More Related Content More from kotob arabia (20) 3. ﺍﻟﺴﻴﺭﺓ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﻟﻠﻤﺅﻟﻑ
ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ: - ﺍﺴﺘﺸﺎﺭﻱ ﻁﺏ ﻁﺒﻴﻌﻲ ﻭﺘﺄﻫﻴل.
ﺍﻟﻭﻻﺩﺓ: - ﺍﻟﻘﺩﺱ/ ٧٥٩١.
ﺍﻟﻌﻨﻭﺍﻥ: - ﺍﻟﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺘﺨﺼﺼﻲ ﻟﻠﻤﻔﺎﺼل ﻭﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻲ.
ﺹ. ﺏ. )٨٩٨٠٣٨(، ﻋﻤﺎﻥ ٣٨١١١، ﺍﻷﺭﺩﻥ.
ﻫﺎﺘﻑ : )٣٣١٣٤٦٤(/ )٠٠٩٦٤٦٤(.
ﺍﻟﺘﺤﺼﻴل ﺍﻷﻜﺎﺩﻴﻤﻲ: -ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻻﺨﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺏ
ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻟﺘﺄﻫﻴل )ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻁﺏ - ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻤﻭﻨﺘﺒﻠﻴﻴـﻪ
- ﻓﺭﻨﺴﺎ(.
ﺍﻟﻤﺅﻟﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺸﻭﺭﺓ:
١- ﻜﺘﺎﺏ )ﻓﻥ ﺍﻻﺴﺘﺭﺨﺎﺀ( )ﺒﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ( )٦٨٩١(.
٢- ﺍﻀﻁﺭﺍﺒﺎﺕ ﻀﻐﻁ ﺍﻟﺩﻡ ﺒﺎﻟﺸﻠل ﺍﻟﻨﺼﻔﻲ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ )ﺒﺎﻟﻠﻐـﺔ
ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ( ٢٩٩١".
٣- ﺇﺤﺴﺎﺱ ﺍﻟﻘﺩﻡ ﻭﺍﻀﻁﺭﺍﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﻲ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﻤﺴﻨﻴﻥ )ﺒﺎﻟﻠﻐـﺔ
ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ( )٢٩٩١(.
٤- ﻜﺘﺎﺏ )ﺍﻟﺭﻴﺎﻀﺔ ﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺩﺍﺀ ﻭﺍﻟﺸﻔﺎﺀ( )ﺒﺎﻟﻠﻐـﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴـﺔ(
)٦٩٩١(.
-٣-
4. ﺍﻹﻫﺩﺍﺀ
ﺇﻟﻰ ﻜل ﻤﻥ ﻀﺤﻰ ﻓﻲ ﺴﺒﻴل ﺇﻋﻼﺀ ﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﻕ ﻭﺇﺯﻫﺎﻕ
ﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺒﺎﻁل ﻤﻬﺘﺩ ﺎ ﺒﻨﻭﺭ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ...
ﻴ
ﺇﻟﻴﻬﻡ ﺃﻫﺩﻱ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ
-٤-
5. ﺸﻜﺭ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭ
ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫﻴﻥ ﺍﻟﻔﺎﻀﻠﻴﻥ:
ﺨﻠﻴل ﺤﻤﻴﺽ ﻭﺨﺎﻟﺩ ﺍﻟﻘﻁﺎﺒﺭﻱ
ﻟﻤﺎ ﺒﺫﻻﻩ ﻤﻥ ﺠﻬﺩ ﻜﺒﻴﺭ ﻓﻲ ﻤﺭﺍﺠﻌﺔ ﺍﻟﺠﻭﺍﻨﺏ ﺍﻟﺸﺭﻋﻴﺔ
ﻭﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ، ﻭﺠﺯﺍﻫﻤﺎ ﺍﷲ ﻋﻨﺎ ﻜل ﺨﻴﺭ.
-٥-
7. ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ............................... - ٥٢١ -
ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﺴﺎﺒﻊ : ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ ...................................... - ٧٣١ -
ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻷﻭل : ﺍﻟﺭﻤﺯﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻭﻴﺔ .... - ٤٥١ -
ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ : ﺍﻟﺭﻤﺯﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺎﺌﺭ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ................... - ٣٨١ -
ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ : ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺜﻭﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ............................ - ٠٣٢ -
ﺍﻟﺨﺎﺘﻤﺔ ..................................................................... - ١٥٢ -
ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ............................................................ - ٣٥٢ -
-٧-
8.
ﺍﻟﺤﻤﺩ ﷲ ﺤﻤ ﺍ ﻜﺜﻴ ﺍ، ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﻥ ﻻ ﻨﺒـﻲ
ﻤ ﺩ ﺭ
ﺒﻌﺩﻩ، ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺼﺤﺒﻪ ﻭﻤﻥ ﺘﺒﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻴﻭﻡ ﺍﻟﺩﻴﻥ، ﻭﺒﻌﺩ،
ﺇﻥ ﻟﻌﻨﻭﺍﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻤﻌﻨﻴﻴﻥ ﻤﺘﻜﺎﻤﻠﻴﻥ ﻭﻤﻨﺴﺠﻤﻴﻥ، ﻓـﺎﻟﺘﻭﺍﺯﻥ
ﻓﻲ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻴﻭﺤﻲ ﻟﻠﻭﻫﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺒﺄﻨﻪ ﻤﻌﻨـﻲ ﺒﺎﻟﺒﺤـﺙ ﻓـﻲ
ﻤﻅﺎﻫﺭ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺸﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ، ﻭﺍﻟﺘـﻲ
ﻴﺩﺨل ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺘﻔﺎﺼﻴل ﻓﺭﻭﻋﻬﺎ ﻨﻭ ﺎ ﻭﻤﻌﻨﻰ، ﺃﻤـﺎ ﺍﻟ ﻌـﺩ
ﺒ ﻋ
ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ، ﻓﻬﻭ ﺍﻹﻴﺤﺎﺀ ﺒﺄﻥ ﺘـﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻔـﺭﺩ ﺍﻟﻌﺎﻗـل ﻻ ﻴﺘﺤﻘـﻕ
ﻭﻻ ﻴﻜﺘﻤل ﺇﻻ ﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻤﺎﺭ ـﺎ ﻟﻠﺸـﻌﺎﺌﺭ ﺍﻹﺴـﻼﻤﻴﺔ
ﺴ
ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤﺩﻓﻭ ﺎ ﺒﺎﻹﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺹ، ﻭﺒـﺫﻟﻙ ﻴﻜـﻭﻥ
ﻋ
ﻤﻤﺎﺭ ﺎ ﻟﻠﺸﻌﺎﺌﺭ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤﺩﻓﻭ ﺎ ﺒﺎﻹﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ
ﻋ ﺴ
ﺍﻟﺨﺎﻟﺹ، ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺘﺎ ـﺎ ﻓـﻲ ﺤﻴـﺎﺓ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ،
ﻤ
ﺃﻭ ﻴﺼﻴﺭ ﻨﺎﻗ ﺎ ﺇﺫﺍ ﻟﻡ ﻴﺘﺒﻊ ﺍﻹﺴﻼﻡ.
ِ ﺼ
ﻟﻘﺩ ﻜﺎﻥ ﻅﻬﻭﺭ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﻤﻥ ﺍﻷﺤﺩﺍﺙ ﺍﻟﻔﺭﻴﺩﺓ ﻓـﻲ
ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ، ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺁﺜﺎﺭﻩ ﻭﺍﻨﻌﻜﺎﺴﺎﺘﻪ ﻤﻭﻀﻭ ﺎ ﻟﺩﺭﺍﺴـﺎﺕ
ٍ ﻋ
ﻜﺜﻴﺭﺓ ﻭﻤﺘﻨﻭﻋﺔ ﻤﻥ ِﺒل ﺒﺤﺎﺜﺔ ﻴﻨﺘﻤـﻭﻥ ﻟﻤﺨﺘﻠـﻑ ﺍﻷﺠﻨـﺎﺱ
ﻗ ٍ ٍ
ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺌﺩ، ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻭﻥ ﻫﻡ ﺃﻜﺜﺭ ﺍﻟﻨـﺎﺱ
-٨-
9. ﺍﻫﺘﻤﺎ ﺎ ﺒﺩﻴﻨﻬﻡ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺴﺘﻪ ﻭﺘﻘﻭﻴﻤﻪ، ﻭﺍﻷﻫﻡ ﻤـﻥ ﺫﻟـﻙ ﻓـﻲ
ﻤ
ﺍﻻﺠﺘﻬﺎﺩ ﺒﺘﻔﺴﻴﺭ ﺘﻔﺎﺼﻴﻠﻪ. ﻟﺫﺍ ﻗﺎﻤﺕ ﺃﺒﺤـﺎﺙ ﻜﺜﻴـ ،ﻗﺩﻴﻤـﺔ
ﹲ ﺭ ﹲ
ﻭﺠﺩﻴﺩ ﹲ، ﺒﺫﻜﺭ ﺘﻔﺎﺼﻴل ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴـﺔ ﻓﻭﺍﺌـﺩﻫﺎ
ﺓ
ﺍﻟﻤﺤﺴﻭﺴﺔ ﻭﺃﺒﻌﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻭﻤﻌﺎﻨﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺌﻨـﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺭﻴـﺔ،
ﻭﻟﻜﻥ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﺘﺭﻜﻴﺯ ﺍﻟﻀﻭﺀ ﻜﺜﻴ ﺍ ـ ﺤﺴﺏ ﻋﻠﻤﻲ ـ ﻋﻠـﻰ
ﺭ
ﺍﻟﺼﻠﺔ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺔ ﺍﻟﺴﺎﻤﻴﺔ ﺒﻜل ﻤﻌﺎﻨﻴﻬـﺎ ﻤـﻊ ﻓﻜـﺭﺓ
ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻨﻭﻋﻴﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺭﻭﺤﻲ، ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟـﺫﻱ
ﻴﺘﺨﻠل ﻜل ﺼﻐﻴﺭﺓ ﻭﻜﺒﻴﺭﺓ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺸﺎﻤﻼ ﺍﻟﻜﺎﺌﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ
ﹰ
ﻭﻏﻴﺭ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻫﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﺴﺎﺱ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﻭﺍﺴﺘﻤﺭﺍﺭ
ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻤﻨﺫ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﺨﻠﻕ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻴﻨﺘﻬﻲ ﺒﺈﺫﻥ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ، ﻭﻤـﻥ
ﺃﺠل ﻫﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﷲ ﺃﻥ ﺃﺤﺎﻭل ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻀﻭﺀ ﻋﻠﻰ
ﺠﻭﺍﻨﺏ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺘﻌﺩﺩﺓ ﺍﻷﺸﻜﺎل ﻓﻲ ﺩﻴﺎﻨﺔ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺍﻟﺴﺎﻤﻴﺔ.
ﻴﺘﻨﺎﻭل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﻥ ﻭﺠﻬﺎﺕ ﻨﻅﺭ ﺩﻴﻨﻴـﺔ
ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ ﻭﻓﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻭﻻ ﺸﻙ ﺃﻥ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻗﺩ ﺠﻤـﻊ ﺒﻴﻨﻬـﺎ ﻓـﻲ
ﻤﻨﻅﻭﻤﺔ ﻤﻨﺴﺠﻤﺔ ﻻ ﺘﻨﺎﻗﺽ ﺒﻴﻨﻬﺎ، ﺒﺤﻴﺙ ﻏﻁﻰ ﺠﻭﺍﻨﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻜﺎﻓﺔ، ﻜﻤﺎ ﺴﻨﺭﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺼﻴل ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺘـﻭﺍﺯﻥ
ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺍﻟﺸﺎﻤل ﻭﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻗـﺩ ﺘﺒـﺩﻭ ﻏﻴـﺭ
ﻭﺍﻀﺤﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﻫﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﻟﻜﻥ ﺇﺜﺒﺎﺘﻬﺎ ﻴﺒﺭﺯ ﺒﻼ ﺸﻙ ﻤـﺩﻯ
-٩-
10. ﺍﻟﻜﻤﺎل ﺍﻟﺫﻱ ﺍﺘﺼﻑ ﺒﻪ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ ﺤﺘﻰ ﺨﺘﻤﺕ ﺒﻪ ﻜـل
ﺍﻷﺩﻴﺎﻥ، ﻭﺼﺎﺭ ﻤﻌﻴ ﹰﺎ ﻻ ﻴﻨﻀﺏ ﻟﻌﻁـﺎﺀ ﻤﺴـﺘﻤﺭ ﻭﻤﺘﻨـﻭﻉ
ﻨ
ﻨﻜﺘﺸﻔﻪ ﻭﻟﻭ ﺒﻌﺩ ﺤﻴﻥ.
ﻨﺤﻥ ﻨﻌﻠﻡ ﺃﻥ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺩﻴﻥ ﺍﻟﻭﺴﻁﻴﺔ ﻓﻲ ﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺘﻌﺎﻟﻴﻤـﻪ،
ﻭﺍﻟﻭﺴﻁﻴﺔ ﹸﻌ ﻑ ﺒﺄﻨﻬﺎ: ﺍﺨﺘﻴﺎﺭ ﻤﺎ ﻴﺘﻭﺴﻁ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﻴﻥ ﻨﻘﻴﻀﻴﻥ،
ﺘﺭ
ﻭﻴﺅﻜﺩ ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﺍﻟﺤﻨﻴﻑ ﺤﺙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺴﻁﻴﺔ ﻓﻲ
ﹼ
ﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻷﻤﻭﺭ، ﺤﻴﺙ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻜﺫ ِ ﺠﻌﻠ ﹶﺎﻜﻡ ﺃﻤﺔ
ﻭ ﹶ ﹶﻟﻙ ﹾﻨ ﹸ ُ ﹰ
ﻭﺴ ﹰﺎ ﻟﺘ ﹸﻭ ﹸﻭﺍ ﺸﻬ ﺍﺀ ﻋ ﹶﻰ ﺍﻟ ﱠﺎﺱ ﻭﻴ ﹸﻭﻥ ﺍﻟﺭ ـﻭل ﻋ ﹶـﻴﻜﻡ
ﻁ ﱢ ﹶﻜ ﻨ ﹸ ﺩ ﻠ ﻨ ِ ﻜ ﺴ ُ ﻠ ﹸ
ﺸ ِﻴ ﺍ .ﻭﺫﻟﻙ ﻴﺅﻴﺩ ﺍﻟﻘﻭل ﺍﻟﻤﺄﺜﻭﺭ: "ﺨﻴﺭ ﺍﻷﻤﻭﺭ ﺃﻭﺴـﻁﻬﺎ"،
ﹶﻬ ﺩ
ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻭﺴﻁﻴﺔ ﻤﺠﺎل ﺒﺤﺙ ﻓﻲ ﻤﺅﻟﻔﺎﺕ ﺃﺨـﺭﻯ ﻋﺩﻴـﺩﺓ.
ٍ
ﻭﻟﻜﻥ ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻴﺨﺘﻠﻑ ﻋﻥ ﺍﻟﻭﺴﻁﻴﺔ ﻓـﻲ ﻤﻔﻬﻭﻤﻬـﺎ
ﺍﺨﺘﻼ ﹰﺎ ﻜﺒﻴ ﺍ، ﻓﻬﻭ ﻌ ﻑ ﺒﺄ ﹼـﻪ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺘﻜـﺎﻓﺅ
ﻨ ﻴﺭ ﺭ ﻓ
ﺍﻟﻨﻘﻴﻀﻴﻥ ﺒﺤﻴﺙ ﻻ ﻴﺘﻐﻠﺏ ﺃﺤﺩﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺨﺭ ﻓﻴﻁﻐﻰ ﻋﻠﻴـﻪ،
ﻭﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺃﻴ ﺎ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﺩل ﺒﺤﻴـﺙ ﻻ ﻴﻤﻴـل
ﻀ
ﺍﻟﻤﻴﺯﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺠﺎﻨﺏ ﺃﺤـﺩ ﺍﻟﻜﻔﺘـﻴﻥ ﺩﻭﻥ ﺍﻷﺨـﺭﻯ، ﻭﺍﻟﻨﺒـﻲ
ﺍﻟﻤﺼﻁﻔﻰ ﻭﺘﺄﻜﻴ ﺍ ﻟﻔﻜﺭﺓ ﺤﻔﻅ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻗـﺎل:
ﺩ
"ﻟﻴﺱ ﺨﻴﺭﻜﻡ ﻤﻥ ﺘﺭﻙ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻟﻶﺨﺭﺓ ﻭﻻ ﺍﻵﺨﺭﺓ ﻟﻠﺩﻨﻴﺎ، ﻭﻟﻜﻥ
ﺨﻴﺭﻜﻡ ﻤﻥ ﺃﺨﺫ ﻤﻥ ﻫﺫﻩ ﻭﻫﺫﻩ"، ﻭﻤﻥ ﻤﻌﺠﺯﺍﺕ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ
- ٠١ -
11. ﺤﻴﻥ ﺘﻁﺭﻕ ﺇﻟﻰ ﺫﻜﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺍﻵﺨﺭﺓ، ﻨﻼﺤﻅ ﻜﻴـﻑ ﺃﻥ
ﺘﻜﺭﺍﺭ ﻜﻠﻤﺔ )ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ( ﻴﺘﺴﺎﻭﻯ ﺒﺎﻟﻀﺒﻁ ﻤﻊ ﻜﻠﻤﺔ )ﺍﻵﺨﺭﺓ(، ﻭﻫﻭ
)٨٠١( ﻤﺭﺍﺕ ﻟﻜل ﻤﻨﻬﻤﺎ، ﻭﻫﺫﺍ ﻴﺅﻜﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟـﺫﻱ ﻗﺼـﺩﻩ
ﺍﻟﺭﺴﻭل ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺤﻔﻅ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻟﻘﺩ ﺒ ﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﺍﻀﻴﻊ ﺍﻟﻤﻁﺭﻭﺤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻤـﺩﻯ ﺍﻻﺸـﺘﺭﺍﻙ
ﻴ
ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺠﺎﻨﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺩﺍﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻼﻗـﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤـﺎ
ﺒﺎﺭﺘﺒﺎﻁﻬﻤﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﺃﻭ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﺒﺘﻌـﺎﻟﻴﻡ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨـﺔ
ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺍﻟﺴﻤﺤﺔ، ﺜﻡ ﺘﻌﻤﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﻓﺼﻭل ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜـﺎﻨﻲ ﻓـﻲ
ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﺒﺤﺜﻨﺎ ﻓﻲ ﻓﺼﻭل ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ
ﺘﻠﻴﻬﺎ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﺍﻟﺭﻤﺯﻱ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻴـﺔ ﺃﺒﺭﺯﻨـﺎ
ﻤﻼﻤﺢ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻭﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ، ﻭﻻ ﺸﻙ ﺃﻨﻬﻤـﺎ ﺍﻟﻨﻬﺎﻴـﺔ
ﻭﺍﻟﻔﺼل ﺍﻷﺨﻴﺭ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺓ ﻜل ﺇﻨﺴﺎﻥ، ﻭﻟﻴﻌﺫﺭﻨﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻟﻌـﺩﻡ
ﺍﻟﺘﻔﺼﻴل ﻜﺜﻴ ﺍ ﻓﻲ ﻜل ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺘﻡ ﺒﺤﺜﻪ، ﻷﻥ ﻫﺩﻑ ﺍﻟﻜﺘـﺎﺏ
ﺭ
ﺃﺴﺎ ﺎ ﻫﻭ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻀﻭﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺼﻭﺭﺓ ﻭﻤﻀﺎﺕ، ﻓﺘﻭﻀـﺢ
ﺴ
ﻓﻲ ﻤﺠﻤﻠﻬﺎ ﺸﻤﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﺴﻼﻡ. ﻭﻗـﺩ ﻜـﺎﻥ ﻤﻨـﻲ
ﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻻﺠﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺘﻔﺴﻴﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤـﺔ ﻤـﻥ ﺒﻌـﺽ ﺍﻷﻓﻜـﺎﺭ
ﻭﺍﻟﺸﻌﺎﺌﺭ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻤﻥ ﻤﻨﻅﻭﺭ ﻋﺼﺭﻨﺎ ﻫﺫﺍ، ﺭﺍﺠ ﺎ ﺃﻥ ﻴﺘﻘﺒﻠﻪ
ﻴ
ﺍﷲ ﻤﻨﻲ ﺇﻥ ﺃﺼﺒﺕ ﻭﺃﻥ ﻴﻐﻔﺭ ﻟﻲ ﺇﻥ ﺃﺨﻁﺄﺕ. ﻭﺒﺫﻟﻙ ﺴﻴﺘﻀﺢ
- ١١ -
12. ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻜﻴﻑ ﻜﺎﻨﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺔ ﺃﻫـﻼ ﻷﻥ ﺘﺼـﻴﺭ ﺁﺨـ ﺍ
ﺭ ﹰ
ﻟﻠﻤﻁﺎﻑ، ﻭﺍﻟﺨﺘﺎﻡ ﺍﻟﻌﻁﺭ ﻟﻸﺩﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﺒﻘﺘﻬﺎ، ﻓﺘﻠـﻙ
ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺎﺕ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ ﻗﺩ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﺘﻨﺎﺴﺒﺔ ﻤﻊ ﻋﺼﺭ ﻅﻬﻭﺭﻫﺎ، ﻭﻟﻜـﻥ
ﻟﻴﺱ ﻤﻊ ﻜل ﺍﻟﻌﺼﻭﺭ، ﻤﺜﻠﻤﺎ ﻫﻭ ﺤﺎل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴل.
- ٢١ -
15. ﺇﻥ ﷲ ﺠل ﻭﻋﻼ ﺃﺴﻤﺎﺀ ﻭﺼﻔﺎﺕ ﺘﺘﻤﻴﺯ ﺒﺘﻭﺍﺯﻨﻬﺎ ﻭﺘﻘﺎﺒﻠﻬـﺎ
ّ
ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻨﻴﻬﺎ، ﻓﻤﻥ ﺃﺴﻤﺎﺀ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﻌﻨـﻲ
)ﺍﻟﺠﻤﺎل( ﻤﺜل: ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ/ ﺍﻟﺭﺤﻴﻡ/ ﺍﻟﻭﺩﻭﺩ/ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ، ﻓﺘﺒﻌﺙ ﻓـﻲ
ﺍﻟﻨﻔﺱ ﺍﻟﻁﻤﺄﻨﻴﻨﺔ، ﻭﺃﺴﻤﺎﺀ ﺃﺨﺭﻯ ﺘﻌﻨﻲ )ﺍﻟﺠﻼل( ﻤﺜل: ﺍﻟﻤﺘﻜﺒﺭ/
ﺍﻟﻌﺯﻴﺯ/ ﺍﻟﻤﻠﻙ، ﻭﺃﺨﺭﻯ ﺘﺒﻌﺙ ﻓﻲ ﺍﻟـﻨﻔﺱ )ﺍﻟﺭﻫﺒـﺔ( ﻤﺜـل:
ﺍﻟﻘﻭﻱ/ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ/ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ.
ﻻﺤﻅ ﺃﺴﻤﺎﺀ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻭﻜﻴﻔﻴﺔ ﺘﻘﺎﺒﻠﻬﺎ، ﻤﻤـﺎ
ﻴﻭﻀﺢ ﻜﻴﻑ ﺃﻥ ﺍﷲ ﺠل ﺠﻼﻟﻪ ﻤﻬﻴﻤﻥ ﻋﻠﻰ ﻜل ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻤﻬﻤﺎ
ّ
ﺘﻌﺩﺩﺕ، ﻭﻤﻤﺎ ﻴﺒ ﻥ ﺍﻟﺘﻤﺎﻴﺯ ﺍﻟﻭﺍﻀﺢ ﻭﺍﻟﺘـﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻌﻅـﻴﻡ ﻓـﻲ
ﻴ
ﻤﻌﺎﻨﻲ ﻜل ﺼﻔﺔ ﻓﻴﻬﺎ:
ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ
ﺍﻟﺒﺎﺴﻁ ﺍﻟﻘﺎﺒﺽ
- ٥١ -
16. ﺍﻟﺭﺍﻓﻊ ﺍﻟﺨﺎﻓﺽ
ﺍﻟﻤﺫل ﺍﻟﻤﻌﺯ
ﺍﻟﻤﻌﻴﺩ ﺍﻟﻤﺒﺩﺉ
ﺍﻟﻤﻤﻴﺕ ﺍﻟﻤﺤﻴﻲ
ﺍﻵﺨﺭ ﺍﻷﻭل
ﺍﻟﺒﺎﻁﻥ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭ
ﺍﻟﻌﻔﻭ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻡ
ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﻀﺎﺭ
ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻭﻀ ﺎ ﺎ ﺍﻟﻘ ـﺭ ﺇ ﹶﺍ ﺘﻼ ـﺎ
ﻭ ﱠ ِ ﺤ ﻫ ﻭ ﹾ ﹶﻤ ِ ِﺫ ﹶ ﹶﻫ
ﺍﻟﻨ ﺎﺭ ﺇ ﹶﺍ ﺠﻼ ﺎ ﺍﻟﻠﻴل ﺇ ﹶﺍ ﻴﻐ ﹶﺎ ﺎ ] ﺍﻟﺸـﻤﺱ: ١ــ٤[،
ﻭ ﱠﻬ ِ ِﺫ ﱠﻫ ﻭ ﱠ ِ ِ ﺫ ﹾﺸ ﻫ
ﻓﻴﻘﺴﻡ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﺒﻅﻭﺍﻫﺭ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ، ﻓﺎﻟﺸﻤﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴـﻤﺎﺀ
ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻴﻘﺎﺒﻠﻬﺎ ﺍﻟﻘﻤﺭ، ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻴﺘﻌﺎﺩل ﺒﺎﻟﻠﻴـل، ﻭﻻ ﺠﺎﻨـﺏ ﻓـﻴﻬﻡ
ﻴﻁﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺨﺭ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻥ، ﻭﺴﺘﻅل ﺍﻷﻤـﻭﺭ
ﻜﺫﻟﻙ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻜﻤﺎ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﻟﻀ ﻰ ﺍﻟﻠﻴل
ﻭ ﺤ ﻭ ﱠ ِ
ﺇ ﹶﺍ ﺴ ﻰ] ﺍﻟﻀﺤﻰ: ١ـ ٢[، ﻓﺄﻗﺴﻡ ﺘﻌـﺎﻟﻰ ﺒﺒﺩﺍﻴـﺔ ﺍﻟﻨﻬـﺎﺭ
ِﺫ ﺠ
)ﺍﻟﻀﺤﻰ( ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﺎﺒل ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﻠﻴل ﻭﻴﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﻌﻪ، ﻭﻫﻤـﺎ ﻤـﻥ
ﻤﻅﺎﻫﺭ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺘﻜﺭﺭﺓ.
- ٦١ -
17. ﻗﺎل ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺎﻟﻡ ﺍﻟﻐﻴ ِ ﺍﻟ ﱠـ ﺎﺩﺓ] ﺍﻟﺭﻋﺩ: ٩[، ﻓﻬـﺫﻩ
ﻋ ِ ﹾ ﹶ ﺏ ﻭ ﺸ ﻬ ِ
ﺍﻵﻴﺔ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﺭﻤﺯ ﻟﻠﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﻋﻠﻤﻴﻥ ﻻ ﻴﺤﻴﻁ ﺒﻬﻤﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﺤﻕ
ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻫﻤﺎ ﻋﻠﻡ ﺍﻟﻐﻴﺏ ﺃﻱ ﻤﺎ ﻴﻐﻴﺏ ﻋ ﹼﺎ ﻤﻥ ﺤﻘﺎﺌﻕ
ﻨ
ﺍﻷﻤﻭﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻨﺭﺍﻫﺎ ﻭﺍﻷﺤﺩﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﺘﺼﻴﺭ ﻤﺴﺘﻘﺒ ﹰ، ﻭﻜﺫﻟﻙ
ﻼ
ﻋﻠﻡ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺃﻱ ﻤﺎ ﺸﺎﻫﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭ ﻭﺍﻟﺒﺎﻁﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴـﻭﺍﺀ،
ﻴ
ﻭﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻻ ﻴﺭﻯ ﺇﻻ ﻅﻭﺍﻫﺭ ﺍﻷﻤﻭﺭ ﺜﻡ ﻴﻜﺘﺸﻑ ﻨﻘﺹ ﻋﻠﻤـﻪ
ﻓﻴﻬﺎ ﺒﻌﺩ ﺤﻴﻥ، ﻭﺍﻟﻐﻴﺏ ﻫﻭ ﻜل ﻤﺎ ﻻ ﻨﻌﺭﻓـﻪ ﻤﺜـل ﺘﻔﺴـﻴﺭ
ﺃﻭ ﺘﺤﻠﻴل ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻨﺭﺍﻫﺎ ﺃﻭ ﻨﻠﻤﺴﻬﺎ، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻨﺒـﺅ ﺒﻤـﺎ
ﺴﻴﺼﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ﻤﻥ ﺃﺤﺩﺍﺙ، ﺃﻤﺎ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻓﻬـﻲ ﻋﻜـﺱ
ﺫﻟﻙ، ﺃﻱ ﻤﺎ ﻨﺸﻬﺩﻩ ﺒﺄﻨﻔﺴﻨﺎ ﺃﻭ ﺸﻬﺩﻩ ﻤﻥ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﺒﺎﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺇﺤـﺩﻯ
ﺍﻟﺤﻭﺍﺱ ﺍﻟﺨﻤﺱ ﺃﻭ ﺃﻜﺜﺭ. ﻭﻗﺩ ﺘﻘﺩﻤﺕ ﻜﻠﻤـﺔ ﺍﻟﻐﻴـﺏ ﻋﻠـﻰ
ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺭﻤ ﺍ ﻟﺼﻌﻭﺒﺔ ﻤﻌﺭﻓﺘﻪ ﻤﻘﺎﺭﻨﺔ ﺒﻤﺎ ﻨﺸﺎﻫﺩﻩ، ﻭﺍﷲ ﻴﻌﻠﻡ
ﺯ
ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺒﻌﻠﻡ ﺃﻋﻤﻕ ﻤﻥ ﻋﻠﻤﻨﺎ، ﻷﻨﻨﺎ ﻻ ﻨﺘﺄﻜﺩ ﻤﻥ ﻜﻨﻪ ﻤﺎ ﻨـﺭﺍﻩ
ٍ ٍ
ﻭﻨﻅل ﻨﻜﺘﺸﻑ ﺃﻥ ﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺘﻨﺎ ﻨﺎﻗﺼﺔ ﺃﻭ ﻤﻐﻠﻭﻁﺔ ﻜﻠﻤﺎ ﺘﻘﺩﻡ ﺒﻨـﺎ
ﺍﻟﻌﻠﻡ ﻭﺍﻟﺯﻤﻥ.
ﻴﻘﻭل ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻐﺯﺍﻟﻲ ﺸـﺎﺭ ﺎ ﺒﻌـﺽ ﺼـﻔﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻴـﺩﺓ
ﺤ
ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ )ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺩﺭ ﻋﻘﻴﺩﺓ ﺘﻘﺭ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﻤﺎ ﻴﺠﺏ ﷲ
ﻭﻤﺎ ﻴﺠﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻗﺩ ﻴﻁﻐﻰ ﻭﻴﻨﺴـﻰ، ﻭﻓـﻲ
- ٧١ -
18. ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﺁﻴﺎﺕ ﻴﻔﻴﺩ ﻅﺎﻫﺭﻫﺎ ﺍﻟﺠﺒﺭ ﻭﺃﺨﺭﻯ ﻴﻔﻴﺩ ﻅﺎﻫﺭﻫﺎ
ﺍﻻﺨﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻻ ﺘﻨﺎﻗﺽ ﺒﻴﻥ ﻫﺫﻩ ﻭﺘﻠﻙ، ﻓﻠﻜل ﻤﻨﻬﻤﺎ ﻤﺠﺎل ﺘﻌﻤل
ﻓﻴﻪ(.
ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺇﻥ ﻁﺵ ﺭﺒﻙ ﻟﺸ ِﻴﺩ * ﺇ ﱠﻪ ﻫﻭ ﻴﺒـﺩﺉ
ِ ﺒ ﹾ ﹶ ﹶ ﹶﺩ ِ ﻨ ُ ِ
ﻭﻴ ِﻴﺩ * ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻐ ﹸﻭﺭ ﺍﻟﻭ ﻭﺩ] ﺍﻟﺒﺭﻭﺝ: ٢١ ـ ٤١[، ﻓﺸـﺩﺓ
ﻌ ﹾ ﹶﻔ ﹾ ﺩ
ﺍﻟﺒﻁﺵ ﻓﻲ ﺼﻔﺎﺕ ﺍﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﺘﺘـﻭﺍﺯﻥ ﻤـﻊ ﻜﺜـﺭﺓ
ﺍﻟﻐﻔﺭﺍﻥ ﻭﺍﻟﻭﺩ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻤﻨﺤﻪ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ، ﻓﻜل ﺤﺴﺏ ﻋﻤﻠﻪ، ﻭﺃﻴ ـﺎ
ﻀ ﱞ
ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺇﻥ ﺭﺒﻙ ﻟ ﹸﻭ ﻤﻐﻔﺭﺓ ﱢﻠ ﱠﺎﺱ ﻋ ﹶـﻰ ﻅﻠﻤ ِـﻡ
ﹸ ﹾ ِﻬ ِ ﹶﺫ ﹾ ِ ٍ ﻟ ﻨ ِ ﻠ
ﻭﺇﻥ ﺭﺒﻙ ﻟﺸ ِﻴﺩ ﺍﻟﻌ ﹶﺎﺏ] ﺍﻟﺭﻋﺩ: ٦[، ﻭﺃﻴ ﺎ ﻗﺎل ﺠـل ِـﻥ
ّﻤ ﻀ ِ ﹶ ﹶﺩ ﹾ ِ ﻘ ِ
ﻗﺎﺌل: ﻨﺒﺊ ﻋ ﺎ ِﻱ ﺃ ﱢﻲ ﺃ ﹶﺎ ﺍﻟﻐ ﹸﻭﺭ ﺍﻟﺭ ِﻴﻡ * ﻭﺃﻥ ﻋ ﹶﺍ ِﻲ ﻫﻭ
ﹶ ِ ْ ﺒ ﺩ َﻨ َﻨ ﹾ ﹶﻔ ﺤ َ ﺫ ﺒ
ﺍﻟﻌ ﹶﺍﺏ ﺍﻷ ِﻴﻡ] ﺍﻟﺤﺠﺭ: ٩٤ ـ ٠٥[، ﻓﺎﻟﻤﻐﻔﺭﺓ ﺍﻟﺸﺎﻤﻠﺔ ﺘﺘﻭﺍﺯﻥ
ﹾ ﺫ َ ﻟ
ﻤﻊ ﺸﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺤﺴﺏ ﻤﺎ ﻴﺴﺘﺤﻕ ﺍﻟﻤﺭﺀ ﻭﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻨﻭﻉ ﺃﻋﻤﺎﻟـﻪ
ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺤﺠﻤﻬﺎ.
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻠﻐﻭﻱ ﺒﺎﻟﻘﺭﺁﻥ ﻴﻘﻭل ﺍﻟﺭﺍﻓﻌﻲ: )ﺇﻥ ﺍﻟﻘـﺭﺁﻥ
ﻋﻨﺩ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﻜﺎﻥ ﻋﻠﻡ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ، ﺜﻡ ﺘﻁﻭﺭ ﻤﻊ ﺍﻟﺯﻤﻥ ﺇﻟﻰ ﺒﻼﻏﺔ
ﺍﻟﻌﻠﻡ، ﻭﻻ ﻗﺭﺁﻥ ﺒﺫﻟﻙ ﻴﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻻﺜﻨﻴﻥ ﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﻋﻅﻴﻡ(.
ﻜﻤﺎ ﻴﺸﺭﺡ ﺍﻟﺭﺍﻓﻌﻲ ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻠﻔـﻅ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨـﻰ ﻓـﻲ
ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻗﺎﺌﻼ: )ﻭﻤﻥ ﺃﻋﺠﺏ ﻤﺎ ﺭﺃﻴﻨﺎﻩ ﺃﻨـﻙ ﺘـﺭﻯ ﺃﻥ
ﹰ
- ٨١ -
19. ﺍﻟﻠﻔﻅ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﻴﻨﻘﺎﺩ ﻟﻤﻌﺎﻨﻴﻪ ﺜﻡ ﺘﺘﻐﻠﻐل ﻓﻴﻪ ﻓﻴﻨﺘﻬﻲ ﺫﻟﻙ ﺇﻟﻰ
ﺃﻥ ﻤﻌﺎﻨﻴﻪ ﻤﻨﻘﺎﺩﺓ ﻷﻟﻔﺎﻅﻪ، ﺜﻡ ﺘﺤﺴﺏ ﺍﻟﻌﻜﺱ ﻭﺘﺜﺒﺘﻪ ﻓﺘﺼـﻴﺭ
ﻤﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻜﺱ ﻤﺎ ﺤﺴﺒﺕ، ﻭﻤﺎ ﺘﺯﺍل ﻤﺘﺭﺩ ﺍ ﺒﻴﻨﻬﻤـﺎ ﺤﺘـﻰ
ﺩ
ﺘﺭﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﷲ ﺍﻟﺫﻱ ﺨﻠﻕ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﻓﻁﺭﺓ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺜﻡ ﺃﺨﺭﺝ ﻤﻥ
ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻤﺎ ﺃﻋﺠﺯ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻔﻁﺭﺓ(.
ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻤﻼﻤﺢ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻔﻜﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻭﺍﻟﺴـﻨﺔ
ﺍﻟﻨﺒﻭﻴﺔ ﺠﻠﻴﺔ ﻟﻠﻌﻴﺎﻥ، ﺤﻴﺙ ﻴﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﺩﻉ ﺇ ﹶﻰ ـ ِﻴل
ِ ﻟ ﺴ ﺒ ِ
ﺭﺒﻙ ِﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟ ﻭ ِﻅ ِ ﺍﻟ ﻨ ِ ﻭ ﺎﺩﻟﻬﻡ ِﺎﻟ ِﻲ ﻫﻲ ﺃﺤﺴﻥ
ﺒ ﹾ ِ ﹾ ِ ﻭ ﹾﻤ ﻋ ﹶﺔ ﹾﺤﺴ ﹶﺔ ﺠ ِ ﹾ ﺒ ﱠﺘ ِ َ
]ﺍﻟﻨﺤل: ٥٢١[، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﻋﻭﺓ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﺘﻭﺍﺯﻨـﺔ ﺒـﻴﻥ ﺤﻜﻤـﺔ
ﺍﻟﻤﻨﻁﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺩﺍل ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻟﺒﺭﻫﺎﻥ، ﻭﻴﺅﻜـﺩ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬـﻭﻡ
ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻭﻑ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﺍﺒﻥ ﺭﺸﺩ ﺤﻴﻥ ﺒﻴﻥ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ )ﻓﺼـل
ﺍﻟﻤﻘﺎل( ﻗﺎﺌﻼ: )ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻡ ﺼﻨﻔﺎﻥ ﻫﻤـﺎ ﺘﺼـﻭﺭ ﻭﺘﺼـﺩﻴﻕ،
ﹰ
ﻭﺍﻟﺘﺼﺩﻴﻕ ﺒﺎﻟﺒﺭﻫﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺩل ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻁﺎﺒـﺔ، ﺃﻤـﺎ ﺍﻟﺘﺼـﻭﺭ
ﻓﺒﺎﻟﺸﻲﺀ ﻨﻔﺴﻪ ﺃﻭ ﺒﻤﺜﺎل ﻟﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻴﺴﺘﻭﻭﻥ ﻓﻲ
ﻁﺒﺎﻋﻬﻡ ﻭﻜﺎﻥ ﻏﺎﻴﺔ ﺍﻟﺸﺭﻉ ﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺠﻤﻴ ـﺎ، ﻭﺠـﺏ ﺃﻥ
ﻌ
ﻴﺸﺘﻤل ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺠﻤﻴﻊ ﻁﺭﻕ ﺍﻟﺘﺼﻭﺭ ﻭﺍﻟﺘﺼﺩﻴﻕ، ﻭﺒـﺫﻟﻙ
ﻜﺎﻨﺕ ﻤﻌﺎﻨﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﻤﻭﺠﻬﺔ ﻟﻜﻲ ﺘﻘﻨﻊ ﻜﻼ ﺤﺴﺏ ﺼﻨﻔﻪ، ﻤﺜل
ﻤﻥ ﻴﺤﺏ ﺍﻟﺠﺩل )ﺍﻟﺠﺩﻟﻴﻭﻥ( ﻓﻴﺠﺎﺩﻟﻬﻡ ﺃﻭ ﻤﻥ ﻴﻔﻀل ﺍﻟﺒﺭﻫﺎﻥ
- ٩١ -
20. )ﺍﻟﺒﺭﻫﺎﻨﻴﻭﻥ( ﻓﻴﺤﺎﻭﺭﻫﻡ ﺒﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻁﻕ ﻭﺫﻟﻙ ﺒـﺈﺒﻼﻏﻬﻡ
ﺼﻭﺭﺓ ﺍﻷﻤﺭ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﺃﻭ ﺒﻀﺭﺏ ﺃﻤﺜﻠﺔ ﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﻟﻪ ﻟﺘﻘﺭﻴـﺏ
ﺍﻟﺼﻭﺭﺓ(.
ﻟﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻤﺘﻭﺍﺯ ﹰﺎ ﻓﻲ ﺃﺴـﻠﻭﺒﻪ ﻟﻴﺼـل ﺇﻟـﻰ
ﻨ
ﻤﺨﺘﻠﻑ ﻓﺌﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺘﻜﻠﻴﻑ، ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ﺩ. ﺍﻟﺠﻤﻴﻠـﻲ
)ﻭﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﻴﺅﺜﺭ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎل ﺍﻷﺨﺭﻭﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺠﻤـﺎل ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ
ﺍﻟﺩﻨﻴﻭﻴﺔ، ﻭﻫﻭ ﺤﻴﻥ ﻴﺭﻜﺯ ﻋﻠﻰ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎل ﺍﻷﺨﺭﻭﻱ ﻓﺈﻨـﻪ
ﻻ ﻴﻬﻤل ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻭﻻ ﻴﻐﻔﻠﻬﺎ ﻓﻔﻲ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻴﻘـﻭل ﻓـﻲ ﻭﺼـﻑ
ﺍﻵﺨﺭﺓ ﻭﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﻨﻌﻴﻡ:
ﺠ ﱠﺎﺕ ﺘﺠ ِﻱ ِﻥ ﺘﺤﺘ ﺎ ﺍﻷﻨﻬﺎﺭ] ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ: ٥٢[.
ﻨ ٍ ﹶ ﺭ ﻤ ﹶ ِ ﻬ ﹾ
ﻭﺭ ﻤﻘ ﻭ ﺍﺕ ِﻲ ﺍﻟﺨ ﺎﻡ] ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ: ٢٧[.
ﺤ ﹾ ﺼ ﺭ ﹲ ﻓ ﹾ ِﻴ ِ
ﹶﺎﺼ ﺍﺕ ﺍﻟﻁﺭﻑ ِﻴﻥ] ﺍﻟﺼﺎﻓﺎﺕ: ٨٤[
ﻗ ِﺭ ﹸ ﱠ ِ ﻋ
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ، ﻴﻘﻭل ﻓﻲ ﻭﺼﻑ ﻤﺘﺎﻉ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﻤﺎ ﻓﻴﻬـﺎ ﻤـﻥ
ﻨﻌﻤﺔ:
ﻻ ﹶﻨﺱ ﻨ ِﻴﺒﻙ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﻨ ﺎ] ﺍﻟﻘﺼﺹ: ٧٧[
ﻭ ﹶ ﺘ ﹶ ﺼ ِ ﹾﻴ
ﺇ ﱠﺎ ﺠﻌﻠ ﹶﺎ ﺎ ﻋ ﹶﻰ ﺍﻷﺭ ِ ِﻴﻨﺔ ﻟ ﺎ] ﺍﻟﻜﻬﻑ: ٧[.
ِﻨ ﹾ ﻨ ﻤ ﻠ َ ﺽ ﺯ ﹶ ﹰ ﱠ ﻬ
- ٠٢ -
21. ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻭﺍﻟﺤﺭﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺨـﺭﺓ
ﻴﺅﻜﺩﻩ ﻗﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺎ ﺃﻴ ﺎ ﺍﻟ ﱠﺎﺱ ﺇﻥ ﻭﻋﺩ ﺍﷲ ﺤﻕ ﹶـﻼ
ﻴ َ ﻬ ﻨ ِ ِ ﱞ ﻓ ﹶ
ﺘﻐ ﱠﻜﻡ ﺍﻟﺤ ﺎﺓ ﺍﻟﺩﻨ ﺎ] ﻓﺎﻁﺭ: ٥[. ﻭﻴﻘﺎﺒﻠﻪ ﻗﻭﻟﻪ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺁﻴـﺔ
ﹶ ﹸﺭﻨ ﹸ ﹾ ﻴ ﹸ ﹾﻴ
ﺃﺨﺭﻯ: ﻗل ﻤﻥ ﺤﺭﻡ ِﻴﻨﺔ ﺍﷲ ﺍﻟ ِﻲ ﺃﺨ ﻟﻌ ﺎﺩﻩ ﺍﻟﻁﻴ ﺎﺕ
ﹸ ْ ﺯ ﹶ ﹶ ِ ﱠﺘ َ ﹾﺭﺝ ِ ِﺒ ِ ِ ﻭ ﹾ ﱠ ﺒ ِ
ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺯﻕ] ﺍﻷﻋﺭﺍﻑ: ٤٢[.
ِِ
ﻻﺤﻅ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺭﺤﻤﺔ ﻭﺍﻟﺒﺄﺱ ﻓﻲ ﺼﻔﺎﺕ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ
ﺤﻴﻥ ﻴﻘﻭل: ﻓ ِﻥ ﻜﺫ ﻭﻙ ﻓ ﹸل ﺭﺒﻜﻡ ﹸﻭ ﺭﺤﻤﺔ ﺍﺴﻌﺔ ﻻ ﻴﺭ
ﹶﺈ ﹶ ﱠﺒ ﹶﻘ ﹸ ﺫ ٍ ﻭ ِ ٍ ﻭ ﹶ ﺩ
ﺒﺄﺴﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻘﻭﻡ ﺍﻟﻤﺠﺭ ِﻴﻥ] ﺍﻷﻨﻌﺎﻡ: ٧٤١[. ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ
ِ ْ ﹾ ﹶ ِ ﹾ ِ ﻤ
ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺘﻐﺭﻴﺏ ﻭﺍﻟﺘﺭﻫﻴﺏ ﻓﻲ ﻗﻭﻟـﻪ ﺘﻌـﺎﻟﻰ: ﺇﻨ ـﻡ ﹶـﺎ ﹸﻭﺍ
ِ ﱠﻬ ﻜ ﻨ
ﻴ ﺎﺭ ﻭﻥ ِﻲ ﺍﻟﺨﻴ ﺍﺕ ﻭﻴﺩ ﻭﻨ ﹶﺎ ﺭﻏ ﺎ ﻭﺭﻫ ﺎ ﻭ ﹶـﺎ ﹸﻭﺍ ﻟ ﹶـﺎ
ﺴ ِﻋ ﻓ ﹾ ﹶ ﺭ ِ ﻋ ﹶﻨ ﹶﺒ ﺒ ﻜ ﻨ ﹶﻨ
ﹶﺎﺸ ِﻴ ] ﺍﻷﻨﺒﻴﺎﺀ: ٠٩[.
ﺨ ِﻌ ﻥ
ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻻ ﺘﻔﺴ ﻭﺍ ِﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺒﻌﺩ ﺇﺼـﻼﺤ ﺎ
ﹶ ِﻬ ﻭ ﹶ ﹸ ﹾ ِﺩ ﻓ َ ِ ِ
ﺍﺩ ﻭﻩ ﺨﻭ ﹰﺎ ﻭﻁﻤ ﺎ] ﺍﻷﻋﺭﺍﻑ: ٦٥[، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻌﺒـﺩ
ﻭ ﻋ ﹶ ﻓ ﹶ ﻌ
ﺒﺭﺒﻪ ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﺘﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺭﻫﺒﺔ ﻤﻥ ﺍﻨﺘﻘـﺎﻡ ﺍﷲ ﺴـﺒﺤﺎﻨﻪ
ﺒﺴﺒﺏ ﻋﺼﻴﺎﻥ ﺃﻭﺍﻤﺭﻩ ﻭﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻁﻤﻊ ﻓﻲ ﻏﻔﺭﺍﻨـﻪ ﻭﻜﺭﻤـﻪ
ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩﻩ.
ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﻅﻬﺭ ﻤﻤﺎ ﺴﺒﻕ ﻤﻼﻤﺢ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ
ﺍﻟﺴﺎﻤﻴﺔ ﻭﺘﻌﺩﺩ ﺃﻭﺠﻬﻬﺎ ﺒﻤﺎ ﻴﻠﻴﻕ ﺒﻌﻅﻤﺘﻪ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ، ﻜﻤـﺎ
- ١٢ -
22. ﺴﺘﻅﻬﺭ ﻋﻼﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﺒﺎﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜـﺭﻴﻡ ﻭﺍﻟﺴـﻨﺔ
ﺍﻟﻨﺒﻭﻴﺔ ﺤﻴﻥ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻭل ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ، ﻓﻴﺘﺠﻠﻰ ﻏﻴﺽ
ﻤﻥ ﻓﻴﺽ ﺍﻟﺠﻭﺍﻨﺏ ﺍﻟﻌﻅﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺴﻼﻡ، ﻭﺘﺨـﺭﺝ ﻤﺘﺭﺍﺒﻁـﺔ
ﻭﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ ﺒﺭﻭﻋﺔ ﻨﻘﻑ ﻋﻨﺩﻫﺎ ﻤﺸﺩﻭﻫﻴﻥ ﻤﻥ ﺘﻜﺎﻤل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺩﻴﻥ
ﻭﺍﻨﺴﺠﺎﻤﻪ ﻤﻊ ﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺕ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻜـﺫﻟﻙ ﻤـﻊ ﺍﻟﻜـﻭﻥ
ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺒﻪ.
- ٢٢ -
24. ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻷﻤﺜـل ﻓـﻲ ﺍﻟـﻨﻔﺱ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﻻ ﻴﻜﺘﻤـل
ﺇﻻ ﺒﺎﻨﺩﻤﺎﺝ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺘﻁﺒﻴﻘﻲ ﻤﻊ ﺍﻟﺠﺎﻨـﺏ ﺍﻟﺭﻭﺤـﻲ
ﺍﻟﺭﻤﺯﻱ؛ ﺒﺤﻴﺙ ﻴﻨﺼﻬﺭﺍﻥ ﻤ ﺎ ﻓﻲ ﺒﻭﺘﻘﺔ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺘﻴﺔ،
ﻌ
ﻭﺒﻤﻌﻨﻰ ﺁﺨﺭ، ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺎﺤﻴﺔ ﺍﻟﺒﺩﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺔ
ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ
ﺍﻟﻴﻭﻤﻴﺔ ﻻ ﻴﻜﺘﻤل ﺇﻻ ﺒﺤﺼﻭﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ، ﻭﻫـﻭ
ﺫﻟﻙ ﺍﻻﻨﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﺫﻫﻨﻲ ﻭﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺩﺓ ﺃﺴﺎ ﺎ ﻋﻠﻰ
ﺴ
ﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺸﻌﺎﺌﺭ ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘـﺩﻋﻡ ﺍﻻﺘﺼـﺎل
ﺒﺎﻟﺨﺎﻟﻕ ﺠل ﻭﻋﻼ، ﻓﺎﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﻴﻨﻡ ﻋﻥ ﺤﺎﺠـﺔ ﺍﻟﻔـﺭﺩ
ّ
ﺍﻟﺩﺍﺌﻤﺔ ﻟﻼﺭﺘﺒﺎﻁ ﺒﻪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻭﺍﺼل ﻤﻊ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ.
ﺇﻥ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼـﻭﺭ ﺍﻹﺴـﻼﻤﻲ ﻜﻤـﺎ ﻴﻘـﻭل
ﺩ. ﻋﻘﻠﺔ )ﻫﻲ ﻤﻜﻭﻨـﺔ ﻤـﻥ ﻋﻨﺼـﺭﻴﻥ: ﺍﻟﻌﻨﺼـﺭ ﺍﻟﻤـﺎﺩﻱ
ﻭﺍﻟﺭﻭﺤﻲ. ﺃﻤﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻬﻭ ﺫﻭ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﻁﻴﻨﻴﺔ ﺇ ﱠﺎ ﺨﻠﻘ ﹶﺎ ﻡ ﻥ
ِﻨ ﹶ ﹶ ﹾﻨ ﻫ ﻤ
- ٤٢ -
25. ِﻴﻥ ﻻﺯﺏ] ﺍﻟﺼﺎﻓﺎﺕ: ١١[، ﻓﺄﺨﺫ ﻤﻥ ﺘﺭﺍﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻟﻭﺍﻨﻪ
ﻁ ٍ ﱠِ ٍ
ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺼﻔﺎﺘﻪ ﺍﻷﺨﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ، ﻤﺜل ﺍﻟﺴﻬﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﺼﻌﻭﺒﺔ
ﻭﺍﻟﻜﺭﻡ ﻭﺍﻟﺠﺩﺏ ﻭﺍﻟﺨﺒﺙ ﻭﺍﻟﻁﻴﺒﺔ، ﻭﻫﻭ ﻴﺘﻐـﺫﻯ ﻤـﻥ ﻨﺘـﺎﺝ
ﺍﻷﺭﺽ ـ ﺍﻟﻁﻌﺎﻡ ـ ﻭﻤﺎﺌﻬﺎ، ﻓﻼ ﻴﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻥ ﺠﻨﺱ ﻤﺎ ﺨﺭﺝ
ﻤﻨﻪ. ﻭﺃﻤﺎ ﺍﻟﻌﻨﺼﺭ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ )ﺍﻟﺭﻭﺡ(، ﻓﻌﻨﻪ ﻗﺎل ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ:
ﻓﺈ ﹶﺍ ﺴ ﻴﺘﻪ ﻨﻔﺨﺕ ِﻴﻪ ِﻥ ﻭ ِﻲ ﻓﻘ ﻭﺍ ﹶـﻪ ـﺎﺠ ِﻴﻥ
ﹶ ِﺫ ﻭ ﹸ ﻭ ﹶ ﹶ ﹾ ﹸ ﻓ ِ ﻤ ﺭ ﺤ ﹶ ﹶﻌ ﻟ ﺴ ِﺩ
]ﺹ: ٢٧[، ﻭﺍﻟﺭﻭﺡ ﻫﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻠﻁﻴﻔﺔ ﺍﻟﺭﺒﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺴـﺭ
ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ(.
ﻭﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﻴﻘﻭل ﺴ ﺩ ﻗﻁﺏ: )ﺇﻥ ﺃﺒﺭﺯ ﺇﻴﺤﺎﺀﺍﺕ ﻗﺼـﺔ ﺁﺩﻡ
ﻴ
ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻜﻤﺎ ﻭﺭﺩﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ، ﻫﻭ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ
ﺒﺨﻼﻓﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻫﻭ ﻋﺎﻤل ﻤﻬﻡ ﻓﻲ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻜـﻭﻥ ﺤﻴـﺙ
ﺍﺭﺘﺒﻁﺕ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻭﺇﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ﻗﻴﺎﻤﻪ ﺒﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﺒﻌﻭﺍﻤل ﺸﺘﻰ، ﻤﺜـل
ﺍﻟﺭﻴﺎﺡ ﻭﺍﻷﻤﻁﺎﺭ ﻭﺍﻟﺸﻤﻭﺱ ﻭﺍﻟﻜﻭﺍﻜﺏ ﻭﻏﻴﺭﻫﺎ، ﺒﺤﻴﺙ ﺘﻬﻴﺄﺕ
ﻟﻪ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﻟﻴﻜﻭﻥ ﺴﻴ ﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﻟﻭﻻ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘـﻭﺍﺯﻥ
ﺩ
ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻟﻤـﺎ ﻜﺎﻨـﺕ ﻻﺒـﻥ ﺁﺩﻡ ﺨﻼﻓـﺔ ﻓـﻲ ﺃﺭﻀـﻪ.
ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺇﺫ ﹶﺎل ﺭﺒﻙ ِﻠ ﻼ ِﻜ ِ ﺇ ﱢـﻲ ﺎ ِـل ِـﻲ
ﺠﻋ ٌ ﻓ ِﹾ ﻗ َ ﻟ ﹾﻤ ﹶﺌ ﹶﺔ ِﻨ
ﺍﻷﺭ ِ ﺨ ِﻴﻔ ﹰ] ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ: ٠٣[، ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﺃﻭل ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﻭ ﺃﻥ
َ ﺽ ﹶ ﻠ ﹶﺔ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺴﻴﺩ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻤﻥ ﺃﺠﻠﻪ ﹸﻠﻕ ﻜل ﺸﻲﺀ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﺫﺍ ﻓﻬﻭ
ﺨ
- ٥٢ -
26. ﺃﻋﺯ ﻭﺃﻜﺭﻡ ﻤﻥ ﻜل ﺸﻲﺀ ﻤﺎﺩﻱ، ﻭﻻ ﻴﺠﻭﺯ ﺃﻥ ﹸﻬﺩﺭ ﻜﺭﺍﻤﺘـﻪ
ﺘ
ﻤﻥ ﺃﺠل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ.
ﺇﻥ ﺁﺩﻡ ﻭﺯﻭﺠﻪ ﺒﺩﺀﺍ ﺤﻴﺎﺘﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺒﺨﻁﻴﺌﺔ ﺃﺘﺒـﺎﻉ
ﺍﻟﺸﻴﻁﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﻜل ﻤﻥ ﺍﻟﺸﺠﺭﺓ ﺍﻟﻤﺤﺭﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻟﻜﻥ ﺍﷲ
ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺘﺎﺏ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺤﻴﻥ ﺍﺴﺘﻐﻔﺭﺍ، ﻭﺍﻟﺭﻤﺯﻴﺔ ﻫﻨﺎ ﺘﻅﻬﺭ ﺠﻠﻴـﺔ
ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﻜﺎﻨﺕ ﻭﺴﺘﻅل ﺘﻭﺍﺯ ﹰﺎ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺨﻁﻴﺌـﺔ
ﻨ
ﻭﺍﻟﺘﻭﺒﺔ، ﻷﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﹸﻠﻕ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺨﻴﺭ ﻭﺍﻟﺸﺭ، ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ﻋﻠـﻰ
ﺨ
ﺍﻷﺭﺽ ﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺍﻤﺘﺤﺎﻥ ﻟﻪ ﺤﺘﻰ ﻴﺒﻴﻥ ﻜﻴﻑ ﻴﻐﻠﺏ ﻜل ﺇﻨﺴﺎﻥ
ﺃﺤﺩﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺨﺭ ﻓﻲ ﺼﺭﺍﻉ ﻤﺴﺘﻤﺭ ﺩﺍﺨل ﻨﻔﺴﻪ، ﻗـﺎل ﺍﷲ
ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻟﻘﺩ ﺨﻠﻘ ﹶﺎ ﺍﻹﻨ ﺎﻥ ِﻲ ﻜ ] ٍ ﺍﻟﺒﻠﺩ: ٤[، ﻜﻤﺎ ﻗـﺎل ﺍﷲ
ﹶ ﹶ ﹶ ﹶ ﹾﻨ ِ ﹾﺴ ﻓ ﹶﺒﺩ
ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺎ ﺃﻴ ﺎ ﺍﻹﻨ ﺎﻥ ﺇﻨﻙ ﹶﺎﺩﺡ ﺇ ﹶﻰ ﺭﺒﻙ ﻜﺩ ﺎ ﻓﻤﻼ ِﻴـ ِ
ﻴ َ ﻬ ِ ﹾﺴ ِ ﱠ ﻜ ِ ِ ﻟ ﹶ ﺤ ﹶ ﹶﻗ ﻪ
]ﺍﻻﻨﺸﻘﺎﻕ: ٦[، ﻓﺎﻹﻨﺴﺎﻥ ﻨﻔﺴﻪ ﻫـﻭ ﻤﻴـﺩﺍﻥ ﻫـﺫﻩ ﺍﻟﻤﻌﺭﻜـﺔ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﺓ، ﻭﺍﻟﻨﻔﺱ ﺍﻷﻤﺎﺭﺓ ﺒﺎﻟﺴﻭﺀ ﺘﺘﺼﺎﺭﻉ ﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺱ ﺍﻟﺘﻭﺍﺒﺔ
ﻟﺘﺼل ﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺃﺨﻴﺭﺓ ﻓﺘﺠﻌﻠﻬﺎ ﺘﻘﻑ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ ﺍﻷﻤـﺭ
ﻤﺤﺴﻭﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺤﺩ ﺍﻟﻨﻘﻴﻀﻴﻥ، ﻭﻫﻤﺎ ﺇﻤﺎ ﺍﻟﺨﻴﺭ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﺭ.
ﺘﺘﻨﺎﺯﻉ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﺠﺴﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻠﺒﻴﻬﺎ ﻭﺴـﺎﺌل ﺍﻟﺭﺍﺤـﺔ
ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ، ﻭﺩﻭﺍﻓﻊ ﺍﻟﺭﻭﺡ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺔ ﻤﻥ ﺠﺎﻨـﺏ ﺁﺨـﺭ،
ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻴﻌﺒﺭ ﻋﻨﻬﺎ ﻤﻥ ﺨﻼل ﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺸـﻌﺎﺌﺭ ﺩﻴﻨﻴـﺔ ﺘﺭﻓـﻊ
- ٦٢ -
27. ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻤﻜﺎﻨﺔ ﻤﺘﻤﻴﺯﺓ ﻜﺄﻓﻀل ﻤﺨﻠﻭﻗﺎﺕ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ
ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺩﺓ ﺘﺠﻭﻉ ﻟﻠﻁﻌﺎﻡ ﻭﺘﺘﺄﻟﻡ ﺒﺩﻭﻨﻪ، ﻭﺍﻟﻌﻀـﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﺼـل
ﻴﺠﻭﻋﺎﻥ ﻟﻠﺤﺭﻜﺔ ﻭﻴﻨﺘﻜﺴﺎﻥ ﺒﺩﻭﻨﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻘﻠﺏ ﻴﺠﻭﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤـﺏ
ﻭﻴﻜﺘﺌﺏ ﻤﻥ ﻏﻴﺭﻩ، ﻓﻜﺫﻟﻙ ﺍﻟﺭﻭﺡ ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘﺠﻭﻉ ﻟﻺﻴﻤﺎﻥ ﻭﺘﺼﻴﺭ
ﻫﺎﺌﻤﺔ ﺇﻥ ﻟﻡ ﺘﺠﺩﻩ، ﻭﻤﻥ ﺃﺠل ﺃﻥ ﻴﺤـﺘﻔﻅ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﺒﻭﻀـﻊ
ﻤﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﻫﺎﺘﻴﻥ ﺍﻟﻘﻭﺘﻴﻥ )ﺍﻟﺭﻭﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ( ﺍﻟﻠﺘﻴﻥ ﻜﺜﻴ ﺍ ﻤﺎ
ﺭ
ﺘﺘﻌﺎﺭﻀﺎ، ﻓﺈﻨﻪ ﻴﻅل ﺒﺤﺎﺠﺔ ﺇﻟﻰ ﻨﻤﻭﺫﺝ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﻓﻬﻤﻪ ﻭﺇﺘﻴﺎﻨﻪ،
ﹼ
ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻤﻭﺫﺝ ﻴﻭﻓﺭﻩ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ ﻭﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻭﺘﻌﺎﻟﻴﻤـﻪ،
ﻓﻴﺸﺤﺫ ﻗﺩﺭﺘﻪ ﻓﻲ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﻨﻭﺍﺤﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺩﻨﻴﻭﻱ.
ﻴﻘﻭل )ﻜـﺎﺯﻨﺘﺯﺍﻜﻲ( ﻓـﻲ ﺭﻭﺍﻴﺘـﻪ )ﺯﻭﺭﺒـﺎ ﺍﻟﻴﻭﻨـﺎﻨﻲ(:
)ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺜﻼﺜﺔ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭ: ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺤﺩﺩﻭﻥ ﻫﺩ ﹰﺎ ﻟﻬﻡ ﺃﻥ
ﻓ
ﻴﻌﻴﺸﻭﺍ ﺤﻴﺎﺘﻬﻡ، ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭﻟﻭﻥ، ﻭﻴﺄﻜﻠﻭﻥ، ﻭﻴﺸﺭﺒﻭﻥ، ﻭﻴﺤﺒﻭﻥ،
ﻭﻴﻐﺘﻨﻭﻥ، ﻭﻴﺼﺒﺤﻭﻥ ﻤﺸﺎﻫﻴﺭ. ﺜﻡ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺤﺩﺩﻭﻥ ﻫﺩ ﹰﺎ ﻟﻬـﻡ
ﻓ
ﻻ ﻷﺠل ﺤﻴﺎﺘﻬﻡ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ، ﺒل ﺤﻴـﺎﺓ ﺠﻤﻴـﻊ ﺍﻟﺒﺸـﺭ، ﺇﻨﻬـﻡ
ﻴﺸﻌﺭﻭﻥ ﺃﻥ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻟﻴﺴﻭﺍ ﺇﻻ ﻭﺍﺤ ﺍ ﻭﻴﺠﻬـﺩﻭﻥ ﻓـﻲ
ﺩ
ﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺘﻔﺘﻴﺢ ﻋﻘﻭﻟﻬﻡ ﻭﺤﺒﻬﻡ ﺒﻘﺩﺭ ﻤﺎ ﻴﺴﺘﻁﻴﻌﻭﻥ ﻭﻴﺤﺴﻨﻭﻥ
ﺇﻟﻴﻬﻡ. ﻭﺃﺨﻴ ﺍ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻫﺩﻓﻬﻡ ﺃﻥ ﻴﻌﻴﺸﻭﺍ ﺤﻴـﺎﺓ ﺍﻟﻜـﻭﻥ
ﺭ
ﺃﺠﻤﻊ، ﻷﻨﻨﺎ ﻜﻠﻨﺎ ﻤﻥ ﺒﺸﺭ ﻭﺤﻴﻭﺍﻨﺎﺕ، ﻭﻨﺒﺎﺘـﺎﺕ، ﻭﻜﻭﺍﻜـﺏ،
- ٧٢ -
28. ﻭﻟﺴﻨﺎ ﺇﻻ ﻜ ﻭﺍﺤ ﺍ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﺇﻻ ﻤـﻥ ﺠـﻭﻫﺭ ﻭﺍﺤـﺩ ﻴﺸـﻥ
ﺩ ﹸﻼ
ﺍﻟﻤﻌﺭﻜﺔ ﺍﻟﺭﻫﻴﺒﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ. ﺃﻱ ﻤﻌﺭﻜﺔ؟ ﺇﻨﻬﺎ ﺘﺤﻭﻴل ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ
ﺭﻭﺡ( ﻓﺸﺭﺡ ﺒﺫﻟﻙ ﻭﺠﻬﺔ ﻨﻅﺭﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـﺭﺍﻉ ﺒـﻴﻥ
ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺭﻭﺡ، ﻭﻟﻜﻥ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﻤﻨ ﻡ ﻥ ﻴ ﹸﻭل ﺭﺒ ﹶﺎ
ِ ﹾﻬ ﻤ ﻘ ُ ﻨ
ﺁﺘ ﹶﺎ ِﻲ ﺍﻟﺩﻨ ﺎ ﻨ ﹰ ﻭ ِﻲ ﺍﻵ ِ ِ ﻨ ﹰ ﻭﻗ ﹶﺎ ﻋ ﹶﺍﺏ ﺍﻟ ﱠـﺎﺭ
ﹾﻴ ﺤﺴ ﹶﺔ ﻓ َﺨﺭﺓ ﺤﺴ ﹶﺔ ِ ﻨ ﺫ ﻨ ِ ِﻨ ﻓ
]ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ: ١٠٢[، ﻟﻠﺩﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻁﻠﺏ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺤﻴﺎﺓ
ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻭﺇﺸﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻭﻉ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﺇﻟـﻰ ﺍﻟﺘﻌﻠـﻕ ﺒﺎﻟﺨـﺎﻟﻕ
ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﻭﺍﻻﺴﺘﻌﺩﺍﺩ ﻟﻠﻘﺎﺌﻪ، ﻭﺫﻟﻙ ﺘﻁﺒﻴ ﹰﺎ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺴـﻴﺩﻨﺎ
ﻘ
ﻋﻠﻲ ) ﺍﻋﻤل ﻟﺩﻨﻴﺎﻙ ﻜﺄﻨﻙ ﺘﻌﻴﺵ ﺃﺒ ﺍ ﻭﺍﻋﻤل ﻵﺨﺭﺘﻙ ﻜﺄﻨﻙ
ﺩ
ﺘﻤﻭﺕ ﻏ ﺍ(.
ﺩ
ﻭﻟﻭ ﻗﺎﺭ ﹼﺎ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺎﺕ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﻟﻭﺠﺩﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨﺔ ﺍﻟﻴﻬﻭﺩﻴﺔ ﻗـﺩ
ﻨ
ﺍﻨﺤﺭﻓﺕ ﺤﻴﻥ ﺍﻨﺤﺎﺯﺕ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻘﻬﺎ ﺍﻷﺼـﻴل ﺒﺴـﺒﺏ ﺘـﺩﺨل
ﺃﺤﺒﺎﺭﻫﺎ، ﻓﺼﺎﺭﺕ ﻤﺎﺩﻴﺔ ﺸﺒﻪ ﺒﺤﺘـﺔ، ﻤﺒﺘﻌـﺩﺓ ﻜﺜﻴـ ﺍ ﻋـﻥ
ﺭ
ﺍﻟﺠﻭﺍﻨﺏ ﺍﻟﺭﻭﺤﻴﺔ، ﻭﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﻨﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﺍﻨﻐﻤﺎﺱ ﻤﻌﻅـﻡ ﺍﻟﻴﻬـﻭﺩ
ﺒﺄﻤﻭﺭ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﺃﻤﺎ ﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺃﺨﺭﻯ ﻓﻘﺩ ﺘﻤﺎﺩﻯ
ﺭﻫﺒﺎﻥ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺭﻭﺤﻴﺔ ﻓﺎﻨﻘﻁﻌﻭﺍ ﻋﻥ ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﻓـﻲ
ﺨﻠﻭﺍﺘﻬﻡ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺘﺯﺍﻭﺝ ﻭﻻ ﺍﺨﺘﻼﻁ ﻤﻊ ﻏﻴﺭﻫﻡ، ﻓﻔﻘﺩﻭﺍ ﺒﺫﻟﻙ
ﺘﺄﺜﻴﺭﻫﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺇﻻ ﻤﻥ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻁﻘﻭﺱ ﺍﻟﺴﻁﺤﻴﺔ. ﻭﺒﻬﺫﺍ ﻟـﻡ
- ٨٢ -
29. ﺘﻜﻥ ﺘﻠﻙ ﺘﻌﺎﻟﻴﻡ ﺍﻟﻴﻬﻭﺩﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺼـﺭﺍﻨﻴﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴـﺔ ﻜﻤـﺎ ﻫـﻡ
ﻴﻌﺘﻘﺩﻭﻥ، ﺃﻤﺎ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻓﺠﺎﺀ ﻤﺫﻜ ﺍ ﺒﺎﻟﺩﻴﻥ ﺍﻟﺤﻨﻴﻑ ﻤـﻥ ﻋﻬـﺩ
ﺭ
ﺃﺒﻴﻨﺎ ﺇﺒﺭﺍﻫﻴﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻤﺭﻭ ﺍ ﺒﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻨﺒﻴﺎﺀ ﻤـﻥ ﺒﻌـﺩﻩ،
ﺭ
ﻟﻴﺅﻜﺩ ﺃﻨﻪ ﺩﻴﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺭﻭﺡ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻓﻼ ﻴﺒﻐﻲ ﺃﺤـﺩﻫﻤﺎ
ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺨﺭ، ﻟﺌﻼ ﺘﺨﺘﻠﻑ ﺍﻟﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ﻭﺘﺘﻭﻩ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ.
ﺇﻥ ﺍﻷﺭﻜﺎﻥ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻗﺩ ﻭ ِﻌﺕ ﻟﺘﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﻊ ﺒﻘﻴﺔ ﺃﻋﻤﺎل
ﻀ
ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ، ﻓﺎﻹﻨﺴﺎﻥ ﻴﻘﻀﻲ )٠٩ %( ﻤﻥ ﻭﻗﺘﻪ ﻤﺸﻐﻭﻻ ﻓﻲ ﺃﻤـﻭﺭ
ﹰ
ﺤﻴﺎﺘﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻟﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﺎ ﻤﻌﻨﻰ ﻟﻭ ﻟﻡ ﻴﻘﺎﺒﻠﻬﺎ ﻗﻴﺎﻤﻪ ﺒﺎﻷﺭﻜﺎﻥ
ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ﺤﻴﺙ ﺘﺸﻜل ﻤﻥ )٥ %( ﺇﻟﻰ )٠١ %( ﻤﻥ ﻭﻗﺘﻪ، ﺸﺎﻤﻼ
ﹰ
ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺤﺞ، ﻭﺃﻴ ﺎ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﺍﻟﺫﻱ ﻗﻀﺎﻩ ﻓﻲ ﺠﻤﻊ ﻤﺎل
ﻀ
ﺍﻟﺯﻜﺎﺓ ﺍﻟﻤﻔﺭﻭﻀﺔ. ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻤﻼﺤﻅ ﺃﻥ ﺍﻟﺯﻜـﺎﺓ ﻫـﻲ ﺍﻟﻭﺴـﻴﻠﺔ
ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﺩ، ﻓﺎﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺒﺎﻟﻤﺎل ﺭﻤﺯ ﻟﻨﺒـﺫ ﻗﻴـﻭﺩ
ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﺃﻤﺎ ﻜﺒﺢ ﺍﻟﻐﺭﺍﺌﺯ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻨﻴﺔ ﺒﺎﻟﺼﻴﺎﻡ ﻓﻬﻭ ﺭﻤـﺯ ﻟﻨﺒـﺫ
ﻗﻴﻭﺩ ﺍﻟﺠﺴﺩ، ﻭﻁﺒ ﺎ ﻓﺈﻥ ﻤﺘﻌﺘﻲ ﺍﻟﻤﺎل ﻭﺍﻟﺠﺴﺩ ﻴﻤﺜﻼﻥ ﺃﻓﻌـﺎل
ﻌ
ﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻜل ﻓﺭﺩ، ﻭﺃﻤﺎ ﺭﻜﻨﻲ ﺍﻟﺤﺞ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻬﻤﺎ
ﺭﻤﺯﺍ ﺍﻟﺘﻭﺍﺼل ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﻤﻊ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ ﺒﻁـﺭﻕ ﻭﺘﻌﺒﻴـﺭﺍﺕ
ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﺫﺍ ﺤﻴﻥ ﻨﻘﺎﺭﻥ ﺒﻴﻥ ﺃﺭﻜﺎﻥ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻨﺠﺩ ﺃﻥ ﺸﻌﻴﺭﺘﻲ
ﺍﻟﺯﻜﺎﺓ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻴﺭﻤﺯﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﺭﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ،
- ٩٢ -
30. ﺃﻤﺎ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺤﺞ ﻓﻬﻤﺎ ﻭﺴﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻘﺭﺏ ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﺍﻟﺭﻤﺯﻱ ﺇﻟﻴﻪ،
ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﺘﻌﺎﺩل ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﺭﻤﺯﻱ ﻤﻊ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺍﻟﺸﻌﺎﺌﺭ
ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ ﻭﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ.
ﻟﻘﺩ ﺨﻠﻕ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﺒﻨﻔﺨﺔ ﻤﻥ ﺭﻭﺤﻪ، ﻭﻗـﺩ ﺃﻭﺠـﺩﻩ
ﺃﺴﺎ ﺎ ﻟﻴﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻤﻥ ﺘﺭﺍﺒﻬـﺎ، ﻭﺒـﺫﻟﻙ ﻻ ﻴﺼـﻴﺭ
ﺴ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻜﺎﻤل ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺍﺴﺘﻁﺎﻉ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺒﻴﻥ ﺠﺎﻨﺒﻪ
ﺍﻟﺭﻭﺤﻲ ﻤﻊ ﺠﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺃﻥ ﻴﻬﻤـل ﺃﺤـﺩﻫﻤﺎ ﺩﻭﻥ
ﺍﻵﺨﺭ، ﻭﻫﻜﺫﺍ ﻨﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻨﻴﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺭﻭﺤـﻲ ﻴـﺩﻋﻡ
ﺒﻌﻀﻬﻤﺎ ﺒﻌ ﺎ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﺃﻭ ﻏﻴﺭ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺼﻭل
ﻀ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺸﺎﻤل ﺍﻷﺴﻤﻰ، ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻨﺭﻯ ﻤﻼﻤﺤﻪ ﻓﻌﻼ ﻓـﻲ
ﹰ
ﺴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺼﻔﺎﺀ ﺍﻟﺫﻫﻨﻲ ﻭﺘﻌﺎﺒﻴﺭ ﺍﻟﻭﺠﻪ ﺍﻟﻬﺎﺩﺌﺔ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﻤﺘﻌﻤﻘـﻴﻥ
ﺒﺎﻟﺩﻴﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻴﺩﺓ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ.
- ٠٣ -
33. ﺇﻥ ﻋﺩﺩ ﺍﻵﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺭﺁﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺒﺤﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻫـﻭ ﻋـﺩﺩ
ﻜﺒﻴﺭ )ﺤﻭﺍﻟﻲ ﺃﻟﻑ ﺁﻴﺔ( ﻭﻴﺒﺭﺯ ﺫﻟﻙ ﻤﺩﻯ ﺃﻫﻤﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘـﺩﻟﻴل
ﻋﻠﻰ ﻋﻅﻤﺔ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻭﻟﻔﺕ ﺍﻻﻨﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻨﻪ ﻴﻤﺜـل ﺍﻟﻤﻌﻨـﻰ
ﺍﻟﺭﻤﺯﻱ ﻟﻠﺨﺎﻟﻕ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻤﻌﺭﻭﻑ ﻟﺩﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ
ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻫﻭ ﻋﻨﻭﺍﻥ ﻟﻠﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺘﺎﻡ، ﻭﻨﺫﻜﺭ ﺒﻌﺽ ﻤﺯﺍﻴﺎﻩ ﻓـﻲ
ﺃ ﹼﻪ ﻻ ﻴﺤﺘﻤل ﺍﻟﻔﺭﺍﻍ ﺃﺒ ﺍ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺘﺨﻠﺨل ﻤﻨﻪ ﺠﺯﺀ ﻴﺤل ﻤﺤﻠـﻪ
ﺩ ﻨ
ﺠﺯﺀ ﺁﺨﺭ ﻜﺎﻥ ﻤﺎﺀ ﺃﻭ ﻫﻭﺍﺀ ﺃﻭ ﺠﻤﺎ ﺍ، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼـﺭ
ﺩ
ﺍﻟﻜﻴﻤﺎﻭﻴﺔ ﺘﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﺩﻻﺕ، ﻭﺍﻟﺸﺤﻨﺎﺕ ﺍﻟﻜﻬﺭﺒﺎﺌﻴـﺔ
ﺍﻟﺴﺎﻟﺒﺔ ﻭﺍﻟﻤﻭﺠﺒﺔ ﺘﺘﻌﺎﺩل ﻤﺘﻨﺎﻓﺭﺓ ﺃﻭ ﻤﻨﺩﻤﺠـﺔ ﺤﺘـﻰ ﺘﺼـل
ﻟﻼﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺃﻤﺎ ﺍﻷﺠﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻤﺩﺓ ﻓﺘﺘﻭﺍﺯﻥ
ﺃﻴ ﺎ ﺒﺤﻴﺙ ﻻ ﺘﺴﺘﻘﺭ ﻓﻲ ﺤﺭﻜﺘﻬﺎ ﺇﻻ ﺒﺘﻭﺍﺯﻥ ﻗـﻭﻯ ﺍﻟﻁـﺭﺩ
ﻀ
ﻭﺍﻟﺠﺫﺏ ﺒﻴﻨﻬﺎ، ﻨﺎﻫﻴﻙ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻨﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻤﺜل ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ
ﺍﻟﺒﻴﻭﻤﻴﻜﺎﻨﻴﻜﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﺼل، ﻭﺍﻷﻭﺴـﻤﻭﺯﻱ ﻓـﻲ ﺍﻟﺴـﻭﺍﺌل،
- ٣٣ -
34. ﻭﺍﻟﻜﻬﺭﺒﺎﺌﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻼﻴﺎ ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻨﺴﺏ ﻜﻤﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ ﺩﺍﺨـل
ﺃﺠﺴﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﺌﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻤﻥ ﺃﻤﻼﺡ ﻭﺃﺤﻤﺎﺽ ﻭﻗﻭﺍﻋﺩ، ﻓﻴﻨﻁﺒـﻕ
ﺫﻟﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻥ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺕ.
ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺭ ﺍﻟﻔﻁﺭﻱ ﺒﺎﻟﺨﺎﻟﻕ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ﻭﻤﺨﻠﻭﻗﺎﺘﻪ ﻻ ﻴﺘﻡ
ﺇﻻ ﺒﺎﻟﻌﻘل، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺇ ﱠﺎ ﻋﺭﻀ ﹶﺎ ﺍﻷ ﺎﻨﺔ ﻋ ﹶـﻰ
ِﻨ ﻨ ﻤ ﹶ ﹶ ﻠ
ﺍﻟﺴ ﺎ ﺍﺕ ﺍﻷﺭ ِ ﺍﻟﺠ ﺎل ﻓﺄ ﻴ َ ﻥ ﻴﺤﻤﻠﻨ ﺎ ﻭﺃﺸﻔﻘﻥ ﻤﻨ ﺎ
ﻤ ﻭ ِ ﻭ َ ﺽ ﻭ ﹾ ِﺒ ِ ﹶ َﺒ ﻥ ﺃ ِ ﹾ ﹶﻬ َﹾ ﹶ ﹾ ِ ﹾﻬ
ﻭﺤﻤﻠ ﺎ ﺍﻹﻨ ﺎﻥ ﺇ ﱠﻪ ﹶﺎﻥ ﻅﹸﻭ ﺎ ﺠ ﻭﻻ] ﺍﻷﺤـﺯﺍﺏ: ٢٧[،
ﹶﻬ ِ ﹾﺴ ِ ﻨ ﻜ ﹶﻠ ﻤ ﻬ ﹰ
ﻭﻤﻥ ﺃﺠل ﻫﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻟﻠﻔﻼﺴﻔﺔ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﻟﻠﻌﻘل، ﻭﺒﻌﺽ ﻤﺎ ﻗﻴل ﻓـﻲ
ﺫﻟﻙ )ﺇﻥ ﺘﺄﻤل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻨﻔﺴﻪ ﻤﻥ ﺨﻼل ﻋﻘﻠﻪ ﻴﻜﺸﻑ ﻟـﻪ
ﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺇﻥ ﺘﺄﻤل ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﻨﻔﺴﻪ ﻤﻥ ﺨﻼل ﻋﻘﻠﻪ ﻴﻜﺸﻑ ﻟﻪ
ﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺍﻟﻌﻘل ﻫﻭ ﺍﻟﺠﺴﺭ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺤﺱ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ، ﻭﻟﺫﺍ ﺒﻌﺩ ﻤـﺎ
ﺃﻋ ِل ﺤﻘﻴﻘﺘﻲ ﻓﺈﻨﻨﻲ ﻟﻥ ﺃﺴﺘﻁﻴﻊ ﺒﻌﺩﻫﺎ ﺃﻥ ﻻ ﺃﺤﻘﻘﻬﺎ. ﺒﺎﻟﻌﻘل
ﻘ
ﻴﻜﺩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻟﻴﺤﻘﻕ ﺇﻨﺴﺎﻨﻴﺘﻪ( ﻓﺘﺒﻴﻥ ﺍﻟﻔﻘـﺭﺓ ﺍﻟﺴـﺎﺒﻘﺔ ﻤـﺩﻯ
ﺍﺭﺘﺒﺎﻁ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺒﺎﻟﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺒﻪ. ﻭﺍﻟﻜﻭﻥ ﻴﺤﺘﺎﺝ ﻟﻌﻘل ﻤﺘﺯﻥ
ﻟﻜﻲ ﻴﻔﻬﻤﻪ، ﻓﺎﻟﻌﻘل ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ )ﺍﻟﻤﻘﺘﺭﻨﺔ ﺒﻪ ﺩﺍﺌ ﺎ( ﻫـﻭ ﺩﺭﺠـﺔ
ﻤ
ﻤﺘﻭﺴﻁﺔ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺩﺭﺠﺔ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻭﻫﻲ ﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ﻭﺍﻟﺩﺭﺠﺔ ﺍﻷﺴﻔل
ﻭﻫﻲ ﻀﻌﻑ ﺍﻟﻌﻘل ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﻭﻥ، ﻭﻤﺎ ﺩﺭﺠـﺔ ﺍﻟﻌﻘـل ﺇﻻ ﻫـﻲ
ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻭﺴﻁﻰ ﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ ﺒﻴﻥ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻓﺎﻹﻟﻬـﺎﻡ
- ٤٣ -
35. ﻴﺄﺘﻲ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺃﻭ ﺘﻔﻜﻴﺭ ﻤﻨﺤﻪ ﻤﻥ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺒﻌـﺽ
ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻥ، ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻨﺎﺕ ﹸﻠﻬﻡ ﻓﻲ ﻁﺭﻴﻕ ﺤﻴﺎﺘﻬـﺎ
ﺘ
ﻤﺜﻠﻤﺎ ﻴﻔﻌل ﺍﻟﻨﻤل ﻭﺍﻟﻨﺤل ﻭﻏﻴﺭﻩ ﻤـﻥ ﺍﻟﻜﺎﺌﻨـﺎﺕ ﻤـﻊ ﺃﻨﻬـﺎ
ﻻ ﺘﻌﻘل، ﺃﻤﺎ ﻀﻌﻑ ﺍﻟﻌﻘل ﻓﻼ ﻼﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻷﻨﻪ ﻻ ﺤﻴﻠﺔ
ﻴ
ﻟﻪ ﻓﻴﻪ، ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﺤﺎﺴﺏ ﺍﻟﻤﺭﺀ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺘﻪ ﻓﻘﻁ.
ﻴﻘﻭل ﺩ. ﺍﻟﺒﻭﻁﻲ: )ﺇﻥ ﺍﷲ ﻋﺯ ﻭﺠل ﺤﻴﻨﻤﺎ ﺘﻌﻠﻘﺕ ﺇﺭﺍﺩﺘـﻪ
ﺒﺈﻴﺠﺎﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩﺍﺕ ﺃﻨﻭﺍ ـﺎ ﻭﺃﺠﻨﺎ ـﺎ،
ﺴ ﻋ
ﺍﻗﺘﻀﺕ ﺤﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺒﺎﻫﺭﺓ ﺃﻥ ﻴﺨﺘﺎﺭ ﻨﻭ ﺎ ﻤﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻭﺠـﻭﺩﺍﺕ
ﻋ
)ﻭﻫﻭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ( ﻓﻴﺠﻌﻠﻪ ﺴﻴﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﻭﻥ، ﻭﻴﺠﻌل ﺴﺎﺌﺭ ﻤﻅﺎﻫﺭﻩ
ﻭﻤﻭﺠﻭﺩﺍﺘﻪ ﻤﺴ ﹼﺭﺓ ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺒﺨﺩﻤﺘﻪ، ﻭﺃﻥ ﻴﻜل ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻤﺎﺭﺘﻪ ﻭﺃﻤﺭ
ﺨ
ﺘﻨﻅﻴﻤﻪ، ﻓﺫﻟﻙ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻌﻨـﻰ ﺒﺎﻟﺨﻼﻓـﺔ ﻓـﻲ ﻗﻭﻟـﻪ ﺘﻌـﺎﻟﻰ:
ﻭﺇﺫ ﹶﺎل ﺭﺒﻙ ِﻠ ﻼ ِﻜ ِ ﺇ ﱢﻲ ﺎ ِـل ِـﻲ ﺍﻷﺭ ِ ﺨ ِﻴ ﹶـ ﹰ
َ ﺽ ﹶﻠ ﻔ ﺔ ِﹾ ﻗ َ ﻟ ﹾﻤ ﹶﺌ ﹶﺔ ِﻨ ﺠ ﻋ ٌ ﻓ
]ﺍﻟﺒﻘﺭﺓ: ٠٣[، ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻤﻘﺼﻭﺩ ﺒﺎﻻﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﻭﻟـﻪ ﺘﻌـﺎﻟﻰ:
ﻫﻭ َﻨﺸﺄ ﹸﻡ ﻤﻥ ﺍﻷﺭ ِ ﺍﺴﺘﻌﻤﺭﻜﻡ ِﻴ ﺎ] ﻫﻭﺩ: ١٦[، ﻤﻥ
ﺃ ﹶ َﻜ َ ﺽ ﻭ ﹶ ﹸ ﻓ ﻬ
ﺃﺠل ﺫﻟﻙ ﺴﻤﻲ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻴﺯﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺅﺘ ِﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺫﺍ
ﹸ ْ ﹸﻤ
ﺍﻟﻤﺨﻠﻭﻕ ﺒﺎﻷﻤﺎﻨﺔ ﻭﺒﻴﻥ ﻤﺩﻯ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻭﻋﻅﻡ ﺸﺄﻨﻬﺎ(، ﺴـﺄﺫﻜﺭ
ﺒﻌﺽ ﺍﻵﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﺩﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﺸﺎﻤل ﻓـﻲ
ﺍﻟﻜﻭﻥ، ﻓﻘﺩ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﻟﺴ ﺎﺀ ﺭﻓﻌ ﺎ ﻭﻭﻀﻊ ﺍﻟ ِﻴ ﺍﻥ
ﻭ ﻤ ﹶ ﻬ ﹾ ﻤ ﺯ
- ٥٣ -
36. * ﺃﻻ ﺘﻁﻐﻭﺍ ِﻲ ﺍﻟ ِﻴ ﺍﻥ * ﺃ ِﻴ ـﻭﺍ ﺍﻟﹾـﻭﺯﻥ ِﺎﻟﻘﺴـﻁ ﻻ
ِ ﻭﹶ ﺒ ﹾِ َ ﱠ ﹶ ﹾ ﹶ ﻓ ﹾﻤ ﺯ ِ ﻭَﻗ ﻤ
ﺘﺨﺴ ﻭﺍ ﺍﻟ ِﻴ ﺍﻥ] ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ ٧ ـ ٩[، ﻭﻗﺩ ﺘﻜﺭﺭ ﺫﻜﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ
ﹸ ﹾ ِﺭ ﹾ ﻤ ﺯ
ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ )٨٨١( ﻤ ﺓ، ﻭﺍﻵﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺘـﺩل
ﺭ
ﺩﻻﻟﺔ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻻﻨﺘﻅﺎﻡ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻹﻴﻘﺎﻉ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭ
ﺍﻟﺫﻱ ﻻ ﻴﺘﻐﻴﺭ. ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺇﻥ ِـﻲ ﺨﻠﹾـﻕ ﺍﻟ ـ ﺎ ﺍﺕ
ﹶ ِ ﺴ ﻤﻭ ِ ِﻓ
ﺍﻷﺭ ِ ﺍﺨ ِﻼ ِ ﺍﻟﻠﻴل ﺍﻟﻨ ﺎﺭ ﻵ ـﺎ ٍ ُﻭ ِـﻲ ﺍﻷﻟ ـﺎﺏ
ﹾﺒ ِ ﻭ َ ﺽ ﻭ ﹾﺘ ﹶﻑ ﱠ ِ ﻭ ﱠﻬ ِ َﻴ ﺕ ﻷ ﻟ
]ﺁل ﻋﻤـﺭﺍﻥ: ٠٩١[، ﻭﻗـﺎل ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ: ﺇﻥ ﺍﷲ ﻴﻤﺴـﻙ
ِ ِ َ ـ ـ ـ
ﺍﻟﺴﻤﺎ ﺍﺕ ﺍﻷﺭ ﺃﻥ ﺘ ﻭﻻ ﻟ ِﻥ ﺍﻟ ﹶﺎ ﺇﻥ ﺃﻤ ـﻜﻬ ﺎ ِـﻥ
ﻭ ِ ﻭ َ ﺽ َ ﹶﺯ ﹶ ﻭ ﹶﺌ ﺯ ﹶﺘ ِ َ ﺴ ﹶ ﻤ ﻤ
ﺃ ٍ ﻥ ﺒﻌﺩﻩ ﺇ ﱠﻪ ﹶﺎﻥ ﺤ ِﻴ ﺎ ﻏ ﹸﻭ ﺍ] ﻓﺎﻁﺭ: ١٤[، ﻟﺘﺒﻴﺎﻥ ﺃﻥ
َﺤﺩ ﻤ ِ ِ ِ ﻨ ﻜ ﻠ ﻤ ﹶﻔ ﺭ
ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻫﺒﺔ ﻋﻅﻴﻤﺔ ﻤﻥ ﻋﻨﺩ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ، ﻭﻟﻜـﻥ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻴﻨﺴﻰ ﺃﻥ ﻴﻘ ﺭﻫﺎ ﺤﻕ ﻗﺩﺭﻫﺎ.
ﺩ
ﻟﻘﺩ ﺘﻌﹼﻕ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻋﻤﻭ ﺎ ﻭﺍﻟﻔﻼﺴﻔﺔ ﺨﺼﻭ ﺎ ﺒـﺎﻟﻜﻭﻥ ﻤﻨـﺫ
ﺼ ﻤ ﻠ
ﺃﻭل ﻋﻬﺩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺒﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ، ﻓﺘﻤﻌﻥ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻁﺎﻏﻭﺭ
ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ )ﺇﻨﻨﻲ ﺃﺸﻌﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺠﻭﻡ ﺘﺘﻸﻷ ﻓـﻲ ﻜﻴـﺎﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻜـﻭﻥ
ﻴﺠﻴﺵ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻲ ﻜﺄﻨﻪ ﺍﻟﺴﻴل، ﻭﺍﻟﻭﺭﻭﺩ ﺘﺘﻨﻭﺭ ﻓﻲ ﻭﺠـﺩﺍﻨﻲ،
ﺇﻥ ﺸﺒﺎﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻴﺴﻤﻭ ﻓـﻲ ﻗﻠﺒـﻲ ﻜﺄﻨـﻪ ﺒﺨـﻭﺭ
ﺍﻟﻤﺠﺎﻤﺭ، ﻭﻟﻬﺎﺙ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﻜﻠﻪ ﻴﺘﺭﺩﺩ ﻀﻤﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ، ﻜﻤﺎ ﻴﺘﺭﺩﺩ
ﻓﻲ ﺜﻘﻭﺏ ﺍﻟﻨﺎﻱ(، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﻗﻭﻟﻪ: )ﻟﻘﺩ ﻟﺜﻤﺕ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻜـﻭﻥ
- ٦٣ -
37. ﺒﻌﻴﻨﻲ ﻭﺠﺴﻤﻲ ﻜﻠﻪ، ﻭﺃﺩﺨﻠﺘﻪ ﻗﻠﺒﻲ ﺒﻁﻴﺎﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺤﺼﺭ ﻟﻬﺎ،
ﻭﺴﻔﺤﺕ ﻓﻭﻕ ﺃﻴﺎﻤﻪ ﻭﻟﻴﺎﻟﻴﻪ ﺸﺘﻰ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﺤﺘﻰ ﺍﻟﺘﺄﻡ ﺍﻟﻜـﻭﻥ
ﻤﻊ ﺤﻴﺎﺘﻲ ﻓﻲ ﻜل ﻭﺍﺤﺩ.. ﻭﺇﻨﻨﻲ ﻷﻜﻠﻑ ﺒﺤﻴﺎﺘﻲ ﻷﻨﻨﻲ ﺃﻋﺸﻕ
ﹸٍ
ﻨﻭﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﺎﻤﻥ ﻓﻲ ﻨﻔﺴﻲ(، ﻜﻤﺎ ﻴﻘـﻭل ﺸـﻭﺒﻨﻬﻭﺭ: )ﺇﻥ
ﺃﻨﻭﺍﺭ ﺍﻟﻔﺠﺭ ﺍﻟﺒﺎﻫﺘﺔ، ﻟﺘﺸﺎﺭﻙ ﻭﻫﺞ ﺍﻟﻅﻬﻴﺭﺓ، ﻓﻲ ﺃﻨﻬﻤﺎ ﻤ ـﺎ
ﻌ
ﻴﺼﺩﺭﺍﻥ ﻋﻥ ﺃﺸﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻨﻔﺴﻬﺎ(، ﻭﻗﺎل ﺁﺨﺭ: )ﻟﻜﻡ ﻴﺴﺘﺒﺩ
ﺒﻲ ﺍﻟﺸﻭﻕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻥ ﻟﻜﻴﻨﻭﻨﺘﻲ ﺍﻟﻜﻭﻨﻴﺔ، ﺤﺘـﻰ ﺘﻤـﺎﻡ ﻨﻤـﻭﻱ
ﺍﻟﻤﻁﻠﻕ: ﺤﻴﺙ ﻴﺼﻬﺭ ﺍﻟﺨﻠﻭﺩ ﻜﺎﻓـﺔ ﻤﻅـﺎﻫﺭﻱ ﺍﻟﻔﻴﺯﻴﺎﺌﻴـﺔ،
ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺘﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ )ﺤﻘﻴﻘﺔ( ﻭﺍﺤﺩﺓ. ﻟﻘﺩ ﻜﻨﺕ ﺃﻨﺎ ﺍﻟﻜﻭﻥ،
ﻤﻨﺫ ﺍﺒﺘﺩﺍﺀ ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻲ ﺍﻟﻔﻴﺯﻴﺎﺌﻴﺔ ﻟﻭﺤﺩﻫﺎ، ﺒﺼﻔﺘﻲ ﺤ ﺎ ﺫﺍ ﻭﻋﻲ،
ﻴ
ﺃﻋﻤل ﺒﻘﺎﻨﻭﻥ ﻴﺤﻔﻅ ﻟﻲ ﻭﺤﺩﺘﻲ ﺍﻟﻤﻁﻠﻘﺔ. ﻭﺤﻴﻨﻤﺎ ﺍﻨﺒﺜﻕ ﺒـﻲ
ﺍﻟﻌﻘل ـ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺤﻴﻨﻪ ـ ﻏﺩﺕ ﺴﻴﻁﺭﺘﻲ ﻋﻠـﻰ ﻤﻁﻠﻘـﻲ
ﺘﺘﺨﺫ ﺼﻭﺭﺓ ﺃﺨﺭﻯ ﺘﺘﻤﺜل ﻓﻲ ﺴﻴﻁﺭﺓ ﺍﻟﻌﻘل ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﺠﺴـﺩ،
ﻭﻓﻲ ﺴﻴﻁﺭﺓ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻤﻅﺎﻫﺭ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻜﻭﻥ ﺍﻷﺨﺭﻯ(.
ﺘﺘﻨﺎﺯﻉ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻗﻭﻯ ﺸﺩﻴﺩﺓ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ، ﻭﻗﺩ ﹸﻜﺭﺕ ﻓﻲ
ﺫ
ﺍﻟﻘﺭﺁﻥ ﺍﻟﻜﺭﻴﻡ )٥٣( ﻤ ﺓ، ﻭﺃﻗﺴﻡ ﺒﻬـﺎ ﺍﷲ ﺴـﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌـﺎﻟﻰ
ﺭ
ﺒﻘﻭﻟﻪ: ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻭﻀ ﺎ ﺎ] ﺍﻟﺸﻤﺱ: ١[، ﻭﻫﻲ ﺘﺘﻤﻴﺯ ﺒﺄﻥ
ﻭ ﱠ ِ ﺤ ﻫ
ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻭﺍﻤل ﺠﺫﺏ ﻗﻭﻴﺔ ﻟﻤﺎﺩﺘﻬﺎ ﺒﺎﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺭﻜﺯ ﺘﻘﺎﺒﻠﻬﺎ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ
- ٧٣ -
38. ﺍﻟﻬﺎﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻁﺭﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻭﻟﻭﻻ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺎ ﺒـﻴﻥ
ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﻭﻯ ﻻﻨﻔﺠﺭﺕ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻤﺜل ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻫﻴﺩﺭﻭﺠﻴﻨﻴـﺔ ﻫﺎﺌﻠـﺔ،
ﻓﺘﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ. ﺇﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﺒﻌﺩ ﺍﻷﺭﺽ
ﻋﻥ ﺍﻟﺸﻤﺱ ﻫﻭ ﻤﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺤﺴﻭﺏ ﺒﺎﻟﻘﺩﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻠﻭ ﻜﺎﻨـﺕ
ﺃﻗﺭﺏ ﺃﻭ ﺃﺒﻌﺩ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ ﻻﻨﺘﻬﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻴ ﺎ.
ﻀ
ﻭﺇﻥ ﻤﻥ ﺃﻋﻅﻡ ﻤﺎ ﻤﻨﺤﻪ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﻜﻭﻥ ﻫﻲ ﻗﻭﺓ ﺍﻟﺠﺎﺫﺒﻴﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻤﺴﻙ ﺒﺄﻁﺭﺍﻓﻪ ﻭﺘﺘﺤﺩﺩ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺤﺴﺏ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﻭﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﻟﻜل
ﺠﺴﻡ ﻤﺎﺩﻱ، ﻭﻟﻭ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻻﻨﺩﻤﺠﺕ ﺍﻟﻜﻭﺍﻜﺏ
ﻭﺘﻼﺸﺕ ﻤﻌﺎﻟﻤﻬﺎ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ: ﺍﷲ ﺍﱠـ ِﻱ ﺭ ﹶـﻊ
ُ ﻟ ﺫ ﻓ
ﺍﻟﺴ ﺎﻭﺍﺕ ِﻐﻴ ِ ﻋﻤﺩ ﺘﺭﻭﻨ ﺎ ﺜ ﺍﺴﺘ ﻯ ﻋ ﹶﻰ ﺍﻟﻌﺭﺵ ﻭ ـﺨﺭ
ﻤ ِ ﺒ ﹶ ﺭ ٍ ﹶ ﹶﻬ ﹸﻡ ﹶﻭ ﻠ ﹾ ِ ﺴ ﱠ
ﺍﻟﺸﻤﺱ ﺍﻟﻘ ] ﺍﻟﺭﻋـﺩ: ٢[، ﻭﻟﻨﻨﻅـﺭ ﻤـﺜﻼ ﻟﻠﻌﻼﻗـﺎﺕ
ﹰ ﱠ ﻭ ﹾ ﹶﻤﺭ
ﺍﻟﻤﺘﻭﺍﺯﻨﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﺠﺭﺍﻡ ﺍﻟﻜﻭﻨﻴﺔ ﻓﻴﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻻ ﺍﻟ ﱠﻤﺱ
ﹶ ﺸ
ﻨﺒ ِﻲ ﻟ ﺎ َﻥ ﺘﺩﺭﻙ ﺍﻟﻘ ﻻ ﺍﻟﻠﻴل ﺎﺒﻕ ﺍﻟﻨ ﺎﺭ ﻭ ﹸـل ِـﻲ
ﻴ ﻐ ﹶﻬ ﺃ ﹸ ِ ﹶﻤﺭ ﻭ ﹶ ﱠ ُ ﺴ ِ ﹸ ﱠﻬ ِ ﻜ ﱞ ﻓ
ﻓﻠ ٍ ﻴﺴﺒ ﻭﻥ] ﻴﺱ: ٠٤[، ﻭﺍﻵﻴﺔ ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺘﺜﺒﺕ ﻜﻴﻑ
ﹶ ﹶﻙ ﺤ
ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻫﻲ ﺠﺯﺀ ﻻ ﻴﺘﺠﺯﺃ ﻤﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺍﺴﻊ، ﺤﻴـﺙ
ﻴﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺃ ﻟﻡ ـﺭ ﺍﱠـ ِﻴﻥ ﻜ ﹶـ ﻭﺍ ﺃﻥ ﺍﻟ ـ ﺎ ﺍﺕ
َﻭ ﹶ ﻴ ﻟ ﺫ ﹶﻔ ﺭ َ ﺴ ﻤ ﻭ ِ
ﺍﻷﺭ ﹶﺎﻨ ﹶﺎ ﺭﺘ ﹰﺎ ﻓﻔﺘﻘ ﹶﺎﻫ ﺎ ﻭﺠﻌﻠ ﹶﺎ ﻤﻥ ﺍﻟ ﺎﺀ ﻜ ﱠ ﺸﻲ ٍ ﺤﻲ
ﻭ َ ﺽ ﻜ ﹶﺘ ﹾﻘ ﹶ ﹶ ﹶ ﹾﻨ ﻤ ﹾﻨ ِ ﹾﻤ ِ ﹸل ﹶ ﺀ
ﺃﻓﻼ ﻴﺅﻤ ﹸﻭﻥ] ﺍﻷﻨﺒﻴﺎﺀ: ٠٣[.
َ ﹶ ﹶ ِ ْ ﻨ
- ٨٣ -
39. ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻅﺭﺓ ﺍﻟﻔﻴﺯﻴﺎﺌﻴﺔ ﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺘﺒﺭﺯ ﺒﻭﻀﻭﺡ ﻜﻴﻑ ﺃﻥ
ﺃﺠﺯﺍﺀﻩ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺼﻐﻴﺭﺓ ﻜﺎﻨﺕ ﺃﻡ ﻜﺒﻴﺭﺓ، ﺒﻌﻴﺩﺓ ﻋ ﹼﺎ ﺃﻡ ﻗﺭﻴﺒﺔ،
ﻨ
ﺘﺭﺘﻜﺯ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻟﻭﻻ ﺫﻟﻙ ﻻﻨﻌﺩﻡ ﻜل ﺸـﻲﺀ
ﻭﺼﺎﺭ ﻤﺎﺩﺓ ﻤﻥ ﻏﻴﺭ ﺘﻔﺎﺼﻴل ﻟﻬﺎ ﺃﻭ ﻨﻅﺎﻡ. ﻭﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺘـﻭﺍﺯﻥ
ﻭﺍﻟﺠﺎﺫﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ ﺍﻷﻋﻅـﻡ
ﻤﺘﻨﺎﺴﻘﺔ ﺒﺘﺠﺎﻨﺱ، ﺒﺤﻴﺙ ﺇﻥ ﻜﻼ ﻤﻨﻬﺎ ﻴﺅﺩﻱ ﺩﻭﺭﻩ ﺒﺈﺘﻘﺎﻥ، ﻭﺘﻠﻙ
ﹰ
ﺍﻟﻘﺎﻋﺩﺓ ﺘﺼﺩﻕ ﻓﻲ ﺃﻋﻅﻡ ﺨﻠﻕ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﺤﺠ ـﺎ )ﺍﻟﻤﺠـﺭﺍﺕ
ﻤ
ﻭﺍﻟﺸﻤﻭﺱ ﻭﺍﻟﻜﻭﺍﻜﺏ( ﻜﻤﺎ ﺘﺼﺩﻕ ﻓﻲ ﺃﺼﻐﺭﻫﺎ )ﺍﻟﺫﺭﺍﺕ(.
ﻭﻨﺤﻥ ﻨﻌﺭﻑ ﺃﺒﺴﻁ ﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺭﺒﻁ ﺍﻟﺸـﻤﻭﺱ
ﻭﺍﻷﻗﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻜﻭﺍﻜﺏ، ﻭﻫﻲ ﻗﻭﺓ ﺍﻟﺠﺎﺫﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﻊ ﻗـﻭﺓ
ﺍﻟﻁﺭﺩ ﺍﻟﻤﺭﻜﺯﻱ ﺒﻔﻌل ﺍﻟﺩﻭﺭﺍﻥ، ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻘـﻭﺘﻴﻥ
ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻬﻴﺊ ﻟﻼﻟﺘﺯﺍﻡ ﻭﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﺓ ﻟﻠﻜﻭﺍﻜﺏ
ﺤﻭل ﺸﻤﻭﺴﻬﺎ ﻭﺍﻷﻗﻤﺎﺭ ﺤﻭل ﻜﻭﺍﻜﺒﻬﺎ، ﻭﻟﻭﻻ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻤﺎ
ﺒﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺸﻲﺀ ﻴﺘﻤﻴﺯ ﻋﻥ ﺒﻌﻀﻪ، ﻭﻻﺨﺘﻠﻁﺕ ﺍﻷﺠﺴـﺎﻡ
ﻭﺍﻨﻌﺩﻤﺕ ﺍﻟﻔﺼﻭل ﻭﺍﺨﺘﻔﻰ ﺍﻟﻠﻴل ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺘﻼﺸـﺕ ﺒﺎﻟﺘـﺎﻟﻲ
ﺃﺴﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻻ ﺸﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻤﻌﺘﻤـﺩﺓ ﻜﻠ ـﺎ
ﻴ
ﻋﻠﻰ ﺩﻭﺭﺘﻬﺎ ﺤﻭل ﺍﻟﺸﻤﺱ، ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻥ ﻤﺩﺍﺭ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺩ ﺍﻨﺤﺭﻑ
- ٩٣ -
40. ﺤﺘﻰ ﻭﻟﻭ ﺒﻘﺩﺭ ﻁﻔﻴﻑ ﻋﻥ ﻤﺴﺎﺭﻩ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻲ ﻟﻤﺎ ﻅﻬـﺭ ﺍﻟﻤـﺎﺀ
ﺃﻭ ﺃﻱ ﺸﻜل ﻤﻥ ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﺍﻨﻅﺭ ﺇﻟﻰ ﻤﻌﺠﺯﺓ ﺨﻠﻕ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻜﻴﻑ ﺃﻨﻬﺎ
ﹸ
ﺠﺎﺀﺕ ﻤﺘﻭﺴﻁﺔ، ﻓﻠﻭ ﺯﺍﺩﺕ ﻋـﻥ ﻜﺘﻠﺘﻬـﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴـﺔ ﻻﺯﺩﺍﺩﺕ
ﺠﺎﺫﺒﻴﺔ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺍﻟﺘﺼﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﻓﻴﻬـﺎ، ﻭﺍﻟﻌﻜـﺱ
ﺼﺤﻴﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻭ ﺃﻥ ﻜﺘﻠﺘﻬﺎ ﻗﹼﺕ، ﻟﻨﻘﺼـﺕ ﺠﺎﺫﺒﻴﺘﻬـﺎ ﻭﻁـﺎﺭ
ﻠ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺩﻭﺍﺏ ﻭﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻭﺍﺀ، ﻭﻓﻲ ِﻠﺘﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻥ ﻟـﻥ
ﻜ
ﻴﻜﻭﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻤﺠﺎل ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺃﻱ ﻨﻭﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻁﺒ ﺎ.
ﻌ
ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺎﺌﻲ ﻴﻘﻭل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﻫﻭ ﺍﻟ ِﻱ ﻤﺭﺝ
ﱠﺫ
ﺍﻟﺒﺤﺭﻴﻥ ﻫ ﹶﺍ ﻋﺫﺏ ﻓ ﺍﺕ ﻭﻫ ﹶﺍ ﻤﻠﺢ ﺃ ـﺎﺝ ﻭﺠ ـل ﻴﻨﻬ ـﺎ
ﹾ ِ ﺫ ﹾ ﹸ ﺭ ﹲ ﺫ ِ ﹾ ُ ﺠ ﻌ َ ﺒ ﹶ ﻤ
ﺒﺭﺯ ﹰﺎ ﻭﺤﺠ ﺍ ﻤﺤ ﻭﺭﺍ] ﺍﻟﻔﺭﻗﺎﻥ: ٣٥[، ﻭﻴﺘﻜﺭﺭ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﻓﻲ
ﺨ ِ ﺭ ﺠ
ﺁﻴﺔ ﻜﺭﻴﻤﺔ ﺃﺨﺭﻯ ﻓﻲ ﻗﻭﻟﻪ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻤﺭﺝ ﺍﻟﺒﺤﺭﻴﻥ ﻴﻠﺘﻘ ﺎﻥ *
ﹾ ِ ﹾ ﹶ ِﻴ ِ
ﺒﻴﻨﻬ ﺎ ﺒﺭﺯﺥ ﻻ ﻴﺒﻐ ﺎﻥ] ﺍﻟـﺭﺤﻤﻥ: ٩١ ـ ٠٢[، ﻭﺍﻵﻴـﺎﺕ
ﹶ ﻤ ﹲ ﱠ ِ ﻴ ِ
ﺍﻟﻜﺭﻴﻤﺔ ﺘﺘﺤﺩﺙ ﻋﻥ ﺃﺤﻭﺍﺽ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﻟﺤﺔ ﻭﺃﻨﻬـﺎﺭ ﺍﻟﻤﻴـﺎﻩ
ﺍﻟﻌﺫﺒﺔ ﻜﻴﻑ ﺘﻠﺘﻘﻲ ﻭﺘﺼﺏ ﺍﻷﺨﻴﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﺍﻤﺘﺯﺍﺝ
ﺒﻴﻨﻬﺎ، ﻓﻼ ﺘﺨﺘﻠﻁ ﻤﻴﺎﻩ ﺍﻷﻨﻬﺎﺭ ﺒﺎﻟﺒﺤﺎﺭ، ﻭﺘﻅل ﺍﻷﻨﻬـﺎﺭ ﻋﺫﺒـﺔ
ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻁﺎﺕ ﻤﺎﻟﺤﺔ ﺒﻤﺎ ﺃﻗﺎﻡ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ ﻤﻥ ﺒـﺭﺯﺥ ـ ﻓﺎﺼـل
ﺃﻭ ﺤﺎﺠﺯ ـ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ.
- ٠٤ -
41. ﻭﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺃﺨﺭﻯ، ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺃ ﹶـﻡ ﻨﺠ ـل ﺍﻷﺭ
َ ﻟ ﹶ ﻌ ِ َ ﺽ
ﻤ ﺎ ﺍ . ﺍﻟﺠ ﺎل ﺃﻭ ﹶﺎ ﺍ] ﺍﻟﻨﺒﺄ: ٦ ـ ٧[، ﻓﻘﺩ ﹸﺒﻬﺕ ﺍﻟﺠﺒـﺎل
ﺸ ِﻬ ﺩ ﻭ ﹾ ِﺒ َ َ ﺘ ﺩ
ﺒﺎﻟﻭﺘﺩ ﻟﺘﺜﺒﻴﺕ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﻫﺫﻩ ﺩﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺃﻨﻌـﻡ ﺍﷲ ﺘﻌـﺎﻟﻰ
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺨﻠﻕ ﺍﻟﺠﺒﺎل، ﻟﻜﻲ ﺘﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺘﺜﺒﻴﺕ ﺍﻟﻘﺸﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ
ﻭﺘﺤﻔﻅ ﺘﻭﺍﺯﻨﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﻻ ﺘﻤﻴﺩ ﺒﻨﺎ ﻭﺘﻀﻁﺭﺏ، ﻜﻤـﺎ ﺃﻥ ﻫـﺫﻩ
ﺍﻟﺠﺒﺎل ﺘﺤﺎﻓﻅ ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻜﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﻓﻴﺼـﻴﺭ ﺩﻭﺭﺍﻨﻬـﺎ
ﻤﻨﺘﻅ ﺎ ﺒﺎﻟﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻨﺱ ﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﻘﺸﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ، ﻓﻘـﺎل ﺍﷲ
ﻤ
ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﻟﺠ ﺎل ﺃﺭ ـﺎ ﺎ] ﺍﻟﻨﺎﺯﻋﺎﺕ: ٢٣[، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﻗﻭﻟـﻪ
ﻭ ﹾ ِﺒ َ َ ﺴ ﻫ
ﺘﻌﺎﻟﻰ: ل ِﻴ ﺎ ﺭ ﺍﺴﻲ ِﻥ ﻓﻭ ِ ـﺎ] ﻓﺼـﻠﺕ: ٠١[،
ﻭﺠﻌ َ ﻓ ﻬ ﻭ ِ ﻤ ﹶ ﻗﻬ
ﻭﻟﻠﺩﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺘﺒﺎﻁ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﺠﺒـﺎل، ﻗـﺎل ﺍﷲ
ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺃﻟ ﹶﻰ ِﻲ ﺍﻷﺭ ِ ﺭ ﺍﺴﻲ َﻥ ﺘ ِﻴﺩ ﺒ ﹸـﻡ ﻭﺃﻨ ـﺎ ﺍ
َﹾﻘ ﻓ َ ﺽ ﻭ ِ ﺃ ﹶﻤ ِ ﻜ َ ﹾﻬ ﺭ
ﻭﺴﺒﻼ ﻟﻌﻠﻜﻡ ﺘﻬﺘ ﻭﻥ] ﺍﻟﻨﺤل: ٥١[.
ﹰ ﱠ ﱠ ﹸ ﹶ ﹶﺩ
ﺇﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﺒﺭﺍﻜﻴﻥ ﻴﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺘﺨﻔﻴـﻑ ﺍﻟﻀـﻐﻁ ﺩﺍﺨـل
ﺍﻷﺭ ِ، ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺯﻻﺯل ﺘﻌﻤـل ﻋﻠـﻰ ﺘﺨﻔﻴـﻑ ﺍﻟﻀـﻐﻁ
ﺽ
ﺍﻟﻤﻴﻜﺎﻨﻴﻜﻲ ﺍﻟﻬﺎﺌل ﺩﺍﺨل ﺍﻟﻜﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺩ ﻋﻥ ﺤﺩﻩ، ﻤﻤﺎ
ﻴﺤﺎﻓﻅ ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺍﺯﻨﻬﺎ ﻭﻴﺤﻤﻴﻬﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺤﻁﻡ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﺘﻌﺘﺒﺭ ﺘﻠـﻙ
ﺍﻟﻜﻭﺍﺭﺙ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﺴﺎﺌﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﺒﺒﻬﺎ ﻨﻌﻤـﺔ
ﻜﺒﻴﺭﺓ ﻤﻥ ﻋﻨﺩ ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻟﻭﻻﻫﺎ ﻻﻨﻔﺠﺭ ﺍﻟﻜﻭﻜﺏ، ﻭﺍﻨﺘﻬـﺕ
- ١٤ -
42. ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺒﺭﻤﺘﻬﺎ. ﻭﻴﻌﻠﻕ ﺩ. ﺯﻏﻠﻭل ﺍﻟﻨﺠﺎﺭ ﺒﻘﻭﻟﻪ: )ﺇﻥ ﺃﻱ ﺨﻠـل
ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻜﻭﻨﻲ ﻴﺤﺩﺙ ﺒﻁﺭﻴﻘﺔ ﻓﻁﺭﻴﺔ ﻴﻀﺒﻁ ﻨﻔﺴﻪ ﺘﻠﻘﺎﺌ ﺎ،
ﻴ
ﻭﻤﺜﺎل ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﺭﺍﻜﻴﻥ ﻭﺨﺎﺼـﺔ
ﺜﺎﻨﻲ ﺃﻜﺴﻴﺩ ﺍﻟﻜﺭﺒﻭﻥ، ﺘﺴﺘﻁﻴﻊ ﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤﻴﻁـﺎﺕ ﺃﻥ ﺘـﺫﻴﺒﻬﺎ
ﻭﺘﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺘﺭﺴﻴﺒﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻥ ﺘﺩﺨل ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ ﻓـﻲ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌـﺔ
ﺒﺈﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻠﻭﺜﺎﺕ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺯﻴﺎﺩﺘﻬـﺎ ﻋـﻥ ﺍﻟﺤـﺩ،
ﻭﻨﺯﻟﺕ ﻋﻠﻰ ﺸﻜل ﺃﻤﻁﺎﺭ ﺤﻤﻀﻴﺔ ﻓﺄﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻀﺭﺭ ﻜﺒﻴﺭ ﻓـﻲ
ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺘﻴﺔ(.
ﻜﺫﻟﻙ ﻗﺎل ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﻷﺭ ِ ﹶﺍﺕ ﺍﻟﺼﺩﻉ] ﺍﻟﻁﺎﺭﻕ:
ﻭ َ ﺽ ﺫ ِ ِ
٢١[، ﻭﻫﻜﺫﺍ ﻓﺈﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﺼـﺩﻭﻉ ﺍﻟﻤﺘﺸـﺎﺒﻜﺔ ﻓـﻲ ﺃﻋﻤـﺎﻕ
ﺍﻟﻤﺤﻴﻁﺎﺕ، ﻴﺅﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻀﻐﻁ ﻭﺍﻟﺤﺭﺍﺭﺓ ﺩﺍﺨل ﺍﻟﻘﺸﺭﺓ
ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﻤﻊ ﺨﺎﺭﺠﻬﺎ، ﻭﻫﺫﺍ ﺃﻴ ﺎ ﻴﺠﻌل ﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻘﻴﻌـﺎﻥ ﻓـﻲ
ﻀ
ﺍﻟﻤﺤﻴﻁﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﺎﺫﻱ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺼﺩﻭﻉ ﻓﻲ ﻭﻀﻊ ﻏﻠﻴﺎﻥ ﻤﺴﺘﻤﺭ،
ﻭﺫﻟﻙ ﻤﺼﺩﺍ ﹰﺎ ﻟﻘﻭﻟﻪ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﺍﻟﺒﺤﺭ ﺍﻟﻤﺴ ﻭﺭ] ﺍﻟﻁﻭﺭ:٦[،
ﻭ ﹾ ِ ﹾ ﺠ ِ ﻗ
ﺃﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻐﻠﻲ ﻤﻥ ﺸﺩﺓ ﺍﻟﺤﺭﺍﺭﺓ، ﻭﻫـﺫﻩ ﺒﺎﻟﻤﻨﺎﺴـﺒﺔ ﻅـﺎﻫﺭﺓ
ﻁﺒﻴﻌﻴﺔ ﺘﻡ ﺍﻜﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﺤﺩﻴ ﹰﺎ.
ﺜ
ﺼﺩﻕ ﺍﷲ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ ﺤﻴﻥ ﻴﻘﻭل: ﺍﻷﺭ ﺒﻌﺩ ﺫ ِ ﺩ ﺎ ﺎ
ﻭ َ ﺽ ﹶﻟﻙ ﺤ ﻫ
]ﺍﻟﻨﺎﺯﻋﺎﺕ: ٠٣[، ﺃﻱ ﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤﺜل ﺍﻟﺩﺤﻴﺔ )ﺍﻟﺒﻴﻀﺔ( ﻓﻲ ﺸﻜﻠﻬﺎ،
- ٢٤ -
43. ﻭﻓﻲ ﻋﺼﺭﻨﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺘﻡ ﺍﻜﺘﺸﺎﻑ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﻭﺃﺘﻰ ﺍﻻﺴﺘﻨﺘﺎﺝ
ﺒﺄﻥ ﻗﺸﺭﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺘﻀﺎﻏﻁﻲ، ﺒﻤﻌﻨـﻰ ﺃ ﹼـﻪ
ﻨ
ﺤﻴﻨﻤﺎ ﻴﺒﺩﺃ ﺍﺨﺘﻼل ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻴﺘﻡ ﺘﻌﺩﻴﻠـﻪ ﻤﺒﺎﺸـﺭﺓ ﺒﺎﻨﻌﻜﺎﺴـﺎﺕ
ﺠﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺘﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺨﻠـل
ﻭﺒﺼﻭﺭﺓ ﺘﺩﺭﻴﺠﻴﺔ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﺘﺸﻜل ﺍﻨﺒﻌﺎﺝ ﺍﻷﺭﺽ ﻤﺜل ﺸـﻜل
ﺍﻟﺒﻴﻀﺔ. ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ﺩ. ﺍﻟﻨﺠﺎﺭ )ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎ ِﻡ ﺩﺍﺘﻭﻥ، ﻜﺎﻥ ﻗﺩ ﻗـ ﻡ
ﺩ ﻟ
ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ٩٨٨١ ﻤﺼﻁﻠﺢ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻘﺸﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀـﻴﺔ ﻤﻌﺘﻤـ ﺍ
ﺩ
ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﺨﺘﻼﻑ ﻜﺜﺎﻓﺔ ﻋﻨﺎﺼﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﺸﺭﺓ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﻴـﺅﺩﻱ
ﺇﻟﻰ ﺘﻭﺍﺯﻨﻬﺎ، ﻭﻫﺫﺍ ﻫﻭ ﺴﺒﺏ ﻜﻭﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻴﺴـﺕ ﻤﻜـﻭﺭﺓ
ﺘﻤﺎ ﺎ ﺒل ﺘﺄﺨﺫ ﺸﻜل ﺍﻟﺒﻴﻀﺔ، ﺤﻴﺙ ﺘﻤﻴـل ﺍﻟﻤـﻭﺍﺩ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔـﺔ
ﻤ
ﻟﻠﺒﺭﻭﺯ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻁﺒﻴﻥ ﻭﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﻟﻼﻨﺒﺴﺎﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨـﺎﻁﻕ
ﺍﻻﺴﺘﻭﺍﺌﻴﺔ، ﻭﺘﺸﻜﻴل ﺴﻁﺢ ﺍﻷﺭﺽ ﻫﺫﺍ ﻴﺅﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺘﻭﺍﺯﻥ ﻜﺘل
ﻗﺸﺭﺘﻬﺎ ﻤﻊ ﺒﻌﻀﻬﺎ(.
ﻭﻤﻥ ﻋﻼﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟـﺩﻭﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴـﺘﻤﺭ
ﻟﻠﻜﻭﺍﻜﺏ ﻭﺍﻟﻨﺠﻭﻡ، ﻭﻟﻭﻻ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺩﻭﺭﺍﻨﻴﺔ ﻟﻤـﺎ ﻜـﺎﻥ
ﻫﻨﺎﻙ ﻟﻴل ﻭﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻻﺨﺘﻔﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺒﺄﺴﺭﻫﺎ، ﻭﺇﺸﺎﺭﺓ ﻟﺫﻟﻙ ﻴﻘﻭل
ﺍﷲ ﺘﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺘ ﻯ ﺍﻟﺠ ﺎل ﺘﺤﺴﺒ ﺎ ﺎﻤﺩﺓ ﻭﻫﻲ ﺘ ـﺭ ـﺭ
ﹶﺭ ﹾ ِﺒ َ ﹶ ﻬ ﺠ ِ ﹰ ِ ﹶﻤ ﻤ
ﺍﻟﺴ ﺎﺏ ﺼﻨﻊ ﺍﷲ ﺍﻟ ِﻱ ﺃﺘﻘ ﻜ ﱠ ﹶـﻲﺀ ﺇ ﱠـﻪ ﺨ ِﻴـﺭ ﺒ ـﺎ
ﺤ ِ ﹾ ِ ﱠﺫ َ ﹾ ﹶﻥ ﹸل ﺸ ِ ٍ ﻨ ﹶﺒ ِ ﻤ
- ٣٤ -
44. ﺘﻔﻌﹸﻭﻥ] ﺍﻟﻨﻤل: ٨٨[، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺒﺎل ﺘﺘﺤـﺭﻙ ﻤـﻊ ﺍﻟﻘﺸـﺭﺓ
ﹶ ﹾ ﻠ
ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﻓﻲ ﺤﺭﻜﺘﻬﺎ ﺍﻟﺩﺍﺌﺭﻴﺔ ﺤﻭل ﻤﺭﻜﺯﻫﺎ، ﻭﻗـﺎل ﺘﻌـﺎﻟﻰ
ﺃﻴ ﺎ: ﻭﺴﻴﺭﺕ ﺍﻟﺠ ﺎل ﻓ ﹶﺎﻨﺕ ﺴ ﺍ ﺎ] ﺍﻟﻨﺒـﺄ: ٠٢[، ﺤﻴـﺙ
ِ ﹾ ِ ﺒ ُ ﹶﻜ ﹶ ﹾ ﺭ ﺒ ﻀ
ﺇ ﹼﻬﺎ ﺘﺴﻴﺭ ﺒﺴﻌﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﺠ ﺍ ﻓﺘﻜﻭﻥ ﻤﺜل ﺍﻟﺴﺭﺍﺏ ﻓـﻲ ﺴـﺭﻋﺔ
ﺩ ﻨ
ﺍﺨﺘﻔﺎﺌﻪ ﺤﻴﻥ ﺘﺤﺎﻭل ﺍﻟﻭﺼﻭل ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻫـﺫﻩ ﻜﻠﻬـﺎ ﻋﻼﻤـﺎﺕ
ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﺓ، ﻭﻟﻭﻻﻫﺎ ﻟﻔﻘﺩ ﻜل ﺸـﻲﺀ ﺘﻭﺍﺯﻨـﻪ
ﻷﻥ ﺍﻟﺠﺎﺫﺒﻴﺔ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻰ ﻫـﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺔ ﺍﻟﺩﻭﺭﺍﻨﻴـﺔ
ﺍﻟﻤﻨﺘﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﺓ ﺤﺘﻰ ﺘﺴـﺘﻘﺭ ﺍﻷﺸـﻴﺎﺀ ﻓـﻲ ﻤﻭﻀـﻌﻬﺎ
ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﻱ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻨﺴﺎﻥ.
ﻭﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺃﺨﺭﻯ ﻓﻘﺩ ﻭﺠﺩ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﻴﺯﻴﺎﺀ ﺃﻥ ﻜل ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ
ﻓﻲ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻴﺤﻜﻤﻬﺎ ﺘﺭﺘﻴﺏ ﺫﺭﻱ ﻤﺘﻭﺍﺯﻥ ﻻ ﻴﺨﺘـل، ﻭﺒـﺫﻟﻙ
ﺍﺴﺘﻁﺎﻋﻭﺍ ﺍﻟﺘﻨﺒﺅ ﺒﻭﺠﻭﺩ ﻋﻨﺎﺼﺭ ﺘﻡ ﺍﻜﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻻﺤ ﹰﺎ ﻭﻭﻀـﻌﻭﺍ
ﻘ
ﻗﺎﻨﻭ ﹰﺎ ﻟﺫﻟﻙ، ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺍﻷﻤﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔـﺎﻋﻼﺕ ﺍﻟﻔﻴﺯﻴﺎﺌﻴـﺔ ﻓـﺈﻥ
ﻨ
ﺍﻟﻐﺎﺯﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻭﺍﺌل ﺘﻅل ﺘﻨﺘﻘل ﻤﻥ ﺍﻟﻀﻐﻁ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻐﻁ
ﺍﻟﻤﻨﺨﻔﺽ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻴﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻀﻐﻁﺎﻥ، ﻭﻟﻭ ﺘﺭﻜﻨﺎ ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺹ ﻓﻲ
ﺍﻷﺠﺴﺎﻡ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﻭﺃﻤﻌﻨﺎ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻲ ﺩﻗﺎﺌﻘﻬﺎ، ﻟﻭﺠﺩﻨﺎ ﺃﻥ ﻨﺎﻤﻭﺱ
ﺍﻟﺨﻠﻕ ﻻ ﻴﺨﺘﻠﻑ، ﻓﻜل ﻤﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﺘﺘﺄﻟﻑ ﻤﻥ ﺍﻟـﺫﺭﺓ،
ﻭﻫﻲ ﻜﺘﻠﺔ ﺼﻐﻴﺭﺓ ﹸﻌﺭﻑ ﺒﺎﺴﻡ ﺍﻟﻨﻭﺍﺓ )ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﺤﺘـﻭﻱ ﻋﻠـﻰ
ﺘ
- ٤٤ -
45. ﺍﻟﻨﻴﻭﺘﺭﻭﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺒﺭﻭﺘﻭﻨﺎﺕ(، ﻭﺘـﺩﻭﺭ ﺤﻭﻟﻬـﺎ ﻜﺘـل ﺃﺼـﻐﺭ
)ﺍﻹﻟﻜﺘﺭﻭﻨﺎﺕ( ﻭﻟﻭﻻ ﻗﻭﻯ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻜﻬﺭﺒﺎﺌﻲ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻨـﻭﺍﺓ
ﻭﺍﻷﺠﺴﺎﻡ ﺍﻟﺩﺍﺌﺭﺓ ﺤﻭﻟﻬﺎ ﻻﻨﻔﻙ ﻋﻘﺩﻫﺎ ﻭﺘﺒﻌﺜـﺭﺕ ﻭﻻﺨﺘﻔـﺕ
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻫﺫﺍ ﻴﺠﻌل ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻓﺎﻨﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺭ ﻤﺴﺘﻘﺭﺓ ﻓﻲ
ﺸﻜل ﺜﺎﺒﺕ، ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺘﻨﺘﻬﻲ ﺍﻷﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻜﻭﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻜﺎﻨـﺕ
ﺘﺎﺒﻌﺔ ﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩ ﺃﻡ ﺍﻷﺤﻴﺎﺀ.
ﻜﻤﺎ ﻨﻼﺤﻅ ﻓـﻲ ﺍﻟﺘﻔـﺎﻋﻼﺕ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺌﻴـﺔ ﻟﻠﻤـﺎﺩﺓ ﺃﻴ ـﺎ،
ﻀ
ﺃﻥ ﺍﻹﻟﻜﺘﺭﻭﻨﺎﺕ ﺘﺒﺘﻌﺩ ﻋﻥ ﻨﻭﺍﺓ ﺍﻟﺫﺭﺓ ﺇﺫﺍ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺃﻜﺜﺭ ﻤـﻥ
ﺤﺎﺠﺘﻬﺎ ﻭﺘﻘﺘﺭﺏ ﻤﻥ ﻨﻭﺍﺓ ﺃﺨﺭﻯ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺒﺤﺎﺠﺔ ﻟﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﻴﺘﻡ ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻜﻬﺭﺒﺎﺌﻲ ﺒﻴﻥ ﺸﺤﻨﺔ ﺍﻟﻨﻭﺍﺓ ﻭﺍﻹﻟﻜﺘﺭﻭﻨﺎﺕ، ﻜﻤـﺎ
ﻴﻘﻭل ﺩ. ﺨﺩﺍ ﻤﻌﻠ ﹰﺎ: )ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻴﻴﺱ ﺍﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ ﻤﺜـل ﺤﺠـﻡ
ﻘ
ﺍﻟﺸﺤﻨﺔ ﺍﻟﻜﻬﺭﺒﺎﺌﻴـﺔ ﻟﻺﻟﻜﺘـﺭﻭﻥ ﻭﻨﺴـﺒﺔ ﻜﺘـل ﺍﻟﺒﺭﻭﺘـﻭﻥ
ﻭﺍﻹﻟﻜﺘﺭﻭﻥ ﺜﺎﺒﺘﺔ ﻓﻲ ﻁﺒﻌﻬﺎ، ﻭﻟﻭ ﺤﺩﺙ ﺍﻨﺤﺭﺍﻑ ﻭﻟﻭ ﺒﻨﺴـﺒﺔ
)ﻭﺍﺤﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﻴﺎﺭ( ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺜﻭﺍﺒﺕ ﺍﻟﻤﻁﻠﻘﺔ ﻟﺠﻌل ﺍﻟﻨﺠﻭﻡ ﺇﻤﺎ
ﻋﺎﺠﺯﺓ ﻋﻥ ﺤﺭﻕ ﺍﻟﻬﻴﺩﺭﻭﺠﻴﻥ ﻭﺇﺤﺎﻟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﻴﻠﻴﻭﻡ ﺃﻭ ﺠﻌﻠﻬﺎ
ﻏﻴﺭ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻨﻔﺠﺎﺭ، ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻤﺎ ﻴﻘﻠﺏ ﺼـﻭﺭﺓ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘـﺔ
ﺭﺃ ﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘـﺏ ﻭﻤﻤـﺎ ﻴﺤـﻭل ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻁـﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﺸـﻭﺀ
ﺴ
ﻭﺍﻻﺭﺘﻘﺎﺀ(، ﻭﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ﻤﻨﻅـﻭﺭﻱ: )ﺇﻥ ﻤﺴـﺘﻭﻴﺎﺕ ﺍﻟﻁﺎﻗـﺔ
- ٥٤ -
