‫من اللمبي إلى توشكى في "ثكلمني شكرا"، يسككتمر صككعود "أبطككال العشككوائيات" ليصككبحوا الموضككوع الثكككثر‬
‫إثارة للضحك في الدراما الجماهيرية المفضلة للطبقة الوسطى، التي أصبح أحد أشكال المزاح المفضلة لبنائهككا‬
‫هي تبني طريقة هؤلء "البطال" في الكلم ورؤية الشياء. هل هو تصالح بين الطبقككات أم تكيككف الجميككع مككع‬
                                                                                  ‫"الفوضى" و"العبث" ؟‬

        ‫"أنا عاوز أبقى صايع" هذه الجملة التي قالها صل ح الدين عاشور الذي قام بدوره عل ء ولي الدين في فيلم‬
    ‫"الناظر" الذي تم إنتجه عام 0002 مثلت تحول مهما حدث لعالم الكوميديا في السينما المصرية، وهو ما كان‬
                                                    ‫بدوره ممثل لتحول مماثل حدث للطبقى الوسطى المصرية.‬
‫في الفيلم يعاني صل ح الدين ابن الناظر من وصاية وتسلط أبيه عاشور ناظر المدرسة العريقة التي تملكها العائلة‬
‫وتتوارثها جيل بعد جيل. كان أبوه يريده أن يكون "مؤدبا" و"ناجحا" لكنه فشل في التعليم وبعد أن ورث المدرسة‬
  ‫وجد نفسه فاشل في إدارتها أو في التعامل مع الطلبة وحالة الفوضى التي تعتري المدرسة. وكان تفسيره للفشل‬
     ‫أنه "مؤدب" وبالتالي قليل الحيلة، لذلك يجب أن يكون منحرفا و"صايع". ومن أجل تعلم ذلك لجأ إلى اللمبي،‬
        ‫التلميذ الفاشل سابقا والبلطجي حاليا الذي يسكن حيا عشوائيا. ومن هذه اللحظة تكاد الكوميديا التي تفجرها‬
    ‫الشخصية الثانوية "اللمبي" تطغى على حضور الشخصية الرئيسية أو يشكلن معا ثنائيا عندما يحاول صل ح‬
                                                                     ‫الدين أن يتعلم النحراف محاكيا اللمبي.‬

     ‫كانت هذه اللمحة من السيناريو مجرد مؤشر على تحولت ما في طرق السخرية والمزا ح بين الناس سيطرت‬
  ‫عليها تنويعات "حالة اللمبي"، هو ما يعني ادعا ء حالة هي بين غياب الوعي والحمق، بين البلطجة وقلة الحيلة،‬
 ‫مع محاكاة لوعي الطبقات الشعبية تجاه الفكار والشيا ء الحديثة أو النخبوية أو"الراقية"، والتلعب العبثي باللغة‬
        ‫بشكل يكاد يكون فارغا من الدللة وفيها تقليد لطريقة كلم معينة تميز بعض الفئات من هذه الطبقات. وهي‬
                           ‫الحالت والتنويعات التي أصبحت تعرف في المعجم الشعبي بـ"التهييس" و"الهرتلة".‬
‫وبالتوازي شكل هذا المزاج تيارا داخل الدراما الجماهيرية، ل تقتصر على الفلم التي قام ببطولتها الممثل محمد‬
   ‫سعد وكان اللمبي فيها بطل أو تم استنساخه في أشكال أخرى قريبة، ولكن أيضا امتدت حالة الستعانة بصورة‬
  ‫"بطل العشوائيات" الذي يقدم حالة متوسطة بين العبيط والبلطجي في أعمال كثيرة، سيد سائق الميكروباص في‬
      ‫"تامر وشوقية" وبعض التنويعات في الفلم التي كتبها بلل فضل منها حاحا في "حاحا وتفاحة" وشخصيتا‬
                                 ‫"حشيشة" ثم "توشكى" في فيلمي خالد يوسف "حين ميسرة" و"كلمني شكرا".‬

     ‫واجه هذا النوع من الكوميديا سيل من النتقادات. إما المترفعة عن مناقشة تفاصيله أو التي تناقشها وتصفها‬
 ‫بالنحطاط والسوقية والبتذال والتدني. دفاع صناع هذه الدراما أن هذه الطريقة في الكلم والمزا ح موجودة بين‬
  ‫الناس بل وبين شباب الطبقة الوسطى، ل يعني في نظر الناقدين والمهاجمين إل أن أسلوب الكلم والمزا ح عند‬
 ‫الناس قد أصابه أيضا البتذال والتدني. ولكن ظلت علقة هذه الكوميديا بنمط المزا ح الذي انتشر بقوة بين شباب‬
                   ‫الطبقة الوسطى بعيدا عن التناول مع كل ما يعنيه ذلك من علقة جديدة مختلفة بين الطبقتين.‬
‫من المحاولت القليلة التي تتطرق لذلك ما قدمته الباحثة فيروز كراوية في رسالتها التي نالت عنها الماجستير في‬
        ‫علم الجتماع والنثروبولوجي من الجامعة المريكية والتي تستعد لنشرها قريبا. تناقش الرسالة نموذجي‬
  ‫"اللمبي" و"حين ميسرة" كنموذجين لفلم العشوائيات فيما بعد عام 0002 وترصد علقة الصور التي تقدمها‬
                                                      ‫هذه الفلم بتصورات اجتماعية وأوضاع سياسية معينة.‬

   ‫ترى فيروزأن معظم من أحبوا اللمبي ودفعوا التذاكر في السينما ليحقق الربا ح الهائلة هم أبنا ء الطبقة الوسطى‬
  ‫رغم أنها كوميديا مصنعة بشكل طبقي معين وتصور الطبقة الفقر من سكان العشوائيات. وعلقتهم لها أكثر من‬
                                                             ‫رّ‬
 ‫بعد. أولهم أن كلهما يعيش تحت نظام سياسي استبدادي. وهناك دراسات في علم الجتماع ترصد في دول العالم‬
    ‫الثالث أن النظم الستبدادية طويلة العمر تربطها بشعوبها علقة معقدة، كأنهم طرفان في مركب واحد ل يمكن‬
                   ‫رّ‬
  ‫فصله: " المحكومون يسخرون من السلطة ولكنهم أيضا يشبهونها في كونهم استبداديين في تصورهم لذاتهم التي‬
 ‫تتضخم بشكل مبالغ فيه ومتوهم. مثل اللمبي الذي يقول طوال الوقت بشكل هزلي أن الزلزل ل تؤثر فيه وأن له‬
      ‫في الجبال علمات، ولكنه مغلوب على أمره ومطارد وضعيف أمام الشرطة والبلدية. من جانب ترى الطبقة‬
   ‫الوسطى شيئا من وضعها في هذه الشخصية، ولكن من جانب آخر لن الشخصية تبدو خرافية وقادمة من مكان‬
    ‫خرافي فهي بعيدة عنهم. حتى أبنا ء العشوائيات المتعلمين يرونه بعيدا عنهم. فيمكن للجميع أن يضحك عليه. لو‬
                                           ‫كانت شخصيته قريبة ومشابهة لهم فستخيفهم أو تضايقهم هذه الحالة".‬

                                                                                             ‫عنف السخرية‬
‫ينقل د. شاكر عبد الحميد في كتابه "الفكاهة والضحك" عن جون موريل، العالم المتخصص في دراسات‬
    ‫الضحك، أن سبب الضحك هو التحول السيكولوجي السار المفاجي ء من الشعور بالعجز والنقص إلى الشعور‬
     ‫بالتفوق والتمكن. وفي النظريات الكلسيكية للفكاهة والكوميديا منذ أفلطون وأرسطو أنها مبنية على وجود‬
   ‫طرف أدنى وأقل مكانة أو ذكا ء لنضحك عليه. حتى لو كان مجرد النقص مؤقت مثل أن يتعثر إنسان في قشرة‬
                               ‫موز أو يصطدم بالحائط، وهو ما يقوم به المهرجون في أبسط أشكال الفكاهة .‬

          ‫ترصد فيروز كراوية في دراستها أن ما يسمى "أفلم العشوائيات" بعد عام 0002 قد صور فعل سكان‬
                      ‫رّ‬
‫العشوائيات كالمهرجين :"كأن هناك صخرة وقعت على سكان هذه المناطق فأصبح ساكنها إنسانا مفككا تماما بل‬
‫معنى وبل علقات وبل أمل. هناك أفلم تناولت سكان مناطق شعبية وعشوائية قبل ذلك مثل "الحريف" و"الكيت‬
  ‫كات" و "سارق الفر ح" وكان سكان هذه المناطق شخصيات داخل علقات اجتماعية وعندهم مشاكلهم و أيضا‬
     ‫طموحاتهم وأحلمهم. كانت هناك كوميديا ومفارقات، ولكن في الفلم الجديدة هناك تصوير هزلي فيه تأكيد‬
  ‫لمسافة كبيرة جدا بين هؤل ء وبين المتفرج. والضحك هنا فيه نوع من "العنصرية الطبقية". هو ضحك فيه نوع‬
                                                                                  ‫من ممارسة العنف".‬
 ‫ولذلك ترى فيروز أن هذه النظرة هي أساس قبول الكثيرين لممارسات قمعية أو عدوانية تجاه سكان العشوائيات‬
                        ‫لنهم في الوقات الخرى يصورون على أنهم خطر محتمل وسبب للفوضى في المجتمع.‬
   ‫يمكننا أن نضع هذه الملحظة بجانب ملحظات د.جلل أمين وغيره عن الفجوة التي تزداد اتساعا بين طبقات‬
 ‫المجتمع المصري. ووفق نظريات الفكاهة فكلما ازدادت الفجوة اتساعا كان كل طرف غريب عن الخر ويصبح‬
                                     ‫موضوعا لضحك أكثر حتى لو كان مخيفا ومصدرا للخطر في وقت آخر.‬

   ‫صورة الشي ء الغريب المضحك والمخيف في وقت واحد هي أحد أشكال توليد الفكاهة والسخربة، كما يذكر د.‬
 ‫شاكر عبد الحميد، وهو ما يسمى بالبنية المسخية أو الجروتسكية ‪ .grotesque‬والشخصية المسخية تحتوى على‬
‫ملمح وعناصر قبيحة ومنفرة ولكنها تقدم بشكل هزلي ومضحك. تقول فيروز كراوية أن دراستها التي خصصت‬
 ‫جز ءا منها لطريقة توليد السخرية في الكوميديا أن شخصية اللمبي المنفرة والتي تقوم بأشيا ء منفرة وقبيحة ولكنه‬
       ‫مضحك ظهر مثلها في دول أخرى تمر بأوضاع مشابهة، ففي الكاميرون ظهرت في الثمانينات وسط أزمة‬
‫سياسية واجتماعية كبيرة رسومات كاريكاتيرية أبطالها شخصيات تقوم على الدوام بحركات مقرفة ومنفرة ولكنها‬
                                                                                    ‫تستخدم في إطار هزلي.‬

‫ولكن رغم هذه المسافة المعنوية الكبيرة التي تعطي للضحك معناه، هناك احتكاك وتداخل بين الطبقتين على أكثر‬
 ‫من مستوى. قد يكون التعامل العادي أو أن يكون بعض أبنا ء الطبقات الوسطى صاعدين من طبقات فقيرة تسكن‬
‫الحيا ء العشوائية. ولكن دراسة فيروز كراوية تطر ح أيضا أنه هناك تبادل مصالح حدث في مجتمع تقل فيه قيمة‬
‫القانون: "كلنا نذكر مشهد اللمبي وأمه تودعه أثنا ء ذهابه إلى المدرسة وتقول له: كتبك معاك ومطوتك في جيبك.‬
‫المدرسة لم تعد مدرسة، كما أن القانون لم يعد يسير المجتمع، بل هناك قانون عرفي آخر والطبقات العليا تستخدم‬
                                                         ‫رّ‬
  ‫أسلوب البلطجة أو البلطجية أنفسهم لتسيير أمورها. ومن الطبيعي أن تحدث سيولة بين ثقافات الطبقات والفئات‬
                                                                                              ‫المختلفة".‬

                                                                                           ‫"تهكم وجودي"‬
 ‫في الشركة التي يعمل بها علي عبد الرحيم أحيانا يقف أحدهم ويغير صوته قليل وملمحه وهو يقول "خلص يا‬
    ‫معلمين! زمن الـللـ ... انتهى. ماحدش فاهم حاجة!" ويعلق علي قائل: "مثل أي مكان في مصر تحدث أحيانا‬
    ‫مساخر وأوضاع غير مفهومة. وأعتقد أن هذه الطريقة في السخرية إحدى طرق التعبير عن حالت مفهومة.‬
    ‫الطبقات المطحونة أكثر من غيرها تعبر بشكل مبدع أكثر عن تلك الحالة غير المفهومة التي نعيشها. وعندما‬
     ‫نمز ح ونقلدها ل تكون تلك طريقتنا العادية في المزاج ولكننا نلعب ونمثل هذا الدور. نستخدم تعبيرات سائق‬
                                                 ‫الميكروباص أو الباعة الجائلين أو غيرهم ..أو نقلد اللمبي".‬

‫قد يكون فعل أن التفسير أن في أسلوب المزاج الذي تجسده شخصية اللمبي تعبيرا مميزا مناسبا لمتغيرات جديدة.‬
 ‫ولكن هذا التعبير يصل أحيانا في غرائبيته إلى مجرد لعب باللغة والصوت بدون دللة محددة. جاين لوميل، التي‬
   ‫تعمل في مجال إعداد الترجمة النجليزية لفلم عربية والعكس، بدأت تلحظ هذا النمط من المزاج عندما كان‬
‫عليها أن تترجم مجموعة أفلم كوميدية حديثة منها اللمبي: "عندما أصبح دوري أن أكتب ترجمة محددة ما يقول،‬
  ‫بدأت أحيانا أنتبه إلى أنه ل يقول شيئا محددا يمكن أن يترجم. أو أن الفكاهة تتركز في الكيفيه الغريبة لقوله لي‬
                                                                ‫كلم وشكله وحركاته وليست في الكلم نفسه".‬
   ‫ولكن أحيانا تكون هناك دللة ما للعب باللغة عند النطق الغريب لـ"الكلمات الكبيرة"، في فيلم "اللي بالي بالك"‬
‫عندما يسكن عقل اللمبي في جسد رياض المنفلوطي مدير السجن تتفجر المفارقة وأثنا ء خطابه أمام لجنة حقوق‬
    ‫النسان تتحول عبارة حقوق النسان إلى "حروق النسان"، و"بعد النظر" إلى "ذات نظرة مبعدية" بالضافة‬
    ‫إلى النطق الفكاهي للكلمات الجنبية مثل ‪ . Absolutely‬بالمثل يقوم توشكى بالخلط بين الكلمات الكبيرة التي‬
        ‫تتناثر حول الناس بينما هل بعيدة بالفعل عن خيالهم ونمط حياتهم مثل قوله "تظمهر" التي تخلط "تظاهر"‬
                                                                                                ‫و"تجمهر"‬
‫الفكاهة تتفجر من المحاكاة الساخرة لكل ماهو متعالي. من المصطلحات السياسية أو الثقافية التي يشعر الناس أنها‬
     ‫ل تعنيهم في شي ء أو أن مضمونها غائب عنهم أو من التعبيرات التي تنتمي إلى أسلوب حديث شرائح تتصنع‬
                                                                         ‫"الرقي" باستخدام الكلمات الجنبية.‬
     ‫ترى جاين أن هناك فارقا بين المزاج النقدي وحتى لو كان عبثيا وتضرب مثل بأحد مشاهد فيلم رأفت الميهي‬
        ‫"ست الستات" عندما ينهى المحامي موكله عن استخدام كلمة "حقوق النسان" داخل قسم الشرطة ويعتذر‬
    ‫للضابط بأن موكله ل يعرف أن مثل هذه الكلمات ل تقال داخل أقسام الشرطة وتضيف: " ولكن تحول "حقوق‬
  ‫النسان" إلى "حروق النسان" و"حموم النسان" فيه حالة من الحساس بغرابة هذه القيم والستهزا ء ليس فقط‬
     ‫من غيابها بل منها هي أيضا واعتبارها فارغة من المضمون ول مانع من السخرية منها، وهذا الوعي هو في‬
      ‫الحقيقة وعي كثير من الناس الذين ل مانع عندهم من انتهاك حقوق المجرمين على سبيل المثال إل لو مسهم‬
                                                                                                     ‫ذلك".‬
  ‫قد يكون المر كذلك أو يكون اللعب بقواعد اللغة إشارة إلى أن حالة العبث والسخرية في الواقع قد تجاوزت كل‬
 ‫تعبير يحاول أن يكون ساخرا. فل يجدي معه إل مزا ح يلعب باللغة نفسها ويستحضر أويتصنع حالة من التحامق‬
   ‫أو غياب الوعي وممارسة نوع من التهكم الشامل الذي ل يوجه انتقادا محددا بقدر ما يسخر من الوجود كله. قد‬
  ‫يكون ورا ء ذلك ما ينقله د. شاكر عبد الحميد في كتابه من أن بعض الفلسفة يرون "التهكم الوجودي" والفكاهة‬
     ‫التي تسخر من كل شي ء شكل من أشكال الوعي بالمتناقضات يرفض التسليم بالعجز عن فهمها بل يعترف أن‬
   ‫الوقع ملي ء بالتناقضات، وقد يكون ما يراه الفيلسوف الوجودي كيركجارد في كتابه "مفهوم التهكم" من أن ذلك‬
  ‫السلوب من التهكم ورا ءه "عدمية" وسلبية، ولكنه وسيلة للستمتاع بتناقضات الواقع وفي نفس الوقت الوصول‬
    ‫إلى حالة من الرضا، فعند التهكم والسخرية الفاقعة نضع مسافة بيننا وبيننا ما نسخر منه أوننظر إليه من أعلى‬
                                                     ‫ونتحرر من المنظور الخلقي والمسئولية تجاه ما يحدث.‬

من اللمبي إلى توشكى في

  • 1.
    ‫من اللمبي إلىتوشكى في "ثكلمني شكرا"، يسككتمر صككعود "أبطككال العشككوائيات" ليصككبحوا الموضككوع الثكككثر‬ ‫إثارة للضحك في الدراما الجماهيرية المفضلة للطبقة الوسطى، التي أصبح أحد أشكال المزاح المفضلة لبنائهككا‬ ‫هي تبني طريقة هؤلء "البطال" في الكلم ورؤية الشياء. هل هو تصالح بين الطبقككات أم تكيككف الجميككع مككع‬ ‫"الفوضى" و"العبث" ؟‬ ‫"أنا عاوز أبقى صايع" هذه الجملة التي قالها صل ح الدين عاشور الذي قام بدوره عل ء ولي الدين في فيلم‬ ‫"الناظر" الذي تم إنتجه عام 0002 مثلت تحول مهما حدث لعالم الكوميديا في السينما المصرية، وهو ما كان‬ ‫بدوره ممثل لتحول مماثل حدث للطبقى الوسطى المصرية.‬ ‫في الفيلم يعاني صل ح الدين ابن الناظر من وصاية وتسلط أبيه عاشور ناظر المدرسة العريقة التي تملكها العائلة‬ ‫وتتوارثها جيل بعد جيل. كان أبوه يريده أن يكون "مؤدبا" و"ناجحا" لكنه فشل في التعليم وبعد أن ورث المدرسة‬ ‫وجد نفسه فاشل في إدارتها أو في التعامل مع الطلبة وحالة الفوضى التي تعتري المدرسة. وكان تفسيره للفشل‬ ‫أنه "مؤدب" وبالتالي قليل الحيلة، لذلك يجب أن يكون منحرفا و"صايع". ومن أجل تعلم ذلك لجأ إلى اللمبي،‬ ‫التلميذ الفاشل سابقا والبلطجي حاليا الذي يسكن حيا عشوائيا. ومن هذه اللحظة تكاد الكوميديا التي تفجرها‬ ‫الشخصية الثانوية "اللمبي" تطغى على حضور الشخصية الرئيسية أو يشكلن معا ثنائيا عندما يحاول صل ح‬ ‫الدين أن يتعلم النحراف محاكيا اللمبي.‬ ‫كانت هذه اللمحة من السيناريو مجرد مؤشر على تحولت ما في طرق السخرية والمزا ح بين الناس سيطرت‬ ‫عليها تنويعات "حالة اللمبي"، هو ما يعني ادعا ء حالة هي بين غياب الوعي والحمق، بين البلطجة وقلة الحيلة،‬ ‫مع محاكاة لوعي الطبقات الشعبية تجاه الفكار والشيا ء الحديثة أو النخبوية أو"الراقية"، والتلعب العبثي باللغة‬ ‫بشكل يكاد يكون فارغا من الدللة وفيها تقليد لطريقة كلم معينة تميز بعض الفئات من هذه الطبقات. وهي‬ ‫الحالت والتنويعات التي أصبحت تعرف في المعجم الشعبي بـ"التهييس" و"الهرتلة".‬ ‫وبالتوازي شكل هذا المزاج تيارا داخل الدراما الجماهيرية، ل تقتصر على الفلم التي قام ببطولتها الممثل محمد‬ ‫سعد وكان اللمبي فيها بطل أو تم استنساخه في أشكال أخرى قريبة، ولكن أيضا امتدت حالة الستعانة بصورة‬ ‫"بطل العشوائيات" الذي يقدم حالة متوسطة بين العبيط والبلطجي في أعمال كثيرة، سيد سائق الميكروباص في‬ ‫"تامر وشوقية" وبعض التنويعات في الفلم التي كتبها بلل فضل منها حاحا في "حاحا وتفاحة" وشخصيتا‬ ‫"حشيشة" ثم "توشكى" في فيلمي خالد يوسف "حين ميسرة" و"كلمني شكرا".‬ ‫واجه هذا النوع من الكوميديا سيل من النتقادات. إما المترفعة عن مناقشة تفاصيله أو التي تناقشها وتصفها‬ ‫بالنحطاط والسوقية والبتذال والتدني. دفاع صناع هذه الدراما أن هذه الطريقة في الكلم والمزا ح موجودة بين‬ ‫الناس بل وبين شباب الطبقة الوسطى، ل يعني في نظر الناقدين والمهاجمين إل أن أسلوب الكلم والمزا ح عند‬ ‫الناس قد أصابه أيضا البتذال والتدني. ولكن ظلت علقة هذه الكوميديا بنمط المزا ح الذي انتشر بقوة بين شباب‬ ‫الطبقة الوسطى بعيدا عن التناول مع كل ما يعنيه ذلك من علقة جديدة مختلفة بين الطبقتين.‬ ‫من المحاولت القليلة التي تتطرق لذلك ما قدمته الباحثة فيروز كراوية في رسالتها التي نالت عنها الماجستير في‬ ‫علم الجتماع والنثروبولوجي من الجامعة المريكية والتي تستعد لنشرها قريبا. تناقش الرسالة نموذجي‬ ‫"اللمبي" و"حين ميسرة" كنموذجين لفلم العشوائيات فيما بعد عام 0002 وترصد علقة الصور التي تقدمها‬ ‫هذه الفلم بتصورات اجتماعية وأوضاع سياسية معينة.‬ ‫ترى فيروزأن معظم من أحبوا اللمبي ودفعوا التذاكر في السينما ليحقق الربا ح الهائلة هم أبنا ء الطبقة الوسطى‬ ‫رغم أنها كوميديا مصنعة بشكل طبقي معين وتصور الطبقة الفقر من سكان العشوائيات. وعلقتهم لها أكثر من‬ ‫رّ‬ ‫بعد. أولهم أن كلهما يعيش تحت نظام سياسي استبدادي. وهناك دراسات في علم الجتماع ترصد في دول العالم‬ ‫الثالث أن النظم الستبدادية طويلة العمر تربطها بشعوبها علقة معقدة، كأنهم طرفان في مركب واحد ل يمكن‬ ‫رّ‬ ‫فصله: " المحكومون يسخرون من السلطة ولكنهم أيضا يشبهونها في كونهم استبداديين في تصورهم لذاتهم التي‬ ‫تتضخم بشكل مبالغ فيه ومتوهم. مثل اللمبي الذي يقول طوال الوقت بشكل هزلي أن الزلزل ل تؤثر فيه وأن له‬ ‫في الجبال علمات، ولكنه مغلوب على أمره ومطارد وضعيف أمام الشرطة والبلدية. من جانب ترى الطبقة‬ ‫الوسطى شيئا من وضعها في هذه الشخصية، ولكن من جانب آخر لن الشخصية تبدو خرافية وقادمة من مكان‬ ‫خرافي فهي بعيدة عنهم. حتى أبنا ء العشوائيات المتعلمين يرونه بعيدا عنهم. فيمكن للجميع أن يضحك عليه. لو‬ ‫كانت شخصيته قريبة ومشابهة لهم فستخيفهم أو تضايقهم هذه الحالة".‬ ‫عنف السخرية‬
  • 2.
    ‫ينقل د. شاكرعبد الحميد في كتابه "الفكاهة والضحك" عن جون موريل، العالم المتخصص في دراسات‬ ‫الضحك، أن سبب الضحك هو التحول السيكولوجي السار المفاجي ء من الشعور بالعجز والنقص إلى الشعور‬ ‫بالتفوق والتمكن. وفي النظريات الكلسيكية للفكاهة والكوميديا منذ أفلطون وأرسطو أنها مبنية على وجود‬ ‫طرف أدنى وأقل مكانة أو ذكا ء لنضحك عليه. حتى لو كان مجرد النقص مؤقت مثل أن يتعثر إنسان في قشرة‬ ‫موز أو يصطدم بالحائط، وهو ما يقوم به المهرجون في أبسط أشكال الفكاهة .‬ ‫ترصد فيروز كراوية في دراستها أن ما يسمى "أفلم العشوائيات" بعد عام 0002 قد صور فعل سكان‬ ‫رّ‬ ‫العشوائيات كالمهرجين :"كأن هناك صخرة وقعت على سكان هذه المناطق فأصبح ساكنها إنسانا مفككا تماما بل‬ ‫معنى وبل علقات وبل أمل. هناك أفلم تناولت سكان مناطق شعبية وعشوائية قبل ذلك مثل "الحريف" و"الكيت‬ ‫كات" و "سارق الفر ح" وكان سكان هذه المناطق شخصيات داخل علقات اجتماعية وعندهم مشاكلهم و أيضا‬ ‫طموحاتهم وأحلمهم. كانت هناك كوميديا ومفارقات، ولكن في الفلم الجديدة هناك تصوير هزلي فيه تأكيد‬ ‫لمسافة كبيرة جدا بين هؤل ء وبين المتفرج. والضحك هنا فيه نوع من "العنصرية الطبقية". هو ضحك فيه نوع‬ ‫من ممارسة العنف".‬ ‫ولذلك ترى فيروز أن هذه النظرة هي أساس قبول الكثيرين لممارسات قمعية أو عدوانية تجاه سكان العشوائيات‬ ‫لنهم في الوقات الخرى يصورون على أنهم خطر محتمل وسبب للفوضى في المجتمع.‬ ‫يمكننا أن نضع هذه الملحظة بجانب ملحظات د.جلل أمين وغيره عن الفجوة التي تزداد اتساعا بين طبقات‬ ‫المجتمع المصري. ووفق نظريات الفكاهة فكلما ازدادت الفجوة اتساعا كان كل طرف غريب عن الخر ويصبح‬ ‫موضوعا لضحك أكثر حتى لو كان مخيفا ومصدرا للخطر في وقت آخر.‬ ‫صورة الشي ء الغريب المضحك والمخيف في وقت واحد هي أحد أشكال توليد الفكاهة والسخربة، كما يذكر د.‬ ‫شاكر عبد الحميد، وهو ما يسمى بالبنية المسخية أو الجروتسكية ‪ .grotesque‬والشخصية المسخية تحتوى على‬ ‫ملمح وعناصر قبيحة ومنفرة ولكنها تقدم بشكل هزلي ومضحك. تقول فيروز كراوية أن دراستها التي خصصت‬ ‫جز ءا منها لطريقة توليد السخرية في الكوميديا أن شخصية اللمبي المنفرة والتي تقوم بأشيا ء منفرة وقبيحة ولكنه‬ ‫مضحك ظهر مثلها في دول أخرى تمر بأوضاع مشابهة، ففي الكاميرون ظهرت في الثمانينات وسط أزمة‬ ‫سياسية واجتماعية كبيرة رسومات كاريكاتيرية أبطالها شخصيات تقوم على الدوام بحركات مقرفة ومنفرة ولكنها‬ ‫تستخدم في إطار هزلي.‬ ‫ولكن رغم هذه المسافة المعنوية الكبيرة التي تعطي للضحك معناه، هناك احتكاك وتداخل بين الطبقتين على أكثر‬ ‫من مستوى. قد يكون التعامل العادي أو أن يكون بعض أبنا ء الطبقات الوسطى صاعدين من طبقات فقيرة تسكن‬ ‫الحيا ء العشوائية. ولكن دراسة فيروز كراوية تطر ح أيضا أنه هناك تبادل مصالح حدث في مجتمع تقل فيه قيمة‬ ‫القانون: "كلنا نذكر مشهد اللمبي وأمه تودعه أثنا ء ذهابه إلى المدرسة وتقول له: كتبك معاك ومطوتك في جيبك.‬ ‫المدرسة لم تعد مدرسة، كما أن القانون لم يعد يسير المجتمع، بل هناك قانون عرفي آخر والطبقات العليا تستخدم‬ ‫رّ‬ ‫أسلوب البلطجة أو البلطجية أنفسهم لتسيير أمورها. ومن الطبيعي أن تحدث سيولة بين ثقافات الطبقات والفئات‬ ‫المختلفة".‬ ‫"تهكم وجودي"‬ ‫في الشركة التي يعمل بها علي عبد الرحيم أحيانا يقف أحدهم ويغير صوته قليل وملمحه وهو يقول "خلص يا‬ ‫معلمين! زمن الـللـ ... انتهى. ماحدش فاهم حاجة!" ويعلق علي قائل: "مثل أي مكان في مصر تحدث أحيانا‬ ‫مساخر وأوضاع غير مفهومة. وأعتقد أن هذه الطريقة في السخرية إحدى طرق التعبير عن حالت مفهومة.‬ ‫الطبقات المطحونة أكثر من غيرها تعبر بشكل مبدع أكثر عن تلك الحالة غير المفهومة التي نعيشها. وعندما‬ ‫نمز ح ونقلدها ل تكون تلك طريقتنا العادية في المزاج ولكننا نلعب ونمثل هذا الدور. نستخدم تعبيرات سائق‬ ‫الميكروباص أو الباعة الجائلين أو غيرهم ..أو نقلد اللمبي".‬ ‫قد يكون فعل أن التفسير أن في أسلوب المزاج الذي تجسده شخصية اللمبي تعبيرا مميزا مناسبا لمتغيرات جديدة.‬ ‫ولكن هذا التعبير يصل أحيانا في غرائبيته إلى مجرد لعب باللغة والصوت بدون دللة محددة. جاين لوميل، التي‬ ‫تعمل في مجال إعداد الترجمة النجليزية لفلم عربية والعكس، بدأت تلحظ هذا النمط من المزاج عندما كان‬ ‫عليها أن تترجم مجموعة أفلم كوميدية حديثة منها اللمبي: "عندما أصبح دوري أن أكتب ترجمة محددة ما يقول،‬ ‫بدأت أحيانا أنتبه إلى أنه ل يقول شيئا محددا يمكن أن يترجم. أو أن الفكاهة تتركز في الكيفيه الغريبة لقوله لي‬ ‫كلم وشكله وحركاته وليست في الكلم نفسه".‬ ‫ولكن أحيانا تكون هناك دللة ما للعب باللغة عند النطق الغريب لـ"الكلمات الكبيرة"، في فيلم "اللي بالي بالك"‬
  • 3.
    ‫عندما يسكن عقلاللمبي في جسد رياض المنفلوطي مدير السجن تتفجر المفارقة وأثنا ء خطابه أمام لجنة حقوق‬ ‫النسان تتحول عبارة حقوق النسان إلى "حروق النسان"، و"بعد النظر" إلى "ذات نظرة مبعدية" بالضافة‬ ‫إلى النطق الفكاهي للكلمات الجنبية مثل ‪ . Absolutely‬بالمثل يقوم توشكى بالخلط بين الكلمات الكبيرة التي‬ ‫تتناثر حول الناس بينما هل بعيدة بالفعل عن خيالهم ونمط حياتهم مثل قوله "تظمهر" التي تخلط "تظاهر"‬ ‫و"تجمهر"‬ ‫الفكاهة تتفجر من المحاكاة الساخرة لكل ماهو متعالي. من المصطلحات السياسية أو الثقافية التي يشعر الناس أنها‬ ‫ل تعنيهم في شي ء أو أن مضمونها غائب عنهم أو من التعبيرات التي تنتمي إلى أسلوب حديث شرائح تتصنع‬ ‫"الرقي" باستخدام الكلمات الجنبية.‬ ‫ترى جاين أن هناك فارقا بين المزاج النقدي وحتى لو كان عبثيا وتضرب مثل بأحد مشاهد فيلم رأفت الميهي‬ ‫"ست الستات" عندما ينهى المحامي موكله عن استخدام كلمة "حقوق النسان" داخل قسم الشرطة ويعتذر‬ ‫للضابط بأن موكله ل يعرف أن مثل هذه الكلمات ل تقال داخل أقسام الشرطة وتضيف: " ولكن تحول "حقوق‬ ‫النسان" إلى "حروق النسان" و"حموم النسان" فيه حالة من الحساس بغرابة هذه القيم والستهزا ء ليس فقط‬ ‫من غيابها بل منها هي أيضا واعتبارها فارغة من المضمون ول مانع من السخرية منها، وهذا الوعي هو في‬ ‫الحقيقة وعي كثير من الناس الذين ل مانع عندهم من انتهاك حقوق المجرمين على سبيل المثال إل لو مسهم‬ ‫ذلك".‬ ‫قد يكون المر كذلك أو يكون اللعب بقواعد اللغة إشارة إلى أن حالة العبث والسخرية في الواقع قد تجاوزت كل‬ ‫تعبير يحاول أن يكون ساخرا. فل يجدي معه إل مزا ح يلعب باللغة نفسها ويستحضر أويتصنع حالة من التحامق‬ ‫أو غياب الوعي وممارسة نوع من التهكم الشامل الذي ل يوجه انتقادا محددا بقدر ما يسخر من الوجود كله. قد‬ ‫يكون ورا ء ذلك ما ينقله د. شاكر عبد الحميد في كتابه من أن بعض الفلسفة يرون "التهكم الوجودي" والفكاهة‬ ‫التي تسخر من كل شي ء شكل من أشكال الوعي بالمتناقضات يرفض التسليم بالعجز عن فهمها بل يعترف أن‬ ‫الوقع ملي ء بالتناقضات، وقد يكون ما يراه الفيلسوف الوجودي كيركجارد في كتابه "مفهوم التهكم" من أن ذلك‬ ‫السلوب من التهكم ورا ءه "عدمية" وسلبية، ولكنه وسيلة للستمتاع بتناقضات الواقع وفي نفس الوقت الوصول‬ ‫إلى حالة من الرضا، فعند التهكم والسخرية الفاقعة نضع مسافة بيننا وبيننا ما نسخر منه أوننظر إليه من أعلى‬ ‫ونتحرر من المنظور الخلقي والمسئولية تجاه ما يحدث.‬