SlideShare a Scribd company logo
1 of 184
Download to read offline
‫أ‬
‫امرية واللهب‬
‫ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬
              ‫א‬         ‫א‬           ‫א‬
      ‫.‬                                          ‫אא‬
          ‫א‬
‫)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ‬                 ‫א‬                  ‫אא‬
‫ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ‬
                                ‫א‬           ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (‬
                    ‫א‬       ‫א‬           ‫.‬
  ‫.‬           ‫א א‬
‫أ‬
‫امرية واللهب‬
   ‫ق�ص�ص ق�صرية‬



    ‫رائد قا�سم‬
    ‫7241هـ ـ 6002م‬
‫اإهداء‬
‫اإىل ال�شم�س التي ت�رشق كل يوم لتعم باأ�شعتها‬
                                        ‫أ‬
‫اأرجاء الر�س املكبلة.. اإىل القمر الذي ينري الليل‬
‫احلالك..اإىل النجوم التي تزين ال�شماء الدام�شة‬
                  ‫أ‬
‫لتزيل الوح�شة والغربة عن النف�س التائهة يف‬
‫طريق معتم ب�شحراء موح�شة اأو بحر عجاج...‬
‫اإىل كل اإن�شان �شخر وجوده من اجل اأن ي�شيء‬
                       ‫للن�شان طريق احلرية...‬ ‫إ‬


                      ‫‬
‫املقدمة‬
‫يف واقعنا العربي تربز املاأ�شاة املجلجلة التي تعي�شها‬
‫المة العربية، حيث حتيا �شعوبها على ثروات �شخمة‬        ‫أ‬
‫وموارد هائلة، اإل اأنها ل تنال منها �شوى الفقر والبو�س،‬
     ‫ؤ‬
                      ‫أ‬
‫مدن ال�شعب العربي قبور على الر�س، حياته لي�شت‬
‫�شوى �شجن كبري يدعى وطن حتكمه اأنظمة بولي�شية قمعية‬
‫ل تعرف من الن�شان �شوى انه مطية ل�شتمرار حكمها‬
                                         ‫إ‬
‫وا�شتفرادها بخرياته، من هنا تربز قيمة احلرية كاأعظم نعمة‬
‫ربانية، من اهلل بها على الن�شان، وحني تغيب يعي�س وكاأنه‬
                                 ‫إ‬              ‫َ‬
‫يف �شيف �شموم لي�س له نهاية، اأو �شتاء قار�س لي�س هناك‬

                           ‫‬
‫اأمد لنق�شائه، كنت اعرف �شبان مليئني باحليوية والنطلق‬
‫نحو امل�شتقبل، حاولوا فقط اأن يعي�شوا حريتهم بتلقائية اإل‬
‫اأن ال�شباح التي تعيث يف ف�شائهم الب�رشي وئدت حركتهم‬ ‫أ‬
‫واأم�شكت باأج�شادهم املنطلقة يف حميطها الجتماعي ال�شيق‬
‫واملحدود واألقت بهم يف غياب ال�شجون �شنوات طويلة‬
‫من اأعمارهم دون حماكمة اأو توجيه تهمة، وعندما اأطلق‬
‫اجللدون �رشاحهم من ال�شجن ال�شغري اإىل املعتقل الكبري‬
‫كانت حياة ال�شجن قد اأثرت على �شماتهم ال�شخ�شية‬
‫وطبائعهم ال�شوية، كانوا يخافون من تذكر تلك الليايل‬
‫الطويلة يف ال�شجن مبا حتويه من اهانة وتعذيب وا�شتهانة‬
‫بكرامتهم، مل يرغبون اأبدا يف التعريف مبظلمتهم، كان كل‬
‫ما يرغبوا به اأن يعي�شوا بقية اأعمارهم يف اأمان، بعيدا عن‬
‫ال�شياط واأدوات التعذيب والحتقار لدواتهم الن�شانية،‬
         ‫إ‬
‫عرفت احدهم عن قرب، ممتلئ اجلثة، طويل القامة، يخرج‬
‫من عينيه �رشر القوة والب�شالة، وروح النتماء لتيار ديني‬
                           ‫‬
‫ثوري هادر، وما اأن خرج من ال�شجن حتى اأنطفاأ وهج‬
‫قوته، وتوارت ملمح البطولة وال�شجاعة، نربات �شوته‬
‫تراجعت حدتها وحتول اإىل �شاب اقرب اإىل ال�شذاجة منه‬
‫اإىل الثقافة والتدين امل�شوب بالفتوة، وكنت قد عرفت �شابا‬
‫متدينا، يف نظري لي�س �شوى رقيق لل�شلطة الدينية التقليدية‬
‫واملفاهيم ال�شاذجة واملتطرفة، اإن�شان يريد اأن يفر�س وجهة‬
‫نظر مت�شددة على جمتمع ديني غارق يف القيم ال�شوداء‬
                                                     ‫آ‬
‫والراء املتعنتة، كان يعتقد اأن جمتمعه بحاجة اإىل التم�شك‬
‫بالدين وا�شتيعابه بعمق والنهل منه اأكرث، وكان ي�شعى اإىل‬
      ‫أ‬        ‫آ‬                      ‫أ‬
‫�شحق التيارات الخرى، وتدمري كافة الراء والفكار‬
‫املخالفة لفهمه الديني اخلا�س، وهو اليوم لي�س �شوى مري�س‬
‫يتلقى العلج يف اإحدى العيادة النف�شية! وكان يل �شديق‬
‫تويف رحمه اهلل بعد اأن انعدمت كافة فر�شة احلياة الطبيعة‬
‫اأمامه، لقد عار�شه اأهله ومنعوه من درا�شة العلوم الدينية،‬
‫وكانوا ي�شنون عليه حربا نف�شية قذرة ،مل يجد اأية مو�ش�شة‬
        ‫ؤ‬

                           ‫‬
‫اجتماعية اأو حكومية حتل م�شاكله اأو تهتم به ك�شاب يف‬
‫مقتبل العمر، فاأ�شيب باملر�س النف�شي الذي اودى بحياته‬
             ‫ؤ‬
                                                ‫أ‬
‫يف نهاية المر، كنت �شابقا ا�شعر مبلل ل اعرف من اأين‬
‫م�شدره، كنت اأقول اإن يف حياتنا اخلا�شة والعامة خلل‬
‫مبهم، ل ميكن اأن تكون حياتنا هذه هي التي اأرادها اهلل لنا،‬
‫كنت ا�شعر بال�شيق وتنتابني حالت من الرغبة ال�شديدة‬
       ‫أ‬          ‫أ‬
‫يف اخلروج من وطني لكت�شف العامل الو�شع، ل�شعى‬
‫بقدر ما اأوتيت من قوة لكت�شاف اخللل الذي يعي�شه‬
‫ويتمرغ فيه �شعبنا العربي اأميا مترغ، مل اأكن اعرف اأن ما‬
‫نحياه يف جمتمعاتنا املتدينة املحافظ �شوى �رشاب نح�شبه‬
‫ماء لي�س له وجود، كل ما ندركه لي�س له طعم ول رائحة،‬
‫جمرد اأوهام كبلتنا وجعلتا اأ�رشاء لها، ذلك اأن احلرية لي�شت‬
‫�شوى اإك�شري احلياة وروحها ومن دونها نغدو كاجل�شد‬
                                        ‫أ‬
‫الذي يعي�س على الجهزة ال�شطناعية دون اأمل يف �شفاء،‬
‫اإنها عزيزي القارئ حياتنا يف بلدنا العربية، حياة الرجل‬
                           ‫01‬
‫أ‬
‫واملراأة، الغني والفقري، املتعلم والمي، جميعهم �شواء يف‬
‫حياة بائ�شة يت�شاوى يوماها ولي�س من قيمة تذكر ل�شاعاتها‬
                                    ‫ودقائقها وثوانيها.‬
‫لقد كتبت الكثري من الكتب وجميعها ت�شب يف خانة‬
‫واحدة ،ع�شب هذه احلياة و�رشها املكنون ((احلرية)) اإن هذه‬
            ‫أ‬
‫املجموعة الق�ش�شية هي املحاولة الثانية بعد ((لنك امراأة))‬

‫التي �شدرت يف عام 4002م، قراأت كتب كثرية وكان‬
‫منهج العديد منها اأن يح�شوا الن�س مبجموعة من الق�ش�س‬
‫للتدليل على الراأي وال�شت�شهاد على الفكرة، وتعج‬
‫الكتب ال�شماوية يف مقدمتها القران الكرمي بالق�ش�س،‬
‫ذلك اأنها تخاطب النف�س الب�رشية من خلل فطرتها ال�شوية‬
‫بعيدا عن التهويل والتكلف التي تنتهجها بع�س اخلطب‬
                          ‫أ‬
‫واملواعظ وبع�س مناهج طرح الفكار ووجهات النظر،‬
       ‫أ‬
‫لذلك عزمت اأن اأ�شع بني يدي القارئ بع�س الفكار‬
‫املت�شلة باأهم قيمة اإن�شانية على الطلق يف قالب ق�ش�شي‬
                            ‫إ‬
                              ‫11‬
‫حي، على ذلك ي�شاهم يف بلورة القيم احليوية والروىء‬
‫اخللبة التي تفتقدها جمتمعاتنا العربية منذ قرون طويلة،‬
‫اأن هديف هو ك�رش الهالة ال�شحرية لل�شتبداد الذي �شيطر‬
‫على حياة الن�شان العربي ودمر �شخ�شيته ال�شوية وحوله‬
                                          ‫إ‬
                        ‫أ‬
‫اإىل خملوق م�شخر لقوى ال�رش والنانية التي حتكمه ومت�شك‬
‫بحياته وجممل وجوده، مل اأرى اأف�شل وانعم واألطف على‬
                          ‫أ‬
‫الذات العربية كغريها من الرواح الن�شانية اللطيفة‬
               ‫إ‬
‫بحكم الفطرة والطبيعة والتكوين من الق�شة التي تخاطب‬
‫العقل دون ابتذال وتعقيد، وتتلقاها النف�س بان�شياب‬
‫وحتاول تخطي احلواجز الثقافية والفكرية التي ل ت�شتطيع‬
      ‫أ‬
‫مناهج التلقني واليحاء جتاوزها يف العديد من الحيان،‬
                                     ‫إ‬
‫اإل اأن الق�شة قادرة على ذلك ومن ثم حمل العديد من‬
‫الر�شائل املوثرة بلغة عذبة يافعة، اأمتنى اأن ت�شاهم هذه‬
                                            ‫ؤ‬
‫املجموعة الق�ش�شية يف تب�شري املليني من العرب رجال‬
‫ون�شاء من الذين يعي�شون على هام�س احلياة بواقع حياتهم‬
                         ‫21‬
‫املومل واملحزن الذي حموره انعدام احلرية و�شيوع ال�شتبداد‬‫ؤ‬
‫والديكتاتورية كقوة هيمنة واإخ�شاع حتاول تدمري ما تبقى‬
           ‫من اإن�شانية ال�شخ�شية العربية يف القرن اجلديد.‬



       ‫رائد قا�سم‬
   ‫1/ 6/ 6002م‬




                          ‫31‬
‫ذات عا�شق‬
‫ذات عا�صق‬
‫ي�شتيقظ يف جوف الليل على رخيم �شوت....‬
        ‫- منري ا�شتيقظ ما هذه �شاعة نوم.‬
                 ‫- من يناديني، من اأنت؟‬
                       ‫- اأنا القادم منك.‬
                            ‫- من تكون؟‬
         ‫- اأنا اأنت واأنت اأنا ل فرق بيننا!‬
                ‫1‬
‫- اأيعقل اأن نكون واحدا؟‬
‫- نحن كيان واحد، ذات واحدة، هل تريد اأن‬
                                      ‫تراين؟‬
                          ‫- نعم ل بد من ذلك.‬
     ‫أ‬
‫كتل هوائية تتجمع ب�رشعة، هواء منع�س يعم الرجاء،‬
                     ‫ج�شم اأثريي ي�شع منه نور ملئكي‬
                              ‫- يا الهي هذا اأنا.‬
‫- قلت لك اأنا هو ذات واحدة، هل ترغب‬
                                ‫مبرافقتي؟‬
                                    ‫- اإىل اأين؟‬
                                 ‫- اإىل احلقيقة.‬
                 ‫مي�شك بيده ويحلقان يف الف�شاء...‬
                       ‫1‬
‫- يا لروعة هذه النجوم يف هذا الليل البهي.‬
                  ‫- نعم يا منري اأنها جميلة ورائعة.‬
                    ‫- ما هذا؟ املح اأطفال يبكون.‬
                             ‫- تعال لرنى ما بهم.‬
                  ‫أ‬
‫يقرتب منري ب�شحبة ذاته من الطفال..الذات ت�شاأل‬
                                               ‫أ‬
                                         ‫الطفال.‬
‫- ما بكم يا اأحبابي؟ اأين والديكم؟ وما الذي جاء‬
‫بكم اإىل هنا؟ يبكي طفل ب�شدة، يحت�شنه منري، يقف اأبلغهم‬
                                            ‫ويقول...‬
‫- كنت ام�شي يف احلديقة ب�شحبة اأبي واأمي واأخوتي،‬
                        ‫أ‬
‫تعرثت رجلي ف�شقطت على الر�س ووقعت على لغم‬
‫فوجدت نف�شي هنا، راأيت ج�شدي من بعيد خم�شبا بدمائه‬
‫ووالداي واأخوتي مذهولني يبكون وينتحبون ول يعرفون‬
                           ‫1‬
‫ماذا يفعلون.‬
             ‫- واأنت يا �شغريي ما الذي جاء بك؟‬
          ‫- لقد قتلتني ر�شا�شة طائ�شة يف احلرب.‬
                                        ‫- واأنت؟‬
‫- لقد بقيت مع اأمي خم�شة اأيام مل اأذق خللها اأي‬
 ‫طعام اأو �رشاب، ومل اعد اأقوى على احلياة فجئت اإىل هنا.‬
                   ‫- اأمل جتدوا اأي طعام اأو �رشاب؟‬
‫- الطعام وال�رشاب على مقربة منا، ولكن املعارك‬
‫الدائرة �شديدة لدرجة رهيبة والغداء الذي ياأتي األينا‬
                                           ‫أ‬
‫يح�شل عليه القوياء، اأما ال�شعفاء اأمثالنا فلي�س لهم اإل‬
                                 ‫اجلوع والعط�س واملوت.‬
                                  ‫يتاأثر منري بكلمهم‬

                          ‫02‬
‫- يا الهي اأيعقل اأن تقتل الرباءة يف غمرة ن�شوتها‬
                 ‫وحترم من البت�شامة يف ب�شتان زهرتها؟‬
‫تهب ريح �شديدة الوطاأة، مي�شك منري بيد ذاته، يحاول‬
‫اأن مي�شكه بقوة حتى ل يبتعد عنه، ولكن يديهما تفرتقان‬
                                          ‫عن بع�شهما..‬
‫- ل تقلق يا منري �شاأراك وتراين كلنا نف�س واحدة.‬
                          ‫- كيف �شيكون ذلك؟‬
‫- عندما ت�شعر باحلب ينت�رش يف كيانك وت�شعر باأن‬
‫جميع الب�رش هم اإخوة لك حينها فقط �شرتاين بجانبك مهما‬
                              ‫ؤ‬
                          ‫كانت الظروف قا�شية وموملة.‬
‫ي�شري منري وحيدا، يرى نور دافق، اأرواح لرجال ون�شاء‬
             ‫واأطفال تغرد يف رو�شة يفوح منها العطر..‬
                    ‫- من انتم وملاذا تعي�شون هنا؟‬
                         ‫12‬
‫- منري هل يعقل اأن ل تعرفنا، هل جتزم بذلك؟‬
                            ‫- �شدقوين ل اأعرفكم.‬
‫- بل تعرفنا يا منري جيدا، ولكنك مثل غريك من بني‬
‫الب�رش تخليت عنا وتركتنا مل�شرينا فاأ�شبحنا اأ�رشاء لقدرنا‬
                                                 ‫املحتوم.‬
                       ‫- من تكونون بحق ال�شماء؟‬
                               ‫- انظر حتت قدمك.‬
‫يرى منري نف�شه و�شط ال�شفة الغربية، حجارة يقذفها‬
‫اأطفال �شغار، ر�شا�س طائ�س يطلقه جنود الحتلل،‬
‫�شيارات اإ�شعاف تنقل الراحلني اإىل عامل احلقيقة، واجلرحى‬
‫اإىل امل�شت�شفيات، اأطفال يبكون، ون�شاء ثكلى، ورجال‬
              ‫أ‬
‫فقدوا اأجزاء من اأج�شادهم، �شوت األذان من املاآذن‬
‫يدعوا النا�س اإىل موا�شلة الكفاح...ي�رشخ منري كفى كفى‬
                          ‫22‬
‫كفى...يعود للرو�شة مرة اأخرى‬
                       ‫- هل عرفتنا األن يا منري؟‬
‫- نعم عرفتكم وكاأين نائم فا�شتيقظت، اأكل هذا‬
                              ‫يحدث على مقربة مني؟‬
                   ‫- األ ت�شعر بالمتعا�س يا منري؟‬
‫- نعم.. ل.. اأرجوكم ل حتملوين ما ل طاقة يل به..‬
                                             ‫اأرجوكم‬
               ‫يرى نف�شه جمددا يف ال�شماء وحيدا..‬
                  ‫- اأين ذهبتم؟ ل ترحلوا اأرجوك‬
‫- دعنا يا منري يف �شدي رو�شتنا، ودع �شعبنا يلقي‬
‫ربه م�رشجا بدمائه ولتنم اأنت نومت العر�س يف ليالينا‬
                                             ‫الدامية.‬

                        ‫32‬
‫- للل‬
‫�شدى �شوته ي�شبح يف الف�شاء، يفتح عينيه، يجد نف�شه‬
‫و�شط نخيل با�شقات، ي�شعر باجلوع، ياأكل من رطبها، تهتز‬
                                     ‫الر�س من حوله..‬‫أ‬
                       ‫- يا الهي ما الذي يجري؟‬
‫ينظر اإىل ال�شماء، اأرواح ت�شبح يف الف�شاء، يتغري‬
                                              ‫املكان..‬
              ‫- اأين اأنا؟ اأنها م�شت�شفى ولكن اأين؟‬
               ‫ي�شمع اأ�شوات نحيب وبكاء عارم...‬
                    ‫- طفلي حبيبي ل ترحل عني.‬
‫- اآه لقد طال تفجري اليوم كل �شيء مل يبقى يل يف‬
                                ‫هذه الدنيا اإل احلطام.‬

                         ‫42‬
‫- لقد فقدت اليوم اعز ما املك، لقد ذهب نور‬
                                     ‫أ‬
                                 ‫عيني اإىل البد.‬
                                           ‫أ‬
‫تهتز الر�س، ي�شقط منري من �شدة الهتزاز، يرى طبيبا‬
                             ‫ً ميار�س عمله وهو يتمتم..‬
            ‫- اأيها الطبيب ما هذه الديار واأين اأنا؟‬
                              ‫ينظر اإليه بعني حاذقة..‬
                      ‫- منري األ تعرف من هولء؟‬
                         ‫ؤ‬
         ‫- كل يا �شيدي، اأرجوك اخربين من انتم؟‬
                         ‫ي�شحك �شحكة جملجلة...‬
‫البكاء والنحيب يف كل مكان، الرهاب يح�شد املزيد‬
                 ‫إ‬
                                              ‫أ‬
                   ‫من الرواح التي تهيم يف الف�شاء..‬
                             ‫ؤ‬
                  ‫- هل عرفت من هولء يا منري؟‬
                         ‫2‬
‫- كل.‬
‫- اأنهم �شعبي احلزين الذي تهيم اأرواحه منذ عقدين‬
           ‫من الزمن ومل يعرف طعم الراحة والطماأنينة.‬
‫- لقد عرفتكم األن، حتى انتم تخلى عنكم هذا العامل‬
                                             ‫أ‬
‫وترككم للقدار، وعندما �شعر باحتياجه اإىل ثرواتكم‬
‫زحف على اأر�شكم مدعيا انه جاء للتحرير، اإنها امل�شالح‬
       ‫أ‬
‫هي التي حتكم �شذى هذا العامل البائ�س، انه احلقد العمى‬
‫يجتاح الن ينابيع حياتكم ويحول جنتكم الغناء اإىل‬‫آ‬
                      ‫ؤ‬
     ‫�شحراء جرداء وين�رش اخلراب والبو�س يف كل مكان.‬
                                             ‫أ‬
‫تهتز الر�س جمددا، يجد نف�شه يف دوامة بو�شط ف�شاء‬
‫ا�شود قامت، ل ي�شتطيع الحتمال، يهم بال�رشاخ وينادي‬
‫ذاته، يفقد الوعي، ي�شتيقظ ليجد نف�شه يف اأر�شى قاحلة،‬
‫مي�شي قليل، ي�شمع اأ�شوات اأرواح حتلق يف ال�شماء، تقرتب‬
                                               ‫منه روح..‬
                          ‫62‬
‫- منري هل جئت لزيارتنا اأخريا؟‬
                         ‫- من انتم بحق ال�شماء؟‬
                           ‫- األ تعرف من نحن؟‬
                                    ‫- بالطبع ل.‬
    ‫- ام�شي قليل واأنت مغم�س العينني و�شتعرف.‬
                     ‫ثم يعود للتحليق يف الف�شاء...‬
‫ي�شري منري وهو مغم�س العينني لريى نف�شه و�شط خياما‬
‫من�شوبة، و�شيارات حماطة باملئات من الب�رش اجلوعى،‬
‫ي�شمع �رشاخ ن�شاء يئن من اجلوع واملر�س ويخرجن من‬
‫خيامهن باحثات عن زاد ي�شد اأنينهن، يقرتب من اإحدى‬
‫اخليام، يرى امراأة وهي يف حالة الو�شع، والطبيب بوجه‬
‫جمهم يودي عمله ب�شمت، �رشاخ املراأة ي�شتد، يخرج‬
                                              ‫ؤ‬
‫اجلنني من بطنها بل حراك، املراأة ت�شعر ب�شي من الراحة،‬
                         ‫2‬
‫اجلنني بني يدي الطبيب، ي�شعه يف مكان اآخر ويحاول اأن‬
‫ينع�شه، ت�شاأله األم..اخربين يا دكتور كيف حال ولدي؟‬
                     ‫مي�شك الطبيب بذراعيها ويجيبها:‬
                            ‫- لقد اجنبتي طفل ميتا.‬
‫ت�رشخ املراأة املكلومة ب�شدة، يحاول الطبيب تهدئتها،‬
                               ‫ؤ‬
                ‫ولكنها تهم بالقيام لروية جثث طفلها..‬
‫منري ل ي�شتطيع اأن يكمل روية هذا امل�شهد الذي يج�شد‬
                          ‫ؤ‬
                              ‫أ‬
‫معاناة الب�رش يف ع�رش اللفية الثالثة، يعر�س عنه ولكنه‬
‫ي�شطدم مب�شاهدة رجال ي�شعون اأيديهم على بطونهم‬
                ‫أ‬
‫وي�رشخون من �شدة اجلوع وبكاء الطفال يدوي يف‬
‫كل مكان، ي�شع منري يديه على راأ�شه ويفر هاربا من هذا‬
                  ‫املكان، تقابله روح الطفل مرة اأخرى..‬
                    ‫- هل عرفت يا منري من نحن؟‬

                         ‫2‬
‫- نعم ولكن اأين العامل احلامل عنكم؟‬
                          ‫- اأتريد اأن تعرف جمددا؟‬
                                           ‫- نعم.‬
‫اأمواج البحر ت�رشب بع�شها بع�شا وال�شم�س امل�رشقة‬
‫ت�شيء بنورها اأرجاء الدنيا رغم ما جناه الب�رش من موبقات،‬
‫طائرة �شخمة حتوم يف ال�شماء، تفتح الطائرة خمازنها لتلقي‬
                                   ‫باأطنان من ال�شناديق..‬
                                        ‫- ما هذا؟‬
                                  ‫- ا�شاأله يا منري.‬
                               ‫يدخل قمرة القيادة...‬
         ‫- ما هذه ال�شناديق التي تقذفها يف البحر؟‬
       ‫- منري دعني من �شولك اأريد اأن اأجنز عملي.‬
                               ‫ؤ‬
                            ‫2‬
‫- يجب اأن جتيبني.‬
‫- ا�شمع يا منري، بب�شاطة اإنها مواد غذائية اإذا‬
‫مل نرمها يف البحر �شتنخف�س اأ�شعارها واإذا انخف�شت‬
                                                ‫أ‬
‫ال�شعار خ�رشت ال�رشكات الزراعية الكربى واإذا خ�رشت‬
            ‫ا�شطرت لتخفي�س اأعداد موظفيها، اأفهمت؟‬
      ‫- واملليني من اجلائعني يا هذا األ تعبئون بهم؟‬
                        ‫قائد الطائرة يلوذ بال�شمت...‬
                                           ‫- اجبني.‬
                                           ‫يلتفت اإليه..‬
‫- منري اأن عاملنا مل ي�شل بعد ملا تريد، انه بعد يعي�س‬
‫قانون الغاب وما تزال الن�شانية بعيدة كل البعد عن‬
                             ‫إ‬
                                                   ‫الف�شيلة.‬

                           ‫03‬
‫يخرج منري من الطائرة للف�شاء الوا�شع، يطاأطئ راأ�شه‬
                                    ‫أ‬
‫خجل من انتماءه لمة الب�رش، ي�شعر بيد حانية مت�شك‬
                                                ‫بكتفه..‬
                                ‫- ذاتي هذا اأنت؟‬
                               ‫- ملا البكاء يا منري؟‬
‫- كيف ل ابكي واإخوتي يف كل مكان من هذا العامل‬
                                       ‫يعانون ال�شيم.‬
          ‫- اأذن �شعرت بانتمائك الن�شاين يا منري؟‬
                         ‫إ‬
                   ‫- نعم ولكن �شعرت به متاأخرا.‬
‫- املهم انك �شعرت به اأخريا لذلك عدت اإليك،‬
           ‫وقد حان الوقت للعودة اإىل عاملك امل�شني..‬
‫يجد نف�شه يف فناء بيته، يتطلع اإىل ال�شماء، يرى ذاته‬

                         ‫13‬
‫تذهب بعيدا يف الف�شاء، يناديه من اأعماق قلبه.. خذ بيدي‬
‫يا ذاتي اإىل اآفاقك الوا�شعة اإىل حيث ال�شعور بقيمة احلياة‬
        ‫آ‬
‫ومعنى اأن يبذل الن�شان مهجته يف �شبيل اإ�شعاد الخرين،‬
                                       ‫إ‬
                                   ‫اإىل نور ل ظلم بعده.‬




                          ‫23‬
‫عبودية!‬
‫عبودية!‬
‫ب�شماغه اللمع، وثوبه النا�شع، وهيبته امل�شطنعة،‬
‫وجثثه ال�شخمة، و�شواربه املنمقة، وذقنه احلليق، يدخل‬
‫بكل ثقة اإىل البنك، ولكنه ي�شطدم باجلموع الغفرية من‬
‫الب�رش، ل �شيما وان النا�س تعي�س اأيام الراتب ال�شهري،‬
‫زخات العرق بداأت تخرج من اأبطيه احلليقني، الغ�شب ما‬
‫لبث اأن ا�شت�رشى يف ذاته التي ل تر�شى باأن يكون �شاحبها‬
      ‫ؤ‬
‫م�شفول مع كدحة العامة مع ما حتمله عيونهم من بو�س...‬
‫يتاأمل ال�شفوف فيجدها طويلة مرتا�شة، ل يرى بداأ من‬
                         ‫3‬
‫مزاحمة الخرين موعد جني رزقهم وماآل كدهم طوال‬  ‫آ‬
‫ثلثني يوما من العمل امل�شني، يتطلع يف الوجوه ال�شاحبة‬
‫فريى رجل اأرهقته ال�شنون ووجه ازداد �شمارة يف بلد ت�شل‬
‫فيه درجة احلرارة اإىل اخلم�شني درجة يف اأيام ال�شيف، يظنه‬
‫مطيته ويعتقد باأنه �شحيته التي �شوف ت�شتلم على الفور،‬
                           ‫ؤ‬
‫فهو ابن البلد و�شيدها وهولء الكادحني لي�شوا �شوى‬
‫حفنة من الب�رش الرديئني كما و�شفهم �شقراط يف قرون قبل‬
‫امليلد، يقرتب منه بكل ثقة وياأخذ مكانه بكل ان�شيابية...‬
        ‫- لو �شمحت هذا مكاين ملاذا ت�شتويل عليه؟‬
                    ‫... ل يلتفت اإليه وكاأنه ل ي�شمعه‬
         ‫- يا رجل دورك يف اخللف، ابتعد من هنا.‬
‫.. اأخريا يتعطف عليه، يلتفت اإليه بوجه ي�شتحقر‬
                                         ‫ناظره..‬

                          ‫63‬
‫- ا�شكت اأيها العبد‬
                                      ‫- اأنا عبد؟!‬
‫- اأقول لك ا�شكت يا العبد احلقري واإل اأمرت رجال‬
                                                     ‫أ‬
                      ‫المن باأن ياأخذونك بعيدا، اأتفهم.‬
     ‫- ملاذا تقول مثل هذا الكلم اأنا اإن�شان مثلك؟‬
‫- اأنا ابن البلد، اأنا املواطن هنا واأنت ل�شت �شوى‬
                                          ‫عبد و�شيع.‬
‫... يخرج الرجل من ال�شف، مي�شك بنظارته ويقذف‬
                                      ‫أ‬
 ‫بها على الر�س، يرمي ب�شيكه يف وجه الرجل ويقول..‬
‫- اإن الرئي�س لي�س �شوى رجل مارق، انه خائن، انه‬
                                             ‫أ‬
                             ‫�شارق لموال ال�شعب..‬
                    ‫يلتفت اإليه الرجل وبقية النا�س..‬

                         ‫3‬
‫- ماذا تقول؟ اأجننت!‬
‫- اأقول لك اأن الرئي�س خائن ومعتدي واآثم، لقد‬
 ‫اعتقل رفاقه يف احلزب وقذف بهم يف غياهب ال�شجون.‬
          ‫... يقف الرجل وقد ت�رشبل ال�شمت منه...‬
‫- قل كلمة واحدة مما قلت على رئي�س بلدك، هيا‬
                                           ‫قل!‬
‫... الذهول ياأخذ منه ماأخذاً، ل يعرف ماذا يقول،‬
                                 ‫وكيف يت�رشف...‬
                           ‫يرفع “العبد” �شوته عاليا..‬
     ‫- اأقول لك قل اأي �شي مما قلته على رئي�س بلدك.‬
                                  ‫- يبدوا انك جمنون.‬
‫- اأنا ل�شت كذلك، امل تقل باين عبد، اأنا العبد ل�شاين ل‬
                           ‫3‬
‫يرجتف خوفا من حكومتي، فتكلم اأنت اأي�شا مبا تريد على‬
                             ‫رئي�س بلدك اأيها احلر الكرمي!‬
                           ‫أ‬
‫.. ي�شج النا�س، يتدخل المن، يهرول مدير البنك‬
‫لف�س ال�شتباك، ياأمر بان تنجز معاملة الرجل “ العبد”‬
                                 ‫آ‬
‫من �شاعته، بينما يقف الخر يف حالة من الذهول، ينتهي‬
                             ‫أ‬
‫“العبد” من اجناز ما جاء لجله، يتطلع لغرميه بعينني‬
           ‫آ‬
‫متلئهما روح الب�شالة ويقول له: هل عرفت الن من هو‬
‫العبد فينا؟.. يغرب عنه بعينني ذليلتني وراأ�س منتك�شا اإىل‬
                                               ‫الر�س..‬‫أ‬
   ‫ينظر اإليه بكل ثقة ويقول... وداعا يا �شيدي العبد!‬




                          ‫3‬
‫احلـلـم‬
‫احللم‬
‫ي�شتيقظ قبل موعد رحلته، مي�شك �شماعة الهاتف‬
                                 ‫ويداه ترجتفان..‬
                    ‫- الو �رشكة الطريان الوطنية؟‬
                                  ‫- نعم تف�شل.‬
‫- اأرجو اإلغاء رحلتي على الطائرة املتجهة اإىل‬
 ‫العا�شمة، و�شوف اأقوم باحلجز يف رحلة اأخرى فيما بعد.‬
‫- حا�رش يا �شيدي، على اأن تقوم باحلجز قبل الرحلة‬
                        ‫34‬
‫أ‬
                         ‫باأربع وع�رشين �شاعة على القل.‬
‫ينهي املكاملة، ي�شرتخي على الطقم اليطايل الفاخر‬
            ‫إ‬
‫الذي يحتل حيزا متميزا يف اجلناح الذي يقطنه يف اكرب‬
                                      ‫فنادق املدينة.،،‬
               ‫يطلب كوبا من ال�شاي ليهداأ اأع�شابه..‬
‫- ما هذا احللم املزعج، اأيعقل اأن احمله على حممل‬
    ‫اجلد؟ كل ل ميكن اأن اأكون بهذه ال�شخ�شية املتهرئة.‬
‫يفتح �شنبور املاء لينع�س ج�شده باملاء ال�شاخن، ثم يتناول‬
‫احلبوب النف�شية التي اأدمن على تعاطيها منذ �شنوات،‬
‫بعدها يخرج يف جولة بال�شوق املركزي، يعود للفندق‬
‫يتناول طعام الغذاء، يفتح نافذة اجلناح وميدد رجليه متاأمل‬
         ‫املدينة املزدحمة يف فرتة امل�شاء، يتلقى ات�شال....‬
‫- الو نادر، ملاذا مل تعد على رحلة �شباح هذا اليوم؟‬
                           ‫44‬
‫- ل تقلقي يا عزيزتي �شاأعود يف رحلة الغد.‬
                                    ‫- ولكن ملاذا؟‬
            ‫أ‬
‫- �شدقيني ل �شي، ا�شتجدت بع�س المور املتعلقة‬
              ‫بالعمل، و�شاأنتهي منها يف ال�شاعات القادمة.‬
‫ي�شغط على هاتفه النقال ويطلب من موظفة ال�شتقبال‬
‫اأن حتجز له على رحلة �شباح الغد املتجهة للعا�شمة، ثم‬
               ‫يق�شي الليل متتبعا الف�شائيات وينام.....‬
‫الر�س تهتز والربق ي�رشب برج ات�شالت املطار،‬       ‫أ‬
                           ‫أ‬
‫المطار تت�شاقط بغزارة والعا�شري تهب من كل جانب،‬      ‫أ‬
‫الطائرة ي�شيبها الربق فت�شتعل فيها النريان وتهوي حمرتقة‬
                                                ‫أ‬
‫على الر�س... ي�شتيقظ مذعورا، يغ�شل وجه، يفتح جهاز‬
                                  ‫أ‬
‫التلفاز ويتابع اآخر الخبار، ولكن ل �شي غري عادي، ينتابه‬
                   ‫القلق، يت�شل مرة اأخرى ويلغي احلجز‬

                          ‫4‬
‫- الو نادر ملاذا مل تاأتى هذه املرة اأي�شا؟‬
‫- ل اعرف يا عزيزتي، ينتابني اإح�شا�س بان اأمرا ما‬
                                          ‫�شوف يحدث.‬
                                      ‫- مثل ماذا؟‬
‫- لعل الطائرة التي �شاأ�شتقلها �شت�شقط و�شيموت‬
                                         ‫كل من فيها.‬
                    ‫- وما الذي دعاك لقول هذا؟‬
                          ‫- هكذا راأيت يف املنام.‬
‫- يا عزيزي اأنها ا�شغاط اأحلم لي�س اإل هل، حدث‬
                           ‫أ‬
                      ‫مكروه للطائرة يف املرة الوىل؟‬
                                              ‫- ل.‬
‫- اأذن ل تقلق انه جمرد حلم عابر ب�شبب القلق الذي‬
                         ‫64‬
‫تعانيه واملجهود الذي بذلته خلل اأيام اأقامتك وحيدا يف‬
‫هذه املدينة، هيا احجز مقعدا يف رحلة الغد ودع عنك هذا‬
                                             ‫الهراء.‬
              ‫- ح�شنا يا عزيزتي �شاأفعل ما تقولني.‬
‫يعود ليحجز مقعدا يف الرحلة القادمة ولكن احللم‬
                                ‫يعاوده مرة اأخرى...‬
‫رياح عاتية واأمطار غزيرة، املطار يحرتق والنا�س حتاول‬
‫الفرار من اجلحيم، الطائرة تهوي كنيزك نازل من ال�شماء،‬
  ‫والنا�س يت�شاقطون منها والنريان ت�شتعل يف اأج�شادهم..‬
‫ي�شتيقظ من حلمه هذه املرة واأع�شابه متما�شكة وعلى‬
‫ملمح وجه الغ�شب، يتناول حبوبه املهدئة ثم ي�شتعد‬
                       ‫أ‬
               ‫ملغادرة الفندق، ي�شتقل �شيارة الجرة...‬
         ‫- الطق�س جميل هذا اليوم األي�س كذلك؟‬
                         ‫4‬
‫- نعم يا �شيدي، ولكني �شمعت مذيع الن�رشة اجلوية‬
‫يقول اأنه يتوقع هبوب رياح �شديدة مع ت�شاقط اأمطار خلل‬
                                                   ‫أ‬
                               ‫الربع �شاعات القادمة.‬
 ‫أ‬
‫- غري معقول، ال�شماء �شافية متاما ول اثر لي‬
                                    ‫�شحب يف اجلو.‬
                          ‫- اأمتنى ذلك يا �شيدي.‬
‫ي�شل اإىل املطار، احلركة اعتيادية والنا�س ميار�شون‬
‫حياتهم بن�شاط وحيوية، فجاأة تتلبد ال�شماء بالغيوم وتهب‬
   ‫الرياح، نادر ينتابه القلق، ي�شاأل موظف ال�شتقبال...‬
                    ‫- هل �شيتاأخر موعد القلع؟‬
                        ‫إ‬
    ‫- ل يا �شيدي �شتقلع الطائرة يف موعدها متاما.‬
       ‫أ‬
   ‫يزداد قلق نادر، يلحظ ذلك اأحد موظفي المن..‬

                         ‫4‬
‫- هل حتتاج اإىل م�شاعدة يا �شيدي؟‬
                 ‫- ل �شكرا، جمرد اإرهاق ب�شيط.‬
‫يتوجه اإىل الطائرة، ي�شعر بعجزه موا�شلة امل�شي، ل‬
                 ‫ي�شتطيع ال�شتمرار يف �شعود ال�شلم..‬
               ‫- هيا يا �شيد الطائرة �شتقلع قريبا.‬
                        ‫- ل...ل اقدر..ل اقدر‬
                                   ‫يعود اأدراجه..‬
                             ‫- ما بك يا �شيدي؟‬
             ‫أ‬
‫- اأريد اأن اأقابل م�شئول الطريان للهمية الق�شوى.‬
                                ‫أ‬
        ‫ير�شده موظف المن ملكتب مدير الطريان...‬
‫- ما هذا يا �شيد هل تريد اأن نوجل الرحلة من اجل‬
                ‫ؤ‬

                        ‫4‬
‫حلم؟‬
‫- �شدقني اأنا ا�شعر بان الطائرة �شتنفجر وت�شقط‬
                                            ‫أ‬
                                        ‫على الر�س.‬
‫- ح�شنا �شيد نادر، لقد فت�شنا حقائبك ومل نعرث على‬
‫اأي �شي ي�شري اإىل ما تق�شد وفح�شنا مرة اأخرى حمركات‬
‫الطائرة فوجدناها �شليمة متاما، واعدنا تفتي�س حقائب‬
‫امل�شافرين فلم نعرث على اأية حمظورات من اأي نوع كان،‬
‫اأمامك األن خيارين اإما ركوب الطائرة وال�شفر اإىل‬
‫مق�شدك واأما اأن تغادر املطار حال وتاأتى مرة اأخرى عندما‬
                                       ‫تهدى اأع�شابك.‬
‫نادر ل يعرف ماذا يفعل، ولكنه يقرر على عجل‬
                             ‫الرجوع اإىل الفندق.‬
‫يعود اأدراجه لي�شكن يف نف�س اجلناح، يتناول حبة‬

                          ‫0‬
‫مهدئة وي�شلم نف�شه للنوم العميق.‬
‫ت�شج م�شاجعه طرقات حادة ومزعجة، يفتح الباب‬
                                      ‫ب�رشعة...‬
                            ‫- اأنت املدعو نادر؟‬
                                ‫- نعم من انتم؟‬
             ‫- نحن ال�رشطة اأنت مقبو�س عليك.‬
                    ‫ت�شيبه �شدمة وينتابه الذهول..‬
                                       ‫- ملاذا؟‬
                                ‫- �شتعرف!...‬
‫يقاد اإىل غرفة مظلمة، ي�شلط ال�شوء امل�شع على وجه،‬
                   ‫يفك قيده، مي�شك املحقق ب�شيجار..‬

                       ‫1‬
‫- هل تدخن يا اأخ نادر؟‬
                                ‫- ل �شكرا.‬
                    ‫- هل تعرف ملاذا اأنت هنا؟‬
                              ‫- ل يا �شيدي.‬
‫- اأن الطائرة التي كنت قد حجزت على رحلتها‬
     ‫أ‬
‫املتجهة اإىل العا�شمة يف هذا اليوم حتطمت لل�شف‬
                                       ‫ال�شديد!‬
                          ‫- ماذا غري معقول.‬
                        ‫- نعم هذا ما حدث.‬
      ‫- لقد حذرت مدير الطريان ولكنه مل يقتنع.‬
‫- �شيد نادر كيف عرفت اأن الطائرة �شوف‬
                                   ‫تتحطم؟‬
                     ‫2‬
‫- حلمت بذلك.‬
    ‫- حلم! اأنت ت�شكك يف �شلمة عقولنا اأم ماذا؟‬
                      ‫- �شدقني اأنا اأقول احلقيقة.‬
    ‫- اأي حقيقة يا نادر..اأتق�شد اأن احلقيقة حلم؟!‬
                                          ‫- نعم.‬
‫- ما هذا الكلم الفارغ، �شوف تتحمل نتيجة‬
                                     ‫تفاهاتك‬
‫تقيد رجليه ويديه مرة اأخرى، يقاد من حتقيق اإىل‬
‫حتقيق، يعر�س على اأطباء نف�شانيني للتاأكد من �شلمة عقله‬
                                             ‫ومداركه..‬
                                        ‫يف املحكمة‬
 ‫- اأنت متهم بامل�شاركة يف تفجري الطائرة املنكوبة.‬
                         ‫3‬
‫- كل مل يحدث.‬
‫- وعندما ا�شتيقظ �شمريك جئت املطار يف حماولة‬
‫منك لنقاد الركاب، وحتى تنزه نف�شك من هذا اجلرم‬
                   ‫املريع اختلقت حكاية احللم ما ردك؟‬
                           ‫- �شدقوين حلم..حلم!‬
                                  ‫- اثبت انه حلم.‬
       ‫- لقد األغيت رحلتني من قبل لنف�س ال�شبب.‬
‫- كلم فارغ، احلقيقة يا �شيدي القا�شي ويا ح�رشات‬
‫املحلفني اأن نادر مل ي�شتطع ت�رشيب املتفجرات اإىل الطائرة،‬
‫فقام باإلغاء حجزه، فلو كان متاأكدا من اإدخالها وو�شعها‬
                             ‫أ‬
‫يف اإحدى حقائبه لختلق العذار والكاأديب حتى يغادرها‬
‫تاركا احلقيبة اململوءة باملتفجرات لكي ل ي�شبح �شحية من‬
‫�شحايا النفجار املدبر ولكن �شمريه الذي ا�شتيقظ من‬
                          ‫4‬
‫�شباته فجاأة هو الذي رماه يف هذا املرمى، اإل اأن احد رفقائه‬
‫يف هذه اجلرمية متكن من تهريب �شحنة متفجرات للطائرة‬
                       ‫دون علمه فكانت الكارثة الرهيبة.‬
                     ‫- كل، هذا كلم غري �شحيح.‬
   ‫أ‬
‫- اثبت باأنه غري �شحيح يا �شيد نادر، كل الدلة‬
                                            ‫�شدك‬
                                ‫- اإذن اأين �رشكائي؟‬
                 ‫- �شيتم القب�س عليهم عما قريب.‬
‫- كل اأنا بريء ولي�س يل �رشكاء، لقد حاولت انقاد‬
      ‫أ‬
‫ال�شحايا ولو مت اإيقاف الرحلة ملا حدث اأي مكروه لحد..‬
                                             ‫�شدقوين‬
‫- اعرتف يا نادر..اعرتف و�شوف نخفف عنك‬
 ‫احلكم اإكراما ل�شمريك الذي ا�شتيقظ يف الوقت ال�شائع.‬
                        ‫‬
‫- اأنا بريء..بري..بري...�شدقوين‬
                        ‫يذهب �شوته اأدراج الرياح..‬
‫يحكم عليه القا�شي ع�رشين عاما يف ال�شجن، ينظر نادر‬
                                   ‫أ‬
‫للقا�شي وللمدعي ولقرباء ال�شحايا ويقول لهم ب�شوت‬
‫جبهوي “ اأنا حاولت انقاد ال�شحايا، لقد كان حلمي‬
                                 ‫آ‬
‫ر�شالة لكم من العامل الخر ولكنكم مل ت�شدقوين، وعو�شا‬
‫عن ذلك اتهمتموين مبا اأنا بعيد عنه، �شاأرحل عن عاملكم‬
‫املجنون ولكن تاأكدوا باين �شاأظهر يف اأحلمكم حتى ياأتي‬
‫اليوم الذي ت�شحو فيه احلقيقة من �شباتها وتعلن براءتي‬
                              ‫أ‬
‫وحينها فقط �شتكون للحلم قيمة ت�شاهي حقيقتكم‬
                                               ‫املقلوبة.‬




                          ‫6‬
‫اأمرية واللهب‬
‫أ‬
                  ‫امرية واللهب‬
                         ‫(1)‬
      ‫آ‬           ‫ؤ‬
‫ت�شتيقظ يف غمرة الفجر ومع بدء املوذن بتلوة الذان،‬
‫النوم لذة من األلذائد العظيمة اإل اأن اأمرية تقاوم �شلطانه‬
                                                 ‫ؤ‬
‫القاهر لتودي فري�شة �شلة ال�شبح، تريد النوم بعدها اإل‬
‫اأنها قراأت اأن امل�شتحب اأن ل تنام اإل بعد طلوع ال�شم�س،‬
‫وحينها ل بد اأن تذهب اإىل اجلامعة! يف قاعة املحا�رشات‬
‫حتاول اأن ل يغلبها النوم، تلتفت تارة اإىل الدكتورة وهي‬
‫ت�رشح در�س الفقه وتارة اأخرى اإىل الطالبات وهن ي�شتمعن‬

                          ‫‬
‫لها، تقطع م�شريتها نحو النوم قيام طالبة �شائلة...‬
‫- ملاذا يا دكتورة يلتزم العلماء ب�شهادة امراأتني مقابل‬
                                               ‫رجل واحد؟‬
‫يعرتي الدكتورة نوعا من الندها�س والرتاجع، لكنها‬
                              ‫�رشعان ما تتما�شك...‬
                       ‫- لن املراأة كثرية الن�شيان.‬
                                         ‫- وملاذا؟‬
                   ‫- تلك هي طبيعتها البيولوجية.‬
‫- اإننا هنا يف هذه القاعة جميعنا ن�شاء، هل لحظتي‬
                                               ‫ذلك؟‬
‫حتوم الجابة فوق راأ�س الدكتورة دون اأن ت�شتطيع‬
                                        ‫إ‬
‫الم�شاك بها، اأمرية تفيق من �شكرات نعا�شها وتنربي‬
                                               ‫إ‬
                          ‫06‬
‫لنقاد اأ�شتاذتها..‬
‫- قويل يل ماذا يحويه را�شك من علم حتى جتاديل‬
               ‫العلماء وت�شاأليهم عن اأمور ل تخ�شك؟‬
                 ‫ِ‬
         ‫- كيف ذلك وهم يفتون باأمر من �شئوين؟‬
‫- اإنهم اأ�شحاب تخ�ش�س دقيق كالفيزياء والكيمياء،‬
                                 ‫هل اأنت فقيهة مثلهم؟‬
                                              ‫ِ‬
                            ‫- بالطبع ل ولكن....‬
‫- ولكنك متطفلة ت�شاألني عن اأمور ل تعنيك، عليك‬
          ‫ِ‬
‫بان تنفذي كلم اأ�شحاب التخ�ش�س دون نقا�س، لو كنت‬
‫مري�شة وو�شف لكي الطبيب دواء، هل كنت لتناق�شيه اأم‬
                         ‫�شتتناولني الدواء وانت �شامتة؟‬
                                 ‫ِ‬
‫مل تعرف مباذا جتيبها، تنتهز الدكتورة الفر�شة لتغلق باب‬
          ‫احلوار وتعود لتلقني الطالبات در�شها املعتاد...‬
                          ‫16‬
‫يف اأروقة اإدارة اجلامعة، تتوجه اأمرية اإىل اإدارة �شئون‬
                                                 ‫الطالبات..‬
‫- امتاكدة من اأن �شوزان ل تغطي وجهها يف‬
                                    ‫احلافلة؟!‬
‫- بالطبع، وقد ن�شحتها اأكرث من مرة ولكن دون‬
                                          ‫فائدة.‬
                                ‫- ح�شنا �شاأت�رشف.‬
‫وعلى عجل يتم اإخطار �شوزان ب�رشورة احل�شور اإىل‬
                             ‫مكتب �شئون الطالبات...‬
‫- ملاذا ل تغطي وجهك يا �شوزان كباقي الطالبات؟‬
                   ‫- اأنا.. ( بذهول وت�شتت) اأنا...‬
       ‫- اأنت ماذا؟ اأجيبي ول تخايف، اأنت كابنتي.‬
               ‫ِ‬                           ‫ِ‬

                           ‫26‬
‫- عندما اأكون يف احلافلة ل اأجد �رشورة لتغطي‬
‫وجهي لن جميع من فيها من الفتيات وال�شائق م�شغول‬
     ‫بالقيادة واأنا بعيدة عنه ثم انه رجل متقدم يف ال�شن.‬
‫- هذا لي�س بعذر، اإن القانون وا�شح و�رشيح ول بد‬
                                           ‫من تنفيذه.‬
                            ‫- من اأخربكم باأمري؟‬
                  ‫- لي�س من ال�رشوري اأن تعريف.‬
                                ‫- ل بد اأنها اأمرية.‬
                         ‫- وملاذا اتهمتها بالذات؟‬
                                             ‫أ‬
       ‫- لنها هددتني اأكرث من مرة باإبلغ الدارة.‬
            ‫إ‬
                                   ‫- ادخلي يا اأمرية.‬
                     ‫أ‬
‫- نعم اأنا من اأخربتها بالمر، ولكن هذا مل�شلحتك‬
                          ‫36‬
‫فاأنت زميلتي التي اأخاف على �شمعتها.‬
                                                ‫ِ‬
               ‫�شوزان تنظر اإىل اأمرية بغ�شب وحنق..‬
                                       ‫آ‬
‫- والن يا �شوزان عديني بان ل تكرري فعلتك هذه‬
                                           ‫اأبدا.‬
  ‫باأنفا�س حممومة، والغ�شب كال�رشر يتطاير من عينيها‬
                                  ‫- اأعدك بذلك.‬
                     ‫تنظر اإىل اأمرية بحقد وتخرج...‬

                     ‫‪‬‬

‫تعود اأمرية اإىل البيت بعد يوم قا�س، حتاول اأن ت�شتلقي‬
                        ‫على �رشيرها لتخلد اإىل نوم عميق‬
‫- اأمرية ل تنامي قبل اأن حت�رشي طعام الغداء من‬

                         ‫46‬
‫املطعم املجاور.‬
                                  ‫- وملاذا يا اأمي؟‬
                ‫- لقد نفد الغاز قبل اإعداد الطعام!‬
‫يف جو حارق، تخرج اأمرية من اجل اإح�شار وجبة‬
                                                 ‫أ‬
‫الغداء ل�رشتها، املطعم يعج باملرتادين من الرجال، تقف‬
‫بعيدا و�شط اأ�شعة ال�شم�س اللهبة، تنتظر طويل اإىل اأن‬
    ‫آ‬
‫تكرم عليها العامل باحل�شور ،عليها اأن ت�شمت الن،‬
‫لي�س من اللئق اأن تعنفه لن هذا كلما مع رجل اأجنبي‬
‫لي�س له مربر، تطلب بغ�شب دجاجة م�شوية مع الرز،‬
‫تنظر اإىل الداخل، الرجال ياأكلون مبرح واأجهزة التكييف‬
                                                   ‫أ‬
‫حتول الجواء احلارة اإىل ن�شائم منع�شة، بينما هي مت�رشبلة‬
                  ‫أ‬
‫يف درجة حرارة تتجاوز اخلام�شة والربعني ول ميكنها‬
‫حتى جمرد الدخول للمطعم اتقاء للحرارة العالية، فهذا‬
‫لي�س من الذوق ولي�س من اأخلق الفتيات املتدينات، اإذا‬
                          ‫6‬
‫أ‬
‫كانت درجة احلرارة مرتفعة فاإنها تزداد �شعفني على القل‬
           ‫أ‬                                 ‫أ‬
‫عند اأمرية لنها ترتدي عباءة �شودا، واللون ال�شود ميت�س‬
‫اأ�شعة ال�شم�س لرتتفع حرارة اجل�شم اأكرث، علوة على ذلك‬
‫ترتدي اأمرية قفازات �شوداء! مما جعلها ت�شعر وكاأنها داخل‬
                                 ‫فرن �شخم ل جناة منه..‬
‫.. تعود اأمرية اإىل البيت مف�شلة النوم على تناول وجبة‬
                               ‫د�شمة يف نهار لهب.‬
‫يف امل�شاء وبعد اأن �شبعت اأمرية من النوم، وعقب اأدائها‬
‫ل�شلة املغرب يف الق�شم الن�شائي من امل�شجد املجاور،‬
                     ‫أ‬
‫كانت على موعد مع در�س الفقه ال�شبوعي الذي حت�رشه‬
                               ‫أ‬
‫العديد من فتيات احلي والحياء املجاورة، ا�شتمر الدر�س‬
‫لكرث من �شاعة وكان مو�شوعه يتعلق بالدماء الثلثة لدى‬     ‫أ‬
‫املراأة، املو�شع مثري ومهم ورغم ذلك جل�شت الفتيات‬
‫بخجل ومل تنب�س اإحداهن باأي �شوال عابر رغم اأهميته،‬
                       ‫ؤ‬

                          ‫66‬
‫انتهى الدر�س، خرجت اأمرية ب�شحبة اإحدى �شديقاتها،‬
        ‫أ‬
‫ال�شارع مزدحم بال�شيارات وال�شبان املنتظرين لخواتهم‬
                                        ‫وزوجاتهم..‬
         ‫- من ف�شلك يا اآن�شة ما الذي يجري هنا؟‬
‫اأمرية و�شديقتها، تنظران اإىل بع�شها البع�س وتهمان يف‬
                          ‫ال�شري وكاأن احد مل يكلمهما..‬
                           ‫- ملاذا مل جتيبيه يا اأمرية؟‬
         ‫- ماذا؟ اجننتي؟ اأتريدين اأن اكلم �شابا؟.‬
                               ‫ؤ‬
           ‫- ولكنه جمرد �شوال وردك جمرد اإجابة.‬
‫- وملاذا يتوجه بال�شوال األينا نحن الثنتني؟ ملاذا ل‬
                              ‫ؤ‬
‫ي�شال احد من الرجال املتجمهرين؟ اإن علينا عدم اإتاحة‬
                                              ‫ؤ‬
‫الفر�شة لهولء ال�شبان بالتحدث اإلينا لكي ل يحدث ما ل‬
‫يحمد عقباه، يجب اأن ن�شري يف الطريق بح�شمتنا الكاملة‬
                           ‫6‬
‫دون اللتفات اإىل هولء ال�شبية الذين ينتهزون اأية فر�شة‬
                                   ‫ؤ‬
‫�شانحة لليقاع بنا، امل ت�شتمعي لل�شيخ يف خطبة اجلمعة‬
                                              ‫إ‬
                                                ‫الفائتة!؟‬

                      ‫‪‬‬

‫يف اآخر امل�شاء تذاكر اأمرية بع�س املحا�رشات وهي‬
‫م�شتلقية على الفرا�س، اإل اأن الهاتف يخرج عن ر�شم‬
                      ‫�شمته ليقطع عليها خلوتها...‬
                                    ‫- الو اأنت اأمرية؟‬
                                            ‫ِ‬
                   ‫ينتابها ال�شمت وتعرتيها الده�شة..‬
                   ‫- اأرجوك جاوبيني، اأنت اأمرية؟‬
                           ‫ِ‬             ‫ِ‬
     ‫تتمالك ده�شتها لتجيب ب�شوت خافت وحازم..‬
                          ‫- نعم من اأنت وماذا تريد؟‬
                          ‫6‬
‫- اأرجوك ل تفهميني خطا، اأنا �شامي، �شقيق �شديقتك‬
                                         ‫ِ‬
                                             ‫زينب؟‬
                           ‫.. بغ�شب ترتفع حدته.‬
             ‫- ماذا تريد مني وباأي حق تكلمني؟‬
‫- اأرجوك �شاحميني اأن اأنا اخطات، ولكن ق�شدي‬
                                    ‫ِ‬
                   ‫�رشيف، فانا اأريد اأن اطلب يدك‬
                      ‫- اأظن اأن عندي اأب واأم.‬
‫- اعرف ذلك بالطبع ولكني اأريد اأن اأتفاهم معك‬
                                        ‫أ‬
                                    ‫على بع�س المور.‬
                 ‫- تفاهم مع اأبي، انه ويل اأمري.‬
‫- اعلم ذلك، ولكنك اأنت من �شوف تتزوجني ولي�س‬
                      ‫ِ‬
      ‫أ‬
‫هو، ارغب فقط بالتفاق معك على نقاط حمددة لطلبك‬

                       ‫6‬
‫من اأبيك واأنا مطمئن.‬
‫- اأرجوك، اأخلقي وديني ل ت�شمح يل بالتحدث اإىل‬
                                        ‫رجل غريب.‬
 ‫- اأمرية، اأنا �شاأكلمك يف مو�شع الزواج لي�س اإل.‬
‫- اآ�شفة، اإننا يف جمتمع لديه عاداته وتقاليده، وما‬
       ‫تريده اأمر خارج عن قيم املجتمع الذي نعي�س فيه.‬
                                  ‫- اأمرية اأرجوك...‬
‫تغلق ال�شماعة يف وجهه، حتاول احلفاظ على هدوئها‬
‫ومتا�شك اأع�شابها، تريد العودة اإىل و�شعها ال�شابق، اإل اأنها‬
             ‫مل ت�شتطع، يف ال�شباح تخرب اإحدى �شديقاتها..‬
‫- وماذا يف ذلك يا اأمرية، ملاذا مل متنحيه فر�شة �رشح‬
                                                  ‫موقفه؟‬

                            ‫0‬
‫أ‬
 ‫- مل ا�شتطع، انه لمر مرفو�س اأن اكلم �شابا غريبا.‬
‫- انه مل يعر�س عليك �شداقته، كان �شيتحدث اإليك‬
     ‫ب�شان الزواج لي�س اإل، عليك اأن تكوين اأكرث تلقائية.‬
                                ‫ؤ‬
‫- ظننتك �شتويدين موقفي، على العموم اإذا كان‬
                                     ‫ِ‬
                   ‫يريدين �شيخطبني على جري العادة!‬
‫.. ولكن بعد اأ�شابيع، كتب �شامي عقد قرانه على‬
                            ‫أ‬
‫فتاة اأخرى، تقبلت اأمرية المر وكاأنه ل مي�شها ب�شي، ومل‬
                                         ‫أ‬
‫تف�شي ما جرى لحد غري �شديقتها، تلحظ يف عيني زينب‬
‫اأخت �شامي كلما تريد اأن تقوله لها، تقرتب منها والب�شمة‬
                                     ‫الغامرة متلئ تغرها..‬
‫- لقد عقد اأخي على فتاة اخرتتها له بنف�شي، و�شينهي‬
                                    ‫أ‬
‫الزواج بعد اأ�شابيع لنه �شوف يغادر البلد لكمال درا�شته‬
            ‫إ‬
                                      ‫اجلامعية يف اأمريكا.‬

                          ‫1‬
‫تبت�شم اأمرية يف وجهها بامتعا�س قائلة: هذا اأمر ل‬
                         ‫يعنيني ولكن اأمتنى له التوفيق!‬

                      ‫‪‬‬

‫تعود اأمرية اإىل ممار�شة هوايتها املف�شلة، يف يومي‬
                                             ‫أ‬
‫الثلثاء والربعاء من كل اأ�شبوع تفتح املكتبة العامة‬
                 ‫أ‬
‫اأبوابها م�رشعة للن�شاء فقط، اإذ اإن بقية اليام مقت�رشة على‬
‫الرجال، اأمرية تق�شي وقتها بني الكتب كل الثلثاء، تلمح‬
‫عينيها فتاة حمجبة ولكن على خلف احلجاب املاألوف، فلم‬
‫تكن ترتدي خمارا يحجب وجهها اأما عباءتها فقد كانت‬
‫مزرك�شة بخطوط ذهبية فاقعة! تقرتب منها اأمرية لعلها‬
               ‫حتظى منها بكلمة فاحتة لكلم طويل بينهما!‬
                     ‫- هل تبحثني عن كتاب معني؟‬
‫- نعم ابحث عن كتابي حترير املراأة واملراأة اجلديدة‬

                           ‫2‬
‫لقا�شم اأمني.‬
                            ‫- ومن هو قا�شم اأمني؟‬
 ‫- انه كاتب م�رشي عا�س يف بداية القرن الع�رشين.‬
                             ‫- هل هو رجل دين؟‬
‫- كل انه مثقف يدعو اإىل حترير املراأة من ال�شتعباد.‬
     ‫- وهل املراأة م�شتعبدة يف املجتمع ال�شلمي؟‬
           ‫إ‬
                          ‫- وهل لديك راأي اآخر؟‬
‫- بالطبع، اإن املراأة تعي�س بكرامتها و�شط اأهلها‬
                                            ‫وجمتمعها.‬
‫- قول يل هل ت�شتطيعني القدوم اإىل هذه املكتبة دون‬
                                       ‫موافقة ويل اأمرك؟‬

                          ‫3‬
‫- ( بذهول) كل.‬
  ‫- هل ت�شتطيعني موا�شلة درا�شتك دون موافقته؟‬
 ‫- ولكن هذا مل�شلحتي، فهو اأدرى بها يا عزيزتي.‬
          ‫- األي�س ذلك ظلم واإجحاف بحق املراأة؟‬
‫اأمرية ينتابها غ�شب عارم، لقد ناق�شت الكثريات‬
‫من املناوئات للنظام احلاكم يف بلدها وتعرف كيف‬
                                      ‫تت�رشف...‬
‫- ا�شمعيني جيدا، هل احلرية يف اأن اك�شف وجهي‬
‫للرجال؟ اأين غريتي، اأين مروءتي، اأين اقتدائي بزوجات‬
‫النبي وبناته؟ هل من احلرية اأن ارتدي عباءة فاقعة اللون،‬
‫وكاأنها رداء منزيل ولي�شت عباءة ت�شرت ج�شدي؟ هل‬
‫من احلرية اأن اترك فتاوى الفقهاء الكبار الدين �شخروا‬
‫اأنف�شهم من اجل خدمة الدين واملجتمع لكي اقراأ لكتاب‬
                         ‫4‬
‫علمانيني يريدون اإف�شاد الرجال والن�شاء؟‬
‫الفتاة ت�شتمع لها بربود، وما اأن انتهت اأمرية من‬
‫كلهما امل�شحون بنربات الغ�شب، حتى بداأت بالرد عليها‬
                     ‫والهدوء م�شيطر على جوارحها...‬
‫- على رويدك يا عزيزتي، اإن ما اأ�رشت اإليه لي�س فيه‬
               ‫ِ‬
‫ما يخالف ال�رشع، فانا من حقي اأن اك�شف وجهي وان‬
‫ارتدي رداء بخلف العباءة، واأقود ال�شيارة والطائرة‬
                                             ‫والقطار و...‬
‫- اجننني تريدين الن�شاء اأن يقدن ال�شيارات لين�رشن‬
                     ‫الف�شاد على ناطق وا�شع يف البلد؟‬
‫- هل املجتمعات التي من حولنا فا�شدة؟ اولي�شت‬
                             ‫أ‬
                      ‫جمتمعات اإ�شلمية هي الخرى!؟‬
                  ‫... تتطلع اإليها اأمرية باحتقار قائلة:‬
                          ‫‬
‫أ‬
‫- اأنت فتاة ل ت�شتحق الحرتام لل�شف ال�شديد،‬
                                       ‫ِ‬
                                    ‫أ‬
‫منذ اأن رايتك لول وهلة عرفت من اأي عينة تكونني واىل‬
                                         ‫ما تهدفني.‬
‫- انتظري قليل..ل تطعنيني يف �رشيف وديني، اأنا كل ما‬
                           ‫أ‬
  ‫اأطالب به هو اأن اظفر بحياتي لعي�س اإن�شانة �شوية و...‬
‫- اأنت تريدين اأن تعي�شي كما تريدين لت�رشحي‬
                                        ‫ِ‬
‫ومترحي دون رقيب، ن�شيحتي اإليك اأقراي �شرية زوجات‬
‫النبي وال�شحابيات الكرميات وماجدات تاريخ ال�شلم‬
     ‫إ‬
‫واقتدي بهن، ذلك اأف�شل لك من اأن ت�شريي يف ال�شارع‬
                         ‫ِ‬
                           ‫ووجهك مك�شوف للجميع!‬

                     ‫‪‬‬

‫يبدوا اأن النقا�س يف املكتبة اثر على اأمرية، �شعرت‬
                         ‫أ‬
‫باإرهاق �شديد، والغد هو الربعاء، موعد حما�رشة مهمة‬

                          ‫6‬
‫يف مقرر الفقه! ل بد اإذن من ذهابها اإىل امل�شت�شفى لتلقي‬
                                         ‫العلج ال�رشيع..‬
‫- اذهبي اأنت يا اأمرية اإىل ال�شتقبال للت�شجيل بينما‬
                                        ‫ِ‬
                     ‫ابحث عن موقف منا�شب لل�شيارة.‬
‫منذ زمن واأمرية مل تراجع م�شت�شفى، ف�شحتها دائما‬
                                            ‫جيدة..‬
                            ‫- ا�شمك من ف�شلك.‬
‫تقف اأمرية وال�شمت يعرتيها واخلجل ينال من‬
‫�شخ�شيتها املتدينة... هل من ال�رشوري اأن اذكر ا�شمي‬
                      ‫كامل على م�شمع من الرجال!؟‬
                            ‫- ا�شمك لو �شمحت.‬
                                   ‫- ا�شمي اأمرية.‬

                          ‫‬
‫- ا�شمك بالكامل اأرجوك.‬
                            ‫- هل ل بد من ذلك؟‬
       ‫- بالطبع، اإ�شافة اإىل رقم التلفون والعنوان.‬
‫- ملاذا علي اأن اذكر ا�شمي كامل، اإن هذا اأمر خمجل،‬
‫ماذا لو التقط احدهم ا�شمي وتلفوين، �شاأكون فتاة معروفة‬
‫يف اأو�شاط ال�شبان الفا�شدين! هاتفنا الذي ل يعرفه اإل‬
‫القليل لن يتوقف عن الرنني! ل.. ل ميكن اأن اخربه با�شمي‬
                                             ‫كامل...‬
‫يقطع حريتها قدوم اأبيها الذي توىل ت�شجيلها‬
‫و�شط غ�شب بدا ينت�رش يف اأو�شاط املراجعني وموظفي‬
                                        ‫ال�شتقبال!!‬
                                           ‫آ‬
‫بعد الم مت�شاعدة وانتظار طويل، جاء دور اأمرية يف‬
                                     ‫دخول العيادة..‬
                         ‫‬
‫- انه رجل يا اأبي.‬
‫- من ف�شلك يا دكتور األي�س هناك امراأة تتوىل‬
                                  ‫الك�شف على ابنتي؟‬
                                          ‫أ‬
    ‫- لل�شف يا �شيدي الطبيبة انتهت فرتة عملها.‬
                 ‫- ل با�س يا بنيتي �شاأكون معك.‬
‫- كل يا اأبي، اإنني ارف�س اأن اك�شف وجهي للرجال‬
                    ‫كما تفعل بع�س الفتيات املائعات‬
‫فما بالك مب�س ج�شدي من قبل رجل اأجنبي وان كان‬
                                           ‫طبيبا!‬
‫ا�شطر والد اأمرية مراجعة م�شت�شفى خا�س ودفع املال‬
‫من اجل ابنته ،تناولت اأمرية الدواء وغرقت يف بحر‬
                                            ‫النوم....‬

                        ‫‬
‫(2)‬
                        ‫أ‬
‫كان على اأمرية بعد انتهاء ال�شبوع الدرا�شي اأن ترتاد‬
      ‫أ‬
‫ال�شواق، فليلة اجلمعة �شتقام حفلة زفاف كبرية لبنت‬      ‫أ‬
‫عمها ويجب عليها احل�شور، ل بد من �رشاء اأدوات ماكياج‬
        ‫أ‬
‫جديدة وملب�س لهذه املنا�شبة، ورغم حرارة الجواء‬
‫مل ترتاجع عن التزامها بكامل حجابها وارتداء القفازات‬
              ‫أ‬
‫ال�شوداء التي حتجب يديها ورجليها عن النظار، تواجه‬
‫اأمرية �شعوبة يف النظر اإىل امللب�س املر�شحة لل�رشاء ب�شبب‬
                                                ‫أ‬
‫اخلمار ال�شود الذي يغطي وجهها والقفازات التي جتعل‬
                                                  ‫أ‬
‫معاينة القم�شة �شعبا وغري دقيق، اأما امللب�س الداخلية‬
‫فاإنها ا�شد اإحراجا، اأمرية ت�شعر بان اأعني العاملني تتجه‬
‫اإليها رغم اأن املحل مليء بالن�شاء والفتيات، احلرارة لهبة‬
‫والجواء متعنتة والعرق يت�شبب من ج�شدها، اإل اأنها‬    ‫أ‬
‫ت�رش على اللتزام بقناعاتها وحتارب املناخ القا�شي بحمل‬
‫قارورة ماء باردة تخفف عنها تبعات ال�رشاع بني اللتزام‬
                          ‫0‬
‫بدينها وحرارة ال�شيف!‬
‫وبعد زيارة اأكرث من حمل اختارت اأمرية ف�شتان ال�شهرة‬
‫مبلب�شه الداخلية اأخريا، اإل اإنها �رشعان ما اأعادت‬
‫وا�شتبدلت بع�س القطع لكونها �شيقة بع�س ال�شيء.. بعد‬
‫�شاعات �شاقة من الت�شوق اأ�شبح كل �شي على ما يرام،‬
‫�شتح�رش اأمرية احلفلة بعد اأن حلف اأكرث من ميني باأنه مت‬
‫اإلغاء التفاق مع اإحدى الفرق الغنائية التي �شتحول العر�س‬
‫اإىل جمل�س طرب فا�شح ومزعج و�شوف تكتفي العرو�س‬
                                   ‫أ‬           ‫أ‬
‫برتديد النا�شيد والهازيج ال�شعبية والدينية املتعارفه..‬
‫اخليمة كبرية وتبعد م�شافة لي�شت بالق�شرية عن خيمة‬
              ‫أ‬
‫الرجال، احل�شور كثيف ومليء بالفتيات والطفال الذين‬
                                         ‫أ‬
‫بدئوا برتديد النا�شيد، اأمرية ترتدي ملب�س جديدة زاهية‬
‫و�شاترة اأي�شا، فالتربج غري مقبول �شواء على امل�شتوى‬
‫العام اأو يف داخل املجتمع الن�شائي املهرتء، ان�شمت اأمرية‬
‫للمن�شدات بحذر، بداأت اأحداهن بالرق�س، و�رشعان ما‬
                           ‫1‬
‫طلبت منها م�شاركتها اإل اأنها رف�شت بالطبع، فهذا عمل‬
‫غري لئق! العرو�س تنظر اإىل احلفل بابتهاج وهي مرتدية‬
‫ملب�س الزفاف الفاتنة واملتربجة، طاملا طلبت منها اأمرية‬
‫اأن ل تكون ملب�س العر�س كا�شفة جل�شدها لكنها على ما‬
‫يبدوا مل تعمل بن�شيحتها! �شمعت اأمرية اأ�شوات ذكورية‬
‫بالقرب من اخليمة، ا�شتف�رشت على عجل عن �رش تواجد‬
‫الذكور، فطماأنتها اإحدى امل�رشفات على احلفل باأنهم‬
‫جاءوا ليتاأكدوا من اإجراءات ال�شلمة، اإحدى احلا�رشات‬
‫قامت وهي مفزوعة قائلة يا بنات احلمايل �شاهدت هاتفا‬
‫نقال مزودا بكامريا! �شجت اخليمة بن�شائها، �شكلت‬
‫اأمرية على الفور فرقة بحث جابت اأنحاء اخليمة للتاأكد‬
‫من عدم حمل اإحداهن جوال الكامريا، عدو املراأة يف‬
‫املجتمعات املتدينة! وبعد الطمئنان على كل �شي �رشع يف‬
‫تناول طعام الع�شاء الفاخر، تعارك احل�شور على املائدة بعد‬
‫�شاعات من اجلوع والتعب والعط�س، اأمرية رغم جوعها‬
                          ‫2‬
‫ال�شديد اإل اأنها رغم ذلك تناولت وجبتها باتزان.. ل‬
‫احد خارج اخليمة، الرجال يف خيمتهم يتناولون هم اأي�شا‬
‫طعام الع�شاء، ال�شكون غري معتاد وكاأنه يندر بقرب حلول‬
‫فاجعة رهيبة، القمر وان كانت ال�شماء �شافية اإل انه يبدوا‬
                                             ‫أ‬
‫متواريا عن النظار وكاأن ال�شحب حتجبه، الهواء احلار‬
‫امل�شبع بالرطوبة توقفت زخاته فجاأة، كل �شي يوحي بقرب‬
‫حلول قدر مكتوب على جبني اأهل هذا العر�س من قبل‬
‫ولدتهم، بداأت النريان بالندلع بهدوء، ل احد ي�شعر‬
‫بها، وكاأنها عابر �شبيل �شيعود ملتابعة �شفره اإىل مق�شده‬
                                                      ‫أ‬
‫يف الر�س الوا�شعة، اإل اأن النريان بداأت يف التهام املزيد‬
‫من اأجزاء اخليمة، �شعريها بانت ملحمه وغ�شبها تدفق يف‬
‫حلظات عاتية، ال�شكون الرهيب حتول اإىل �رشاخ وعويل‬
‫يدك الوجود وي�شبح يف الف�شاء عله ي�شل اإىل من ينقد املئات‬
‫من الرواح التي ح�رشت يف خيمة عر�س بي�شاء، تدفقت‬     ‫أ‬
‫النريان كمارد من نار يحرق كل من يقف يف طريقه، البكاء‬
                          ‫3‬
‫أ‬
‫انت�رش يف كل مكان من اخليمة احلزينة، الطفال ي�رشخون‬
‫�رشاخ املوت والن�شاء والفتيات يتطايرن كالفرا�شات‬
‫املحرتقات، كل واحدة منهن مت�شك بطفلها اأو ربيبها‬
‫وحتاول اإخراجه من اخليمة، العرو�س ا�شتطاعت الفرار اإل‬
‫انه تذكرت اأختها ال�شغرية فعادت للخيمة بحثا عنها فوقع‬
‫عليها عمود حمرتق لينهي حياة مل تبداأ بعد، كثري من الفتيات‬
         ‫أ‬
‫خرجن من اخليمة، مل ي�شتمعن لنداءات الن�شاء الخريات‬
‫اللتي حثثنهن على ارتداء العباءات قبل اخلروج حتى‬
‫ل يراهن الرجال وهن متربجات فيع�شن بقية عمرهن يف‬
‫عار وف�شيحة، الكارثة تزداد واللهب احلارق يقتل كل‬
‫من يجده، حتى الن�شاء اللتي �رشخن باأعلى اأ�شواتهن‬
‫ب�رشورة ارتداء العباءة نفذن بجلدهن! اأمرية... ظلت‬
       ‫أ‬
‫حائرة و�شط اجلموع املحت�شدة، كانت تخرج الطفال‬
‫ال�شغار من اخليمة وتعود ب�رشعة مرة اأخرى خ�شية من اأن‬
‫يراها احد الرجال وهي بدون عباءة، ت�رشخ يف وجهها‬
                          ‫4‬
‫احد الفتيات، هيا اخرجي من اخليمة قبل اأن تت�شاقط عليك‬
‫اأعمدتها امل�شتعلة، اأمرية جتيبها وهي تبكي بكاء تائها يف‬
‫غمرة املاأ�شاة.. كل ل ا�شتطيع اأن اأقف عارية اأمام النا�س،‬
                     ‫اأرجوك اح�رشي يل ما ي�شرت ج�شدي.‬
           ‫- ل وقت لهذا، هيا اأمرية النريان قادمة.‬
                                 ‫- كل م�شتحيل!.‬
‫تخرج الفتاة ب�رشعة لتبقى اأمرية وحيدة حائرة و�شط‬
‫النريان واجلثث املحرتقة وبقايا حطام ب�رشي، مل يبقى بينها‬
                         ‫وبني النريان �شوى ب�شعة اأمتار..‬
‫- يا الهي اإن خرجت �شيطاردين العار ما حييت‬
‫وان بقيت �شتحرقني النريان، ماذا افعل؟... النريان‬
‫قادمة يا اأمرية.. ل ميكن اأن اأخون مبادئي وان كان املوت‬
‫يدك ح�شون حياتي... قد تكون اخلطيئة عمل نبيل عند‬

                          ‫‬
‫ال�رشورات يا اأمرية، انفذي بجلدك.. ل �شاأنتظر علني‬
                   ‫اجنوا بج�شدي و�رشيف يف اآن واحد.‬
‫النريان الغا�شبة تقرتب من اأمرية، الدخان املت�شاعد‬
‫يكتم اأنفا�شها، القلب الزاخر باحليوية يبداأ باخلمود، ت�شع‬
‫يد على �شدرها ويد اأخرى على فمها، اأوجاع الكارثة‬
‫املدوية يف كل مكان من ج�شدها، ت�شمع يف اخلارج‬
‫بكاء جماعي رهيب، �شيارات ال�شعاف واملطافئ باتت‬
                       ‫إ‬
                              ‫ؤ‬
‫قريبة، الدخان يحجب الروية ويحول احلياة اإىل كابو�س‬
            ‫آ‬
‫من اجلحيم، تل�شع النريان ج�شد اأمرية، اللم الرهيبة‬
‫بداأت بال�شتيقاظ، تخرج �رشخة املوت من ثغرها، اأمرية‬
                                     ‫أ‬
‫تعي�س اللحظات الخرية من كوميديا اللهب، ل ت�شتطيع‬
                           ‫أ‬
‫املقاومة اأكرث، تتمرغ على الر�س والنريان ت�شتعل يف‬
‫ج�شدها الغط، تتقلب اليمني وال�شمال، على ظهرها ،على‬
‫بطنها، على جنبها، عل معجزة تريحها من �شياط النريان‬

                          ‫6‬
‫املجنونة التي ل تعرف الرحمة، اإل اأن النريان هاجمت‬
‫فمها واأحرقت ل�شانها ليق�شى على اآخر اأمل لها يف النجاة،‬
            ‫أ‬
‫لقد ق�شى ما ي�شتدل به على وجودها بني الحياء، حتلق‬
‫اأمرية يف �شماء اخليمة، ترى ج�شدها تلتهمه النريان،‬
‫والن�شاء والطفال ما بني ميت وحمرتق ومرعوب، الرجال‬‫أ‬
‫املكلومني يحيطون بالن�شاء املفجوعات و�شيارات الطفاء‬
      ‫إ‬
‫تكافح النريان الهائجة، وامل�شعفني يحاولون انقاد ما ميكن‬
                                               ‫أ‬
‫اأنقاده من الرواح الطائرة، عل احدها يرجع اإىل ج�شده‬
‫املدمر، تنظر اأمرية اإىل حميطها احلي وتغادره دون اإرادتها،‬
‫ن�شائم امللكوت تهب على روحها املذهولة من هول‬
‫الفاجعة، ت�شعر باأنها ميتة ولن ترى اأهلها مرة اأخرى، تتاأمل‬
‫ج�شمها فتجده �شفاف على النقي�س من ج�شدها الذي‬
‫الفته واعتادت عليه، ت�شمع نداء جمهول.. لقد غادرت‬
                       ‫اليوم اأمرية احلياة اإىل عامل الرحمة...‬
                            ‫‬
‫(3)‬
‫اأمرية �شهيدة العفة والطهارة... اأمرية �شحت بنف�شها‬
‫من اجل القيم اخلالدة.. اأمرية قدوة ن�شاء هذا املجتمع...‬
‫معا�رش الن�شاء اتخذن اأمرية قدوة لكن، اجعلن حياتكن‬
‫كحياة اأمرية، على جميع الفتيات اللتي مل يلتزم متاما‬
‫باحلجاب والعفاف اأن يبادرن اإىل ذلك، ولتكن اأمرية‬
‫اأمامهن دائما..... مل تكن اأيام عزاء عادية، تلك التي اأقيمت‬
‫حدادا على روح اأمرية، فقد تبارى اخلطباء وال�شعراء‬
‫والكتاب يف متجيد العزيزة الراحلة، التي �شحت بنف�شها‬
‫حفاظا على ال�رشف واحلياء، مل�شقات يف كل مكان حتث‬
‫الن�شاء على اللتزام بالعباءة واخلمار، وان يتذكرن اأمرية‬
‫وت�شحيتها العظيمة، فقد كان با�شتطاعتها اخلروج من‬
‫اخليمة وان تبقى حية، اإل اأنها ف�شلت املوت على احلياة‬
                   ‫أ‬
‫يف العار... اأ�شبحت اأمرية حديث الم�س واليوم والغد،‬
‫اأمرية يف كل مكان وعلى كل ل�شان، الكل ميجدها، اجلميع‬
                          ‫‬
‫يرتمن ب�شريتها وكيف كانت ملتزمة بحجابها، بعباءتها،‬
‫بتغطية كامل وجهها، بلب�شها القفازات حتى يف درجات‬
‫احلرارة عالية، الكل يلهج ب�شرية اأمرية يف جامعتها، يف‬
‫بيتها، مع عائلتها، �شديقاتها، يف ال�شارع، يف ال�شوق، ويف‬
‫كل حمفل �رشفته بح�شورها، خطباء امل�شاجد يثنون عليها‬
‫ويدعون لها باملغفرة، ويرغبون النا�س يف تربية بناتهن مبثل‬
‫ما ربيت عليه اأمرية، يحثون الن�شاء والفتيات لن ينهلن من‬
‫م�شرية حياتها، من ت�شحيتها العظيمة.... حتولت اأمرية اإىل‬
‫اأ�شطورة اأنثوية وذات عظيمة، ومثال للت�شحية يف �شبيل‬
‫العفة، قربها ل تنقطع عنه الزوار.. ح�رشت على �شبابك يا‬
‫ابنتي ماذا كان �شيحدث لو انك خرجت من اخليمة كباقي‬
‫الفتيات.. تت�شابق النظرات الغا�شبة لتلك املراأة التي تفوه‬
‫ل�شانها بهذه الكلمات... يتطلع اإليها احد الذكور بحنق‬
‫وغ�شب �شديدين.. ماذا تقولني يا امراأة؟ لقد �شحت هذه‬
‫الفتاة بنف�شها حفاظا على �رشفها وطهارتها، لقد راأيت باأم‬
                          ‫‬
‫عيني فتيات هاربات من اخليمة امل�شتعلة وهن عاريات‬
‫كا�شيات، هل تعتقدي باين �شوف اأتزوج باأحداهن يف يوما‬
           ‫أ‬
‫ما اأم غططت الطرف عنهن واختلقت لهن العذار؟ اإن‬
                      ‫أ‬
‫عريهن �شيبقى عارا يطاردهن اإىل البد ولن تغفر لهن روح‬
‫الطهارة والهة العفة جنايتهن مهما قدمن من مربرات، ما‬
‫الذي جعلهن يتعرين داخل اخليمة، ملاذا مل يكن حمت�شمات؟‬
‫اأين كانت عباءاتهن؟ هل احل�شمة فقط اأمام الرجال؟‬
‫اجيبي! ملاذا اأنت �شامتة؟ وكاأن روح �رشيرة م�شتك...‬
                                            ‫ِ‬
‫تبكي املراأة بغنب �شديد، لتبكي معها الن�شاء املحت�شدات،‬
‫كاأنهن يردن قول راأيا مناه�شا ملا قاله هذا الرجل، اإل اأنهن‬
‫مكبلت بقيود ل ميكنهن الفكاك منها، يقطع بكائهن نداء‬
‫من حنجرة اأنثوية مقموعة : فلنقراأ جميعا اآيات الرحمة‬
                        ‫على روح اأمرية لتنعم بال�شكينة...‬
‫كانت اأمرية بعيدة عن اجلميع، يف عامل جديد، تبكي‬
‫لفراق اأحبتها ومغادرتها احلياة يف �شن مبكرة، كانت‬
                      ‫0‬
‫�شلوات اأهلها وذويها ت�شلها فتخفف عنها اآلمها، اإل اأنها‬
‫تعود للبكاء جمددا، لدغات اللهب الرهيبة ما تزال ت�شعر‬
                        ‫بها لينتابها حزن �شديد وهم عارم..‬
                                ‫آ‬
                    ‫- كيف ت�شعرين الن يا اأمرية؟‬
  ‫ت�شمع �شوتا جبهريا ولكنها ل ترى �شخ�س اأمامها..‬
‫- من اأنت، اأرجوك اظهري نف�شك، مند اأن اأتيت اإىل‬
                            ‫هذا املكان واأنا وحيدة فريدة.‬
‫- ح�شنا يا اأمرية اإن كان ذلك �شرييح نف�شك‬
                                        ‫املعذبة.‬
        ‫تظهر لها �شيدة عجوز حتيطها هالة من النور..‬
                                 ‫- هل اأنت ملك؟‬
                      ‫- كل يا اأمرية اأنا ب�رش مثلك.‬

                          ‫1‬
‫- اخربيني اأين اأنا وهل �شاأعود اإىل دياري؟‬
                          ‫- كل يا اأمرية، لقد مت.‬
‫ذهول يعقبه �شمت جملجل، بكاء ونحيب يخرج من‬
                        ‫أ‬      ‫أ‬
‫روح اأمرية ت�شمعه الرواح الخرى فت�شبح اهلل عله يغفر‬
                                               ‫لها...‬
            ‫- اهدئي يا اأمرية، كل النا�س �شتموت.‬
                    ‫- (ببكاء ) ولكني مت حمرتقة.‬
‫- اأنت من ق�شمتي عمرك، كان مكتوب لك اأن‬
‫تعي�شي �شبعني عاما، وها اأنت تغادرين احلياة ومل تبلغي‬
            ‫اخلام�شة والع�رشين، ملاذا فعلت ذلك يا اأمرية؟‬
‫- اأرجوك اخربيني، هل اأنا خمطئة؟ كنت اأظن اأنهم‬
                                         ‫�شينقدونني.‬

                          ‫2‬
‫- كنت ت�شتطيعني اخلروج من اخليمة ولكنك كنت‬
      ‫ذاتا �شعيفة ونف�س م�شت�شلمة للغطر�شة احلاكمة.‬
                                   ‫- ماذا تق�شدين؟‬
                                       ‫- تعايل معي.‬
‫مت�شك ال�شيدة العجوز بيدها، باإ�شارة منها جتد اأمرية‬
‫نف�شها يف مدينة كبرية يتو�شطها نهرا كبري وحتيط بها الب�شاتني‬
        ‫أ‬                                       ‫أ‬
‫الرائعة وال�شجار املثمرة واحلدائق اجلميلة والع�شاب‬
             ‫اخل�رشاء، والنا�س يف مرح و�شعادة و�رشور...‬
                            ‫- ما هذه املدينة الرائعة؟‬
       ‫- اإنها مدينة النور يا ابنتي، تعايل ن�شيح فيها.‬
             ‫ت�شري اأمرية بخطى ي�شيطر عليها اخلوف..‬
                 ‫- ملاذا مت�شني واأنت خائفة يا اأمرية؟‬

                           ‫3‬
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019
6019

More Related Content

What's hot

Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلة
Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلةCopy (2) of الإسلام والطاقات المعطلة
Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلةTaha Rabea
 
Malek ben al reb2
Malek ben al reb2Malek ben al reb2
Malek ben al reb2wasan5
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةRajaa Rajaa Bakriyyeh
 
إضاءات تلك القرى
إضاءات تلك القرىإضاءات تلك القرى
إضاءات تلك القرىahmed serag
 
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانالأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانSalwa Felhi
 
في أدبيات العتاب
في أدبيات العتابفي أدبيات العتاب
في أدبيات العتابDrEmadweb
 
Nouveau document microsoft word
Nouveau document microsoft wordNouveau document microsoft word
Nouveau document microsoft wordJawad Belequeber
 
غريبة ..فيروز الفقيه..
غريبة ..فيروز الفقيه..غريبة ..فيروز الفقيه..
غريبة ..فيروز الفقيه..Feyrouz ElFkih
 
رمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومرمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومAbdulhadi Aloufi
 

What's hot (14)

Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلة
Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلةCopy (2) of الإسلام والطاقات المعطلة
Copy (2) of الإسلام والطاقات المعطلة
 
Malek ben al reb2
Malek ben al reb2Malek ben al reb2
Malek ben al reb2
 
Edit new father
Edit new fatherEdit new father
Edit new father
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
 
عرائس المروج
عرائس المروج   عرائس المروج
عرائس المروج
 
إضاءات تلك القرى
إضاءات تلك القرىإضاءات تلك القرى
إضاءات تلك القرى
 
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانالأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
 
Tagasim
TagasimTagasim
Tagasim
 
في أدبيات العتاب
في أدبيات العتابفي أدبيات العتاب
في أدبيات العتاب
 
أماه
أماهأماه
أماه
 
Nouveau document microsoft word
Nouveau document microsoft wordNouveau document microsoft word
Nouveau document microsoft word
 
برقيات
برقياتبرقيات
برقيات
 
غريبة ..فيروز الفقيه..
غريبة ..فيروز الفقيه..غريبة ..فيروز الفقيه..
غريبة ..فيروز الفقيه..
 
رمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومرمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيوم
 

Similar to 6019

حين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةحين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةdremadhussein
 
خواطر في أدبيات الغربية
خواطر في أدبيات الغربيةخواطر في أدبيات الغربية
خواطر في أدبيات الغربيةdremadhussein
 
وداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمروداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمرOume Slaoui
 
صناعة المعروف
صناعة المعروفصناعة المعروف
صناعة المعروفAbdullah Assaf
 
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةentsar
 
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماويمقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماويJoOry San
 
ثلاثون سبب للسعادة
ثلاثون سبب للسعادةثلاثون سبب للسعادة
ثلاثون سبب للسعادةislamtics default
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)Agnès Poète- Ecrivain
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
Muslims of burma (arkan)
Muslims of burma (arkan)Muslims of burma (arkan)
Muslims of burma (arkan)alakeeda
 
ثوابت الايمان بعد رمضان
ثوابت الايمان بعد رمضانثوابت الايمان بعد رمضان
ثوابت الايمان بعد رمضانTaha Rabea
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطبLith Alayasa
 

Similar to 6019 (20)

هيروشيما بلادي
هيروشيما بلاديهيروشيما بلادي
هيروشيما بلادي
 
حين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةحين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينة
 
خواطر في أدبيات الغربية
خواطر في أدبيات الغربيةخواطر في أدبيات الغربية
خواطر في أدبيات الغربية
 
وداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمروداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمر
 
صناعة المعروف
صناعة المعروفصناعة المعروف
صناعة المعروف
 
938
938938
938
 
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
 
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماويمقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي
مقتطفات من قصائد الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي
 
ثلاثون سبب للسعادة
ثلاثون سبب للسعادةثلاثون سبب للسعادة
ثلاثون سبب للسعادة
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
532
532532
532
 
Muslims of burma (arkan)
Muslims of burma (arkan)Muslims of burma (arkan)
Muslims of burma (arkan)
 
Hamsa
HamsaHamsa
Hamsa
 
Shenash
ShenashShenash
Shenash
 
878
878878
878
 
ثوابت الايمان بعد رمضان
ثوابت الايمان بعد رمضانثوابت الايمان بعد رمضان
ثوابت الايمان بعد رمضان
 
ذات رغبة
ذات رغبة  ذات رغبة
ذات رغبة
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطب
 

More from kotob arabia (20)

1086
10861086
1086
 
960
960960
960
 
764
764764
764
 
6487
64876487
6487
 
6205
62056205
6205
 
942
942942
942
 
96
9696
96
 
5962
59625962
5962
 
763
763763
763
 
6486
64866486
6486
 
745
745745
745
 
6204
62046204
6204
 
6435
64356435
6435
 
5961
59615961
5961
 
6182
61826182
6182
 
959
959959
959
 
941
941941
941
 
594
594594
594
 
762
762762
762
 
744
744744
744
 

Recently uploaded

الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxv2mt8mtspw
 
الكيمياء 1.pdf.............................................
الكيمياء 1.pdf.............................................الكيمياء 1.pdf.............................................
الكيمياء 1.pdf.............................................zinhabdullah93
 
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمى
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمىالملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمى
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمىGamal Mansour
 
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيfjalali2
 
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfالتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfNaseej Academy أكاديمية نسيج
 
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptx
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptxالتعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptx
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptxyjana1298
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxssuser53c5fe
 

Recently uploaded (7)

الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
 
الكيمياء 1.pdf.............................................
الكيمياء 1.pdf.............................................الكيمياء 1.pdf.............................................
الكيمياء 1.pdf.............................................
 
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمى
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمىالملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمى
الملكية الفكرية فى جمهورية مصر العربية للبحث العلمى
 
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
 
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfالتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
 
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptx
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptxالتعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptx
التعلم المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية. pptx
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
 

6019

  • 1.
  • 3. ‫ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫.‬ ‫אא‬ ‫א‬ ‫)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ‬ ‫א‬ ‫אא‬ ‫ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ‬ ‫א‬ ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (‬ ‫א‬ ‫א‬ ‫.‬ ‫.‬ ‫א א‬
  • 4.
  • 5. ‫أ‬ ‫امرية واللهب‬ ‫ق�ص�ص ق�صرية‬ ‫رائد قا�سم‬ ‫7241هـ ـ 6002م‬
  • 6.
  • 7. ‫اإهداء‬ ‫اإىل ال�شم�س التي ت�رشق كل يوم لتعم باأ�شعتها‬ ‫أ‬ ‫اأرجاء الر�س املكبلة.. اإىل القمر الذي ينري الليل‬ ‫احلالك..اإىل النجوم التي تزين ال�شماء الدام�شة‬ ‫أ‬ ‫لتزيل الوح�شة والغربة عن النف�س التائهة يف‬ ‫طريق معتم ب�شحراء موح�شة اأو بحر عجاج...‬ ‫اإىل كل اإن�شان �شخر وجوده من اجل اأن ي�شيء‬ ‫للن�شان طريق احلرية...‬ ‫إ‬ ‫‬
  • 8.
  • 9. ‫املقدمة‬ ‫يف واقعنا العربي تربز املاأ�شاة املجلجلة التي تعي�شها‬ ‫المة العربية، حيث حتيا �شعوبها على ثروات �شخمة‬ ‫أ‬ ‫وموارد هائلة، اإل اأنها ل تنال منها �شوى الفقر والبو�س،‬ ‫ؤ‬ ‫أ‬ ‫مدن ال�شعب العربي قبور على الر�س، حياته لي�شت‬ ‫�شوى �شجن كبري يدعى وطن حتكمه اأنظمة بولي�شية قمعية‬ ‫ل تعرف من الن�شان �شوى انه مطية ل�شتمرار حكمها‬ ‫إ‬ ‫وا�شتفرادها بخرياته، من هنا تربز قيمة احلرية كاأعظم نعمة‬ ‫ربانية، من اهلل بها على الن�شان، وحني تغيب يعي�س وكاأنه‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫يف �شيف �شموم لي�س له نهاية، اأو �شتاء قار�س لي�س هناك‬ ‫‬
  • 10. ‫اأمد لنق�شائه، كنت اعرف �شبان مليئني باحليوية والنطلق‬ ‫نحو امل�شتقبل، حاولوا فقط اأن يعي�شوا حريتهم بتلقائية اإل‬ ‫اأن ال�شباح التي تعيث يف ف�شائهم الب�رشي وئدت حركتهم‬ ‫أ‬ ‫واأم�شكت باأج�شادهم املنطلقة يف حميطها الجتماعي ال�شيق‬ ‫واملحدود واألقت بهم يف غياب ال�شجون �شنوات طويلة‬ ‫من اأعمارهم دون حماكمة اأو توجيه تهمة، وعندما اأطلق‬ ‫اجللدون �رشاحهم من ال�شجن ال�شغري اإىل املعتقل الكبري‬ ‫كانت حياة ال�شجن قد اأثرت على �شماتهم ال�شخ�شية‬ ‫وطبائعهم ال�شوية، كانوا يخافون من تذكر تلك الليايل‬ ‫الطويلة يف ال�شجن مبا حتويه من اهانة وتعذيب وا�شتهانة‬ ‫بكرامتهم، مل يرغبون اأبدا يف التعريف مبظلمتهم، كان كل‬ ‫ما يرغبوا به اأن يعي�شوا بقية اأعمارهم يف اأمان، بعيدا عن‬ ‫ال�شياط واأدوات التعذيب والحتقار لدواتهم الن�شانية،‬ ‫إ‬ ‫عرفت احدهم عن قرب، ممتلئ اجلثة، طويل القامة، يخرج‬ ‫من عينيه �رشر القوة والب�شالة، وروح النتماء لتيار ديني‬ ‫‬
  • 11. ‫ثوري هادر، وما اأن خرج من ال�شجن حتى اأنطفاأ وهج‬ ‫قوته، وتوارت ملمح البطولة وال�شجاعة، نربات �شوته‬ ‫تراجعت حدتها وحتول اإىل �شاب اقرب اإىل ال�شذاجة منه‬ ‫اإىل الثقافة والتدين امل�شوب بالفتوة، وكنت قد عرفت �شابا‬ ‫متدينا، يف نظري لي�س �شوى رقيق لل�شلطة الدينية التقليدية‬ ‫واملفاهيم ال�شاذجة واملتطرفة، اإن�شان يريد اأن يفر�س وجهة‬ ‫نظر مت�شددة على جمتمع ديني غارق يف القيم ال�شوداء‬ ‫آ‬ ‫والراء املتعنتة، كان يعتقد اأن جمتمعه بحاجة اإىل التم�شك‬ ‫بالدين وا�شتيعابه بعمق والنهل منه اأكرث، وكان ي�شعى اإىل‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫�شحق التيارات الخرى، وتدمري كافة الراء والفكار‬ ‫املخالفة لفهمه الديني اخلا�س، وهو اليوم لي�س �شوى مري�س‬ ‫يتلقى العلج يف اإحدى العيادة النف�شية! وكان يل �شديق‬ ‫تويف رحمه اهلل بعد اأن انعدمت كافة فر�شة احلياة الطبيعة‬ ‫اأمامه، لقد عار�شه اأهله ومنعوه من درا�شة العلوم الدينية،‬ ‫وكانوا ي�شنون عليه حربا نف�شية قذرة ،مل يجد اأية مو�ش�شة‬ ‫ؤ‬ ‫‬
  • 12. ‫اجتماعية اأو حكومية حتل م�شاكله اأو تهتم به ك�شاب يف‬ ‫مقتبل العمر، فاأ�شيب باملر�س النف�شي الذي اودى بحياته‬ ‫ؤ‬ ‫أ‬ ‫يف نهاية المر، كنت �شابقا ا�شعر مبلل ل اعرف من اأين‬ ‫م�شدره، كنت اأقول اإن يف حياتنا اخلا�شة والعامة خلل‬ ‫مبهم، ل ميكن اأن تكون حياتنا هذه هي التي اأرادها اهلل لنا،‬ ‫كنت ا�شعر بال�شيق وتنتابني حالت من الرغبة ال�شديدة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يف اخلروج من وطني لكت�شف العامل الو�شع، ل�شعى‬ ‫بقدر ما اأوتيت من قوة لكت�شاف اخللل الذي يعي�شه‬ ‫ويتمرغ فيه �شعبنا العربي اأميا مترغ، مل اأكن اعرف اأن ما‬ ‫نحياه يف جمتمعاتنا املتدينة املحافظ �شوى �رشاب نح�شبه‬ ‫ماء لي�س له وجود، كل ما ندركه لي�س له طعم ول رائحة،‬ ‫جمرد اأوهام كبلتنا وجعلتا اأ�رشاء لها، ذلك اأن احلرية لي�شت‬ ‫�شوى اإك�شري احلياة وروحها ومن دونها نغدو كاجل�شد‬ ‫أ‬ ‫الذي يعي�س على الجهزة ال�شطناعية دون اأمل يف �شفاء،‬ ‫اإنها عزيزي القارئ حياتنا يف بلدنا العربية، حياة الرجل‬ ‫01‬
  • 13. ‫أ‬ ‫واملراأة، الغني والفقري، املتعلم والمي، جميعهم �شواء يف‬ ‫حياة بائ�شة يت�شاوى يوماها ولي�س من قيمة تذكر ل�شاعاتها‬ ‫ودقائقها وثوانيها.‬ ‫لقد كتبت الكثري من الكتب وجميعها ت�شب يف خانة‬ ‫واحدة ،ع�شب هذه احلياة و�رشها املكنون ((احلرية)) اإن هذه‬ ‫أ‬ ‫املجموعة الق�ش�شية هي املحاولة الثانية بعد ((لنك امراأة))‬ ‫التي �شدرت يف عام 4002م، قراأت كتب كثرية وكان‬ ‫منهج العديد منها اأن يح�شوا الن�س مبجموعة من الق�ش�س‬ ‫للتدليل على الراأي وال�شت�شهاد على الفكرة، وتعج‬ ‫الكتب ال�شماوية يف مقدمتها القران الكرمي بالق�ش�س،‬ ‫ذلك اأنها تخاطب النف�س الب�رشية من خلل فطرتها ال�شوية‬ ‫بعيدا عن التهويل والتكلف التي تنتهجها بع�س اخلطب‬ ‫أ‬ ‫واملواعظ وبع�س مناهج طرح الفكار ووجهات النظر،‬ ‫أ‬ ‫لذلك عزمت اأن اأ�شع بني يدي القارئ بع�س الفكار‬ ‫املت�شلة باأهم قيمة اإن�شانية على الطلق يف قالب ق�ش�شي‬ ‫إ‬ ‫11‬
  • 14. ‫حي، على ذلك ي�شاهم يف بلورة القيم احليوية والروىء‬ ‫اخللبة التي تفتقدها جمتمعاتنا العربية منذ قرون طويلة،‬ ‫اأن هديف هو ك�رش الهالة ال�شحرية لل�شتبداد الذي �شيطر‬ ‫على حياة الن�شان العربي ودمر �شخ�شيته ال�شوية وحوله‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫اإىل خملوق م�شخر لقوى ال�رش والنانية التي حتكمه ومت�شك‬ ‫بحياته وجممل وجوده، مل اأرى اأف�شل وانعم واألطف على‬ ‫أ‬ ‫الذات العربية كغريها من الرواح الن�شانية اللطيفة‬ ‫إ‬ ‫بحكم الفطرة والطبيعة والتكوين من الق�شة التي تخاطب‬ ‫العقل دون ابتذال وتعقيد، وتتلقاها النف�س بان�شياب‬ ‫وحتاول تخطي احلواجز الثقافية والفكرية التي ل ت�شتطيع‬ ‫أ‬ ‫مناهج التلقني واليحاء جتاوزها يف العديد من الحيان،‬ ‫إ‬ ‫اإل اأن الق�شة قادرة على ذلك ومن ثم حمل العديد من‬ ‫الر�شائل املوثرة بلغة عذبة يافعة، اأمتنى اأن ت�شاهم هذه‬ ‫ؤ‬ ‫املجموعة الق�ش�شية يف تب�شري املليني من العرب رجال‬ ‫ون�شاء من الذين يعي�شون على هام�س احلياة بواقع حياتهم‬ ‫21‬
  • 15. ‫املومل واملحزن الذي حموره انعدام احلرية و�شيوع ال�شتبداد‬‫ؤ‬ ‫والديكتاتورية كقوة هيمنة واإخ�شاع حتاول تدمري ما تبقى‬ ‫من اإن�شانية ال�شخ�شية العربية يف القرن اجلديد.‬ ‫رائد قا�سم‬ ‫1/ 6/ 6002م‬ ‫31‬
  • 16.
  • 18.
  • 19. ‫ذات عا�صق‬ ‫ي�شتيقظ يف جوف الليل على رخيم �شوت....‬ ‫- منري ا�شتيقظ ما هذه �شاعة نوم.‬ ‫- من يناديني، من اأنت؟‬ ‫- اأنا القادم منك.‬ ‫- من تكون؟‬ ‫- اأنا اأنت واأنت اأنا ل فرق بيننا!‬ ‫1‬
  • 20. ‫- اأيعقل اأن نكون واحدا؟‬ ‫- نحن كيان واحد، ذات واحدة، هل تريد اأن‬ ‫تراين؟‬ ‫- نعم ل بد من ذلك.‬ ‫أ‬ ‫كتل هوائية تتجمع ب�رشعة، هواء منع�س يعم الرجاء،‬ ‫ج�شم اأثريي ي�شع منه نور ملئكي‬ ‫- يا الهي هذا اأنا.‬ ‫- قلت لك اأنا هو ذات واحدة، هل ترغب‬ ‫مبرافقتي؟‬ ‫- اإىل اأين؟‬ ‫- اإىل احلقيقة.‬ ‫مي�شك بيده ويحلقان يف الف�شاء...‬ ‫1‬
  • 21. ‫- يا لروعة هذه النجوم يف هذا الليل البهي.‬ ‫- نعم يا منري اأنها جميلة ورائعة.‬ ‫- ما هذا؟ املح اأطفال يبكون.‬ ‫- تعال لرنى ما بهم.‬ ‫أ‬ ‫يقرتب منري ب�شحبة ذاته من الطفال..الذات ت�شاأل‬ ‫أ‬ ‫الطفال.‬ ‫- ما بكم يا اأحبابي؟ اأين والديكم؟ وما الذي جاء‬ ‫بكم اإىل هنا؟ يبكي طفل ب�شدة، يحت�شنه منري، يقف اأبلغهم‬ ‫ويقول...‬ ‫- كنت ام�شي يف احلديقة ب�شحبة اأبي واأمي واأخوتي،‬ ‫أ‬ ‫تعرثت رجلي ف�شقطت على الر�س ووقعت على لغم‬ ‫فوجدت نف�شي هنا، راأيت ج�شدي من بعيد خم�شبا بدمائه‬ ‫ووالداي واأخوتي مذهولني يبكون وينتحبون ول يعرفون‬ ‫1‬
  • 22. ‫ماذا يفعلون.‬ ‫- واأنت يا �شغريي ما الذي جاء بك؟‬ ‫- لقد قتلتني ر�شا�شة طائ�شة يف احلرب.‬ ‫- واأنت؟‬ ‫- لقد بقيت مع اأمي خم�شة اأيام مل اأذق خللها اأي‬ ‫طعام اأو �رشاب، ومل اعد اأقوى على احلياة فجئت اإىل هنا.‬ ‫- اأمل جتدوا اأي طعام اأو �رشاب؟‬ ‫- الطعام وال�رشاب على مقربة منا، ولكن املعارك‬ ‫الدائرة �شديدة لدرجة رهيبة والغداء الذي ياأتي األينا‬ ‫أ‬ ‫يح�شل عليه القوياء، اأما ال�شعفاء اأمثالنا فلي�س لهم اإل‬ ‫اجلوع والعط�س واملوت.‬ ‫يتاأثر منري بكلمهم‬ ‫02‬
  • 23. ‫- يا الهي اأيعقل اأن تقتل الرباءة يف غمرة ن�شوتها‬ ‫وحترم من البت�شامة يف ب�شتان زهرتها؟‬ ‫تهب ريح �شديدة الوطاأة، مي�شك منري بيد ذاته، يحاول‬ ‫اأن مي�شكه بقوة حتى ل يبتعد عنه، ولكن يديهما تفرتقان‬ ‫عن بع�شهما..‬ ‫- ل تقلق يا منري �شاأراك وتراين كلنا نف�س واحدة.‬ ‫- كيف �شيكون ذلك؟‬ ‫- عندما ت�شعر باحلب ينت�رش يف كيانك وت�شعر باأن‬ ‫جميع الب�رش هم اإخوة لك حينها فقط �شرتاين بجانبك مهما‬ ‫ؤ‬ ‫كانت الظروف قا�شية وموملة.‬ ‫ي�شري منري وحيدا، يرى نور دافق، اأرواح لرجال ون�شاء‬ ‫واأطفال تغرد يف رو�شة يفوح منها العطر..‬ ‫- من انتم وملاذا تعي�شون هنا؟‬ ‫12‬
  • 24. ‫- منري هل يعقل اأن ل تعرفنا، هل جتزم بذلك؟‬ ‫- �شدقوين ل اأعرفكم.‬ ‫- بل تعرفنا يا منري جيدا، ولكنك مثل غريك من بني‬ ‫الب�رش تخليت عنا وتركتنا مل�شرينا فاأ�شبحنا اأ�رشاء لقدرنا‬ ‫املحتوم.‬ ‫- من تكونون بحق ال�شماء؟‬ ‫- انظر حتت قدمك.‬ ‫يرى منري نف�شه و�شط ال�شفة الغربية، حجارة يقذفها‬ ‫اأطفال �شغار، ر�شا�س طائ�س يطلقه جنود الحتلل،‬ ‫�شيارات اإ�شعاف تنقل الراحلني اإىل عامل احلقيقة، واجلرحى‬ ‫اإىل امل�شت�شفيات، اأطفال يبكون، ون�شاء ثكلى، ورجال‬ ‫أ‬ ‫فقدوا اأجزاء من اأج�شادهم، �شوت األذان من املاآذن‬ ‫يدعوا النا�س اإىل موا�شلة الكفاح...ي�رشخ منري كفى كفى‬ ‫22‬
  • 25. ‫كفى...يعود للرو�شة مرة اأخرى‬ ‫- هل عرفتنا األن يا منري؟‬ ‫- نعم عرفتكم وكاأين نائم فا�شتيقظت، اأكل هذا‬ ‫يحدث على مقربة مني؟‬ ‫- األ ت�شعر بالمتعا�س يا منري؟‬ ‫- نعم.. ل.. اأرجوكم ل حتملوين ما ل طاقة يل به..‬ ‫اأرجوكم‬ ‫يرى نف�شه جمددا يف ال�شماء وحيدا..‬ ‫- اأين ذهبتم؟ ل ترحلوا اأرجوك‬ ‫- دعنا يا منري يف �شدي رو�شتنا، ودع �شعبنا يلقي‬ ‫ربه م�رشجا بدمائه ولتنم اأنت نومت العر�س يف ليالينا‬ ‫الدامية.‬ ‫32‬
  • 26. ‫- للل‬ ‫�شدى �شوته ي�شبح يف الف�شاء، يفتح عينيه، يجد نف�شه‬ ‫و�شط نخيل با�شقات، ي�شعر باجلوع، ياأكل من رطبها، تهتز‬ ‫الر�س من حوله..‬‫أ‬ ‫- يا الهي ما الذي يجري؟‬ ‫ينظر اإىل ال�شماء، اأرواح ت�شبح يف الف�شاء، يتغري‬ ‫املكان..‬ ‫- اأين اأنا؟ اأنها م�شت�شفى ولكن اأين؟‬ ‫ي�شمع اأ�شوات نحيب وبكاء عارم...‬ ‫- طفلي حبيبي ل ترحل عني.‬ ‫- اآه لقد طال تفجري اليوم كل �شيء مل يبقى يل يف‬ ‫هذه الدنيا اإل احلطام.‬ ‫42‬
  • 27. ‫- لقد فقدت اليوم اعز ما املك، لقد ذهب نور‬ ‫أ‬ ‫عيني اإىل البد.‬ ‫أ‬ ‫تهتز الر�س، ي�شقط منري من �شدة الهتزاز، يرى طبيبا‬ ‫ً ميار�س عمله وهو يتمتم..‬ ‫- اأيها الطبيب ما هذه الديار واأين اأنا؟‬ ‫ينظر اإليه بعني حاذقة..‬ ‫- منري األ تعرف من هولء؟‬ ‫ؤ‬ ‫- كل يا �شيدي، اأرجوك اخربين من انتم؟‬ ‫ي�شحك �شحكة جملجلة...‬ ‫البكاء والنحيب يف كل مكان، الرهاب يح�شد املزيد‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫من الرواح التي تهيم يف الف�شاء..‬ ‫ؤ‬ ‫- هل عرفت من هولء يا منري؟‬ ‫2‬
  • 28. ‫- كل.‬ ‫- اأنهم �شعبي احلزين الذي تهيم اأرواحه منذ عقدين‬ ‫من الزمن ومل يعرف طعم الراحة والطماأنينة.‬ ‫- لقد عرفتكم األن، حتى انتم تخلى عنكم هذا العامل‬ ‫أ‬ ‫وترككم للقدار، وعندما �شعر باحتياجه اإىل ثرواتكم‬ ‫زحف على اأر�شكم مدعيا انه جاء للتحرير، اإنها امل�شالح‬ ‫أ‬ ‫هي التي حتكم �شذى هذا العامل البائ�س، انه احلقد العمى‬ ‫يجتاح الن ينابيع حياتكم ويحول جنتكم الغناء اإىل‬‫آ‬ ‫ؤ‬ ‫�شحراء جرداء وين�رش اخلراب والبو�س يف كل مكان.‬ ‫أ‬ ‫تهتز الر�س جمددا، يجد نف�شه يف دوامة بو�شط ف�شاء‬ ‫ا�شود قامت، ل ي�شتطيع الحتمال، يهم بال�رشاخ وينادي‬ ‫ذاته، يفقد الوعي، ي�شتيقظ ليجد نف�شه يف اأر�شى قاحلة،‬ ‫مي�شي قليل، ي�شمع اأ�شوات اأرواح حتلق يف ال�شماء، تقرتب‬ ‫منه روح..‬ ‫62‬
  • 29. ‫- منري هل جئت لزيارتنا اأخريا؟‬ ‫- من انتم بحق ال�شماء؟‬ ‫- األ تعرف من نحن؟‬ ‫- بالطبع ل.‬ ‫- ام�شي قليل واأنت مغم�س العينني و�شتعرف.‬ ‫ثم يعود للتحليق يف الف�شاء...‬ ‫ي�شري منري وهو مغم�س العينني لريى نف�شه و�شط خياما‬ ‫من�شوبة، و�شيارات حماطة باملئات من الب�رش اجلوعى،‬ ‫ي�شمع �رشاخ ن�شاء يئن من اجلوع واملر�س ويخرجن من‬ ‫خيامهن باحثات عن زاد ي�شد اأنينهن، يقرتب من اإحدى‬ ‫اخليام، يرى امراأة وهي يف حالة الو�شع، والطبيب بوجه‬ ‫جمهم يودي عمله ب�شمت، �رشاخ املراأة ي�شتد، يخرج‬ ‫ؤ‬ ‫اجلنني من بطنها بل حراك، املراأة ت�شعر ب�شي من الراحة،‬ ‫2‬
  • 30. ‫اجلنني بني يدي الطبيب، ي�شعه يف مكان اآخر ويحاول اأن‬ ‫ينع�شه، ت�شاأله األم..اخربين يا دكتور كيف حال ولدي؟‬ ‫مي�شك الطبيب بذراعيها ويجيبها:‬ ‫- لقد اجنبتي طفل ميتا.‬ ‫ت�رشخ املراأة املكلومة ب�شدة، يحاول الطبيب تهدئتها،‬ ‫ؤ‬ ‫ولكنها تهم بالقيام لروية جثث طفلها..‬ ‫منري ل ي�شتطيع اأن يكمل روية هذا امل�شهد الذي يج�شد‬ ‫ؤ‬ ‫أ‬ ‫معاناة الب�رش يف ع�رش اللفية الثالثة، يعر�س عنه ولكنه‬ ‫ي�شطدم مب�شاهدة رجال ي�شعون اأيديهم على بطونهم‬ ‫أ‬ ‫وي�رشخون من �شدة اجلوع وبكاء الطفال يدوي يف‬ ‫كل مكان، ي�شع منري يديه على راأ�شه ويفر هاربا من هذا‬ ‫املكان، تقابله روح الطفل مرة اأخرى..‬ ‫- هل عرفت يا منري من نحن؟‬ ‫2‬
  • 31. ‫- نعم ولكن اأين العامل احلامل عنكم؟‬ ‫- اأتريد اأن تعرف جمددا؟‬ ‫- نعم.‬ ‫اأمواج البحر ت�رشب بع�شها بع�شا وال�شم�س امل�رشقة‬ ‫ت�شيء بنورها اأرجاء الدنيا رغم ما جناه الب�رش من موبقات،‬ ‫طائرة �شخمة حتوم يف ال�شماء، تفتح الطائرة خمازنها لتلقي‬ ‫باأطنان من ال�شناديق..‬ ‫- ما هذا؟‬ ‫- ا�شاأله يا منري.‬ ‫يدخل قمرة القيادة...‬ ‫- ما هذه ال�شناديق التي تقذفها يف البحر؟‬ ‫- منري دعني من �شولك اأريد اأن اأجنز عملي.‬ ‫ؤ‬ ‫2‬
  • 32. ‫- يجب اأن جتيبني.‬ ‫- ا�شمع يا منري، بب�شاطة اإنها مواد غذائية اإذا‬ ‫مل نرمها يف البحر �شتنخف�س اأ�شعارها واإذا انخف�شت‬ ‫أ‬ ‫ال�شعار خ�رشت ال�رشكات الزراعية الكربى واإذا خ�رشت‬ ‫ا�شطرت لتخفي�س اأعداد موظفيها، اأفهمت؟‬ ‫- واملليني من اجلائعني يا هذا األ تعبئون بهم؟‬ ‫قائد الطائرة يلوذ بال�شمت...‬ ‫- اجبني.‬ ‫يلتفت اإليه..‬ ‫- منري اأن عاملنا مل ي�شل بعد ملا تريد، انه بعد يعي�س‬ ‫قانون الغاب وما تزال الن�شانية بعيدة كل البعد عن‬ ‫إ‬ ‫الف�شيلة.‬ ‫03‬
  • 33. ‫يخرج منري من الطائرة للف�شاء الوا�شع، يطاأطئ راأ�شه‬ ‫أ‬ ‫خجل من انتماءه لمة الب�رش، ي�شعر بيد حانية مت�شك‬ ‫بكتفه..‬ ‫- ذاتي هذا اأنت؟‬ ‫- ملا البكاء يا منري؟‬ ‫- كيف ل ابكي واإخوتي يف كل مكان من هذا العامل‬ ‫يعانون ال�شيم.‬ ‫- اأذن �شعرت بانتمائك الن�شاين يا منري؟‬ ‫إ‬ ‫- نعم ولكن �شعرت به متاأخرا.‬ ‫- املهم انك �شعرت به اأخريا لذلك عدت اإليك،‬ ‫وقد حان الوقت للعودة اإىل عاملك امل�شني..‬ ‫يجد نف�شه يف فناء بيته، يتطلع اإىل ال�شماء، يرى ذاته‬ ‫13‬
  • 34. ‫تذهب بعيدا يف الف�شاء، يناديه من اأعماق قلبه.. خذ بيدي‬ ‫يا ذاتي اإىل اآفاقك الوا�شعة اإىل حيث ال�شعور بقيمة احلياة‬ ‫آ‬ ‫ومعنى اأن يبذل الن�شان مهجته يف �شبيل اإ�شعاد الخرين،‬ ‫إ‬ ‫اإىل نور ل ظلم بعده.‬ ‫23‬
  • 36.
  • 37. ‫عبودية!‬ ‫ب�شماغه اللمع، وثوبه النا�شع، وهيبته امل�شطنعة،‬ ‫وجثثه ال�شخمة، و�شواربه املنمقة، وذقنه احلليق، يدخل‬ ‫بكل ثقة اإىل البنك، ولكنه ي�شطدم باجلموع الغفرية من‬ ‫الب�رش، ل �شيما وان النا�س تعي�س اأيام الراتب ال�شهري،‬ ‫زخات العرق بداأت تخرج من اأبطيه احلليقني، الغ�شب ما‬ ‫لبث اأن ا�شت�رشى يف ذاته التي ل تر�شى باأن يكون �شاحبها‬ ‫ؤ‬ ‫م�شفول مع كدحة العامة مع ما حتمله عيونهم من بو�س...‬ ‫يتاأمل ال�شفوف فيجدها طويلة مرتا�شة، ل يرى بداأ من‬ ‫3‬
  • 38. ‫مزاحمة الخرين موعد جني رزقهم وماآل كدهم طوال‬ ‫آ‬ ‫ثلثني يوما من العمل امل�شني، يتطلع يف الوجوه ال�شاحبة‬ ‫فريى رجل اأرهقته ال�شنون ووجه ازداد �شمارة يف بلد ت�شل‬ ‫فيه درجة احلرارة اإىل اخلم�شني درجة يف اأيام ال�شيف، يظنه‬ ‫مطيته ويعتقد باأنه �شحيته التي �شوف ت�شتلم على الفور،‬ ‫ؤ‬ ‫فهو ابن البلد و�شيدها وهولء الكادحني لي�شوا �شوى‬ ‫حفنة من الب�رش الرديئني كما و�شفهم �شقراط يف قرون قبل‬ ‫امليلد، يقرتب منه بكل ثقة وياأخذ مكانه بكل ان�شيابية...‬ ‫- لو �شمحت هذا مكاين ملاذا ت�شتويل عليه؟‬ ‫... ل يلتفت اإليه وكاأنه ل ي�شمعه‬ ‫- يا رجل دورك يف اخللف، ابتعد من هنا.‬ ‫.. اأخريا يتعطف عليه، يلتفت اإليه بوجه ي�شتحقر‬ ‫ناظره..‬ ‫63‬
  • 39. ‫- ا�شكت اأيها العبد‬ ‫- اأنا عبد؟!‬ ‫- اأقول لك ا�شكت يا العبد احلقري واإل اأمرت رجال‬ ‫أ‬ ‫المن باأن ياأخذونك بعيدا، اأتفهم.‬ ‫- ملاذا تقول مثل هذا الكلم اأنا اإن�شان مثلك؟‬ ‫- اأنا ابن البلد، اأنا املواطن هنا واأنت ل�شت �شوى‬ ‫عبد و�شيع.‬ ‫... يخرج الرجل من ال�شف، مي�شك بنظارته ويقذف‬ ‫أ‬ ‫بها على الر�س، يرمي ب�شيكه يف وجه الرجل ويقول..‬ ‫- اإن الرئي�س لي�س �شوى رجل مارق، انه خائن، انه‬ ‫أ‬ ‫�شارق لموال ال�شعب..‬ ‫يلتفت اإليه الرجل وبقية النا�س..‬ ‫3‬
  • 40. ‫- ماذا تقول؟ اأجننت!‬ ‫- اأقول لك اأن الرئي�س خائن ومعتدي واآثم، لقد‬ ‫اعتقل رفاقه يف احلزب وقذف بهم يف غياهب ال�شجون.‬ ‫... يقف الرجل وقد ت�رشبل ال�شمت منه...‬ ‫- قل كلمة واحدة مما قلت على رئي�س بلدك، هيا‬ ‫قل!‬ ‫... الذهول ياأخذ منه ماأخذاً، ل يعرف ماذا يقول،‬ ‫وكيف يت�رشف...‬ ‫يرفع “العبد” �شوته عاليا..‬ ‫- اأقول لك قل اأي �شي مما قلته على رئي�س بلدك.‬ ‫- يبدوا انك جمنون.‬ ‫- اأنا ل�شت كذلك، امل تقل باين عبد، اأنا العبد ل�شاين ل‬ ‫3‬
  • 41. ‫يرجتف خوفا من حكومتي، فتكلم اأنت اأي�شا مبا تريد على‬ ‫رئي�س بلدك اأيها احلر الكرمي!‬ ‫أ‬ ‫.. ي�شج النا�س، يتدخل المن، يهرول مدير البنك‬ ‫لف�س ال�شتباك، ياأمر بان تنجز معاملة الرجل “ العبد”‬ ‫آ‬ ‫من �شاعته، بينما يقف الخر يف حالة من الذهول، ينتهي‬ ‫أ‬ ‫“العبد” من اجناز ما جاء لجله، يتطلع لغرميه بعينني‬ ‫آ‬ ‫متلئهما روح الب�شالة ويقول له: هل عرفت الن من هو‬ ‫العبد فينا؟.. يغرب عنه بعينني ذليلتني وراأ�س منتك�شا اإىل‬ ‫الر�س..‬‫أ‬ ‫ينظر اإليه بكل ثقة ويقول... وداعا يا �شيدي العبد!‬ ‫3‬
  • 42.
  • 44.
  • 45. ‫احللم‬ ‫ي�شتيقظ قبل موعد رحلته، مي�شك �شماعة الهاتف‬ ‫ويداه ترجتفان..‬ ‫- الو �رشكة الطريان الوطنية؟‬ ‫- نعم تف�شل.‬ ‫- اأرجو اإلغاء رحلتي على الطائرة املتجهة اإىل‬ ‫العا�شمة، و�شوف اأقوم باحلجز يف رحلة اأخرى فيما بعد.‬ ‫- حا�رش يا �شيدي، على اأن تقوم باحلجز قبل الرحلة‬ ‫34‬
  • 46. ‫أ‬ ‫باأربع وع�رشين �شاعة على القل.‬ ‫ينهي املكاملة، ي�شرتخي على الطقم اليطايل الفاخر‬ ‫إ‬ ‫الذي يحتل حيزا متميزا يف اجلناح الذي يقطنه يف اكرب‬ ‫فنادق املدينة.،،‬ ‫يطلب كوبا من ال�شاي ليهداأ اأع�شابه..‬ ‫- ما هذا احللم املزعج، اأيعقل اأن احمله على حممل‬ ‫اجلد؟ كل ل ميكن اأن اأكون بهذه ال�شخ�شية املتهرئة.‬ ‫يفتح �شنبور املاء لينع�س ج�شده باملاء ال�شاخن، ثم يتناول‬ ‫احلبوب النف�شية التي اأدمن على تعاطيها منذ �شنوات،‬ ‫بعدها يخرج يف جولة بال�شوق املركزي، يعود للفندق‬ ‫يتناول طعام الغذاء، يفتح نافذة اجلناح وميدد رجليه متاأمل‬ ‫املدينة املزدحمة يف فرتة امل�شاء، يتلقى ات�شال....‬ ‫- الو نادر، ملاذا مل تعد على رحلة �شباح هذا اليوم؟‬ ‫44‬
  • 47. ‫- ل تقلقي يا عزيزتي �شاأعود يف رحلة الغد.‬ ‫- ولكن ملاذا؟‬ ‫أ‬ ‫- �شدقيني ل �شي، ا�شتجدت بع�س المور املتعلقة‬ ‫بالعمل، و�شاأنتهي منها يف ال�شاعات القادمة.‬ ‫ي�شغط على هاتفه النقال ويطلب من موظفة ال�شتقبال‬ ‫اأن حتجز له على رحلة �شباح الغد املتجهة للعا�شمة، ثم‬ ‫يق�شي الليل متتبعا الف�شائيات وينام.....‬ ‫الر�س تهتز والربق ي�رشب برج ات�شالت املطار،‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المطار تت�شاقط بغزارة والعا�شري تهب من كل جانب،‬ ‫أ‬ ‫الطائرة ي�شيبها الربق فت�شتعل فيها النريان وتهوي حمرتقة‬ ‫أ‬ ‫على الر�س... ي�شتيقظ مذعورا، يغ�شل وجه، يفتح جهاز‬ ‫أ‬ ‫التلفاز ويتابع اآخر الخبار، ولكن ل �شي غري عادي، ينتابه‬ ‫القلق، يت�شل مرة اأخرى ويلغي احلجز‬ ‫4‬
  • 48. ‫- الو نادر ملاذا مل تاأتى هذه املرة اأي�شا؟‬ ‫- ل اعرف يا عزيزتي، ينتابني اإح�شا�س بان اأمرا ما‬ ‫�شوف يحدث.‬ ‫- مثل ماذا؟‬ ‫- لعل الطائرة التي �شاأ�شتقلها �شت�شقط و�شيموت‬ ‫كل من فيها.‬ ‫- وما الذي دعاك لقول هذا؟‬ ‫- هكذا راأيت يف املنام.‬ ‫- يا عزيزي اأنها ا�شغاط اأحلم لي�س اإل هل، حدث‬ ‫أ‬ ‫مكروه للطائرة يف املرة الوىل؟‬ ‫- ل.‬ ‫- اأذن ل تقلق انه جمرد حلم عابر ب�شبب القلق الذي‬ ‫64‬
  • 49. ‫تعانيه واملجهود الذي بذلته خلل اأيام اأقامتك وحيدا يف‬ ‫هذه املدينة، هيا احجز مقعدا يف رحلة الغد ودع عنك هذا‬ ‫الهراء.‬ ‫- ح�شنا يا عزيزتي �شاأفعل ما تقولني.‬ ‫يعود ليحجز مقعدا يف الرحلة القادمة ولكن احللم‬ ‫يعاوده مرة اأخرى...‬ ‫رياح عاتية واأمطار غزيرة، املطار يحرتق والنا�س حتاول‬ ‫الفرار من اجلحيم، الطائرة تهوي كنيزك نازل من ال�شماء،‬ ‫والنا�س يت�شاقطون منها والنريان ت�شتعل يف اأج�شادهم..‬ ‫ي�شتيقظ من حلمه هذه املرة واأع�شابه متما�شكة وعلى‬ ‫ملمح وجه الغ�شب، يتناول حبوبه املهدئة ثم ي�شتعد‬ ‫أ‬ ‫ملغادرة الفندق، ي�شتقل �شيارة الجرة...‬ ‫- الطق�س جميل هذا اليوم األي�س كذلك؟‬ ‫4‬
  • 50. ‫- نعم يا �شيدي، ولكني �شمعت مذيع الن�رشة اجلوية‬ ‫يقول اأنه يتوقع هبوب رياح �شديدة مع ت�شاقط اأمطار خلل‬ ‫أ‬ ‫الربع �شاعات القادمة.‬ ‫أ‬ ‫- غري معقول، ال�شماء �شافية متاما ول اثر لي‬ ‫�شحب يف اجلو.‬ ‫- اأمتنى ذلك يا �شيدي.‬ ‫ي�شل اإىل املطار، احلركة اعتيادية والنا�س ميار�شون‬ ‫حياتهم بن�شاط وحيوية، فجاأة تتلبد ال�شماء بالغيوم وتهب‬ ‫الرياح، نادر ينتابه القلق، ي�شاأل موظف ال�شتقبال...‬ ‫- هل �شيتاأخر موعد القلع؟‬ ‫إ‬ ‫- ل يا �شيدي �شتقلع الطائرة يف موعدها متاما.‬ ‫أ‬ ‫يزداد قلق نادر، يلحظ ذلك اأحد موظفي المن..‬ ‫4‬
  • 51. ‫- هل حتتاج اإىل م�شاعدة يا �شيدي؟‬ ‫- ل �شكرا، جمرد اإرهاق ب�شيط.‬ ‫يتوجه اإىل الطائرة، ي�شعر بعجزه موا�شلة امل�شي، ل‬ ‫ي�شتطيع ال�شتمرار يف �شعود ال�شلم..‬ ‫- هيا يا �شيد الطائرة �شتقلع قريبا.‬ ‫- ل...ل اقدر..ل اقدر‬ ‫يعود اأدراجه..‬ ‫- ما بك يا �شيدي؟‬ ‫أ‬ ‫- اأريد اأن اأقابل م�شئول الطريان للهمية الق�شوى.‬ ‫أ‬ ‫ير�شده موظف المن ملكتب مدير الطريان...‬ ‫- ما هذا يا �شيد هل تريد اأن نوجل الرحلة من اجل‬ ‫ؤ‬ ‫4‬
  • 52. ‫حلم؟‬ ‫- �شدقني اأنا ا�شعر بان الطائرة �شتنفجر وت�شقط‬ ‫أ‬ ‫على الر�س.‬ ‫- ح�شنا �شيد نادر، لقد فت�شنا حقائبك ومل نعرث على‬ ‫اأي �شي ي�شري اإىل ما تق�شد وفح�شنا مرة اأخرى حمركات‬ ‫الطائرة فوجدناها �شليمة متاما، واعدنا تفتي�س حقائب‬ ‫امل�شافرين فلم نعرث على اأية حمظورات من اأي نوع كان،‬ ‫اأمامك األن خيارين اإما ركوب الطائرة وال�شفر اإىل‬ ‫مق�شدك واأما اأن تغادر املطار حال وتاأتى مرة اأخرى عندما‬ ‫تهدى اأع�شابك.‬ ‫نادر ل يعرف ماذا يفعل، ولكنه يقرر على عجل‬ ‫الرجوع اإىل الفندق.‬ ‫يعود اأدراجه لي�شكن يف نف�س اجلناح، يتناول حبة‬ ‫0‬
  • 53. ‫مهدئة وي�شلم نف�شه للنوم العميق.‬ ‫ت�شج م�شاجعه طرقات حادة ومزعجة، يفتح الباب‬ ‫ب�رشعة...‬ ‫- اأنت املدعو نادر؟‬ ‫- نعم من انتم؟‬ ‫- نحن ال�رشطة اأنت مقبو�س عليك.‬ ‫ت�شيبه �شدمة وينتابه الذهول..‬ ‫- ملاذا؟‬ ‫- �شتعرف!...‬ ‫يقاد اإىل غرفة مظلمة، ي�شلط ال�شوء امل�شع على وجه،‬ ‫يفك قيده، مي�شك املحقق ب�شيجار..‬ ‫1‬
  • 54. ‫- هل تدخن يا اأخ نادر؟‬ ‫- ل �شكرا.‬ ‫- هل تعرف ملاذا اأنت هنا؟‬ ‫- ل يا �شيدي.‬ ‫- اأن الطائرة التي كنت قد حجزت على رحلتها‬ ‫أ‬ ‫املتجهة اإىل العا�شمة يف هذا اليوم حتطمت لل�شف‬ ‫ال�شديد!‬ ‫- ماذا غري معقول.‬ ‫- نعم هذا ما حدث.‬ ‫- لقد حذرت مدير الطريان ولكنه مل يقتنع.‬ ‫- �شيد نادر كيف عرفت اأن الطائرة �شوف‬ ‫تتحطم؟‬ ‫2‬
  • 55. ‫- حلمت بذلك.‬ ‫- حلم! اأنت ت�شكك يف �شلمة عقولنا اأم ماذا؟‬ ‫- �شدقني اأنا اأقول احلقيقة.‬ ‫- اأي حقيقة يا نادر..اأتق�شد اأن احلقيقة حلم؟!‬ ‫- نعم.‬ ‫- ما هذا الكلم الفارغ، �شوف تتحمل نتيجة‬ ‫تفاهاتك‬ ‫تقيد رجليه ويديه مرة اأخرى، يقاد من حتقيق اإىل‬ ‫حتقيق، يعر�س على اأطباء نف�شانيني للتاأكد من �شلمة عقله‬ ‫ومداركه..‬ ‫يف املحكمة‬ ‫- اأنت متهم بامل�شاركة يف تفجري الطائرة املنكوبة.‬ ‫3‬
  • 56. ‫- كل مل يحدث.‬ ‫- وعندما ا�شتيقظ �شمريك جئت املطار يف حماولة‬ ‫منك لنقاد الركاب، وحتى تنزه نف�شك من هذا اجلرم‬ ‫املريع اختلقت حكاية احللم ما ردك؟‬ ‫- �شدقوين حلم..حلم!‬ ‫- اثبت انه حلم.‬ ‫- لقد األغيت رحلتني من قبل لنف�س ال�شبب.‬ ‫- كلم فارغ، احلقيقة يا �شيدي القا�شي ويا ح�رشات‬ ‫املحلفني اأن نادر مل ي�شتطع ت�رشيب املتفجرات اإىل الطائرة،‬ ‫فقام باإلغاء حجزه، فلو كان متاأكدا من اإدخالها وو�شعها‬ ‫أ‬ ‫يف اإحدى حقائبه لختلق العذار والكاأديب حتى يغادرها‬ ‫تاركا احلقيبة اململوءة باملتفجرات لكي ل ي�شبح �شحية من‬ ‫�شحايا النفجار املدبر ولكن �شمريه الذي ا�شتيقظ من‬ ‫4‬
  • 57. ‫�شباته فجاأة هو الذي رماه يف هذا املرمى، اإل اأن احد رفقائه‬ ‫يف هذه اجلرمية متكن من تهريب �شحنة متفجرات للطائرة‬ ‫دون علمه فكانت الكارثة الرهيبة.‬ ‫- كل، هذا كلم غري �شحيح.‬ ‫أ‬ ‫- اثبت باأنه غري �شحيح يا �شيد نادر، كل الدلة‬ ‫�شدك‬ ‫- اإذن اأين �رشكائي؟‬ ‫- �شيتم القب�س عليهم عما قريب.‬ ‫- كل اأنا بريء ولي�س يل �رشكاء، لقد حاولت انقاد‬ ‫أ‬ ‫ال�شحايا ولو مت اإيقاف الرحلة ملا حدث اأي مكروه لحد..‬ ‫�شدقوين‬ ‫- اعرتف يا نادر..اعرتف و�شوف نخفف عنك‬ ‫احلكم اإكراما ل�شمريك الذي ا�شتيقظ يف الوقت ال�شائع.‬ ‫‬
  • 58. ‫- اأنا بريء..بري..بري...�شدقوين‬ ‫يذهب �شوته اأدراج الرياح..‬ ‫يحكم عليه القا�شي ع�رشين عاما يف ال�شجن، ينظر نادر‬ ‫أ‬ ‫للقا�شي وللمدعي ولقرباء ال�شحايا ويقول لهم ب�شوت‬ ‫جبهوي “ اأنا حاولت انقاد ال�شحايا، لقد كان حلمي‬ ‫آ‬ ‫ر�شالة لكم من العامل الخر ولكنكم مل ت�شدقوين، وعو�شا‬ ‫عن ذلك اتهمتموين مبا اأنا بعيد عنه، �شاأرحل عن عاملكم‬ ‫املجنون ولكن تاأكدوا باين �شاأظهر يف اأحلمكم حتى ياأتي‬ ‫اليوم الذي ت�شحو فيه احلقيقة من �شباتها وتعلن براءتي‬ ‫أ‬ ‫وحينها فقط �شتكون للحلم قيمة ت�شاهي حقيقتكم‬ ‫املقلوبة.‬ ‫6‬
  • 60.
  • 61. ‫أ‬ ‫امرية واللهب‬ ‫(1)‬ ‫آ‬ ‫ؤ‬ ‫ت�شتيقظ يف غمرة الفجر ومع بدء املوذن بتلوة الذان،‬ ‫النوم لذة من األلذائد العظيمة اإل اأن اأمرية تقاوم �شلطانه‬ ‫ؤ‬ ‫القاهر لتودي فري�شة �شلة ال�شبح، تريد النوم بعدها اإل‬ ‫اأنها قراأت اأن امل�شتحب اأن ل تنام اإل بعد طلوع ال�شم�س،‬ ‫وحينها ل بد اأن تذهب اإىل اجلامعة! يف قاعة املحا�رشات‬ ‫حتاول اأن ل يغلبها النوم، تلتفت تارة اإىل الدكتورة وهي‬ ‫ت�رشح در�س الفقه وتارة اأخرى اإىل الطالبات وهن ي�شتمعن‬ ‫‬
  • 62. ‫لها، تقطع م�شريتها نحو النوم قيام طالبة �شائلة...‬ ‫- ملاذا يا دكتورة يلتزم العلماء ب�شهادة امراأتني مقابل‬ ‫رجل واحد؟‬ ‫يعرتي الدكتورة نوعا من الندها�س والرتاجع، لكنها‬ ‫�رشعان ما تتما�شك...‬ ‫- لن املراأة كثرية الن�شيان.‬ ‫- وملاذا؟‬ ‫- تلك هي طبيعتها البيولوجية.‬ ‫- اإننا هنا يف هذه القاعة جميعنا ن�شاء، هل لحظتي‬ ‫ذلك؟‬ ‫حتوم الجابة فوق راأ�س الدكتورة دون اأن ت�شتطيع‬ ‫إ‬ ‫الم�شاك بها، اأمرية تفيق من �شكرات نعا�شها وتنربي‬ ‫إ‬ ‫06‬
  • 63. ‫لنقاد اأ�شتاذتها..‬ ‫- قويل يل ماذا يحويه را�شك من علم حتى جتاديل‬ ‫العلماء وت�شاأليهم عن اأمور ل تخ�شك؟‬ ‫ِ‬ ‫- كيف ذلك وهم يفتون باأمر من �شئوين؟‬ ‫- اإنهم اأ�شحاب تخ�ش�س دقيق كالفيزياء والكيمياء،‬ ‫هل اأنت فقيهة مثلهم؟‬ ‫ِ‬ ‫- بالطبع ل ولكن....‬ ‫- ولكنك متطفلة ت�شاألني عن اأمور ل تعنيك، عليك‬ ‫ِ‬ ‫بان تنفذي كلم اأ�شحاب التخ�ش�س دون نقا�س، لو كنت‬ ‫مري�شة وو�شف لكي الطبيب دواء، هل كنت لتناق�شيه اأم‬ ‫�شتتناولني الدواء وانت �شامتة؟‬ ‫ِ‬ ‫مل تعرف مباذا جتيبها، تنتهز الدكتورة الفر�شة لتغلق باب‬ ‫احلوار وتعود لتلقني الطالبات در�شها املعتاد...‬ ‫16‬
  • 64. ‫يف اأروقة اإدارة اجلامعة، تتوجه اأمرية اإىل اإدارة �شئون‬ ‫الطالبات..‬ ‫- امتاكدة من اأن �شوزان ل تغطي وجهها يف‬ ‫احلافلة؟!‬ ‫- بالطبع، وقد ن�شحتها اأكرث من مرة ولكن دون‬ ‫فائدة.‬ ‫- ح�شنا �شاأت�رشف.‬ ‫وعلى عجل يتم اإخطار �شوزان ب�رشورة احل�شور اإىل‬ ‫مكتب �شئون الطالبات...‬ ‫- ملاذا ل تغطي وجهك يا �شوزان كباقي الطالبات؟‬ ‫- اأنا.. ( بذهول وت�شتت) اأنا...‬ ‫- اأنت ماذا؟ اأجيبي ول تخايف، اأنت كابنتي.‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫26‬
  • 65. ‫- عندما اأكون يف احلافلة ل اأجد �رشورة لتغطي‬ ‫وجهي لن جميع من فيها من الفتيات وال�شائق م�شغول‬ ‫بالقيادة واأنا بعيدة عنه ثم انه رجل متقدم يف ال�شن.‬ ‫- هذا لي�س بعذر، اإن القانون وا�شح و�رشيح ول بد‬ ‫من تنفيذه.‬ ‫- من اأخربكم باأمري؟‬ ‫- لي�س من ال�رشوري اأن تعريف.‬ ‫- ل بد اأنها اأمرية.‬ ‫- وملاذا اتهمتها بالذات؟‬ ‫أ‬ ‫- لنها هددتني اأكرث من مرة باإبلغ الدارة.‬ ‫إ‬ ‫- ادخلي يا اأمرية.‬ ‫أ‬ ‫- نعم اأنا من اأخربتها بالمر، ولكن هذا مل�شلحتك‬ ‫36‬
  • 66. ‫فاأنت زميلتي التي اأخاف على �شمعتها.‬ ‫ِ‬ ‫�شوزان تنظر اإىل اأمرية بغ�شب وحنق..‬ ‫آ‬ ‫- والن يا �شوزان عديني بان ل تكرري فعلتك هذه‬ ‫اأبدا.‬ ‫باأنفا�س حممومة، والغ�شب كال�رشر يتطاير من عينيها‬ ‫- اأعدك بذلك.‬ ‫تنظر اإىل اأمرية بحقد وتخرج...‬ ‫‪‬‬ ‫تعود اأمرية اإىل البيت بعد يوم قا�س، حتاول اأن ت�شتلقي‬ ‫على �رشيرها لتخلد اإىل نوم عميق‬ ‫- اأمرية ل تنامي قبل اأن حت�رشي طعام الغداء من‬ ‫46‬
  • 67. ‫املطعم املجاور.‬ ‫- وملاذا يا اأمي؟‬ ‫- لقد نفد الغاز قبل اإعداد الطعام!‬ ‫يف جو حارق، تخرج اأمرية من اجل اإح�شار وجبة‬ ‫أ‬ ‫الغداء ل�رشتها، املطعم يعج باملرتادين من الرجال، تقف‬ ‫بعيدا و�شط اأ�شعة ال�شم�س اللهبة، تنتظر طويل اإىل اأن‬ ‫آ‬ ‫تكرم عليها العامل باحل�شور ،عليها اأن ت�شمت الن،‬ ‫لي�س من اللئق اأن تعنفه لن هذا كلما مع رجل اأجنبي‬ ‫لي�س له مربر، تطلب بغ�شب دجاجة م�شوية مع الرز،‬ ‫تنظر اإىل الداخل، الرجال ياأكلون مبرح واأجهزة التكييف‬ ‫أ‬ ‫حتول الجواء احلارة اإىل ن�شائم منع�شة، بينما هي مت�رشبلة‬ ‫أ‬ ‫يف درجة حرارة تتجاوز اخلام�شة والربعني ول ميكنها‬ ‫حتى جمرد الدخول للمطعم اتقاء للحرارة العالية، فهذا‬ ‫لي�س من الذوق ولي�س من اأخلق الفتيات املتدينات، اإذا‬ ‫6‬
  • 68. ‫أ‬ ‫كانت درجة احلرارة مرتفعة فاإنها تزداد �شعفني على القل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عند اأمرية لنها ترتدي عباءة �شودا، واللون ال�شود ميت�س‬ ‫اأ�شعة ال�شم�س لرتتفع حرارة اجل�شم اأكرث، علوة على ذلك‬ ‫ترتدي اأمرية قفازات �شوداء! مما جعلها ت�شعر وكاأنها داخل‬ ‫فرن �شخم ل جناة منه..‬ ‫.. تعود اأمرية اإىل البيت مف�شلة النوم على تناول وجبة‬ ‫د�شمة يف نهار لهب.‬ ‫يف امل�شاء وبعد اأن �شبعت اأمرية من النوم، وعقب اأدائها‬ ‫ل�شلة املغرب يف الق�شم الن�شائي من امل�شجد املجاور،‬ ‫أ‬ ‫كانت على موعد مع در�س الفقه ال�شبوعي الذي حت�رشه‬ ‫أ‬ ‫العديد من فتيات احلي والحياء املجاورة، ا�شتمر الدر�س‬ ‫لكرث من �شاعة وكان مو�شوعه يتعلق بالدماء الثلثة لدى‬ ‫أ‬ ‫املراأة، املو�شع مثري ومهم ورغم ذلك جل�شت الفتيات‬ ‫بخجل ومل تنب�س اإحداهن باأي �شوال عابر رغم اأهميته،‬ ‫ؤ‬ ‫66‬
  • 69. ‫انتهى الدر�س، خرجت اأمرية ب�شحبة اإحدى �شديقاتها،‬ ‫أ‬ ‫ال�شارع مزدحم بال�شيارات وال�شبان املنتظرين لخواتهم‬ ‫وزوجاتهم..‬ ‫- من ف�شلك يا اآن�شة ما الذي يجري هنا؟‬ ‫اأمرية و�شديقتها، تنظران اإىل بع�شها البع�س وتهمان يف‬ ‫ال�شري وكاأن احد مل يكلمهما..‬ ‫- ملاذا مل جتيبيه يا اأمرية؟‬ ‫- ماذا؟ اجننتي؟ اأتريدين اأن اكلم �شابا؟.‬ ‫ؤ‬ ‫- ولكنه جمرد �شوال وردك جمرد اإجابة.‬ ‫- وملاذا يتوجه بال�شوال األينا نحن الثنتني؟ ملاذا ل‬ ‫ؤ‬ ‫ي�شال احد من الرجال املتجمهرين؟ اإن علينا عدم اإتاحة‬ ‫ؤ‬ ‫الفر�شة لهولء ال�شبان بالتحدث اإلينا لكي ل يحدث ما ل‬ ‫يحمد عقباه، يجب اأن ن�شري يف الطريق بح�شمتنا الكاملة‬ ‫6‬
  • 70. ‫دون اللتفات اإىل هولء ال�شبية الذين ينتهزون اأية فر�شة‬ ‫ؤ‬ ‫�شانحة لليقاع بنا، امل ت�شتمعي لل�شيخ يف خطبة اجلمعة‬ ‫إ‬ ‫الفائتة!؟‬ ‫‪‬‬ ‫يف اآخر امل�شاء تذاكر اأمرية بع�س املحا�رشات وهي‬ ‫م�شتلقية على الفرا�س، اإل اأن الهاتف يخرج عن ر�شم‬ ‫�شمته ليقطع عليها خلوتها...‬ ‫- الو اأنت اأمرية؟‬ ‫ِ‬ ‫ينتابها ال�شمت وتعرتيها الده�شة..‬ ‫- اأرجوك جاوبيني، اأنت اأمرية؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتمالك ده�شتها لتجيب ب�شوت خافت وحازم..‬ ‫- نعم من اأنت وماذا تريد؟‬ ‫6‬
  • 71. ‫- اأرجوك ل تفهميني خطا، اأنا �شامي، �شقيق �شديقتك‬ ‫ِ‬ ‫زينب؟‬ ‫.. بغ�شب ترتفع حدته.‬ ‫- ماذا تريد مني وباأي حق تكلمني؟‬ ‫- اأرجوك �شاحميني اأن اأنا اخطات، ولكن ق�شدي‬ ‫ِ‬ ‫�رشيف، فانا اأريد اأن اطلب يدك‬ ‫- اأظن اأن عندي اأب واأم.‬ ‫- اعرف ذلك بالطبع ولكني اأريد اأن اأتفاهم معك‬ ‫أ‬ ‫على بع�س المور.‬ ‫- تفاهم مع اأبي، انه ويل اأمري.‬ ‫- اعلم ذلك، ولكنك اأنت من �شوف تتزوجني ولي�س‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫هو، ارغب فقط بالتفاق معك على نقاط حمددة لطلبك‬ ‫6‬
  • 72. ‫من اأبيك واأنا مطمئن.‬ ‫- اأرجوك، اأخلقي وديني ل ت�شمح يل بالتحدث اإىل‬ ‫رجل غريب.‬ ‫- اأمرية، اأنا �شاأكلمك يف مو�شع الزواج لي�س اإل.‬ ‫- اآ�شفة، اإننا يف جمتمع لديه عاداته وتقاليده، وما‬ ‫تريده اأمر خارج عن قيم املجتمع الذي نعي�س فيه.‬ ‫- اأمرية اأرجوك...‬ ‫تغلق ال�شماعة يف وجهه، حتاول احلفاظ على هدوئها‬ ‫ومتا�شك اأع�شابها، تريد العودة اإىل و�شعها ال�شابق، اإل اأنها‬ ‫مل ت�شتطع، يف ال�شباح تخرب اإحدى �شديقاتها..‬ ‫- وماذا يف ذلك يا اأمرية، ملاذا مل متنحيه فر�شة �رشح‬ ‫موقفه؟‬ ‫0‬
  • 73. ‫أ‬ ‫- مل ا�شتطع، انه لمر مرفو�س اأن اكلم �شابا غريبا.‬ ‫- انه مل يعر�س عليك �شداقته، كان �شيتحدث اإليك‬ ‫ب�شان الزواج لي�س اإل، عليك اأن تكوين اأكرث تلقائية.‬ ‫ؤ‬ ‫- ظننتك �شتويدين موقفي، على العموم اإذا كان‬ ‫ِ‬ ‫يريدين �شيخطبني على جري العادة!‬ ‫.. ولكن بعد اأ�شابيع، كتب �شامي عقد قرانه على‬ ‫أ‬ ‫فتاة اأخرى، تقبلت اأمرية المر وكاأنه ل مي�شها ب�شي، ومل‬ ‫أ‬ ‫تف�شي ما جرى لحد غري �شديقتها، تلحظ يف عيني زينب‬ ‫اأخت �شامي كلما تريد اأن تقوله لها، تقرتب منها والب�شمة‬ ‫الغامرة متلئ تغرها..‬ ‫- لقد عقد اأخي على فتاة اخرتتها له بنف�شي، و�شينهي‬ ‫أ‬ ‫الزواج بعد اأ�شابيع لنه �شوف يغادر البلد لكمال درا�شته‬ ‫إ‬ ‫اجلامعية يف اأمريكا.‬ ‫1‬
  • 74. ‫تبت�شم اأمرية يف وجهها بامتعا�س قائلة: هذا اأمر ل‬ ‫يعنيني ولكن اأمتنى له التوفيق!‬ ‫‪‬‬ ‫تعود اأمرية اإىل ممار�شة هوايتها املف�شلة، يف يومي‬ ‫أ‬ ‫الثلثاء والربعاء من كل اأ�شبوع تفتح املكتبة العامة‬ ‫أ‬ ‫اأبوابها م�رشعة للن�شاء فقط، اإذ اإن بقية اليام مقت�رشة على‬ ‫الرجال، اأمرية تق�شي وقتها بني الكتب كل الثلثاء، تلمح‬ ‫عينيها فتاة حمجبة ولكن على خلف احلجاب املاألوف، فلم‬ ‫تكن ترتدي خمارا يحجب وجهها اأما عباءتها فقد كانت‬ ‫مزرك�شة بخطوط ذهبية فاقعة! تقرتب منها اأمرية لعلها‬ ‫حتظى منها بكلمة فاحتة لكلم طويل بينهما!‬ ‫- هل تبحثني عن كتاب معني؟‬ ‫- نعم ابحث عن كتابي حترير املراأة واملراأة اجلديدة‬ ‫2‬
  • 75. ‫لقا�شم اأمني.‬ ‫- ومن هو قا�شم اأمني؟‬ ‫- انه كاتب م�رشي عا�س يف بداية القرن الع�رشين.‬ ‫- هل هو رجل دين؟‬ ‫- كل انه مثقف يدعو اإىل حترير املراأة من ال�شتعباد.‬ ‫- وهل املراأة م�شتعبدة يف املجتمع ال�شلمي؟‬ ‫إ‬ ‫- وهل لديك راأي اآخر؟‬ ‫- بالطبع، اإن املراأة تعي�س بكرامتها و�شط اأهلها‬ ‫وجمتمعها.‬ ‫- قول يل هل ت�شتطيعني القدوم اإىل هذه املكتبة دون‬ ‫موافقة ويل اأمرك؟‬ ‫3‬
  • 76. ‫- ( بذهول) كل.‬ ‫- هل ت�شتطيعني موا�شلة درا�شتك دون موافقته؟‬ ‫- ولكن هذا مل�شلحتي، فهو اأدرى بها يا عزيزتي.‬ ‫- األي�س ذلك ظلم واإجحاف بحق املراأة؟‬ ‫اأمرية ينتابها غ�شب عارم، لقد ناق�شت الكثريات‬ ‫من املناوئات للنظام احلاكم يف بلدها وتعرف كيف‬ ‫تت�رشف...‬ ‫- ا�شمعيني جيدا، هل احلرية يف اأن اك�شف وجهي‬ ‫للرجال؟ اأين غريتي، اأين مروءتي، اأين اقتدائي بزوجات‬ ‫النبي وبناته؟ هل من احلرية اأن ارتدي عباءة فاقعة اللون،‬ ‫وكاأنها رداء منزيل ولي�شت عباءة ت�شرت ج�شدي؟ هل‬ ‫من احلرية اأن اترك فتاوى الفقهاء الكبار الدين �شخروا‬ ‫اأنف�شهم من اجل خدمة الدين واملجتمع لكي اقراأ لكتاب‬ ‫4‬
  • 77. ‫علمانيني يريدون اإف�شاد الرجال والن�شاء؟‬ ‫الفتاة ت�شتمع لها بربود، وما اأن انتهت اأمرية من‬ ‫كلهما امل�شحون بنربات الغ�شب، حتى بداأت بالرد عليها‬ ‫والهدوء م�شيطر على جوارحها...‬ ‫- على رويدك يا عزيزتي، اإن ما اأ�رشت اإليه لي�س فيه‬ ‫ِ‬ ‫ما يخالف ال�رشع، فانا من حقي اأن اك�شف وجهي وان‬ ‫ارتدي رداء بخلف العباءة، واأقود ال�شيارة والطائرة‬ ‫والقطار و...‬ ‫- اجننني تريدين الن�شاء اأن يقدن ال�شيارات لين�رشن‬ ‫الف�شاد على ناطق وا�شع يف البلد؟‬ ‫- هل املجتمعات التي من حولنا فا�شدة؟ اولي�شت‬ ‫أ‬ ‫جمتمعات اإ�شلمية هي الخرى!؟‬ ‫... تتطلع اإليها اأمرية باحتقار قائلة:‬ ‫‬
  • 78. ‫أ‬ ‫- اأنت فتاة ل ت�شتحق الحرتام لل�شف ال�شديد،‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫منذ اأن رايتك لول وهلة عرفت من اأي عينة تكونني واىل‬ ‫ما تهدفني.‬ ‫- انتظري قليل..ل تطعنيني يف �رشيف وديني، اأنا كل ما‬ ‫أ‬ ‫اأطالب به هو اأن اظفر بحياتي لعي�س اإن�شانة �شوية و...‬ ‫- اأنت تريدين اأن تعي�شي كما تريدين لت�رشحي‬ ‫ِ‬ ‫ومترحي دون رقيب، ن�شيحتي اإليك اأقراي �شرية زوجات‬ ‫النبي وال�شحابيات الكرميات وماجدات تاريخ ال�شلم‬ ‫إ‬ ‫واقتدي بهن، ذلك اأف�شل لك من اأن ت�شريي يف ال�شارع‬ ‫ِ‬ ‫ووجهك مك�شوف للجميع!‬ ‫‪‬‬ ‫يبدوا اأن النقا�س يف املكتبة اثر على اأمرية، �شعرت‬ ‫أ‬ ‫باإرهاق �شديد، والغد هو الربعاء، موعد حما�رشة مهمة‬ ‫6‬
  • 79. ‫يف مقرر الفقه! ل بد اإذن من ذهابها اإىل امل�شت�شفى لتلقي‬ ‫العلج ال�رشيع..‬ ‫- اذهبي اأنت يا اأمرية اإىل ال�شتقبال للت�شجيل بينما‬ ‫ِ‬ ‫ابحث عن موقف منا�شب لل�شيارة.‬ ‫منذ زمن واأمرية مل تراجع م�شت�شفى، ف�شحتها دائما‬ ‫جيدة..‬ ‫- ا�شمك من ف�شلك.‬ ‫تقف اأمرية وال�شمت يعرتيها واخلجل ينال من‬ ‫�شخ�شيتها املتدينة... هل من ال�رشوري اأن اذكر ا�شمي‬ ‫كامل على م�شمع من الرجال!؟‬ ‫- ا�شمك لو �شمحت.‬ ‫- ا�شمي اأمرية.‬ ‫‬
  • 80. ‫- ا�شمك بالكامل اأرجوك.‬ ‫- هل ل بد من ذلك؟‬ ‫- بالطبع، اإ�شافة اإىل رقم التلفون والعنوان.‬ ‫- ملاذا علي اأن اذكر ا�شمي كامل، اإن هذا اأمر خمجل،‬ ‫ماذا لو التقط احدهم ا�شمي وتلفوين، �شاأكون فتاة معروفة‬ ‫يف اأو�شاط ال�شبان الفا�شدين! هاتفنا الذي ل يعرفه اإل‬ ‫القليل لن يتوقف عن الرنني! ل.. ل ميكن اأن اخربه با�شمي‬ ‫كامل...‬ ‫يقطع حريتها قدوم اأبيها الذي توىل ت�شجيلها‬ ‫و�شط غ�شب بدا ينت�رش يف اأو�شاط املراجعني وموظفي‬ ‫ال�شتقبال!!‬ ‫آ‬ ‫بعد الم مت�شاعدة وانتظار طويل، جاء دور اأمرية يف‬ ‫دخول العيادة..‬ ‫‬
  • 81. ‫- انه رجل يا اأبي.‬ ‫- من ف�شلك يا دكتور األي�س هناك امراأة تتوىل‬ ‫الك�شف على ابنتي؟‬ ‫أ‬ ‫- لل�شف يا �شيدي الطبيبة انتهت فرتة عملها.‬ ‫- ل با�س يا بنيتي �شاأكون معك.‬ ‫- كل يا اأبي، اإنني ارف�س اأن اك�شف وجهي للرجال‬ ‫كما تفعل بع�س الفتيات املائعات‬ ‫فما بالك مب�س ج�شدي من قبل رجل اأجنبي وان كان‬ ‫طبيبا!‬ ‫ا�شطر والد اأمرية مراجعة م�شت�شفى خا�س ودفع املال‬ ‫من اجل ابنته ،تناولت اأمرية الدواء وغرقت يف بحر‬ ‫النوم....‬ ‫‬
  • 82. ‫(2)‬ ‫أ‬ ‫كان على اأمرية بعد انتهاء ال�شبوع الدرا�شي اأن ترتاد‬ ‫أ‬ ‫ال�شواق، فليلة اجلمعة �شتقام حفلة زفاف كبرية لبنت‬ ‫أ‬ ‫عمها ويجب عليها احل�شور، ل بد من �رشاء اأدوات ماكياج‬ ‫أ‬ ‫جديدة وملب�س لهذه املنا�شبة، ورغم حرارة الجواء‬ ‫مل ترتاجع عن التزامها بكامل حجابها وارتداء القفازات‬ ‫أ‬ ‫ال�شوداء التي حتجب يديها ورجليها عن النظار، تواجه‬ ‫اأمرية �شعوبة يف النظر اإىل امللب�س املر�شحة لل�رشاء ب�شبب‬ ‫أ‬ ‫اخلمار ال�شود الذي يغطي وجهها والقفازات التي جتعل‬ ‫أ‬ ‫معاينة القم�شة �شعبا وغري دقيق، اأما امللب�س الداخلية‬ ‫فاإنها ا�شد اإحراجا، اأمرية ت�شعر بان اأعني العاملني تتجه‬ ‫اإليها رغم اأن املحل مليء بالن�شاء والفتيات، احلرارة لهبة‬ ‫والجواء متعنتة والعرق يت�شبب من ج�شدها، اإل اأنها‬ ‫أ‬ ‫ت�رش على اللتزام بقناعاتها وحتارب املناخ القا�شي بحمل‬ ‫قارورة ماء باردة تخفف عنها تبعات ال�رشاع بني اللتزام‬ ‫0‬
  • 83. ‫بدينها وحرارة ال�شيف!‬ ‫وبعد زيارة اأكرث من حمل اختارت اأمرية ف�شتان ال�شهرة‬ ‫مبلب�شه الداخلية اأخريا، اإل اإنها �رشعان ما اأعادت‬ ‫وا�شتبدلت بع�س القطع لكونها �شيقة بع�س ال�شيء.. بعد‬ ‫�شاعات �شاقة من الت�شوق اأ�شبح كل �شي على ما يرام،‬ ‫�شتح�رش اأمرية احلفلة بعد اأن حلف اأكرث من ميني باأنه مت‬ ‫اإلغاء التفاق مع اإحدى الفرق الغنائية التي �شتحول العر�س‬ ‫اإىل جمل�س طرب فا�شح ومزعج و�شوف تكتفي العرو�س‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫برتديد النا�شيد والهازيج ال�شعبية والدينية املتعارفه..‬ ‫اخليمة كبرية وتبعد م�شافة لي�شت بالق�شرية عن خيمة‬ ‫أ‬ ‫الرجال، احل�شور كثيف ومليء بالفتيات والطفال الذين‬ ‫أ‬ ‫بدئوا برتديد النا�شيد، اأمرية ترتدي ملب�س جديدة زاهية‬ ‫و�شاترة اأي�شا، فالتربج غري مقبول �شواء على امل�شتوى‬ ‫العام اأو يف داخل املجتمع الن�شائي املهرتء، ان�شمت اأمرية‬ ‫للمن�شدات بحذر، بداأت اأحداهن بالرق�س، و�رشعان ما‬ ‫1‬
  • 84. ‫طلبت منها م�شاركتها اإل اأنها رف�شت بالطبع، فهذا عمل‬ ‫غري لئق! العرو�س تنظر اإىل احلفل بابتهاج وهي مرتدية‬ ‫ملب�س الزفاف الفاتنة واملتربجة، طاملا طلبت منها اأمرية‬ ‫اأن ل تكون ملب�س العر�س كا�شفة جل�شدها لكنها على ما‬ ‫يبدوا مل تعمل بن�شيحتها! �شمعت اأمرية اأ�شوات ذكورية‬ ‫بالقرب من اخليمة، ا�شتف�رشت على عجل عن �رش تواجد‬ ‫الذكور، فطماأنتها اإحدى امل�رشفات على احلفل باأنهم‬ ‫جاءوا ليتاأكدوا من اإجراءات ال�شلمة، اإحدى احلا�رشات‬ ‫قامت وهي مفزوعة قائلة يا بنات احلمايل �شاهدت هاتفا‬ ‫نقال مزودا بكامريا! �شجت اخليمة بن�شائها، �شكلت‬ ‫اأمرية على الفور فرقة بحث جابت اأنحاء اخليمة للتاأكد‬ ‫من عدم حمل اإحداهن جوال الكامريا، عدو املراأة يف‬ ‫املجتمعات املتدينة! وبعد الطمئنان على كل �شي �رشع يف‬ ‫تناول طعام الع�شاء الفاخر، تعارك احل�شور على املائدة بعد‬ ‫�شاعات من اجلوع والتعب والعط�س، اأمرية رغم جوعها‬ ‫2‬
  • 85. ‫ال�شديد اإل اأنها رغم ذلك تناولت وجبتها باتزان.. ل‬ ‫احد خارج اخليمة، الرجال يف خيمتهم يتناولون هم اأي�شا‬ ‫طعام الع�شاء، ال�شكون غري معتاد وكاأنه يندر بقرب حلول‬ ‫فاجعة رهيبة، القمر وان كانت ال�شماء �شافية اإل انه يبدوا‬ ‫أ‬ ‫متواريا عن النظار وكاأن ال�شحب حتجبه، الهواء احلار‬ ‫امل�شبع بالرطوبة توقفت زخاته فجاأة، كل �شي يوحي بقرب‬ ‫حلول قدر مكتوب على جبني اأهل هذا العر�س من قبل‬ ‫ولدتهم، بداأت النريان بالندلع بهدوء، ل احد ي�شعر‬ ‫بها، وكاأنها عابر �شبيل �شيعود ملتابعة �شفره اإىل مق�شده‬ ‫أ‬ ‫يف الر�س الوا�شعة، اإل اأن النريان بداأت يف التهام املزيد‬ ‫من اأجزاء اخليمة، �شعريها بانت ملحمه وغ�شبها تدفق يف‬ ‫حلظات عاتية، ال�شكون الرهيب حتول اإىل �رشاخ وعويل‬ ‫يدك الوجود وي�شبح يف الف�شاء عله ي�شل اإىل من ينقد املئات‬ ‫من الرواح التي ح�رشت يف خيمة عر�س بي�شاء، تدفقت‬ ‫أ‬ ‫النريان كمارد من نار يحرق كل من يقف يف طريقه، البكاء‬ ‫3‬
  • 86. ‫أ‬ ‫انت�رش يف كل مكان من اخليمة احلزينة، الطفال ي�رشخون‬ ‫�رشاخ املوت والن�شاء والفتيات يتطايرن كالفرا�شات‬ ‫املحرتقات، كل واحدة منهن مت�شك بطفلها اأو ربيبها‬ ‫وحتاول اإخراجه من اخليمة، العرو�س ا�شتطاعت الفرار اإل‬ ‫انه تذكرت اأختها ال�شغرية فعادت للخيمة بحثا عنها فوقع‬ ‫عليها عمود حمرتق لينهي حياة مل تبداأ بعد، كثري من الفتيات‬ ‫أ‬ ‫خرجن من اخليمة، مل ي�شتمعن لنداءات الن�شاء الخريات‬ ‫اللتي حثثنهن على ارتداء العباءات قبل اخلروج حتى‬ ‫ل يراهن الرجال وهن متربجات فيع�شن بقية عمرهن يف‬ ‫عار وف�شيحة، الكارثة تزداد واللهب احلارق يقتل كل‬ ‫من يجده، حتى الن�شاء اللتي �رشخن باأعلى اأ�شواتهن‬ ‫ب�رشورة ارتداء العباءة نفذن بجلدهن! اأمرية... ظلت‬ ‫أ‬ ‫حائرة و�شط اجلموع املحت�شدة، كانت تخرج الطفال‬ ‫ال�شغار من اخليمة وتعود ب�رشعة مرة اأخرى خ�شية من اأن‬ ‫يراها احد الرجال وهي بدون عباءة، ت�رشخ يف وجهها‬ ‫4‬
  • 87. ‫احد الفتيات، هيا اخرجي من اخليمة قبل اأن تت�شاقط عليك‬ ‫اأعمدتها امل�شتعلة، اأمرية جتيبها وهي تبكي بكاء تائها يف‬ ‫غمرة املاأ�شاة.. كل ل ا�شتطيع اأن اأقف عارية اأمام النا�س،‬ ‫اأرجوك اح�رشي يل ما ي�شرت ج�شدي.‬ ‫- ل وقت لهذا، هيا اأمرية النريان قادمة.‬ ‫- كل م�شتحيل!.‬ ‫تخرج الفتاة ب�رشعة لتبقى اأمرية وحيدة حائرة و�شط‬ ‫النريان واجلثث املحرتقة وبقايا حطام ب�رشي، مل يبقى بينها‬ ‫وبني النريان �شوى ب�شعة اأمتار..‬ ‫- يا الهي اإن خرجت �شيطاردين العار ما حييت‬ ‫وان بقيت �شتحرقني النريان، ماذا افعل؟... النريان‬ ‫قادمة يا اأمرية.. ل ميكن اأن اأخون مبادئي وان كان املوت‬ ‫يدك ح�شون حياتي... قد تكون اخلطيئة عمل نبيل عند‬ ‫‬
  • 88. ‫ال�رشورات يا اأمرية، انفذي بجلدك.. ل �شاأنتظر علني‬ ‫اجنوا بج�شدي و�رشيف يف اآن واحد.‬ ‫النريان الغا�شبة تقرتب من اأمرية، الدخان املت�شاعد‬ ‫يكتم اأنفا�شها، القلب الزاخر باحليوية يبداأ باخلمود، ت�شع‬ ‫يد على �شدرها ويد اأخرى على فمها، اأوجاع الكارثة‬ ‫املدوية يف كل مكان من ج�شدها، ت�شمع يف اخلارج‬ ‫بكاء جماعي رهيب، �شيارات ال�شعاف واملطافئ باتت‬ ‫إ‬ ‫ؤ‬ ‫قريبة، الدخان يحجب الروية ويحول احلياة اإىل كابو�س‬ ‫آ‬ ‫من اجلحيم، تل�شع النريان ج�شد اأمرية، اللم الرهيبة‬ ‫بداأت بال�شتيقاظ، تخرج �رشخة املوت من ثغرها، اأمرية‬ ‫أ‬ ‫تعي�س اللحظات الخرية من كوميديا اللهب، ل ت�شتطيع‬ ‫أ‬ ‫املقاومة اأكرث، تتمرغ على الر�س والنريان ت�شتعل يف‬ ‫ج�شدها الغط، تتقلب اليمني وال�شمال، على ظهرها ،على‬ ‫بطنها، على جنبها، عل معجزة تريحها من �شياط النريان‬ ‫6‬
  • 89. ‫املجنونة التي ل تعرف الرحمة، اإل اأن النريان هاجمت‬ ‫فمها واأحرقت ل�شانها ليق�شى على اآخر اأمل لها يف النجاة،‬ ‫أ‬ ‫لقد ق�شى ما ي�شتدل به على وجودها بني الحياء، حتلق‬ ‫اأمرية يف �شماء اخليمة، ترى ج�شدها تلتهمه النريان،‬ ‫والن�شاء والطفال ما بني ميت وحمرتق ومرعوب، الرجال‬‫أ‬ ‫املكلومني يحيطون بالن�شاء املفجوعات و�شيارات الطفاء‬ ‫إ‬ ‫تكافح النريان الهائجة، وامل�شعفني يحاولون انقاد ما ميكن‬ ‫أ‬ ‫اأنقاده من الرواح الطائرة، عل احدها يرجع اإىل ج�شده‬ ‫املدمر، تنظر اأمرية اإىل حميطها احلي وتغادره دون اإرادتها،‬ ‫ن�شائم امللكوت تهب على روحها املذهولة من هول‬ ‫الفاجعة، ت�شعر باأنها ميتة ولن ترى اأهلها مرة اأخرى، تتاأمل‬ ‫ج�شمها فتجده �شفاف على النقي�س من ج�شدها الذي‬ ‫الفته واعتادت عليه، ت�شمع نداء جمهول.. لقد غادرت‬ ‫اليوم اأمرية احلياة اإىل عامل الرحمة...‬ ‫‬
  • 90. ‫(3)‬ ‫اأمرية �شهيدة العفة والطهارة... اأمرية �شحت بنف�شها‬ ‫من اجل القيم اخلالدة.. اأمرية قدوة ن�شاء هذا املجتمع...‬ ‫معا�رش الن�شاء اتخذن اأمرية قدوة لكن، اجعلن حياتكن‬ ‫كحياة اأمرية، على جميع الفتيات اللتي مل يلتزم متاما‬ ‫باحلجاب والعفاف اأن يبادرن اإىل ذلك، ولتكن اأمرية‬ ‫اأمامهن دائما..... مل تكن اأيام عزاء عادية، تلك التي اأقيمت‬ ‫حدادا على روح اأمرية، فقد تبارى اخلطباء وال�شعراء‬ ‫والكتاب يف متجيد العزيزة الراحلة، التي �شحت بنف�شها‬ ‫حفاظا على ال�رشف واحلياء، مل�شقات يف كل مكان حتث‬ ‫الن�شاء على اللتزام بالعباءة واخلمار، وان يتذكرن اأمرية‬ ‫وت�شحيتها العظيمة، فقد كان با�شتطاعتها اخلروج من‬ ‫اخليمة وان تبقى حية، اإل اأنها ف�شلت املوت على احلياة‬ ‫أ‬ ‫يف العار... اأ�شبحت اأمرية حديث الم�س واليوم والغد،‬ ‫اأمرية يف كل مكان وعلى كل ل�شان، الكل ميجدها، اجلميع‬ ‫‬
  • 91. ‫يرتمن ب�شريتها وكيف كانت ملتزمة بحجابها، بعباءتها،‬ ‫بتغطية كامل وجهها، بلب�شها القفازات حتى يف درجات‬ ‫احلرارة عالية، الكل يلهج ب�شرية اأمرية يف جامعتها، يف‬ ‫بيتها، مع عائلتها، �شديقاتها، يف ال�شارع، يف ال�شوق، ويف‬ ‫كل حمفل �رشفته بح�شورها، خطباء امل�شاجد يثنون عليها‬ ‫ويدعون لها باملغفرة، ويرغبون النا�س يف تربية بناتهن مبثل‬ ‫ما ربيت عليه اأمرية، يحثون الن�شاء والفتيات لن ينهلن من‬ ‫م�شرية حياتها، من ت�شحيتها العظيمة.... حتولت اأمرية اإىل‬ ‫اأ�شطورة اأنثوية وذات عظيمة، ومثال للت�شحية يف �شبيل‬ ‫العفة، قربها ل تنقطع عنه الزوار.. ح�رشت على �شبابك يا‬ ‫ابنتي ماذا كان �شيحدث لو انك خرجت من اخليمة كباقي‬ ‫الفتيات.. تت�شابق النظرات الغا�شبة لتلك املراأة التي تفوه‬ ‫ل�شانها بهذه الكلمات... يتطلع اإليها احد الذكور بحنق‬ ‫وغ�شب �شديدين.. ماذا تقولني يا امراأة؟ لقد �شحت هذه‬ ‫الفتاة بنف�شها حفاظا على �رشفها وطهارتها، لقد راأيت باأم‬ ‫‬
  • 92. ‫عيني فتيات هاربات من اخليمة امل�شتعلة وهن عاريات‬ ‫كا�شيات، هل تعتقدي باين �شوف اأتزوج باأحداهن يف يوما‬ ‫أ‬ ‫ما اأم غططت الطرف عنهن واختلقت لهن العذار؟ اإن‬ ‫أ‬ ‫عريهن �شيبقى عارا يطاردهن اإىل البد ولن تغفر لهن روح‬ ‫الطهارة والهة العفة جنايتهن مهما قدمن من مربرات، ما‬ ‫الذي جعلهن يتعرين داخل اخليمة، ملاذا مل يكن حمت�شمات؟‬ ‫اأين كانت عباءاتهن؟ هل احل�شمة فقط اأمام الرجال؟‬ ‫اجيبي! ملاذا اأنت �شامتة؟ وكاأن روح �رشيرة م�شتك...‬ ‫ِ‬ ‫تبكي املراأة بغنب �شديد، لتبكي معها الن�شاء املحت�شدات،‬ ‫كاأنهن يردن قول راأيا مناه�شا ملا قاله هذا الرجل، اإل اأنهن‬ ‫مكبلت بقيود ل ميكنهن الفكاك منها، يقطع بكائهن نداء‬ ‫من حنجرة اأنثوية مقموعة : فلنقراأ جميعا اآيات الرحمة‬ ‫على روح اأمرية لتنعم بال�شكينة...‬ ‫كانت اأمرية بعيدة عن اجلميع، يف عامل جديد، تبكي‬ ‫لفراق اأحبتها ومغادرتها احلياة يف �شن مبكرة، كانت‬ ‫0‬
  • 93. ‫�شلوات اأهلها وذويها ت�شلها فتخفف عنها اآلمها، اإل اأنها‬ ‫تعود للبكاء جمددا، لدغات اللهب الرهيبة ما تزال ت�شعر‬ ‫بها لينتابها حزن �شديد وهم عارم..‬ ‫آ‬ ‫- كيف ت�شعرين الن يا اأمرية؟‬ ‫ت�شمع �شوتا جبهريا ولكنها ل ترى �شخ�س اأمامها..‬ ‫- من اأنت، اأرجوك اظهري نف�شك، مند اأن اأتيت اإىل‬ ‫هذا املكان واأنا وحيدة فريدة.‬ ‫- ح�شنا يا اأمرية اإن كان ذلك �شرييح نف�شك‬ ‫املعذبة.‬ ‫تظهر لها �شيدة عجوز حتيطها هالة من النور..‬ ‫- هل اأنت ملك؟‬ ‫- كل يا اأمرية اأنا ب�رش مثلك.‬ ‫1‬
  • 94. ‫- اخربيني اأين اأنا وهل �شاأعود اإىل دياري؟‬ ‫- كل يا اأمرية، لقد مت.‬ ‫ذهول يعقبه �شمت جملجل، بكاء ونحيب يخرج من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫روح اأمرية ت�شمعه الرواح الخرى فت�شبح اهلل عله يغفر‬ ‫لها...‬ ‫- اهدئي يا اأمرية، كل النا�س �شتموت.‬ ‫- (ببكاء ) ولكني مت حمرتقة.‬ ‫- اأنت من ق�شمتي عمرك، كان مكتوب لك اأن‬ ‫تعي�شي �شبعني عاما، وها اأنت تغادرين احلياة ومل تبلغي‬ ‫اخلام�شة والع�رشين، ملاذا فعلت ذلك يا اأمرية؟‬ ‫- اأرجوك اخربيني، هل اأنا خمطئة؟ كنت اأظن اأنهم‬ ‫�شينقدونني.‬ ‫2‬
  • 95. ‫- كنت ت�شتطيعني اخلروج من اخليمة ولكنك كنت‬ ‫ذاتا �شعيفة ونف�س م�شت�شلمة للغطر�شة احلاكمة.‬ ‫- ماذا تق�شدين؟‬ ‫- تعايل معي.‬ ‫مت�شك ال�شيدة العجوز بيدها، باإ�شارة منها جتد اأمرية‬ ‫نف�شها يف مدينة كبرية يتو�شطها نهرا كبري وحتيط بها الب�شاتني‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الرائعة وال�شجار املثمرة واحلدائق اجلميلة والع�شاب‬ ‫اخل�رشاء، والنا�س يف مرح و�شعادة و�رشور...‬ ‫- ما هذه املدينة الرائعة؟‬ ‫- اإنها مدينة النور يا ابنتي، تعايل ن�شيح فيها.‬ ‫ت�شري اأمرية بخطى ي�شيطر عليها اخلوف..‬ ‫- ملاذا مت�شني واأنت خائفة يا اأمرية؟‬ ‫3‬