ ‫وتجاذبوا الغلم بينهم فخلعوا يده، وذهبوا به، وانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة.‬ ‫2 – وهاجر صهيب بن سنان الرومي بعد رسول ا صلى ا عليه وسلم، فلما أراد الهجرة قال‬ ‫له كفار قريش أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك‬ ‫ونفسك؟ وا ل يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا نعم‬ ‫قال: فإني قد جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول ا فقال: " ربح صهيب، ربح صهيب".‬ ‫3 – وتواعد عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل موضعا اسمه‬ ‫التناضب فوق سرف يصبحون عنده، ثم يهاجرون إلى المدنية فاجتمع عمر وعياش، وحبس عنهما‬ ‫هشام.‬ ‫ولما قدما المدينة ونزل بقباء قدم أبو جهل وأخوه الحارث إلى عياش – وأم الثلثة واحدة وهي‬ ‫أسماء بنت مخربة – فقال له: إن أمك قد نذرت أل يمس رأسها مشط، ول تستظل بشمس حتى تراك،‬ ‫فرق لها فقال لهم عمر: يا عياش، إنه وا إن يريدك القوم إل ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوا‬ ‫لو آذى أمك القمل لمتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لستظلت، فأبى عياش إل الخروج معهما‬ ‫ليبر قسم أمه، وبعد رجوعه معهم أوثقاه وربطاه، ثم دخل به مكة نهارا موثقا وقال: يا أهل مكة،‬ ‫هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.‬ ‫هذه ثلثة نماذج لما كان المشركون يفعلونه بمن يريد الهجرة إذا علموا ذلك.‬ ‫8‬
  • 9. ‫ومع هذا كله وبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقوبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إل‬ ‫رسول ا وأبو بكر وعلي، أقاما بأمره لهما، وإل من احتبسه المشركون كرها، وقد أعد رسول ا‬ ‫جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعد أبو بكر جهازه.‬ ‫هجرة النبي صلى ا عليه وسلم‬ ‫بين تدبير قريش وتدبير ا سبحانه وتعالى:‬ ‫من طبيعة مثل هذا الجتماع السرية، وكان هذا مكرا من قريش، ولكنهم ماكروا بذلك ا‬ ‫سبحانه وتعالى، فخيبهم من حيث ل يشعرون، فقد نزل جبريل إلى النبي بوحي من ربه تبارك‬ ‫وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وبين له خطة الرد على قريش فقال :ل تبت هذه الليلة على‬ ‫فراشك.‬ ‫وذهب النبي في الهاجرة ) حين يستريح الناس في بيوتهم( إلى أبي بكر ليبرم معه مراحل‬ ‫الهجرة، ثم أبرم معه خطة الهجرة ورجع إلى بيته، وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد‬ ‫حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، اتقاء مما قررته قريش.‬ ‫تطويق منزل الرسول صلى ا عليه وسلم:‬ ‫اختير لتنفيذ الخطة أحد عشر رئيسا من أكابر قريش وهم:‬ ‫1 – أبو جهل بن هشام، 2 – الحكم بن أبي العاص، 3 – عقبة بن أبي معيط، 4 – النظر بن‬ ‫الحارث، 5 – أمية بن خلف، 6 – زمعة بن السود، 7 – طعيمة بن عدي، 8 – أبو لهب، 9 – أبي بن‬ ‫خلف، 01 – نبيه بن الحجاج، 11 – أخوه منبه بن الحجاج.‬ ‫كان من عادة رسول ا أن ينام في أوائل الليل بعد صلة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى‬ ‫المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليا تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده‬ ‫الحضرمي الخضر، وأخبره أنه ل يصيبه مكروه.‬ ‫فلما كانت عتمة الليل ونام الناس جاء المذكورون إلى بيت النبي سرا، واجتمعوا على بابه‬ ‫يرصدونه، وهم يظنونه نائما حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه ونفذوا ما قرروا فيه.‬ ‫وقد كان ميعاد تنفيذ المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروج النبي من البيت فباتوا متيقظين‬ ‫ينتظرون ساعة الصفر.‬ ‫الرسول يغادر بيته:‬ ‫وقد فشلت قريش في خطتهم فش ل ً ذريعا، إذ خرج الرسول من البيت، واخترق صفوفهم وأخذ‬ ‫حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ ا أبصارهم عنه فل يرونه، وهو يتلو‬ ‫) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ل يبصرون( ، ومضى إلى بيت أبي‬ ‫بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر لي ل ً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمين.‬ ‫وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، بينما هم كذلك جاءهم رجل ورآهم ببابه‬ ‫فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا، قال: قد مر بكم وذر على رؤوسكم التراب وانطلق !‬ ‫ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليا، فقالوا: وا إن هذا محمدا نائما، فلم يبرحوا كذلك‬ ‫حتى أصبحوا، وقام علي عن الفراش، وسألوه عن النبي فقال ل أعلم.‬ ‫من الدار إلى الغار:‬ ‫9‬
  • 10. ‫غادر الرسول بيته في ليلة 72 من شهر صفر سنة 41 من النبوة الموافق 21-31 سبتمر سنة‬ ‫226 م وأتى إلى دار أبي بكر ، ثم غادرا وخرجا من مكة على عجل قبل أن يطلع الفجر.‬ ‫وسلك الرسول الطريق المتجه إلى اليمن الذي يقع جنوب مكة، سلك هذا الطريق نحو خمسة‬ ‫أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور.‬ ‫إذ هما في الغار:‬ ‫دخل أبو بكر قبل الرسول لكي يطمأن على المكان، وعند اطمئنانه أدخل رسول ا، وقد لدغ‬ ‫أبا بكر في رجله من جحر داخل الغار، فتفل عليه رسول ا فذهب ما يجده.‬ ‫وبقيا في الغار ثلثة ليال، ليلة الجمعة والسبت والحد، وكان عبدا بن أبي بكر يبيت عندهما،‬ ‫وكان يرعى عليهما عامرة بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حيث تذهب ساعة‬ ‫من العشاء.‬ ‫أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلت الرسول صباح ليلة تنفيذ المؤامرة، فأول ما‬ ‫فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليا، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما.‬ ‫وضعت قريش جميع الطرق تحت المراقبة الشديدة، وقررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة‬ ‫ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما حيين أو ميتين.‬ ‫وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، روى البخاري أن أبي بكر قال: كنت مع النبي في الغار،‬ ‫فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي ا، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال " أسكت‬ ‫يا أبا بكر، اثنان، ا ثالثهما" ، وفي لفظ: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين ا ثالثهما".‬ ‫في الطريق إلى المدينة:‬ ‫وقد استمر البحث عنهما ثلثة أيام، وقد تهيأ رسول ا وصاحبه للخروج إلى المدينة.‬ ‫وكانا قد استأجرا عبدا بن أريقط الليثي، وكان على الشرك، وقد واعداه غار ثور بعد ثلث‬ ‫ليال براحلتيهما، فلما كانت ليلة الثنين غرة ربيع الول سنة )1( هـ/ 61 سبتمبر 226 م جاءهما‬ ‫عبدا بن أريقط بالراحلتين، ثم ارتحل رسول ا وأبو بكر وارتحل معهما عامر بن فهيرة، وأخذ‬ ‫بهم الدليل – عبدا بن أريقط- على طريق السواحل.‬ ‫وأول ما سلك بهم عبد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربا‬ ‫نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجاه شما ل ً على مقربة من شاطئ البحر‬ ‫الحمر، وسلك طريقا لم يكن يسلكه أحدا إل نادرا.‬ ‫بعض ما وقع في الطريق:‬ ‫في الطريق لقي النبي بريدة بن الحصيب السلمي، ومعه نحو ثمانين بيتا فأسلم وأسلموا،‬ ‫وصلى رسول ا العشاء الخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على الرسول بعد‬ ‫أحد.‬ ‫النزول بقباء:‬ ‫في يوم الثنين 8 ربيع الول سنة 41 من النبوة، وهي السنة الولى من الهجرة الموافق‬ ‫32/ سبتمر 226 م نزل رسول ا بقباء.‬ ‫01‬
  • 11. ‫قال ابن القيم: وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه،‬ ‫وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله والسكينة تغشاه، والوحي‬ ‫ينزل عليه: ) فإن ا هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير(.‬ ‫ونزل رسول ا بقباء على كلثوم بن الهدم.‬ ‫ومكث علي بن أبي طالب رضي ا عنه بمكة ثلثا حتى أدى عن رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيا على قدميه حتى لحقهما بقباء، ونزل على كلثوم بن‬ ‫الهدم.‬ ‫وأقام رسول ا بقباء أربعة أيام: الثنين والثلثاء والربعاء والخميس، وأسس مسجد قباء‬ ‫وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، ولما كان اليوم الخامس ) يوم الجمعة(‬ ‫ركب بأمر ا له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار‬ ‫نحو المدينة وهم حوله، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في‬ ‫بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.‬ ‫الدخول في المدينة:‬ ‫ثم سار النبي بعد الجمعة حتى دخل المدينة، ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول،‬ ‫ويعبر عنها بالمدينة مختصرا.‬ ‫ونزل رسول ا عند أبي أيوب النصاري، وفي رواية أنس عند البخاري، قال نبي ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم: ) أي بيوت أهلنا أقرب؟( فقال أبو أيوب: أنا يا رسول ا، هذه داري، وهذا بابي، قال‬ ‫) فانطلق فهيئ لنا مقي ل ً( ، قال قوما على بركة ا.‬ ‫وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم ايمن، وخرج‬ ‫معهم عبدا بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها‬ ‫من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.‬ ‫المرحلة الولى‬ ‫بناء مجتمع جديد‬ ‫قد أسلفنا أن نزول رسول ا بالمدينة في بني النجار كان يوم الجمعة )21/ ربيع الول/1 هـ‬ ‫الموافق 72/ سبتمبر/ 226 م( وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب.‬ ‫بناء المسجد النبوي:‬ ‫وأول خطوة خطاها رسول ا بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت‬ ‫فيه ناقته، فاشتراه من غلمين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبن‬ ‫والحجار، ويقول:‬ ‫فاغفر للنصار والمهاجرة‬ ‫اللهم ل عيش إلى عيش الخرة‬ ‫وفي أوائل الهجرة شرع الذان، وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة الخيار عبدا بن‬ ‫زيد بن عبد ربه، فأقره النبي وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب فأقره النبي.‬ ‫المؤاخاة بين المسلمين:‬ ‫11‬
  • 12. ‫آخى رسول ا صلى ا عليه وسلم بين المهاجرين والنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا‬ ‫تسعين رج ل ً نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من النصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون‬ ‫بعد الموت دون ذوي الرحام إلى حيث وقعة بدر، فلما أنزل ا عز وجل ) وأولوا الرحام بعضهم‬ ‫أولى ببعض( رد التوارث إلى الرحم دون عقد الخوة.‬ ‫ومعنى هذا الخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فل‬ ‫يكون أساس الولء والبراء إل السلم.‬ ‫بنود المعاهدة مع اليهود:‬ ‫1 – إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم،‬ ‫وكذلك لغير بني عوف من اليهود.‬ ‫2 – وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.‬ ‫3 – وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.‬ ‫4 – وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الثم.‬ ‫5 – وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.‬ ‫6 – وإن النصر للمظلوم.‬ ‫7 – وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.‬ ‫8 – وإن يثرب حرام جوفها لهل هذه الصحيفة.‬ ‫9 – وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده مرده إلى ا عز‬ ‫وجل، وإلى محمد رسول ا صلى ا عليه وسلم.‬ ‫01 – وإنه ل تجار قريش ول من نصرها.‬ ‫11 – وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.‬ ‫21 – وإنه ل يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.‬ ‫وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها ) إن‬ ‫صح هذا التعبير( رسول ا صلى ا عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين.‬ ‫الكفاح الدامي‬ ‫سرية سيف البحر:‬ ‫في رمضان سنة 1 هـ، الموافق مارس سنة 326 م، أ مر رسول ا على هذه السرية حمزة بن‬ ‫ّ‬ ‫عبدالمطلب، وبعثه في ثلثين رج ل ً من المهاجرين يعترضون عيرا لقريش جاءت من الشام، وفيها‬ ‫أبو جهل بن هشام في ثلثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا‬ ‫للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفا للفريقين جميعا، بين هؤلء وهؤلء حتى حجز‬ ‫بينهم فلم يقتتلوا.‬ ‫وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول ا صلى ا عليه وسلم، وكان أبيض، وحمله أبو مرثد‬ ‫كناز بن حصين الغنوي.‬ ‫21‬
  • 13. ‫سرية نخلة:‬ ‫في رجب سنة 2 هـ، الموافق يناير سنة 426 م، بعث رسول ا فيها عبدا بن جحش السدي‬ ‫إلى نخلة في اثني عشر رج ل ً من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير.‬ ‫وكان رسول ا كتب له كتابا، وأمره أل ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فسار عبدا‬ ‫ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة‬ ‫والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارها" ، فقال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك،‬ ‫وأنه ل يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا‬ ‫كلهم، غير أنه لما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا‬ ‫يتعقبانه، فتخلفا في طلبه.‬ ‫وسار عبدا بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، وفيها‬ ‫عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبدا بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني‬ ‫المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب، الشهر الحرام، فإن قاتلناهم‬ ‫انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم‬ ‫عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والسيري ن إلى‬ ‫المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في السلم، وأول قتيل في السلم،‬ ‫وأول أسيرين في السلم.‬ ‫وأنرك رسول ا ما فعلوه، وقال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام" ، وتوقف عن التصرف‬ ‫في العير والسيرين.‬ ‫ووجد المشركون فيما حدث فرصة لتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم ا، حتى نزلت الية‬ ‫الكريمة: ) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل ا وكفر به‬ ‫والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند ا والفتنة أكبر من القتل(.‬ ‫غزوة بدر الكبرى‬ ‫أول معركة من معارك السلم الفاصلة:‬ ‫سبب الغزوة:‬ ‫عند عودة عير قريش من الشام إلى مكة بعث رسول ا طلحة بن عبيد ا وسعيد بن زيد إلى‬ ‫الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصل إلى الحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا‬ ‫إلى المدينة وأخبرا رسول ا بالخبر.‬ ‫وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها: ألف بعير موقرة بأموال ل تقل عن‬ ‫خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إل نحو أربعين رج ل.‬ ‫ً‬ ‫لذلك أعلن رسول ا في المسلمين قائ ل ً: " هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل‬ ‫ا ينفلكموها".‬ ‫ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك المر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا‬ ‫النتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير- هذا الصطدام العنيف في بدر، ولذلك تخلف كثير من‬ ‫الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول ا في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في‬ ‫السرايا والغزوات الماضية، ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة.‬ ‫31‬
  • 14. ‫مبلغ قوة الجيش السلمي وتوزيع القيادات:‬ ‫واستعد رسول ا للخروج ومعه ثلثمائة وبضعة عشر رج ل ً )313 ، أو 413 ، أو 713 رج ل ً( 28 أو‬ ‫38 أو 68 من المهاجرين و 16 من الوس و 071 من الخزرج، ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفا ل ً‬ ‫بليغا، ول اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلى فرس أو فرسان: فرس للزبير بن العوام،‬ ‫وفرس للمقداد بن السود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلن والثلثة على بعير‬ ‫واحد، وكان رسول ا وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا واحدا.‬ ‫واستخلف على المدينة وعلى الصلة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن‬ ‫عبدالمنذر، واستعمله على المدينة.‬ ‫ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض.‬ ‫وقسم جيشه إلى كتيبتين:‬ ‫1 – كتيبة المهاجرين: وأعطى رايتها علي بن أبي طالب، ويقال لها العقاب.‬ ‫2 – كتيبة النصار: وأعطى رايتها سعد بن معاذ، ) وكانت الرايتان سوداوين(.‬ ‫وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت‬ ‫القيادة العامة في يده كقائد أعلى للجيش.‬ ‫الجيش السلمي يتحرك نحو بدر‬ ‫النذير في مكة:‬ ‫كان أبو سفيان على غاية من الحيطة والحذر، وكان يتحسس الخبار ويسأل من لقي من‬ ‫الركبان، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمدا قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير، عندها‬ ‫استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخا لقريش بالنفير إلى عيرهم.‬ ‫أهل مكة يتجهزون للغزو:‬ ‫فتحفز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كل وا‬ ‫ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رج ل، وجمعوا في الخروج فلم‬ ‫ً‬ ‫يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إل بني عدي فلم‬ ‫يخرج منهم أحد.‬ ‫قوام الجيش المكي:‬ ‫قوامه ألف وثلثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة،‬ ‫وكان قائده العام أبا جهل.‬ ‫مشكلة قبائل بني بكر:‬ ‫ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة‬ ‫والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكان ذلك يثنيهم، ولكن‬ ‫تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، فقال لهم: أنا لكم جار من أن‬ ‫تأتيكم كنانة من خلفكم.‬ ‫جيش مكة يتحرك:‬ ‫41‬
  • 15. ‫تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان‬ ‫يقول فيها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها ا فارجعوا.‬ ‫العير نفلت:‬ ‫وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذرا متيقظا،‬ ‫وضاعف حركاته الستكشافية، وغير وجهته إلى الساحل غربا تاركا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر‬ ‫على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة.‬ ‫هم الجيش المكي بالرجوع، ووقوع النشقاق فيه:‬ ‫ولما تلقى جيش مكة رسالة أبي سفيان هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في‬ ‫كبرياء وغطرسة قائ ل ً: وا ل نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلثا، فننحر الجزور، ونطعم الطعام،‬ ‫ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فل يزالون يهابوننا أبدا.‬ ‫وعاد الخنس بن شريق هو وبنو زهرة، وكان رئيسا عليهم فم يشهد بدرا زهري واحد، وكانوا‬ ‫حوالي ثلثمائة رجل.‬ ‫المجلس الستشاري:‬ ‫عقد رسول ا مجلسا عسكريا استشاريا، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته، وحينئذ‬ ‫تزعزع قلوب فريق من الناس، وخافوا اللقاء الدامي، وهم الذين قال ا فيهم: " كما أخرجك ربك‬ ‫من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون‬ ‫إلى الموت وهم ينظرون(.‬ ‫أما قادة الجيش فقام أبو بكر وعمر وقال وأحسنا أما المقداد بن عمر فقال: يا رسول ا أمض‬ ‫لما أراك ا، فنحن معك، وا ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ) اذهب أنت وربك فقاتل‬ ‫إنا هاهنا قاعدون( ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون.‬ ‫أما مقاتلي النصار فقد قال قائدهم وحامل لوائهم سعد بن معاذ: قد آمنا بك، فصدقناك،‬ ‫وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة،‬ ‫فامض يا رسول ا لما أردت، فسر بنا على بركة ا.‬ ‫الجيش السلمي يواصل سيره:‬ ‫ثم ارتحل رسول ا من ذفران، فسلك على ثنايا الصافر ثم انحط منها إلى بلد الدبة، وترك‬ ‫الحنان بيمين، ثم نزل قريبا من بدر.‬ ‫الرسول يقوم بعملية الستكشاف:‬ ‫قام الرسول بنفسه بعملية الستكشاف مع أبي بكر، وبينما هما يتجولن حول معسكر مكة إذا‬ ‫هما بشيخ من العرب فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه، سأل عن الجيشين زيادة في‬ ‫التكتم، ولكن الشيخ قال ل أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول ا إذا أخبرتنا أخبرناك،‬ ‫قال أو ذاك بذاك، قال نعم.‬ ‫قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني‬ ‫فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جيش المدينة، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا،‬ ‫فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جيش مكة.‬ ‫51‬
  • 16. ‫ولما فرغ من خبره قال: مما أنتما؟ فقال له رسول ا نحن من ماء، ثم انصرف عنه وبقي‬ ‫الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟‬ ‫الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي:‬ ‫قام لهذه العملية ثلثة من قادة المهاجرين، علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن‬ ‫أبي وقاص، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلمين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض، وجاءوا‬ ‫بهم إلى الرسول، فخاطبهما قائ ل ً: أخبراني عن قريش، فأبلغاه عنها.‬ ‫نزول المطر:‬ ‫أنزل ا المطر، فكان واب ل ً شديدا على المشركين منهم من التقدم، وكان على المسلمين ط ل ً‬ ‫طهرهم به ووطأ به الرض، وصلب به الرمل وثبت القدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم.‬ ‫الجيش السلمي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية:‬ ‫تحرك الرسول بالجيش ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ونهض الرسول بالجيش حتى أتى أقرب‬ ‫ماء من العدو، ) وكان هذا الرأي للحباب بن منذر( فنزل عليه شطر الليل ثم صنعوا الحياض وغوروا‬ ‫ما عداها من القلب.‬ ‫مقر القيادة:‬ ‫وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول ا أن يبني المسلمون‬ ‫مقرا لقيادته، استعدادا للطوارئ، وتقديرا للهزيمة قبل النصر، فبنى المسلمون عريشا على تل‬ ‫مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة.‬ ‫تعبئة الجيش وقضاء الليل:‬ ‫ثم عبأ رسول ا جيشه، ومشى في موضع المعركة، ثم بات رسول ا يصلي إلى جذع شجرة‬ ‫هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئ النفوس ) إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من‬ ‫السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به القدام(.‬ ‫كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكان‬ ‫خروجه صلى ا عليه وسلم في 8 أو 21 من نفس الشهر.‬ ‫الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع النشقاق فيه:‬ ‫قامت معارضة ضد أبي جهل، تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، يتزعمها عتبة ابن‬ ‫ربيعة وحكيم ابن حزام، وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث إلى عامر بن‬ ‫الحضرمي، أخي عمرو بن الحضرمي، المقتول في سرية عبدا بن جحش، فقال: هذا حليفك ) أي‬ ‫عتبة( يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينيك، فقم فانشد عهدك، ومقتل أخيك، فقام عامر‬ ‫وصرخ واعمراه واعمراه فحمي القوم، واستوثقوا على ما عليه من الشر، وافسد على الناس الرأي‬ ‫الذي دعاهم إليه عتبة.‬ ‫الجيشان يتراآن:‬ ‫لما طلع المشركون وتراءى الجمعان، وعدل رسول ا صفوف المسلمين وأصدر أوامره إلى‬ ‫جيشه بأل يبدءوا القتال حتى يتلقوا منه الوامر الخيرة.‬ ‫ساعة الصفر وأول وقود المعركة:‬ ‫61‬
  • 17. ‫أول وقود المعركة السود بن عبد السد المخزومي، خرج قائ ل ً: أعاهد ا لشربن من حوضهم‬ ‫أو لهدمنه أو لموتن دونه، فقتله حمزة بن عبدالمطلب.‬ ‫المبارزة:‬ ‫خرج ثلثة من خيرة فرسان قريش وكانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة،‬ ‫والوليد بن عتبة، وخرج لمبارزتهم عبيدة بن الحارث و حمزة بن عبدالمطلب و علي بن أبي طالب،‬ ‫فبارز عبيدة، عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد.‬ ‫الهجوم العام:‬ ‫وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة للمشركين، إذ فقدوا ثلثة من خيرة فرسانهم وقادتهم‬ ‫دفعة واحدة.‬ ‫الرسول يناشد ربه:‬ ‫وكان يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك( وقال ) اللهم إن تهلك‬ ‫هذه العصابة اليوم ل تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا(.‬ ‫نزول الملئكة:‬ ‫وأغفى رسول ا إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه‬ ‫النقع( أي الغبار.‬ ‫الهجوم المضاد:‬ ‫وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الخيرة بالهجمة المضادة فقال: ) شدوا( ، وحرضهم على القتال،‬ ‫قائ ل ً: " والذي نفس محمد بيده، ل يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقب ل ً غير مدبر، إل أدخله‬ ‫ا الجنة" ، وقال: " قوموا إلى جنة عرضها السموات والرض" ، وحينئذ قال عمير بن الحمام: بخ بخ،‬ ‫فقال له الرسول ما يحملك على قول ذلك، قال ل وا إل رجاء أن أكون من أهلها، قال رسول ا:‬ ‫:‬ ‫أنت من أهلها، فأخرج تمرات من جعبته فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه‬ ‫إنها لحياة طويلة، فرمى التمر ثم قاتلهم حتى قتل.‬ ‫وحين أصدر رسول ا المر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر حماسه،‬ ‫فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين.‬ ‫إبليس ينسحب من ميدان القتال:‬ ‫ولما رأى إبليس ) وقد جاء بصورة سراقة بن مالك( ما يفعله الملئكة بالمشركين فر وكان‬ ‫يقول ) إني أرى ما ل ترون إني أخاف ا وا شديد العقاب( ، حتى ألقى نفسه في البحر.‬ ‫الهزيمة الساحقة:‬ ‫وبدأت أمارات الفشل والضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملت المسلمين‬ ‫العنيفة واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والنسحاب.‬ ‫صمود أبي جهل:‬ ‫ولما رأى أبو جهل أمارات الضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل‬ ‫يشجع جيشه.‬ ‫71‬
  • 18. ‫مصرع أبي جهل:‬ ‫قتله شابان هما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ ابن عفراء، ولما انتهت المعركة قال رسول‬ ‫ا من ينظر ما صنع أبو جهل، فتفرق الناس في طلبه فوجده عبدا بن مسعود وبه آخر رمق فحز‬ ‫) الذي ل إله إل هو؟( فرددها ثلثا، ثم قال : ) أكبر، الحمد‬ ‫ا‬ ‫رأسه وجاء به إلى رسول ا فقال ا‬ ‫لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الحزاب وحدة، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه فقال‬ ‫) هذا فرعون هذه المة(.‬ ‫من روائع اليمان في هذه المعركة:‬ ‫في هذه المعركة تجلت مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعركة‬ ‫التقى الباء بالبناء، والخوة بالخوة، خالفت بينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف، والتقى‬ ‫المقهور بقاهره فشفى منه غيظه.‬ ‫1 – عن ابن عباس أن النبي قال " إني قد عرفت أن رجا ل ً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا‬ ‫كرها، ل حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدا من بين هاشم فل يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام‬ ‫فل يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فل يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها".‬ ‫2 – كان النهي عن قتل أبي البختري، لنه كان أكف القوم عن رسول ا وهو بمكة وكان ل‬ ‫يؤذيه، ول يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني‬ ‫المطلب.‬ ‫ولكنه قتل وقد قتله المجذر بن زياد البلوي لنه دافع عن زميله.‬ ‫3 – كان عبدالرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، قال عبدالرحمن بن‬ ‫عوف: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في خاصتي ومالي بمكة وأحفظه في المدينة، فلما‬ ‫كان يوم بدر خرجت إلى جبل لحرزه حين نام الناس، فأبصر بلل، فخرج حتى وقف على مجلس‬ ‫النصار فقال: أمية بن خلف، ل نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من النصار في آثارنا، فلما‬ ‫خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رج ل ً ثقي ل، فلما‬ ‫ً‬ ‫أدركونا قلت له: أبرك، فبرك، فألقيت نفسي لمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب‬ ‫أحدهم رجلي بسيفه.‬ ‫4 – وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه،‬ ‫ولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول ا، وهو في السر: يا عباس أسلم، فو ا أن‬ ‫تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إل لما رأيت رسول ا يعجبه إسلمك.‬ ‫قتلى الفريقين:‬ ‫انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد‬ ‫من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رج ل، ستة من المهاجرين وثمانية من النصار.‬ ‫ً‬ ‫أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وعامتهم القادة‬ ‫والزعماء والصناديد.‬ ‫ولما انقضت الحرب أقبل رسول ا حتى وقف على القتلى فقال: " بئس العشيرة كنتم لنبيكم،‬ ‫كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس" ، ثم أمر بهم‬ ‫فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.‬ ‫ُ‬ ‫81‬
  • 19. ‫مكة تتلقى نبأ الهزيمة:‬ ‫فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة، تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا‬ ‫صوب مكة مذعورين، ل يدرون كيف يدخلونها خج ل.‬ ‫ً‬ ‫المدينة تتلقى أنباء النصر:‬ ‫ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول ا بشيرين إلى أهل المدينة، ليعجل لهم البشرى، أرسل‬ ‫عبدا بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرا إلى أهل السافلة.‬ ‫وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى أنهم أشاعوا‬ ‫خبر مقتل النبي، ولما رأى أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبا ناقة رسول ا قال: قتل محمد، وهذه‬ ‫ناقته نعرفها، وهذا زيد ل يدري ما يقول من الرعب وجاء منهزما.‬ ‫فلما بلغ الرسولن أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح‬ ‫المسلمين فعمت البهجة والسرور واهتزت أرجاء المدينة تهلي ل ً وتكبيرا، وتقدم رؤوس المسلمين‬ ‫إلى طريق بدر ليهنئوا رسول ا بهذا الفتح المبين.‬ ‫الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة:‬ ‫أقام رسول ا ببدر بعد انتهاء المعركة ثلثة أيام، وقبل رحيله من كان المعرجة وقع خلف‬ ‫بين الجيش حول الغنائم، وما اشتد هذا الخلف أمر رسول ا بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا،‬ ‫ثم نزل الوحي بحل هذه المشكلة.‬ ‫وبعد أن أقام رسول ا ببدر ثلثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه السارى من المشركين،‬ ‫واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل عليه عبدا بن كعب، وتم تقسيم الغنائم بين‬ ‫المسلمين بالتساوي بعد إخراج الخمس.‬ ‫وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث وكان حامل لواء المشركين وقتله علي‬ ‫بن أبي طالب.‬ ‫ولما وصل إلى عرق الظبية أمر بقتل عقوبة بن أبي معيط.‬ ‫وكان قتل هذين الطاغيتين واجبا نظرا إلى سوابقهما، فلم يكونا من السارى فحسب بل كانا‬ ‫من مجرمي الحرب بالصطلح الحديث.‬ ‫وفود التهنئة:‬ ‫دخل رسول ا المدينة مظفرا منصورا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها فأسلم بشر كثير‬ ‫من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبدا بن أبي وأصحابه في السلم ظاهرا.‬ ‫قضية السارى:‬ ‫استشار الرسول أصحابه في السارى، فقال أبو بكر: يا رسول ا أرى أن تأخذ منهم الفدية،‬ ‫وعسى أن يهديهم ا، فيكونوا لنا عضدا.‬ ‫وقال عمر بن الخطاب: أرى أن تمكنني من فلن - قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من‬ ‫عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلن أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم ا أنه‬ ‫ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.‬ ‫91‬
  • 20. ‫فهوى الرسول رأي أبا بكر، وأخذ منهم الفداء، فنزلت الية " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬ ‫يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا وا يريد الخرة وا عزيز حكيم، لول كتاب من ا سبق‬ ‫لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم".‬ ‫والكتاب الذي سبق من ا قيل: هو قوله تعالى " فإما منا بعد وإما فداء(.‬ ‫القرآن يتحدث حول موضوع المعركة:‬ ‫حول هذه المعركة نزلت سورة النفال، وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان،‬ ‫وفرضت زكاة الفطر، ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في‬ ‫حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ.‬ ‫غزوة بني قينقاع:‬ ‫كان الرسول صلى ا عليه وسلم حريصا على تنفيذ ما جاء في المعاهدة التي عقدها مع‬ ‫اليهود، ولم يخالف المسلمون هذه المعاهدة، ولكن اليهود أخذوا في طريق الدس والمؤامرة‬ ‫والتحريش وإثارة القلق والضطراب في صفوف المسلمين.‬ ‫نموذج من مكيدة اليهود:‬ ‫مر شاس بن قيس ) وهو شديد الحقد على المسلمين( على نفر من أصحاب الرسول من الوس‬ ‫والخزرج في مجلس، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، بعد ما كان بينهم من العداوة في‬ ‫الجاهلية، فغاضه اجتماعهم، فأمر شابا ممن كان معه بأن يجلس معهم ثم أذكر يوم بعاث وما كان‬ ‫قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا‬ ‫وتفاخروا حتى تواثب رجلن، فقال أحدهما للخر: إن شئتم أن نستعد لحياء الحرب الهلية التي‬ ‫كانت بيننا، وغضب الفريقان، وكادت تنشب الحرب !‬ ‫فبلغ ذلك رسول ا فخرج إليهم وقال :" يا معشر المسلمين، ا ا، أبدعوى الجاهلية وأنا بين‬ ‫أظهركم بعد أن هداكم ا للسلم، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من‬ ‫الكفر وألف بين قلوبكم؟".‬ ‫فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال الوس والخزرج‬ ‫بعضهم.‬ ‫بنو قينقاع ينقضون العهد:‬ ‫لما رأوا أن ا قد نصر المؤمنين نصرا مؤزرا في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة‬ ‫وهيبة في قلوب القاصي والداني، كاشفوا بالشر والعداوة، وكان أعظمهم حقدا وشرا كعب بن‬ ‫الشرف، كما أن شر طائفة من طوائفهم الثلث هم يهود بني قينقاع، كانوا يسكنون داخل المدينة،‬ ‫وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والواني، ولجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل‬ ‫منهم آلت الحرب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وكانوا أول من‬ ‫نكث العهد والميثاق من اليهود.‬ ‫وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول ا فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدى،‬ ‫وحذرهم من البغي والعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم.‬ ‫روى ابن هشام عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني‬ ‫قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها‬ ‫02‬
  • 21. ‫فعقده إلى ظهرها – وهي غافلة – فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل‬ ‫من المسلمين على الصائغ فقتله – وكان يهوديا – فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ‬ ‫أهل المسلم المسلمين على اليهود فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.‬ ‫الحصار ثم التسليم ثم الجلء:‬ ‫وحينئذ عيل صبر رسول ا، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبدالمنذر، وأعطى لواء‬ ‫المسلمين حمزة بن عبدالمطلب، وسار بجنود ا إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم،‬ ‫فحاصرهم أشد الحصار، وكان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 هـ، ودام الحصار خمسة‬ ‫عشر ليلة إلى هلل ذي القعدة، وقذف ا في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول ا في‬ ‫رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا.‬ ‫وحينئذ قام عبدا بن أبي بن سلول بدور نفاقه، فألح على رسول ا أن يصدر عنهم العفو،‬ ‫فقال: يا محمد، أحسن في موالي – وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج – فأبطأ عليه رسول ا فكرر‬ ‫ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درعه فقال له رسول ا " أرسلني" وغضب حتى‬ ‫رأوا لوجهه ظل ل، ثم قال: " ويحك أرسلني" ، ولكن المنافق مضى على إصراره وقال :ل وا ل‬ ‫ً‬ ‫أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الحمر والسود،‬ ‫تحصدهم في غداة واحدة؟ إني وا أمرؤ أخشى الدوائر.‬ ‫وعامل رسول ا هذا المنافق بالحسنى فوهبهم له وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ول‬ ‫يجاوروه بها فخرجوا إلى أذرعات الشام، فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم.‬ ‫وقبض رسول ا منهم أموالهم فأخذ منها ثلث قسى ودرعين وثلثة أسياف وثلثة رماح،‬ ‫وخمس غنائمهم وكان الذي تولى جمع الغنائم محمد بن مسلمة.‬ ‫غزوة أحد:‬ ‫استعداد قريش لمعركة ناقمة:‬ ‫كانت مكة تحترق غيظا على المسلمين مما أصابها في معركة بدر من مأساة الهزيمة وقتل‬ ‫الصناديد والشراف، وكانت تجيش فيها نزعات النتقام، حتى أنهم كانوا قد منعوا البكاء على‬ ‫قتلهم في بدر، ومنعوا في الستعجال في فداء السارى حتى ل يتفطن المسلمون مدى مأساتهم‬ ‫وحزنهم.‬ ‫وعلى إثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين، وأخذت في‬ ‫الستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.‬ ‫وكان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن حرب، وعبدا بن أبي ربيعة أكثر‬ ‫زعماء قريش نشاطا وتحمسا لخوض المعركة.‬ ‫وأول ما فعلوه احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان، والتي كانت سببا لمعركة بدر،‬ ‫وقد استخدموا هذه الموال في هذه الحرب.‬ ‫ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين من الحابيش وكنانة وأهل‬ ‫تهامة، ومن طرق التحريض إغراء الشعراء ومنهم أبا عزة و مسافع بن عبد مناف الجمحي‬ ‫لتحريض القبائل ضد المسلمين.‬ ‫قوام جيش قريش وقيادته:‬ ‫12‬
  • 22. ‫اجتمع من المشركين ثلثة آلف مقاتل من قريش والحفاء والحابيش، وعدد النسوة خمسة‬ ‫عشر امرأة.‬ ‫وكان سلح النقليات ثلثة آلف بعير، ومن سلح الفرسان مائتا فرس، وكان من سلح الوقاية‬ ‫سبعمائة درع، والقيادة العامة لبي سفيان بن حرب، وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد يعاونه‬ ‫عكرمة بن أبي جهل، أما اللواء فكان إلى بني عبدالدار.‬ ‫الستخبارات النبوية تكشف حركة العدو:‬ ‫كان العباس بن عبدالمطلب يرقب حركات قريش، ولما تحرك الجيش بعث برسالة إلى النبي،‬ ‫وأسرع رسول العباس لبلغ الرسالة حيث قطع مسافة 005 كيلومتر في ثلثة أيام وهي الطريق‬ ‫من مكة إلى المدينة، وسلم الرسالة إلى النبي وهو بمسجد قباء، قرأ الرسالة أبي بن كعب وأمره‬ ‫الرسول بالكتمان.‬ ‫استعداد المسلمين للطوارئ:‬ ‫ظلت المدينة في حالة استنفار عام ل يفارق رجالها السلح حتى وهم في الصلة.‬ ‫الجيش المكي إلى أسوار المدينة:‬ ‫تابع جيش مكة سيره حتى نزل قريبا بجبل أحد، في مكان يقال له: عينين، الذي يقع شمالي‬ ‫المدينة بجانب أحد، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شوال سنة ثلث من الهجرة.‬ ‫المجلس الستشاري لخذ خطة الدفاع:‬ ‫عقد الرسول مجلسا استشاريا تبادل فيه الرأي، وأخبرهم عن رؤيا رآها، قال: " إني قد رأيت‬ ‫وا خيرا، رأيت بقرا يذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة" ،‬ ‫وتأول البقر بنفر من الصحابة يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول‬ ‫الدرع بالمدينة.‬ ‫ثم قدم رأيه إلى صحابته أل يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها ووافقه على هذا الرأي‬ ‫عبدا بن أبي ابن سلول ) رأس المنافقين( وذلك ليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك‬ ‫أحد ! ، وكان حمزة بن عبدالمطلب ) عم الرسول( يرى مبارزتهم خارج المدينة.‬ ‫وتنازل الرسول عن رأيه واستقر على الخروج من المدينة، واللقاء في الميدان السافر.‬ ‫تكتيب الجيش السلمي وخروجه إلى ساحة القتال:‬ ‫ثم صلى النبي بالناس يوم الجمعة، فوعظهم وأمرهم بالجد والجتهاد، وأخبر أن لهم النصر بما‬ ‫صبروا، والتهيؤ للعدو، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبا بكر وعمر، فعمماه وألبساه، فتدجج‬ ‫بسلحه ولبس درعين وتقلد السيف، ثم خرج على الناس.‬ ‫وقسم النبي جيشه إلى ثلث كتائب:‬ ‫1 – كتيبة المهاجرين، وأعطى لواءها مصعب بن عمير، 2 – كتيبة الوس من النصار، وأعطى‬ ‫لواءها أسيد بن حضير، 3 – كتيبة الخزرج من النصار، وأعطى لواءها الحباب بن المنذر.‬ ‫وكان الجيش مؤلفا من ألف مقاتل فيهم مائة دارع، ولم يكن فيهم من الفرسان أحد، واستعمل‬ ‫على المدينة أبن أم مكتوم على الصلة.‬ ‫22‬
  • 23. ‫المبيت بين أحد والمدينة:‬ ‫وفي هذا المكان أدركهم المساء، فصلى المغرب، ثم صلى العشاء وبات هنالك، واختار‬ ‫خمسين رج ل ً لحراسة المعسكر.‬ ‫تمرد عبدا بن أبي وأصحابه:‬ ‫وعند اقترابه من العدو، تمرد عبدا بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر ) ثلثمائة‬ ‫مقاتل( قائ ل ً: ما ندري علم نقتل أنفسنا؟ ومتظاهرا بالحتجاج بأن الرسول ترك رأيه وأطاع غيره.‬ ‫وكاد المنافق ينجح في تمرده، فقد همت طائفتان بنو حارثة من الوس، وبنو سلمة من‬ ‫الخزرج، أن تفشل، ولكن ا تولهما، فثبتتا بعدما سرى فيهما الضطراب، قال تعالى: " إذ همت‬ ‫طائفتان منكم أن تفشل وا وليهما وعلى ا فليتوكل المؤمنون".‬ ‫وحاول عبدا بن حرام، تذكير المنافقين بواجبهم، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع،‬ ‫وفي هؤلء المنافقين يقول ا تعالى: " وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل ا‬ ‫أو ادفعوا، قالوا لو نعلم قتا ل ً لتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم لليمان يقولون بأفواههم ما‬ ‫ليس في قلوبهم وا أعلم بما يكتمون".‬ ‫بقية الجيش السلمي إلى أحد:‬ ‫ونفذ رسول ا حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقب ل ً‬ ‫المدينة، وجاع ل ً ظهره إلى هضاب جبل أحد، وعلى هذا صار جيش العدو فاص ل ً بين المسلمين وبين‬ ‫المدينة.‬ ‫خطة الدفاع:‬ ‫اختار فصيلة من الرماة الماهرين قوامها خمسون مقات ل، وأعطى قيادتها لعبدا بن جبير،‬ ‫ً‬ ‫وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة ) جبل الرماة( جنوب شرق‬ ‫معسكر المسلمين على بعد حوالي مائة وخمسين مترا من مقر الجيش.‬ ‫والهدف من ذلك هو ما أبداه الرسول في كلماته التي ألقاها للرماة فقد قال لقائدهم: " انضح‬ ‫الخيل عنا بالنبل، ل يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، ل نؤتين من قبلك" ، وقال‬ ‫للرماة :" احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فل تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فل تشركونا".‬ ‫أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام،‬ ‫يسانده المقداد بن السود.‬ ‫وهكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شوال سنة 3 هـ.‬ ‫الرسول ينفث روح البسالة في الجيش:‬ ‫نهى الرسول الناس عن الخذ في القتال حتى يأمرهم، ولبس درعين وحرض أصحابه على‬ ‫القتال، وحضهم على المصابرة والجلد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه.‬ ‫تعبئة الجيش المكي:‬ ‫عبأ المشركون جيشهم حسب نظام الصفوف، فكانت القيادة العامة لبي سفيان صخر بن حرب،‬ ‫الذي تمركز في قلب الجيش، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي‬ ‫جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، وعلى الرماة عبدا بن أبي ربيعة.‬ ‫32‬
  • 24. ‫أما اللواء فكان إلى مفرزة من بني عبد الدار، وقد أبيدوا عن بكرة أبيهم عند احتدام المعركة.‬ ‫مناورات سياسية من قبل قريش:‬ ‫قبيل نشوب المعركة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين، فقد أرسل‬ ‫أبو سفيان إلى النصار يقول لهم: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فل حاجة لنا إلى‬ ‫قتالكم، ورد عليه النصار ردا عنيفا وأسمعوه ما يكره.‬ ‫وقامت قريش بمحاولة أخرى فقد خرج إلى النصار عميل خائن يسمى أبا عامر الفاسق واسمه‬ ‫عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب فسماه الرسول الفاسق، وكان رأس الوس في‬ ‫الجاهلية، فنادى قومه وتعرف عليهم، وقال: يا معشر الوس، أنا أبو عامر فقالوا :ل أنعم ا بك‬ ‫عينا يا فاسق !‬ ‫وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل اليمان.‬ ‫جهود نسوة قريش في التحميس:‬ ‫وتقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.‬ ‫أول وقود المعركة:‬ ‫كان حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أشجع فرسان قريش، وقد‬ ‫قتله الزبير بن العوام.‬ ‫ثقل المعركة حول اللواء وإبادة حملته:‬ ‫وكان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبدالدار لحمل اللواء بعد قتل‬ ‫قائدهم طلحة بن أبي طلحة، وكانوا عشرة من بني عبد الدار أبيدوا عن آخرهم ولم يبق منهم أحد‬ ‫يحمل اللواء، وحمل اللواء غلم لهم حبشي اسمه صؤاب وقاتل حتى قتل وسقط اللواء على الرض‬ ‫ولم يبق أحد يحمله.‬ ‫مصرع أسد ا حمزة بن عبدالمطلب:‬ ‫قتله وحشي بن حرب، قال: هززت حربتي، ودفعتها إليه، فوقعت في أحشائه حتى خرجت من‬ ‫بين رجليه.‬ ‫السيطرة على الموقف:‬ ‫وبرغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل حمزة بن عبدالمطلب، ظل‬ ‫المسلمون مسيطرين على الموقف كله، فقد قاتل الصحابة الكبار قتا ل ً فل عزائم المشركين، وفت‬ ‫في أعضادهم.‬ ‫من أحضان المرأة إلى مقارعة السيوف والدرقة:‬ ‫وكان من البطال المغامرين يومئذ حنظلة الغسيل وهو حنظلة بن أبي عامر، كان حديث عهد‬ ‫بالعرس، فلما سمع هواتف الحرب وهو على امرأته انخلع من أحضانها وقام إلى الجهاد، واستشهد.‬ ‫نصيب فصيلة الرماة في المعركة:‬ ‫42‬
  • 25. ‫وكان لها اليد البيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش السلمي، فقد هجم فرسان مكة‬ ‫بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق، ثلث مرات وباءت هجماتهم بالفشل.‬ ‫الهزيمة تنزل بالمشركين:‬ ‫ظل الجيش السلمي الصغير مسيطرا على الموقف كله حتى خارت عزام أبطال المشركين،‬ ‫وأخذت صفوفهم تتبدد، كأن ثلثة آلف مشرك يواجهون ثلثين ألف مسلم ل بضع مئات قلئل، وظهر‬ ‫المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين.‬ ‫غلطة الرماة الفظيعة:‬ ‫وبينما كان الجيش ا لسلمي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على أهل مكة لم يكن أقل‬ ‫ٍ‬ ‫روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع‬ ‫تماما، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سببا في مقتل النبي، وقد تركت‬ ‫أسوأ أثر على سمعتهم، وعلى الهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر.‬ ‫وقد ذهب أغلب الرماة لجلب الغنائم، ولم يبق منهم إل عشرة رجال أو أقل يقودهم عبدا بن‬ ‫جبير فقد ذكرهم أوامر الرسول بالبقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا لكنهم لم يسمعوا كلمه.‬ ‫خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش السلمي:‬ ‫انتهز هذه الفرصة الذهبية، فكر بسرعة خاطفة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة‬ ‫الجيش السلمي، فم يلبث أن أباد عبدا بن جبير وأصحابه إل البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم‬ ‫انقض على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور‬ ‫الجديد فانقلبوا على المسلمين، وأسرعت امرأة منهم وهي عمرة بن علقمة الحارثية، فرفعت لواء‬ ‫المشركين فالتف حوله المشركون ولثوا به، واجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال، وأحيط‬ ‫المسلمون من المام والخلف ووقعوا بين شقى الرحى.‬ ‫موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:‬ ‫كان الرسول مع تسعة نفر من الصحابة، في مؤخرة المسلمين وكان يرقب مجالدة المسلمين‬ ‫ومطاردتهم المشركين، إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة كاملة، وقد تجلت عبقريته وشجاعته‬ ‫المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: " إلي عباد ا" ، وهو يعرف أن المشركين سوف‬ ‫يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطرا بنفسه في هذا الظرف‬ ‫الدقيق.‬ ‫تبدد المسلمين في الموقف:‬ ‫أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إل أنفسها، فقد‬ ‫أخذت طريق الفرار، وتركت ساحة القتال، وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها،‬ ‫وانطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل، ورجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، والتبس العسكران‬ ‫فلم يتميزا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.‬ ‫وكانت هناك طائفة ثالثة لم يكن يهمهم إل رسول ا فقد كرت هذه الطائفة إلى رسول ا‬ ‫وعمل التطويق في بدايته، وفي مقدمة هؤلء أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي‬ ‫طالب، وغيره م كانوا في مقدمة المقاتلين.‬ ‫احتدام القتال حول رسول ا:‬ ‫52‬