More Related Content More from kotob arabia (20) 3. ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ
א א א
. אא
א
)ﻋـﱪ ﺍﻻﻧﱰﻧـﺖ ﺃﻭ א אא
ﻟﻠﻤﻜﺘﺒــﺎﺕ ﺍﻻﻟﻜﱰﻭﻧﻴــﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﻗــﺮﺍﺹ ﺍﳌﺪﳎــﺔ ﺃﻭ ﺍﻯ
א ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ (
א א .
. א א
4.
ﻤﺩﺨل ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺸﻌﺭ ........................... - ٠١ -
ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻷﺴﻁﻭﺭﻱ ....................................... - ٨٦ -
ﺍﻟﺠﺩﺏ ﻭﺍﻻﻨﺘﻅﺎﺭ ............................ - ٤٠١ -
ﺍﻟﻤﺴﺭﺡ ﺍﻟﺸﻌﺭﻱ............................. - ٢٦١ -
ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭﺓ ﻓﻲ ﺸﻌﺭ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ - ٤٥٢ -
-٣-
5. ﺘﻘﺩﻴﻡ
ﻭﻫﻜﺫﺍ ﺭﺤل "ﻤﺴﺎﻓﺭ ﺍﻟﻠﻴل" "ﺍﻟﻔﺎﺭﺱ ﺍﻟﻘـﺩﻴﻡ" ﺒﻌـﺩ ﺭﺤﻠـﺔ
ﺍﻹﺒﺤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺫﺍﻜﺭﺓ. ﻤﺨﻠ ﹰﺎ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻋﺎﻟ ﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺅﻯ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩﻴﺔ
ﻤ ﻔ
ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﻭﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؛ ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ، ﻭﻓ ﹰﺎ
ﻘ
ﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﺭﻴﺎﺩﺓ ﻤﺜﻼ: ﻴﻤﺜل "ﺍﻟﺭﻴﺎﺩﺓ" ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ ﻓﻲ
ﹰ
ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ: ﻭﻫﻲ ﺭﻴﺎﺩﺓ ﻟﻡ ﺘﻨﺸﺄ ﻤﻥ ﻓﺭﺍﻍ؛ ﻭﺇﻨﻤﺎ
ﻜﺎﻨﺕ ﻤﻌﻁﻴﺎﺕ ﺤﻴﺎﺓ. ﻭﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﻓﻜﺭ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ ﺘﺅﻫﻠﻪ
ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﺩﻭﺭ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ، ﺍﻟﺫﻱ ﻻ ﻴﻘﺘﺼﺭ ﻋﻠﻰ ﻤﺼـﺭ ﻭﺇﻨﻤـﺎ
ﻴﻤﺘﺩ ﻓﻴﺸﻤل ﺍﻟﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴـﺭ ﻤـﻥ
ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ.
ﻭﺇﻥ ﻋﺯﺍﺀﻨﺎ ﻓﻲ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ؛ ﻤﺎ ﺨﻠﻔﻪ ﻤﻥ ﺜـﺭﻭﺓ
ﺇﺒﺩﺍﻋﻴﺔ ﻭﻨﻘﺩﻴﺔ ﺃﺜﺭﻯ ﺒﻬﺎ ﺃﺩﺒﻨﺎ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻤﻥ ﺠﻬﺔ، ﻭﻤﺎ ﺨﻠﻔﻪ ﻤﻥ
ﻤﺩﺭﺴﺔ ﻜﺎﻥ ﻫﻭ ﺭﺍﺌﺩﻫﺎ ﻭﻤﻌﻠﻤﻬﺎ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﻔﺎﻫﻡ ﺍﻟﻐﻴﻭﺭ، ﻭﻫـﻲ
ﻤﺩﺭﺴﺔ ﻜﻤﺎ ﻗﻠﺕ ﻴﻨﺘﻅﻡ ﻓﻲ ﺃﻋﻁﺎﻓﻬﺎ ﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺩﺩﺓ
ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ.
ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺩﻭﺭ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ: ﻨﺒﻊ ﺜﺭ ﻟﻠﺒﺎﺤﺜﻴﻥ ﻭﺍﻟﺩﺍﺭﺴﻴﻥ. ﻭﺍﻷﺩﻴـﺏ
ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﺱ ﻭﺍﺤﺩ ﻤـﻥ ﺃﻫـﻡ ﺃﻋـﻼﻡ ﻫـﺫﻩ
-٤-
6. ﺍﻟﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺩﺩﺓ؛ ﻴﻘﺩﻡ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻴﻭﻡ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ: ﺍﻟﺭﺤﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻡ
ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ؛ ﻭﺤﻴﻨﻤﺎ ﻨﻨﺘﻬﻲ ﻤﻥ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻜﺘـﺎﺏ
ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺴﻨﺠﺩ ﺃﻨﻔﺴﻨﺎ ﺒﺎﻟﻔﻌل ﻤﻊ ﻤﻤﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﺱ ﺒﺈﺯﺍﺀ ﺒﺤﺎﺭ ﻤـﺎﻫﺭ
ﺨﺒﺭ ﺭﺤﻠﺔ ﺍﻹﺒﺤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺭﺅﻯ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ؛ ﻴﻌﻭﺩ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺒﻌﺩ ﺭﺤﻠﺔ
ﺍﻹﺒﺤﺎﺭ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ ﻫﺫﻩ ﺒﺤﺼﻴﻠﺔ ﺜﺭﻭﺓ ﻏﻨﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻡ
ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺒﻨﺎﻫﺎ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ.
ﱠ
ﻭﻻ ﺃﻤﻠﻙ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺴﻁﻭﺭ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﺸـﻜﺭ ﻟﻠﺸـﺎﻋﺭ
ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﺱ ﻤﺎ ﺃﺘﺎﺤﻪ ﻟﻲ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﻓﻲ ﺭﺤﻠـﺔ ﺍﻹﺒﺤـﺎﺭ
ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻲ ﻓﻲ ﺭﺅﻴﺎ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ. ﻭﺁﻤـل ﺃﻥ
ﻴﻜﻭﻥ ﺫﻟﻙ ﺤﺎﻓ ﺍ ﻟﻠﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﺃﻥ ﺘﺤﺘﻔﻲ ﺩﺍﺌ ـﺎ
ﻤ ﺯ
ﺒﻤﻌﻠﻤﻬﺎ ﻭﺭﺍﺌﺩﻫﺎ ﺍﻟﺭﺍﺤل ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼـﺒﻭﺭ، ﻤـﻥ
ﺨﻼل ﺘﺄﻜﻴﺩ ﺩﻭﺭ ﻤﺩﺭﺴﺘﻪ ﻓﻲ ﺤﺭﻜـﺔ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴـﺩ ﻓـﻲ ﺃﺩﺒﻨـﺎ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ، ﻭﻓﻲ ﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﺘﺤﺩﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ﺍﻨﻁﻼ ﹰﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ،
ﻗ
ﻭﻤﻥ ﺭﺤﻠﺔ ﺍﻹﺒﺤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ ﺼﻭﺏ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ؛ ﺩﺍﺌ ﺎ.
ﻤ
****
ﺩ. ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻌﺯﻴﺯ ﺸﺭﻑ
-٥-
7. ﻤﻘﺩﻤﺔ
ﻓﻲ ﺤﺩﻴﺙ ﺨﺎﺹ ﻗﺎل ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼـﺒﻭﺭ )١(: "ﺍﻟﺜـﻭﺭﺓ
ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ ﻤﻠﻤﺢ ﻤﻥ ﻤﻼﻤﺢ ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻴﺔ ﺒﻭﺠﻪ ﻋﺎﻡ.. ﻭﻟﻜﻲ
ﺘﺒﻠﻎ ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻴﺔ ﻤﺩﺍﻫﺎ.. ﻻﺒﺩ ﻤﻥ ﻨﻘل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒـﻲ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ.. ﻻ ﺃﻋﻨﻲ ﺃﻥ ﺘﺼﺒﺢ ﻟﺩﻴﻪ ﺍﻟﻘـﺩﺭﺓ ﻋﻠـﻰ
ﺍﻻﺴﺘﻤﺘﺎﻉ ﺒﻤﻌﻁﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ.. ﺒل ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻟﺩﻴﻪ ﺍﻟﻤﺒـﺎﺩﺭﺓ
ﻨﺤﻭ ﺼﻨﻌﻬﺎ ﻭﺘﻁﻭﻴﺭﻫﺎ.. ﺇﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒـﻲ ﻴﺴـﻬﻡ ﻓـﻲ
ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻜﻤﺴﺘﻬﻠﻙ.. ﻭﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﺘﻌﻠﻡ ﻜﻴﻑ ﻴﺴﻬﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻜﻤﻨﺘﺞ".
"ﺇﻥ ﺍﻟﺭﻭﺍﺴﺏ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺘﺜﻘل ﻜﺎﻫل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ.. ﻓـﻨﺤﻥ
ﻨﺤﻤل ﺘﺎﺭﻴﺨﻨﺎ ﻋﺒ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻅﻬﻭﺭﻨﺎ.. ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻨﺤﻭﻟﻪ ـ
ﺌ
ﻭﻨﺤﻥ ﻨﻤﺘﻠﻙ ﺍﻟﻘﺩﺭﺓ ﻓﻌﻼ ـ ﺇﻟﻰ ﺯﺍﺩ ﻻﻨﻁﻼﻗﻨﺎ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩ.. ﻭﻟﻜﻲ
ٍ ﹰ
ﻨﻌﺭﻑ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺭ... ﻻﺒﺩ ﺃﻥ ﻨﺤﺩﺩ ﺃﻭﻻ ﻤﻥ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻔﻜﺭ..؟
ﹰ
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻔﻜﺭ ﻫﻭ ﻤﻥ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻴﻤﺯﺝ ﻓﻲ ﺭﺅﻴﺎﻩ، ﺍﻟﻤﺎﻀـﻲ
ﺒﺎﻟﻤﺴﺘﻘﺒل.. ﻭﻤﻥ ﻴﻌﺭﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺎﻀﺭ ﻫـﻭ ﻟﺤﻅـﺔ ﺘﺎﺭﻴﺨﻴـﺔ
ﺤﺎﺴﻤﺔ.. ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻴﺠﻌل ﻤﻨﻬﺎ ﻁﺭﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻤﺠـﺩﻩ..
ﹰ
ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻟﺤﺩﻩ.. ﻭﻫﻭ ﺃﻴ ﺎ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻌﻨﻴﻪ "ﺍﻟﻔﻜﺭﺓ" ﻜﻘﻴﻤـﺔ
ﻀ
ﻓﻲ ﺫﺍﺘﻬﺎ.. ﺠﺩﻴﺭﺓ ﺒﺄﻥ ﻴﺒﺫل ﺤﻴﺎﺘﻪ ﻤﻥ ﺃﺠﻠﻬﺎ.
-٦-
8. ﺤﻴﻥ ﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﻔﻜﺭ ﺘﺠﺴﻴ ﺍ ﻟﻔﻜﺭﺘﻪ.. ﻓﻘﺩ ﺘﺭﻯ ﺒﺼﻴ ﺎ ﻤﻥ
ﺼ ﺩ
ﺍﻟﻨﻭﺭ... ﻭﻟﻜﻥ ﻫﺫﺍ ﻻ ﻴﺘﻴﺴﺭ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻤﻨﺎﺥ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ.. ﻭﺍﻟﺤﺭﻴـﺔ
ﻻ ﺘﻭﻫﺏ.. ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺘﺅﺨﺫ ﻗﺴ ﺍ".
ﺭ
"ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺸﻌﺭ.. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻥ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺠﺩﻴﺩ.. ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻜل
ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ.. ﺍﻟﺤﺭ.. ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ.. ﺍﻟﻌﻤﻭﺩﻱ.. ﺍﻟﻌﺭﻭﺽ.. ﻤﻨﺎﻗﺸـﺎﺕ
ﺴﺎﺫﺠﺔ ﺃﻀﻌﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻗ ﹰﺎ ﻁﻭﻴﻼ.. ﺇﻨﻨﺎ ﻨﺭﻴﺩ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻭل
ﹰ ﺘ
ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ.. ﻭﻟﻭ ﻜﺎﻨﺕ ﺒﺎﻹﻴﻤﺎﺀ.. ﺃﻭ ﺍﻟﺭﻗﺹ.. ﺇﻥ ﺃﺯﻤﺔ
ﻓﻨﻭﻨﻨﺎ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ.. ﺍﻻﺒﺘﺫﺍل ﻭﺍﻟﻜـﺫﺏ.. ﻭﻫـﻲ ﺃﺯﻤـﺔ ﺤﻴﺎﺘﻨـﺎ
ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ..ﺇﻥ ﻤﻭﺴﻴﻘﺎﻨﺎ ﻀﺠﻴﺞ.. ﻭﻏﻨﺎﺀﻨﺎ ﺼﺭﺍﺥ.. ﻭﺸـﻌﺭﻨﺎ
ﻗﻌﻘﻌﺔ ﻓﺎﺭﻏﺔ.. ﻜﻨﺕ ﻓﻲ ﻴﻭﻡ ﻤﻥ ﺍﻷﻴـﺎﻡ ﻤﺘﻔـﺎﺌﻼ ﺃﻥ ﺍﻟﺸـﻜل
ﹰ
ﺍﻟﺠﺩﻴﺩ ﺴﻭﻑ ﻴﻭﻟﺩ ﺭﺅﻴﺎ ﺠﺩﻴﺩﺓ.. ﻭﻗﺩ ﺘﺤﻘﻕ ﻗﻠﻴل ﻤﻤﺎ ﺘﻭﻗﻌﺘﻪ..
ٌ ﱢ
ﻭﻟﻜﻥ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺠﺩﻴﺩ ﻭﻗﻊ ﻀﺤﻴﺔ ﻟﻼﺨﺘﻼﻕ.. ﻭﻫﻭ ﺍﺨﺘﻼﻕ ﻤﻥ
ﻨﻭﻉ ﺠﺩﻴﺩ.. ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﻻ ﻴﺨﺘﻠﻕ ﻫﻨﺎ ﻁﻨﻁﻨﺔ ﺃﻭ ﻋﺎﻁﻔﺔ.. ﻭﻟﻜﻨـﻪ
ﻴﺨﺘﻠﻕ ﺜﻘﺎﻓﺔ.. ﻭﺭﺅﻴﺎ.. ﻭﻤﻭﺍﻗﻑ ﺇﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.. ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﻴﺘﻌـﺎﻅﻡ
ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺭﺌﻪ ﺒﺎﻟﻐﻤﻭﺽ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻨﺘﺞ ﻋﻥ ﻗﻠﺔ ﺍﻟﺤﻴﻠـﺔ.. ﻭﺍﻨﻌـﺩﺍﻡ
ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ..
-٧-
9. ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻟﻡ ﻴﺯﺩ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ.. ﺒﻀﻌﺔ ﺃﻋﻤـﺎل ﻤـﻥ
ﹰ
ﺍﻟﺸﻌﺭ. ﻭﻟﻜﻥ ﻤﻭﺠﺔ ﻋﺎﺭﻤﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻔﻨﻴـﺔ ﺘﻌﺭﺒـﺩ ﻓـﻲ
ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺍﻵﻥ".
ﻭﻋﻥ ﻨﻔﺴﻪ ﻗﺎل: "ﺃﻨﺎ ﺍﺒﻥ ﺠﻴل ﺘﻔﺘﺤﺕ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺸـﻴﺌﻴﻥ:
ﻫﺯﻴﻤﺔ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﺎﻡ ٨٤ﻡ .. ﻭﺍﻷﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺭﻓﻴـﺔ ﻓـﻲ
ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻭﻗﺕ.. ﻭﻫﺫﺍ ﻤﻌﻨﺎﻩ ﺃﻥ ﻋﻴﻨﻲ ﺘﻔﺘﺤﺘﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﻌﻨﻴﻴﻥ: ﻓﻘﺩﺍﻥ
ﱠ
ﺍﻟﺸﺭﻑ.. ﻭﻓﻘـﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﺭﻴـﺔ.. ﻭﻴﻜﻔـﻲ ﻫـﺫﺍ ﻤﺄﺴـﺎﺓ" ﺜـﻡ
ﺃﻀﺎﻑ.."ﻭﺃﺨﺸﻰ ﺃﻥ ﻴﺠﻲﺀ ﻴﻭﻡ ﻴﻘﺎل ﻓﻴﻪ.. ﻜﺎﻥ ﻫﻨـﺎ ﻴﻭﺠـﺩ
ﻗﻭﻡ ﺍﺴﻤﻬﻡ: ﺍﻟﻌﺭﺏ".
ﺭﺒﻤﺎ ﻤﻥ ﺍﻷﺠﺩﻯ ﺃﻥ ﻨﻌﻴﺩ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﺴﻁﻭﺭ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ، ﻓﻜﻠﻨﺎ ﻗﺭﺃ
ﺃﺸﻌﺎﺭ ـ ﺼﻼﺡ ـ ﻭﻤﺴﺭﺤﻴﺎﺘﻪ، ﻭﺸﺎﻫﺩﻨﺎ ﻤﺎ ﻤﺜل ﻤﻨﻬﺎ. ﻟﻜﻥ
ﺍﻷﻫﻡ ﻫﻭ ﻗﺭﺍﺀﺓ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺃﺤﺎﺩﻴﺜﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤﻨﺸـﻭﺭﺓ
ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ، ﻟﻜﻲ ﻨﺘﻌﺭﻑ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻌﻘل ﺍﻟﺫﻱ ﺃﻋﻁﺎﻨـﺎ
ﻜل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻌﻁﺎﺀ ﺍﻟﺸﻌﺭﻱ.
ﻭﺭﺒﻤﺎ ﻷﻨﻨﻲ ﻜﺘﺒﺕ ـ ﻤﻊ ﻤﻥ ﻜﺘﺒﻭﺍ ـ ﻓﻲ ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﺸﻌﺭ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ )٢(.. ﻭﺍﻷﺼﺎﻟﺔ ـ ﻭﺍﻨﺘﻬﻴﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ
ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﺃﺒ ﺍ ﺇﻻ ﻤﺴﺘﻤﺩﺍ ﻤﻥ ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ، ﻗﺒل ﺃﻥ ﻴﺭﻓﻊ ﻫﺎﻤﺘﻪ ﻋﺎﻟﻴﺔ
ﺩ
ﺒﺎﻟﻤﻌﺎﺼﺭﺓ.
-٨-
10. ﻭﺭﺒﻤﺎ ﻷﻥ ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺼـﺭﺓ.. ﻋﻨـﺩ ﺼـﻼﺡ ﻋﺒـﺩ
ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ.. ﺘﺅﻜﺩ ﻟﻨﺎ، ﺃﻨﻨﺎ ﺴﻨﻌﻴﺵ ﻁﻭﻴﻼ ﻗﺒل ﺃﻥ ﺘﻌﻁﻴﻨﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﹰ
ﺸﺎﻋ ﺍ ﺁﺨﺭ، ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻤﺘﻼﻙ ﻫﺎﺘﻴﻥ ﺍﻟﻜﻠﻤﺘﻴﻥ ﻤﺜﻠﻤﺎ ﺍﻤﺘﻠﻜﻬﻤﺎ..
ﺭ
ﻭﺒﻜل ﻤﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻤﻥ ﺩﻻﻟﺔ ﻟﻔﻅﻴﺔ.
****
ﺍﻟﻤﺅﻟﻑ
-٩-
12. ﺃ - ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ:
ﻫل ﻜﺎﻥ )ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ( ﺸﺎﻋ ﺍ ﻤﺒﺩ ﺎ..؟.. ﻭﻫـل
ﻋ ﺭ
ﻜﺎﻨﺕ ﻟﻪ ﺭﺅﻴﺎ..؟.. ﻭﻟﻜﻲ ﻻ ﻨﺼﺩﺭ ﺤﻜ ﺎ ﻤﺴـﺒ ﹰﺎ، ﻓﻼﺒـﺩ ﺃﻥ
ﻘ ﻤ
ﻨﻘﺭﺃ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻤ ﺎ. ﻭﺃﻥ ﻨﻜﻭﻥ ﻤﻨﺫ ﺍﻟﺒﺩﺍﻴﺔ، ﻤﻭﻀـﻭﻋﻴﻴﻥ..
ﻌ
ﺼﺎﺩﻗﻴﻥ... ﻋﺎﺩﻟﻴﻥ..
ﻭﻻﺒﺩ ﺃﻥ ﻨﺤﺩﺩ ﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ )ﺭﺅﻴﺎ(، ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ
"ﺇﺒﺩﺍﻉ".
ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻔﻜﺭﻱ ﻋﻨﺩ ﺒﻨﺩﺘﻭ ﻜﺭﻭﺘﺸـﻪ )١(، ﺠـﺯﺁﻥ: ﻋﻠـﻡ
ﻭﻋﻤل، ﺃﻤﺎ ﺍﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﻓﻬﻲ: ﻤﻌﺭﻓﺔ ﺤﺩﺴﻴﺔ )ﺍﻟﻔـﻥ(، ﻭﻤﻌﺭﻓـﺔ
ﻤﻔﻬﻭﻤﻴﺔ )ﺍﻟﻤﻨﻁﻕ(.
ﻭﺍﻟﻔﻥ ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ﻻﻻﻨﺩ )٢( ﻫﻭ ﻨﻘﻴﺽ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻵﻟـﻲ، ﻭﻷﻥ
ﺍﻷﺜﺭ ﺍﻟﻔﻨﻲ ـ ﺃ ﺎ ﻜﺎﻥ ﻨﻭﻋﻪ ـ ﻟﻴﺱ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺘﺜﺒﺘﻬـﺎ ﺍﻟﺘﺠﺭﺒـﺔ
ﻴ
ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻤﻥ ﺘﺒـﺎﻴﻥ ﻭﻓﺭﺩﻴـﺔ..
ﻭﺫﺍﺘﻴﺔ..
ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺭﺩﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ )٣( ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴﺯ ﺍﻟﻔﻥ ﻋﻥ ﺍﻟﻌﻠﻡ، ﻋﻨـﺩ
ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﻭﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎل، ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻨﺼﺭ ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺠﻌل ﺍﻟﻔﻥ
ﻋﻨﺩ ﺨﻠﻘﻪ ﻴﺘﺴﻡ ﺒﺴﻤﺔ ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ: ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻤﺠﻤﻭﻉ ﺍﻟﺨﺼـﺎﺌﺹ
- ١١ -
13. ﺍﻟﻔﺭﺩﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺯﺓ ﻟﻸﺸﺨﺎﺹ. ﺇﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻷﺼﺎﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻁﺒـﻊ
ﺍﻟﻔﻥ ﺒﻁﺎﺒﻊ ﺍﻟﺫﺍﺕ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺠﻌل ﻤﻥ ﻜل ﺃﺜﺭ ﻓﻨﻲ ﺼـﻭﺭﺓ
ﻤﺘﻤﻴﺯﺓ ﺘﺤﻤل ﺭﻭﺡ ﻜﺎﺘﺒﻬﺎ ﻭﻤﺯﺍﺠﻪ ﻭﻟﻔﺘﺎﺕ ﺫﻫﻨـﻪ، ﻭﻗﺩﺭﺍﺘـﻪ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ، ﻭﻤﺩﻯ ﻤﺎ ﻴﺘﺼﻑ ﺒﻪ ﻤﻥ ﺼﻔﺎﺕ ﻓﻨﻴﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﻭﻴﺭﻯ ﺍﻟﺩﻭﺱ ﻫﻜﺴﻠﻲ )٤( ﺇﻥ ﺃﺜﺭ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻥ، ﻫـﻭ ﺃﻥ
ﺍﻟﻔﻥ ﻴﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺇﺸﺭﺍﻙ ﺃﻜﺒﺭ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺘﻊ ﺒﺎﻷﺜﺭ
ﺍﻟﻔﻨﻲ، ﻭﻫﻭ ـ ﺜﺎﻨ ﺎ ـ ﺃﻥ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﻻ ﺘﺘﺄﺘﻰ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺘﻭﻏل ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ
ﱠ ﻴ
ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ. ﻓﺎﻷﺜﺭ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻫﻭ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻨﻌﻜﺎﺱ ﺍﻟﻭﺠـﻭﺩ
ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺜﺭ ﺍﻟﻔﻨﻲ.
ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻥ ﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ )٥(. ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺸﻜل
ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻭﻴﺤﺩﺩ ﻗﻴﻤﺘﻪ. ﻭﻨﺤﻥ ﻤﻊ ﺇﻴﻤﺎﻨﻨـﺎ ﺍﻟﻜﺎﻤـل ﺒـﺄﻥ
ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺠﺯﺀ ﻻ ﻴﺘﺠﺯﺃ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﺫﻱ ﻫﻭ ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﻔـﻥ
ﺒﻌﺎﻤﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺭﻯ ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺫﺍﺘـﻪ،
ﻴﺤﺎﻭل ﺇﺩﺭﺍﻜﻪ ﻭﺘﻔﺴﻴﺭﻩ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻨﻪ. ﻭﺍﻟﻭﺠـﻭﺩ ﻫﻨـﺎ ﻫـﻭ
ﺍﻟﻭﺠﻭﺩ ﺒﻜل ﻨﻭﺍﺤﻴﻪ: ﻁﺒﻴﻌﻴﺔ ﻜﺎﻨﺕ، ﺃﻭ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺃﻭ ﻨﻔﺴـﻴﺔ،
ﺃﻭ ﻓﻜﺭﻴﺔ.
ﻓﺎﻟﺨﻴﺎل ﺍﻟﺸﻌﺭﻱ ـ ﻋﻨﺩ ﻜﻭﻟﺭﺩﺝ )٦( ـ ﻫﻭ ﺍﻟـﺫﻱ ﻴـﺫﻴﺏ
ﻭﻴﻼﺸﻲ ﻭﻴﺤﻁﻡ ﻟﻜﻲ ﻴﺨﻠﻕ ﻤﻥ ﺠﺩﻴﺩ.
- ٢١ -
14. ﺍﻟﻔﻥ ﻋﻨﺩ ﺸﻴﻠﺭ )٧( ﻭﺴﻴﻠﺔ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﺨﻴﺎل
ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﻟﻠﺨﻼﺹ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﺒﻴﻥ ﺭﻭﺤﻪ ﻭﻁﺒﻴﻌﺘﻪ.. ﻓﺎﻟﻤﻭﻗﻑ
ﻋﻨﺩ ﺸﻴﻠﺭ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻭﺠﺩﺍﻨﻴﺔ ﺒﺤﺘﺔ ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﺈﺒﻌـﺎﺩ ﺍﻻﻨﻔﻌـﺎﻻﺕ
ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﺩﺍﺨل ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ، ﻭﺫﻟﻙ ﺒﺈﺴﻘﺎﻁﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺤﺭﺭ ﻤﻨﻬـﺎ
ﻓﻲ ﺼﻭﺭﺓ ﻤﺘﺂﻟﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﻔﻨﻲ.
ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻥ "ﻜﺭﻭﺘﺸﻪ" )٨( ﻴﺭﻯ ﺃﻥ ﻟﻴﺱ ﻟﻠﻭﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴـﺔ ﺃﻱ
ﻭﺠﻭﺩ ﻤﺎﺩﻱ.. ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺭ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻲ ﻻ ﻴﺒﺩﺃ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻤـﻥ
ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ، ﻭﺘﺅﺩﻱ ﻤﺩﺍﻭﻤﺔ ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ ﻟﻸﺸﻴﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻲ ﻤﻨﻬـﺎ ﺇﻟـﻰ
ﺇﻋﻁﺎﺀ ﺍﻟﺫﻫﻥ ﻓﺭ ﺎ ﺃﻜﺒﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻭﺭ ﻭﺍﻟﺘﺨﻴل.
ﹸ ﺼ
"ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎل )٩( ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭ ﺍﻟﺤﺴﻲ ﻟﻠﻔﻜـﺭﺓ، ﻓـﺎﻟﻔﻥ
ﻭﺤﺩﻩ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻴﺤﻘﻕ ﺍﻟﻔﻜﺭﺓ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﺸﻜل".
ﻓﺎﻟﺭﺅﻴﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻅﺭﺓ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﻟﻠﻌﻘل ﺍﻟﺨﺎﻟﺹ ﻟﻠﻔﻨﺎﻥ.. ﻭﻫـﻲ
ﺍﻟﺘﻔﺭﺩ ﻭﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ.. ﻭﺍﻻﺒﺘﻜﺎﺭ.. ﻭﺍﻹﻋﺠﺎﺯ.
ﻭﻜل ﺭﺅﻴﺎ ﻷﻱ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻨﻴﻥ، ﺘﻨﺒﻊ ﻤﻥ ﻭﺍﻗـﻊ ﺍﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ..
ﻭﻋﺼﺭ.. ﻭﺜﻘﺎﻓﺔ ﺨﺎﺼﺔ.
ﺇﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺒﻭﺼﻔﻪ ﻜﺎﺌ ﹰﺎ ﻋﺎﻗﻼ )٠١(، ﻭﻟﻜﻭﻨﻪ ﺘﺒ ـﺎ ﻟـﺫﻟﻙ
ﻌ ﹰ ﻨ
ﻋﻀ ﺍ ﻤﻨﺘﻤ ﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻡ ﻤﻌﻘﻭل، ﻻ ﻴﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻴﺘﺼـﻭﺭ ﻋﻠﻴـﻪ
ﻴ ﻭ
ﺇﺭﺍﺩﺘﻪ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﺇﻻ ﻤﻥ ﺨﻼل ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ، ﺫﻟﻙ ﻷﻥ ﺍﻻﺴﺘﻘﻼل
- ٣١ -
15. ﻋﻥ ﺍﻟﻌﻠل ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﻤﺤﺴﻭﺱ )ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠـﻰ
ﺍﻟﻌﻘل ﺃﻥ ﻴﻨﺴﺒﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺩﻭﺍﻡ( ﻫﻭ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ ﺒﻌﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻜـﻥ
ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ ﻤﺭﺘﺒﻁﺔ ﺒﺘﺼﻭﺭ ﺍﻻﺴﺘﻘﻼل ﺍﻟـﺫﺍﺘﻲ ﺍﺭﺘﺒﺎ ﹰـﺎ ﻻ
ﻁ
ﻴﻨﻔﺼﻡ، ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺘﺼﻭﺭ ﺍﻻﺴﺘﻘﻼل ﺍﻟﺫﺍﺘﻲ ﻤﺭﺘﺒﻁ ﺒﺎﻟﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﺸﺎﻤل
ﻟﻸﺨﻼﻕ.
ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ:
ﻭﺍﻟﺒﺩﻴﻊ ﻭﺍﻟﺒﺩﻉ ﻫﻭ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻜﻭﻥ ﺃﻭﻻ )ﺍﻨﻅﺭ ﻟﺴـﺎﻥ
ﹰ
ﺍﻟﻌﺭﺏ( )١١(، ﻭﻴﻘﺎل ﻋﻥ ﻤﺒﺩﻉ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺃﻨـﻪ ﻤﺒﺩﻋـﻪ ﺒـﺩ ﺎ،
ﻋ
ﻭﺍﺒﺘﺩﻋﻪ ﺃﻱ ﺃﻨﺸﺄﻩ ﻭﺒﺩﺃﻩ. ﻭﺃﺒﺩﻉ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺃﻱ ﺍﺨﺘﺭﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺭ
ﻤﺜﺎل.
ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ "ﺍﻟﻼ ﺸﻌﻭﺭ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻲ" )٢١(، ﻴﻘﺭﺭ ﻫﺎﻨﺯ ﺴﺎﻜﺱ ﺃﻥ
ﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴل ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻴﻤﻜﻨﻨﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﻗﻭﻑ ﻋﻠﻰ ﺩﻗﺎﺌﻕ ﻋﻤﻠﻴـﺔ
ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻔﻥ ﺒﻭﺠﻪ ﻋﺎﻡ ﻫﻭ ﻴﻨﺘﻬـﻲ ﺇﻟـﻰ ﺃﻥ
ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ ﻟﻴﺴﺕ ﺴﻭﻯ ﺤﻠﻡ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
ﻜﻴﻑ ﻴﻁﻠﻊ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ )٣١( ﺍﻷﺼﻴل ﻋﻠﻰ ﻤﻀـﻤﻭﻥ ﺍﻟﻼﺸـﻌﻭﺭ
ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ..؟، ﻴﺭﻯ ﻴﻭﻨﺞ ﺃﻥ ﺫﻟﻙ ﻴﺘﻡ )ﺒﺎﻟﺤﺩﺱ( ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﻤﻴﺯ ﺒﻪ
ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺒﺸﻜل ﻓﻁﺭﻱ، ﻭﻫﻭ ﺍﻟـﺫﻱ ﻴﺠﻌﻠـﻪ ﻴـﺩﺭﻙ ﻤﻀـﻤﻭﻥ
- ٤١ -
16. ﺍﻟﻼﺸﻌﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻅﺔ، ﺒﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺴﺎﺌﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻻﻁـﻼﻉ
ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺃﺤﻼﻡ ﺍﻟﻨﻭﻡ، ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﻻ ﻴﻐﻭﺹ ﻓﻲ
ﺍﻟﻼﺸﻌﻭﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ ﺒﺎﺤ ﹰﺎ ﻓﻲ ﻁﺒﻘﺎﺘﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻋـﻥ ﺇﺒﺩﺍﻋﺎﺘـﻪ،
ﺜ
ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻫﻭ ﻴﺸﻬﺩ ﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﻼﺸـﻌﻭﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌـﻲ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻫـﺫﺍ
ﺍﻟﻤﻀﻤﻭﻥ ﻴﺘﻜﺸﻑ ﻟﻪ ﻤﻥ ﺘﻠﻘﺎﺀ ﻨﻔﺴﻪ". "ﻭﺤﻴﻥ ﻴﺘﻜﺸﻑ ﻟﻠﻔﻨـﺎﻥ
ﻤﻀﻤﻭﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻼﺸﻌﻭﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺸﻤل ﺁﺜﺎﺭ ﺃﺤﺩﺍﺙ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻓـﻲ
ﺍﻟﻨﻔﺱ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ، ﻻ ﻴﻠﺒﺙ ﺃﻥ ﻴﺴﻘﻁﻬﺎ ﻓـﻲ ﺼـﻭﺭﺓ ﺭﻤـﻭﺯ،
ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﻭﺤﺩﻩ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺨﻠﻕ ﺍﻟ ﻤـﺯ ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩ
ﺭ
ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻭﺼﻑ ﺒﺄﻨﻪ ﺤﻲ ﻭﻤﺤﻤل ﺒﺎﻟﻤﻌﻨﻰ".
ﻭﻫﻜﺫﺍ ﻨﺠﺩ ﺃﻥ ﺍﻟ ﻤﺯ )٤١( ﻴﻌﺘﻤﺩ ﻓﻲ ﻅﻬﻭﺭﻩ ﻋﻠﻰ )ﺍﻟﺤﺩﺱ(
ﺭ
ﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ "ﺍﻹﺴﻘﺎﻁ" ﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺃﺨﺭﻯ. ﻓﺒﺎﻟﺤﺩﺱ ﻴﺼل
ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻭﺘﺭ ﺍﻟﻤﺸﺘﺭﻙ ﺒﻴﻥ ﻜل ﺒﻨﻲ ﺍﻟﺒﺸـﺭ، ﻭﺒﺎﻹﺴـﻘﺎﻁ
ﻴﺤﺩﺩ ﻤﺸﻬﺩﻩ ﻭﻴﺨﺭﺠﻪ ﻤﻥ ﻨﻔﺴﻪ ﻭﺍﻀ ﺎ ﺇﻴﺎﻩ ﻓﻲ ﺸﻲﺀ ﺨﺎﺭﺠﻲ
ﻌ
ﻫﻭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟ ﻤﺯ. ﻓﺎﻟ ﻤﺯ ﻫﻭ ﺃﻓﻀل ﺼﻴﻐﺔ ﻤﻤﻜﻨﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋـﻥ
ﺭ ﺭ
ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻤﺠﻬﻭﻟﺔ ﻨﺴﺒ ﺎ، ﻭﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻭﻀﺢ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ ﺒﺄﻴﺔ
ﻴ
ﻭﺴﻴﻠﺔ ﺃﺨﺭﻯ. ﻭﺍﻟ ﻤﺯ ﻴﺒﻘﻰ ﺤ ﺎ ﺤﻴﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﺤﻤﻼ ﺒـﺎﻟﻤﻌﻨﻰ
ﹰ ﻴ ﺭ
ﻏﻨ ﺎ ﺒﻪ، ﻜﻤﺎ ﺃﻨﻪ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻤﻭﺕ ﺇﺫﺍ ﻭﺠﺩﺕ ﺼﻴﻐﺔ ﺃﻓﻀل ﻤﻨﻪ
ﻴ
ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻥ ﻤﻀﻤﻭﻨﻪ.
- ٥١ -
17. ﻭﺘﺄﺴﻴ ﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺘﻘﺩﻡ: ﻓﺈﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻜﺘـﺎﺏ ﻨﺴـﺘﺨﺩﻡ
ﺴ
ﻤﺼﻁﻠﺢ )ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ( ﻗﺭﻴ ﹰﺎ ﻟﻺﺒﺩﺍﻉ. ﺘﺄﺴﻴ ـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﻻﻟـﺔ
ﺴ ﻨ
ﺍﻟﻠﻐﻭﻴﺔ ﺘﻔﺭﻕ ﺒﻴﻥ )ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ( ﺍﻟﺒﺼﺭﻴﺔ ﻭ)ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ( ﺍﻟﻤﻨﺎﻤﻴﺔ ﻋﻠـﻰ
ﻨﺤﻭ ﻤﺎ ﻨﺠﺩ ﻓﻲ ﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺠﻡ ﺠﻤﻴ ﺎ. ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺠﻌﻠﻨﺎ ﻨﺠﺩ
ﻌ
ﺃﻥ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ )ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ( ﻤﻘﺘﺭﻨﺔ ﺒﺎﻹﺒﺩﺍﻉ ﻫﻭ ﺍﻻﺴـﺘﺨﺩﺍﻡ ﺍﻷﻤﺜـل
ﻭﻟﻨﺘﺭﻙ )ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ( ﻟﺘﻘﺘﺭﻥ ﺒﺎﻷﺒﺼﺎﺭ.
ﻭﺍﻟﺭﺅﻴﺎ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺭ ﺍﻹﻋﻼﻤﻲ ﻟﻸﺩﺏ ﺘﺸﻤل
ﺍﻟﻤﺭﺴل "ﺍﻷﺩﻴﺏ ﺍﻟﻤﺒﺩﻉ" ﻭﺍﻟﻤﺴـﺘﻘﺒل "ﺍﻟﺠﻤﻬـﻭﺭ ﺍﻟﻤﺘﻠﻘـﻲ"،
ﻭﺍﻟﺭﺴﺎﻟﺔ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ "ﻗﺼـﻴﺩﺓ ﺃﻭ ﻗﺼـﺔ" ﻭﻭﺴـﻴﻠﺔ ﺍﻻﺘﺼـﺎل
ﺒﺎﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻔﺎﻋل ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴـﺔ ﺍﻹﺒـﺩﺍﻉ
ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻋﻨﺩ ﺍﻷﺩﻴﺏ، ﺤﺘﻰ ﻴﺨﺭﺝ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻷﺩﺒﻲ ﻓـﻲ ﺼـﻭﺭﺘﻪ
ﺍﻟﻨﻬﺎﺌﻴﺔ ﺒﻌﺩ ﻤﺭﺍﺤل ﻁﻭﻴﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻻﺴـﺘﻌﺩﺍﺩ ﺍﻟﻔﻨـﻲ ﻭﺍﻟﺒﺤـﺙ
ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﻨﻀﺞ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ )ﻟﻼﺴﺘﺯﺍﺩﺓ ﺤﻭل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻨﻅﺭ
"ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺸﻌﺭ ﺍﻟﻬﻤﺸﺭﻱ ﻟﻠﺩﻜﺘﻭﺭ ﻋﺒـﺩ ﺍﻟﻌﺯﻴـﺯ
ﺸﺭﻑ" (.
****
- ٦١ -
18. ﺏ ـ ﻤﺭﺍﺤل ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ:
ﻓﻲ ﺴﻭﺭﺓ ﻴﻭﺴﻑ "ﺍﻵﻴـﺔ ٢٤/ ٣٤": ِﻥ ﻜﻨﹾـﺘﻡ ِﻠﺭﺅ ـﺎ
ﺇ ﹸ ﹸ ﻟ ْ ﻴ
ﺘﻌﺒ ﻭﻥ * ﹶﺎﹸﻭﺍ ﺃﻀ ﹶﺎﺙ ﺃﺤﻼ ٍ ﻭ ﺎ ﻨﺤـﻥ ِﺘﺄ ِﻴـ ِ ﺍﻷﺤـﻼ ِ
ﹶﻡ ﹶ ﺭ ﻗ ﻟ َ ﻐ ﹸ َ ﹶﻡ ﻤ ﹶ ﺒ ﹶ ْﻭ ل
ﺒ ﺎﻟ ِﻴﻥ .ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ ﺸﻲﺀ ﻴﺤﺩﺙ ﻤﻥ ﻓﻌل ﺍﻟﻌﻘل، ﺒﻴﻨﻤـﺎ
ِﻌ ِﻤ
ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻤﻥ ﻓﻌل ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻨﻘﻭل ﺭﺃﻴﺕ ﺭﺅﻴﺔ ﻻ ﺭﺅﻴﺎ.
ﻭﻗﺩ ﻨﻜﻭﻥ ﺃﺼﺒﻨﺎ، ﺇﻥ ﻗﻠﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ ﻴﻤﺭ ﺒﻤﺭﺍﺤل:
١- ﺍﻟﺘﻭﻀﻴﺢ ﻭﺍﻟﺘﺴﺠﻴل ﺍﻟﻔﻭﺘﻭﻏﺭﺍﻓﻲ ﺒﻐﺭﺽ ﺍﻟﺘﺒﻴـﻴﻥ،
ﻭﺫﻟﻙ ﺒﻘﺼﺩ ﺇﺨﺭﺍﺝ ﻋﻅﺔ ﺃﻭ ﻋﺒﺭﺓ ﺃﻭ ﻤﻀﻤﻭﻥ:
ﻫ ﹶﺍ ﺒ ﺎﻥ ﱢﻠ ﱠﺎﺱ ﻭﻫ ﻯ ﻭﻤﻭﻋﻅﺔ ﻟﻠﻤﺘ ِﻴﻥ
ﺫ ﻴ ﻟ ﻨ ِ ﺩ ِ ﹶ ﹲ ﱢ ﹾ ﱠﻘ
ﻟﻘﺩ ﻤﻥ ﺍﷲ ﻋ ﹶﻰ ﺍﻟ ﺅﻤ ِﻴﻥ ﺇﺫ ﺙ ِﻴﻬﻡ ﺭ ـﻭﻻ ـﻥ
ﹶ ﹶ ُ ﻠ ﹾﻤ ِﻨ ِ ﹾ ﺒﻌ ﹶ ﻓ ِ ﺴ ﹰ ﻤ
ﺃﻨﻔ ِ ِﻡ.
َ ﹾ ﹸﺴﻬ
ﻗﺩ ﺒﻴ ﱠﺎ ﺍﻵ ﺎﺕ ِﻘﻭ ٍ ﻭﻗ ﹸﻭﻥ.
ﹶ ﻨ َﻴ ِ ﻟ ﹶ ﻡ ﻴ ِﻨ
٢- ﺍﻟﺘﺼﻭﻴﺭ ﺍﻹﻨﺸﺎﺌﻲ:
ﻫﻭ ﺍﻟ ِﻱ ﻴﺼ ﺭﻜﻡ ِﻲ ﺍﻷﺭ ﺎﻡ ﻜﻴﻑ ﻴ ﹶﺎﺀ.
ﺤ ِ ﹶ ﹶ ﺸ ﱠﺫ ﻭ ﹸ ﻓ
٣- ﺍﻟ ﻤﺯ: ﻭﻫﻲ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺃﻜﺜﺭ ﺘﻘﺩ ﺎ ﻟﺘﺠﻭﻴـﺩ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠـﺔ
ﻤ ﺭ
ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ، ﻭﻹﺜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺩﺭﺓ ﺍﻟﻔﻨﻴـﺔ ﻓـﻲ ﺍﻟﺘﺼـﻭﻴﺭ
ﺍﻹﻨﺸﺎﺌﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻠﻘﻲ:
- ٧١ -
19. ﹶﺎل ﺭﺏ ﺍﺠ ل ﱢﻲ ﺁﻴﺔ ﹶﺎل ﺁﻴﺘﻙ ﺃﻻ ﺘﻜﻠ ﺍﻟ ﱠﺎﺱ ﺜﻼﺜﺔ ﺃ ﺎﻡ
ﻗ َ ﻌ ﻟ ﹰ ﻗ َ ﹸ َ ﱠ ﹸ ﹶﱢﻡ ﻨ ﹶ ﹶ ﹶ ﹶ َﻴ ٍ
ﺇﻻ ﺭﻤ ﺍ ﺍﺫ ﹸﺭ ﺭﺒﻙ ﻜ ِﻴ ﺍ ﻭﺴﺒﺢ ِﺎﻟﻌﺸﻲ ﺍﻹﺒ ﹶﺎﺭ.
ِ ﱠ ﺯ ﻭ ﹾﻜ ﹶﺜ ﺭ ﺒ ﹾ ِ ﻭ ِ ﻜ ِ
٤- ﺍﻟﺨﻠﻕ:
ﻟﻘﺩ ﺨﻠﻘ ﹶﺎ ﺍﻹﻨ ﺎﻥ ِﻥ ﺼﻠ ﺎل.
ﻭ ﹶ ﹶ ﹶ ﹶ ﹾﻨ ِ ﹾﺴ ﻤ ﹾ ﺼ ٍ
٥- ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ، ﻭﻫﻭ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ ﻭﺍﻟﺘﻔﺭﺩ ﻭﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴـﺭ
ﻤﺜﺎل:
ﺒ ِﻴﻊ ﺍﻟﺴ ﺎ ﺍﺕ ﺍﻷﺭ ِ.
ﺩ ﻤ ﻭ ِ ﻭ َ ﺽ
ﺇﻨ ﺎ ﺍﻟﻤ ِﻴﺢ ِﻴ ﻰ ﺍﺒﻥ ﻤﺭﻴﻡ ﺭ ﻭل ﺍﷲ ﻜ ِ ﺘﻪ ﺃﻟ ﹶﺎ ﺎ
ِ ﱠ ﻤ ﹾ ﺴ ﻋ ﺴ ﺴ ُ ِ ﻭ ﹶ ﻠ ﻤ ﹸ َ ﹾ ﻘ ﻫ
ﺇ ﹶﻰ ﻤﺭﻴﻡ ﻭ ﻭﺡ ﻨﻪ
ِﻟ ﺭ ﻤ ﹾ
ﻤﺭﺝ ﺍﻟﺒﺤﺭﻴﻥ ﻴﻠﺘﻘ ﺎﻥ * ﺒﻴﻨﻬ ﺎ ﺒﺭﺯﺥ ﻻ ﻴﺒﻐ ﺎﻥ.
ﹾ ِ ﹾ ﹶ ِﻴ ِ ﹶ ﻤ ﹲ ﱠ ِ ﻴ ِ
ﻭﻴﻘﻭل ﺍﻟﺭﺴﻭل )" :(ﺼﻭﺭﺕ، ﻓﺨﻠﻘﺕ، ﻓﺄﺒﺩﻋﺕ".
ﻭﺒﺎﻟﻨﻅﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺜﺭ ﺍﻷﺩﺒﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺒﻭﺠﻪ ﻋﺎﻡ، ﻴﻤﻜـﻥ ﺃﻥ
ﻨﺠﺩﻩ ﻟﻡ ﻴﺘﻌﺩ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﺴﺠﻴل ﺍﻟﻔﻭﺘﻭﻏﺭﺍﻓﻲ ﻜﻤﺜـل ﺭﻭﺍﻴـﺔ ﺃﻭ
ﻗﺼﺔ ﻋﻥ ﺤﻔﺭ ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ ﺃﻭ ﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ ٩٨٧١ﻡ
ﻤﺜﻼ. ﺃﻭ ﻟﻡ ﺘﺘﻌﺩ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﺼﻭﻴﺭ ﺍﻹﻨﺸﺎﺌﻲ ﻓﺤﺴﺏ، ﺃﻭ ﻤﺭﺤﻠﺔ
ﹰ
ﺍﻟﺨﻠﻕ ﻓﺤﺴﺏ، ﻟﻜﻥ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﻘﺼـﻭﻯ،
ﻓﻘﻠﻴل ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻴﺒﻠﻐﻬﺎ.
- ٨١ -
20. ﻴﺴﺨﺭ ﻫﻨﺭﻱ ﻟﻭﻓﺎﻓﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻨـﺎﻨﻴﻥ ﺍﻟـﺫﻴﻥ ﻴﺘﺨـﺫﻭﻥ ﻤـﻥ
ﺍﻷﺴﺎﻁﻴﺭ ﺍﻹﻏﺭﻴﻘﻴﺔ ﺭﻤﻭ ﺍ ﻟﻤﻭﻀﻭﻋﺎﺕ ﻤﻌﺎﺼﺭﺓ، ﻷﻨﻪ ﻴﺭﻯ
ﺯ
ﺃﻨﻬﻡ ﺒﺫﻟﻙ ﻴﻬﺭﺒﻭﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ، ﺤﺘﻰ ﻻ ﻴﺘﺨﺫﻭﻥ ﻤﻭﻗ ﹰـﺎ ﻤﻨـﻪ
ﻔ
ﻭﻴﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻔﻨﺎﻨﻴﻥ ﺒﺄﻥ ﻴﻌﺭﻓﻭﺍ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺤﺩ ﺘﻌﺒﻴـﺭ
ﺇﻨﺠﻠﺯ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﺤﺭﻡ ﻓﻲ ﺍﻻﺘﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ ﻜل ﻓﻥ ﻻ ﻴﻨﺘﺴﺏ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻤﻨﺫ ٩٢٩١ﻡ ﺤﺘﻰ ﻤﻭﺕ ﺴﺘﺎﻟﻴﻥ. ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل
ﺍﻟﻨﺎﻗﺩ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﻜﻭﺯﻨﺘﺴﻴﻑ. ﻭﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻔﻥ ﻴﻌﺒﺭ ﻋـﻥ
ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻨﻅﺎﻡ )ﺭﺃﺴﻤﺎﻟﻲ ﺃﻭ ﺍﺸﺘﺭﺍﻜﻲ(؛ ﻓﻠﻤـﺎﺫﺍ
ﻋﺎﺸﺕ ﺁﺩﺍﺏ ﻭﻓﻨﻭﻥ ﻤﻥ ﻋﺼﻭﺭ ﻗﺩﻴﻤﺔ ﺤﺘﻰ ﺍﻟﻴﻭﻡ.. ﻤﺜل ﺍﻟﻔﻥ
ﺍﻹﻏﺭﻴﻘ ـﻲ ﺃﻭ ﺸﻜﺴ ـﺒﻴﺭ.. ﺃﻭ ﻤ ـﻭﻟﻴﻴﺭ.. ﺒﻴﺘﻬ ـﻭﻓﻥ.. ﻓ ـﺎﻥ
ـ ـ ـ ـ
ﺠﻭﺥ..؟..؟.
ﻭﻴﺫﻜﺭﻨﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺃﺤﻤﺩ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻤﻌﻁﻲ ﺤﺠﺎﺯﻱ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ
"ﻨﺤﻭ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ" )٥١( ﺒﻘﻭل ﺍﻟﻨﺎﻗﺩ ﻓﻠـﻴﻜﺱ ﻜﻭﺭﻨﺘﺴـﻴﻑ ﺃﻥ
ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻻ ﺘﻁﺎﻟﺏ ﺇﻻ ﺒﺜﻼﺜﺔ ﺃﺸﻴﺎﺀ.. ﺒﺎﻟﺼﺩﻕ ﻤﻊ
ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻻ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺯﻭﺭ. ﻭﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﺒﺎﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴـﺔ
ﻟﻠﻨﻅﺎﻡ.. ﻭﺒﺄﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﻔﻥ ﻓ ﹰﺎ ﺃﻭﻻ. ﻭﻴﺫﻜﺭﻨﺎ ـ ﻜﺫﻟﻙ ـ ﺒﻘﻭل
ﹰ ﻨ
ﺍﻟﻨﺎﻗﺩ ﺠﻭﺭﺝ ﻟﻭﻜﺎﺵ: "ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ ﻫﻭ ﺃﺩﺏ ﻭﺍﻗﻌﻲ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ
ﻤﻭﻗﻔﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ، ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﺴـﺭﺡ ﺍﻟﻌﺒـﺙ ﺃﻭ
- ٩١ -
21. ﺍﻟﺘﺠﺭﻴﺩ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺍﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﻭل ﺴـﻴﻜﻭﻥ ﻤـﻥ ﺤﻴـﺙ
ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﻔﻜﺭﻱ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ، ﻭﻴﺫﻜﺭ ﺤﺠﺎﺯﻱ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ
ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﺍﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﻭﺠﻴﻪ ﺠﺎﺭﻭﺩﻱ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ )ﻭﺍﻗﻌﻴـﺔ
ﺒﻼ ﻀﻔﺎﻑ(، ﻭﻴﺫﻜﺭ ﺃﻴ ﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﻜـﺭ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﺍﻟﻨﻤﺴـﺎﻭﻱ
ﻀ
ﺃﺭﻨﺴﺕ ﻓﻴﺸﺭ ﻴﺘﺴﺎﺌل ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ "ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻥ" ﻗﺎﺌﻼ: "ﻟﻤﺎﺫﺍ
ﹰ
ﻻ ﻴﺘﻌﻠﻡ ﺍﻟﻔﻥ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻲ ﺃﻴ ﺎ ﻤﻥ ﻓﻥ ﺍﻟﻨﺤـﺕ ﻓـﻲ ﻤﺼـﺭ
ﻀ
ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ، ﺃﻭ ﻟﺩﻯ ﺸﻌﻭﺏ ﺍﻷﺯﺘﻙ، ﺃﻭ ﻤﻥ ﺭﺴﻭﻡ ﺸﺭﻗﻲ ﺁﺴـﻴﺎ،
ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻔﻥ ﺍﻟﻘﻭﻁﻲ ﻭﻤﻥ ﺍﻷﻴﻘﻭﻨﺎﺕ ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ، ﻭﻤﻥ ﻤﺎﻨﻴﻪ ﻭﺴﻴﺯﺍﻥ
ﻭﻤﻭﺭ ﻭﺒﻴﻜﺎﺴﻭ.. ﺇﻥ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺘﻭﻟﺴﺘﻭﻱ ﻭﺩﺴﺘﻭﻴﻔﺴﻜﻲ ﺭﺍﺌﻌـﺔ،
ﻭﻟﻜﻥ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻴﺘﻌﻠﻡ ﺍﻟﻜﺎﺘﺏ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻲ ﺃﻴ ﺎ ﻤﻥ ﻫﻭ ﻤﻴﺭﻭﺱ
ﻀ
ﻭﺍﻹﻨﺠﻴل ﻭﻤﻥ ﺸﻜﺴﺒﻴﺭ ﻭﻤﻥ ﻭﺴـﺘﺭﻨﺩﺒﺭﺝ ﻭﻤـﻥ ﺴـﺘﺎﻨﺩﺍل
ﻭﺒﺭﻭﺴﺕ ﻭﻤﻥ ﺒﺭﻴﺨﺕ ﻭﺃﻭﻜﻨﺭﻱ ﻭﻤﻥ ﺭﺍﻤﺒﻭ ﻭﻤﻥ ﻴﻴﺘﺱ..؟"،
ﻭﺒﺫﻟﻙ ﻴﺼﻴﺭ ﺍﻟﻔﻥ ﻓ ﹰﺎ ﺇﻨﺴﺎﻨ ﺎ.. ﺨﺒﺭﺓ ﻻﺒﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻴ ﻨ
ﻜﻠﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻠﻔﻨﺎﻥ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻲ ﺃﻥ ﻴﻨﺘﺞ ﻓ ﹰﺎ ﻋﻅﻴ ﺎ.. ﻭﻜﻤﺎ
ﻤ ﻨ
ﺃﻥ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻫﻲ ﺜﻤﺭﺓ ﺠﻬﺎﺩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ، ﻓﺎﻟﻔﻥ ﺃﻴ ﺎ ﻫﻭ ﺜﻤﺭﺓ
ﻀ
ﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻔﻨﺎﻨﻴﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﺨﺘﻼﻑ ﻤﺫﺍﻫﺒﻬﻡ ﻭﺍﺘﺠﺎﻫﺎﺘﻬﻡ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ. ﻭﺇﺫﻥ
ﻓﺎﻟﻔﻥ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻲ ﻫﻭ ﺍﻟﻔﻥ ﺍﻟﺠﻴﺩ... ﻭﻻ ﻴﻭﺠﺩ ﻓﻥ ﺠﻴـﺩ ﻀـﺩ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ.
- ٠٢ -
22. ﻫل ﻴﻤﻜـﻥ ﻟﻺﺒـﺩﺍﻉ ﺃﻥ ﻴﻜـﻭﻥ ﻓﺎﺭ ﹰـﺎ ﻤـﻥ ﺍﻟﻤﻭﻗـﻑ
ﻏ
ﺍﻟﻔﻜﺭﻱ..؟..
ﻨﻌﻭﺩ ﻟﻠﻤﻘﻭﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ: "ﺍﻟﻔﻥ ﺍﻟﺠﻴﺩ ﻻ ﻴﻜﻭﻥ ﻀﺩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ"..
ﻟﻜﻲ ﻨﻀﻴﻑ: "ﺒﺂﺨﺭ ﻤﺎ ﻭﺼل ﺇﻟﻴﻪ ﻤﻥ ﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ..
ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ.. ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ.. ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ.. ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ.. ﺍﻟﺦ".
ﺇﻥ ﺍﻹﺒﺩﺍﻉ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﺨﺫ ﻤـﻥ ﺍﻷﺴـﺎﻁﻴﺭ ﺭﻤـﻭ ﺍ
ﺯ
ﻟﻤﻭﻀﻭﻋﺎﺕ ﻤﻌﺎﺼﺭﺓ، ﻤﻥ ﺃﺠل ﺇﺒﺩﺍﻉ ﺍﻟﻭﺍﻗـﻊ ﻻ ﺍﻟﻬـﺭﻭﺏ
ﻤﻨﻪ.. ﻭﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﺘﺨﺎﺫ ﻤﻭﻗﻑ ﻓﻜﺭﻱ.. ﻭﻓﻨﻲ ـ ﺃﻭﻻ ﻭﺃﺨﻴـ ﺍ
ﺭ ﹰ
ـ ﻤﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ.
ﻭﺇﻻ.. ﻓﻼ ﺇﺒﺩﺍﻉ؛ ﻭﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﻔﻥ ﺍﻟﻤﺯﻋﻭﻡ ـ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﻤﺎ،
ﻭﻤﻬﻤﺎ ﺃﺤﺎﻁﻪ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺒﺘﻜﺜﻴﻑ ﺩﻋﺎﺌﻲ ﺸﺩﻴﺩ ـ ﻤﺠﺭﺩ ﺘﺴـﺠﻴل
ﻓﻭﺘﻭﻏﺭﺍﻓﻲ.. ﺃﻭ ﺘﺼﻭﻴﺭ ﺇﻨﺸﺎﺌﻲ.. ﻟﻜﻥ ﻟﻡ ﻴﺭﻕ ﺇﻟﻰ ﻤﺭﺤﻠـﺔ
ﺍﻟﺨﻠﻕ.. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺭﻗﻡ )٤(.
****
ﺠـ ـ ﺍﻹﺒﺤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ:
ﻴﺤﻜﻲ ﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻋﻥ ﺃﻥ ﻗﺒﻠﻬﻡ ﻗﺎل "ﺍﺒﻥ ﺨﺯﺍﻡ": ﻤـﺎ
ﻟﻨﺎ ﻻ ﻨﻘﻭل ﺇﻻ ﻤﻌﺎ ﺍ..؟
ﺩ
- ١٢ -
23. ﻓﺎﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻭﻥ ﺍﺘﺠﻬﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺴﻴﺏ، ﻟﻌﺸﻘﻬﻡ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ،
ﻭﺍﺘﺠﻬﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻁﻼل ﻟﺨﻭﻓﻬﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﻤـﻭﺕ، ﻜﻤـﺎ
ﻴﻘﻭل ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ.
ﻭﻗﺩ ﻗﺎل ﺍﺒﻥ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ: "ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻭﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ" ﺃﻥ ﺴﺒﺏ
ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻁﻼل ﺭﺍﺠﻊ ﺇﻟـﻰ ﺍﻟﺘﺭﺤـﺎل، ﻭﺘﺘﺒـﻊ ﻤﺴـﺎﻗﻁ
ﺍﻷﻤﻁﺎﺭ، ﻭﺃﻥ ﺴﺒﺏ ﺍﻟﻨﺴﻴﺏ ﺭﺍﺠﻊ ﺇﻟﻰ ﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﻓـﻲ
ﺍﺴﺘﻤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﺼﻐﺎﺌﻪ.
ﻷﻥ ﻟﻜل ﻋﺼﺭ ﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﻓﻜﺭ ﻴﺨﺘﻠﻔﺎﻥ ﻋﻥ ﻋﺼﺭ ﺁﺨﺭ، ﻓﺈﻥ
ﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻴﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﺍﻟﺘﺯﻤﻭﺍ ﺒﺎﻟﺒﻜﺎﺀ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟـﺩﻴﺎﺭ.
ﻭﻤﺨﺎﻁﺒﺔ ﺍﻟﺭﺒﻊ، ﻭﺒﺎﻟﻨﺴﻴﺏ" ﻷﻥ ﺍﺒﻥ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻭﻀﻌﻬﻤﺎ ﻜﺸـﻴﺌﻴﻥ
ﺃﺴﺎﺴﻴﻴﻥ، ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﻠﺘﺯﻡ ﺒﻬﻤﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺍﻟﻔﺤل، ﻓﺼﺎﺭ ﻫـﺅﻻﺀ
ﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﻜﻼﺴﻴﻜﻴﻴﻥ ﺒﻠﻐﺔ ﻋﺼﺭﻨﺎ. ﻭﺭﺃﻴﻨﺎ ﺃﺒﺎ ﻨـﻭﺍﺱ ﻜﻴـﻑ
ﺭﻓﺽ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻁﻼل ـ ﻜﺘﻘﻠﻴﺩ ﻴﻠﺘﺯﻡ ﺒﻪ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒـﻲ
ـ ﺜﻡ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﺏ ﻜﻤﻘﺩﻤﺔ ﻟﻠﻘﺼﻴﺩﺓ:
ﻭﺍﻗ ﹰﺎ ﻤﺎ ﻀﺭ ﻟﻭ ﻜﺎﻥ ﺠﻠﺱ
ﻔ .. ﻗل ﻟﻤﻥ ﻴﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﺴﻡ ﺩﺭﺱ
ﻭﻗﺎل:
.. ﻭﻋﺠﺕ ﺃﺴﺄل ﻋﻥ ﺨﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﺩ
ِ ﻋﺎﺝ ﺍﻟﺸﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﺴﻡ ﻴﺴﺎﺌﻠﻪ
- ٢٢ -
24. ﻭﺭﻓﺽ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﺏ ﻜﺘﻘﻠﻴﺩ ـ ﻜﺫﻟﻙ ـ ﻓﻲ
ﻤﻘﺩﻤﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ:
ﺃﻜل ﻓﺼﻴﺢ ﻗﺎل ﺸﻌ ﺍ ﻤﺘﻴﻡ..؟
ﺭ .. ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻤﺩﺡ ﻓﺎﻟﻨﺴﻴﺏ ﺍﻟﻤﻘﺩﻡ
ﻭﺇﺫﺍ ﺭﺠﻌﻨﺎ ﻤﺭﺓ ﺃﺨﺭﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺠـﺎﻫﻠﻲ، ﺭﺃﻴﻨـﺎ ﺃﻥ
ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻤﺤﻤﺩ ﺃﺤﻤﺩ ﺍﻟﻌﺯﺏ )٦١( ﻴﻘﻭل ﺒﺄﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ
ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ.. ﺍﻋﺘﺭﻀﺘﻬﺎ ﺃﻭل ﺤﺭﻜﺔ ﺘﻤﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺸـﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒـﻲ
ﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ )ﺸﻌﺭ ﺍﻟﺼﻌﺎﻟﻴﻙ( ﺍﻟﺫﻴﻥ ﺸـﻘﻭﺍ ﻋﺼـﺎ ﺍﻟﻁﺎﻋـﺔ..
ﻭﺨﺭﺠﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺠﻤﺎﻉ ﺍﻟﺸﻌﺭﻱ.. ﻭﺇﻥ ﺘﻤﺭﺩ ﺸﻌﺭ ﺍﻟﺼﻌﺎﻟﻴﻙ.
ﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭل ﺘﻤﺭ ﺍ ﻋﻠﻰ ﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺠـﺎﻫﻠﻲ،
ﺩ
ﻭﻟﻠﺩﻨﻭ ﻤﻥ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺭﻴﺩ ﺘﺤﺭﻴﻜﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺍﺘﺠـﺎﻩ
ﺍﻟﻐﻀﺏ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﻀﻌﻴﺔ ﺍﻟﻔﻭﺍﺭﻕ ﺍﻟﺒﺎﻫﻅﺔ ـ ﻓﻜـﺎﻥ
ﺸﻌﺭﻫﻡ ﺘﺼﻭﻴ ﺍ ﻟﻤﻭﺍﻗﻑ ﺍﻻﻀﻁﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻔﻬـﺎ
ﺭ
ﻤﻨﻬﻡ ﻤﺠﺘﻤﻌﻬﻡ؛ ﻭﺇﻋﻼ ﹰﺎ ﻟﻔﻠﺴﻔﺘﻬﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼـﺎﺩﻴﺔ؛
ﻨ
ﻓﺠﺎﺀ ﺸﻌﺭﻫﻡ ﺼﻭﺭﺓ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻭﻁﺭﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ، ﺒـل
ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻜﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻤﺭ ﻋﺼﻭﺭﻩ ﻭﺍﺨﺘﻼﻑ ﺒﻴﺌﺎﺘﻪ، ﻜﻤﺎ
ﻴﻘﻭل ﺩ. ﻴﻭﺴﻑ ﺨﻠﻴﻑ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ "ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ ﻓـﻲ ﺍﻷﺩﺏ
ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ" )٧١(.
- ٣٢ -
25. ﻭﻨﺘﻭﻗﻑ ﻋﻨﺩ ﺘﻌﻠﻴﻕ ﺍﻟﻘﺎﻀـﻲ ﻋﻠـﻲ ﺒـﻥ ﻋﺒـﺩ ﺍﻟﻌﺯﻴـﺯ
ﺍﻟﺠﺭﺠﺎﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﺒﻴﺎﺕ ﻷﺒﻲ ﻨﻭﺍﺱ ﻴﻘﻭل: ﻓﻠﻭ ﻜﺎﻨـﺕ ﺍﻟﺩﻴﺎﻨـﺔ
ﻋﺎ ﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺭ، ﻭﻜﺎﻥ ﺴﻭﺀ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺴﺒ ﺎ ﻟﺘﺄﺨﺭ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ،
ﺒ ﺭ
ﻟﻭﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﻤﺤﻰ ﺍﺴﻡ ﺃﺒﻲ ﻨﻭﺍﺱ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﻭﺍﻭﻴﻥ.. ﻭﻟﻜﺎﻥ ﺃﻭﻻﻫﻡ
ﺒﺫﻟﻙ ﺃﻫل ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ.. ﻭﻟﻜﻥ ﺍﻷﻤﺭﻴﻥ ﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺩﻴﻥ ﺒﻤﻌـﺯل
ﻋﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ )٨١(.
ﻭﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﺘﻤﺭﺩ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺴﻲ ﻋﻠـﻰ ﻤﻀـﻤﻭﻥ ﺍﻟﺸـﻜل
ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻭﺤ ﻩ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜل ﺃﻴ ﺎ، ﻓﻘﺩ ﺸـﺎﻉ ﺍﺴـﺘﻌﻤﺎل
ﻀ ﺩ
ﻋﻜﺱ ﺍﻟﺒﺤﻭﺭ، ﻜﺎﻟﺫﻱ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﺒﺩ ﺍﷲ ﺒﻥ ﻫﺭﻭﻥ ﺒـﻥ ﺍﻟﺴـﻤﻴﺩﻉ
ﺍﻟﺒﺼﺭﻱ ﺤﻴﻥ ﺍﺴﺘﻌﻤل ﻋﻜﺱ ﺍﻟﻤﻨﺴﺭﺡ، ﻭﺭﻭﻯ ﺍﺒﻥ ﻗﺘﻴﺒـﺔ ﺃﻥ
ﺃﺒﺎ ﺍﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ ﺍﺴﺘﺨﺩﻡ ﻋﻜﺱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻁ ﻭﻋﻜﺱ ﺍﻟﻤﺩﻴﺩ )٩١(.
ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻤﺭﺩ ﺍﻟﺨﻁﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﺸﺤﺔ، ﻭﻨﻅﺎﻤﻬـﺎ.. ﻜﻤـﺎ
ﺍﺴﺘﺤﺩﺙ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺩﻭﺒﻴﺕ ﻭﺍﻟﻤﻭﺍﻟﻴﺎ.
ﻭﻴﻘﻭل ﺩﺭﻴﻨﻲ ﺨﺸﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺭﺴﺎﻟﺔ ﺇﻨﻪ ﻻ ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻴﺠـﺯﻡ
ﺒﺄﻥ ﺃﻭل ﺸﺎﻋﺭ ﺒﺩﺃ ﻜﺘﺎﺒﺔ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻤﺭﺴل ﻓﻲ ﻤﺼـﺭ ﻭﺍﻟﻌـﺎﻟﻡ
ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻫل ﻫﻭ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ ﺸﻜﺭﻱ )٦٨٨١ ـ ٩٤٩١ ﻡ( ﺃﻡ
ﺃﻨﻪ ﻤﺤﻤﺩ ﻓﺭﻴﺩ ﺃﺒﻭ ﺤﺩﻴﺩ..؟ )٠٢(.
- ٤٢ -
26. ﻭﻗﺩ ﻓﻀل ﺃﺤﻤﺩ ﺯﻜﻲ ﺃﺒﻭ ﺸﺎﺩﻱ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺤﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸـﻌﺭ
ﺍﻟﻤﺭﺴل.. ﺃﻤﺎ ﻨﻅﺭﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻓﻘﺩ ﻭﺼﻤﺘﻪ ﺒﻔﻘـﺩﺍﻥ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻤ ﺎ )١٢(، ﻭﺇﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺘﻘﻠﻴـﺩﻱ
ﻌ
ﻴﻤﻴل ﺇﻟﻰ ﺍﺴﺘﻌﺒﺎﺩ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ، ﻓﺎﻟﻭﺯﻥ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻴﺠﺭ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺇﻟـﻰ
ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺃﺴﻠﻭﺏ ﻭﺇﻴﻘﺎﻉ ﻭﺘﻜﻨﻴﻜﺎﺕ ﺘﻀـﺭﺏ ﺒﺠـﺫﻭﺭﻫﺎ ﻓـﻲ
ﺃﻋﻤﺎﻕ ﻋﻘﻠﻪ ﺍﻟﺒﺎﻁﻥ.. ﻭﺘﻐﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺇﺒﺩﺍﻋﻪ ﻭﺸﺨﺼـﻴﺘﻪ، ﻭﻗـﺩ
ﺍﺴﺘﻁﺎﻉ ﻜﺜﻴﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﺒـﺎﺤﺜﻴﻥ ﺃﻥ ﻴﺭﺼـﺩﻭﺍ ﻫـﺫﻩ ﺍﻟﺘﺠـﺎﺭﺏ
ﺍﻟﺒﺎﻜﺭﺓ.. ﻤﻨﻬﺎ: ﺘﺠﺎﺭﺏ ﻨﻘﻭﻻ ﻓﻴﺎﺽ ٤٢٩١ﻡ ﻭﺘﺠﺎﺭﺏ ﺤﺴﻥ
ﻜﺎﻤل ﺍﻟﺼﻴﺭﻓﻲ ٧٢٩١ﻡ ﻭﺘﺠﺎﺭﺏ ﺨﻠﻴـل ﺸـﻴﺒﻭﺏ ٢٣٩١ﻡ
ﻭﺘﺠﺎﺭﺏ ﻤﺤﻤﻭﺩ ﺤﺴﻥ ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل ٣٣٩١ﻡ. ﻭﺘﺠـﺎﺭﺏ ﻋﻠـﻲ
ﺃﺤﻤﺩ ﺒﺎﻜﺜﻴﺭ ٦٣٩١ﻡ ﻭﺘﺠـﺎﺭﺏ ﻟـﻭﻴﺱ ﻋـﻭﺽ ٨٣٩١ﻡ،
ﻭﺘﺠﺎﺭﺏ ﻤﺤﻤﺩ ﻤﺼﻁﻔﻰ ﺒﺩﻭﻱ ﻭﻓﺅﺍﺩ ﺍﻟﺨﺸﻥ ٦٤٩١ﻡ.
ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﻴﻘﻭل ﺩ. ﻤﺤﻤﺩ ﺃﺤﻤﺩ ﺍﻟﻌﺯﺏ: "ﻫﺫﺍ ﻴﺅﻜﺩ ـ ﻤـﺭﺓ
ﺃﺨﺭﻯ ـ ﺃﻥ ﺍﻟﺩﻋﻭﺓ ﺇﻟﻰ ﺘﺤﺭﻴﺭ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﻤﺯﺍ ﺎ ﻓﺭﺩ ـﺎ
ﻴ ﺠ
ﺒﻘﺩﺭ ﻤﺎ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻌﺒﻴ ﺍ ﻋﻥ ﺭﺅﻴﺔ ﻤﺭﺤﻠـﺔ ﻭﺠﻴـل، ﺒـﺩﻟﻴل ﺃﻥ
ﺭ
ﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻤﺎﺭﺴﻭﺍ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻜﺎﻨﻭﺍ ﻴﻘﻔﻭﻥ ﻤﻊ ﺘﺠﺎﺭﺒﻬﻡ
ﻤﻭﻗ ﹰﺎ ﻨﻘﺩ ﺎ ﺨﺎﻟ ﺎ ﻴﻭﻀﺢ ﺍﻷﺴﺎﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﺃﻤﻠﻰ ﻋﻠـﻴﻬﻡ
ﺼ ﻔ ﻴ
ﺍﻟﺴﻴﺭ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ".. ﻭﻟﻡ ﺘﻌﺩ ﺤﺭﻜﺘﻬﻡ ﻫﺫﻩ "ﺘﻤﻠﻤﻼ ﺸﻌﺭ ﺎ
ﻴ ﹰ
- ٥٢ -
27. ﻤﻥ ﻨﻤﻁ ﻗﺎﺒﺽ ﻤﺘﻴﺒﺱ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺍﺴﺘﺤﺎﻟﺕ ﺇﻟﻰ ﺘﻤـﺭﺩ ﻓﻜـﺭﻱ
ٍ
ﻨﺎﻫﺽ ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﺘﺎﺒﻊ ﻤﻥ ﺍﺴﺘﻴﻌﺎﺏ ﻟﺤﺭﻜـﺔ ﺍﻟﻔﻜـﺭ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺼﻠﺕ ﻓﻲ ﺍﻨﺩﻓﺎﻋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻤﺎﻡ ﻭﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺍﻟﻭﺭﺍﺀ
ﺇﻟﻰ ﺃﺒﻌﺎﺩ ﺸﺎﺴﻌﺔ، ﻭﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻁﻠﻴﻌﺔ ﻫﺅﻻﺀ ﺍﻟﺸـﻌﺭﺍﺀ ﻟـﻭﻴﺱ
ﻋﻭﺽ.. ﻭﻤﺤﻤﺩ ﻤﺼﻁﻔﻰ ﺒﺩﻭﻱ.
****
ﻓﺒﺎﺴﺘﻘﺭﺍﺀ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﺸﻌﺭﻱ ﻨﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﻟﻡ ﻴﺄﻟﻭﺍ ﺠﻬ ﺍ
ﺩ
ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ.. ﺘﻤﺭ ﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ ﺸﻜﻼ ﻭﻤﻀـﻤﻭ ﹰﺎ. ﻓﻔـﻲ
ﻨ ﹰ ﺩ
ﺃﻴﺎﻡ ﺍﻷﻴﻭﺒﻴﻴﻥ ﻨﺭﻯ ﺍﻟﻘﺎﻀـﻲ ﺍﻟﻔﺎﻀـل )٥٣١١ ـ ٠٠٢١(،
ﻭﻜﺒﻴﺭ ﻭﺯﺭﺍﺀ ﺼﻼﺡ ﺍﻟﺩﻴﻥ.. ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺩﺘﻪ )ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ( ﺍﻟﺫﻱ ﻤﺯﺝ
ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺜﺭ ﺒﺎﻟﺸﻌﺭ، ﻟﻴﻜﺴﺭ ﺤﺩﺓ ﺍﻹﻴﻘﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﺒﺕ.
ﻭﻨﻭﺭﺩ ﻫﻨﺎ ﺒﻌﺽ ﺃﺒﻴﺎﺘﻬﺎ:
ﺃﺼ ـﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨ ـﺎﺩﻱ ﻟﻠﺼ ـﻼﺓ ﻓﺄﻋﺘﻤ ـﺎ
ـ ـ ـ ـ ﻭﺼل ﻜﺘﺎﺏ ﻤﻭﻻﻱ ﺒﻌﺩﻤﺎ
ﺘﺠﻠﻰ ﺍﻟﺫﻱ ﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺒﺩﺭ ﺃﻅﻠﻤـﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﺍﺴﺘﻘﺭ ﻟﺩﻱ
ﺒﻌﻴﻥ ﺇﺫﺍ ﺍﺴﺘﻤﻁﺭﺘﻬﺎ ﺃﻤﻁـﺭﺕ ﺩﻤـﺎ ﻓﻘﺭﺃﺘﻪ
ﻓﺴﺎﺀﻟﺕ ﻤﺼﺭﻭ ﹰﺎ ﻋﻥ ﺍﻟﻨﻁﻕ ﺃﻋﺠﻤـﺎ
ﻓ ﻭﺴﺄﻟﺘﻪ
ﻭﻤ ـﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴ ـﻪ ﻟ ـﻭ ﺃﺠ ـﺎﺏ ﺍﻟﻤﺘﻴﻤ ـﺎ
ـ ـ ـ ـ ـ ﻭﻟﻡ ﻴﺭﺩ ﺠﻭﺍ ﺎ
ﺒ
ﻓﻌﻭﺠﻠﺕ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﻠﻡ ﺃﻥ ﺃﺘﺤﻠﻤــــﺎ ﻭﺭﺩﺩﺘﻪ ﻗﺭﺍﺀﺓ
)٢٢(
ﻜﻤﺎ ﻴﺤﻔﻅ ﺍﻟﺤﺭ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺍﻟﻤﻜﺘﻤـﺎ ﻭﺤﻔﻅﺘﻪ
- ٦٢ -
28. ﻭﻓﻲ ﺃﻭﺍﺨﺭ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎﺕ ﻤﺯﺝ ﻓﻭﺯﻱ ﺍﻟﻌﻨﺘﻴل ﺍﻟﻨﺜﺭ ﺒﺎﻟﺸﻌﺭ،
ﻭﻻ ﻴﻔﻭﺘﻨﺎ ـ ﺃﻴ ﺎ ـ ﺫﻜﺭ ﻗﺼﻴﺩﺓ ﺍﻟﻨﺜﺭ ﻋﻨﺩ ﺤﺴـﻴﻥ ﻋﻔﻴـﻑ
ﻀ
ﻭﺠﺒﺭﺍﻥ ﻭﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﻤﺎﻏﻭﻁ ﻭﺠﺒﺭﺍ ﺇﺒﺭﺍﻫﻴﻡ ﺠﺒﺭﺍ.
ﺃﻤﺎ ﻤﺤﻤﻭﺩ ﺤﺴﻥ ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل ﻓﻘﺩ ﻨﺸﺭ ﻓﻲ ﻤﺠﻠﺔ ﺃﺒﻭﻟﻠﻭ ﻓـﻲ
ﻓﺒﺭﺍﻴﺭ ٣٣٩١ﻡ ﺹ ٩١٦ ﻗﺼﻴﺩﺓ )ﻓﻲ ﻤﺄﺘﻡ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ(.. ﻭﻫﻲ
ﺘﺠﺭﺒﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺘﻘﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻔﻌﻴﻠـﺔ.. ﻭﻜـﺎﻥ ﺍﺴـﺘﻤﺭﺍ ﺍ
ﺭ
ﻟﻤﺴﻴﺭﺓ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ )ﻭﺇﻥ ﻜﺎﻥ ﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻜل(.. ﻤﻨـﺫ ﻗﺼـﻴﺩﺓ
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﺍﻟﻔﺎﻀل.. ﻭﻤﺭﻭ ﺍ ﺒﺨﻠﻴل ﺸﻴﺒﻭﺏ ﻭﻗﺼـﻴﺩﺘﻪ
ﺭ
)ﺍﻟﺸﺭﺍﻉ( ٢٣٩١ﻡ.
ﻭﺘﻌﺒﺭ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻤﺴﻴﺭﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ ﻓـﻲ ﺍﻟﺸـﻜل
ﻭﺍﻟﻤﻀﻤﻭﻥ ﻤ ﺎ ﺒﺯﻋﺎﻤﺔ ﺸﺎﻋﺭﻨﺎ.. ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ.
ﻌ
ﻓﺈﺫﺍ ﻨﻅﺭﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺩﺓ "ﻓﻲ ﻤﺄﺘﻡ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ" ﻨـﺭﻯ ﺸـﺎﻋﺭﻫﺎ
ﻴﻘﻭل:
)٣٢(
"ﻭﺨﺭﻴﺭ ﺍﻟﻨﻬﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺍﺩﻱ ﻜﺄﻨﻐﺎﻡ ﺍﻟﻨﻭﺍﺡ
ﻭﻤﺴﻴل ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻤﻥ ﺠﻔﻥ ﺍﻟﺒﻁﺎﺡ
ﺃﺩﻤﻊ ﺍﻟﻜﻭﻥ ﻭﻋﺒﺭﺍﺕ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ
ﻜل ﻁﻴﺭ ﻨﺎﺡ ﻓﻴﻬﺎ.. ﻨﺎﻋﻴﺎ
- ٧٢ -
29. ﻜل ﻏﺼﻥ ﻤﺎل ﻓﻴﻬﺎ.. ﺭﺍﺜﻴﺎ
ﻜل ﻨﺒﻊ ﺴﺎل ﻓﻴﻬﺎ.. ﺒﺎﻜﻴﺎ
ﻋﺒﺭﺕ ﻴﻡ ﺍﻟﻤﻨﺎﻴﺎ ﻭﺃﻋﺎﺼﻴﺭ ﺍﻷﺴﻰ
ﻏﺎﻟﺕ ﺍﻟﺭﺒﺎﻥ ﻤﻨﻬﺎ.. ﻓﻬﻭﺕ
ﺜﻜﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺸﻁ ﺍﻟﻤﻨﻭﻥ.. ﻻﻫﻔﺔ"..
ﻭﻗﺒل ﻤﺭﺜﻴﺔ ﻤﺤﻤﻭﺩ ﺤﺴﻥ ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل ﻓﻲ ﺸﻭﻗﻲ )ﻓﻲ ﻤـﺄﺘﻡ
ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ( ﻫﺫﻩ، ﻜﺎﻨﺕ ﻗﺼﻴﺩﺓ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺨﻠﻴل ﺸﻴﺒﻭﺏ )ﺍﻟﺸـﺭﺍﻉ(
ﺍﻟﺘﻲ ﻨﺸﺭﺕ ﻓﻲ ﻤﺠﻠﺔ ﺃﺒﻭﻟﻠﻭ ﻓﻲ ﻨﻭﻓﻤﺒﺭ ٢٣٩١ﻡ.
ﻴﻘﻭل ﻓﻴﻬﺎ:
)٤٢(
ﻁﻠﻊ ﺍﻟﻨﺠﻡ ﻜﻤﺎ ﻴﺒﺘﺴﻡ
ﺜﻐﺭ ﺤﺴﻨﺎﺀ ﺍﺒﺘﺴﺎﻡ ﺍﻷﻤل
ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺤﺏ ﻓﻴﻪ ﻴﻨﺠﻠﻲ
ﻋﻥ ﻤﻨﻰ ﻓﺎﺘﻨﺔ ﻨﻔﺱ ﺍﻟﺨﻠﻲ
ﻜل ﻨﻔﺱ ﻜﺴﻤﺎﺀ ﺘﻌﺘﻠﻲ
ﻭﺒﻬﺎ ﺍﻵﻤﺎل ﻫﺫﻱ ﺍﻷﻨﺠﻡ
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﻕ ﺒﻬﺎﺭ
ﻗﺎﻡ ﻟﻤﺎ ﻭﺩﻉ ﺍﻟﻠﻴل ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ
- ٨٢ -
30. ﺃﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﺸﺭﺍﻉ ﺤﺴﺒﻙ ﺠﻭﺒﺎ
ﻋﺩ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻤﺒﻴﺕ ﻗﺭﺒﺎ
ﻭﺍﻨﺘﺯﻉ ﻋﻨﺩﻙ ﻜﺴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻴل ﺜﻭﺒﺎ
ﺸﺤﺒﺎ
ﺘﺤﺘﻙ ﺍﻟﻠﺠﺔ ﺍﻟﺴﺤﻴﻘﺔ ﺘﺩﻭﻱ
ﻓﻭﻗﻙ ﺍﻟﻼﻨﻬﺎﻴﺔ ﺍﻷﺒﺩﻴﺔ
ﻭﺃﻤﺎﻤﻙ ﺍﻷﻓﻕ ﺍﻟﺒﻌﻴﺩ ﻴﻀﻠل
ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻪ ﺍﻟﻤﺘﻔﻜﺭ ﺍﻟﻤﺘﺄﻤل
ﺃﻨﺕ ﻜﺎﻷﻨﺠﻡ ﻻ ﺘﻬﻭﻱ
ﺃﻨﺕ ﻜﺎﻷﻏﺼﻥ ﺘﺫﻭﻱ
ﺃﻭ ﺍﻟﺯﻫﺭ ﻗﺩ ﺃﻓﻘﺩﺘﻪ ﺍﻟﺴﻤﻭﻡ ﺭﺍﺌﺤﺔ ﺍﻷﺭﺝ..".
****
ﺇﻥ ﻗﺼﻴﺩﺓ )ﺍﻟﻤﻠﻙ ﻟﻙ( )ﻭﺸﻨﻕ ﺯﻫـﺭﺍﻥ(.. ﻫـﻲ ﺍﻟﺒﺩﺍﻴـﺔ
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺭ.. ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ.. ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ.. ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﻲ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻜﻨﺎ ﻤﺭﺭﻨﺎ ﺒﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺒﻌﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩﻱ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ
ﻨﺫﻜﺭﻫﺎ، ﻓﻠﻴﺱ ﺇﻫﻤﺎﻻ ﻟﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﻨﻜﺎ ﺍ.. ﺒل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜـﺱ ﻤـﻥ
ﺭ ﹰ
ﺫﻟﻙ.. ﻓﻘﺩ ﺍﺘﻔﻕ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﻭﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﻤ ﺎ ﻤﻤﺎ ﻻ ﻴﺩﻉ ﻤﺠﺎﻻ ﻟﻠﺸـﻙ
ﹰ ﻌ
- ٩٢ -
31. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﻓﻌﻠﻪ ﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩﻱ ﻫﻭ "ﺒﻌﺙ" ﺒﺎﻟﻤﺩﻟﻭل ﺍﻟﻠﻔﻅﻲ ﻟﻜﻠﻤﺔ
"ﺒﻌﺙ".. ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ.
ﻜﺫﻟﻙ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﺩﻴﻭﺍﻥ ﺒﺜﺎﻟﻭﺜﻬﺎ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ )ﻜﻤـﺎ
ﻴﻘﻭل ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻌﺯﻴﺯ ﺸـﺭﻑ(: ﺍﻟﻌﻘـﺎﺩ ـ ﺸـﻜﺭﻱ ـ
ﺍﻟﻤﺎﺯﻨﻲ ـ ﻟﺘﺭﺴﻲ ﺩﻋﺎﺌﻡ ﺍﻟﺘﺠﺩﻴﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ، ﻤﺒﺘﺩﺌـﺔ
ﺒﺎﻟﺜﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩ ﻤﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﺤﻤﺩ ﺸﻭﻗﻲ، ﻭﺘﺒﻠﻭﺭﺕ
ﻤﻼﻤﺢ ﻤﺩﺭﺴﺘﻬﻡ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺏ "ﺍﻟﺩﻴﻭﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﻭﺍﻷﺩﺏ" )٥٢(...".
ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻟﻤﻬﺠﺭ.. ﺘﻠﻙ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ
ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ ﺤﺘﻰ ٨٤٩١ﻡ.. ﻭﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻜﺎﻨﺕ ﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ
ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴـﺔ ﻗـﺩ ﻋﺎﺸـﺕ ﻤﺭﺤﻠﺘﻬـﺎ
ﺍﻟﺤﺎﺴﻤﺔ ﺒﻨﻜﺒﺔ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ، ﺍﻟﺘﻲ ﻤﺜﻠﺕ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋـﻥ ﻓﺸـل
ﺍﻷﺴﻠﻭﺏ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻋﺎﺸﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﻜﻠﻬﺎ )٦٢(.
"ﻏﻴﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻭﻀﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﺍﻨﻬﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺭﺍﻕ ﺒﺯﻭﺍل ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ
ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻭﻗﻴﺎﻡ ﺜﻭﺭﺘﻪ ﻓﻲ ﻴﻭﻟﻴﻭ ٨٥٩١ﻡ، ﻭﻜﺎﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﺜﻭﺭﺓ ﻴﻭﻟﻴﻭ
ﻓﻲ ٢٥٩١ﻡ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ ﻭ ٤٥٩١ﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭ ﺍﺤﺘﺠﺎ ﺎ ﻋﻠﻰ
ﺠ
ﻓﺸل ﺍﻷﺴﻠﻭﺏ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻋﺎﺸﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﻁﻘﺔ ﻭﺍﻟﺫﻱ ﺠﺴﻤﺘﻪ
ﻨﻜﺒﺔ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ.. ﻭﻜﺎﻥ ﻻﺒﺩ ﺃﻥ ﻴﻭﻟﺩ ﺸﻌﺭ ﺠﺩﻴﺩ ﻴـﺭﻓﺽ ﻫـﻭ
- ٠٣ -
32. ﺍﻵﺨﺭ ﺍﻷﺴﻠﻭﺏ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ ﻓﻴﻌﻨﻲ ﺒـﺎﻟﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻌﺭﺒـﻲ..
ﻤﺸﺎﻜﻠﻪ ﻭﺁﻤﺎﻟﻪ.. ﻭﺃﻫﺩﺍﻓﻪ" )٧٢(.
ﻓﺎﻟﺸﻌﺭ ﻓﻲ ﻨﻅﺭ ﺇﻟﻴﻭﺕ ﺘﺭﻜﻴﺯ ﻻ ﺍﺴﺘﺭﺠﺎﻉ ـ ﻭﻤﻥ ﻫـﺫﺍ
ﺍﻟﺘﺭﻜﻴﺯ ﺘﻨﺒﻊ ﻓﺭﻭﻉ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﺘﺘﺼل ﺒﺨﺒﺭﺍﺕ ﻤﺘﺸـﻌﺒﺔ، ﻭﻫـﺫﻩ
ﺍﻟﺨﺒﺭﺍﺕ ﻟﻴﺴﺕ ﺸﺨﺼﻴﺔ ﺃﻱ ﺃﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﻨﺒﻊ ﻤﻥ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ، ﺒل
ﺃﻨﻬﺎ ﻤﻭﻀﻭﻋﻴﺔ ﺘﻨﻡ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﺤﺎﻡ ﺍﻟﺸﻌﻭﺭ ﺒﺎﻟﻼﺸﻌﻭﺭ ﻭﻤﺯﺠﻬﻤـﺎ
ﻓﻲ ﻤﺤﻴﻁ ﺸﻌﺭﻱ ﻭﺍﺤﺩ، ﻭﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ ﻓﺎﻟﺸـﻌﺭ ﻫـﺭﻭﺏ ﻤـﻥ
ﺍﻟﻭﺠﺩﺍﻥ، ﻜﻤﺎ ﺃﻨﻪ ﻫﺭﻭﺏ ﻤﻥ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻨﻬﻤﺎ
ﻴﺠﺭﻨﺎ ﺜﺎﻨﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺒﺭﺍﺜﻥ ﺍﻟﺭﻭﻤﺎﻨﺴﻴﺔ )٨٢(.
ﹰ
ﻓﺎﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﻨﻭﻴﻬﻲ ﻴﺜﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻟﻠﻘﺼﻴﺩﺓ
ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ، ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺫﻱ ﻅل ﻴﺴﺘﺨﺩﻡ ﺃﻟ ﹰﺎ ﻭﺃﺭﺒﻌﻤﺎﺌـﺔ ﻤـﻥ
ﻔ
ﺍﻟﺴﻨﻴﻥ ﺒل ﺘﺯﻴﺩ، ﻓﻔﻘﺩ ﻗﺩﺭﺘﻪ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴـﺭ ﻋـﻥ ﻋﻭﺍﻁـﻑ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ )٩٢(.
ﻭﻴﻁﻠﻕ ﺩ. ﺍﻟﻨﻭﻴﻬﻲ ﺤﻜﻤﻪ ﺒﻤﻭﺕ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻭﺒﻌﺠـﺯﻩ
ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻋﻥ ﻤﻭﺍﺼﻠﺔ ﺍﻟﻔﻌل ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻴﺭﺠﻊ ﺫﻟﻙ ﺇﻟﻰ ﻋـﺎﻤﻠﻴﻥ:
ﻁﻭل ﺍﻟﻌﻬﺩ ﺒﻪ، ﻭﻏﻠﺒﺔ ﺍﻟﻜﺫﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻤﻌﻅﻡ ﺘﺎﺭﻴﺨﻪ ﺍﻟﻁﻭﻴل،
ﻭﻻ ﻴﻨﺴﻰ ﺃﻥ ﻴﻨﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻜﺎﻥ ﻴﺤﻤل ﻤﻨﺫ
ﺍﻟﺒﺩﺀ ﺠﺭﺍﺜﻴﻡ ﺠﻤﻭﺩ ﻭﺘﺤﺠﺭﻩ )٠٣(.
- ١٣ -
33. ﻭﺍﻟﻤﻀﻤﻭﻥ ﻭﺍﻟﺸﻜل ـ ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ﺁﺭﻨﺴﺕ ﻓﻴﺸﺭ ـ ﻴـﺭﺘﺒﻁ
ﻜل ﻤﻨﻬﻤﺎ ﺒﺎﻵﺨﺭ ﺒﺭﺒﺎﻁ ﻭﺜﻴﻕ ﻓﻲ ﺘﻔﺎﻋل ﺠﺩﻟﻲ.. ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ
"ﻀﺭﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﻥ" ﻴﻘﻭل ﻨﺤﻥ ﻨﺩﺭﻙ ﺠﻴ ﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ ﺍﻟﺸـﻌﺭﻴﺔ
ﺩ
ﺍﻟﻨﺎﺠﺤﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﻤﻨﺤﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﻀﻤﻭﻨﻪ ﻓﻲ ﻭﺤﺩﺓ ﻋﻀﻭﻴﺔ
ﻤﺘﺩﺍﻤﺠﺔ ﻜﺎﻟﺯﻫﺭﺓ ﻭﺃﺭﻴﺠﻬﺎ )١٣(.
ﻭﻴﻼﺤﻅ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻋﺯ ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼـﺭ
ﻗﺩ ﺍﺴﺘﺤﺩﺙ ﻓﻲ ﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ )٢٣( ﻨﻭ ﺎ ﻤـﻥ ﺍﻟﻐﻤـﻭﺽ
ﻋ
ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﻭﺕ ﻭﺍﻟﻤﺭﺘﺒﻁ ﺃﺴﺎ ﺎ ﺒﺎﻟﻤﺼﻁﻠﺢ ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩ، ﻭﻨﻭ ـﺎ ﻤـﻥ
ﻋ ﺴ
ﺍﻟ ﻤﺯ ﻭﺍﻷﺴﻁﻭﺭﺓ ﻟﻼﺴﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻕ ﻋـﺎﻟﻡ ﻤﻌـﺎﺩل
ﺭ
ﻟﻠﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺭﻴﺩ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺘﺠﺴـﻴﺩﻩ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴـﺭ ﻋﻨـﻪ،
ﻭﻨﻭ ﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﺭﺍﻤﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺨﺭﺝ ﺒﺎﻟﺸﻌﺭ ﻋﻥ ﻤﺠﺭﺩ ﻜﻭﻨﻪ ﺒﻭ ـﺎ
ﺤ ﻋ
ﻏﻨﺎﺌ ﺎ ﺇﻟﻰ ﻜﻭﻨﻪ ﻏﻨﺎﺀ ﻓﻜﺭ ﺎ.. ﻭﻨﻭ ﺎ ﻤﻥ ﺍﻻﻏﺘـﺭﺍﺏ ﺍﻟـﺫﻱ
ﻋ ﻴ ﻴ
ﻴﻼﺯﻡ ﺇﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﺠﻭﺱ ﺨﻼل ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ، ﻭﻗﺩ ﻋـﺎﻨﻰ
ﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺤﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﺠﺭﺒﺔ ﻭﺃﺤﺴﻨﻭﺍ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻨﻬﺎ ﺘﻤﺎ ﺎ،
ﻤ
ﻭﻨﻭ ﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺯﻥ ﺍﻟﻨﺎﺒﻊ ﻤﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﻟﻠﻤﺴـﺄﻟﺔ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴـﺔ
ﻋ
ﻭﺍﻟﻭﺠﻭﺩﻴﺔ ﻭﻤﻌﺎﻨﺎﺘﻬﺎ ﻜﺄﻨﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﻭﺠﻭﺩﻩ ﺍﻟﻔﺭﺩﻱ، ﻭﻨﻭ ﺎ ﻤـﻥ
ﻋ
ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﻭﺍﻟﺜﻭﺭﻴﺔ ﻴﺭﻓﺽ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﻤﺠـﺭﺩ ﺸـﺎﻫﺩ
ﻟﻠﻌﺼﺭ، ﻭﻴﺩﺨل ﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺠﺩل ﺍﻟﻔﻌل ﻭﺍﻟﺨﻠﻕ ﻭﺍﻻﻟﺘﺤﺎﻡ".
- ٢٣ -
34. ﻭﻜﺫﻟﻙ ﺘﺭﻯ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭﺓ ﺴﻠﻤﻰ ﺍﻟﺨﻀﺭﺍﺀ ﺍﻟﺠﻴﻭﺴـﻲ )٣٣( ﺃﻥ
ﺘﻤﺭﺩ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﺤﺭ ـ ﻭﺍﻟﺫﻱ ﺃﻓﻀل ﺃﻥ ﺃﻁﻠـﻕ ﻋﻠﻴـﻪ ﺘﻌﺒﻴـﺭ
ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ ـ ﻫﻭ ﺘﻤﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻭﺩ ﻭﺨﺎﺼﺔ ﺒﻌﺩ ﻨﻜﺒـﺔ
٨٤٩١ﻡ، ﻭﺘﻤﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻟﺫﻱ ﻓـﻲ ﻅﻠـﻪ ﺤـﺩﺙ ﻫـﺫﺍ
ﺍﻻﻨﺤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ. ﻭﺘﻤﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﻓﺼل ﺍﻟﻌﺫﺍﺏ ﺍﻟﺫﺍﺘﻲ ﻋـﻥ
ﺍﻟﻌﺫﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﺌﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺩﺤﺔ ﺘﺤﺘـﻪ،
ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺨﻀﻊ "ﺇﺠﻤـﺎﻻ ﻟﻠﺘﻴـﺎﺭﺍﺕ
ﹰ
ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ ﺍﻟﻭﺍﻓﺩﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻤﻥ ﻏﺭﺏ ﺃﻭﺭﻭﺒﺎ ﻭﺸﺭﻗﻬﺎ، ﻤﻊ ﺘﻔـﺎﻭﺕ
ﻓﻲ ﺘﺄﺜﻴﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺒﻴﻥ ﺒﻠﺩ ﻋﺭﺒـﻲ ﻭﺁﺨـﺭ" "ﺇﻥ ﺘـﺎﺭﻴﺦ
ﺍﻟﻌﺭﺏ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻫﻭ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺜﻭﺭﺍﺕ ﻭﻜﻔﺎﺡ، ﻭﺨﻴﺒـﺎﺕ ﻜﺜﻴـﺭﺓ،
ﻭﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﻜﺎﻥ ﺃﻏﻠﺒﻬﺎ ﻓﺎﺸ ﹰ، ﺜﻡ ﻜﻔﺎﺡ ﻭﺜﻭﺭﺍﺕ ﺠﺩﻴﺩﺓ، ﻫـﺫﻩ
ﻼ
ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﺍﺸﺘﺭﻜﺕ ﻤﻊ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴـﺘﻤﺭﺓ ﻓـﻲ ﺨﻠـﻕ
ﻨﻤﻭﺫﺝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ؛ ﻤﻥ ﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺭﻭﺍﺩ: ﺇﻨﻪ ﺸﺎﻋﺭ
ﻤﺼﺎﺏ ﺒﺠﺭﺡ ﺭﻭﺤﻲ ﻋﻤﻴﻕ".
ﻭﻜﻤﺎ ﻴﺫﻫﺏ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﻌﺯﺏ ﻨﺫﻫﺏ ﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻫـﺫﻩ
ﺍﻟﻤﻘﻭﻻﺕ ﺍﻟﻨﻘﺩﻴﺔ ﻨﺴﺘﻁﻊ ﻤﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﻨﺭﻯ ﺃﻥ ﺘﻤﺭﺩ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﺸـﻌﺭ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﻜﻼﺴﻴﻜﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ. ﻜـﺎﻥ
ﺘﻤﺭ ﺍ ﺴﻴﺎﺴ ﺎ، ﻭﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺯﻴﻘﻴﺎ ﻭﻓﻜﺭ ﺎ..
ﻴ ﻴ ﺩ
- ٣٣ -
35. "ﺍﻟﻔﻥ ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻻ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ".
ﻫﻜﺫﺍ ﻴﻘﻭل ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ: )ﺤﻴـﺎﺘﻲ ﻓـﻲ
ﺍﻟﺸﻌﺭ( ﻭﻴﻘﻭل: ﺇﻥ ﺴﻘﺭﺍﻁ ﻟﻡ ﻴﺘﻭﺠﻪ ﺒﺨﻁﺎﺒﻪ "ﺍﻋﺭﻑ ﻨﻔﺴﻙ.."
ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ، ﻷﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻭﺠـﻭﺩ ﺍﻟﻭﺤﻴـﺩ ﺍﻟـﺫﻱ
ﻴﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻴﻌﻲ ﺫﺍﺘﻪ.. ﻓﻭﻋﻲ ﺍﻟﺫﺍﺕ ﻫﻭ ﻨﻘﻁﺔ ﺍﻨﻁـﻼﻕ ﻨﻘـﺩ
ﺍﻟﺫﺍﺕ ﺍﻟﺫﻱ ﻫﻭ ﺍﻟﺨﻁﻭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻘﺩﻡ.
ﻭﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ ـ ﻋﻨﺩ ﺼﻼﺡ، ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل ـ ﻫـﻲ ﻨـﻭﻉ ﻤـﻥ
ﺍﻟﺤﻭﺍﺭ ﺍﻟﺜﻼﺜﻲ. ﻓﻬﻲ ﺘﺒﺩﺃ ﺨﺎﻁﺭﺓ ﻴﻅﻥ ﻤﻥ ﻻ ﻴﻌﺭﻓﻬـﺎ ﺃﻨﻬـﺎ
ﻫﺎﺒﻁﺔ ﻤﻥ ﻤﻨﺒﻊ ﻤﺘﻌﺎل ﻋﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭ.
ٍ
ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻴﺤﺩﺜﻨﺎ ﻜﻭﻟﻥ ﻭﻟﺴﻥ ﻋﻥ ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ Visionﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﻪ:
)ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻭﺍﻟﺼﻭﻓﻴﺔ( )٤٣( ﻓﻴﻘﻭل: ﺍﻟﺭﺅﻴﺎ ﺍﻟﺼﻭﻓﻴﺔ ﺘﺘﻡ ﺤـﻴﻥ
ﻴﺯﺍﻭل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻨﻅﺭﺓ ﻋﺼـﻔﻭﺭﻴﺔ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ، ﺃﻱ ﺤـﻴﻥ
"ﻴﻨﺴﺤﺏ ﻤﻨﻬﺎ" ﻭﻟﻭ ﻟﻠﺤﻅﺔ ﻭﺍﺤﺩﺓ، ﻓﻴﺭﻯ ﻤﻨﻬﺎ ﻗﺩ ﺍ ﺃﻜﺒﺭ، ﺒﺩﻻ
ﹰ ﺭ
ﻤﻥ ﺒﻘﺎﺌﻪ ﻤﺤﺼﻭ ﺍ ﻀﻤﻥ ﺍﻟﺒﺅﺭﺓ ﺍﻟﻀـﻴﻘﺔ، ﺒـﺅﺭﺓ ﻨﻅﺭﺘـﻪ
ﺭ
ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ.
ﻭﻓﻲ ﻗﺼﻴﺩﺓ "ﺍﻟﻠﻭﺍﻟﺏ" ﻟﻠﺸﺎﻋﺭ ﻴﻴﺘﺱ، ﻴﻜﺭﺭ ﺒﻀﻊ ﻨﺒـﻭﺀﺍﺕ
ﻤﺘﺸﺎﺌﻤﺔ ﻋﻥ "ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ":
- ٤٣ -
36. ﻭﻤﺎﺫﺍ ﻴﻬﻡ..؟ ﺇﻥ ﺼﻭ ﹰﺎ ﻴﺘﺴﻠل ﻤﻥ ﺩﺍﺨل ﻜﻬﻑ، ﻭﻜل ﻤـﺎ
ﺘ
ﻴﻌﺭﻓﻪ ﻫﻭ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ: "ﺍﺒﺘﻬﺞ"!
ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻫﻭ ﺤﺎﻟﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻭﻓﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﺃﻥ
ﻴﺨﻀﻊ ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻟﺴﻠﻁﺎﻥ ﺨﻀﻭﻉ ﺍﻟﻤﺘﺼﻭﻑ ﺍﻟﺒﺎﺤﺙ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﻭﺤﺩ،
ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻥ، ﻭﺍﻟﻤﺘﻭﻗﺩ ﻭﺠﺩﺍ ﺃﺒ ﺍ، ﻟﻜﻥ ﻟﻴﺱ ﺨﻀﻭ ﺎ ﻫﻼﻤ ﺎ ﺃﻭ ﺃﻥ
ﻴ ﻋ ﺩ
ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺨﻀﻭﻉ ﻟﻪ ﺸﻜل "ﻫﻤﺎﻴﻭﻨﻲ"، ﻷﻥ ﺍﻟﺸـﺎﻋﺭ ﻓـﺭﺩ ﻓـﻲ
ﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻴﻌﻴﺵ ﻤﻊ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻤﻥ ﺨﻼل ﻋﺼﺭ ﻤﺎ.
ﻴﻘﻭل ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ )٥٣(:
ﻨﻌﺘﺯل ﺍﻟﺫﺍﺕ ﻋﻨﺩﺌﺫ ﻟﻜﻲ ﺘﻌﻲ ﺫﺍﺘﻬﺎ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﻜـل ﻓـﻥ
ﻋﻅﻴﻡ ﻻ ﻴﻭﻟﺩ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻅﻼل ﺍﻟﺘﻭﺤﺩ، ﻭﻟﻌل ﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﻋﺒﺭ ﻋﻨـﻪ
ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ ﺤﻴﻥ ﻗﺎل:
ﻭﺃﺨﺭﺝ ﻤﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺒﻴﻭﺕ ﻟﻌﻠﻨﻲ .. ﺃﺤﺩﺙ ﻋﻨﻙ ﺍﻟﻨﻔﺱ ﻴﺎ ﻟﻴل ﺨﺎﻟﻴﺎ
ﻭﻴﻘﻭل ﺸﺎﻋﺭﻨﺎ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ )٦٣( ﻓﻲ ﺤﺩﻴﺙ ﺨﺎﺹ: ".. ﺃﻨﺎ
ﻤﻥ ﺠﻴل ﺘﻔﺘﺤﺕ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻨﻜﺒـﺔ ٨٤٩١ﻡ، ﻭﻋﻠـﻰ ﺇﻋـﻼﻥ
ﺍﻷﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺭﻓﻴﺔ.. ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺩﺍﻥ ﺍﻟﺸﺭﻑ.. ﻭﻓﻘﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﺭﻴﺔ!!".
ﻭﻜﺎﻨﺕ ﻗﺼﻴﺩﺓ "ﺸﻨﻕ ﺯﻫﺭﺍﻥ" ﻫﻲ ﺍﻟﺒﺩﺍﻴﺔ.. ﺒﺩﺍﻴـﺔ ﺜـﻭﺭﺓ
ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ، ﻭﺍﻟﺘﺤﺎﻤﻪ ﺒﺭﻜﺏ ﺍﻟﺜـﻭﺭﺓ ﺍﻟﺸـﻌﺭﻴﺔ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ.
- ٥٣ -
37. ﻭﺒﺎﻟﻤﻘﺎﺭﻨﺔ ﺒﻴﻥ )ﺩﻨﺸـﻭﺍﻱ ـ ﺸـﻭﻗﻲ(، ﻭ )ﺩﻨﺸـﻭﺍﻱ ـ
ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ( ﻴﺘﻜﺸﻑ ﻟﻨﺎ ﻜﻴﻑ ﻜﺎﻥ ﺸﻭﻗﻲ ﺘﺴـﺠﻴﻠ ﺎ،
ﻴ
ﻭﻜﻴﻑ ﻜﺎﻥ ﺼﻼﺡ ﻤﺒﺩ ﺎ.. ﻭﻴﻘﻭل ﺸﻭﻗﻲ:
ﻋ
ﻴﺎ ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ ﻋﻠـﻰ ﺭﺒـﺎﻙ ﺴـﻼﻡ .. ﺫﻫﺒﺕ ﺒﺄﻨﺱ ﺭﺒﻭﻋـﻙ ﺍﻷﻴـﺎﻡ
ﺸﻬﺩﺍﺀ ﺤﻜﻤﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺘﻔﺭﻗـﻭﺍ .. ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻟﻠﺸﻤل ﺍﻟﺸﺘﻴﺕ ﻨﻅـﺎﻡ
ﻤﺭﺕ ﻋﻠﻴﻬﻡ ﻓـﻲ ﺍﻟﻠﺤـﻭﺩ ﺃﻫﻠـﺔ .. ﻭﻤﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﻭﺩ ﺍﻟﻌﺎﻡ
ﹲ
ﻭﺒﺄﻱ ﺤﺎل ﺃﺼـﺒﺢ ﺍﻷﻴﺘـﺎﻡ
ٍ ﻜﻴﻑ ﺍﻷﺭﺍﻤل ﻓﻴﻙ ﺒﻌـﺩ ﺭﺠﺎﻟﻬـﺎ
..
ﻟﻌﺭﻓﺕ ﻜﻴﻑ ﺘﻨﻔـﺫ ﺍﻷﺤﻜـﺎﻡ
ﹸ ﻨﻴﺭﻭﻥ ﻟﻭ ﺃﺩﺭﻜﺕ ﻋﻬﺩ "ﻜﺭﻭﻤﺭ"
ٍ
..
ﺸﻌ ﺎ ﺒﻭﺍﺩﻱ ﺍﻟﻨﻴل ﻟﻴﺱ ﻴﻨـﺎﻡ
ﺒ ﻨﻭﺤﻲ ﺤﻤﺎﺌﻡ ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ ﻭﺭﻭﻋـﻲ
..
ﺴﺤ ﺍ ﻭﺒﻴﻥ ﻓﺭﺍﺸـﻪ ﺍﻷﺤـﻼﻡ
ﺭ ﺇﻥ ﻨﺎﻤﺕ ﺍﻷﺤﻴـﺎﺀ ﺤﺎﻟـﺕ ﺒﻴﻨـﻪ
ـ ﺃﻤﺎ ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ ـ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ، ﻓﻬﻲ:
ﺸﻨﻕ ﺯﻫﺭﺍﻥ:
ﻭﺜﻭﻯ ﻓﻲ ﺠﺒﻬﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ
ﻭﻤﺸﻰ ﺍﻟﺤﺯﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻜﻭﺍﺥ.. ﺘﻨﻴﻥ ﻟﻪ ﺃﻟﻑ ﺫﺭﺍﻉ
ﻜل ﺩﻫﻠﻴﺯ ﺫﺭﺍﻉ
ﻤﻥ ﺃﺫﺍﻥ ﺍﻟﻅﻬﺭ ﺤﺘﻰ ﺍﻟﻠﻴل.. ﻴﺎ ﷲ ﻓﻲ ﻨﺼﻑ ﻨﻬﺎﺭ
ﻜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺤﻥ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻨﺼﻑ ﻨﻬﺎﺭ
- ٦٣ -
38. ﻤﺫ ﺘﺩﻟﻰ ﺭﺃﺱ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺍﻟﻭﺩﻴﻊ
ﻜﺎﻥ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﻏﻼ ﺎ
ﻤ
ﺃﻤﻪ ﺴﻤﺭﺍﺀ ﻭﺍﻷﺏ ﻤﻭﻟﺩ
ﻭﺒﻌﻴﻨﻪ ﻭﺴﺎﻤﺔ
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺩﻍ ﺤﻤﺎﻤﺔ
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺯﻨﺩ ﺃﺒﻭ ﺯﻴﺩ ﺴﻼﻤﻪ
ﻤﻤﺴ ﹰﺎ ﺴﻴ ﹰﺎ، ﻭﺘﺤﺕ ﺍﻟﻭﺸﻡ ﻨﺒﺵ ﻜﺎﻟﻜﺘﺎﺒﺔ
ﻜ ﻔ
ﺍﺴﻡ ﻗﺭﻴﺔ
ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ
ﺸﺏ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﻗﻭ ﺎ
ﻴ
ﻭﻨﻘﻴﺎ
ﻴﻁﺄ ﺍﻷﺭﺽ ﺨﻔﻴ ﹰﺎ
ﻔ
ﻭﺃﻟﻴﻔﺎ
ﹰ
ﻜﺎﻥ ﻀﺤﺎ ﹰﺎ ﻭﻟﻭ ﺎ ﺒﺎﻟﻐﻨﺎﺀ
ﻋ ﻜ
ﻭﺴﻤﺎﻉ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻓﻲ ﻟﻴل ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ
ﻭﻨﻤﺕ ﻓﻲ ﻗﻠﺏ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺯﻫﻴﺭﺓ
- ٧٣ -
39. ﺴﺎﻗﻬﺎ ﺨﻀﺭﺍﺀ ﻤﻥ ﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻓﺭﻋﻬﺎ ﺃﺤﻤﺭ ﻜﺎﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺼﻨﻊ ﻗﺒﻠﻪ
ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻤﺭ ﺒﻅﻬﺭ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﻴﻭ ﺎ
ﻤ
ﺫﺍﺕ ﻴﻭﻡ
****
ﻤﺭ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺒﻅﻬﺭ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﻴﻭ ﺎ
ﻤ
ﻭﺍﺸﺘﺭﻯ ﺸﺎﻻ ﻤﻨﻤﻨﻡ
ﹰ
ﻭﻤﺸﻰ ﻴﺨﺘﺎل ﻋﺠ ﺎ ﻤﺜل ﺘﺭﻜﻲ ﻤﻌﻤﻡ
ﺒ
ﻭﻴﺠﻴل ﺍﻟﻁﺭﻑ.. ﻤﺎ ﺃﺤﻠﻰ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ
ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﺼﻨﻊ ﺤ ﺎ
ﺒ
ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﺠﻬﺩ ﺃﻥ ﻴﺼﻁﺎﺩ ﻗﻠ ﺎ
ﺒ
ﻜﺎﻥ ﻴﺎ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﺯﻓﺕ ﻟﺯﻫﺭﺍﻥ ﺠﻤﻴﻠﺔ
ﻜﺎﻥ ﻴﺎ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﺃﻨﺠﺏ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﻏﻼ ﺎ ﻭﻏﻼﻤﺎ
ﻤ
ﻜﺎﻥ ﻴﺎ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻤﺭﺕ ﻟﻴﺎﻟﻴﻪ ﺍﻟﻁﻭﻴﻠﺔ
ﻭﻨﻤﺕ ﻓﻲ ﻗﻠﺏ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺸﺠﻴﺭﺓ
ﺴﺎﻗﻬﺎ ﺴﻭﺩﺍﺀ ﻤﻥ ﻁﻴﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
- ٨٣ -
40. ﻓﺭﻋﻬﺎ ﺃﺤﻤﺭ ﻜﺎﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﺭﻕ ﺤﻘﻼ
ﹰ
ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻤﺭ ﺒﻅﻬﺭ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﻴﻭ ﺎ
ﻤ
ﺫﺍﺕ ﻴﻭﻡ.
****
ﻤﺭ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺒﻅﻬﺭ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﻴﻭ ﺎ
ﻤ
ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﺭﻕ ﺤﻘﻼ
ﹰ
ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺼﻨﻊ ﻁﻔﻼ
ﹰ
ﻜﺎﻥ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺼﺩﻴ ﹰﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ
ﻘ
ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﻨﻴﺭﺍﻥ ﺘﺠﺘﺎﺡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻤﺩ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻨﺠﻡ ﻜ ﹰﺎ
ﻔ
ﻭﺩﻋﺎ.. ﻴﺴﺄل ﻟﻁ ﹰﺎ
ﻔ
ﺭﺒﻤﺎ، ﺴﻭﺭﺓ ﺤﻘﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻤﺎﺀ
ﺭﺒﻤﺎ ﺍﺴﺘﻌﺩﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ
ﻭﻀﻊ ﺍﻟﻨﻁﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻜﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﻼﻥ ﺠﺎﺀﻭﺍ
ﻭﺃﺘﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﻑ )ﻤﺴﺭﻭﺭ( ﻭﺃﻋﺩﺍﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﺼﻨﻌﻭﺍ ﺍﻟﻤﻭﺕ ﻷﺤﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
- ٩٣ -
41. ﻭﺘﺩﻟﻰ ﺭﺃﺱ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺍﻟﻭﺩﻴﻊ
ﱠ
****
ﻗﺭﻴﺘﻲ ﻤﻥ ﻴﻭﻤﻬﺎ ﻟﻡ ﺘﺄﺘﺩﻡ ﺇﻻ ﺍﻟﺩﻤﻭﻉ
ﻗﺭﻴﺘﻲ ﻤﻥ ﻴﻭﻤﻬﺎ ﺘﺄﻭﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺭﻜﻥ ﺍﻟﺼﺩﻴﻊ
ﻗﺭﻴﺘﻲ ﻤﻥ ﻴﻭﻤﻬﺎ ﺘﺨﺸﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻜﺎﻥ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﺼﺩﻴ ﹰﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ
ﻘ
ﻤﺎﺕ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﻭﻋﻴﻨﺎﻩ ﺤﻴﺎﺓ
ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﻗﺭﻴﺘﻲ ﺘﺨﺸﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ....؟!
****
ﻭﺘﻌﺎﺩل ﺤﺎﺩﺜﺔ ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ ﻋﻨﺩ ﺸﺎﻋﺭﻨﺎ، ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻴﺤـﺩﺙ "...
ﻓﻲ ﺯﻤﻥ ﺴﺤﻴﻕ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﻴﻠﻘﻭﻥ ﻓﻲ ﺤﻅـﺎﺌﺭ
ﺍﻷﺴﻭﺩ، ﻭﻓﻲ ﻋﺼﺭﻨﺎ ﻫﺫﺍ، ﺃﻗﺭﺃ ﻓﻲ ﺃﺴﺒﻭﻉ ﻋﻴﺩ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻟﺴـﻨﺔ
٩٦٩١ﻡ ﻨﺩﺍﺀ ﻤﻥ ﻫﻴﺌﺔ ﺇﻨﺠﻠﻴﺯﻴﺔ ﻹﻨﻘﺎﺫ ﺍﻟﻤﺴﺠﻭﻨﻴﻥ )ﻓﻲ ﺠﺭﻴﺩﺓ
ﺍﻟﺘﺎﻴﻤﺯ( ﺘﻨﺎﺩﻱ ﺒﺎﻹﻓﺭﺍﺝ ﻋﻥ ﻋﺸﺭﻴﻥ ﻤﻥ ﺃﻫل ﺍﻟﺭﺃﻱ ﻴﻌـﺎﻨﻭﻥ
ﻤﻥ ﻭﻁﺄﺓ ﺍﻟﺴﺠﻥ ﻓﻲ ﺒﻼﺩ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ...".
ﻭﺇﻥ ﻜﺎﻥ ﻴﺭﻓﺽ ﺍﻟﻘﻬﺭ ﻭﺍﻟﻅﻠﻡ.. ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ، ﻓﻤﺎﺫﺍ
ﻴﺼﻨﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸﻌﺭ..؟ ﺇﻨﻪ ﻴﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻴﻠﺘﻘﻁ ﺨﻼل
- ٠٤ -
42. ﺤﻴﺎﺘ ـﻪ ﻤﻼﻴ ـﻴﻥ ﺍﻟﻤﻼﻴ ـﻴﻥ ﻤ ـﻥ ﺍﻟﻤﺭﺌﻴ ـﺎﺕ ﻭﺍﻻﻨﻁﺒﺎﻋ ـﺎﺕ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ، ﻜﻤﺎ ﺘﺘﻭﻟﺩ ﻤﻼﻴﻴﻥ ﺍﻟﻤﻼﻴﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﻭﺍﻁﺭ ﻭﺍﻟﺒﻭﺍﺩﺭ
ﻭﺍﻟﻠﻭﺍﻤﺢ.
ﻭﻴﺜﻭﻱ ﻜل ﺫل ﻓﻲ ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﺼﻁﻠﺤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺭﻏﺒـﺔ
)٧٣(
ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ ﺍﻟﻔﺭﻴﺩﺓ ﻫﻲ ﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺒﺴﻴﻁ ﺒﺎﻟﻌﻘل ﺍﻟﺒﺎﻁﻥ
ﺍﻟﺫﺍﺕ، ﺍﻟﻤﻨﻅﻭﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﺤﺩﺙ ﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺫﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﻅﺭﺓ ﻓـﻲ
ﺃﺜﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻭﺍﺭ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻟﺨﻠﻕ ﺍﻟﻘﺼﻴﺩﺓ.
ﻤﺎﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻴﺤﺩﺙ ﻟﻭ ﺃﻥ ﺯﻫﺭﺍ ﹰﺎ ﻟﻡ ﻴﺸﻨﻕ..؟.. ﻭﻟﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺭﻴﺔ
ﻨ
ﻟﻡ ﺘﺴﺘﺴﻠﻡ....؟..؟.. ﻫﺫﺍﻥ ﺍﻟﺴـﺅﺍﻻﻥ ﺘﻁﺭﺤﻬﻤـﺎ ﺍﻟﻘﺼـﻴﺩﺓ
ﻭﺘﺘﺭﻜﻬﻤﺎ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ.. ﻟﻴﻔﻜﺭ.. ﻻ ﻟﻴﺴﺘﺴﻠﻡ ﻤﺭﺓ ﺃﺨﺭﻯ.
****
ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﻗﺭﻴﺘﻲ ﺘﺨﺸﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ..؟
ﺇﻥ ﺍﻻﺴﺘﺴﻼﻡ ﻫﻭ ﺍﻟﺨﻭﻑ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻫﺫﻩ ﻫـﻲ ﺍﻟﺭﺅﻴـﺎ
ﺍﻹﺒﺩﺍﻋﻴﺔ ﻋﻨﺩ ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ.
ﻴﻘﻭل ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ: "... ﻭﻗﺩ ﺘﺄﻤﻠﺕ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻟﺸـﻌﺭ
ﺴﻨﻭﺍﺕ ﻋﻤﺭﻱ ﻜﻠﻪ، ﻭﻤﺎ ﺯﻟﺕ ﺃﺘﺄﻤﻠﻪ، ﻭﻟﻌل ﺃﻭل ﺒﺎﺏ ﺍﻨﻔﺘﺢ ﻟﻲ
ﻫﻭ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺫﻱ ﺨﺭﺠﺕ ﻤﻨﻪ ﻗﺼﻴﺩﺓ "ﺸﻨﻕ ﺯﻫﺭﺍﻥ". ﻓﺤـﺎﺩﺙ
ﺩﻨﺸﻭﺍﻱ ﻤﺎﺜل ﻟﻸﺫﻫﺎﻥ، ﻭﻗﺼﻴﺩﺘﺎ ﺸﻭﻗﻲ ﻭﺤﺎﻓﻅ ﺘﺤﺘﻼﻥ ﻤـﻥ
- ١٤ -
43. ﺫﺍﻜﺭﺘﻨﺎ ﻤﻜﺎ ﹰﺎ ﻜﺭﻴ ﺎ، ﻭﻟﻌﻠﻲ ﺴﺎﺀﻟﺕ ﻨﻔﺴﻲ: "ﺃﻴﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓـﻲ
ﱢ ﻤ ﻨ
ﻫﺎﺘﻴﻥ ﺍﻟﺨﺭﻴﺩﺘﻴﻥ..؟" "ﻴﻭﻡ ﺸﻨﻕ ﺯﻫﺭﺍﻥ ﻜـﺎﻥ ﻴـﻭﻡ ﺼـﻌﺏ
ﻭﻗﻔﺎﺘﻪ" "ﻋﺭﻓﺕ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﻪ ﻗﺩ ﻭﻓﻕ ﺇﻟﻰ ﻤﺎ ﻟﻡ ﻴﻭﻓـﻕ
ﺇﻟﻴﻪ ﺴﻴﺩﺍ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴل ﺍﻟﺴﺎﺒﻕ".
)ﻭﻗﺩ ﺤﺎﻭﻟﺕ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻘﺼﺎﺌﺩ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﺃﻥ ﺃﻤﺯﺝ ﻓﻜـﺭﻱ
ﺒﺼﻴﺤﺔ "ﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻭﻁﻥ" ﻭﺤﺎﻭﻟﺕ ﻓﻲ ﻏﻴﺭﻫﺎ ﺃﻥ ﺃﻤﺯﺝ ﻨﻔﺴـﻲ
ﺒﻬﺫﻩ ﺍﻟﺼﻴﺤﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻤﺩﻯ ﻋﺸﺭ ﺴﻨﻭﺍﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺒﻴﻥ ﻋﻤـﺭ
ﻗﺼﻴﺩﺓ ﺸﻨﻕ ﺯﻫﺭﺍﻥ )٢٥٩١ﻡ( ﻭﻋﻤﺭ ﻗﺼـﻴﺩﺓ ﺃﺒـﻲ ﺘﻤـﺎﻡ
)١٦٩١ﻡ( ﺠﻬﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﺠﻌل ﺘﻌﺒﻴﺭﻱ ﻜﻔﺅﺍ ﻟﺘﺠﺭﺒﺘـﻲ. ﻓـﺈﻨﻲ
ً ِﹸ
ﻷﻋﻠﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻭﺴﻴﻘﻰ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﻫﻤﺎ ﺃﺩﺍﺘﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ. ﻭﻗﺩ ﺍﺯﺩﺩﺕ ﺒﺫﻟﻙ
ﻋﻠ ﺎ ﻜﻠﻤﺎ ﺘﻘﺩﻤﺕ ﺒﻲ ﺍﻷﻴﺎﻡ(.
ﻤ
ﻴﻘﻭل ﺼﻼﺡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺼﺒﻭﺭ:
)ﺤﻴﻥ ﻗﺎل ﺴﻘﺭﺍﻁ: "ﺍﻋﺭﻑ ﻨﻔﺴﻙ" ﺘﺤﻭل ﻤﺴﺎﺭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ،
ﺇﺫ ﺴﻌﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻭﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻔﺘﻴﺕ ﺍﻟـﺫﺭﺓ ﺍﻟﻜﻭﻨﻴـﺔ ﺍﻟﻜﺒـﺭﻯ
ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎﻥ(، ".. ﻭﻟﻜﻥ ﺴﻘﺭﺍﻁ ﻻ ﻴﻨﻅـﺭ ﻓـﻲ ﺍﻟﻜـﻭﻥ
ﻭﺍﻟﻁﺒﻴﻌﺔ ﻭﻫﻭ ﻜﺫﻟﻙ ﻻ ﻴﻤﺩ ﺒﺼﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ، ﻓﺎﻹﻨﺴـﺎﻥ
ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﻨﻴﻪ. ﻭﻫﻭ ﺤﻴﻥ ﻴﻘﻭل، ﺍﻋﺭﻑ ﻨﻔﺴـﻙ، ﻴﻌﻨـﻲ ﺃﻥ
- ٢٤ -
44. ﺘﻌﺭﻑ ﺍﻟﺠﺫﻭﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺠﺫﻭﺭ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﺘـﺩﺓ
ﻓﻲ ﺫﺍﺘﻙ ﺍﻟﻤﻔﺭﺩﺓ".
ﻭﻤﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻨﺩﺭﻙ ﺃﻥ )ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ( ﻫﻭ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﺫﻱ
ﻴﺒﺤﺙ ﻓﻴﻪ ﺼﻼﺡ، ﻴﺤﺎﻭل ﺃﻥ ﻴﻜﺘﺸﻑ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻥ.. ﺃﻥ ﻴﻔﺘـﺕ
)ﺍﻟﺫﺭﺓ ﺍﻟﻜﻭﻨﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺭﻯ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎﻥ(. ﻭﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺭﺤﻠﺘﻪ
ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ ﻫﻭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻁ، ﺒﺄﺤﻼﻤﻪ ﺍﻟﺒﺴـﻴﻁﺔ ﻓـﻲ
ﺤﻴﺎﺓ ﻋﺎﺩﻴﺔ: ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺎﺩﻟﺔ ـ ﻭﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺸﻌﺭﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ
ﻤﺒﺘﺩ ًﺎ ﺒﺯﻫﺭﺍﻥ ﺤﺘﻰ )ﻟﻴﻠﻰ ﻭﺍﻟﻤﺠﻨﻭﻥ( ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺇﻨﺴـﺎﻥ ﻤﺜﻘـﻑ
ﺌ
ﻴﺤﻤل ﻫﻤﻭﻡ ﻋﺼﺭﻩ ﻭﻤﺠﺘﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﻤﺭﺤﻠﺔ )ﻤﺄﺴـﺎﺓ ﺍﻟﺤـﻼﺝ،
ﻭﺍﻷﻤﻴﺭﺓ ﺘﻨﺘﻅﺭ، ﺸﺠﺭ ﺍﻟﻠﻴل(.
ﻭﻴﻘﻭل ﺃﻴ ﺎ:
ﻀ
"... ﻓﻭﻋﻲ ﺍﻟﺫﺍﺕ ﻫﻭ ﻨﻘﻁﺔ ﺍﻨﻁﻼﻕ ﻨﻘﺩ ﺍﻟﺫﺍﺕ، ﺍﻟﺫﻱ ﻫـﻭ
ﺍﻟﺨﻁﻭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻘﺩﻡ".
ﻭﺸﺎﻋﺭﻨﺎ ﻴﺩﺭﻙ ﺃﻥ )ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﺍﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﺒﺄﻭﺠﻬﻬـﺎ
ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺩﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺭﻴﺒﻴﺔ ﻟﻴﺱ ﺇﻻ ﺘـﺎﺭﻴﺦ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﺘﺄﻤـل
ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﻓﻲ ﺫﺍﺘﻪ(، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﻴﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻁﻭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺭﺤﻠﺔ
ﺍﻟﺘﻘﺩﻡ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﺫﺍﺕ.
- ٣٤ -
45. ﺸﺎﻋﺭﻨﺎ ﻴﻌﻲ ﻋﺼﺭﻩ، ﻭﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻭﺍﺤﺩ ﻭﺍﻟﻌﺸـﺭﻭﻥ ﻋﻠـﻰ
ﻭﺸﻙ ﺍﻻﺒﺘﺩﺍﺀ. ﻭﻫﻭ ﻻ ﻴﻠﻐﻲ ﻤﻥ ﺤﺴﺒﺎﻨﻪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ
ﻤﺘﻘﻭﻗ ﺎ ﺩﺍﺨل ﺤﺩﻭﺩ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﻟﻜﻨـﻪ ﻴﻘـﺩﺭ ﺍﻟﺘـﺭﺍﺙ
ﻌ
ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺃﺒﺩﻋﻪ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ. ﻭﻷﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻫـﻭ
ﻤﻭﻀﻭﻉ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ.
ﻭﻤﺎ ﻨﺴﻤﻴﻪ ﺒﺎﻟﻤﻨﻭﻟﻭﺝ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﻴﻘﻭل ﻋﻨﻪ: "ﻭﻴﺭﺘﻘﻲ ﺒﺎﻟﻠﻐـﺔ
ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺤﻭﺍﺭ ﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺱ ﺍﻟﺫﻱ ﻫﻭ ﺃﻜﺜﺭ ﺩﺭﺠﺎﺕ
ﺍﻟﺤﻭﺍﺭ ﺼﺩ ﹰﺎ ﻭﻨﺯﺍﻫﺔ ﻭﺘﻭﺍﺼﻼ. ﺇﺫ ﺘﺼﺒﺢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻠﻐـﺔ ﻨﻘﻴـﺔ
ﹰ ﻗ
ﺼﺎﻓﻴﺔ ﺨﺎﻟﻴﺔ ﻤﻥ ﺴﻭﺀ ﺍﻟﺘﻔﺎﻫﻡ ﻭﺘﺸﺘﺕ ﺍﻟﺩﻻﻻﺕ".
ﺇﺫﻥ ﺸﺎﻋﺭﻨﺎ ﻴﺭﻯ ﺃﻥ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﺫﺍﺕ ﻫﻭ ﻨﻘﻁﺔ ﺍﻨﻁـﻼﻕ ﻨﻘـﺩ
ﺍﻟﺫﺍﺕ، ﻭﻫﻭ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻲ، ﻭﻫﻭ ﺍﻻﺭﺘﻘـﺎﺀ ﺒﺎﻟﻠﻐـﺔ
ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺤﻭﺍﺭ ﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺱ، ﻭﻟﻜﻥ ﻟﻴﺱ ﻤﻌﻨﻰ ﺫﻟﻙ
ﺍﻟﺘﻘﻭﻗﻊ ﺩﺍﺨل ﺍﻟﺫﺍﺕ، ﻭﺇﻓﺭﺍﺯ ﺍﻟﺘﻬﻭﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺭﻭﻤﺎﻨﺴـﻴﺔ، ﻭﻟﻜـﻥ
)ﺍﻟﺫﺍﺕ ﻫﻨﺎ ﺘﺼﺒﺢ ﻤﺤﻭ ﺍ ﺃﻭ ﺒﺅﺭﺓ ﻟﺼﻭﺭ ﺍﻟﻜـﻭﻥ ﻭﺃﺸـﻴﺎﺌﻪ،
ﺭ
ﻭﻴﻤﺘﺤﻥ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻲ ﺫﺍﺘـﻪ ﻋﻼﻗﺘـﻪ ﺒﻬـﺫﻩ
ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ(.
ﺇﺫﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ ﻫﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺎﻟﻡ ﻴﺠﺭﻱ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ
ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﻤﻠﻪ، ﺤﻭل ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﻤﺎ ﻤﻌﻤﻠﻪ ﻏﻴﺭ ﺫﺍﺘﻪ ﻭﺃﺩﻭﺍﺘﻪ
- ٤٤ -
