… وكان الصباح، البوسطة تنتظر على البيدر في ساحة الضيعة، امتلأت الطلبية، معقول أن يكون العدد عشرين فقط؟ يا الله وين هالشباب وين الستات والصبايا؟ قلت لا بأس المهم على الاقل أن نسجّل حضورنا موقفنا مشاركتنا في عرس الايام، ومشت بنا البوسطة محملة بأغانيا وهتافاتنا وتكاد تختفي معالمها تحت الاعلام اللبنانية التي تغمرها وتزينها، ووصلنا، بصعوبة بالغة وسط موج السيارات والبوسطات وصلنا بيروت، نزلت البوسطة الى حيث خصصت أماكن ركن السيارات وأما نحن فبدأنا المسيرة من الاشرفية وكانت البداية.
دائماً بدايات العز تُرسم وتنطلق من الاشرفية، غريب هذا التاريخ كيف يدور حول نفسه ليذكّر من يحب أن ينسينا بأن لا الزمن ولا الناس ولا الاحداث يمكن أن يمحوا تاريخ أبطال حفروا للناس والمطارح محطات تاريخ هي تاريخهم، الشيخ بشير صباحك أتينا على الموعد يا شب الحلو، وكانت صوره مدروزة في كل مكان والناس تتدفق شلال من كل الاتجاهات.
وفجأة رأيتهم، شباب وصبايا ضيعتي وستّات أيضاً، حاملون العالم اللبناني وأتون باتجاه مدرسة الحكمة حيث كان التجمّع، انهم هنا لم يتخلّفوا عن نداء الحب والواجب، ضحكت، ارتجف قلبي، شعرت بالفخر، لم أر من كل تلك الحشود بداية الا أهل ضيعتي، هي أنانية الحب هو حب الانتماء بأن يكون من تحب مشاركاً في لحظة حب لا تقارن لوطن لا يقارن رغم كل شيء.
وبدأ اللقاء العظيم، عشرات الالوف من البشر، قلنا مستحيل أن يزيد العدد، ولما اقترب الظهر كانت حدّة الشمس تلفح نحو مليون لبناني في ساحة واحدة في قلب بيروت، أمر مرعب، نظرت من حولي لم أر أحداً، كان موج من بشر يتحرّك بتلقائية غريبة، اغان صراخ هتاف تلويح تصفيق، جنون الحرية ليس أقل من ذلك، خفت حاولت الابتعاد من وسط المكان لم أجد منفذاً، قلت هذه هي النهاية سأختنق في التدافع بالتأكيد، كانت الاكتاف متلاصقة لكن لم يلمس أحد أحداً الا بالبسمات.