SlideShare a Scribd company logo
1 of 99
‫محمد جراح‬




‫مجموعة قصصية‬
‫٠١٠٢‬




                       ‫1‬
‫إهداء‬


    ‫إلى اليام التي طالت واستدارت‬
       ‫ول تحبل إل بالكوابيس،،،‬



    ‫محمد‬
                 ‫جراح‬




‫2‬
‫وهي على المنصة أبصرت كوب الماء فامتل كيانها‬
 ‫بما أوحاه لها عقلها،... قالت لنفسها: ل يكفي نصف‬
                     ‫واحد، لبد من النصفين مع ً!.‬
                       ‫ا‬
   ‫كان يمهد لتقديمها فأسهب بصوته المحايد في‬
    ‫الشادة بها وبمآثرها الكثيرة، رمقته بنصف وجه‬
 ‫وبنظرة أحسها استهجان ً، فارتبك مواص ً وقد سكنت‬
          ‫ل‬              ‫ا‬
‫صوته رعشة أخرجته من خانة ثقته بنفسه إلى زمرة‬
      ‫المتلعثمين الذين يواجهون الجماهير لول مرة،‬
   ‫جاهد حتى ل يهرب منه لسانه وتضيع لغته، لكنها‬
‫تنحنحت فضخم الميكروفون نحنحتها فتضاعف تلعثمه‬
   ‫فسلمها الميكروفون صاغرً ولم يكن قد انتهى مما‬
                        ‫ا‬
‫تحتويه ورقته التي سهر الليل على إعدادها وترتيبها.‬
‫قالت إنها سعيدة بوجودها معهم، وأنه قد زاد من‬
  ‫سعادتها أن تكون هي القائد لمركبهم الذي ل يتسع‬
    ‫إل لربان واحد يستشرف المدى ويوجه الملحين‬
                   ‫والمجدفين وعلى الجميع طاعته.‬




                                               ‫3‬
‫مضت والجميع منصت لما تقول قائلة إنها لن‬
‫تسمح لحد ما من القتراب من جوسقها، وستقطع أي‬
     ‫لسان ينطق بما لم تأمر به، وفسرت كلمها بما بدا‬
    ‫لهم أنه تهديد صريح: البحر واسع، والنيل لم يشكو‬
         ‫مرة كثرة الغرقى، ولم تؤرقه في يوم ما اعداد‬
                                  ‫الختبئين في مائه!‬
    ‫قاطعها صوت جاء من آخر القاعة، لكنها غطت‬
      ‫على صوته بصوتها الذي تض ّمه سماعات كبيرة‬
                     ‫خ‬
     ‫تتوزع في أركان القاعة الربعة، فغادر مكانه ليقف‬
‫قبالتها صارخ ً: لبد للقائد من معاونين، وللرئيس من‬
                                   ‫ا‬
    ‫مستشارين، فتوقفت للحظة، وكانت بعض نظرة من‬
      ‫طرفها كفيلة بحمله على أيادي من هبوا ليمائتها‬
                                     ‫لرميه بالخارج!‬
‫تحررت من كرسيها، وقامت مزهوة، فجذب سلك‬
‫الميكروفون الكوب الذي انقلب على أوراقها، والدورق‬
‫الذي هشمت الرض جسده السميك، صرخت مضطربة‬
      ‫فارتجت القاعة ضحك ً، حاولت من جديد أن تغطي‬
                             ‫ا‬


‫4‬
‫على أصواتهم بصوتها لكن ضحكاتهم ابتلعت صوتها‬
‫المتلعثم، جاهدت أن تظل متماسكة لكن القاعة كانت قد‬
 ‫خلت منهم، فأبصرت نفسها وحيدة إل من كوب نائم،‬
 ‫وأوراق مبتلة، وبقايا زجاج أدمى ساقيها النحيلتين!.‬

                                                ‫---‬

‫٨٠٠٢‬




   ‫وحدها كانت تبدأ طقوسها المتكررة...، تستيقظ‬
 ‫مبكرة، ترتقي الدرج الخشبي وهي تحمل على رأسها‬

                                                  ‫5‬
‫إناء الماء وبإحدى يديها تحافظ على اتزانها،‬
       ‫وبالخرى ترفع معها سلة ممتلئة بالحبوب وبقايا‬
       ‫الخبز، فإذا أطل رأسها وارتفع عن السطح وتنسم‬
    ‫الحمام ريحها حط على وقع قدميها من فضائه وهبط‬

           ‫من غياته مهل ً ، فإذا ما تراقص سقف بيتها‬
                                     ‫ل‬
    ‫المصنوع من جذوع الشجار وجدائل البوص والطين‬
‫تكون هي قد نثرت الحب وصبت الماء، فتصيح الديكة‬
      ‫تدعو دجاجاتها ويهدل الحمام حول إناثه مستعرضاً‬
       ‫قوته وفحولته، فتذهب إلى حيث اعتادت أن تقف،‬
     ‫فتميل بصدرها الحائر على بقايا الجدار الطيني الذي‬
        ‫يلف السطح، فتشرد مع خيالتها المزدحمة داخل‬
‫رأسها المتعب، لكنها تجاهد كعادتها في اجترارها، لكن‬
       ‫الحداث تعاود التزاحم وتعاود هي معها من جديد.‬
      ‫هناك كان حقله، وعلى حافته كان يحلو له أن‬
    ‫يشعل ناره، فإذا ما مرت به عزم عليها وألح أن تقبل‬
      ‫منه كوب الشاي...، لم تكن تعيره أي اهتمام، لكنه‬



‫6‬
‫كان يجري وراءها، فكانت تسرع الخطى، فيعود‬
                             ‫أدراجه بكوبه الصغير!‬
  ‫كم مرة تكرر هذا الطقس، وكم مرة ودت لو تقف‬
 ‫فتتناول منه وتحادثه، كانت تعود عاقدة العزم فتعاود‬
‫أعضاؤها وحواسها تخونها فتمضي مثل كل مرة دون‬
                                         ‫أن تجيبه!‬
  ‫بدت شاردة...، وأغرى سكونها ذباب ً وبعوضاً لن‬
             ‫ا‬
‫يحط على يديها ووجهها ويمص من دمها, تحركت في‬
  ‫مساحتها الضيقة وأشارت بعينيها من عل.....، هنا‬
‫كنا نلهو، ومن هناك كان يجلب الماء لحفره التي كان‬
‫يطلق فيها مراكبه الورقية فيبللها الماء ويفك أوصالها‬
‫فتغرق بما تحمله فل يمل وهو يعاود الكرة من جديد!‬
 ‫تتذكر نصائحها له وهو يفاجأها بعناده وإصراره‬
‫حتى كاد يفقد حياته لما رأى في الترعة الكبيرة بحر‬
‫مراكبه الفقيرة، فوقفت عاجزة تصرخ حتى رمى عليه‬
                          ‫نفسه من أنقذه من الغرق.‬




                                                 ‫7‬
‫هل كانت تحبه، أم أن كلمه وشهامته هي التي‬
                                            ‫أغوتها؟!‬
     ‫كانت تتساءل وقتها فلم تصل لجابة قاطعة، لكن‬
    ‫قلبها غادر قفصه مضطرب ً لما تعرت أرضه وانطفأت‬
                          ‫ا‬
                                                ‫ناره!‬
‫سألت عنه فقالوا لها إنه سافر إلى الناحية الخرى‬
                     ‫من الدنيا ومعه أكثر شباب القرية!‬
                         ‫***‬
         ‫كانت ترى كل يوم مساحات جديدة من أرضه‬
       ‫تتعرى وتعود تكتسي بتلك النباتات الشيطانية التي‬
          ‫تهوى سكنها الهوام والفاعي والكلب الضالة‬
                                         ‫والعفاريت!.‬
‫قبل أن تفيق من أسئلتها وحيرتها كانت الحكومة قد‬
     ‫هبطت البلدة وتفرق في أزقتها جنود وخفراء، ولما‬
    ‫تساءل الناس و ّدوا في السؤال جاءتهم الجابة على‬
                                   ‫ج‬
    ‫لسان مذيعة ذلك البرنامج المسائي، قالت وقد سكنتها‬
       ‫ابتسامتها الشهوانية حتى كادت تقفز من وجهها:‬


‫8‬
‫غرق القارب الصغير وعليه أربعون من شباب تلك‬
  ‫البلدة الساكنة في جوف الريف وهم في رحلة طمع‬
    ‫لجمع المال الوفير، وأكمل الشيخ الزهري فتواه‬
  ‫عندما قرر أنهم طامعون ل يستحقون الشهادة، فلم‬
  ‫تدري كيف خلعت مداسها المليء بالطين لتقذف به‬
   ‫شاشة ذلك الجهاز الذي اعتاد من يطلون منه لوي‬
                                       ‫الحقيقة.‬
  ‫سدت خياشيمها غللت التراب التي أحدثتها جلبة‬
 ‫الناس والسيارات، كانت تحاول تبرير المر لنفسها،‬
 ‫فهي وإن بدت منقبضة القلب إل أنها هي التي أوحت‬
           ‫له لما فشل في تدبير مهرها، فسافر...!‬
                              ‫ترى هل يعود...؟‬
‫سألت نفسها وهي تمضي مع أفكارها وما يوسوس به‬
                                      ‫ظنها....!‬
   ‫هل يضحي بي عندما تبتسم له أي امرأة يصادفها‬
          ‫على الشاطىء الخر من البحر الكبير...؟‬
                         ‫لم ترس على إجابة...!‬


                                               ‫9‬
‫هبطت الحكومة البلدة وأحاطتها بجنودها وخفرها‬
‫التعساء، فأفاقت على تلك الجلبة التي تضم أغراب ً من‬
   ‫ا‬
             ‫جنود وشباب وفتيات يجرون بآلت تصوير‬
 ‫وميكروفونات هنا وهناك، ولما انطلق صراخ النسوة‬
‫أنزلها فضولها من على سطح بيتها إلى شوارع البلدة‬
 ‫وأزقتها الضيقة، كانوا يسألون عن بيوت شباب ممن‬
     ‫سافروا وقبل أن تستفهم منهم معنى سؤالهم رصدت‬
     ‫اسمه بين أسمائهم فانقبضت وتعوذت وجرت خلفهم‬
                                        ‫باتجاه منزله.‬
       ‫لم يكن قد مضى على سفره أكثر من شهر...،‬
 ‫يومها قالت له أمه بعفويتها وهو وسط رفاقه قبل أن‬
     ‫يودعها وتودعه: كيف يا بني تسافر إلى هناك وأنتم‬
               ‫ل تملكون ما ً ول لسانكم يتحدث لغتهم؟‬
                                      ‫ل‬
      ‫قال لها بثقة تتقافز من بين حروفه إنه ذاهب من‬
         ‫أجل المال، وللمال لغة يفهمها الكبير والصغير،‬
        ‫ويتحدث بها الغني والفقير مهما تباينت ألسنتهم!‬




‫01‬
‫عادت تذ ّره بأنه وهم لم يتحدثوا من قبل إل إلى‬
                                         ‫ك‬
     ‫فؤوسهم، فعاد بمنطقه وبمرارة العوز يصرخ في‬
 ‫الجميع قائ ً: إن الفقر الذي نحرهم لن يتركه إل جثة‬
                                      ‫ل‬
‫هامدة فل رزق له في هذه الرض التي تسلبهم العافية‬
 ‫وتجود بخيرها للغيار، فاضت مآقيه بالدموع، بحثت‬
 ‫شللته عن مخرج، تساقط الماء من عليائه فلم يملك‬
            ‫إل أن يجاريه وهو يحمل متاعه مودع ً!.‬
              ‫ا‬
      ‫كانوا قد وصلوا المنزل و هي تلهث مضطربة‬
    ‫خلفهم، وكانت أمه تهيل التراب على رأسها وهي‬
    ‫تندبه، فصنعت الدموع الهادرة قنوات لمحته فيها‬
 ‫عائدً على ظهر مركبه، حاولت أن تستوضح ملمحه‬
                                      ‫ا‬
            ‫لكن السيل المنهمر رمى بتفاصيله بعيدً.‬
             ‫ا‬
    ‫مالت عليها تقيمها،كان الغراب من الشباب‬
‫والفتيات قد أعملوا آلتهم، وكان أكثر المتحدثين عمدة‬
      ‫القرية التي آثر المدينة عليها منذ ّرف فدادينه‬
                ‫ج‬
     ‫واشترى بثمن التراب شقة سكنها وأهله وأصبح‬
  ‫كالغراب يهبط القرية لسويعات ثم يعاود مغادرتها!‬


                                                ‫11‬
‫كان صوته عالي ً وكانت تبريراته تبرز غبائه‬
                                 ‫ا‬
     ‫المتأصل في عائلته الحاكمة منذ زمن بعيد ل تعلمه،‬
 ‫وانفعلت لما سمعته يصف الشباب بالرعونة والطمع،‬
      ‫وبأنهم خائبون لم يجلبوا إل العار لهليهم وبلدهم،‬
 ‫فقامت تشق الصفوف باتجاهه، لم يكن قد توقف عن‬
     ‫الكلم ول اعتنى حتى بمواساتها، فلما صارت قبالته‬
           ‫استجمعت كل ماء فمها وبصقت في وجهه ثم‬
     ‫استدارت نحو المذيعة التي رأتها لم تكف عن الكلم‬
     ‫منذ هبطت البلدة، ورصدتها توعز بالجابات وتمهد‬
 ‫لما تريد من قول مع كل من إلتقتهم، ودت أن توضح‬
          ‫لها الحقيقة لكنها تجاهلتها، فسبقتها يداها إلى‬
‫شعرها، لكن العمدة ومن معه استطاعوا أن يخلصوها‬
     ‫منها، فلما فكوها عادت من جديد فبصقت في وجهه‬
 ‫من ريقها الناشف، فمد يده يمسح لعابها الظمىء، ثم‬
      ‫استدار مواجه ً الكاميرا وهو يقول في مشهد أشبه‬
                                     ‫ا‬
 ‫بمشاهد الفلم السينمائية ذات اللغة الباهتة والمكررة‬
  ‫إنها معذورة فيما أقدمت عليه، فقد تكون قد أصابتها‬


‫21‬
‫لوثة لما غرق حبيبها وتبخرت مع رحيله كل أحلم‬
                                            ‫ثرائه.‬
     ‫ودت لو تركوها تنتقم منه، لكنهم كانوا قد‬
‫حملوها ليرموا بها مع أمه بعيدً، لم يكن حولهما ول‬
                  ‫ا‬
‫أسفلهما إل التراب فانطلقتا تتعفران فيه، وتعفران به‬
    ‫الجمع المتحلق الذين تزايدت أعدادهم وداستهما‬
                                          ‫أقدامهم.‬
‫ل تدريان هل كان الليل هو الذي هبط بسواده، أم أن‬
          ‫عيونهما هي التي كانت قد أظلم نورها؟!.‬




  ‫كانت الرض خربة وكان سوادها يسكنه الظمأ،‬
  ‫وحدث أنه ذات يوم غمرها الماء من حيث ل تدري‬
   ‫فاهتزت تستنشق الحياة حتى ارتوت وخرجت من‬



                                               ‫31‬
‫رحمها نبتة عجيبة صارت تكبر دون أن يسقوها،‬
      ‫وتينع دونما ارتواء معلوم، وكانت آيتها أنهم كلما‬
        ‫نظروا إليها تعالت واستطالت وتساقط عليهم من‬
     ‫غللها وثمرها، فأصبحوا في حيرة من أمرهم وهم‬
       ‫يبحثون عن صفتها التي لم يعرفوها..، وزاد من‬
     ‫دهشتهم أن كل من تمناها على هيئة رآها فمن رأى‬
 ‫فيها القمح كانت له سنبلة، ومن رآها زهرة كانت له‬
     ‫ريحانة فيحاء، وكل الذي سماها بما تمنى رأى فيها‬
       ‫أمنيته وزيادة، فكانت تين ً وكانت تمرً...، وكانت‬
                 ‫ا‬          ‫ا‬
                 ‫رمانا وكانت عنب ً، كانت حياة للجميع.‬
                                    ‫ا‬
      ‫أنسوا إليها فأنستهم شظف الحياة السابقة وهي‬
 ‫ترمي لهم كل يوم بما تمنوا، فقال نفر منهم إنها آيتنا‬
 ‫وأرواحنا دونها، وقالوا ل نفارق ظلها ول ننقطع عن‬
     ‫خيرها، فهل نبني حولها سوراً يكفينا شر المتطفلين‬
                                         ‫والحاسدين؟.‬




‫41‬
‫قال من رأوا أن في سفرهم خيرً جديدً واستعدوا‬
         ‫ا‬     ‫ا‬
 ‫للترحال: تحفظوا لنا حقوقنا فيها وتدفعون لنا مقابله‬
                ‫مقدم ً وإل قطعناها..، فكانت الحرب.‬
                                            ‫ا‬
        ‫ذرفت أغصانها دم ً وهم يضربون بعضهم‬
                         ‫ا‬
  ‫بأغصانها المسنونة، بكت من سقطوا، وكانت تندب‬
  ‫المفارقين وتعزي القاعدين، وهي في كامل هيئتها‬
 ‫صامدة في مكانها تهب خيرها وقد اكتساها حزن فلم‬
     ‫تعد أوراقها تصطفق مهللة، فقالوا بثقة مهونين:‬
 ‫ستأتي رياح تفك أوراقها من قيودها، فتعود تهلل مع‬
                                      ‫كل هبة ريح.‬
    ‫أعاد من اقترحوا من قبل اقتراحهم: نحيطها‬
     ‫بسياج، واقترح آخرون بل ونهيل على جزء من‬
  ‫جذعها التراب فتتكون جذور وتكون سيقان لشجار‬
   ‫جديدة وكثيرة، لكن من عادوا بعد الحرب و الفراق‬
   ‫كانوا ما يزالون يبحثون لهم عن دار مثل الخرين‬
‫ا‬
‫بالقرب منها ومنهم، قالوا نأخذ من ترابها لنصنع طين ً‬
 ‫فنبني بيتا يقينا الحر وزمهرير البرد، فارتفع جدارهم‬


                                                ‫51‬
‫وهي تمور و تزوم، وقبل أن تمتد أياديهم لتأخذ من‬
     ‫فروعها عروش ً كانت أوراقها قد سقطت وجذعها قد‬
                                    ‫ا‬
                                              ‫يبس.‬
     ‫قال نفر وقد أحزنهم المر: ذهبت الشجرة ولم تعطنا‬
 ‫من بذورها حتى نستخلفه، أكمل الخرون: وقد يبست‬
                           ‫فل نستطيع أن نشتل منها.‬
     ‫قال من شهدوا معجزتها الولى: وهل كنتم أنتم من‬
     ‫زرعها وتولها..؟!، أكملوا بأسى: ابتهلوا إلى ربكم‬
      ‫أن يعيد معجزته فتحبل الرض مثلما حبلت من قبل‬
                             ‫فتكون لنا آية من جديد!.‬

‫_______‬
‫٨٠٠٢/٨/٢م‬




‫61‬
‫كانت القاعة أنيقة فسيحة، وكانت كاميرات‬
      ‫التليفزيون كثيرة، فقادها نظرها إلى حيث بقعة‬
    ‫الضوء....، لمحتها من بعيد والجمع يتحلقها...،‬
    ‫انتبهت من دهشة المفاجأة وتسرب منها تساؤلها‬
                           ‫فقالت: هل تكون هي؟!‬
‫وهي تسير باتجاهها تداعت إلى مخيلتها ذكريات‬
 ‫سنوات طويلة مضت، كانت باشة، لكن مع خطواتها‬
‫كانت قسماتها تتغير تعبيراتها كلما طوت خطوات من‬
 ‫القاعة واقتربت منها، فاضطربت لما لمحت ما تركه‬
‫الزمن من آثاره على وجهها المزدحم بمساحيقه التي‬
   ‫حاولت بها محو نتوءاته وأخاديده، فأخفقت ودلت‬
   ‫على نفسها فقط!، وفي تلك اللحظة ركبها شك أن‬
                    ‫تكون قد أخطأت فل تكون هي!‬
‫بالقرب منها توقفت ولما رأتها وجدت أنها بإزاء‬
‫سيدة نالت من الزمن خبراته بقدر ما أخذ من شبابها‬




                                               ‫71‬
‫الذي تحاول استنساخ مظاهره فقالت لنفسها متشككة:‬
                                      ‫قد تكون هي!‬
 ‫نظرت إليها بكل تركيزها والضاءة تنير نتوءات‬
      ‫وجهها فرصدت علمات الزمن الذي حاول الهروب‬
     ‫من أدلته وتعجبت من الوجه الذي كان يسابق نسيم‬
     ‫الصباح بإقباله وانطلقه...، فتذكرت طابور الصباح‬
        ‫والساندويتشات التي كن يتقاسمنها، وتداعت في‬
     ‫الوقت نفسه " كليبات " عديدة للستاذ " رمضان "‬
         ‫مدرس اللغة العربية وكيف رأيتاه نسخة باهتة‬
 ‫للستاذ" حمام " في فيلم " غزل البنات " الذي مثله‬
‫" نجيب الريحاني "، لكنها ابتسمت وزادت بهجتها لما‬
       ‫تذكرت ذلك الفتى الوسيم الذي كان يرصدهما في‬
     ‫ذهابهما و رواحهما، فصار طقسه جزءً من تفاصيل‬
               ‫ا‬
       ‫يومهما البسيط، فاتفقتا على تشجيعه حتى يتعرفا‬
     ‫عليه، ويعرفان منه من هي المقصودة منهما؟، لكنه‬
 ‫اختفى من المدينة كلها قبل أن تتعرفا على اسمه، ول‬
                                 ‫إلى أي مكان غادر!‬


‫81‬
‫تذكرت مس سهير التي درست لهما المواد‬
‫الجتماعية ولما انتقل إلى المرحلة العدادية، وجدتاها‬
 ‫قد سبقتهما لتدرس لهما اللغة النجليزية بلسان يغاير‬
‫لكنات كل المتحدثين بها، لكنها ارتبكت لبرهة وشعرت‬
‫بالخجل القديم لما تذكرت مدرس الفلسفة وكيف تآمرتا‬
   ‫عليه حتى أوقعتاه في حبائلهما فاستجاب لهما، ولم‬
        ‫يكن يدري أنه وقع ضحية لفتاتين تتفجر على‬
   ‫جسديهما الغض كل مظاهر النوثة، وأنهما يحكيان‬
  ‫لبعضهما ما يصدر منه تجاه إحداهما فلم تدريان هل‬
      ‫هو الذي طلب النقل من المدرسة، أم أن الدارة‬
       ‫التعليمية هي التي تولت المر لما لكت سيرته‬
                                   ‫المدرسة كلها؟!‬
 ‫عندما انطفأت الكاميرات انطفأ معها نور الوجه‬
    ‫وذهبت لمعة الشعر الشقر الذي لم تره عليها من‬
   ‫قبل، فبدا وجهها شاحب ً مرهق ً وهو الذي كان يشع‬
                    ‫ا‬      ‫ا‬
    ‫نوراً منذ لحظات، فتمنت لو أتيح لها أن تنظر في‬




                                               ‫91‬
‫مرآة وقتها لترصد وجهها وتعقد مقارنة بينه وبين‬
          ‫ذلك الوجه ، فمضت تتقدم مرتبكة باتجاهها.‬
       ‫كانت ما تزال تقف في مكانها وإن أطرقت‬
     ‫برأسها وذهبت في تفكير مرتبك، تقدمت منها أكثر‬
 ‫حتى صار وجهها في وجهها ونادتها باسمها فانتبهت‬
                                              ‫لها!‬
‫لما رفعت رأسها لمحت فيها مثل الذي لمحته هي‬
         ‫فيها من قبل، لكنها ضحكت ملء فمها وتهللت‬
       ‫أساريرها وهي تحتضنها ثم تعود تدفعها و تعود‬
       ‫يقف‬     ‫تحضنها وتقبلها ثم أفاقتها على شخص‬
 ‫بجانبها له ملمح ذلك الفتى الذي كان ينتظرهما، كان‬
‫رج ً وسيما في كامل أناقته ، تعجبت كيف لم تره قبل‬
                                            ‫ل‬
 ‫تلك اللحظة، قالت له: نجوى صديقتي، ثم التفتت لها‬
      ‫وهي تقول: طارق زوجي!، مد يده فلمست يدها‬
          ‫فسافرت معه إلى ذلك الزمن البعيد حيث كان‬
     ‫ينتظرهما، تمنت لو أطال احتضان يده ليدها، لكنه‬
                                   ‫سحبها فأفاقت!.‬


‫02‬
‫كانت ما تزال تجلس وبجوارها صديقتها في‬
  ‫الفصل ذاته، بينما الستاذ رمضان بهيئته السينمائية‬
     ‫العتيقة واقف ً بإزاء السبورة وقد أوشك على إتمام‬
                                      ‫ا‬
             ‫كتابة عناصر در س اللغة العربية!!!!!!‬

‫٧/٦١/ ٨٠٠٢‬



                 ‫كــن معي‬


     ‫كانت تقف دائماً على الشاطىء الخر تمل‬
   ‫ا‬
   ‫الدنيا بقدها وتثير البحر بشعرها وتمل الفضاء نغم ً‬
    ‫بلسانها الذي يتدفق مجم ً كل الكلم حتى أدمنتها.‬
                          ‫ل‬
     ‫كن معي ... قالتها ) ماريا ( بلسان عاشقة‬
      ‫وقلب محبة وجدت مجدافها: فشاطئي هو شاطئك‬
             ‫ومرساي أنت، ولن يفصل بيننا أبدً ماء!‬
                  ‫ا‬




                                                 ‫12‬
‫تطلب مني أن أعاهدها على ما ارتأت، فأركب البحر‬
        ‫عائدً، وقبل أن أدخل بيتي تلحق بي وهي تقول‬
                                            ‫ا‬
                       ‫معاتبة: لماذا سافرت وتركتني؟‬
                                   ‫أنت ملح حياتي!‬
                            ‫ل أستطيع العيش دونك!‬
     ‫سأكون أنا معك وسأبقى بشاطئك، فعاهدني أن تظل‬
                       ‫لي، فألقيت بحقائبي وعانقتها!‬
 ‫***********‬
                                                  ‫**‬
 ‫قلت: لن يفصل بيننا ماء فعاهديني أنت أن تظلي‬
       ‫معي فأنت سكني وجنتي، فتثاءبت ثم نامت متلكأة‬
         ‫على صدري، وفي الصباح ركبت ظهر المركب‬
 ‫وأشارت تستحثني الصعود إليها لكنني وقفت صائحا:‬
  ‫ً‬
                              ‫سيفصل بيننا ماء.....!‬
             ‫قالت: ل يفصل بيننا ماء إن رافقتني!‬
               ‫قلت: ل أترك بيتي ول أهجر وطني‬




‫22‬
‫قالت: بلدنا رأس الرض، وكل الزينة تسكن‬
                                         ‫وجهها!‬
     ‫قلت: وطني هو القلب، وفي قلبي تسكن كل‬
                               ‫الحاسيس والعاطفة‬
‫قالت: العقل يسكن الرأس وبه أبصر مال تبصره،‬
                  ‫فأبصرني بعقلك ول تراني بقلبك!‬
  ‫هممت أن أرد، لكن السفينة كانت قد أرسلت نفيرها‬
    ‫الحزين وصار الماء يباعد بيننا، لوحت لها لكنها‬
                               ‫استدارت ثم اختفت.‬
                     ‫***‬
‫هاأنذا أقف على الشاطىء مستلم ً البحر ول أمل من‬
                ‫ا‬
                                        ‫سؤاله....‬
 ‫لماذا غادرتني " ماريا " وهي التي جاءت في إثري‬
 ‫فيطول وقوفي في انتظار رده، استحلفه فيعفر وجهي‬
    ‫بمائه، أهبط إليه أدخل في جوفه لكنه يقذفني إلى‬
‫ظهره فأحاصر بأمواجه العاتية، أعود لرتل له نشيده‬
 ‫الذي يهواه فتشتت النواء أنيني وأنا أصارع أنواءه،‬


                                              ‫32‬
‫أسأل النورس أن ينشد له من ألحانه التي يعشقها،‬
                                  ‫فيتباعد عني صامتا!‬
       ‫أعود أسأل فتدور بي الدنيا والرياح تتقاذفني‬
                                ‫مزمجرة من كل ناحية.‬
     ‫أعود إلى الشاطئ أسأل البحر من جديد معاتب ً:‬
      ‫ا‬
‫لماذا يا بحر جاءت، ولماذا سافرت وهي التي أتت في‬
     ‫إثري، فيسحب الماء جزرا وتعلو رمال الشاطئ على‬
                                               ‫قاربي!‬
      ‫أعدو خلف الماء فيعود مدً فأبصرها مفرودة القد‬
                          ‫ا‬
      ‫على ناصية مركبها ومن خلفها مراكب كثيرة تشير‬
     ‫لهم باتجاه شاطئي، أصيح عليها لكن قذائف مدافعها‬
                                    ‫تهد سكون وطني!‬
      ‫أنظر للبحر فأبصر مياهه قد اشتعلت نيران ً تجري‬
           ‫ا‬
                                        ‫باتجاه قاربي.‬


         ‫أبريل ٦٠٠٢‬




‫42‬
‫المشهد الول‬

‫وضعت الدعوة في جيب الجاكت وأدرت‬
‫مفتاح سيارتي العتيقة، ودونما انتظار انطلقت بها في‬
 ‫طريقي إلى المسرح الكبير لحظى بالفرجة، ولسعد‬
     ‫برؤية تلك البطلة التي أعشقها، والتي عايشتني‬
        ‫وعايشتها فكانت في مرحلة مبكرة أمي التي‬


                                              ‫52‬
‫احتضنتني وحمتني من غطرسة أبي الذي ل تمل يده‬
     ‫من صفعي فكنت دائم ً أتجنبه، وأتجنب كل من هم‬
                             ‫ا‬
       ‫على شاكلته!، كانت تأخذني إلى حضنها فأشعر‬
‫بالدفء وأعيش المان الذي أفتقده، عشقتها، وصرت‬
‫أغار عليها منه، ـ ذلك الكيان المتغطرس المسمى أبي‬
 ‫ـ ولما كبرت كنت أتعجب من ثوراته المتكررة علينا،‬
 ‫ترى لماذا كان دائم ً عبوس ً والحياة في عصره الذي‬
                      ‫ا‬      ‫ا‬
      ‫جر ذيوله كانت بسيطة قياس ً إلى ما نحن فيه؟!.‬
                        ‫ا‬
 ‫وفي مرحلة تالية كانت البطلة حبيبتي التي خففت‬
     ‫من فوران مراهقتي وكبتي الذي يستبد بي، عندما‬
‫كانت عيني تنزلها من عليائها وهي في إطارها المعلق‬
 ‫على حائط غرفتي، فتفك حواسي أسرها ، وتبث فيها‬
       ‫روحي من روحها، يلتهب خيالي فتتأجج نيرانه‬
‫اللسعة فتكشف بغنج عني غطائي وأنا أعريها من كل‬
 ‫أستارها ، أنتبه على تلك الدفقة اللذيذة والنشوة التي‬
‫ارتعش لها، فأستيقظ على البلل الذي يلصق " الندر‬




‫62‬
‫وير " بتلك المنطقة التي أصبحت محور اهتمامي‬
‫والتي كانت تبدأ من عندها دائماً كل متعي وعذاباتي!.‬
‫ساءلت نفسي : هل ما تزال كما هي؟، كما أزال أراها‬
       ‫أنا؟، وكما أحبها فأضيف عليها من سحر على‬
  ‫سحرها؟!، أم أن الزمن قد نال منها مثلما نال مني،‬
 ‫فصارت تواري نتوءاته وعلماته بمساحيقها وأدوات‬
  ‫تجميلها التي ل أعرفها، مثلما أواري أنا شيبي بتلك‬
‫الصبغة الرخيصة التي تدل على جريمتي ول تخفيها؟!‬
 ‫لم أصدق نفسي أنني سوف أراها!، وفي غمرة‬
  ‫ارتباكي تساءلت:كيف يكون الحال إذا ما أتيحت لي‬
  ‫الفرصة بالسلم عليها وربما انتزاع لحظات للحديث‬
‫إليها؟!، كنت ما أزال على اضطرابي وفرحي وارتباكي‬
      ‫وأنا أستحث السيارة التي من فرط سعادتي كان‬
      ‫مقودها دائم الهتزاز في يدي فلما بدأت تتطوح‬
                       ‫انتبهت على أصوات مغايرة.‬
  ‫تدفقت من فوقي أسرابها المتتالية كاسرة لحاجز‬
   ‫الصوت وصانعة لفراغ وطرقعات تصم الذن، كان‬


                                                ‫72‬
‫ي‬
     ‫صوتها الموحش والموغل في الرهبة قد عكس عل ّ‬
     ‫علماته فارتبكت وارتعش المقود في يدي، ووجمت‬
         ‫لما رصدت علماتها وشاراتها التي تتباهى بها‬
     ‫أجنحتها، وتابعتها مذعورً وهي في طريقها لقصف‬
                        ‫ا‬
     ‫مكان أعلمه، فأيقنت أن أحلمي بالرؤية والمشاهدة‬
     ‫والمصافحة والحديث قد تبددت كلها لما لم تعترضها‬
     ‫ول طائرة واحدة، ول أطلقت مدفعيتنا النائمة قذيفة‬
                                           ‫باتجاهها!‬
‫فكرت في العودة قبل أن تستفحل المور فتصيبني‬
      ‫نيرانها وقذائفها المدمرة ،كنت في حيرة، وكنت قد‬
‫توقفت، ولم يكن في مقدوري الوصول لقرار فداهمني‬
                                       ‫مشهد جديد!.‬

                                       ‫المشهد الثاني‬

 ‫كنت مازلت في مكاني متوقف ً، وكانت‬
        ‫ا‬
         ‫وجه سيارتي في اتجاه المسرح، فرصدتها هي‬
‫الخرى، كانت قادمة وتسير عكس التجاه، تعجبت من‬


‫82‬
‫أمرها إذ كيف تكون قد تحركت للدفاع وهي تسير في‬
    ‫التجاه المعاكس، كانت مجموعة من القوات التي‬
   ‫تشكل " كو ً " أو طابورً يتحرك ببطء شديد، قلت‬
                        ‫ا‬           ‫ل‬
 ‫لنفسي: كيف لهذه القوات وهي تأفل أن تتصدى لتلك‬
      ‫السراب المغيرة؟!، كنت ما زلت أعيش سؤالي‬
  ‫مندهش ً، لكن اندهشي ازداد اندهاش ً وأنا أرصد تلك‬
                ‫ا‬                          ‫ا‬
    ‫الحملة العسكرية وهي تلتف لتدخل في ممر ضيق‬
      ‫يعود بها إلى التجاه الصحيح حيث المكان الذي‬
    ‫قصدته أسراب طائرات العدو المغيرة، كانت القوة‬
 ‫المتجهة مكونة من مجموعة عربات قديمة وحاملت‬
      ‫جنود متهالكة، وعدة مدافع عتيقة، ودبابة بالية‬
‫وحيدة، وأثناء التفافها للدخول إلى الحارة الضيقة من‬
‫الطريق تعطلت إحدى المركبات لما لم تتمكن من إكمال‬
 ‫دورانها فانغلق الطريقان، فضربت كف ً بكف وقلت لن‬
             ‫ا‬
  ‫ينصلح الحال سريع ً، وعلى القوات لكي تتغلب على‬
                             ‫ا‬
‫تلك المعضلة أن تتراجع للوراء، إلى الطريق الذي أتت‬
    ‫منه، وربما يتعين عليها أن تسير في ذلك الطريق‬


                                               ‫92‬
‫وإغلق السير فيه أمام أي مركبات أخرى، عدا تلك‬
        ‫القوة التي سوف تتولى الدفاع عن المنطقة التي‬
                    ‫قصدتها أسراب الطائرات المغيرة.‬

                                       ‫المشهد الثالث‬

     ‫كنت ما زلت واقف ً أرصد باندهاش‬
                  ‫ا‬
 ‫وخوف وارتعاش وارتباك ما يحدث أمامي، وكنت ما‬
‫زلت على سؤالي الذي كنت أعيشه: كيف لتلك القوات‬
     ‫أن تتصرف، كيف يمكن لها أن تتدفق ، كيف يمكن‬
       ‫لها أن تسرع فتذهب لكسر صلف القوات المغيرة‬
      ‫وتبيدها، كنت كذلك أخشى إن أنا عاودت السير أن‬
         ‫أصاب بأذى من قذائف من المؤكد أن الطائرات‬
        ‫المغيرة تصبها الن على المنطقة المعنية والتي‬
        ‫أعرفها ول أتذكر من عجب اسمها، كنت أتخيل‬
      ‫المنطقة بعد ضربها وقد تحولت إلى أتون متقد من‬
       ‫النيران التي تذيب الحديد، فصدأت أمامي المدافع‬
     ‫المحصورة ما بين الطريق والممر، وانفرطت قوالب‬


‫03‬
‫الدبابة التي رأيتها مثل بنيان يشبه أفران الفلحين‬
‫التي لم يكن يخلو منها بيت في الزمن الماضي، رأيت‬
  ‫ظهرها ينفرط إلى قوالب طوب جرباء لقدمها، كانت‬
  ‫القوالب تنفرط ولم يكن هناك أثر لي مادة من مود‬
 ‫البناء ل أسمنت ول جير فسهل ذلك عملية النفراط،‬
  ‫ثم مال مدفعها القصير على الرض، وتقطع الجنزير‬
     ‫ومثلها نامت على الرض بقية مركبات القوة، لم‬
    ‫أدري ساعتها كم من الزمن مر عل ّ، ولم تكن قد‬
                ‫ي‬
  ‫وصلتني أخبار عن شكل الهجوم ومدى الدمار الذي‬
 ‫ألحقته الطائرات المعادية، كنت ما أزال في ذهول من‬
  ‫المشهد كله ومن توابعه، وكان كل شيء كما بدا لي‬
                                 ‫يقف مكتوف ً مثلي.‬
                                       ‫ا‬

                                     ‫المشهد الرابع‬


 ‫ل أدري كيف قررت ول الكيفية التي‬
    ‫وصلت بها المسرح؟، هل ركبت سيارتي وانطلقت‬


                                                ‫13‬
‫بها؟، هل وصلت مع أحد أو بمساعدة أحد؟ مثلما لم‬
      ‫أكن أدري كيف عولجت مشكلة القوات الحامية مع‬
 ‫الطائرات المغيرة؟ هل تم فتح الطريق، هل تم إصلح‬
            ‫العطاب والعطال؟، هل تم تحديث القوات؟‬
 ‫لم أكن أدري عن كل ذلك شيئ ً، لكن الذي كنت أدريه‬
                     ‫ا‬
‫أنني كنت داخل المسرح، وأطلت علينا النجمة الكبيرة،‬
‫طلت علينا شامخة، وزادتها ملبسها النيقة أناقة فوق‬
 ‫وسامتها وجمالها الخاذ، كانت عاصفة من التصفيق‬
     ‫والصفير والهتاف باسمها، كانت ما تزال واقفة على‬
          ‫المسرح صامتة، هل كانت مرتبكة؟، لم تفصح‬
 ‫ملمحها المحايدة عن ذلك المعنى!، ظلت واقفة لهي‬
     ‫استطاعت أن تبادل الجمهور التحية، ول هي ترفعت‬
      ‫فابتدأت في أداء دورها دون أن تعتني بشأننا نحن‬
       ‫المبهورين بها، ساد صمت كالدهور وهي ما تزال‬
     ‫على حالها، ظن البعض أن ذلك ربما يكون مقصوداً‬
     ‫أي أن صمتها هو جزء من دورها، عاودنا التصفيق‬




‫23‬
‫من جديد وللسف أعقبته حالة من الصمت المريب!،‬
                   ‫انتظرنا، لكن شفتيها لم تنفرجا!‬
    ‫هل كانت مؤامرة فتخلى عنها الملقن الذي‬
‫ا‬
‫يسعف الممثلين بجمل من الحوار ، والذي كنا أحيان ً‬
‫نسمع صوته في المسرحيات التي يبثها التليفزيون؟،‬
  ‫بدت لنا البطلة في مأزق، وأصبحنا معها في حيرة‬
 ‫وهي تقف مثل تمثال يوناني تجمدت حركته أمامنا.‬
 ‫هل كنا قد تأكدنا أنها ليست على استعداد لداء‬
  ‫الدور عندما وقف بعضنا ومعهم نفر من الضيوف‬
 ‫العرب الذين قالوا ل نضيع الفرصة فتكون لنا معها‬
 ‫ذكرى، فاصطفوا في لقطات جماعية ومنفردة معها،‬
‫واستعد كل منا كذلك لتلك الصورة التي ستؤرخ لليوم‬
              ‫والمكان الذي تمت فيه هذه المقابلة!‬


                                  ‫المشهد الخامس‬




                                               ‫33‬
‫قبل أن نصعد المسرح سقطت البطلة‬
     ‫على ظهرها، لم تتأوه ولم تصرخ كانت صامتة مثل‬
     ‫ذلك الصمت الذي كانت عليه وهي واقفة، هل كانت‬
 ‫روحها قد فارقتها؟، ل أدري، ولكنها لما استوت على‬
      ‫الرض مثل تمثال مصري قديم هبت رياح أطارت‬
     ‫بأسفل ثوبها فتعرت، لم أكن أريد النظر إلى عورتها‬
     ‫التي أعرفها والتي ربما كنت أكشفها من قبل سواء‬
       ‫في أحلم يقظتي أو منامي، لكنني بفضول غريب‬
     ‫نظرت، أحسست بفعل الخيانة الذي اقترفته بنظرتي‬
        ‫شبه الجائعة، فعدت أواري وجهي، ذهبت بعيدً ـ‬
          ‫ا‬
       ‫مندهشاً ـ من حال البطلة التي سافرنا من أجلها،‬
‫وعطل كثيرون مصالحهم حتى يحظوا برؤيتها مجسدة‬
              ‫أمامهم وهي في تمام حضورها ويقظتها.‬
‫لم أكن قادرً، ولم يكن أحد من الخرين على ما‬
                              ‫ا‬
 ‫يبدو مثلي بقادر على تفسير ما جرى ويجري للبطلة‬
‫التي نعشقها كلنا، هل كنت في غفوة؟، لماذا تأخرت ؟‬
 ‫هل استمر ذلك طوي ً؟، ما أعلمه وأتأكد منه أنني في‬
                               ‫ل‬


‫43‬
‫لحظة عدت فاندفعت مسرع ً أشق الزحام لتغطيتها قبل‬
                        ‫ا‬
   ‫أن يصلها المصورون فيطبعون عورتها على ذاكرة‬
 ‫آلتهم التي ل تنسى، فيطبعـون منها ما شاءوا وقتما‬
     ‫شاءوا، لما وصلتها كانت ما زالت راقدة في كامل‬
      ‫استيقاظها وشرودها،كانت وديعة، وكانت جميلة،‬
 ‫وكانت ما تزال صامتة، هل رأتني وأحست حبي؟ هل‬
       ‫كانت عاتبة عل ّ أن قلدت الخرين فعرتها عيني‬
                                  ‫ي‬
     ‫للحظة مثلهم؟ شددت الغطاء عليها، لم تستنكر، و‬
  ‫أيض ً لم تشكر، كانت عيناها وقسماتها – ربما - كل‬
                                            ‫ا‬
                            ‫شيء فيها يبدو محايدً.‬
                             ‫ا‬

‫١ /٩٠٠٢/٥ م‬




                                              ‫53‬
‫في المرة الخيرة رأيتها، كانت تتخذ جلسة النساء‬
         ‫من أهل القرية أمام سحارة الترعة ومن حولها‬
‫أولدها وعلى حجرها صغارها يرضعون وما أن رأتني‬
     ‫حتى زامت ثم أرسلت صياح ً عالي ً فلما اقتربت منها‬
                      ‫ا‬      ‫ا‬
 ‫لم أرصد من تفاصيلها سوى وجهها الذي أعرفه، أما‬
       ‫جسدها فكان قد تحور وصار جسدا لسمكة كبيرة،‬
       ‫حاولت أن تقوم كما كانت فيما مضى لكن جسدها‬
     ‫بهيئته الجديدة لم يساعدها فاكتفت برفع رأسها وهز‬
‫ذيلها وصغارها يتساقطون عن ثدييها، فلما دنوت منها‬
        ‫رمت بنفسها ومعها كل أولدها فابتلعتهم سحارة‬




‫63‬
‫الترعة بمائها العكر، وقفت لبرهة انتظر ظهورها لكن‬
                   ‫الماء كان قد سكن وعاد سيرته.‬
  ‫كانت فلة متعتي، ألعب معها ، أطعمها، وكانت‬
‫هي ل تأنس لحد إلى أحد بالمنزل سواي حتى فاجأها‬
‫جدي بعصاة الغليظة فشج رأسها فارتمت تعوي بأنين‬
‫سرعان ما انكتم صداه، كانت عيناها مصوبتان في كل‬
  ‫التجاهات تسائلنا جميع ً لماذا، هربت من نظراتها،‬
                          ‫ا‬
‫وهرب هو منها لما جرها ليرمي بجسدها الرشيق في‬
 ‫الترعة، ولما عاد متأفف ً صاح على محروسة فقامت‬
                      ‫ا‬
    ‫كأوامره تسخن له الماء ليغتسل من النجس، كان‬
   ‫مازال منفع ً وهو يسب اليوم الذي وافق فيه على‬
                                   ‫ل‬
  ‫وجود كلبة أنثى بالمنزل حتى جلبت له العار عندما‬
                             ‫قصدتها كلب القرية.‬
   ‫كانت سعدية قد دخلت منزلنا لتخدم فيه، كان‬
 ‫أبوها الجنوبي قد هبط بلدتنا ليعمل في قمينة الطوب‬
  ‫التي نمتلكها، لم تكن له مهارة العمال، ولم تكن له‬
‫صنعة واضحة، فأسكنه جدي مع زوجته وبناته الثلث‬


                                               ‫73‬
‫الغرفة الصغيرة الواقعة أسفل مكتبه الذي يشرف منه‬
                                     ‫على سير العمل.‬
       ‫كانت هي الكبرى، وكانت بدمامتها الفجة قد‬
 ‫تخطت الثالثة عشرة فبرز صدرها وتحددت تفاصيلها‬
       ‫فلم تسلم من مضايقات العمال حتى رأى جدي أن‬
                 ‫تكون بالمنزل فقل ذهابي إلى المصنع.‬
     ‫في المرة الولى قصدت أن أحتك بها فاتسمت‬
        ‫مبتعدة، وفي المرة الثانية مددت يدي إلى ثدييها‬
     ‫فتأوهت دون صراخ ، ولما كانت المرة الثالثة كنت‬
                             ‫معها داخل عشة الفراخ.‬
      ‫كانت دميمة لكن اشتعال رغبتي أعماني، فلما‬
     ‫انتهيت صرت أبصق عليها متأفف ً، ولما علت بطنها‬
                     ‫ا‬
                                ‫أدركت مدى جريمتي.‬
     ‫كانت الدراسة قد بدأت فقالت لي ماذا أفعل؟ لم‬
 ‫ارد، كنت في حيرة، ماذا سيفعل بي أبي، وكيف أنظر‬
     ‫في وجه جدي، هربت منها إلى العاصمة، تهت في‬




‫83‬
‫ي‬
     ‫زحام أقراني وأنا أنتظر كل يوم من سيهبط عل ّ‬
             ‫ليمسك بي ويجبرني على الزواج منها.‬
  ‫مضت شهور التيرم الول، وتحججت في إجازة‬
‫نصف العام برحلة إلى القصر وأسوان، ولما استنفدت‬
  ‫الجازة لم أقصد البلدة فتفاجأت بهما جدي ووالدي.‬
 ‫قال جدي: اعترفت عليك لما فتن العمال عن بعضهم‬
     ‫أيهم يبدأ أو ً فشاهدها أبوها ولول ذلك لكنت قد‬
                                    ‫ل‬
   ‫اجبرتك على الزواج منها ونسب مافي بطنها إليك،‬
                       ‫لكنها فتحت فرجها للجميع!.‬
    ‫لم أتكلم، وضعت رأسي عي الرض لكن كف أبي‬
 ‫ولطمته القوية ولد اصطدامهما بوجهي شررً كهربياً‬
         ‫ا‬
                           ‫رأيته يتطاير من عين ّ.‬
                            ‫ي‬
  ‫قال: ل تهبط البلدة وتعيش هنا وحيدً، ولما انصرفا‬
               ‫ا‬
   ‫حكى لي عبد النعيم خادمي النحيف أن جدي فرض‬
  ‫على واحد من العمال أن يتزوجها فعقد عليها وهي‬
   ‫على وشك أن تضع، فانكسر أبوها ولم يعد سيرته‬
    ‫الولى وانزوت أمها عن كل النساء حتى وضعت،‬


                                               ‫93‬
‫فطلب أبوها من زوجها أن يرمي عليها اليمين وجمع‬
 ‫أشياؤه وعه عائلته باتجاه القطار، لكن الناس وجدوا‬
       ‫جثتها ومعها وليدها داخل جوال طاف على سطح‬
                                ‫الترعة أمام السحارة.‬
        ‫قال عبد النعيم أيض ً إن رأسها كانت مهشمة من‬
                               ‫ا‬
 ‫الخلف مثلما باغت جدي خشية العار، فصرت أراهما‬
‫وقد اتخذا جسدا واحدً بملمح وجه سعدية، وشعر فلة‬
                          ‫ا‬
             ‫وذلك الجسد الغريب لسمكة عروس النيل.‬




     ‫عندما عاد رمزي حام ً شهاداته كانت تسير‬
                       ‫ل‬
     ‫إلى جواره امرأته فرأيناها مثل تمثال قد من الشمع‬
‫وتعرى من غطائه، فبدت لنا ثلجية الملمح، تفتقد إلى‬
               ‫ما يبث في أوصالها روح الحياة ودفئها.‬




‫04‬
‫فتح له أبوه حضنه فمد إليه يده بفتور، ولما‬
‫تعلقت أمه برقبته لتضمه إلى حضنها، أناخ لها بعض‬
  ‫هامته متأففأ، وكنا نحن قد اصطففنا لتحيته وأيادينا‬
      ‫مفرودة بالسلم فاكتفى بالتلويح لنا بل اهتمام،‬
     ‫فانطفأت عزيمة أذرعنا ونحن نحاول جاهدين أن‬
‫نعيدها إلى سيرتها الولى، وفي انكسارها شعرنا أنها‬
    ‫مثل ذلك الفارس القديم الذي خرج في كامل عدته‬
    ‫وعتاده للحرب، لكنه قبل أن يشهر سيفه برك به‬
                          ‫جواده فسرق منه النصر!‬
                                       ‫تغاضينا‬
   ‫وبلغنا غصتنا ونحن نرى حقائبه، وسرنا معه‬
‫نجوب شوارع القرية، بدا غير مكترث بنا ول بكلمنا،‬
    ‫فلم تدهشسه واحدة من اقتراحاتنا التي حاولنا أن‬
‫نرسم من خللها مستقبلنا معه، أو مستقبله معنا، كان‬
             ‫شاردً يطوي معنا ما نطويه بل اهتمام.‬
                                           ‫ا‬
                                        ‫لم نهتم‬




                                                  ‫14‬
‫فواصلنا المسير، وكنا نودأن نقول له إن الكثرة‬
 ‫تبدلت وصارت إلى انزواء، وترددنا وتلعثمت رؤوسنا‬
     ‫ونحن نفكر أن نخبره أن البنات قد خلعن حياءهن،‬
      ‫وأصبحن يأتين من الفعل ما تندى له جباهنا، وأن‬
       ‫النسوة ل يمانعن في الكل بأثدائهن، ويتصارعن‬
‫جهرة على من تشد إليه الرحال، وأن الرجال ل يرون‬
        ‫عيب ً في إغماض طرف لتمرير أمر ما دام المال‬
                                             ‫ا‬
                                 ‫سيسكن جيوبهم....!‬
                                            ‫وددنا‬
‫أن نقول له كل ذلك وغيره لكن وجه وهيئة إمرأته‬
      ‫اثنانا عما نويناه فسرنا إلى جواره تشيعنا نباحات‬
         ‫الكلب الضالة فلما زاحمتنا تركنا لها الطريق،‬
 ‫واستلمنا جوانب الحوائط وجدران فتعثرنا في فضلت‬
     ‫وبقايا الطفال والدواب ففاحت روائحها النتنة تزكم‬
 ‫أنوفنا، لكننا واصلنا المسير، واسترسلنا في الحديث،‬
‫وعل صياحنا وتحزبنا، فتركنا مغادرً إلى وجه إمرأته،‬
                ‫ا‬
‫فخرجت إلينا فقرأنا مستقبلنا منحوتاً في سطور تسكن‬


‫24‬
‫جبهتها، واخرى لم تنطق بها الشفاة، فأعدنا عليه‬
‫سؤالنا فغادرنا إلى سريره ، وعندما هممنا بالنصراف‬
    ‫عادت هي بمفردها تتحدث فينا بلسانها الذي يلوي‬
                      ‫الكلمات ويبدل كثيرً من معانيها!‬
                                  ‫ا‬
                                               ‫لم نهتم‬
   ‫وجلسنا ننظر في وجهها ول يشغلنا كلمها،‬
  ‫فلما طلبت منا ابداء آرائنا فيما قالته، تذكرنا أننا كنا‬
            ‫مسافرين إليها فلم نعي من اقتراحاتها شيئ ً.‬
             ‫ا‬
                                        ‫لم نضطرب‬
   ‫ولم نخجل أيض ً ونحن نقول لها افعلي ما شئت،‬
                               ‫ا‬
        ‫يكفي أنك قرينة قريبنا، وتكفينا ابتسامة وجهك‬
                                               ‫الجميل!‬



‫٨٠٠٢/٩/١م‬




                                                     ‫34‬
‫برد الشمال‬


‫قال لي إنـه قبـض "الرصـافة " فـي عينيـه، وأسـكن‬
‫” بعــل" و "عشتروت" شقتــي قلبــه وهــو يغادر تحــت‬
                         ‫جنح الليل ل يدري إلى أين ؟!‬
     ‫وقال لي إن ليل شتائه طال زمنه، فلما استيقظ على‬
     ‫لسعات برد الشمال بكى الدفء في أرض " علي ”،‬
            ‫وأسال الدم غزيرً وهو ينعي ”الحسنين ”.‬
                                 ‫ا‬
     ‫وقال لي إن نظافة شوارعهم، ونقاء هوائهم،‬
          ‫وامتداد شواطئهم البهيجة، ولمعان أجسادهم،‬
       ‫وألسنتهم المتدفقة بلغات تعثر وهو يحصل إحداها‬
       ‫أثناء دراسته الثانوية أعادته إلى بابل بأساطيرها‬
     ‫وعراك آلهتها التي جرت أحداثها في الهواز تارة،‬
‫وفي الفضاء تارة أخرى، وإلى "آشور" بفنها وعمارة‬
      ‫عاصمتها، وتعدد "زقوراتها"، مثلما أعادته إلى "‬



‫44‬
‫سومر " بخطوطها وحروفها المحفورة على أجساد كل‬
                                         ‫الرباب!.‬
‫وقال لي إن تدفق نسائهم على جسده المعجون من‬
  ‫طين "دجلة " والمروي بماء " الفرات " لم ينسه‬
  ‫لحظات العشق المسروق في أزقة وشوارع عاصمة‬
   ‫الرشيد، ول عرق البلح المعتق خمرً في حانات "‬
              ‫ا‬
 ‫البصرة " ذات الصوات العالية ومعارك كلمها التي‬
           ‫تشبه حروب اللهة في ” أور " القديمة.‬
 ‫وقال لي وقد انسحب وجهه فاستطال مثل وجه‬
     ‫"السياب"، واستيقظت عينيه فصارت مثل عيني‬
  ‫"البياتي" إنه ظل يبحث طوي ً كيف أن النهرين أتيا‬
                      ‫ل‬
  ‫متفرقين، وكيف أنهما كلما تقاربا عادا وابتعدا فظل‬
 ‫على حالهما حتى جمعهما في سلم " شط العرب ”،‬
 ‫فلما سكنا إليه استراح هو من عنائه معهما، فاختبأت‬
    ‫في عذوبته زواحف كثيرة، وطاردت قاصديه أفاع‬
    ‫الساطير القديمة، وترعرعت على جانبيه أحراش‬
           ‫مخيفة فرمى بخيره كله في البحر الجاج.‬


                                               ‫54‬
‫ا‬
 ‫وقال لي إنه ما أتى هذه البلدة الحدوديـة زائـرً‬
      ‫إل ليستنشق بعض ً من هواء دجلة، ويتنسم ببعض‬
                                ‫ا‬
        ‫عبير " الفرات " الذي ربما أتى به نازح يسـكن‬
‫العراق كامل هيئته، فيأس من طول النتظار فأقام على‬
                                     ‫الحدود خيمته!.‬
     ‫وقال لي إنه لما استبد به الشوق وأرقه العشق‬
       ‫رفع إلى "حمورابي " مظلمته فغضب عليه لما‬
‫عطله عن جهاده، فعاد إليه متأسف ً، فاستنكر سلبيته،‬
                 ‫ا‬
     ‫فعاد معتذرً فقبله وعمده فارس ً وضمه إلى فيلقه.‬
                     ‫ا‬                  ‫ا‬
     ‫وقال لي إن النعاس غلبه فتخلف عن عدل ربه‬
      ‫فاستيقظ على وجوه من هاجر إليهم يسكنون بيته،‬
       ‫ويسدون عليه منافذ بصره، فتهلل لرؤيتهم، وقام‬
        ‫يبارك قدومهم، فأمنوه على حياته إن هو جاءهم‬
          ‫برأس " جلجاميش " ذلك الطائش الذي يدعي‬
‫البطولة، وسرقة ألواح " حمورابي " ذلك الذي يدعي‬
                                              ‫العدل.‬




‫64‬
‫وقال لي إنه ما أن سمع منهم ذلك إل وارتعش،‬
‫ثم انتفض زاعق ً فسقطت عن عينيه غشاوة، وانطلق‬
                             ‫ا‬
   ‫" جلجاميش " بطل مغـوار‬       ‫لسانه فأخبرهم أن‬
    ‫تطول قامته فتلمس السحاب، وتبطش يده بطش‬
 ‫العواصف والنواء، فعادوا يذكرونه بما كان منه في‬
 ‫حقه، وطرد سدنته له خارج هيكله، وكيف اضطهده‬
‫" حمورابي " لما شكاه في مجمع الرباب، فلم يسلم‬
                      ‫من تسلطه عليه إل بالهرب.‬
 ‫وقال لي إنه أخبرهم بعد أن أفلت من قبضتهم‬
‫إنه كان مخطئ ً لما ترك بلده وكان الجدر به أن يجأر‬
                                   ‫ا‬
    ‫بعلته ويصر على حقه، ول يجبن فيهجر الوطن.‬
     ‫وقال لي إنه في تلك اللحظة حلت قوة "‬
    ‫جلجاميش " فيه، وسكن عدل ”حمورابي" قلبه،‬
  ‫فامتل ثقة وهو يقف قبالتهم مواجه ً، وكلما صوبوا‬
               ‫ا‬
   ‫عليه قام من وسط الركام يصيح فيهم مزمجراً أن‬
 ‫عودوا إلى دياركم قبل أن تبادوا وتبقر بطونكم كلب‬
                                         ‫البراري.‬


                                              ‫74‬
‫وقال لي إنهم لما أعادوا التصويب حبلت الرض من‬
 ‫دمه، وكلما صوبوا عليه تضاعف نسله، فأعاد توزيع‬
      ‫سراياه حتى هبت الرض كلها تجاهد هؤلء الذين‬
      ‫دخلوا دون أن يدعوهم أحد، ومدوا أيديهم دون أن‬
                                            ‫يستأذنوا.‬




 ‫كان آخر عهد لديكنا بالفحولة قبل ذلك اليوم الذي‬
‫تورمت فيه قدماه وصارت كفاه بأصابعها تشبه رغيف‬
       ‫خبز عفن، يومها ظننا أن اتساخ ً طال قدميه لكننا‬
                       ‫ا‬
 ‫اكتشفنا مرضها فتركناه عله يشفى لكن المرض امتد‬
     ‫من القدمين إلى الساقين فتورما، وصار وجوده بين‬
        ‫دجاجاته يثير الشفقة، فلما اشتاقت دجاجاتنا لمن‬
     ‫يكسرهن ولم يجدن تبادلت بعضهن المهمة وتطوعن‬
      ‫باعتلء ظهور الخريات، ثم بدأن في الصياح مثل‬
 ‫الديكة، ثم طالت أعرافهن واتخذن هيئة الذكور، فكف‬


‫84‬
‫ديكنا عن الوقوف بينهن وانزوى عنهن يدفن نفسه‬
 ‫في أواني الطعام فتضاعف حجمه مرات كثيرة وصار‬
 ‫ليقوى على الوقوف كثيرً، وتجرأت عليه الدجاجات‬
                       ‫ا‬
  ‫المسترجلة واعتادت أن تعتلي ظهره تريد مواقعته،‬
‫وكن عندما يستبد بهن شبقهن ينقرن رأسه حتى يسيل‬
  ‫منها الدم وهو مكتوف الحركة ل يقوى على صدهن‬
  ‫أو إيقاف تطاولهن، كنت مهتماً لكنني وجدت متعتي‬
 ‫في التغاضي وصرت استمتع بما يدور فغي الحظيرة،‬
     ‫تعاقبت اليام والدجاج المتدايك يسبغ على نفسه‬
            ‫صفات الفحولة، بينما الفحل يرقد معط ً.‬
             ‫ل‬
     ‫ذات صباح هبطت حظيرتنا دجاجة غريبة،‬
  ‫اعتقدت في البداية أنها لفرط فتوتها وشبابها سوف‬
     ‫تفعل مثل الخريات، لكنها تجنبتهن، ولما حاولن‬
     ‫اليقاع بها بغية أن يطؤوها وقفت في وجوههن‬
 ‫مستنكرة ذلم الفعل القبيح والغريب فابتعدن عنها ولم‬
 ‫تسلم من مضايقتهن عندما تجري مثلهن باتجاه الكل‬
        ‫أو الماء، واختارت في منفاها أن تلزم الديك‬


                                               ‫94‬
‫المريض، ظننت أنها ربما تواسيه أو تحاول اتنفار‬
      ‫عزيمته، ولم أدر أي دواء وصفته له لنه بعد أيام‬
      ‫قليلة في التعافي، وبعد أن تعافى قام، وبعد أن قام‬
      ‫مشى، وبعد أن مشى سار باتجاه المأكل والمشرب‬
                          ‫والدجاجة الوافدة إلى جواره.‬
     ‫كانت ل تفارقه حتى استعاد كامل قوته، تلشى‬
        ‫الورم، وعاد الصوت حتى انتبهت ذات يوم على‬
‫صياحه، هرولت باتجاه الحظيرة وكان المشهد مغايرً،‬
 ‫ا‬
     ‫كانت حرب ً بين الديك ووليفته في جبهة والمتدايكات‬
                                           ‫ا‬
‫في جبهة أخرى بينما المجموعة المحايدة تقف بجوار‬
 ‫الحائط في انتظار النضمام إلى الفريق المنتصر، كن‬
       ‫كثرة وكان هو قلة لكنه ثبت في مواجهتهن وبادل‬
     ‫نقرهن بنقرهن، طالت المعركة لنهن وزعن الدوار‬
       ‫بينهن فلما وقعت الولى تبعتها الثانية ولما أمسك‬
      ‫بمنقاره الثالثة لم يشأ أن يعجزها مثل الخرتين بل‬
     ‫قصد أن ينيخها فلما استعصت عليه مال برأسها إلى‬
      ‫التراب فعفره فلما حال الغبار دون رؤيته أناخت له‬


‫05‬
‫نفسها فاعتلها، ولما حاولت الخريات مهاجمته في‬
   ‫لحظة ضعفه انقضت عليهن الدجاجة الغريبة، فلما‬
‫انتهى هبط ينفض ريشه ويتباهى بجناحيه، فمد رأسه‬
 ‫لعلى وعاود الصياح ولما انتهى جرت كل الدجاجات‬
         ‫ناحيته وأنخن أنفسهن تحت قدميه طائعات،‬
                      ‫فتكررصياحه بعد كل كواقعة.‬
‫في ذلكاليوم البعيد انكمشت أعراف تلك الدجاجات‬
  ‫التي تدايكت، واختفت من الحظيرة الدجاجة الوافدة.‬




‫على الطرف تجلس إيزيس كعادتها، وعلى الطرف‬
   ‫الخر أجلس أنا، تتقلص المسافة التي تفصل بيننا‬
  ‫فأضمها، وعندما تنتهي المحاضرة يهبط كل منا من‬
                                           ‫ناحية!‬




                                               ‫15‬
‫أبكر في اليوم التالي وأحتل مكانها وأنا أنتظر‬
      ‫وصولها لفسح لها، وعندما تبدأ المحاضرة أجدها‬
                       ‫تجلس مكاني على الطرف الخر!‬
     ‫أقترب منها فتقترب مني، أقرأ لها من أشعاري‬
         ‫فتحكي لي من أسطورتها، أبثها وجدي وهيامي‬
         ‫فتصرخ في وجهي وهي تنبهني إلى مكائد ست‬
                                              ‫وعصبته.‬
       ‫أقول لها إنني بالفعل أوزيريس، لكنها قب ً لم‬
          ‫ل‬
     ‫تلتقني، ول فعل بي من حكت عنهم شيئاً فتخرج من‬
      ‫حقيبتها ملبسي الملطخة بالدماء، انهش مما أراه‬
 ‫وأعود أفتش ي ذاكرتي عما تحكيه فل أعثر على أي‬
     ‫أثر له..، أعودها القول فأقول لها إنني ل أتذكر مما‬
     ‫تقوله شيئ ً، وإنها المرة الولى التي ألتقيها فلم أكن‬
                                             ‫ا‬
        ‫أعرفها من قبل، أحاول أن أثبت لها وأدلها على‬
‫عنواني وأهلي الذين نشأت بينهم، أعطيها العنوان كي‬
      ‫تستكشف المر بنفسها وتحققه، فتقول لي لقد بالغ‬
      ‫ست في إيذائك عندما مزق بدنك إلى أجزاء كثيرة،‬


‫25‬
‫ورمى بكل جزء في مقاطعة من مقاطعات مصر‬
  ‫العديدة، وأن النهر جرف أجزاء منها ورمى بها في‬
‫البحر الكبير، وأنها ذاقت المرار وعاشت الهوان وهي‬
‫تلملم أشلئي من هنا وهناك، وأنها من بعد أن أعادت‬
‫تشكيلي حملت مني، وأن ست وعصبته لما علموا بما‬
     ‫فعلته أعادوا الغارة عليها، وأنهم أخذوني منها‬
  ‫معهم، وأنهم لم يستطيعوا تقطيع أوصالي مثل المرة‬
  ‫السابقة لنها حمتني من مديهم بطلسم معقدة وأنهم‬
‫لما حاولوا مرارً تقطيع الجثة فشلوا فما كان منهم إل‬
                                  ‫ا‬
   ‫أن تخلصوا مني من جديد فرموا بي في الصحاري‬
               ‫ليتفرق لحمي بين السباع والوحوش.‬

  ‫وتقول إنها استطاعت أن تأخذني من جديد لكن‬
‫ي‬
‫معجزة سحرها كانت قد فقدتها فلم تستطع أن تنفخ ف ّ‬
    ‫كي أعود وتدب الحياة في أوصالي، وأنها ابتهلت‬
     ‫كثيراً إلى رع وارتمت مرات تحت قدميه تقبلهما‬
     ‫ترجوه أن يعيدني إلى صورتي وينفخ بالحياة في‬



                                               ‫35‬
‫جثتي، لكن رع لم يستجب لها كما كانت تتوقع‬
        ‫وتتمنى، كانوا قد أوغروا صدره ضدها فمال إلى‬
 ‫رأيهم وسكن بالقرب من معسكرهم، فما كان منها إل‬
        ‫أن أسكرته ولما غاب عن الوعي باح لها باسمه‬
 ‫العظم الذي ل يعلمه سواه، فتعاملت هي بسر السم‬
     ‫مع أشياء كثيرة واستطاعت أن تعيدني للحياة، لكنها‬
         ‫فشلت في أن تعيد لي ذاكرتي، وأن رع لما علم‬
‫بمؤامرتها سد فرجها وأما ابننا الوحيد، وأنها لما نالنا‬
       ‫كل هذا الذى وكانت تعلم أن لديه المزيد فرت من‬
        ‫وجهه هائمة تبحث عني في الصحاري والجبال،‬
     ‫وتقول أنها نزلت سفوح ً وسارت بين وهاد موحشة‬
                          ‫ا‬
‫حتى وجدتني أسفل جزع شجرة جميز فاختبأت هي في‬
        ‫الشجرة خشية الوحوش واستطاعت أن تتحد بها‬
        ‫فابتاعتنا سوي ً، فلما كان الربيع وضعتنا الشجرة‬
                                       ‫ا‬
 ‫فخرجنا منها نبحث عما يواري عرينا لكننا في سعينا‬
      ‫تهنا عن بعضينا حتى جمعتنا تلك الجامعة العتيقة.‬




‫45‬
‫قلت لها أنا ل أتذكر شيئ ً، قد أكون كما تقولين‬
                      ‫ا‬
  ‫فاقد للذاكرة، وأنا ل أنكر ما تقولين، قالت كل الذين‬
      ‫من حولنا وغيرهم يعرفون قصتنا، اسألهم وهم‬
      ‫يخبرونك أن كنت ل تصدق، فقط أنظر لشيائك‬
              ‫وملبسك الملطخة بالدماء حتى تتذكر.‬
‫قلت لها: ولكن ست يحسن إلي ويبالغ وابناه في‬
  ‫تدليلي، وإني قد أصغر أبناءه ومن أجل ذلك دعوته‬
                    ‫أبي مثل أبنائه الذين هم إخوتي!‬
‫قالت عد فاسأله عن إيزيس وعن حورس وعنك‬
  ‫أنت يا أوزيريس، وعندما يذكرنا فسوف يكون ذلك‬
                     ‫اعتراف ً بوجودنا الذي ل تعلمه.‬
                                           ‫ا‬
  ‫تناولت منها قميصي القديم ارتديته، كان يحمل‬
    ‫رائحة عرقي وتشكل على الفور بتفاصيل جسدي‬
‫نفسها، وقبل أن أصل إليه كان ست ورهطه يشرعون‬
    ‫في وجهي سهامهم، تواريت منهم لكنهم تبعوني،‬
‫ناولتني إيزيس أسلحتي فعدت إليهم ولما رأوني فروا،‬
  ‫ولما فروا أعدت فتح كتابي، كنا نقرأ سوي ً، إنا اقرأ‬
            ‫ا‬


                                                  ‫55‬
‫وهي تفسر، هي تقرأ وأنا أفسر، انتبهنا على كل‬
‫أساتذة الكلية كانوا يقفون قبالتنا وتحوطنا جميع ً أعداد‬
      ‫ا‬
 ‫ل حصر لها من الطلب، وقفنا، كان يعترينا شيء من‬
          ‫خجل مما نحن فيه، وعندما رفعنا رأسينا ضجت‬
                               ‫أرجاء المكان بالتصفيق.‬




‫_______‬
‫مايو ٩٠٠٢‬




‫65‬
‫الشاب الذي كان يجلس مع فتاته على المنضدة‬
   ‫في أقصى اليسار كان يجلس تائه ً ونظراته كانت‬
                ‫ا‬
     ‫تبدو شاردة، والفتاة التي كانت تتعامد معه على‬
‫المنضدة نفسـها كانت تجلس منكسـة الرأس مكسـورة‬
 ‫وعيناها دامعة وزائغة، بينما كوبا الليمون ظل على‬
‫حالتهما لم يمسـا من أي منهما ، فحامت من حوليهما‬
 ‫أعداد من ذباب أسود كان طنينها مسموعاً وهي تمر‬
 ‫بجانب أذنيهما ثم تأخذ طريقها لتستقر متزاحمة على‬
                                    ‫حافة الكوبين.‬
 ‫في الناحية اليمنى من ذلك " الكافي شوب "‬
 ‫كانت تجلس سيدة ل يبدو من فرط أناقتها وحيويتها‬
       ‫أنها قد تعدت العقد الخامس من عمرها، فبدت‬
‫كعروس أعدت نفسها لستقبال عريسها، وكان ما زال‬
     ‫أمامها " شوب " القهوة وبجواره علبة سجائر‬
     ‫مستوردة تعلوها ولعة ربما كانت ذهبية، بينما‬
  ‫حقيبتها الجلدية الفاخرة تقف مثل كلب حراسة يقظ‬
                               ‫على طرف المائدة.‬


                                               ‫75‬
‫بدت مطمئنة واثقة حتى وإن نفثت دخان‬
 ‫سيجارتها بكثافة تصنع به غللة حول وجهها، وبين‬
     ‫الحين والخر كانت تمد شفاهها لترشف بنهم من "‬
       ‫شوب " القهوة الذي يتسع جوفه لعدد ل أستطيع‬
‫تقديره من الفناجين في الحالت المشابهة، أما عيناها‬
       ‫فكانت مثل عيني ثعلب يستطلع الجواء بحث ً عن‬
          ‫ا‬
 ‫فريسة ترضي ذكاءه وتمل جوفه الذي ل يشبع أبدً.‬
  ‫ا‬
 ‫في اللحظة التي مدت فيها يدها لترفع الكوب‬
        ‫من جديد كانت عيناها قد التقت بعينه هناك، في‬
 ‫البداية خفض نظره ونكس رأسه، لكنه بقصد أو ربما‬
      ‫بدونه نظر من جديد ناحيتها فوجدها مازالت على‬
     ‫نظرتها وأحس أيض ً بتشجيع في ابتسامتها، فخفض‬
                               ‫ا‬
        ‫رأسه من جديد وهو ينظر لفتاته، كانت ما زالت‬
‫منكسة الرأس حتى بعد أن سقطت ذبابتان في كوبها!،‬
     ‫لم يهتم بالمر وعاود رفع رأسه والنظر في الناحية‬
           ‫الخرى، كانت السيدة ما زالت تنظر باتجاهه‬
     ‫وابتسامتها قد اتسعت عن سابقاتها، فابتسم مرتبكاً‬


‫85‬
‫فغمزت له بعينها اليسرى، فلما لم يتحرك من مكانه‬
  ‫أشارت له بيدها أن يأتيها فلما قام من مكانه سابقته‬
‫هي باتجاه " التواليت " وفي اللحظة تلك كانت فتاته‬
   ‫تحيط وجهها بكلتا يديها فلم تعطله ولم تسأله، ولم‬
             ‫يرغب هو الخر أن يخبرها عن وجهته.‬




                                                ‫95‬
‫كان خلط حوض الحمام قد أبى أن ينغلق، فانهمر‬
     ‫الماء بكل قوته فاضطربت لما باءت محاولتي لغلقه‬
     ‫بالفشل، لكنني اهتديت إلى المحبس العمومي وعدت‬
     ‫من جديد إلى المحبس حتى مللته فاتجهت إلى خلط‬
       ‫الدش فلم أستطع فتحه، ولما تأكدت هزيمتي أمام‬
        ‫صلبته تركته إلى حوض المطبخ، أدرت مقبض‬
‫الخلط فأطاعني، ولما أردت إعادته للوضع مغلق ً فعل‬
    ‫ا‬
       ‫مثل خلط الحمام، فخفت إن عادت زوجتي وأنا‬
       ‫بالخارج أن تمتد يدها إلى المحبس فتغرق الشقة،‬
         ‫فقبضت على المحبس ونزلت أبحث عن سباك!‬
     ‫أعياني السؤال وأنا أبحث عن واحد منهم حيث‬
      ‫اعتادوا الجلوس على الرصفة أو في الجزر وسط‬
      ‫الشوارع، فاتجهت إلى المقهى وأنا أتعجب من أمر‬
          ‫هؤلء " الصنايعية " الذين يشكون قلة العمل‬
‫ويبالغون في أجورهم مبالغة شديدة، لكن صبي القهوة‬
      ‫دلني على عجوز يجلس بمفرده قائ ً لي باطمئنان‬
                  ‫ل‬


‫06‬
‫يمكنك الستعانة به، ولما لمح الندهاش على وجهي‬
   ‫طمأنني بقوله هو السطى الكبير الذي تعلموا على‬
‫يديه، لكنهم سبقوه بعد أن اعتلت صحته، لكنه ما يزال‬
 ‫يجاهد من أجل لقمته، فقلت لنفسي ل يضر فإن فشل‬
                                 ‫أعدته إلى جلسته.‬
 ‫على باب الشقة فقدت نصف المفتاح وأنا أديره،‬
 ‫لكنني واريت تبرمي وأنا أتجه به ناحية الحمام، فقال‬
   ‫لي وهو يجرب عدته البسيطة: قد يكون الصدأ هو‬
‫الذي جعله هكذا، ثم نظر لي بأسى وهو يقول: لماذا ل‬
     ‫تنظفون الصنابير وتغسلونها أو ً بأول؟، أطرقت‬
                  ‫ل‬
‫متحرج ً فعاد يسألني عن قليل من زيت الطعام مع ليفة‬
                                          ‫ا‬
    ‫مواعين، فقلت له هل سيصلح الصنبور أم أنه في‬
              ‫حاجة إلى تغيير؟، فقال بهدوء: انتظر!‬
        ‫كانت يده اليمنى تغسل الصنبور بالزيت،‬
   ‫والخرى تقبض عليه بمفتاح كبير ويحاول تحريكه‬
  ‫بهدوء حتى استطاع أن يصنع مجا ً لعجلة الصنبور‬
                ‫ل‬
   ‫سرعان ما اتسع ووصل به إلى نهايته، كرر الفتح‬


                                               ‫16‬
‫والغلق أكثر من مرة ولما اطمئن غسله فبرق فقام إلى‬
 ‫زميليه، كان يلهث والعرق الشحيح يتفصد من جبهته‬
     ‫ويتبلور على عروق ساعديه النافرة، حتى برقا مثل‬
       ‫بريقهما يوم أتيت بهما، فقال لي ناصحا: لبد من‬
               ‫ً‬
        ‫غسلها وعدم تركها حتى ل تصدأ ويتكلس عليها‬
                                      ‫صدؤها فتبلى.‬
‫أشرت عليه بالجلوس لكن كرسي السفرة انفرجت‬
      ‫رجله وأصدر طرقعة انتبه لها الرجل فقام قبل أن‬
     ‫يسقط أرض ً وهو يقول: تلزمك صيانة عفشك أيض ً،‬
      ‫ا‬                                ‫ا‬
          ‫ولما رفع رأسه ورأى الجدران الكالحة سألني‬
                    ‫مستفهماً هل كنت في سفر طويل؟‬
     ‫لم أرد فل أنا سافرت، ول دخل شقتي من قبل‬
‫سباك أو نجار ول نقاش لكنني سألته عن قيمة أجرته‬
     ‫فاتجه دون أن يرد ناحية الستارة وهو يقول: لماذا‬
     ‫تحجب ضوء الشمس ونحن في عز النهار، ومد يده‬
      ‫وسحب الستارة، فسقطت بحاملها لكنه استطاع أن‬
‫يقي رأسه فلفته غللة من تراب قديم فجريت باتجاهه‬


‫26‬
‫فنظر لي مبتسماً والتراب يسكن وجهه قائل: " جات‬
        ‫ً‬
    ‫سليمة " ثم ابتدأ يسعل ومثله فعلت أنا الخر حتى‬
 ‫كادت عيوننا تغادر أماكنها، فقال بعد أن غسل وجهه‬
 ‫ونظف أنفه، ل تسكن الشقة إل بعد صيانتها، فنظرت‬
      ‫له مبتسماً وأنا أقول: إن شاء ال سأفعل عندما‬
  ‫أصرف المعاش، فنظر في وجهي محدق ً وهو يقول:‬
            ‫ا‬
 ‫كيف تقول المعاش وأنت ما زلت كما أراك صغيرً، لم‬
     ‫ا‬
 ‫أشأ أن أرد عليه، لكنني قلت لنفسي: لن أفاصله فيما‬
   ‫سيطلب من أجر، فأعدت سؤالي عليه، لكنه تركني‬
‫ومضى، مضيت خلفه لستوقفه، فتوقف يسألني: متى‬
   ‫تصرف معاشك؟، قلت له بعد بضعة أيام، فقال إذن‬
 ‫موعدنا يوم الصرف!، تعجبت منه ومن منطقه فعدت‬
  ‫أسأله، لكنه تركني ومضى ناحسية الباب، فعدت ألح‬
‫عليه ففتح الباب فارتبك لما رآها، قلت له زوجتي، قال‬
  ‫ل تنس أن توصيها بغسل الصنابير أو ً بأول، لكنني‬
              ‫ل‬
  ‫لمحت يد زوجتي مشدودة في جبس إلى عنقها، قلت‬
   ‫له وأنا مرتبك من منظر زوجتي: لن تغادر قبل أن‬


                                               ‫36‬
‫تأخذ أجرك، فقال ألم أقل لك موعدنا يوم الصرف!‬
        ‫قال لي ذلك ثم أدار وجهه ومضى ببطء في اتجاه‬
     ‫الشارع، كان ظهره محني ً، وملبسه كالحة ومهترئة، مضى‬
                                ‫ا‬
      ‫ودخلت زوجتي ودخلت خلفها، كنت أردد في نفسي كلمات‬
      ‫الحمد أن حادث زوجتي وقع بعيدً عن الشقه، فكل ما في‬
                          ‫ا‬
     ‫البيت من نقود لن تفي ثمن الجبس والطبيب والعلج الذي‬
                          ‫وضعته على تسريحة غرفة النوم.‬




          ‫إنه اليوم الثالث من السبوع الثاني .........‬
 ‫لبد لمرؤوسيك أن يهابوك، ولبد من حاجز يصد من‬
‫جرأتهم ومزاحمتهم .....، ولبد للسنتهم أن تعود فل‬
                            ‫تتبدى أو تنبري إل بمقدار!‬
                   ‫أقرأ في عيونهم معان كثيرة .....‬
                         ‫حسد وكثير من الستهجان!‬
       ‫: لماذا يستكثرون عل ّ منصبي؟، أسأل نفسي؟!‬
                           ‫ي‬




‫46‬
‫: هل كان من المفروض أن أكون مثلهم مرتفعة‬
 ‫الصوت، منفلتة الحنجرة، وأبدي دونما وعي رأي ً في‬
    ‫ا‬
    ‫كل شيء حتى أكون جديرة بما أصابني دونهم ؟!‬
                                    ‫معذورون!!!!‬
           ‫إنها الحادية عشرة من النهار نفسه...‬
  ‫يستدعيني معاليه، أطبع تعليماته في ذاكرتي وأخرج‬
    ‫من عنده مؤمنة على ما ارتأى، وأعود إلى مكتبي‬
  ‫مسرعة...، ل أطيق المكوث هناك كثيرً منذ ودعت‬
           ‫ا‬
 ‫مكتبي وسط سكرتاريته الذين تميزت عليهم بشهادتي‬
   ‫العليا التي أضاعت من سنوات خبرتي لكنها عادت‬
                        ‫فدفعتني إلى مستوى الكبار‬
   ‫استدعيه لستشيره فيدخل واثق ً، آمره فيرد علي‬
                  ‫ا‬
 ‫موضحاً ومبرهن ً، أشعر بضآلتي رغم مركزي، أشعر‬
                              ‫ا‬
    ‫أنه يتعمد إحراجي، أخرج عن طوري الذي أسرت‬
    ‫نفسي فيه طوي ً فيتعالى صوته مصحح ً، وعندما‬
            ‫ا‬                   ‫ل‬
‫أزعق فيه يغادرني بل استئذان، فيدخلون عل ّ مهدئين‬
       ‫ي‬




                                                 ‫56‬
‫وهازئين به ومن أفكاره، فأعيد تكليفهم بماكنت أنوي‬
             ‫تكليفه به فتتلوى أقدامهم حول سيقانهم!.‬
      ‫يستعجلني معاليه فأطلب منه أن يمهلني، أزعق‬
‫فيهم فيتلكأوون، أسبهم فيتضاءلون، أزهد فيهم فأعود‬
        ‫أسأل عليه فأعلم إنه في إجازة، أسأل عن رقمه‬
 ‫فأكتشف أنه مجهول العنوان، يعود معاليه يستدعيني‬
     ‫أدخل عليه خالية الوفاض، يزعق ف ّ، أقف مطرقة،‬
                 ‫ي‬
‫يعيد طلب ما أمرني به فأجثو راجيةً مهلة، يدير وجهه‬
        ‫ممتعضاً ويجري مكالمات من تليفوناته الكثيرة،‬
      ‫وعندما أفيق من وقفتي الطويلة أجدني مرة أخرى‬
 ‫ضمن طاقم سكرتارية معاليه!،كنت ما زلت في سنتي‬
‫الولى من التعليم الجامعي المفتوح، وكان زميلي الذي‬
 ‫رأسته دائم الكلم والفتوى، وكنا جميع ً نعود إليه إذا‬
               ‫ا‬
        ‫استعصى علينا أمرً من أمور العمل، ومع اليام‬
                                 ‫ا‬
       ‫اكتشفنا فيه مواهب حياتية كثيرة، كنت أتعمد في‬
      ‫مرات عديدة أل أسأله لكنني رغم ً عني كنت أعود‬
                   ‫ا‬
     ‫إليه لما يفشل الخرون، مضى وقت ل أعلم مقداره‬


‫66‬
‫فإذا به واقف أمامي يثني على أوان مظهري!، ارتبكت‬
  ‫وأنا أشكره، لكنني تعجبت من نفسي وما ذهبت إليه‬
   ‫واستفهمتها: هل ما كنت فيه كان غفوة أم أنه كان‬
        ‫حلم يقظة يسكن منطقة ما من عقلي الباطن؟!‬


‫٨٠٠٢/١١/٥٢‬




                     ‫برج بابل‬


       ‫تعجبت من سعيه إليها، وركوبه البحار بغية أن‬
‫يطأها..!، قالت ووهي تعدل من هندامه وتنثر العطور‬
    ‫خلف أذنيه: لو انتظرت قلي ً كنت تراني عندك في‬
                      ‫ل‬
        ‫مخدعك، وفي كل بيتك، وعن يمينك، وعن كل‬
                        ‫!شمائلك‬
             ‫أعادت وهي تتغنج بصوتها، وتقرأ انبهاره‬
   ‫بمفاتنها: أملك من السرار مال تتوقعه، وأصل إلي‬

                                               ‫76‬
‫.حيث أريد بما ل تتخيله‬
       ‫قال وقد زادت حيرته، وأسال اندهاشه لعاب فمه:‬
     ‫إن المل قد طالت ألسنتهم، وتحدثت أفواههم بما ل‬
        ‫أفهم، وزاد من حيرتي أنهم ل يفقهون صياحات‬
        ‫بعضهم، ورغم قبضتي وسيطرتي وفتكي تتوالد‬
     ‫أصوات تسخر من جاهي وقدرتي، وكلما أوغلت في‬
      ‫قسوتي لخراس ما أتخيل أنه يمسني أرق طنينهم‬
                                         ‫.!سكينتي‬
     ‫قالت: ل تقلق، أستطيع بك تأديبهم هم ومن يقفون‬
     ‫خلفهم، ثم استدركت متساءلة ومتعجبة: لكنك تفهم‬
                     ‫.!لساني وأنا أنطق بغير ما تنطق‬
             ‫!قال: القوياء دائم ً يفقهون لغات بعضهم‬
                               ‫ا‬
      ‫استنكرت ملمحها قوله وهي تقرأه من أعله إلي‬
                               ‫أسفله، فانطبعت على‬
 ‫ذاكرته كلمات مأثورة في هيئة حكمة ل يدري زمنها،‬
                                 ‫ول يتذكر من قالها‬
‫أو متي قرأها، فقرأتها هي له فانتفض منزعجا: لكنني‬
       ‫ً‬


‫86‬
‫!لست ضعيف ً ول مغلوب ً؟‬
                         ‫ا‬          ‫ا‬
  ‫قالت الحكمة تقول ....، قال الحكمة تقول: المغلوب‬
                          ‫!...مولع أبدُ بتقليد الغالب‬
                                        ‫ا‬
 ‫ابتسمت: ساءل نفسك وأجب: لماذا أنت هنا؟! وكيف‬
   ‫استطعت أن أقرأ مكنون سريرتك؟! ومن قبل كيف‬
    ‫!استطعت أن أطبع ما رأيت على صفحة ذاكرتك؟‬
                     ‫***‬
     ‫قالت له كتيبته : الن قد ارتفع في العل برجنا،‬
  ‫وخاضت قمته في السحاب وتجاوزته حتى لنظن أنه‬
  ‫كاد أن يلمس وجه السماء، وها نحن وقد أخضعنا‬
  ‫بمقامعنا معارضينا نستطيع رؤية المجاهل، وامتلك‬
                ‫!الدنيا، وخطف السرار من مخابئها‬
                      ‫***‬
     ‫عندما انشغلت عنه بغيره ظن أنها تتصنع الدلل‬
  ‫عليه، فلما ورد غيرها اكتفت بإهدائه صور خياناته‬
‫لها! فركبته ثقة أنه رجلها، وبأنها تغار عليه، فقابلت‬
‫إشاعاته بتحذيره شر انتقامها وبطش أدواتها، وذكرته‬
      ‫بسطوتها ورسائلها وبمعضلة الصوات التي ل‬


                                                  ‫96‬
‫يفهمها، فأفضته إلي تحديها فوقف يسبها ، ويفضح‬
 ‫للجميع لياليه معها، وكلما سب أو حكي ازداد شدقاها‬
          ‫ضحك ً واتساع ً وهي تتكئ بمرفقها على برجه‬
                                    ‫ا‬        ‫ا‬
       ‫العجيب، والرض تكاد تمور به خلفها مهتزاً مثل‬
‫غصن لعبت به رياح يوم عاصف، فغّب شجاعته على‬
            ‫ل‬
     ‫جبنه مذكرً نفسه أنه ذات ليلة وطأها، حاولت جرها‬
                                         ‫ا‬
‫من قدميها فأطلقت ضحكة طويلة ساخرة وهي تشوطه‬
     ‫في الفضاء ، بينما تطيع يدها الخرى بما أنجزه في‬
                                     ‫.!برجه العجيب‬



                 ‫أبيض وأسود‬


       ‫كانت تشير إلى العاشرة، تأكدت من ساعة يدي‬
 ‫ولول ذلكما كنت لصدق أنني نمت حتى تلك الساعة.‬




‫07‬
‫كانت الشمس غائبة والمدى تلفه غللة كثيفة من‬
  ‫غبار كئيب اللون، وكان جسدى قد بدأت تتفصد من‬
 ‫مسامه المتعبة قطرات عرق تكاثرت بسرعة وتكثفت‬
  ‫حتى بللت قميصي العتيق فتضاعف إحساسي بالحر.‬
      ‫كانت ضاحية ٦ أكتوبر تبدو هادئة أكثر من‬
   ‫هدوئها المعتاد، وبدا أن اليوم يدل على نفسه وأنه‬
‫بالفعل يوم إجازة رسمية بعد أن فرغ من مظاهره منذ‬
   ‫اغتيل السادات، واكتفاء خليفته بكلمة قصيرة تذكر‬
 ‫بالمناسبة حتى وإن وجهها إلى المة مسجلة في يوم‬
                          ‫يسبق عادة يوم المناسبة.‬
‫أتذكر أن التوجيه بإنشاء المدينة الضاحية كان قد‬
   ‫أعقب سنوات الحرب الولى، لكن التنفيذ تلكأ كثيراً‬
‫حتى بدأت مساكنها تبدو للنور في أواخر التسعينيات ،‬
   ‫فامتلك معظم أراضيها أثرياء لم نسمع بهم من قبل‬
‫وشاركهم على استحياء البعض ممن عادوا من الخليج‬
‫بأثمان غربتهم ، واكتفت الدولة بإنشاء بعض الوحدات‬
   ‫التي تغير اسمها من الشعبية إلى القتصادية والتي‬


                                                 ‫17‬
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية

More Related Content

What's hot

الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانالأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانSalwa Felhi
 
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمود
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمودرواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمود
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمودMohamed Salaah
 
أورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةأورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةAli Alaaraj
 
الجزيرة عند الظهيرة
الجزيرة عند الظهيرةالجزيرة عند الظهيرة
الجزيرة عند الظهيرةMohamed Gomaa Tawfik
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)Agnès Poète- Ecrivain
 
بلد العميان
 بلد العميان بلد العميان
بلد العميانnanosy
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)Agnès Poète- Ecrivain
 
إبراهيم ناجي
 إبراهيم ناجي إبراهيم ناجي
إبراهيم ناجيEman Alabdeen
 
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن QudsN
 
أبطاله نحن وأحداثه قصتنا
أبطاله نحن وأحداثه قصتناأبطاله نحن وأحداثه قصتنا
أبطاله نحن وأحداثه قصتناyasmeen hinnawi
 
تكليف
تكليف تكليف
تكليف LAILAF_M
 

What's hot (15)

الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبرانالأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
الأجنحة المتكسرة..جبران خليل جبران
 
كن خائناً تكن أجمل
كن خائناً تكن أجملكن خائناً تكن أجمل
كن خائناً تكن أجمل
 
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمود
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمودرواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمود
رواية فــاطمــة للكاتبة مروة محمود
 
الشعلة الزرقاء
الشعلة الزرقاء   الشعلة الزرقاء
الشعلة الزرقاء
 
أورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةأورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - رواية
 
الجزيرة عند الظهيرة
الجزيرة عند الظهيرةالجزيرة عند الظهيرة
الجزيرة عند الظهيرة
 
من اجلك
من اجلكمن اجلك
من اجلك
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
 
بلد العميان
 بلد العميان بلد العميان
بلد العميان
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
 
أشعار شاقة مؤبدة
أشعار شاقة مؤبدةأشعار شاقة مؤبدة
أشعار شاقة مؤبدة
 
إبراهيم ناجي
 إبراهيم ناجي إبراهيم ناجي
إبراهيم ناجي
 
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
 
أبطاله نحن وأحداثه قصتنا
أبطاله نحن وأحداثه قصتناأبطاله نحن وأحداثه قصتنا
أبطاله نحن وأحداثه قصتنا
 
تكليف
تكليف تكليف
تكليف
 

Similar to وجهها المجموعة القصصية

النهر والموت.pdf
النهر والموت.pdfالنهر والموت.pdf
النهر والموت.pdfssuser3a477c1
 
مختارات أدبية
مختارات أدبيةمختارات أدبية
مختارات أدبيةSamira Brahim
 
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdf
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdfالاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdf
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdfأنور غني الموسوي
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهlovecandles
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهlovecandles
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهlovecandles
 
المخدراتـــ
المخدراتـــالمخدراتـــ
المخدراتـــal-najam
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةalselman
 
حين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةحين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةdremadhussein
 

Similar to وجهها المجموعة القصصية (20)

6019
60196019
6019
 
النهر والموت.pdf
النهر والموت.pdfالنهر والموت.pdf
النهر والموت.pdf
 
مختارات أدبية
مختارات أدبيةمختارات أدبية
مختارات أدبية
 
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdf
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdfالاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdf
الاعمال الشعرية العربية الكاملة.pdf
 
عرائس المروج
عرائس المروج   عرائس المروج
عرائس المروج
 
بقشيش
بقشيشبقشيش
بقشيش
 
بقشيش
بقشيشبقشيش
بقشيش
 
برقيات..احبك احبك
برقيات..احبك احبكبرقيات..احبك احبك
برقيات..احبك احبك
 
مجلة هي - العدد 242 - أبريل 2014
مجلة هي - العدد 242 - أبريل 2014مجلة هي - العدد 242 - أبريل 2014
مجلة هي - العدد 242 - أبريل 2014
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
 
يحكى أن
يحكى أنيحكى أن
يحكى أن
 
المخدراتـــ
المخدراتـــالمخدراتـــ
المخدراتـــ
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
الفرزق
الفرزقالفرزق
الفرزق
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبة
 
حين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةحين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينة
 
البنفسجة الطموح
البنفسجة الطموحالبنفسجة الطموح
البنفسجة الطموح
 

وجهها المجموعة القصصية

  • 2. ‫إهداء‬ ‫إلى اليام التي طالت واستدارت‬ ‫ول تحبل إل بالكوابيس،،،‬ ‫محمد‬ ‫جراح‬ ‫2‬
  • 3. ‫وهي على المنصة أبصرت كوب الماء فامتل كيانها‬ ‫بما أوحاه لها عقلها،... قالت لنفسها: ل يكفي نصف‬ ‫واحد، لبد من النصفين مع ً!.‬ ‫ا‬ ‫كان يمهد لتقديمها فأسهب بصوته المحايد في‬ ‫الشادة بها وبمآثرها الكثيرة، رمقته بنصف وجه‬ ‫وبنظرة أحسها استهجان ً، فارتبك مواص ً وقد سكنت‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫صوته رعشة أخرجته من خانة ثقته بنفسه إلى زمرة‬ ‫المتلعثمين الذين يواجهون الجماهير لول مرة،‬ ‫جاهد حتى ل يهرب منه لسانه وتضيع لغته، لكنها‬ ‫تنحنحت فضخم الميكروفون نحنحتها فتضاعف تلعثمه‬ ‫فسلمها الميكروفون صاغرً ولم يكن قد انتهى مما‬ ‫ا‬ ‫تحتويه ورقته التي سهر الليل على إعدادها وترتيبها.‬ ‫قالت إنها سعيدة بوجودها معهم، وأنه قد زاد من‬ ‫سعادتها أن تكون هي القائد لمركبهم الذي ل يتسع‬ ‫إل لربان واحد يستشرف المدى ويوجه الملحين‬ ‫والمجدفين وعلى الجميع طاعته.‬ ‫3‬
  • 4. ‫مضت والجميع منصت لما تقول قائلة إنها لن‬ ‫تسمح لحد ما من القتراب من جوسقها، وستقطع أي‬ ‫لسان ينطق بما لم تأمر به، وفسرت كلمها بما بدا‬ ‫لهم أنه تهديد صريح: البحر واسع، والنيل لم يشكو‬ ‫مرة كثرة الغرقى، ولم تؤرقه في يوم ما اعداد‬ ‫الختبئين في مائه!‬ ‫قاطعها صوت جاء من آخر القاعة، لكنها غطت‬ ‫على صوته بصوتها الذي تض ّمه سماعات كبيرة‬ ‫خ‬ ‫تتوزع في أركان القاعة الربعة، فغادر مكانه ليقف‬ ‫قبالتها صارخ ً: لبد للقائد من معاونين، وللرئيس من‬ ‫ا‬ ‫مستشارين، فتوقفت للحظة، وكانت بعض نظرة من‬ ‫طرفها كفيلة بحمله على أيادي من هبوا ليمائتها‬ ‫لرميه بالخارج!‬ ‫تحررت من كرسيها، وقامت مزهوة، فجذب سلك‬ ‫الميكروفون الكوب الذي انقلب على أوراقها، والدورق‬ ‫الذي هشمت الرض جسده السميك، صرخت مضطربة‬ ‫فارتجت القاعة ضحك ً، حاولت من جديد أن تغطي‬ ‫ا‬ ‫4‬
  • 5. ‫على أصواتهم بصوتها لكن ضحكاتهم ابتلعت صوتها‬ ‫المتلعثم، جاهدت أن تظل متماسكة لكن القاعة كانت قد‬ ‫خلت منهم، فأبصرت نفسها وحيدة إل من كوب نائم،‬ ‫وأوراق مبتلة، وبقايا زجاج أدمى ساقيها النحيلتين!.‬ ‫---‬ ‫٨٠٠٢‬ ‫وحدها كانت تبدأ طقوسها المتكررة...، تستيقظ‬ ‫مبكرة، ترتقي الدرج الخشبي وهي تحمل على رأسها‬ ‫5‬
  • 6. ‫إناء الماء وبإحدى يديها تحافظ على اتزانها،‬ ‫وبالخرى ترفع معها سلة ممتلئة بالحبوب وبقايا‬ ‫الخبز، فإذا أطل رأسها وارتفع عن السطح وتنسم‬ ‫الحمام ريحها حط على وقع قدميها من فضائه وهبط‬ ‫من غياته مهل ً ، فإذا ما تراقص سقف بيتها‬ ‫ل‬ ‫المصنوع من جذوع الشجار وجدائل البوص والطين‬ ‫تكون هي قد نثرت الحب وصبت الماء، فتصيح الديكة‬ ‫تدعو دجاجاتها ويهدل الحمام حول إناثه مستعرضاً‬ ‫قوته وفحولته، فتذهب إلى حيث اعتادت أن تقف،‬ ‫فتميل بصدرها الحائر على بقايا الجدار الطيني الذي‬ ‫يلف السطح، فتشرد مع خيالتها المزدحمة داخل‬ ‫رأسها المتعب، لكنها تجاهد كعادتها في اجترارها، لكن‬ ‫الحداث تعاود التزاحم وتعاود هي معها من جديد.‬ ‫هناك كان حقله، وعلى حافته كان يحلو له أن‬ ‫يشعل ناره، فإذا ما مرت به عزم عليها وألح أن تقبل‬ ‫منه كوب الشاي...، لم تكن تعيره أي اهتمام، لكنه‬ ‫6‬
  • 7. ‫كان يجري وراءها، فكانت تسرع الخطى، فيعود‬ ‫أدراجه بكوبه الصغير!‬ ‫كم مرة تكرر هذا الطقس، وكم مرة ودت لو تقف‬ ‫فتتناول منه وتحادثه، كانت تعود عاقدة العزم فتعاود‬ ‫أعضاؤها وحواسها تخونها فتمضي مثل كل مرة دون‬ ‫أن تجيبه!‬ ‫بدت شاردة...، وأغرى سكونها ذباب ً وبعوضاً لن‬ ‫ا‬ ‫يحط على يديها ووجهها ويمص من دمها, تحركت في‬ ‫مساحتها الضيقة وأشارت بعينيها من عل.....، هنا‬ ‫كنا نلهو، ومن هناك كان يجلب الماء لحفره التي كان‬ ‫يطلق فيها مراكبه الورقية فيبللها الماء ويفك أوصالها‬ ‫فتغرق بما تحمله فل يمل وهو يعاود الكرة من جديد!‬ ‫تتذكر نصائحها له وهو يفاجأها بعناده وإصراره‬ ‫حتى كاد يفقد حياته لما رأى في الترعة الكبيرة بحر‬ ‫مراكبه الفقيرة، فوقفت عاجزة تصرخ حتى رمى عليه‬ ‫نفسه من أنقذه من الغرق.‬ ‫7‬
  • 8. ‫هل كانت تحبه، أم أن كلمه وشهامته هي التي‬ ‫أغوتها؟!‬ ‫كانت تتساءل وقتها فلم تصل لجابة قاطعة، لكن‬ ‫قلبها غادر قفصه مضطرب ً لما تعرت أرضه وانطفأت‬ ‫ا‬ ‫ناره!‬ ‫سألت عنه فقالوا لها إنه سافر إلى الناحية الخرى‬ ‫من الدنيا ومعه أكثر شباب القرية!‬ ‫***‬ ‫كانت ترى كل يوم مساحات جديدة من أرضه‬ ‫تتعرى وتعود تكتسي بتلك النباتات الشيطانية التي‬ ‫تهوى سكنها الهوام والفاعي والكلب الضالة‬ ‫والعفاريت!.‬ ‫قبل أن تفيق من أسئلتها وحيرتها كانت الحكومة قد‬ ‫هبطت البلدة وتفرق في أزقتها جنود وخفراء، ولما‬ ‫تساءل الناس و ّدوا في السؤال جاءتهم الجابة على‬ ‫ج‬ ‫لسان مذيعة ذلك البرنامج المسائي، قالت وقد سكنتها‬ ‫ابتسامتها الشهوانية حتى كادت تقفز من وجهها:‬ ‫8‬
  • 9. ‫غرق القارب الصغير وعليه أربعون من شباب تلك‬ ‫البلدة الساكنة في جوف الريف وهم في رحلة طمع‬ ‫لجمع المال الوفير، وأكمل الشيخ الزهري فتواه‬ ‫عندما قرر أنهم طامعون ل يستحقون الشهادة، فلم‬ ‫تدري كيف خلعت مداسها المليء بالطين لتقذف به‬ ‫شاشة ذلك الجهاز الذي اعتاد من يطلون منه لوي‬ ‫الحقيقة.‬ ‫سدت خياشيمها غللت التراب التي أحدثتها جلبة‬ ‫الناس والسيارات، كانت تحاول تبرير المر لنفسها،‬ ‫فهي وإن بدت منقبضة القلب إل أنها هي التي أوحت‬ ‫له لما فشل في تدبير مهرها، فسافر...!‬ ‫ترى هل يعود...؟‬ ‫سألت نفسها وهي تمضي مع أفكارها وما يوسوس به‬ ‫ظنها....!‬ ‫هل يضحي بي عندما تبتسم له أي امرأة يصادفها‬ ‫على الشاطىء الخر من البحر الكبير...؟‬ ‫لم ترس على إجابة...!‬ ‫9‬
  • 10. ‫هبطت الحكومة البلدة وأحاطتها بجنودها وخفرها‬ ‫التعساء، فأفاقت على تلك الجلبة التي تضم أغراب ً من‬ ‫ا‬ ‫جنود وشباب وفتيات يجرون بآلت تصوير‬ ‫وميكروفونات هنا وهناك، ولما انطلق صراخ النسوة‬ ‫أنزلها فضولها من على سطح بيتها إلى شوارع البلدة‬ ‫وأزقتها الضيقة، كانوا يسألون عن بيوت شباب ممن‬ ‫سافروا وقبل أن تستفهم منهم معنى سؤالهم رصدت‬ ‫اسمه بين أسمائهم فانقبضت وتعوذت وجرت خلفهم‬ ‫باتجاه منزله.‬ ‫لم يكن قد مضى على سفره أكثر من شهر...،‬ ‫يومها قالت له أمه بعفويتها وهو وسط رفاقه قبل أن‬ ‫يودعها وتودعه: كيف يا بني تسافر إلى هناك وأنتم‬ ‫ل تملكون ما ً ول لسانكم يتحدث لغتهم؟‬ ‫ل‬ ‫قال لها بثقة تتقافز من بين حروفه إنه ذاهب من‬ ‫أجل المال، وللمال لغة يفهمها الكبير والصغير،‬ ‫ويتحدث بها الغني والفقير مهما تباينت ألسنتهم!‬ ‫01‬
  • 11. ‫عادت تذ ّره بأنه وهم لم يتحدثوا من قبل إل إلى‬ ‫ك‬ ‫فؤوسهم، فعاد بمنطقه وبمرارة العوز يصرخ في‬ ‫الجميع قائ ً: إن الفقر الذي نحرهم لن يتركه إل جثة‬ ‫ل‬ ‫هامدة فل رزق له في هذه الرض التي تسلبهم العافية‬ ‫وتجود بخيرها للغيار، فاضت مآقيه بالدموع، بحثت‬ ‫شللته عن مخرج، تساقط الماء من عليائه فلم يملك‬ ‫إل أن يجاريه وهو يحمل متاعه مودع ً!.‬ ‫ا‬ ‫كانوا قد وصلوا المنزل و هي تلهث مضطربة‬ ‫خلفهم، وكانت أمه تهيل التراب على رأسها وهي‬ ‫تندبه، فصنعت الدموع الهادرة قنوات لمحته فيها‬ ‫عائدً على ظهر مركبه، حاولت أن تستوضح ملمحه‬ ‫ا‬ ‫لكن السيل المنهمر رمى بتفاصيله بعيدً.‬ ‫ا‬ ‫مالت عليها تقيمها،كان الغراب من الشباب‬ ‫والفتيات قد أعملوا آلتهم، وكان أكثر المتحدثين عمدة‬ ‫القرية التي آثر المدينة عليها منذ ّرف فدادينه‬ ‫ج‬ ‫واشترى بثمن التراب شقة سكنها وأهله وأصبح‬ ‫كالغراب يهبط القرية لسويعات ثم يعاود مغادرتها!‬ ‫11‬
  • 12. ‫كان صوته عالي ً وكانت تبريراته تبرز غبائه‬ ‫ا‬ ‫المتأصل في عائلته الحاكمة منذ زمن بعيد ل تعلمه،‬ ‫وانفعلت لما سمعته يصف الشباب بالرعونة والطمع،‬ ‫وبأنهم خائبون لم يجلبوا إل العار لهليهم وبلدهم،‬ ‫فقامت تشق الصفوف باتجاهه، لم يكن قد توقف عن‬ ‫الكلم ول اعتنى حتى بمواساتها، فلما صارت قبالته‬ ‫استجمعت كل ماء فمها وبصقت في وجهه ثم‬ ‫استدارت نحو المذيعة التي رأتها لم تكف عن الكلم‬ ‫منذ هبطت البلدة، ورصدتها توعز بالجابات وتمهد‬ ‫لما تريد من قول مع كل من إلتقتهم، ودت أن توضح‬ ‫لها الحقيقة لكنها تجاهلتها، فسبقتها يداها إلى‬ ‫شعرها، لكن العمدة ومن معه استطاعوا أن يخلصوها‬ ‫منها، فلما فكوها عادت من جديد فبصقت في وجهه‬ ‫من ريقها الناشف، فمد يده يمسح لعابها الظمىء، ثم‬ ‫استدار مواجه ً الكاميرا وهو يقول في مشهد أشبه‬ ‫ا‬ ‫بمشاهد الفلم السينمائية ذات اللغة الباهتة والمكررة‬ ‫إنها معذورة فيما أقدمت عليه، فقد تكون قد أصابتها‬ ‫21‬
  • 13. ‫لوثة لما غرق حبيبها وتبخرت مع رحيله كل أحلم‬ ‫ثرائه.‬ ‫ودت لو تركوها تنتقم منه، لكنهم كانوا قد‬ ‫حملوها ليرموا بها مع أمه بعيدً، لم يكن حولهما ول‬ ‫ا‬ ‫أسفلهما إل التراب فانطلقتا تتعفران فيه، وتعفران به‬ ‫الجمع المتحلق الذين تزايدت أعدادهم وداستهما‬ ‫أقدامهم.‬ ‫ل تدريان هل كان الليل هو الذي هبط بسواده، أم أن‬ ‫عيونهما هي التي كانت قد أظلم نورها؟!.‬ ‫كانت الرض خربة وكان سوادها يسكنه الظمأ،‬ ‫وحدث أنه ذات يوم غمرها الماء من حيث ل تدري‬ ‫فاهتزت تستنشق الحياة حتى ارتوت وخرجت من‬ ‫31‬
  • 14. ‫رحمها نبتة عجيبة صارت تكبر دون أن يسقوها،‬ ‫وتينع دونما ارتواء معلوم، وكانت آيتها أنهم كلما‬ ‫نظروا إليها تعالت واستطالت وتساقط عليهم من‬ ‫غللها وثمرها، فأصبحوا في حيرة من أمرهم وهم‬ ‫يبحثون عن صفتها التي لم يعرفوها..، وزاد من‬ ‫دهشتهم أن كل من تمناها على هيئة رآها فمن رأى‬ ‫فيها القمح كانت له سنبلة، ومن رآها زهرة كانت له‬ ‫ريحانة فيحاء، وكل الذي سماها بما تمنى رأى فيها‬ ‫أمنيته وزيادة، فكانت تين ً وكانت تمرً...، وكانت‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫رمانا وكانت عنب ً، كانت حياة للجميع.‬ ‫ا‬ ‫أنسوا إليها فأنستهم شظف الحياة السابقة وهي‬ ‫ترمي لهم كل يوم بما تمنوا، فقال نفر منهم إنها آيتنا‬ ‫وأرواحنا دونها، وقالوا ل نفارق ظلها ول ننقطع عن‬ ‫خيرها، فهل نبني حولها سوراً يكفينا شر المتطفلين‬ ‫والحاسدين؟.‬ ‫41‬
  • 15. ‫قال من رأوا أن في سفرهم خيرً جديدً واستعدوا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫للترحال: تحفظوا لنا حقوقنا فيها وتدفعون لنا مقابله‬ ‫مقدم ً وإل قطعناها..، فكانت الحرب.‬ ‫ا‬ ‫ذرفت أغصانها دم ً وهم يضربون بعضهم‬ ‫ا‬ ‫بأغصانها المسنونة، بكت من سقطوا، وكانت تندب‬ ‫المفارقين وتعزي القاعدين، وهي في كامل هيئتها‬ ‫صامدة في مكانها تهب خيرها وقد اكتساها حزن فلم‬ ‫تعد أوراقها تصطفق مهللة، فقالوا بثقة مهونين:‬ ‫ستأتي رياح تفك أوراقها من قيودها، فتعود تهلل مع‬ ‫كل هبة ريح.‬ ‫أعاد من اقترحوا من قبل اقتراحهم: نحيطها‬ ‫بسياج، واقترح آخرون بل ونهيل على جزء من‬ ‫جذعها التراب فتتكون جذور وتكون سيقان لشجار‬ ‫جديدة وكثيرة، لكن من عادوا بعد الحرب و الفراق‬ ‫كانوا ما يزالون يبحثون لهم عن دار مثل الخرين‬ ‫ا‬ ‫بالقرب منها ومنهم، قالوا نأخذ من ترابها لنصنع طين ً‬ ‫فنبني بيتا يقينا الحر وزمهرير البرد، فارتفع جدارهم‬ ‫51‬
  • 16. ‫وهي تمور و تزوم، وقبل أن تمتد أياديهم لتأخذ من‬ ‫فروعها عروش ً كانت أوراقها قد سقطت وجذعها قد‬ ‫ا‬ ‫يبس.‬ ‫قال نفر وقد أحزنهم المر: ذهبت الشجرة ولم تعطنا‬ ‫من بذورها حتى نستخلفه، أكمل الخرون: وقد يبست‬ ‫فل نستطيع أن نشتل منها.‬ ‫قال من شهدوا معجزتها الولى: وهل كنتم أنتم من‬ ‫زرعها وتولها..؟!، أكملوا بأسى: ابتهلوا إلى ربكم‬ ‫أن يعيد معجزته فتحبل الرض مثلما حبلت من قبل‬ ‫فتكون لنا آية من جديد!.‬ ‫_______‬ ‫٨٠٠٢/٨/٢م‬ ‫61‬
  • 17. ‫كانت القاعة أنيقة فسيحة، وكانت كاميرات‬ ‫التليفزيون كثيرة، فقادها نظرها إلى حيث بقعة‬ ‫الضوء....، لمحتها من بعيد والجمع يتحلقها...،‬ ‫انتبهت من دهشة المفاجأة وتسرب منها تساؤلها‬ ‫فقالت: هل تكون هي؟!‬ ‫وهي تسير باتجاهها تداعت إلى مخيلتها ذكريات‬ ‫سنوات طويلة مضت، كانت باشة، لكن مع خطواتها‬ ‫كانت قسماتها تتغير تعبيراتها كلما طوت خطوات من‬ ‫القاعة واقتربت منها، فاضطربت لما لمحت ما تركه‬ ‫الزمن من آثاره على وجهها المزدحم بمساحيقه التي‬ ‫حاولت بها محو نتوءاته وأخاديده، فأخفقت ودلت‬ ‫على نفسها فقط!، وفي تلك اللحظة ركبها شك أن‬ ‫تكون قد أخطأت فل تكون هي!‬ ‫بالقرب منها توقفت ولما رأتها وجدت أنها بإزاء‬ ‫سيدة نالت من الزمن خبراته بقدر ما أخذ من شبابها‬ ‫71‬
  • 18. ‫الذي تحاول استنساخ مظاهره فقالت لنفسها متشككة:‬ ‫قد تكون هي!‬ ‫نظرت إليها بكل تركيزها والضاءة تنير نتوءات‬ ‫وجهها فرصدت علمات الزمن الذي حاول الهروب‬ ‫من أدلته وتعجبت من الوجه الذي كان يسابق نسيم‬ ‫الصباح بإقباله وانطلقه...، فتذكرت طابور الصباح‬ ‫والساندويتشات التي كن يتقاسمنها، وتداعت في‬ ‫الوقت نفسه " كليبات " عديدة للستاذ " رمضان "‬ ‫مدرس اللغة العربية وكيف رأيتاه نسخة باهتة‬ ‫للستاذ" حمام " في فيلم " غزل البنات " الذي مثله‬ ‫" نجيب الريحاني "، لكنها ابتسمت وزادت بهجتها لما‬ ‫تذكرت ذلك الفتى الوسيم الذي كان يرصدهما في‬ ‫ذهابهما و رواحهما، فصار طقسه جزءً من تفاصيل‬ ‫ا‬ ‫يومهما البسيط، فاتفقتا على تشجيعه حتى يتعرفا‬ ‫عليه، ويعرفان منه من هي المقصودة منهما؟، لكنه‬ ‫اختفى من المدينة كلها قبل أن تتعرفا على اسمه، ول‬ ‫إلى أي مكان غادر!‬ ‫81‬
  • 19. ‫تذكرت مس سهير التي درست لهما المواد‬ ‫الجتماعية ولما انتقل إلى المرحلة العدادية، وجدتاها‬ ‫قد سبقتهما لتدرس لهما اللغة النجليزية بلسان يغاير‬ ‫لكنات كل المتحدثين بها، لكنها ارتبكت لبرهة وشعرت‬ ‫بالخجل القديم لما تذكرت مدرس الفلسفة وكيف تآمرتا‬ ‫عليه حتى أوقعتاه في حبائلهما فاستجاب لهما، ولم‬ ‫يكن يدري أنه وقع ضحية لفتاتين تتفجر على‬ ‫جسديهما الغض كل مظاهر النوثة، وأنهما يحكيان‬ ‫لبعضهما ما يصدر منه تجاه إحداهما فلم تدريان هل‬ ‫هو الذي طلب النقل من المدرسة، أم أن الدارة‬ ‫التعليمية هي التي تولت المر لما لكت سيرته‬ ‫المدرسة كلها؟!‬ ‫عندما انطفأت الكاميرات انطفأ معها نور الوجه‬ ‫وذهبت لمعة الشعر الشقر الذي لم تره عليها من‬ ‫قبل، فبدا وجهها شاحب ً مرهق ً وهو الذي كان يشع‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫نوراً منذ لحظات، فتمنت لو أتيح لها أن تنظر في‬ ‫91‬
  • 20. ‫مرآة وقتها لترصد وجهها وتعقد مقارنة بينه وبين‬ ‫ذلك الوجه ، فمضت تتقدم مرتبكة باتجاهها.‬ ‫كانت ما تزال تقف في مكانها وإن أطرقت‬ ‫برأسها وذهبت في تفكير مرتبك، تقدمت منها أكثر‬ ‫حتى صار وجهها في وجهها ونادتها باسمها فانتبهت‬ ‫لها!‬ ‫لما رفعت رأسها لمحت فيها مثل الذي لمحته هي‬ ‫فيها من قبل، لكنها ضحكت ملء فمها وتهللت‬ ‫أساريرها وهي تحتضنها ثم تعود تدفعها و تعود‬ ‫يقف‬ ‫تحضنها وتقبلها ثم أفاقتها على شخص‬ ‫بجانبها له ملمح ذلك الفتى الذي كان ينتظرهما، كان‬ ‫رج ً وسيما في كامل أناقته ، تعجبت كيف لم تره قبل‬ ‫ل‬ ‫تلك اللحظة، قالت له: نجوى صديقتي، ثم التفتت لها‬ ‫وهي تقول: طارق زوجي!، مد يده فلمست يدها‬ ‫فسافرت معه إلى ذلك الزمن البعيد حيث كان‬ ‫ينتظرهما، تمنت لو أطال احتضان يده ليدها، لكنه‬ ‫سحبها فأفاقت!.‬ ‫02‬
  • 21. ‫كانت ما تزال تجلس وبجوارها صديقتها في‬ ‫الفصل ذاته، بينما الستاذ رمضان بهيئته السينمائية‬ ‫العتيقة واقف ً بإزاء السبورة وقد أوشك على إتمام‬ ‫ا‬ ‫كتابة عناصر در س اللغة العربية!!!!!!‬ ‫٧/٦١/ ٨٠٠٢‬ ‫كــن معي‬ ‫كانت تقف دائماً على الشاطىء الخر تمل‬ ‫ا‬ ‫الدنيا بقدها وتثير البحر بشعرها وتمل الفضاء نغم ً‬ ‫بلسانها الذي يتدفق مجم ً كل الكلم حتى أدمنتها.‬ ‫ل‬ ‫كن معي ... قالتها ) ماريا ( بلسان عاشقة‬ ‫وقلب محبة وجدت مجدافها: فشاطئي هو شاطئك‬ ‫ومرساي أنت، ولن يفصل بيننا أبدً ماء!‬ ‫ا‬ ‫12‬
  • 22. ‫تطلب مني أن أعاهدها على ما ارتأت، فأركب البحر‬ ‫عائدً، وقبل أن أدخل بيتي تلحق بي وهي تقول‬ ‫ا‬ ‫معاتبة: لماذا سافرت وتركتني؟‬ ‫أنت ملح حياتي!‬ ‫ل أستطيع العيش دونك!‬ ‫سأكون أنا معك وسأبقى بشاطئك، فعاهدني أن تظل‬ ‫لي، فألقيت بحقائبي وعانقتها!‬ ‫***********‬ ‫**‬ ‫قلت: لن يفصل بيننا ماء فعاهديني أنت أن تظلي‬ ‫معي فأنت سكني وجنتي، فتثاءبت ثم نامت متلكأة‬ ‫على صدري، وفي الصباح ركبت ظهر المركب‬ ‫وأشارت تستحثني الصعود إليها لكنني وقفت صائحا:‬ ‫ً‬ ‫سيفصل بيننا ماء.....!‬ ‫قالت: ل يفصل بيننا ماء إن رافقتني!‬ ‫قلت: ل أترك بيتي ول أهجر وطني‬ ‫22‬
  • 23. ‫قالت: بلدنا رأس الرض، وكل الزينة تسكن‬ ‫وجهها!‬ ‫قلت: وطني هو القلب، وفي قلبي تسكن كل‬ ‫الحاسيس والعاطفة‬ ‫قالت: العقل يسكن الرأس وبه أبصر مال تبصره،‬ ‫فأبصرني بعقلك ول تراني بقلبك!‬ ‫هممت أن أرد، لكن السفينة كانت قد أرسلت نفيرها‬ ‫الحزين وصار الماء يباعد بيننا، لوحت لها لكنها‬ ‫استدارت ثم اختفت.‬ ‫***‬ ‫هاأنذا أقف على الشاطىء مستلم ً البحر ول أمل من‬ ‫ا‬ ‫سؤاله....‬ ‫لماذا غادرتني " ماريا " وهي التي جاءت في إثري‬ ‫فيطول وقوفي في انتظار رده، استحلفه فيعفر وجهي‬ ‫بمائه، أهبط إليه أدخل في جوفه لكنه يقذفني إلى‬ ‫ظهره فأحاصر بأمواجه العاتية، أعود لرتل له نشيده‬ ‫الذي يهواه فتشتت النواء أنيني وأنا أصارع أنواءه،‬ ‫32‬
  • 24. ‫أسأل النورس أن ينشد له من ألحانه التي يعشقها،‬ ‫فيتباعد عني صامتا!‬ ‫أعود أسأل فتدور بي الدنيا والرياح تتقاذفني‬ ‫مزمجرة من كل ناحية.‬ ‫أعود إلى الشاطئ أسأل البحر من جديد معاتب ً:‬ ‫ا‬ ‫لماذا يا بحر جاءت، ولماذا سافرت وهي التي أتت في‬ ‫إثري، فيسحب الماء جزرا وتعلو رمال الشاطئ على‬ ‫قاربي!‬ ‫أعدو خلف الماء فيعود مدً فأبصرها مفرودة القد‬ ‫ا‬ ‫على ناصية مركبها ومن خلفها مراكب كثيرة تشير‬ ‫لهم باتجاه شاطئي، أصيح عليها لكن قذائف مدافعها‬ ‫تهد سكون وطني!‬ ‫أنظر للبحر فأبصر مياهه قد اشتعلت نيران ً تجري‬ ‫ا‬ ‫باتجاه قاربي.‬ ‫أبريل ٦٠٠٢‬ ‫42‬
  • 25. ‫المشهد الول‬ ‫وضعت الدعوة في جيب الجاكت وأدرت‬ ‫مفتاح سيارتي العتيقة، ودونما انتظار انطلقت بها في‬ ‫طريقي إلى المسرح الكبير لحظى بالفرجة، ولسعد‬ ‫برؤية تلك البطلة التي أعشقها، والتي عايشتني‬ ‫وعايشتها فكانت في مرحلة مبكرة أمي التي‬ ‫52‬
  • 26. ‫احتضنتني وحمتني من غطرسة أبي الذي ل تمل يده‬ ‫من صفعي فكنت دائم ً أتجنبه، وأتجنب كل من هم‬ ‫ا‬ ‫على شاكلته!، كانت تأخذني إلى حضنها فأشعر‬ ‫بالدفء وأعيش المان الذي أفتقده، عشقتها، وصرت‬ ‫أغار عليها منه، ـ ذلك الكيان المتغطرس المسمى أبي‬ ‫ـ ولما كبرت كنت أتعجب من ثوراته المتكررة علينا،‬ ‫ترى لماذا كان دائم ً عبوس ً والحياة في عصره الذي‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫جر ذيوله كانت بسيطة قياس ً إلى ما نحن فيه؟!.‬ ‫ا‬ ‫وفي مرحلة تالية كانت البطلة حبيبتي التي خففت‬ ‫من فوران مراهقتي وكبتي الذي يستبد بي، عندما‬ ‫كانت عيني تنزلها من عليائها وهي في إطارها المعلق‬ ‫على حائط غرفتي، فتفك حواسي أسرها ، وتبث فيها‬ ‫روحي من روحها، يلتهب خيالي فتتأجج نيرانه‬ ‫اللسعة فتكشف بغنج عني غطائي وأنا أعريها من كل‬ ‫أستارها ، أنتبه على تلك الدفقة اللذيذة والنشوة التي‬ ‫ارتعش لها، فأستيقظ على البلل الذي يلصق " الندر‬ ‫62‬
  • 27. ‫وير " بتلك المنطقة التي أصبحت محور اهتمامي‬ ‫والتي كانت تبدأ من عندها دائماً كل متعي وعذاباتي!.‬ ‫ساءلت نفسي : هل ما تزال كما هي؟، كما أزال أراها‬ ‫أنا؟، وكما أحبها فأضيف عليها من سحر على‬ ‫سحرها؟!، أم أن الزمن قد نال منها مثلما نال مني،‬ ‫فصارت تواري نتوءاته وعلماته بمساحيقها وأدوات‬ ‫تجميلها التي ل أعرفها، مثلما أواري أنا شيبي بتلك‬ ‫الصبغة الرخيصة التي تدل على جريمتي ول تخفيها؟!‬ ‫لم أصدق نفسي أنني سوف أراها!، وفي غمرة‬ ‫ارتباكي تساءلت:كيف يكون الحال إذا ما أتيحت لي‬ ‫الفرصة بالسلم عليها وربما انتزاع لحظات للحديث‬ ‫إليها؟!، كنت ما أزال على اضطرابي وفرحي وارتباكي‬ ‫وأنا أستحث السيارة التي من فرط سعادتي كان‬ ‫مقودها دائم الهتزاز في يدي فلما بدأت تتطوح‬ ‫انتبهت على أصوات مغايرة.‬ ‫تدفقت من فوقي أسرابها المتتالية كاسرة لحاجز‬ ‫الصوت وصانعة لفراغ وطرقعات تصم الذن، كان‬ ‫72‬
  • 28. ‫ي‬ ‫صوتها الموحش والموغل في الرهبة قد عكس عل ّ‬ ‫علماته فارتبكت وارتعش المقود في يدي، ووجمت‬ ‫لما رصدت علماتها وشاراتها التي تتباهى بها‬ ‫أجنحتها، وتابعتها مذعورً وهي في طريقها لقصف‬ ‫ا‬ ‫مكان أعلمه، فأيقنت أن أحلمي بالرؤية والمشاهدة‬ ‫والمصافحة والحديث قد تبددت كلها لما لم تعترضها‬ ‫ول طائرة واحدة، ول أطلقت مدفعيتنا النائمة قذيفة‬ ‫باتجاهها!‬ ‫فكرت في العودة قبل أن تستفحل المور فتصيبني‬ ‫نيرانها وقذائفها المدمرة ،كنت في حيرة، وكنت قد‬ ‫توقفت، ولم يكن في مقدوري الوصول لقرار فداهمني‬ ‫مشهد جديد!.‬ ‫المشهد الثاني‬ ‫كنت مازلت في مكاني متوقف ً، وكانت‬ ‫ا‬ ‫وجه سيارتي في اتجاه المسرح، فرصدتها هي‬ ‫الخرى، كانت قادمة وتسير عكس التجاه، تعجبت من‬ ‫82‬
  • 29. ‫أمرها إذ كيف تكون قد تحركت للدفاع وهي تسير في‬ ‫التجاه المعاكس، كانت مجموعة من القوات التي‬ ‫تشكل " كو ً " أو طابورً يتحرك ببطء شديد، قلت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫لنفسي: كيف لهذه القوات وهي تأفل أن تتصدى لتلك‬ ‫السراب المغيرة؟!، كنت ما زلت أعيش سؤالي‬ ‫مندهش ً، لكن اندهشي ازداد اندهاش ً وأنا أرصد تلك‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫الحملة العسكرية وهي تلتف لتدخل في ممر ضيق‬ ‫يعود بها إلى التجاه الصحيح حيث المكان الذي‬ ‫قصدته أسراب طائرات العدو المغيرة، كانت القوة‬ ‫المتجهة مكونة من مجموعة عربات قديمة وحاملت‬ ‫جنود متهالكة، وعدة مدافع عتيقة، ودبابة بالية‬ ‫وحيدة، وأثناء التفافها للدخول إلى الحارة الضيقة من‬ ‫الطريق تعطلت إحدى المركبات لما لم تتمكن من إكمال‬ ‫دورانها فانغلق الطريقان، فضربت كف ً بكف وقلت لن‬ ‫ا‬ ‫ينصلح الحال سريع ً، وعلى القوات لكي تتغلب على‬ ‫ا‬ ‫تلك المعضلة أن تتراجع للوراء، إلى الطريق الذي أتت‬ ‫منه، وربما يتعين عليها أن تسير في ذلك الطريق‬ ‫92‬
  • 30. ‫وإغلق السير فيه أمام أي مركبات أخرى، عدا تلك‬ ‫القوة التي سوف تتولى الدفاع عن المنطقة التي‬ ‫قصدتها أسراب الطائرات المغيرة.‬ ‫المشهد الثالث‬ ‫كنت ما زلت واقف ً أرصد باندهاش‬ ‫ا‬ ‫وخوف وارتعاش وارتباك ما يحدث أمامي، وكنت ما‬ ‫زلت على سؤالي الذي كنت أعيشه: كيف لتلك القوات‬ ‫أن تتصرف، كيف يمكن لها أن تتدفق ، كيف يمكن‬ ‫لها أن تسرع فتذهب لكسر صلف القوات المغيرة‬ ‫وتبيدها، كنت كذلك أخشى إن أنا عاودت السير أن‬ ‫أصاب بأذى من قذائف من المؤكد أن الطائرات‬ ‫المغيرة تصبها الن على المنطقة المعنية والتي‬ ‫أعرفها ول أتذكر من عجب اسمها، كنت أتخيل‬ ‫المنطقة بعد ضربها وقد تحولت إلى أتون متقد من‬ ‫النيران التي تذيب الحديد، فصدأت أمامي المدافع‬ ‫المحصورة ما بين الطريق والممر، وانفرطت قوالب‬ ‫03‬
  • 31. ‫الدبابة التي رأيتها مثل بنيان يشبه أفران الفلحين‬ ‫التي لم يكن يخلو منها بيت في الزمن الماضي، رأيت‬ ‫ظهرها ينفرط إلى قوالب طوب جرباء لقدمها، كانت‬ ‫القوالب تنفرط ولم يكن هناك أثر لي مادة من مود‬ ‫البناء ل أسمنت ول جير فسهل ذلك عملية النفراط،‬ ‫ثم مال مدفعها القصير على الرض، وتقطع الجنزير‬ ‫ومثلها نامت على الرض بقية مركبات القوة، لم‬ ‫أدري ساعتها كم من الزمن مر عل ّ، ولم تكن قد‬ ‫ي‬ ‫وصلتني أخبار عن شكل الهجوم ومدى الدمار الذي‬ ‫ألحقته الطائرات المعادية، كنت ما أزال في ذهول من‬ ‫المشهد كله ومن توابعه، وكان كل شيء كما بدا لي‬ ‫يقف مكتوف ً مثلي.‬ ‫ا‬ ‫المشهد الرابع‬ ‫ل أدري كيف قررت ول الكيفية التي‬ ‫وصلت بها المسرح؟، هل ركبت سيارتي وانطلقت‬ ‫13‬
  • 32. ‫بها؟، هل وصلت مع أحد أو بمساعدة أحد؟ مثلما لم‬ ‫أكن أدري كيف عولجت مشكلة القوات الحامية مع‬ ‫الطائرات المغيرة؟ هل تم فتح الطريق، هل تم إصلح‬ ‫العطاب والعطال؟، هل تم تحديث القوات؟‬ ‫لم أكن أدري عن كل ذلك شيئ ً، لكن الذي كنت أدريه‬ ‫ا‬ ‫أنني كنت داخل المسرح، وأطلت علينا النجمة الكبيرة،‬ ‫طلت علينا شامخة، وزادتها ملبسها النيقة أناقة فوق‬ ‫وسامتها وجمالها الخاذ، كانت عاصفة من التصفيق‬ ‫والصفير والهتاف باسمها، كانت ما تزال واقفة على‬ ‫المسرح صامتة، هل كانت مرتبكة؟، لم تفصح‬ ‫ملمحها المحايدة عن ذلك المعنى!، ظلت واقفة لهي‬ ‫استطاعت أن تبادل الجمهور التحية، ول هي ترفعت‬ ‫فابتدأت في أداء دورها دون أن تعتني بشأننا نحن‬ ‫المبهورين بها، ساد صمت كالدهور وهي ما تزال‬ ‫على حالها، ظن البعض أن ذلك ربما يكون مقصوداً‬ ‫أي أن صمتها هو جزء من دورها، عاودنا التصفيق‬ ‫23‬
  • 33. ‫من جديد وللسف أعقبته حالة من الصمت المريب!،‬ ‫انتظرنا، لكن شفتيها لم تنفرجا!‬ ‫هل كانت مؤامرة فتخلى عنها الملقن الذي‬ ‫ا‬ ‫يسعف الممثلين بجمل من الحوار ، والذي كنا أحيان ً‬ ‫نسمع صوته في المسرحيات التي يبثها التليفزيون؟،‬ ‫بدت لنا البطلة في مأزق، وأصبحنا معها في حيرة‬ ‫وهي تقف مثل تمثال يوناني تجمدت حركته أمامنا.‬ ‫هل كنا قد تأكدنا أنها ليست على استعداد لداء‬ ‫الدور عندما وقف بعضنا ومعهم نفر من الضيوف‬ ‫العرب الذين قالوا ل نضيع الفرصة فتكون لنا معها‬ ‫ذكرى، فاصطفوا في لقطات جماعية ومنفردة معها،‬ ‫واستعد كل منا كذلك لتلك الصورة التي ستؤرخ لليوم‬ ‫والمكان الذي تمت فيه هذه المقابلة!‬ ‫المشهد الخامس‬ ‫33‬
  • 34. ‫قبل أن نصعد المسرح سقطت البطلة‬ ‫على ظهرها، لم تتأوه ولم تصرخ كانت صامتة مثل‬ ‫ذلك الصمت الذي كانت عليه وهي واقفة، هل كانت‬ ‫روحها قد فارقتها؟، ل أدري، ولكنها لما استوت على‬ ‫الرض مثل تمثال مصري قديم هبت رياح أطارت‬ ‫بأسفل ثوبها فتعرت، لم أكن أريد النظر إلى عورتها‬ ‫التي أعرفها والتي ربما كنت أكشفها من قبل سواء‬ ‫في أحلم يقظتي أو منامي، لكنني بفضول غريب‬ ‫نظرت، أحسست بفعل الخيانة الذي اقترفته بنظرتي‬ ‫شبه الجائعة، فعدت أواري وجهي، ذهبت بعيدً ـ‬ ‫ا‬ ‫مندهشاً ـ من حال البطلة التي سافرنا من أجلها،‬ ‫وعطل كثيرون مصالحهم حتى يحظوا برؤيتها مجسدة‬ ‫أمامهم وهي في تمام حضورها ويقظتها.‬ ‫لم أكن قادرً، ولم يكن أحد من الخرين على ما‬ ‫ا‬ ‫يبدو مثلي بقادر على تفسير ما جرى ويجري للبطلة‬ ‫التي نعشقها كلنا، هل كنت في غفوة؟، لماذا تأخرت ؟‬ ‫هل استمر ذلك طوي ً؟، ما أعلمه وأتأكد منه أنني في‬ ‫ل‬ ‫43‬
  • 35. ‫لحظة عدت فاندفعت مسرع ً أشق الزحام لتغطيتها قبل‬ ‫ا‬ ‫أن يصلها المصورون فيطبعون عورتها على ذاكرة‬ ‫آلتهم التي ل تنسى، فيطبعـون منها ما شاءوا وقتما‬ ‫شاءوا، لما وصلتها كانت ما زالت راقدة في كامل‬ ‫استيقاظها وشرودها،كانت وديعة، وكانت جميلة،‬ ‫وكانت ما تزال صامتة، هل رأتني وأحست حبي؟ هل‬ ‫كانت عاتبة عل ّ أن قلدت الخرين فعرتها عيني‬ ‫ي‬ ‫للحظة مثلهم؟ شددت الغطاء عليها، لم تستنكر، و‬ ‫أيض ً لم تشكر، كانت عيناها وقسماتها – ربما - كل‬ ‫ا‬ ‫شيء فيها يبدو محايدً.‬ ‫ا‬ ‫١ /٩٠٠٢/٥ م‬ ‫53‬
  • 36. ‫في المرة الخيرة رأيتها، كانت تتخذ جلسة النساء‬ ‫من أهل القرية أمام سحارة الترعة ومن حولها‬ ‫أولدها وعلى حجرها صغارها يرضعون وما أن رأتني‬ ‫حتى زامت ثم أرسلت صياح ً عالي ً فلما اقتربت منها‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫لم أرصد من تفاصيلها سوى وجهها الذي أعرفه، أما‬ ‫جسدها فكان قد تحور وصار جسدا لسمكة كبيرة،‬ ‫حاولت أن تقوم كما كانت فيما مضى لكن جسدها‬ ‫بهيئته الجديدة لم يساعدها فاكتفت برفع رأسها وهز‬ ‫ذيلها وصغارها يتساقطون عن ثدييها، فلما دنوت منها‬ ‫رمت بنفسها ومعها كل أولدها فابتلعتهم سحارة‬ ‫63‬
  • 37. ‫الترعة بمائها العكر، وقفت لبرهة انتظر ظهورها لكن‬ ‫الماء كان قد سكن وعاد سيرته.‬ ‫كانت فلة متعتي، ألعب معها ، أطعمها، وكانت‬ ‫هي ل تأنس لحد إلى أحد بالمنزل سواي حتى فاجأها‬ ‫جدي بعصاة الغليظة فشج رأسها فارتمت تعوي بأنين‬ ‫سرعان ما انكتم صداه، كانت عيناها مصوبتان في كل‬ ‫التجاهات تسائلنا جميع ً لماذا، هربت من نظراتها،‬ ‫ا‬ ‫وهرب هو منها لما جرها ليرمي بجسدها الرشيق في‬ ‫الترعة، ولما عاد متأفف ً صاح على محروسة فقامت‬ ‫ا‬ ‫كأوامره تسخن له الماء ليغتسل من النجس، كان‬ ‫مازال منفع ً وهو يسب اليوم الذي وافق فيه على‬ ‫ل‬ ‫وجود كلبة أنثى بالمنزل حتى جلبت له العار عندما‬ ‫قصدتها كلب القرية.‬ ‫كانت سعدية قد دخلت منزلنا لتخدم فيه، كان‬ ‫أبوها الجنوبي قد هبط بلدتنا ليعمل في قمينة الطوب‬ ‫التي نمتلكها، لم تكن له مهارة العمال، ولم تكن له‬ ‫صنعة واضحة، فأسكنه جدي مع زوجته وبناته الثلث‬ ‫73‬
  • 38. ‫الغرفة الصغيرة الواقعة أسفل مكتبه الذي يشرف منه‬ ‫على سير العمل.‬ ‫كانت هي الكبرى، وكانت بدمامتها الفجة قد‬ ‫تخطت الثالثة عشرة فبرز صدرها وتحددت تفاصيلها‬ ‫فلم تسلم من مضايقات العمال حتى رأى جدي أن‬ ‫تكون بالمنزل فقل ذهابي إلى المصنع.‬ ‫في المرة الولى قصدت أن أحتك بها فاتسمت‬ ‫مبتعدة، وفي المرة الثانية مددت يدي إلى ثدييها‬ ‫فتأوهت دون صراخ ، ولما كانت المرة الثالثة كنت‬ ‫معها داخل عشة الفراخ.‬ ‫كانت دميمة لكن اشتعال رغبتي أعماني، فلما‬ ‫انتهيت صرت أبصق عليها متأفف ً، ولما علت بطنها‬ ‫ا‬ ‫أدركت مدى جريمتي.‬ ‫كانت الدراسة قد بدأت فقالت لي ماذا أفعل؟ لم‬ ‫ارد، كنت في حيرة، ماذا سيفعل بي أبي، وكيف أنظر‬ ‫في وجه جدي، هربت منها إلى العاصمة، تهت في‬ ‫83‬
  • 39. ‫ي‬ ‫زحام أقراني وأنا أنتظر كل يوم من سيهبط عل ّ‬ ‫ليمسك بي ويجبرني على الزواج منها.‬ ‫مضت شهور التيرم الول، وتحججت في إجازة‬ ‫نصف العام برحلة إلى القصر وأسوان، ولما استنفدت‬ ‫الجازة لم أقصد البلدة فتفاجأت بهما جدي ووالدي.‬ ‫قال جدي: اعترفت عليك لما فتن العمال عن بعضهم‬ ‫أيهم يبدأ أو ً فشاهدها أبوها ولول ذلك لكنت قد‬ ‫ل‬ ‫اجبرتك على الزواج منها ونسب مافي بطنها إليك،‬ ‫لكنها فتحت فرجها للجميع!.‬ ‫لم أتكلم، وضعت رأسي عي الرض لكن كف أبي‬ ‫ولطمته القوية ولد اصطدامهما بوجهي شررً كهربياً‬ ‫ا‬ ‫رأيته يتطاير من عين ّ.‬ ‫ي‬ ‫قال: ل تهبط البلدة وتعيش هنا وحيدً، ولما انصرفا‬ ‫ا‬ ‫حكى لي عبد النعيم خادمي النحيف أن جدي فرض‬ ‫على واحد من العمال أن يتزوجها فعقد عليها وهي‬ ‫على وشك أن تضع، فانكسر أبوها ولم يعد سيرته‬ ‫الولى وانزوت أمها عن كل النساء حتى وضعت،‬ ‫93‬
  • 40. ‫فطلب أبوها من زوجها أن يرمي عليها اليمين وجمع‬ ‫أشياؤه وعه عائلته باتجاه القطار، لكن الناس وجدوا‬ ‫جثتها ومعها وليدها داخل جوال طاف على سطح‬ ‫الترعة أمام السحارة.‬ ‫قال عبد النعيم أيض ً إن رأسها كانت مهشمة من‬ ‫ا‬ ‫الخلف مثلما باغت جدي خشية العار، فصرت أراهما‬ ‫وقد اتخذا جسدا واحدً بملمح وجه سعدية، وشعر فلة‬ ‫ا‬ ‫وذلك الجسد الغريب لسمكة عروس النيل.‬ ‫عندما عاد رمزي حام ً شهاداته كانت تسير‬ ‫ل‬ ‫إلى جواره امرأته فرأيناها مثل تمثال قد من الشمع‬ ‫وتعرى من غطائه، فبدت لنا ثلجية الملمح، تفتقد إلى‬ ‫ما يبث في أوصالها روح الحياة ودفئها.‬ ‫04‬
  • 41. ‫فتح له أبوه حضنه فمد إليه يده بفتور، ولما‬ ‫تعلقت أمه برقبته لتضمه إلى حضنها، أناخ لها بعض‬ ‫هامته متأففأ، وكنا نحن قد اصطففنا لتحيته وأيادينا‬ ‫مفرودة بالسلم فاكتفى بالتلويح لنا بل اهتمام،‬ ‫فانطفأت عزيمة أذرعنا ونحن نحاول جاهدين أن‬ ‫نعيدها إلى سيرتها الولى، وفي انكسارها شعرنا أنها‬ ‫مثل ذلك الفارس القديم الذي خرج في كامل عدته‬ ‫وعتاده للحرب، لكنه قبل أن يشهر سيفه برك به‬ ‫جواده فسرق منه النصر!‬ ‫تغاضينا‬ ‫وبلغنا غصتنا ونحن نرى حقائبه، وسرنا معه‬ ‫نجوب شوارع القرية، بدا غير مكترث بنا ول بكلمنا،‬ ‫فلم تدهشسه واحدة من اقتراحاتنا التي حاولنا أن‬ ‫نرسم من خللها مستقبلنا معه، أو مستقبله معنا، كان‬ ‫شاردً يطوي معنا ما نطويه بل اهتمام.‬ ‫ا‬ ‫لم نهتم‬ ‫14‬
  • 42. ‫فواصلنا المسير، وكنا نودأن نقول له إن الكثرة‬ ‫تبدلت وصارت إلى انزواء، وترددنا وتلعثمت رؤوسنا‬ ‫ونحن نفكر أن نخبره أن البنات قد خلعن حياءهن،‬ ‫وأصبحن يأتين من الفعل ما تندى له جباهنا، وأن‬ ‫النسوة ل يمانعن في الكل بأثدائهن، ويتصارعن‬ ‫جهرة على من تشد إليه الرحال، وأن الرجال ل يرون‬ ‫عيب ً في إغماض طرف لتمرير أمر ما دام المال‬ ‫ا‬ ‫سيسكن جيوبهم....!‬ ‫وددنا‬ ‫أن نقول له كل ذلك وغيره لكن وجه وهيئة إمرأته‬ ‫اثنانا عما نويناه فسرنا إلى جواره تشيعنا نباحات‬ ‫الكلب الضالة فلما زاحمتنا تركنا لها الطريق،‬ ‫واستلمنا جوانب الحوائط وجدران فتعثرنا في فضلت‬ ‫وبقايا الطفال والدواب ففاحت روائحها النتنة تزكم‬ ‫أنوفنا، لكننا واصلنا المسير، واسترسلنا في الحديث،‬ ‫وعل صياحنا وتحزبنا، فتركنا مغادرً إلى وجه إمرأته،‬ ‫ا‬ ‫فخرجت إلينا فقرأنا مستقبلنا منحوتاً في سطور تسكن‬ ‫24‬
  • 43. ‫جبهتها، واخرى لم تنطق بها الشفاة، فأعدنا عليه‬ ‫سؤالنا فغادرنا إلى سريره ، وعندما هممنا بالنصراف‬ ‫عادت هي بمفردها تتحدث فينا بلسانها الذي يلوي‬ ‫الكلمات ويبدل كثيرً من معانيها!‬ ‫ا‬ ‫لم نهتم‬ ‫وجلسنا ننظر في وجهها ول يشغلنا كلمها،‬ ‫فلما طلبت منا ابداء آرائنا فيما قالته، تذكرنا أننا كنا‬ ‫مسافرين إليها فلم نعي من اقتراحاتها شيئ ً.‬ ‫ا‬ ‫لم نضطرب‬ ‫ولم نخجل أيض ً ونحن نقول لها افعلي ما شئت،‬ ‫ا‬ ‫يكفي أنك قرينة قريبنا، وتكفينا ابتسامة وجهك‬ ‫الجميل!‬ ‫٨٠٠٢/٩/١م‬ ‫34‬
  • 44. ‫برد الشمال‬ ‫قال لي إنـه قبـض "الرصـافة " فـي عينيـه، وأسـكن‬ ‫” بعــل" و "عشتروت" شقتــي قلبــه وهــو يغادر تحــت‬ ‫جنح الليل ل يدري إلى أين ؟!‬ ‫وقال لي إن ليل شتائه طال زمنه، فلما استيقظ على‬ ‫لسعات برد الشمال بكى الدفء في أرض " علي ”،‬ ‫وأسال الدم غزيرً وهو ينعي ”الحسنين ”.‬ ‫ا‬ ‫وقال لي إن نظافة شوارعهم، ونقاء هوائهم،‬ ‫وامتداد شواطئهم البهيجة، ولمعان أجسادهم،‬ ‫وألسنتهم المتدفقة بلغات تعثر وهو يحصل إحداها‬ ‫أثناء دراسته الثانوية أعادته إلى بابل بأساطيرها‬ ‫وعراك آلهتها التي جرت أحداثها في الهواز تارة،‬ ‫وفي الفضاء تارة أخرى، وإلى "آشور" بفنها وعمارة‬ ‫عاصمتها، وتعدد "زقوراتها"، مثلما أعادته إلى "‬ ‫44‬
  • 45. ‫سومر " بخطوطها وحروفها المحفورة على أجساد كل‬ ‫الرباب!.‬ ‫وقال لي إن تدفق نسائهم على جسده المعجون من‬ ‫طين "دجلة " والمروي بماء " الفرات " لم ينسه‬ ‫لحظات العشق المسروق في أزقة وشوارع عاصمة‬ ‫الرشيد، ول عرق البلح المعتق خمرً في حانات "‬ ‫ا‬ ‫البصرة " ذات الصوات العالية ومعارك كلمها التي‬ ‫تشبه حروب اللهة في ” أور " القديمة.‬ ‫وقال لي وقد انسحب وجهه فاستطال مثل وجه‬ ‫"السياب"، واستيقظت عينيه فصارت مثل عيني‬ ‫"البياتي" إنه ظل يبحث طوي ً كيف أن النهرين أتيا‬ ‫ل‬ ‫متفرقين، وكيف أنهما كلما تقاربا عادا وابتعدا فظل‬ ‫على حالهما حتى جمعهما في سلم " شط العرب ”،‬ ‫فلما سكنا إليه استراح هو من عنائه معهما، فاختبأت‬ ‫في عذوبته زواحف كثيرة، وطاردت قاصديه أفاع‬ ‫الساطير القديمة، وترعرعت على جانبيه أحراش‬ ‫مخيفة فرمى بخيره كله في البحر الجاج.‬ ‫54‬
  • 46. ‫ا‬ ‫وقال لي إنه ما أتى هذه البلدة الحدوديـة زائـرً‬ ‫إل ليستنشق بعض ً من هواء دجلة، ويتنسم ببعض‬ ‫ا‬ ‫عبير " الفرات " الذي ربما أتى به نازح يسـكن‬ ‫العراق كامل هيئته، فيأس من طول النتظار فأقام على‬ ‫الحدود خيمته!.‬ ‫وقال لي إنه لما استبد به الشوق وأرقه العشق‬ ‫رفع إلى "حمورابي " مظلمته فغضب عليه لما‬ ‫عطله عن جهاده، فعاد إليه متأسف ً، فاستنكر سلبيته،‬ ‫ا‬ ‫فعاد معتذرً فقبله وعمده فارس ً وضمه إلى فيلقه.‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫وقال لي إن النعاس غلبه فتخلف عن عدل ربه‬ ‫فاستيقظ على وجوه من هاجر إليهم يسكنون بيته،‬ ‫ويسدون عليه منافذ بصره، فتهلل لرؤيتهم، وقام‬ ‫يبارك قدومهم، فأمنوه على حياته إن هو جاءهم‬ ‫برأس " جلجاميش " ذلك الطائش الذي يدعي‬ ‫البطولة، وسرقة ألواح " حمورابي " ذلك الذي يدعي‬ ‫العدل.‬ ‫64‬
  • 47. ‫وقال لي إنه ما أن سمع منهم ذلك إل وارتعش،‬ ‫ثم انتفض زاعق ً فسقطت عن عينيه غشاوة، وانطلق‬ ‫ا‬ ‫" جلجاميش " بطل مغـوار‬ ‫لسانه فأخبرهم أن‬ ‫تطول قامته فتلمس السحاب، وتبطش يده بطش‬ ‫العواصف والنواء، فعادوا يذكرونه بما كان منه في‬ ‫حقه، وطرد سدنته له خارج هيكله، وكيف اضطهده‬ ‫" حمورابي " لما شكاه في مجمع الرباب، فلم يسلم‬ ‫من تسلطه عليه إل بالهرب.‬ ‫وقال لي إنه أخبرهم بعد أن أفلت من قبضتهم‬ ‫إنه كان مخطئ ً لما ترك بلده وكان الجدر به أن يجأر‬ ‫ا‬ ‫بعلته ويصر على حقه، ول يجبن فيهجر الوطن.‬ ‫وقال لي إنه في تلك اللحظة حلت قوة "‬ ‫جلجاميش " فيه، وسكن عدل ”حمورابي" قلبه،‬ ‫فامتل ثقة وهو يقف قبالتهم مواجه ً، وكلما صوبوا‬ ‫ا‬ ‫عليه قام من وسط الركام يصيح فيهم مزمجراً أن‬ ‫عودوا إلى دياركم قبل أن تبادوا وتبقر بطونكم كلب‬ ‫البراري.‬ ‫74‬
  • 48. ‫وقال لي إنهم لما أعادوا التصويب حبلت الرض من‬ ‫دمه، وكلما صوبوا عليه تضاعف نسله، فأعاد توزيع‬ ‫سراياه حتى هبت الرض كلها تجاهد هؤلء الذين‬ ‫دخلوا دون أن يدعوهم أحد، ومدوا أيديهم دون أن‬ ‫يستأذنوا.‬ ‫كان آخر عهد لديكنا بالفحولة قبل ذلك اليوم الذي‬ ‫تورمت فيه قدماه وصارت كفاه بأصابعها تشبه رغيف‬ ‫خبز عفن، يومها ظننا أن اتساخ ً طال قدميه لكننا‬ ‫ا‬ ‫اكتشفنا مرضها فتركناه عله يشفى لكن المرض امتد‬ ‫من القدمين إلى الساقين فتورما، وصار وجوده بين‬ ‫دجاجاته يثير الشفقة، فلما اشتاقت دجاجاتنا لمن‬ ‫يكسرهن ولم يجدن تبادلت بعضهن المهمة وتطوعن‬ ‫باعتلء ظهور الخريات، ثم بدأن في الصياح مثل‬ ‫الديكة، ثم طالت أعرافهن واتخذن هيئة الذكور، فكف‬ ‫84‬
  • 49. ‫ديكنا عن الوقوف بينهن وانزوى عنهن يدفن نفسه‬ ‫في أواني الطعام فتضاعف حجمه مرات كثيرة وصار‬ ‫ليقوى على الوقوف كثيرً، وتجرأت عليه الدجاجات‬ ‫ا‬ ‫المسترجلة واعتادت أن تعتلي ظهره تريد مواقعته،‬ ‫وكن عندما يستبد بهن شبقهن ينقرن رأسه حتى يسيل‬ ‫منها الدم وهو مكتوف الحركة ل يقوى على صدهن‬ ‫أو إيقاف تطاولهن، كنت مهتماً لكنني وجدت متعتي‬ ‫في التغاضي وصرت استمتع بما يدور فغي الحظيرة،‬ ‫تعاقبت اليام والدجاج المتدايك يسبغ على نفسه‬ ‫صفات الفحولة، بينما الفحل يرقد معط ً.‬ ‫ل‬ ‫ذات صباح هبطت حظيرتنا دجاجة غريبة،‬ ‫اعتقدت في البداية أنها لفرط فتوتها وشبابها سوف‬ ‫تفعل مثل الخريات، لكنها تجنبتهن، ولما حاولن‬ ‫اليقاع بها بغية أن يطؤوها وقفت في وجوههن‬ ‫مستنكرة ذلم الفعل القبيح والغريب فابتعدن عنها ولم‬ ‫تسلم من مضايقتهن عندما تجري مثلهن باتجاه الكل‬ ‫أو الماء، واختارت في منفاها أن تلزم الديك‬ ‫94‬
  • 50. ‫المريض، ظننت أنها ربما تواسيه أو تحاول اتنفار‬ ‫عزيمته، ولم أدر أي دواء وصفته له لنه بعد أيام‬ ‫قليلة في التعافي، وبعد أن تعافى قام، وبعد أن قام‬ ‫مشى، وبعد أن مشى سار باتجاه المأكل والمشرب‬ ‫والدجاجة الوافدة إلى جواره.‬ ‫كانت ل تفارقه حتى استعاد كامل قوته، تلشى‬ ‫الورم، وعاد الصوت حتى انتبهت ذات يوم على‬ ‫صياحه، هرولت باتجاه الحظيرة وكان المشهد مغايرً،‬ ‫ا‬ ‫كانت حرب ً بين الديك ووليفته في جبهة والمتدايكات‬ ‫ا‬ ‫في جبهة أخرى بينما المجموعة المحايدة تقف بجوار‬ ‫الحائط في انتظار النضمام إلى الفريق المنتصر، كن‬ ‫كثرة وكان هو قلة لكنه ثبت في مواجهتهن وبادل‬ ‫نقرهن بنقرهن، طالت المعركة لنهن وزعن الدوار‬ ‫بينهن فلما وقعت الولى تبعتها الثانية ولما أمسك‬ ‫بمنقاره الثالثة لم يشأ أن يعجزها مثل الخرتين بل‬ ‫قصد أن ينيخها فلما استعصت عليه مال برأسها إلى‬ ‫التراب فعفره فلما حال الغبار دون رؤيته أناخت له‬ ‫05‬
  • 51. ‫نفسها فاعتلها، ولما حاولت الخريات مهاجمته في‬ ‫لحظة ضعفه انقضت عليهن الدجاجة الغريبة، فلما‬ ‫انتهى هبط ينفض ريشه ويتباهى بجناحيه، فمد رأسه‬ ‫لعلى وعاود الصياح ولما انتهى جرت كل الدجاجات‬ ‫ناحيته وأنخن أنفسهن تحت قدميه طائعات،‬ ‫فتكررصياحه بعد كل كواقعة.‬ ‫في ذلكاليوم البعيد انكمشت أعراف تلك الدجاجات‬ ‫التي تدايكت، واختفت من الحظيرة الدجاجة الوافدة.‬ ‫على الطرف تجلس إيزيس كعادتها، وعلى الطرف‬ ‫الخر أجلس أنا، تتقلص المسافة التي تفصل بيننا‬ ‫فأضمها، وعندما تنتهي المحاضرة يهبط كل منا من‬ ‫ناحية!‬ ‫15‬
  • 52. ‫أبكر في اليوم التالي وأحتل مكانها وأنا أنتظر‬ ‫وصولها لفسح لها، وعندما تبدأ المحاضرة أجدها‬ ‫تجلس مكاني على الطرف الخر!‬ ‫أقترب منها فتقترب مني، أقرأ لها من أشعاري‬ ‫فتحكي لي من أسطورتها، أبثها وجدي وهيامي‬ ‫فتصرخ في وجهي وهي تنبهني إلى مكائد ست‬ ‫وعصبته.‬ ‫أقول لها إنني بالفعل أوزيريس، لكنها قب ً لم‬ ‫ل‬ ‫تلتقني، ول فعل بي من حكت عنهم شيئاً فتخرج من‬ ‫حقيبتها ملبسي الملطخة بالدماء، انهش مما أراه‬ ‫وأعود أفتش ي ذاكرتي عما تحكيه فل أعثر على أي‬ ‫أثر له..، أعودها القول فأقول لها إنني ل أتذكر مما‬ ‫تقوله شيئ ً، وإنها المرة الولى التي ألتقيها فلم أكن‬ ‫ا‬ ‫أعرفها من قبل، أحاول أن أثبت لها وأدلها على‬ ‫عنواني وأهلي الذين نشأت بينهم، أعطيها العنوان كي‬ ‫تستكشف المر بنفسها وتحققه، فتقول لي لقد بالغ‬ ‫ست في إيذائك عندما مزق بدنك إلى أجزاء كثيرة،‬ ‫25‬
  • 53. ‫ورمى بكل جزء في مقاطعة من مقاطعات مصر‬ ‫العديدة، وأن النهر جرف أجزاء منها ورمى بها في‬ ‫البحر الكبير، وأنها ذاقت المرار وعاشت الهوان وهي‬ ‫تلملم أشلئي من هنا وهناك، وأنها من بعد أن أعادت‬ ‫تشكيلي حملت مني، وأن ست وعصبته لما علموا بما‬ ‫فعلته أعادوا الغارة عليها، وأنهم أخذوني منها‬ ‫معهم، وأنهم لم يستطيعوا تقطيع أوصالي مثل المرة‬ ‫السابقة لنها حمتني من مديهم بطلسم معقدة وأنهم‬ ‫لما حاولوا مرارً تقطيع الجثة فشلوا فما كان منهم إل‬ ‫ا‬ ‫أن تخلصوا مني من جديد فرموا بي في الصحاري‬ ‫ليتفرق لحمي بين السباع والوحوش.‬ ‫وتقول إنها استطاعت أن تأخذني من جديد لكن‬ ‫ي‬ ‫معجزة سحرها كانت قد فقدتها فلم تستطع أن تنفخ ف ّ‬ ‫كي أعود وتدب الحياة في أوصالي، وأنها ابتهلت‬ ‫كثيراً إلى رع وارتمت مرات تحت قدميه تقبلهما‬ ‫ترجوه أن يعيدني إلى صورتي وينفخ بالحياة في‬ ‫35‬
  • 54. ‫جثتي، لكن رع لم يستجب لها كما كانت تتوقع‬ ‫وتتمنى، كانوا قد أوغروا صدره ضدها فمال إلى‬ ‫رأيهم وسكن بالقرب من معسكرهم، فما كان منها إل‬ ‫أن أسكرته ولما غاب عن الوعي باح لها باسمه‬ ‫العظم الذي ل يعلمه سواه، فتعاملت هي بسر السم‬ ‫مع أشياء كثيرة واستطاعت أن تعيدني للحياة، لكنها‬ ‫فشلت في أن تعيد لي ذاكرتي، وأن رع لما علم‬ ‫بمؤامرتها سد فرجها وأما ابننا الوحيد، وأنها لما نالنا‬ ‫كل هذا الذى وكانت تعلم أن لديه المزيد فرت من‬ ‫وجهه هائمة تبحث عني في الصحاري والجبال،‬ ‫وتقول أنها نزلت سفوح ً وسارت بين وهاد موحشة‬ ‫ا‬ ‫حتى وجدتني أسفل جزع شجرة جميز فاختبأت هي في‬ ‫الشجرة خشية الوحوش واستطاعت أن تتحد بها‬ ‫فابتاعتنا سوي ً، فلما كان الربيع وضعتنا الشجرة‬ ‫ا‬ ‫فخرجنا منها نبحث عما يواري عرينا لكننا في سعينا‬ ‫تهنا عن بعضينا حتى جمعتنا تلك الجامعة العتيقة.‬ ‫45‬
  • 55. ‫قلت لها أنا ل أتذكر شيئ ً، قد أكون كما تقولين‬ ‫ا‬ ‫فاقد للذاكرة، وأنا ل أنكر ما تقولين، قالت كل الذين‬ ‫من حولنا وغيرهم يعرفون قصتنا، اسألهم وهم‬ ‫يخبرونك أن كنت ل تصدق، فقط أنظر لشيائك‬ ‫وملبسك الملطخة بالدماء حتى تتذكر.‬ ‫قلت لها: ولكن ست يحسن إلي ويبالغ وابناه في‬ ‫تدليلي، وإني قد أصغر أبناءه ومن أجل ذلك دعوته‬ ‫أبي مثل أبنائه الذين هم إخوتي!‬ ‫قالت عد فاسأله عن إيزيس وعن حورس وعنك‬ ‫أنت يا أوزيريس، وعندما يذكرنا فسوف يكون ذلك‬ ‫اعتراف ً بوجودنا الذي ل تعلمه.‬ ‫ا‬ ‫تناولت منها قميصي القديم ارتديته، كان يحمل‬ ‫رائحة عرقي وتشكل على الفور بتفاصيل جسدي‬ ‫نفسها، وقبل أن أصل إليه كان ست ورهطه يشرعون‬ ‫في وجهي سهامهم، تواريت منهم لكنهم تبعوني،‬ ‫ناولتني إيزيس أسلحتي فعدت إليهم ولما رأوني فروا،‬ ‫ولما فروا أعدت فتح كتابي، كنا نقرأ سوي ً، إنا اقرأ‬ ‫ا‬ ‫55‬
  • 56. ‫وهي تفسر، هي تقرأ وأنا أفسر، انتبهنا على كل‬ ‫أساتذة الكلية كانوا يقفون قبالتنا وتحوطنا جميع ً أعداد‬ ‫ا‬ ‫ل حصر لها من الطلب، وقفنا، كان يعترينا شيء من‬ ‫خجل مما نحن فيه، وعندما رفعنا رأسينا ضجت‬ ‫أرجاء المكان بالتصفيق.‬ ‫_______‬ ‫مايو ٩٠٠٢‬ ‫65‬
  • 57. ‫الشاب الذي كان يجلس مع فتاته على المنضدة‬ ‫في أقصى اليسار كان يجلس تائه ً ونظراته كانت‬ ‫ا‬ ‫تبدو شاردة، والفتاة التي كانت تتعامد معه على‬ ‫المنضدة نفسـها كانت تجلس منكسـة الرأس مكسـورة‬ ‫وعيناها دامعة وزائغة، بينما كوبا الليمون ظل على‬ ‫حالتهما لم يمسـا من أي منهما ، فحامت من حوليهما‬ ‫أعداد من ذباب أسود كان طنينها مسموعاً وهي تمر‬ ‫بجانب أذنيهما ثم تأخذ طريقها لتستقر متزاحمة على‬ ‫حافة الكوبين.‬ ‫في الناحية اليمنى من ذلك " الكافي شوب "‬ ‫كانت تجلس سيدة ل يبدو من فرط أناقتها وحيويتها‬ ‫أنها قد تعدت العقد الخامس من عمرها، فبدت‬ ‫كعروس أعدت نفسها لستقبال عريسها، وكان ما زال‬ ‫أمامها " شوب " القهوة وبجواره علبة سجائر‬ ‫مستوردة تعلوها ولعة ربما كانت ذهبية، بينما‬ ‫حقيبتها الجلدية الفاخرة تقف مثل كلب حراسة يقظ‬ ‫على طرف المائدة.‬ ‫75‬
  • 58. ‫بدت مطمئنة واثقة حتى وإن نفثت دخان‬ ‫سيجارتها بكثافة تصنع به غللة حول وجهها، وبين‬ ‫الحين والخر كانت تمد شفاهها لترشف بنهم من "‬ ‫شوب " القهوة الذي يتسع جوفه لعدد ل أستطيع‬ ‫تقديره من الفناجين في الحالت المشابهة، أما عيناها‬ ‫فكانت مثل عيني ثعلب يستطلع الجواء بحث ً عن‬ ‫ا‬ ‫فريسة ترضي ذكاءه وتمل جوفه الذي ل يشبع أبدً.‬ ‫ا‬ ‫في اللحظة التي مدت فيها يدها لترفع الكوب‬ ‫من جديد كانت عيناها قد التقت بعينه هناك، في‬ ‫البداية خفض نظره ونكس رأسه، لكنه بقصد أو ربما‬ ‫بدونه نظر من جديد ناحيتها فوجدها مازالت على‬ ‫نظرتها وأحس أيض ً بتشجيع في ابتسامتها، فخفض‬ ‫ا‬ ‫رأسه من جديد وهو ينظر لفتاته، كانت ما زالت‬ ‫منكسة الرأس حتى بعد أن سقطت ذبابتان في كوبها!،‬ ‫لم يهتم بالمر وعاود رفع رأسه والنظر في الناحية‬ ‫الخرى، كانت السيدة ما زالت تنظر باتجاهه‬ ‫وابتسامتها قد اتسعت عن سابقاتها، فابتسم مرتبكاً‬ ‫85‬
  • 59. ‫فغمزت له بعينها اليسرى، فلما لم يتحرك من مكانه‬ ‫أشارت له بيدها أن يأتيها فلما قام من مكانه سابقته‬ ‫هي باتجاه " التواليت " وفي اللحظة تلك كانت فتاته‬ ‫تحيط وجهها بكلتا يديها فلم تعطله ولم تسأله، ولم‬ ‫يرغب هو الخر أن يخبرها عن وجهته.‬ ‫95‬
  • 60. ‫كان خلط حوض الحمام قد أبى أن ينغلق، فانهمر‬ ‫الماء بكل قوته فاضطربت لما باءت محاولتي لغلقه‬ ‫بالفشل، لكنني اهتديت إلى المحبس العمومي وعدت‬ ‫من جديد إلى المحبس حتى مللته فاتجهت إلى خلط‬ ‫الدش فلم أستطع فتحه، ولما تأكدت هزيمتي أمام‬ ‫صلبته تركته إلى حوض المطبخ، أدرت مقبض‬ ‫الخلط فأطاعني، ولما أردت إعادته للوضع مغلق ً فعل‬ ‫ا‬ ‫مثل خلط الحمام، فخفت إن عادت زوجتي وأنا‬ ‫بالخارج أن تمتد يدها إلى المحبس فتغرق الشقة،‬ ‫فقبضت على المحبس ونزلت أبحث عن سباك!‬ ‫أعياني السؤال وأنا أبحث عن واحد منهم حيث‬ ‫اعتادوا الجلوس على الرصفة أو في الجزر وسط‬ ‫الشوارع، فاتجهت إلى المقهى وأنا أتعجب من أمر‬ ‫هؤلء " الصنايعية " الذين يشكون قلة العمل‬ ‫ويبالغون في أجورهم مبالغة شديدة، لكن صبي القهوة‬ ‫دلني على عجوز يجلس بمفرده قائ ً لي باطمئنان‬ ‫ل‬ ‫06‬
  • 61. ‫يمكنك الستعانة به، ولما لمح الندهاش على وجهي‬ ‫طمأنني بقوله هو السطى الكبير الذي تعلموا على‬ ‫يديه، لكنهم سبقوه بعد أن اعتلت صحته، لكنه ما يزال‬ ‫يجاهد من أجل لقمته، فقلت لنفسي ل يضر فإن فشل‬ ‫أعدته إلى جلسته.‬ ‫على باب الشقة فقدت نصف المفتاح وأنا أديره،‬ ‫لكنني واريت تبرمي وأنا أتجه به ناحية الحمام، فقال‬ ‫لي وهو يجرب عدته البسيطة: قد يكون الصدأ هو‬ ‫الذي جعله هكذا، ثم نظر لي بأسى وهو يقول: لماذا ل‬ ‫تنظفون الصنابير وتغسلونها أو ً بأول؟، أطرقت‬ ‫ل‬ ‫متحرج ً فعاد يسألني عن قليل من زيت الطعام مع ليفة‬ ‫ا‬ ‫مواعين، فقلت له هل سيصلح الصنبور أم أنه في‬ ‫حاجة إلى تغيير؟، فقال بهدوء: انتظر!‬ ‫كانت يده اليمنى تغسل الصنبور بالزيت،‬ ‫والخرى تقبض عليه بمفتاح كبير ويحاول تحريكه‬ ‫بهدوء حتى استطاع أن يصنع مجا ً لعجلة الصنبور‬ ‫ل‬ ‫سرعان ما اتسع ووصل به إلى نهايته، كرر الفتح‬ ‫16‬
  • 62. ‫والغلق أكثر من مرة ولما اطمئن غسله فبرق فقام إلى‬ ‫زميليه، كان يلهث والعرق الشحيح يتفصد من جبهته‬ ‫ويتبلور على عروق ساعديه النافرة، حتى برقا مثل‬ ‫بريقهما يوم أتيت بهما، فقال لي ناصحا: لبد من‬ ‫ً‬ ‫غسلها وعدم تركها حتى ل تصدأ ويتكلس عليها‬ ‫صدؤها فتبلى.‬ ‫أشرت عليه بالجلوس لكن كرسي السفرة انفرجت‬ ‫رجله وأصدر طرقعة انتبه لها الرجل فقام قبل أن‬ ‫يسقط أرض ً وهو يقول: تلزمك صيانة عفشك أيض ً،‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ولما رفع رأسه ورأى الجدران الكالحة سألني‬ ‫مستفهماً هل كنت في سفر طويل؟‬ ‫لم أرد فل أنا سافرت، ول دخل شقتي من قبل‬ ‫سباك أو نجار ول نقاش لكنني سألته عن قيمة أجرته‬ ‫فاتجه دون أن يرد ناحية الستارة وهو يقول: لماذا‬ ‫تحجب ضوء الشمس ونحن في عز النهار، ومد يده‬ ‫وسحب الستارة، فسقطت بحاملها لكنه استطاع أن‬ ‫يقي رأسه فلفته غللة من تراب قديم فجريت باتجاهه‬ ‫26‬
  • 63. ‫فنظر لي مبتسماً والتراب يسكن وجهه قائل: " جات‬ ‫ً‬ ‫سليمة " ثم ابتدأ يسعل ومثله فعلت أنا الخر حتى‬ ‫كادت عيوننا تغادر أماكنها، فقال بعد أن غسل وجهه‬ ‫ونظف أنفه، ل تسكن الشقة إل بعد صيانتها، فنظرت‬ ‫له مبتسماً وأنا أقول: إن شاء ال سأفعل عندما‬ ‫أصرف المعاش، فنظر في وجهي محدق ً وهو يقول:‬ ‫ا‬ ‫كيف تقول المعاش وأنت ما زلت كما أراك صغيرً، لم‬ ‫ا‬ ‫أشأ أن أرد عليه، لكنني قلت لنفسي: لن أفاصله فيما‬ ‫سيطلب من أجر، فأعدت سؤالي عليه، لكنه تركني‬ ‫ومضى، مضيت خلفه لستوقفه، فتوقف يسألني: متى‬ ‫تصرف معاشك؟، قلت له بعد بضعة أيام، فقال إذن‬ ‫موعدنا يوم الصرف!، تعجبت منه ومن منطقه فعدت‬ ‫أسأله، لكنه تركني ومضى ناحسية الباب، فعدت ألح‬ ‫عليه ففتح الباب فارتبك لما رآها، قلت له زوجتي، قال‬ ‫ل تنس أن توصيها بغسل الصنابير أو ً بأول، لكنني‬ ‫ل‬ ‫لمحت يد زوجتي مشدودة في جبس إلى عنقها، قلت‬ ‫له وأنا مرتبك من منظر زوجتي: لن تغادر قبل أن‬ ‫36‬
  • 64. ‫تأخذ أجرك، فقال ألم أقل لك موعدنا يوم الصرف!‬ ‫قال لي ذلك ثم أدار وجهه ومضى ببطء في اتجاه‬ ‫الشارع، كان ظهره محني ً، وملبسه كالحة ومهترئة، مضى‬ ‫ا‬ ‫ودخلت زوجتي ودخلت خلفها، كنت أردد في نفسي كلمات‬ ‫الحمد أن حادث زوجتي وقع بعيدً عن الشقه، فكل ما في‬ ‫ا‬ ‫البيت من نقود لن تفي ثمن الجبس والطبيب والعلج الذي‬ ‫وضعته على تسريحة غرفة النوم.‬ ‫إنه اليوم الثالث من السبوع الثاني .........‬ ‫لبد لمرؤوسيك أن يهابوك، ولبد من حاجز يصد من‬ ‫جرأتهم ومزاحمتهم .....، ولبد للسنتهم أن تعود فل‬ ‫تتبدى أو تنبري إل بمقدار!‬ ‫أقرأ في عيونهم معان كثيرة .....‬ ‫حسد وكثير من الستهجان!‬ ‫: لماذا يستكثرون عل ّ منصبي؟، أسأل نفسي؟!‬ ‫ي‬ ‫46‬
  • 65. ‫: هل كان من المفروض أن أكون مثلهم مرتفعة‬ ‫الصوت، منفلتة الحنجرة، وأبدي دونما وعي رأي ً في‬ ‫ا‬ ‫كل شيء حتى أكون جديرة بما أصابني دونهم ؟!‬ ‫معذورون!!!!‬ ‫إنها الحادية عشرة من النهار نفسه...‬ ‫يستدعيني معاليه، أطبع تعليماته في ذاكرتي وأخرج‬ ‫من عنده مؤمنة على ما ارتأى، وأعود إلى مكتبي‬ ‫مسرعة...، ل أطيق المكوث هناك كثيرً منذ ودعت‬ ‫ا‬ ‫مكتبي وسط سكرتاريته الذين تميزت عليهم بشهادتي‬ ‫العليا التي أضاعت من سنوات خبرتي لكنها عادت‬ ‫فدفعتني إلى مستوى الكبار‬ ‫استدعيه لستشيره فيدخل واثق ً، آمره فيرد علي‬ ‫ا‬ ‫موضحاً ومبرهن ً، أشعر بضآلتي رغم مركزي، أشعر‬ ‫ا‬ ‫أنه يتعمد إحراجي، أخرج عن طوري الذي أسرت‬ ‫نفسي فيه طوي ً فيتعالى صوته مصحح ً، وعندما‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫أزعق فيه يغادرني بل استئذان، فيدخلون عل ّ مهدئين‬ ‫ي‬ ‫56‬
  • 66. ‫وهازئين به ومن أفكاره، فأعيد تكليفهم بماكنت أنوي‬ ‫تكليفه به فتتلوى أقدامهم حول سيقانهم!.‬ ‫يستعجلني معاليه فأطلب منه أن يمهلني، أزعق‬ ‫فيهم فيتلكأوون، أسبهم فيتضاءلون، أزهد فيهم فأعود‬ ‫أسأل عليه فأعلم إنه في إجازة، أسأل عن رقمه‬ ‫فأكتشف أنه مجهول العنوان، يعود معاليه يستدعيني‬ ‫أدخل عليه خالية الوفاض، يزعق ف ّ، أقف مطرقة،‬ ‫ي‬ ‫يعيد طلب ما أمرني به فأجثو راجيةً مهلة، يدير وجهه‬ ‫ممتعضاً ويجري مكالمات من تليفوناته الكثيرة،‬ ‫وعندما أفيق من وقفتي الطويلة أجدني مرة أخرى‬ ‫ضمن طاقم سكرتارية معاليه!،كنت ما زلت في سنتي‬ ‫الولى من التعليم الجامعي المفتوح، وكان زميلي الذي‬ ‫رأسته دائم الكلم والفتوى، وكنا جميع ً نعود إليه إذا‬ ‫ا‬ ‫استعصى علينا أمرً من أمور العمل، ومع اليام‬ ‫ا‬ ‫اكتشفنا فيه مواهب حياتية كثيرة، كنت أتعمد في‬ ‫مرات عديدة أل أسأله لكنني رغم ً عني كنت أعود‬ ‫ا‬ ‫إليه لما يفشل الخرون، مضى وقت ل أعلم مقداره‬ ‫66‬
  • 67. ‫فإذا به واقف أمامي يثني على أوان مظهري!، ارتبكت‬ ‫وأنا أشكره، لكنني تعجبت من نفسي وما ذهبت إليه‬ ‫واستفهمتها: هل ما كنت فيه كان غفوة أم أنه كان‬ ‫حلم يقظة يسكن منطقة ما من عقلي الباطن؟!‬ ‫٨٠٠٢/١١/٥٢‬ ‫برج بابل‬ ‫تعجبت من سعيه إليها، وركوبه البحار بغية أن‬ ‫يطأها..!، قالت ووهي تعدل من هندامه وتنثر العطور‬ ‫خلف أذنيه: لو انتظرت قلي ً كنت تراني عندك في‬ ‫ل‬ ‫مخدعك، وفي كل بيتك، وعن يمينك، وعن كل‬ ‫!شمائلك‬ ‫أعادت وهي تتغنج بصوتها، وتقرأ انبهاره‬ ‫بمفاتنها: أملك من السرار مال تتوقعه، وأصل إلي‬ ‫76‬
  • 68. ‫.حيث أريد بما ل تتخيله‬ ‫قال وقد زادت حيرته، وأسال اندهاشه لعاب فمه:‬ ‫إن المل قد طالت ألسنتهم، وتحدثت أفواههم بما ل‬ ‫أفهم، وزاد من حيرتي أنهم ل يفقهون صياحات‬ ‫بعضهم، ورغم قبضتي وسيطرتي وفتكي تتوالد‬ ‫أصوات تسخر من جاهي وقدرتي، وكلما أوغلت في‬ ‫قسوتي لخراس ما أتخيل أنه يمسني أرق طنينهم‬ ‫.!سكينتي‬ ‫قالت: ل تقلق، أستطيع بك تأديبهم هم ومن يقفون‬ ‫خلفهم، ثم استدركت متساءلة ومتعجبة: لكنك تفهم‬ ‫.!لساني وأنا أنطق بغير ما تنطق‬ ‫!قال: القوياء دائم ً يفقهون لغات بعضهم‬ ‫ا‬ ‫استنكرت ملمحها قوله وهي تقرأه من أعله إلي‬ ‫أسفله، فانطبعت على‬ ‫ذاكرته كلمات مأثورة في هيئة حكمة ل يدري زمنها،‬ ‫ول يتذكر من قالها‬ ‫أو متي قرأها، فقرأتها هي له فانتفض منزعجا: لكنني‬ ‫ً‬ ‫86‬
  • 69. ‫!لست ضعيف ً ول مغلوب ً؟‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫قالت الحكمة تقول ....، قال الحكمة تقول: المغلوب‬ ‫!...مولع أبدُ بتقليد الغالب‬ ‫ا‬ ‫ابتسمت: ساءل نفسك وأجب: لماذا أنت هنا؟! وكيف‬ ‫استطعت أن أقرأ مكنون سريرتك؟! ومن قبل كيف‬ ‫!استطعت أن أطبع ما رأيت على صفحة ذاكرتك؟‬ ‫***‬ ‫قالت له كتيبته : الن قد ارتفع في العل برجنا،‬ ‫وخاضت قمته في السحاب وتجاوزته حتى لنظن أنه‬ ‫كاد أن يلمس وجه السماء، وها نحن وقد أخضعنا‬ ‫بمقامعنا معارضينا نستطيع رؤية المجاهل، وامتلك‬ ‫!الدنيا، وخطف السرار من مخابئها‬ ‫***‬ ‫عندما انشغلت عنه بغيره ظن أنها تتصنع الدلل‬ ‫عليه، فلما ورد غيرها اكتفت بإهدائه صور خياناته‬ ‫لها! فركبته ثقة أنه رجلها، وبأنها تغار عليه، فقابلت‬ ‫إشاعاته بتحذيره شر انتقامها وبطش أدواتها، وذكرته‬ ‫بسطوتها ورسائلها وبمعضلة الصوات التي ل‬ ‫96‬
  • 70. ‫يفهمها، فأفضته إلي تحديها فوقف يسبها ، ويفضح‬ ‫للجميع لياليه معها، وكلما سب أو حكي ازداد شدقاها‬ ‫ضحك ً واتساع ً وهي تتكئ بمرفقها على برجه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫العجيب، والرض تكاد تمور به خلفها مهتزاً مثل‬ ‫غصن لعبت به رياح يوم عاصف، فغّب شجاعته على‬ ‫ل‬ ‫جبنه مذكرً نفسه أنه ذات ليلة وطأها، حاولت جرها‬ ‫ا‬ ‫من قدميها فأطلقت ضحكة طويلة ساخرة وهي تشوطه‬ ‫في الفضاء ، بينما تطيع يدها الخرى بما أنجزه في‬ ‫.!برجه العجيب‬ ‫أبيض وأسود‬ ‫كانت تشير إلى العاشرة، تأكدت من ساعة يدي‬ ‫ولول ذلكما كنت لصدق أنني نمت حتى تلك الساعة.‬ ‫07‬
  • 71. ‫كانت الشمس غائبة والمدى تلفه غللة كثيفة من‬ ‫غبار كئيب اللون، وكان جسدى قد بدأت تتفصد من‬ ‫مسامه المتعبة قطرات عرق تكاثرت بسرعة وتكثفت‬ ‫حتى بللت قميصي العتيق فتضاعف إحساسي بالحر.‬ ‫كانت ضاحية ٦ أكتوبر تبدو هادئة أكثر من‬ ‫هدوئها المعتاد، وبدا أن اليوم يدل على نفسه وأنه‬ ‫بالفعل يوم إجازة رسمية بعد أن فرغ من مظاهره منذ‬ ‫اغتيل السادات، واكتفاء خليفته بكلمة قصيرة تذكر‬ ‫بالمناسبة حتى وإن وجهها إلى المة مسجلة في يوم‬ ‫يسبق عادة يوم المناسبة.‬ ‫أتذكر أن التوجيه بإنشاء المدينة الضاحية كان قد‬ ‫أعقب سنوات الحرب الولى، لكن التنفيذ تلكأ كثيراً‬ ‫حتى بدأت مساكنها تبدو للنور في أواخر التسعينيات ،‬ ‫فامتلك معظم أراضيها أثرياء لم نسمع بهم من قبل‬ ‫وشاركهم على استحياء البعض ممن عادوا من الخليج‬ ‫بأثمان غربتهم ، واكتفت الدولة بإنشاء بعض الوحدات‬ ‫التي تغير اسمها من الشعبية إلى القتصادية والتي‬ ‫17‬