9. طرقت �أم ح�سام الباب ب�صورة �سريعة وك�أنها ت�ستعجل ابنها لأمر هام
قائلة:
ح�سام, ح�سام, افرح يا ولدي وا�ستقبِل �ضيوف �أبيك يف امل�ضافة, لقد
َ
ازدحم املكان بالنا�س و�أنت ال زلت يف غرفتك.
فرد عليها ح�سام ب�صوت يكتنفه احلزن املجبول بالغ�ضب, وهو يفتح
باب الغرفة:
وهل ت�سمِّينهم �ضيوفًا يا �أمي و�أنت تعرفني من يكونون؟!
�صمتت الأم هنيهة وك�أن �صفعة عمرُها �ستون عام ًا قد �سقطت على
ً
وجهها بقوة, و�سرعان ما ردت عليه:
دعك من هذا يا ولدي واخ��رج ال�ستقبال مَ ن ر�ضي �أب��وك �أن يكونوا
�ضيوفه ولو كانوا �أكرث مما نعرف، فاعت�صامك يف الغرفة لن يغري من
احلقيقة �شيئا بل �سي�ضع والدك يف حرج كبري.
فرد ح�سام وقد تعَّر وجهه غ�ضبا:
مَ َ
هل ك��ان �أب��ي م�ضطرا �أن ي�ضع نف�سه يف ه��ذا املكان وي�سجنا معه,
�صاغرين - �إىل هذا املربع؟!
9 عندما يزهر الربتقال
10. ف�صرخت الأم يف وجهه قائلة:
�أ�ستحلفك باهلل �أن ت�صمت وت�ؤجل احلديث �إىل ما بعد الزيارة, و�أن ال
جتعلني �ضحية خالفك مع �أبيك على �أ�شيائه ال�سيا�سية.
ترقرق الدمع يف عينَيْ �أمِّ ح�سام, خافية وراء ذلك خوفا من غ�ضب
ال��زوج, فتدخَّ ل ح�سام بقبلة على ر�أ�س والدته, �أراح��ت عنها ثقل املهمة
قائال:
واهلل لوال هذه الدموع الغالية والقلب الذي ي�سكن يف �صدرك, هذا
ال�صدر الذي �أر�ضعني عك�س ما يفعل والدي, لمََا حتركْتُ من هذه الغرفة,
بل لمََا بقيتُ يف هذا البيت حلظة واحدة, �أجترع ال�سُّ مَّ الذي ي�سقينا �إيَّاه
ُ ً
والدي, فيجري يف اجل�سد كال�سيف يقطع كل جميل يف الذاكرة!!
خرجت �أم ح�سام تاركة وراءه��ا غ�ضباً, عجزت عن تقدير عواقبه,
لكنها �أخذت من ولدها وعْ د ًا باخلروج ال�ستقبال ال�ضيوف الذين متقتهم
�أكرث من ولدها, لكنها حمكومة لطاعة ال��زوج القا�سية واجل�شع, الذي
يلب�س ثوب ال�سيا�سي ال�ساعي خلدمة �أبناء بلده واحل�صول على حقوقهم
من بيت ال�سارق!!
وقف ح�سام �أمام املر�أة, ينظر عربها �إىل و�سادته, وك�أنه يخجل من
النظر �إىل وجهه, في�صرف نظره �إىل �أي �شيء حتى الو�سادة, ويف حلظة
خاطفة رك�ض نحو ال�سرير, ومد يده حتت الو�سادة, خمرجا حذاء ر�ضيعة
�صغرية, مه�شم اجلوانب مهرتئ الأطراف, وقد ك�سته الأتربة والغبار, ويف
عندما يزهر الربتقال 01
11. م�شهد ه�ستريي: �أخذ ُيق ِّبلُه, يح�ضنه, ي�ضعه على ر�أ�سه ويردد:
َ
ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة, ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة!! وغط يف ندبة
بكاء عميق قبل �أن ي�ضع احلذاء يف جيب �سرتته الداخلية ويخرج.
كانت البلدة الواقعة على �ساحل البحر الأبي�ض املتو�سط يف فل�سطني
املحتلة ع��ام 84, تعي�ش قمة التناق�ض يف ذل��ك اليوم, حيث ال�ضيوف
النكدون الذين حلُّوا على �أب��ي ح�سام, �إح��دى ال�شخ�صيات الهامة يف
البلدة، و�أثر تلك الزيارة على �شرائح املجتمع ال�صغري داخل البلد, بدءا
من بيت �أبي ح�سام وانتهاء ببيت �أ�سيل.
�صاغت �أم �أ�سيل كلماتها بالدموع, تطلب منطقا �إن�سانيا ملا يحدث يف
البلدة, وقد تربعت يف قاع الدار الذي طاملا احت�ضنت جنباته �ضحكات
�أ�سيل, وهي تطوي بذراعيها �صورة حبيبها �أ�سيل الذي اقتطفته الأيدي
التي ت�صافح �أبا ح�سام يف جمل�س ال�ضيافة قائلة:
�أفيقوين, قولوا يل �إين نائمة, ال تدعوين �أغرق يف الأح�لام ال�سيئة,
قاتل ولدي حبيبي, يجل�س هناك على بعد �أمتار من كومة الرتاب التي
اختلطت بدم �أ�سيل يا ويلي, يا ناري التي حترق يف ال�صدر.
تدخلت على الفور جدة �أ�سيل العجوز التي كانت تتكئ على عكازها
اخل�شبي:
وماذا ترجني من هذا الذي باع النخوة والكرامة وهان عليه حتى �سمعة
والده ال�شهيد الذي مات وهو يدافع عن «قي�سارية» يوم النكبة, هوين عليك
11 عندما يزهر الربتقال
12. يا ابنتي وجتملي بال�صرب.
لكن كالم اجلدة مل يرق للفتى الذكي رائد, الذي ينام كل ليلة على
ذك��رى �شقيقه ال�شهيد حمت�ضنا تلك الر�صا�صة التي اخرتقت �صدره
وا�ستطاع الأطباء �إخراجها, خماطبا �إياها بالقاتلة قائال: ملاذا �أيتها
القاتلة؟! ملاذا �أ�سيل ولي�س �أنا؟!
حيث تدخل بعنف البوا�سل معقبا على كالم جدته:
وملاذا نر�ضى حماقات �أبي ح�سام الذي باع دماء �أ�سيل و�إخوانه الثالثة
ع�شر, وكيف نقبل بدخول القاتل �إىل بلدتنا دون �أن نفعل �شيئا؟! الآن
فهمت معنى ال�صمت الذي كان مييز �أ�سيل, حيث كان يف�ضل ال�صمت
على كالم العاجزين هذا, وعندما حانت �ساعة القول, انتف�ض بحجارته.
�أجه�شت الأم بالبكاء و�أخذت العربات تر�سم �صورة قدمية جديدة,
فهي ترى حبيبها �أ�سيل يف حما�سة رائد، الذي بعثت �أنفا�سه روح �أ�سيل,
و�أدارت يف ر�أ�سها �شريط الذكريات الأخرية التي خطها �أ�سيل ب�ضحكاته
وت�صرفاته, حيث ذهبت �إىل ذلك اليوم الأخري:
ها, ماذا تقولني يا �أم �أ�سيل يف �شكل ولدك املحرتم؟!
ردت عليه بثغرها البا�سم: قمر يف �سماء �صافية، عقمت الن�ساء عن
والدة مثله، ف�صاح �أ�سيل ب�أعلى �صوته.
اهلل. اهلل. يا متنبية الن�ساء، �إن كنتُ قمرا، ف�أنت ذاك ال�ضوء الذي
ِ
ي�شع من و�سطه في�سميه الن�ساء نورا �أو �سميه �أنت يا �أماه.
عندما يزهر الربتقال 21
13. فمدت ذراعيها تزامنا مع قطرات دمع �سالت على وجنتيها قائلة:
- تعال �إىل �صدري �أيها ال�شقيُّ اجلميل، لقد �شرِ بْتَ اجلَ مال حتى
�أ�صبح دررًا جتري على ل�سانك.
َُ
فرد �أ�سيل وهو يختنق بني ذراعيها:
- لقد علمتِني ال�شعر يا �أمِّ ي لكنك مل تعلميني خَ نْقَ املحبني.
ف�ضحكت �أمه ب�صوت عال وهي تع�ضه من وجنته املتوردة قائلة:
- وددْتُ لو �أزرعك جمددا جنينا يف �أح�شائي وال �أخرجك �أبدا، فال ِ
ينعم غريب بنعمة النظر �إليك ف�ضال عن م�سِّ ك بيده.
َ
ف�صاح �أ�سيل مرة �أخرى:
- فماذا �أبقيت للح�سان يا �أمي، اللواتي يخطنب ود حبيبك اجلنني؟
ُ َّ
�أظن �أن احل�سناء التي �س�آوي �إىل ع�شِّ ها م�ستقبال، �ستقت�ص مني على
هذه الع�ضة يا �أمي، عندها لن تقنع ب�أن �أم زوجها قد فعلت ذلك!!.َ
عادت �أم �أ�سيل من �سَ رَحانها يف ما�ضي حبيبها، على حتية �أبي �أ�سيل
ال��ذي يعمل يف جامعة حيفا، حيث بدا على وجهه ما �أمل باحلا�ضرين
َّ
و�سرعان ما قال:
هونوا عليكم يا جماعة، فالأمر �أكرب من �أن نخت�صره يف جمرم يقف
على ر�أ���س وزارة جمرمة، كانت م�س�ؤولة عن ا�ست�شهاد �أ�سيل و�إخوانه
الثالثة ع�شر، والآن ي��زور بلدتنا قالها، �أب��و �أ�سيل وهو يحدق ب�صور ٍة
تو�سطت احلائط داخل غرفة ال�ضيوف، �أمكنه ر�ؤيتها من قاع الدار، حيث
31 عندما يزهر الربتقال
14. الأقمار الثالثة ع�شر يتو�سطهم �أ�سيل:
�إنها دولة جمرمة - قال - تربِّئ القاتل وجترِّم الربيء يف الوقت ذاته،
انظروا �إىل حماكمهم التي تدَّعي النَزاهة واال�ستقالل، تق�ضي بعدم
م�س�ؤولية اجلنود والقنا�صة عن قتل ال�شباب، ويف الوقت ذات��ه حتملنا
م�س�ؤولية املظاهرات التي �أدَّت �إىل هذه النتيجة، ي�ساوون ما بني احلجر
الذي يرميه ال�شاب من م�سافة بعيدة، فال ي�صل يف غالب الأحيان - و�إن
و�صل ال يفعل �شيئا - وما بني الر�صا�صة التي يرميها القنَّا�ص على هدفه
وت�صورها عد�سات التلفزة، وي�سمون ذلك دفاعا عن النف�س. ال حتزنوا
يا جماعة، فهذا ع�صر الغطر�سة، الذي يقول مبنطق القوة ولي�س بقوة
املنطق، وال بد �أن تختل موازين القوى يوما فتنعك�س ال�صورة.
-عندها، �صرخ رائد الذي بدا كال�صاعق املو�شك على االنفجار:
وهل �سن�سكت يا �أبي؟! �أر�أيت الأطفال يف نابل�س وجنني وهم يعتلون
ظهور الدبابات؟ لقد دا�سوا على خوفنا وجبننا ومل يبق لنا عذر، وها نحن
نكتفي بالكالم.
-رد عليه �أبوه بغ�ضب من�ضبط، طالبا منه الهدوء قائال: اهد�أ يا ولد،
فحتى ي�صبح النا�س كما تريد ف�إنَّ �أمامنا الكثري الكثري لنعمله، و�أولها �أن
ال يكون بيننا من ينتمي �إىل حزب �صهيوين - ك�أبي ح�سام - و�إن كانت
دوافعه مالئكية.
-فتب�سّ م رائد متهكما على منطق �أبيه الذي ر�أى فيه �أحالم النائمني،يف
عندما يزهر الربتقال 41
15. الوقت الذي كان الغ�ضب ي�شتعل يف ر�أ�س و�صدر �أبي �أ�سيل الذي زاده كالم
ابنه ال�صحيح عمقا يف التفكري مب�صيبة الواقع ال�سيء، �أن تعي�ش على
�أر�ضك يف ظل كيان غريب فر�ض عليك �إيقاع احلياة ومفرداتها، حتى
�أ�صبحت ال تقوى على منع قاتل من دخول بلدتك.
٭٭٭٭
ك��ان التوتر ب��ادي�� ًا على وج��وه النا�س جميعاً، حتى البيوت العتيقة
وال�شوارع التي طاملا ابت�سمت لزوارها و�أهلها، كانت تعك�س ما يختلج يف
�صدور الأه��ايل، حيث الوجوم الذي ارت�سمه على وجوه الن�سوة اللواتي
يعتلني الأ�سطح ويتبادلن احلذق على هذا الواقع، وت�أوهات الرجال الذين
كانوا يجل�سون يف القهوة وينفخون دخان النارجيلة يف ال�سماء م�صحوبة
ب�شر ٍر يتطاير من العيون، را�سم ًا لوحة �سوداء كُتب عليها: نحن غا�ضبون.
َ
-يف تلك اللحظات:
مر الأ�ستاذ �أحمد يف ال�شارع يركب على عربة جمرورة بحمار، ف�ألقى َّ
التحية على اجلال�سني، وا�ستمر يف �سريه باجتاه حقله، وهو يبت�سم يف وجوه
َّ
اجلال�سني واملارة.
حيث الوقت الذي يذهب فيه الفالحون �إىل حقولهم ع�صرا بعد فرتة
ال�صالة، �أما الأ�ستاذ �أحمد فيعتمد �صباح ًا على عامل من البلدة، وي�أتي
51 عندما يزهر الربتقال
16. دوره بعد االنتهاء من الدوام من مدر�سة البلدة الثانوية وتناول الطعام
يف البيت. وبينما عربة الأ�ستاذ ت�سري على وقع قيادته و�أوام��ره للحمار
ب�أن يحث اخلطى: اعرت�ض طريقه املعتاد باجتاه ال�سهل، حاجز �أمن يتبع
لقوات احلماية املرافقة حل�ضرة الزائر الكبري حيث يقع احلاجز بالقرب
من م�ضافة �أبي ح�سام، مما �أعاق مرور العربة و�أخ�ضعها للتفتي�ش، وال زال
الأ�ستاذ يبت�سم، مما �أثار ف�ضول ال�ضابط اجلهم الذي �س�أل الأ�ستاذ عن
�سبب ابت�سامه، ف�أجاب:
وهل تكون �سعيدا �إذا ر�أيتني مقَطَّ بَ اجلبني عبو�س الوجهِ؟
َ ُ
فرد ال�ضابط ب�شيء من العنجهية. َّ
�أراك ع�صري املزاج ت�سوق الكالم بفل�سفة ال تليق بفالح، لي�س له حظ
من احلياة �سوى الغبار واخل�ضار وقياد ٍة جيِّدة حل�ضرة احلمار.
فقهقه الأ�ستاذ ب�صوت مرتفع وقال:
�أتر�ضى الع�صرية بثوب فالح �إذا �أزاحت عن وجهك القبح والعبو�س
الذي يعرب عن ال�شيء �سوى جهل يف قيمة الأر�ض والإن�سان وحتى احليوان؟!
-فا�ست�شاط ال�ضابط غ�ضبا و�أمره بالرجوع من حيث �أتى، وبينما كان
ي�أمر الأ�ستاذ بذلك: مر ح�سام من املكان، و�ألقى حتية على �أ�ستاذه و�س�أله:
َّ
ما الذي يعيقك يا �أ�ستاذ �أحمد؟! �أمل تت�أخر عن حقلك؟!
ف�أجابه الأ�ستاذ:
يبدو �أن �ضيوف والدك كبار جدا، �أكرب من حماري والعربة وحقلي
عندما يزهر الربتقال 61
17. الذي ينتظر، مما يدفع احلرا�س �إىل �إرجاعي كما ترى.
-ارت�سمت ابت�سامة �صغرية جدا على ثغر ح�سام الذي كان يحب �أ�ستاذه
كثري ًا فمنذ عامني كان يتعلم على يديه قبل دخوله اجلامعة، وعلى الفور،
طلب ح�سام من ال�ضابط ال��ذي �سبق و�أن عرف هوية ح�سام، �أن يفتح
احلاجز �أم��ام العربة وال يعرت�ض طريق الفالحني و�إال �أبلغ �أب��اه بذلك،
فان�صاع ال�ضابط لذلك مرغما.
ويف �أثناء مغادرة الأ�ستاذ للمكان، التقى بَريقُ عينَي الأ�ستاذ بعينَيْ
ح�سام، فت�سمَّر الأخ�ير يف مكانه خماطب ًا طيف الأ�ستاذ ال��ذي م�ضى
بعربته:
واهلل ما ن�سيت يا �أ�ستاذ وال غابت عن ناظري حلظة واحدة، وال زلت
�أزرع �أحجارها فوق قلبي، و�أح�ضن ترابها يف �صدري، �أن��ام على �صوت
الأمواج تغازل النجوم كل ليلة، ويف ال�صباح تلطم جدار الدار معلنة عن
يوم جديد.
ما ن�سيتُ قي�سارية ووجهها الذي ر�سمته بيدك على وجهي، فتنف�س
عميق ًا عميق ًا حتى ما وراء العظم، ما ن�سيت الذئاب التي افرت�ست ي�أ�سها
اجلميل وجتل�س يف م�ضافتنا الآن.
ما ن�سيت يا �أ�ستاذ ولكن؟!
-كان الأ�ستاذ يدرك حقيقة تلميذه من الداخل، لكنه ي�شك يف قدرته
على فعل �شيء ي�صحح هذا الواقع ال�سيء، وبينما الأ�ستاذ �أحمد يقود
71 عندما يزهر الربتقال
18. عربته، ك��ان يخاطب حماره ال��ذي يقتنيه منذ ع�شر �سنني، فالأ�ستاذ
م�شهور بالغرابة بع�ض ال�شيء:
�أتعلم يا حمار، �أن العقل مل يعد ميزة لدى البع�ض من جن�سنا، ميتاز
به عن جن�سكم؟!
-فنهق احلمار م�ستنكرا ب�صوت عال على واقع نداء الأمعاء الذي خرج
من م�ؤخرته.
-فرد الأ�ستاذ ب�سرعة:
على مهلك يا �صديقي، فلن يزاحمك �أحد على �صحبتي حتى متوت،
فحمري جن�سنا قد �أبدلوا الر�أ�س فقط وبقيت �أج�سادهم كما هي، فالأيدي
الآدمية يف حالهم، ت�ستقبل الغرباء يف امل�ضافات وجتمع الأ���ص��وات يف
االنتخابات، وت�صافح �أي��ادٍ حمراء، لونها دم��اء جن�سنا ال��ذي بقي على
حاله!! وهذه طبيعة عملهم اجلديد فال تقلق.
-وف��ج���أة، رمن احل��م��ار زف��رات��ه ال�شهرية م��ن �شفتيه و�أط��ل��ق العنان
لرباعيته، فابت�سم الأ�ستاذ كعادته وم�ضى على وقع ذلك.
٭٭٭٭
كان احل�ضور من �أهل البلدة والبلدات املجاورة قد جاءوا قبيل جميء
ال�ضيوف املهمني وجتمعوا يف امل�ضافة التي تلت�صق ببيت �أب��ي ح�سام،
عندما يزهر الربتقال 81
19. حيث يرتبط مطبخ امل�ضافة مبمر �صغري ي���ؤدي �إىل البيت، وع��ادة ما
يوفر املطبخ احتياجات ال�ضيوف عمال بالعادات والأعراف العربية التي
تكرم ال�ضيف مهما كان لونه �أو جن�سه، كان احل�ضور �أع�ضاء يف حزب
ً
ال�ضيف والعادة كانت �أن يجتمع الأع�ضاء اجتماعات متكررة يف الدعاية
االنتخابية للمر�شحني لقيادة احلزب يف كل دورة انتخابية حيث ي�ستمعون
�إىل خطابات املر�شحني وجتري نقا�شات يتخللها بع�ض احلدة يف كثري من
الأحيان، وخل�صو�صية املكان والأع�ضاء، ف�إن احل�ضور قد خ�ضعوا للتفتي�ش
قبل الدخول، وكانت املرة الأوىل بعد ا�ست�شهاد �أ�سيل التي ي�أتي فيها زائر
بحجم هذا ال�ضيف الذي كان جرناال يف اجلي�ش الإ�سرائيلي و�شغل من�صب
وزيرٍ للأمن الداخلي يف احلكومة التي قادها حزبه ال�صهيوين وجرى يف
عهدها قتل ثالثة ع�شر فل�سطينيا من �أبناء 84 على �إثر اقتحام �شارون
للم�سجد الأق�صى املبارك، وكان من بينهم ابن البلدة �أ�سيل.
٭٭٭٭
كانت �سعاد تهم بقطع ال�شارع الذي ينت�صف البلدة، وقد �أع َيتْه كرثة
ُ ُّ
احلفر يف الطريق و�شبكة املياه املهرتئة التي ت�شكو قلة ال�صيانة ب�سبب �شح
امليزانية يف البلدية، ف�سمعت �صوتا ناعما ينادي عليها من اخللف:
�سعاد، �سعاد
91 عندما يزهر الربتقال
20. فالتفتت للوراء ب�سرعة ف�إذا بها �صديقة عمرِ ها �إينا�س:
ُ
�إينا�س، كيف حالك �أيتها ال�شريرة،لقد ا�شتقت �إليك كثريا؟!
فردت عليها بعد �أن تعانقتا:
ال�شوق يا ابنة الأكرمني، لي�س كلمة تقنعي بها الوفاء لل�صحبة!
و�أ�سَ رَين زوجي يف قلبه والبيت، مل تعودي ت�س�ألني يا جمرمة.
ابت�سمت �سعاد وقالت:
القطة �أيتها ال�شريرة، مهما �أبعدوها عن بيتها و�أهلها، تعود يف النهاية
�إىل مكانها، و�أن��ا قطتك التي لوال وجودها يف ال�شارع الآن، خلرب�شت
وجهك اجلميل.
ف�ضحكت �إينا�س وقطعت ال�شارع مع �سعاد بعد �أن رفعتا ثوبيهما خوفا
من مياه ال�صرف ال�شاردة و�س�ألت عن وجهتها، فقالت �سعاد:
�أنا ذاهبة لبيت اخلالة �أم �أ�سيل حتى �أقف �إىل جانبها يف هذا اليوم
احلزين الذي �أراه �أ�سود بوجود هذا الزائر اللعني يف م�ضافة �أبي ح�سام،
فما ر�أيك باملجيء؟!
ردت �إينا�س قائلة:
الآن ت�أكدت ب�أنك م�شتاقة يل، لأنني كنت ذاهبة �إىل املكان نف�سه،
فهذه �سعاد التي �أعرفها، وقد ظننت للحظة �أن حبيب القلب قد جرفك
�إىل مربعه!!
هزت �سعاد ر�أ�سها �آ�سفة على �سوء الظن هذا وردت!
عندما يزهر الربتقال 02
21. نعم جرفني �إىل مربعه، لكنه لي�س املربع الذي تت�صورين، بل مربع
قلبه و�صدقه و�إخال�صه لدينه ووطنه و�أهله، فح�سام كما يعتقد والدي
الذي رباه - وقد امتحنت ذلك بنف�سي - نبتٌ �صالح لأر�ض طيبة ا�سمها
ٌ
�أم ح�سام، غري �أن الباذر �سقيم!!.
-علقت �إينا�س قائلة:
لقد حتقق لدي الآن �أن ح�سام قد �أعماك عن ر�ؤي��ة ال�صورة بكافة
زواياها، انظري �إىل ح�سامك امل�صون، �أين هو الآن؟ �إنه يخدم �ضيوف
�أبيه يف امل�ضافة ي�سقيهم دماء �أ�سيل، و�أين حماتك �أم ح�سام؟ �إنها تلقم
�أفواه القتلة من خريات بلدتنا التي جبل ترابها بدماء �أ�سيل و�إخوانه، وهي
التي فقدت �شقيقها يف حرب لبنان الأوىل!!.
ردت �سعاد بحزن و�شغف لتبيان احلقيقة:
لي�س الأمر كذلك يا �إينا�س، �صحيح �أن ح�سام يقف الآن بامل�ضافة، لكنه
مرغم على ذلك حفاظا على �أمه و�إخوانه من غ�ضبة والده الذي �أق�سم
عليه �أن يطلق �أمه حال �إ�ساءته ل�ضيوفه �أو عدم ح�ضوره، �أما امل�سكينة «�أم
ح�سام» التي تعاين مر�ض ال�ضغط وال�سكري وتربي ع�شرة �أبناء �صغار،
فلي�ست م�ستعدة لت�شريد �أبنائها، حتى �أنها �أقنعت زوجها - كما تعرفني -
كي يح�ضر لها خادمة فلبينية، ت�ساعدها يف �أمور البيت وقد ح�ضرت قبل
عدة �أ�شهر، حتى ال يتهمها بالعجز.
-بدت �إينا�س م�شروهة احلديث وعلقت با�ستغراب:
12 عندما يزهر الربتقال
22. لكنْ ال �أحد يعرف ذلك يا �سعاد، وكيف لنا �أن نعرف ما يدور داخل
البيت، ال حول وال قوة �إال باهلل، لقد �أوقعتِني يف هم يفوق الهم الذي كنتُ
فيه، لكنني مع ذلك �أ�شك يف �أن ح�سام يكذب عليك حتى يربر �أفعال والده
ويف ذات الوقت يحظى بك.
ردت �سعاد فورا:
ال، ال يا �صديقتي، فف�ضال عن قناعة والدي الذي علَّمه مرحلة ثانوية
وتربطه به عالقة قوية، ف���إين ما خربت عنه الكذب، وها نحن معا يف
كلية واحدة يف جامعة حيفا �أال ت�ستطيعني معرفة معادن النا�س فيها منذ
عامني؟، حيث تكت�شفني ح�ساما �آخر غري الذي يوجد يف امل�ضافة مرغما.
-فطلبت �إينا�س �أن حتدثها عنه حتى يرتاح قلبها وتطمئن على م�ستقبل
�صديقتها الذي ربطته معه، لكنهما اقرتبتا من منزل �أم �أ�سيل، ف�أجَّ لَتا
احلديث لفر�صة �أخرى.
٭٭٭٭
�سعدت �أم �أ�سيل بزيارة �سعاد و�إينا�س متاما كما فعلت قبلهن الكثريات،
وت�صادف وجود �أبي �أ�سيل يف البيت حيث رحب بهما �أي�ضا �سائال �سعاد
ب�شيء من املداعبة:
ما هي �أخبار الأ�ستاذ �أحمد فالح القرية املثقف، وهل الزال يكتب
عندما يزهر الربتقال 22
23. ال�شعر يف حماره؟!
- �ضحك اجلميع على �س�ؤال �أبي �أ�سيل الذي تعودت عليه �سعاد،حيث
�أجابت:
�أبي عِ مْلة نادرة،ال يرى الثقافة يف الكتب وح�سب، بل ينزلها على �أر�ض
الواقع حتى ي�صبح حقيقة، فالفِالحة لي�ست م�صدرا للرزق وح�سب، بل
توا�صال ثقافي ًا وح�ضاري ًا مع الرتاب، �أما احلمار فهو ال�شيء الذي ال ميكن
ً
لأحد �أن يلومه عليه �إن ا�ستخدمه للت�شبيه يف �شعره.
-علق �أبو �أ�سيل قائال :
مهال، مهال يا بنت �صديقي ال��ذي �أجن��ب هذا الل�سان، فلقد تركنا
الدوام يف اجلامعة قبل �ساعات، ف�أجِّ لي در�س الرتاب ملحا�ضرة الغد، ف�أنا
�أعرف �أننا لن نغلبك يف احلديث، ومن ي�شابه �أباه فما ظلم.
-ابت�سم اجلميع على الرغم من الغَ�صة التي بدت على الوجوه.
َّ
-�س�ألت �إينا�س عن رائد الذي ال يبدو يف البيت، ف�أجابت �أم �أ�سيل:
-�أخ�شى �أن يرتكب عمال مع �أ�صدقائه، يف�ضي �إىل �إ�صابته مبكروه، فما
عدنا ن�سيطر على الأوالد الذين يكربون �أ�ضعاف �أعمارهم وهم ي�شاهدون
قتلة �إخوانهم �أمام �أعينهم.
-ب��ادرت اجلدة التي كانت جتل�س هذه املرة وبيدها م�سبحة طويلة،
بالقول:
توكلي على اهلل يا ابنتي، فلن ي�صيبه �شر �إن �شاء اهلل، فال بد �أنه يف
32 عندما يزهر الربتقال
24. امل�سجد �أو يف نادي البلدة �أو لعله عند �أحد �أ�صدقائه، فاطردي الو�ساو�س
من ر�أ�سك.
-تدخلت �سعاد قائلة:
�أو رمبا ذهب �إىل جتمع ال�شباب و�سط البلدة، فقد ر�أي��ت جمموعة
كبرية منهم حتمل الفتات تندد بزيارة هذا اللعني �إىل البلدة وحتمل �صور
ال�شهداء.
-بدت مالمح الر�ضى على وجوه احلا�ضرين لدى �سماعهم هذا اخلرب
حيث غادروا جميعا لذاك التجمع الذي بدا يكرب مع غروب ال�شم�س.
٭٭٭٭
كمن رائد وثالثة من رفاقه املتقاربني عمر ّياً، داخل ال�سور الذي يحيط
باملدر�سة الإعدادية املحاذية لل�شارع الرئي�سي الواقع بداية البلدة، حيث
ا�ستعدوا بزجاجاتهم احلارقة - املولوتوف - للهجوم على موكب اجلرنال
حال مغادرته البلدة:
رائد: �أنت مت�أكد يا جمال. �إن املوكب لن ي�سلك الطريق الفرعية من
و�سط البلدة؟
ج��م��ال: ل��ن ي�ستطيع ذل��ك لأن���ه �سي�ضطر للعبور م��ن ب�ين الأه���ايل
الغا�ضبني، �إ�ضافة �إىل طول امل�سافة ومروره بعدَّة بلدات عربية جماورة.
عندما يزهر الربتقال 42
25. تدخل جماهد قائال:
�صحيح �أنني قر�أت على �شبكة االنرتنت: �إن من االحتياطات الأمنية
ك�سر الروتني، لكنني �أ�شك يف �أن ذلك �سيحدث هذا اليوم ف�إ�ضافة ملا
قاله جمال، ف�إن �أق�سى ما يتوقعه حُ رَّا�س اجلرنال �أن تنْزل عليهم بع�ض
احلجارة، مع �أن ذلك ال يحدث عندنا �إال ن��ادرا، وهذا الأم��ر يعاجلونه
بال�سيارات امل�صفحة التي ال يخرتقها الر�صا�ص ف�ضال عن احلجارة.
-�سرح جمال قليال يف حديث جماهد الأخري ثم قال:
�إذا كانت م�صفحة، فلماذا نهاجمها باملولوتوف ونحن نعلم �أنَّ النار
لن تدخل ال�سيارة؟!
فقال رائد:
�صحيح ما تقوله يا جمال ولكن؟! �أر�أيت النار وقد ا�شتعلت يف مقدمة
ال�سيارة؟ �أال يوجد احتمال �أن تنقلب �أو ت�صطدم بال�سور؟!.
فتدخل جماهد قائال:
�أنا ال �أعرت�ض على كل ما قيل. لكنني �أنظر للأمر من زاوي��ة �أعمق
بكثري، �أر�أيتم �أهلنا بال�ضفة وغزة، كيف يواجهون الر�صا�ص باحلجارة،
حتى مع وجود ال�سالح واال�ست�شهاديني وال�صواريخ، �أ�س�ألتم �أنف�سكم ملا
يفعلون ذلك؟ �أنا �س�ألت �أبي فقال:
املقاومة �أنواع و�أ�شكال ويف حال �شعبنا يف ال�ضفة والقطاع قد اكتملت
ال�صورة لديهم �إىل حد معقول، حيث املقاتل الذي يحمل البندقية و�آخر
52 عندما يزهر الربتقال
26. يطلق ال�صاروخ وثالث ا�ست�شهادي بحزامه، وخطيب يحر�ض من منربه،
وطبيب يقاوم بعالج امل�صابني، و�أ�ستاذ يربي الأجيال على الت�ضحية، و�أم
تقدم ابنها فداء هلل والوطن، و�آخرون يقاومون باحلجارة وهي امل�ستطاع
ً
ب�أيديهم، تعبري ًا عن الرف�ض واملقاومة وعدم اخلنوع واال�ست�سالم كرمز
الرتباط احلجر بالأر�ض، وكالهما يرف�ض الغريب.
-ا�ستنفر جماهد: ونحن يف هذا الكمني ن�ؤدّي �صورة مِ ن �صوَر املقاومة
ُ ً
ح�سب ا�ستطاعتنا.
فقال جمال:
�أخ�شى �أن يكون ل�سانك قد زلَّ مع �أبيك فانك�شف �أمرنا له، لأنَّ الأمر ال
يحتمل �أية �أخطاء ونحن ال زلنا يف بداية الطريق.
قال جماهد:
ال. ال. حتى فجر هذا اليوم عندما خرجنا للكتابة على اجل��دران،
خرجتُ كعادتي ل�صالة الفجر يف امل�سجد ومل يلحظ �أحد �شيئا.
�صحيح، كيف كانت ردود الأفعال لدى النا�س؟!.
-رد رائد ب�سرور:
لقد كانت مفاج�أة غري متوقعة لأهل البلدة الذين ب��د�أوا يتجمهرون
باكر ًا �أم��ام ال�شعارات حيث �سمعت احل��داد �أب��ا �سليم يقول: ن�صر اهلل
دينكم و�سلمت الأيدي التي كتبت.
فقال له ج��اره النَّجَّ ار �أب��و فتحي: �أال تريد �أن مت�سحها عن جدار
عندما يزهر الربتقال 62
27. دكانك قبل �أن ت�أتي ال�شرطة وترغمك على ذلك؟! ف�أجاب: �أنا مل �أكتبها
ولن �أحموَها و�إذا لزم الأمر �س�أغلق املحل هذا اليوم. و�سمعت �أبا منذر
و�شقيقه الذي يعمل �شرطيا للمرور لدى االحتالل، يتهكمان بالقول: لقد
انتقل خميم بالطة �إىل بلدتنا، و�أب�شِ روا ِب�أ�سو�أ من ال�شعارات �إذا �سكتُّم
عن هذه الأعمال ال�صبيانية، فنحن ال نعرف ل كل هذا الغ�ضب على
َ
زيادة م�س�ؤول كبري يف الدولة؟، كما �أن املرء يعجب من هذه العقول؛ ف�أبو
ح�سام يحاول حت�صيل احلقوق اخلدماتية وال�سيا�سية من خالل وجوده يف
احلزب، �أمَّا ه�ؤالء، فيكتفون باخلرب�شة على اجلدران.
-لكن ال�شيخ ح�سن �إمام امل�سجد رد عليهما بالقول:
�صحيح �أننا م�أمورون �شرعا �أن نحكم على النا�س من خالل ظاهرهم
ولي�س من خالل النوايا، ولكنْ لي�س يف حالة �صاحبكما �أبي ح�سام الذي
يزعم حت�صيل احلقوق؛ لأنه يف املقابل ر�ضي ب�أن يكون يف حزب �صهيوين
يلغي حقَّنا القومي يف بلدنا ويعتربنا �سكانًا من الدرجة العا�شرة هذا
احلزب الذي يقتل �أهلنا منذ ع�شرات ال�سنني وي�شرد معظم �شعبنا، وال
يزال يفعل ذلك، و�أرجو عدم خداع النف�س بكذبة احلقوق، ف�صاحبكم �أبو
ح�سام ع�ضو يف احلزب منذ ع�شرين عاماً، فما اجلديد على البلدة؟! وكما
يبدو �أنكما ال تعي�شان على مقربة من بيت ال�شهيد �أ�سيل الذي قتله �ضيف
�صاحبكما.
-انفرجت �أ�سارير ال�شبان الثالثة لدى �سماعهم ما قاله ال�شيخ، وكانوا
72 عندما يزهر الربتقال
28. ال يتجاوزون ال�ساد�سة ع�شر من العمر. طلب بعدها رائد من جمال �أن
يذهب لالطمئنان على رفيقهم الرابع فوزي الذي يجل�س على تلَّة مرتفعة
تك�شف بداية الطريق التي �ست�سلكها القافلة حيث �سيقوم ب�إعطائهم �إ�شارة
لدى قدوم ال�سيارات حتى ي�ستعدوا للهجوم.
٭٭٭٭
- على مقربة من امل�ضافة كان يقع منْزل من ثالثة طوابق ي�سكنه
تاجر خمدرات م�شهور من عائالت الإجرام وا�سمه «�أبو رامي» وغالبا ما
ي�ست�ضيف يف الطابق الأعلى �صحبة من رجاله حلمايته من خ�صومه يف
هذا العامل، حيث كان لهم ن�صيب يف تناول ق�ضية ال�ضيف:
�أبو رامي - تاجر املخدرات:
�صدقوين ل��وال التف�سريات اخلاطئة، ول��وال �أن ي�ؤخذ املو�ضوع على
املنحنى الأمني، خلرجت ب�سالحي �إىل امل�ضافة وفرغت الر�صا�ص يف
ر�أ�س �أبي ح�سام!!.
-ف�صاح احل�ضور ب�صوت واحد: �أ�ضرب �أبو رامي �أ�ضرب.
فا�ستطرد �أبو رامي قائال: ولكن، ال �أريد �أن تطري ال�سَّ كْرة من ر�أ�سي.
-فقهقه احل�شا�شون قهقهة ال�سافرين، لكن �أحدهم ويدعى نزار، �س�أل
�أبا رامي وهو ُيعمِّر ر�أ�س النارجيلة ال�صغرية التي يدخنون فيها احل�شي�ش:
َ
عندما يزهر الربتقال 82
29. ملاذا تكره �أبا ح�سام �إىل هذا احلد وهو ابن عائلتك، وتربطكما عالقة
�صداقة منذ ال�صغر؟!.
-فتنهد �أبو رامي تنهيدة من الأعماق وقال:
ل�ست �أكرهه، بل �أكره ت�صرفاته احلمقاء التي ا�س َتعْدَ ت النا�س علينا،
وجعلت ا�سم العائلة حتت الأقدام، مما دفعه لو�ضع حار�س �شخ�صي له،
�صحيح �أين ل�ست كما ينبغي، ور�أ�سي مثقل باملخدرات وعندي وحو�ش
من �أمثالكم، لكنني �س�أقطع ر�أ�سي بيدي و�أجعلكم تدخنون بجمجمتي
احل�شي�ش لو انتميت �إىل جماعة �سرقت بيت يف قي�سارية، بل قتلت ع�شرة
من عائلتي و�أولهم خمتار القرية والد �أبي ح�سام، وت�سببت ب�سوء عالقتي
مع زوجتي وابني البكر كما هو احلال مع ابن عمي.
-فتدخل م�سطول �آخر من اجلال�سني بالقول:
لكننا م�ستفيدون من عالقة �أبي ح�سام بالدولة وقيادتها، حيث يغ�ضون
ُّ
الطرف عنك كونك ابن عمه، على الرغم من علمهم باملخدرات وال�سالح
الذي ب�أيدينا.
-فرد �أبو رامي:
اخر�س يا جاهل، عليك �أن تق�ضي ع�شر �سنوات يف املهنة حتى تعلم
املعادلة جيداً، �أمل تذهب يوما �إىل مدينة اللد �أو البلدة القدمية يف
القد�س؟ �أمل تر بيع املخدرات العلني يف �أو�ساط العرب دون حترك من
جانب دولتهم، فلماذا بر�أيك ي�سكتون عن ذلك؟! بينما �إذا حاول �أحد
92 عندما يزهر الربتقال
30. العرب �أن يو�سع داره ت�أتي كل الدولة ملنعه؟! �أق�ترح �أن تن�شغل بتعمري
ر�أ�سك، فلن مي�سَّ ك �أحد، �سواء �أكنت قريب �أبي ح�سام �أم مل �أكن.
-وبينما احلديث يدور على وقع ال�ضحكات املتناثرة، كان نزار ي�صوِّب
ر�شا�شه العوزي نحو امل�ضافة التي تبعد مائة وخم�سني مرت ًا عن ال�شقة،
ف�صرخ عليه �أبو رامي قائال:
�أنزل العوزي �أيها الأحمق، �أتريد �أن يعكر �صاروخ �صف َو ر�ؤو�سنا؟!
ٌ
فقال نزار :
تعلمون �أنني قبل �أن �أت�شرف بالتعرف على ح�ضراتكم، كنت �أعمل يف
البناء، وقد بنيتُ لأبي ح�سام هذه امل�ضافة التي ترونها، لكن الذي جتهلونه
يا مع�شر احل�شا�شني، �أنني �أنظر الآن مبا�شرة �إىل ر�أ�س اجلرنال!!
-فقهقه اجلميع على كالمه، وقال �أبو رامي:
يبدو �أن كمية احل�شي�ش التي جترعتها، اختلطت مع كتلة الغباء
التي ت�سكن هذا الر�أ�س الذي ي�شبه ر�أ�س حمار الأ�ستاذ �أحمد، ف�أنتجت
خزعبالتك هذه.
فرد نزار بالقول:
- نعم، معكم احلق يف قول ذلك لأنكم ال ترون �إال ج��دارًا كر�أ�سي،
ولكنني �أرى النافذة التي طلب مني �أبو ح�سام �أن �أغلقها بالطوب الرقيق
بعد �أن بنيناها وتقع �أمام ناظري مبا�شرة، و�صباح ًا عندما كنت �أو�صل
حل�سام �شيئا طلبه مني ر�أيت امل�ضافة من الداخل، ور�أي��ت �أين ي�ضعون
عندما يزهر الربتقال 03
31. من�صة اخلطابة التي �سيقف عليها ح�ضرة اجلرنال والواقعة بال�ضبط يف َّ
منت�صف النافذة املغلقة.
-ف�صرخ عليه �أبو رامي بغ�ضب:
ا�سكت �أيها الغبي وال ت�أتِ على ذكر هذا الأمر لأحد، و�إال زرناك يف
�سجن ع�سقالن، وال ت�صوب �سالحك للم�ضافة �أو ترفعه، و�إال عاجلت
ر�أ�سك بالهروين.
-لكن نزار امل�سطول، ظل من حني �إىل �آخر ي�صوب ر�شا�شه نحو جدار
امل�ضافة ويتخيل اللحظة التي يخطب فيها اجلرنال ويطلق النار عليه،
وبقي �أبو رامي ي�صرخ عليه كلما ر�آه يفعل ذلك، وجرى الأمر على وقع
ال�ضحك واالنب�ساط.
٭٭٭٭
�أم��ا داخ��ل امل�ضافة فكانت اخلطابات الرنانة التي ترحب بال�ضيف
الكبري وم�ساعديه، وكانت منا�سبة �أي�ضا ملباركة انت�ساب �أع�ضاء جدد
للحزب من بلدة �أب��ي ح�سام والبلدات امل��ج��اورة، وك��ان وا�ضح ًا ترقب
اجلميع لكلمة اجلرنال املرت�شح لقيادة احلزب والطامع ب�أ�صوات احل�ضور
يوم االنتخابات الداخلية، ويف تلك اللحظات، كانت �أم ح�سام منهمكة
مع خادمتها ب���إع��داد القهوة العربية الأ�صلية التي تفوح منها رائحة
13 عندما يزهر الربتقال
32. الهال، ويف الوقت ال��ذي كان �أب��و ح�سام ي���ؤَهِّ ��ل وي�سهِّلُ بال�ضيوف، كان
ُ
ح�سام يحدق تارة يف العلَم الإ�سرائيلي املعلق على طول اجلدار اخللفي
َ
للمن�صة وتارة باجلرنال الذي كان يجل�س بزُهُ ٍّو كبري يرتدي بدلة مدنية،
ويوزع االبت�سامات املخادعة على اجلميع احلا�ضرين، الذين جل�سوا على
الكرا�سي امل�صففة داخل القاعة يتقدمهم كبار ال�سن وبع�ضهم يعتمر
الكوفية الفل�سطينية والعقال على ر�أ�سه.
يف تلك اللحظة، وقف اجلرنال خلف املن�صة وظهره للعلمني وبد�أ يف
دعايته االنتخابية متناوال ر�ؤيته ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية،
ً
مركزا على دور التنمية يف الو�سط العربي، واعد ًا �أن يكون التغيري على
�أيديه حال انتخابه رئي�سا للحزب، مما �سيف�ضي �إىل و�صول احلزب �إىل
�أعلى الأ�صوات يف االنتخابات الربملانية القادمة - الكني�ست - وكان �صوت
مكربات ال�صوت يعلو احليَّ كلَّه، وبينما اجل�نرال يتحدث عن التنمية،
قاطَ عه �أحد اجلال�سني يف الأمام قائال:
َُ
- لقد �سمعت هذا الهراء �ألف مرة، ومل يتغري �شيء على الإط�لاق،
بل ازداد الأمر �سوءا، وكلما جاءت حكومة جديدة، كانت �أ ْلعَنَ من �أُختها
ال�سابقة.
حاول منظمو الدعاية �أن يطلبوا من املتدخل اجللو�س، لكنه رف�ض ذلك
م�ستطرداً: �أيها ال�سيد اجلرنال، �أعمل يف البلدية منذ ع�شرين عاما، وقد
عانينا �إهماال متعمد ًا من حكوماتكم املتعاقبة، منذ عام كامل مل �أتقا�ض
َ
عندما يزهر الربتقال 23
33. راتبي.
-عندها رد اجلرنال بالقول:
�أنا �أتفق جزئيا معك ب�أن الإهمال قد �أ�صاب الو�سط العربي، لكنني �أ�ؤكد
لك ب�أنه مل يكن مق�صودا �أبداً، و�أنا بنف�سي عندما كنت وزير ًا للموا�صالت
يف �إحدى احلكومات ال�سابقة �أو�صيت بت�شكيل اللجان املخت�صة للعمل على
حل الإ�شكاالت العالقة.
قاطعه �أحد احل�ضور من اخللف قائال:
- �صحيح �أنك �شكلْتَ اللجان، لكنها اعتذرت عن عدم املجيء، لأن
َّ
�سيارات اللجان الفارهة ال ت�ستطيع عبور ال�شوارع املليئة باحلفر، كما �أنهم
ال يريدون خد�ش م�شاعرهم بر�ؤية ال�صرف ال�صحي املتدفق يف ال�شوارع.
-ف�ضحك احل�ضور، وت�شجع رجل كبري ال�سن يجل�س يف املقدمة للحديث:
ومل��اذا ترف�ضون �إعطاءنا ترخي�ص ًا لبناء جامعة عربية يف الو�سط
العربي، بل ت�ض ِّيقُون على �أبنائنا الذين يتخرجون من جامعاتكم؟!
فا�ستنكر اجلرنال ذلك بالقول!
هذا غري �صحيح، فاخلريجون يمُكنهم العمل �أينما كانوا، �أمَّا مو�ضوع
اجلامعة فهذا يعود �إىل اجلهات املخت�صة، كما �أنَّ اجلامعات العربية
مفتوحة لكل مواطني الدولة.
فرد ال�سائل:
هذه اجلهات املخت�صة ال زالت ترد بالرف�ض على طلباتنا منذ �أكرث من
33 عندما يزهر الربتقال
34. ع�شرين عامً ا.
-وهنا �ساد بع�ض التوتر يف امل�ضافة ومل تفلح حم��اوالت اجل�نرال يف
�إقناع بع�ض احل�ضور، حتى �س�أل �أحد احلا�ضرين �س�ؤاال كان كالقنبلة
الكبرية:
-وم��اذا فعلت �أن��ت عندما كنت وزي��ر ًا يف الأم��ن الداخلي وع�ضو ًا يف
املجل�س الوزاري امل�صغر؟
-قالها ال�سائل ب�صورة غا�ضبة، رد عليه جال�س �آخر قبل �أن يتحدث
َّ
اجلرنال:
�أعطى الأوامر بقتل ثالثة ع�شر �شهيدا من �أبنائنا، ودافع عن القتل يف
املحاكم ال�صورية، وي�أتي الآن حتى ي�أخذ تواقيعنا على جرميته هذه.
-و�أ�ضاف جال�س ثالث:
ٌ
وكان من �أبرز الذين وافقوا على ق�صف املدنيني يف ال�ضفة والقطاع،
وقتل 11 طفال يف ق�صف البناية التي ي�سكنون فيها بحي الدرج يف غزة.
-�ساد ه��رج وم��رج القاعة م��ا ب�ين فريق قليل يهاجم اجل�ن�رال وما
بني فريق كبري يدافع عنه، ومع ذلك ح��اول اجل�نرال امت�صا�ص نقمة
الغا�ضبني، وفتح املجال للحديث املفتوح، وكل ذلك وح�سام يغلي كالربكان
وعيناه تقدحان �شرارًا وهو يحدق بوجه اجل�نرال دون �أن ي��راه، حينما
وقف �أبرز الأع�ضاء اجلدد قائال: ا�سمع �أيها اجلرنال �س�أعر�ض عليك
خم�سمائة ا�سم من عائلتي �سيكونون لك يف كل انتخابات داخلية وت�شريعية
عندما يزهر الربتقال 43
35. وي�صبحون �أع�ضاء يف احلزب فما ر�أيك؟!
ً
-انفرجت �أ�سارير اجلرنال لذلك بعد �أن عكَّرها الهجوم الالذع عليه
وقال:
�سيكون ذلك من دواعي �سروري و�سرتى كيف ميكنني العمل على تنمية
الو�سط العربي وتقدمه باجتاه امل�ساواة مع مواطني الدولة كافة.
فرد �صاحب العر�ض قائال:
َّ
ولكن!! ب�شرط �صغري و�شخ�صي، �أن تتبنى �أنت وكتْلتُك داخل احلزب،
ُ
دعمي يف م�ساعٍ لإعادة �أر�ضي امل�صادرة منذ عام 84، ف�أنا الزلت �أملك
�أوراقها الثبوتية والقانونية وهي ال تزال موجودة على حالها يف قي�سارية،
و�أنا يف ذات الوقت �أحمل اجلن�سية الإ�سرائيلية مثلك متاما، فما ر�أيك؟!
-تلون وجه اجلرنال و�صمت هنيهة ثم قال:
كما تعلمون ف�إن املو�ضوع �أكرب من �أن يتبناه حزب، فالق�ضية �سيا�سية
بامتياز، وال ميكن قطع الوعود لذلك، لكنك ت�ستطيع التوجه للمحكمة.
-عندها ابت�سم ال�سائل يف وجهه و�أخرج بطاقة الع�ضوية للحزب من
جيبه ومزقها قائال:
مل �أك��ن غبي ًا عندما عر�ضت عليك عر�ضي ولكن �أحببت �أن يعلم
اجلال�سون حقيقة احلزب الذي ينتمون �إليه، هذا احلزب املماثل لكل
الأحزاب ال�صهيونية التي �صادرت �أر�ضنا و�سنَّت القوانني التي تقت�ضي
بعدم �أحقيتنا بالعودة �إليها، هذا احلزب الذي يجيز لأي يهودي يف �أق�صى
53 عندما يزهر الربتقال
36. العامل �أن ي�أتي �إىل فل�سطني وي�ستوطن فيها ولو تهوَّد البارحة، بينما يُحَ رِّم
عودة �أ�صحابها الأ�صليني ولو كانوا حملة اجلن�سية الإ�سرائيلية، وجاء �آخر
الأمر ذلك القانون اجلديد الذي �صادق عليه �سيادة اجلرنال كونه ع�ضوًا
يف الكني�ست، ويق�ضي بعدم بيع �أرا�ض لعرب الثمانية والأربعني، �أما الأمر
ٍ
الأخري الذي �أريدكم �أن تروه: فهذه ال�صورة لل�شهيد �أ�سيل الذي قتله هذا
املجرم ويقف �أمامكم الآن.......
-كانت العبارة الأخرية، نار ًا دبت يف اله�شيم، فعَال ال�صراخ يف القاعة،
َ
ما بني ال�شتائم للجرنال طالب ًا منه االبتعاد عن املن�صة واالن�صراف من
البلدة، وبني جمع امل�ؤيدين الذين حاولوا طرد املتحدث الأخري حتى و�صل
الأمر للعراك بالأيدي ومل تفلح حماوالت �أبي ح�سام لتهدئة الأمور.
وبينما ك��ان اجل�نرال ينادي اجلميع بالهدوء عرب امليكرفون، وقف
على جانبيه جمع من احلرا�س حلمايته، حيث رف�ض االن�صياع لأوامرهم
باالبتعاد عن املن�صة، دوت الطلقات جنبات امل�ضافة وتبعها �إطالق نار من
كل اجلهات، حيث �أ�صاب حُ رَّا�س اجلرنال م�س من اجلنون، وبدءوا �إطالق
ٌّ
النار يف كل مكان، يف الوقت الذي �أخرج فيه جمموعة منهم اجلرنال عرب
ممر جانبي، وانطلقت به ال�سيارة ب�سرعة الربق دون �أن يتمكن �أحد من
معرفة ما يحدث، غري �أن امل�شهد كان مروِّع ًا وك�أنه �ساحة حرب، حيث
ال�صراخ من امل�صابني على الأر�ض وبع�ض القتلى من احل�ضور و�أبرزهم
�أبو ح�سام وحار�سه.
عندما يزهر الربتقال 63
37. ال�شخ�صان اللذان كانا م�ضرَّجَ ينْ بدمائهما، وبعد حلظات �ساخنة
ِ َ
جدا هد�أ الر�صا�ص وطلب احلرا�س الذين تبقوا يف املكان من اجلميع �أن
يبقوا منبطحني على الأر�ض، ومنعوا �أي �شخ�ص من اخلروج.
يف تلك الأث��ن��اء ك��ان ال�صراخ ينبعث من املمر الوا�صل بني مطبخ
امل�ضافة وبيت �أبي ح�سام حيث �صوت بكاء الأطفال، الأمر الذي لفت انتباه
ح�سام الذي كان يجل�س قرب ر�أ�س والده امليت يف حالة �صدمة كاملة منعته
من البكاء، وك�أنه يقول يف داخله وهو ينظر �صوب املمر واجلدران التي
اخرتقهما الر�صا�ص:
لعلِّي الزلت يف ال�سرير �أحلم يف تلك الكوابي�س اليومية، ال، ال، ال ميكن
�أن تكون احلقيقة هكذا ف�أي رجل قا�س و�شديد ال ميوت هكذا، و�أما �إخوتي
فال زالوا نياما يحلمون �أحالم الع�صافري، نعم، نعم، �أنا الزلت نائما.
٭٭٭٭
�ضجت البلدة على وقع الر�صا�ص الغزير الذي دار يف امل�ضافة، حيث
كان النا�س ال يزالون يعت�صمون يف مركز البلدة وقد جتمهروا ملعرفة الذي
يحدث وقد ك�ست احلرية وجوه اجلميع، بينما كانت �إينا�س حتدق يف وجه
�سعاد التي بدت م�شدودة تقب�ض على ورقة �صغرية بيدها!!. حيث، �أتت
�إينا�س بها جانبا وقالت:
73 عندما يزهر الربتقال
38. ما الذي دهاك يا �سعاد، لقد تكدر وجهك وحدك من بني النا�س فما
الذي �أ�صابك؟!
-فردت �سعاد ب�صوت خافت ممزوج بعربات ح�سية املقل:
خذيني �إىل البيت بهدوء دون �شعور �أحد فل�ست �أقوى على الوقوف،
وهناك �سنتحدث، وبينما كانتا ت�سريان بخطى ثقيلة جداً، وكانت قوات
الأمن الإ�سرائيلية تدخل البلدة ب�أعداد �ضخمة، وتنت�شر حول امل�ضافة،
والإ�سعافات الع�سكرية تنقل امل�صابني والقتلى حتت حرا�سة م�شددة، بينما
كانت طائرة حتوم فوق البلدة، الأمر الذي دفع النا�س للتفرق والعودة
للبيوت با�ستثناء بع�ض العائالت التي لها �أبناء داخل امل�ضافة.
و�صلت �سعاد و�إينا�س البيت بالتزامن مع و�صول الأ�ستاذ �أحمد عائد ًا
من حقله، وفورًا انفجرت �سعاد باكية وهي ترمتي يف �أح�ضان والدها قائلة:
لقد ذهب ح�سام يا والدي لقد ذهب.
فهدهد براحته عليها وهو يقول:
ال ت�ستعجلي النتائج يا ابنتي فال زلنا جنهل ما حدث هناك.
-وفج�أة، تذكرَتْ �سعاد الورقة التي يف يدها و�سارعت لقراءتها، فقد
كانت من ح�سام الذي طلب منها عدم فتحها �إال بعد ال�ساعة ال�ساد�سة
م�ساء وكتب فيها:
ً
�أعلم �أنني مل �أقلها لك يوما، وال طاملا حلمت باللحظة التي �أقول فيها
�إنَّني �أحبك، غري �أين ما ر�ضيت �أن �أخت�صر عاملك يف كلمة واحدة، و�أنت
عندما يزهر الربتقال 83
39. فوق الكلمات والأو�صاف، ولعل الرباط الذي جمع بني قلبينا �أقوى من كل
م�ألوف، لذا ف�إين �أخاطبك ال�ساعة معرت�ضا، �إين �أم�سك احلقيقة بيدي
بعد �أن كربت يف عقلي وقلبي، وقد حتررتُ مِ ن خويف الذي ي�سكنني منذ
زمن بعيد، ال �أدري �أ َّية حلظات �ستكون لكنها بالقطع خري من كل اللحظات
ُ
ال�سابقة، ويف اخلتام. كم حلمت �أن �أراك عرو�سا تُزيحني ب�ؤ�س ال�سنني عن
ِ
حياتي فكوين عرو�سً ا كما كنت, �سيِّدة يف الكربياء والعفة، وتذكري دوما
ً
ا�سما طاملا �أحبك - ح�سام.
-ت�سمرت �سعاد مكانها، ومن ثم �أدارت وجهها نحو �أبيها وقالت:
لقد علمتني ال�صراحة يا �أب��ي، وزرع��ت يف الثقة �إىل �أبعد احلدود،
َّ
وعلمت �أن ح�سام كان يريد خطبتي منك، والآن ترك يل هذه الر�سالة
فانظر �إليها.
-قر�أ الأ�ستاذ �أحمد الر�سالة بعناية فائقة وقال وهو يف قمة احلذر:
هذه الر�سالة يجب �أن تحُرق حاال وتكتُما �أمرها حتى عن نف�سيكما،
ف��الآن فهمت تلك النظرات التي كانت يف عينَي ح�سام عند احلاجز،
واعلمي يا ابنتي �أنَّ كلمات ح�سام قد زادت مكانته عندي وعمَّقت قناعتي
ب�صالح قلبه ومبعدنه الأ�صيل، و�سرنى بعد قليل ما الذي حدث هناك.
-فقالت �إينا�س:
�أنا ال �أفهم �شيئا، فما عالقة م�ستقبل �سعاد وح�سام فيما جرى هناك؟!
فردت عليها �سعاد:
93 عندما يزهر الربتقال
40. لقد �أخربتك قبل �ساعة �أن ح�سامً ا يعي�ش يف زمن �أبيه مكرها، وينتظر
ال�ساعة التي يحرر فيها نف�سه و�أم��ه وعائلته من ه��ذا الواقع ال�سيء،
و�ستعلمني الكثري عنه حال ات�ضاح الأمور.
٭٭٭٭
ذات احلرية كانت جتري يف بيت �أبي �أ�سيل، حيث حتلَّقت العائلة �أمام
التلفاز الذي بد�أ بثا مبا�شرا عن احلدث، فقال �أبو �أ�سيل:
يبدو �أن ما جرى كبري ًا جد ًا جداً، انظروا �إىل وجوه الإعالميني الذين
يُخفون �أمر ًا خطرياً، و�إن مل يخب ظني ف�إنَّ اجلرنال قد مات؟؟
-فنه�ضت �أم �أ�سيل على قدمها ورفعت يديها �إىل ال�سماء قائلة:
يا رب، يا رب خذه �إىل جهنم وبئ�س امل�صري، و�أرح قلبي يا اهلل.
-ف�صرخت اجلدة ب�أعلى �صوتها:
نذر علي �إن مات الذبحنَّ عجال وفوقه خاروف، ولأ�صومنَّ �شهر ًا كامالً.
ً
-فارت�سمت االبت�سامة على وجه �أبي �أ�سيل الذي تذكر �أمراً:
�أين رائد؟! هل ر�آه �أحد خالل االعت�صام؟! �أين يغيب يف هذه الظروف؟!
-وما �إن �أكمل كلمته الأخرية حتى دخل رائد البيت م�سرع ًا ي�س�أل:
هل مات اجلرنال؟! هل �أعلنوا عن ذلك؟! من فعل ذلك؟!
-فقال له �أبوه:
عندما يزهر الربتقال 04
41. على مهلك يا ولدي، ال زالت الأخبار يف بدايتها وهم يتكتمون على ما
يحدث، غري �أنهم ي�شريون �إىل م�أ�ساة حدثت، و�أظن �أنه الآن يف اجلحيم
يتلقى الوعيد.
فقال رائد:
نعم، نعم لقد �سمعت يف طريقي �إىل البيت �أن ق��وة كوماندوز من
الفدائيني قد اقتحمت امل�ضافة وفتحت النار على اجل�نرال وحرا�سه،
وهناك من يقول: �إنَّ �شخ�ص ًا من داخ��ل امل�ضافة قد �أطلق النار على
اجلرنال فاندلعت بعدها اال�شتباكات.
ف�س�أل �أبو �أ�سيل:
و�أين كنت طيلة النهار، لقد قلقنا عليك؟!
فارتبك قليال ثم �أجاب:
لقد كنت مع �أ�صدقائي يف النادي وملا �سمعنا �إطالق النار عدنا �إىل
منازلنا وها �أنا �أمامك �أ�سعد �إن�سان على وجه الأر�ض، و�أمتنى لو كنتُ يف
امل�ضافة.
فقال �أبوه:
ا�صمت وال تتفوه بكلمة واحدة و�إال �أوقعتنا يف م�شكلة كبرية، فاحلدث
�أكرب مما تت�صور و�سيكون له ما بعده، واحتمال �أن تكون حتت املجهر.
٭٭٭٭
14 عندما يزهر الربتقال
42. �أعلن التلفزيون الإ�سرائيلي نب�أ مقتل اجلرنال املر�شح لرئا�سة احلزب
بطلقة اخرتقت ر�أ�سه، �إ�ضافة �إىل مقتل �أحد حرا�سه ال�شخ�صيني و�صاحب
امل�ضافة �أبي ح�سام وزوجته وحار�سه وثالثة من �أع�ضاء احلزب العرب،
و�إ�صابة ع�شرة �أ�شخا�ص بجروح، وقد �أعلنت �أجهزة الدولة ا�ستنفارها
حيث فر�ضت حظر التجول على البلدة، وبد�أت �أعمال التحقيق ب�إ�شراف
رئي�س ال��وزراء ذات��ه، واعتربت منطقة احل��ادث �ساحة جرمية، و�شكلت
طاقم ًا خا�ص ًا للتحقيق يف مركز (بيتاح تكفا)، وب��د�أت مالمح العملية
تت�ضح حتى يف الإعالم حيث قُب�ض على ح�سام جنل �صاحب امل�ضافة وهو
يحمل م�سد�سا �أُطلق منه النار، وي�شتبهون ب�أ�شخا�ص �آخرين قد ا�شرتكوا
يف العملية.
٭٭٭٭
�أحاط اجلنود املدججون بال�سالح بح�سام وهم ينزلونه من ال�سيارة
مقيَّد القدمني والرِّجلني مع�صوب العينني، وتدافعوا به نحو ممرات َُ
عديدة دون �أن يُعرف املكان، وما هي �إال حلظات حتى فُتح باب كهربائي،
ف�سلَّمه اجلنود �إىل �أيدٍ خ�شنة، و�أفواه تتلفظ ب�أ�سو�أ الكلمات:
- �أهال بالإرهابي الكبري، لقد و�صلت �إىل امل�سلخ الذي �ست�شهد فيه
نهايتك، �ستكت�شف الآن ب�أنك ال تعي�ش على الأر�ض و�أنَّ �أمَّك مل تلدك بعد.
عندما يزهر الربتقال 24
43. وعلى الفور �أرغموه على خلع مالب�سه كاملة و�أجروْا عليه تفتي�ش ًا دقيق ًا
َ
لكافة �أنحاء ج�سمه، حيث �أمروه بالنزول وال�صعود وفتح الفم وتفتي�ش
ال�شعر، ومن ثم �أم��روه بارتداء مالب�سه املليئة بالدم و�أخ��ذوا مقتنياته
ال�شخ�صية، وما لفت انتباه ال�سجانني عثورهم على حذاء طفلة �صغرية يف
مالب�سه حيث قال �أحدهم:
- ما هذا �أيها الغبي، �أت�سرق �أحذية الأطفال من البيوت؟!
فرد �سجان �آخر:
- �أو يحن �إىل الطفولة التي �سرقها منه الغول - ها - ها - ها -.
كان ح�سام ال يزال �صامتا، لكنه كان ينظر �إىل احلذاء بحنان، ورد
نظراته �صفعة على خ��ده من �أح��د احلرا�س الذين �أم��روه بامل�شي نحو
الطبيب الذي فح�صه وقدَّم تقريره العاجل ومن ثم و�ضع ال�سجان كي�س ًا
نتن ًا على ر�أ�سه منعه من ر�ؤية �شيء واقتاده نحو درجات متعرجه �صعود ًا
وبعد حلظات من االنتظار يف نقطة معينة على ر�أ�س الدرج، فتح ال�سجان
باب ًا دخال منه، و�سارا يف ممر هادئ �إال من �صوت املو�سيقى العالية وفج�أة:
�أدخل ال�سجان ح�سام ًا �إىل غرفة وغادر.
وقف ح�سام يف غرفة املكيف يخيم عليها الهدوء الكامل وكان يقول يف
نف�سه:
- يا خفيَّ الألطاف جننا مما نخاف، يا خفي الألطاف جنِّ نا مما
نخاف.
34 عندما يزهر الربتقال
44. حيث تذكر هذا الدعاء الذي كانت تردده جدته عند امل�صائب، وفج�أة
رفع �شخ�ص الكي�س عن ر�أ�سه وقال:
مرحبا بالبطل، لقد �شرفتَنا بقدومك �إىل مركز (بيتاح تكفا) العظيم.
َّ ْ
نظر ح�سام داخل الغرفة فوجد فيها �أربعة �أ�شخا�ص يرتدون املالب�س
املدنية يجل�سون على الكرا�سي، حيث طلب �أحدهم من ح�سام �أن يجل�س
وقال:
- تف�ضل، تف�ضل يا ح�سام، اعتبرِ نف�سك يف بيتك.
ْ
بقي ح�سام �صامت ًا يبدو عليه الإره���اق والتعب، ون��ظ��رات الأربعة
تتفح�صه.
قال املتحدث الأول:
- �أعرفُك على �أ�صدقائك اجلدد، كوبي، يوين، راين وحم�سوبك امليجر ِّ
عوز ونحن باخت�صار �سنقفل امللف ب�أق�صى �سرعة ممكنة، و�إنْ �شئت
ميكننا �إنها�ؤه الليلة. فما ر�أيك؟!
مل يجب ح�سام، فرد كوبي عليه:
- يبدو �أن ح�سامً ا مت�أثر بامل�شاهد التي ر�آها اليوم، واحلقيقة �أنني ال
ٌ
�أح�سده على هذا املوقف ولكن!!
�أكمل راين احلديث ب�سرعة:
- ولكن، قد يخفف عنه ما فعله امل�سد�س الذي كان بحوزته، �ألي�س
كذلك يا ح�سام فلقد فعلتَ ما عجِ زَ تْ عنْه اجليو�ش!!
عندما يزهر الربتقال 44
45. قالها كوبي وهو يقرتب �إىل نقطة ال�صفر من وجه ح�سام.
تدخل امليجر قائال:
- مهالً، مهال يا �أ�صدقاء، ال تثقلوا بالأ�سئلة على ح�سام فهو متعب
ً
الآن، و�أقرتح �أن ي�أخذ ك�أ�س ًا من ال�شاي يدفِئ به الل�سان فينطق بالكالم.
يف تلك اللحظات كان املحقق يوين ي�شمر عن يديه ويخلع �ساعة يَدِ ِه
َ
ويَ�ضعها على الطاولة.
َ
ويرمق ح�سام بنظرات غا�ضبة ك�أنه وح�ش ي�ستعد لالنق�ضا�ض على
فري�سته.
وبكلمات �سريعة خاطفة قال امليجر:
- تعازينا لك يا ح�سام بوفاة وال��دك واعلم �أن ما فعلته لنا يدفعنا
لالنتقام منك فنحن ل�سنا ع�صابة بل يوجد عندنا قانون.
مل ي��رد ح�سام، فقال راين: �ألي�س من الأدب �أن ت��رد على التعزية
بال�شكر؟!
فقال امليجر: اعذره على ذلك فامل�صيبة كبرية جد ًا رغم املُ�صاب الذي
حلق بنا، ولكنْ يا ح�سام هذه ن�صف امل�صيبة بالن�سبة لك!!
ا�ضطرب قلب ح�سام وارتع�ش ج�سدُه وذهب �أتلى �صوت البكاء الذي
َ
�سمعه وهو يجل�س قرب جثة �أبيه، وانتظر الكلمات التي �ستخرج من فم
امليجر.
- يا ح�سام: �إن �أق�سى الفجائع التي ميكن �أن ت�صيب الإن�سان يف حياته،
54 عندما يزهر الربتقال
46. �أن يفقد عزيزا عليه بحجم الوالد، فكيف �إذا فقد...!!
و�سكت امليجر مبْدِ يًا ت�أثُّره وعدم ا�ستطاعته �إكمال احلديث، ف�أكمل
ُ
راين:
نعزيك بوفاة والدتك �أي�ضا يا ح�سام.
فانفجر ح�سام بالبكاء و�أخذ ي�صرخ ب�أعلى �صوته:
يا قتلة، يا جمرمني، يا �سفاحني.
-فارت�سمت االبت�سامة على وجوه الأربعة، فقد حققوا هدفهم بدفعه
للكالم.
-خرج امليجر من الغرفة طالب ًا �إكمال احلديث ريثما يعود، وعلى الفور
جل�س يوين على الكر�سي املقابل حل�سام وقال له وهو يحدق بعينيه:
- ا�سمع �أيها الكلب، ال �أري��د منك �أن تقول يل ما ح��دث، بل �أري��د
ما �سيحدث الآن، و�إن كذبت بكلمة واح��دة، �س�أجعلك تلد الكلمات من
م�ؤخرتك.
فرد ح�سام: ال �أع��رف عن ماذا تتحدث، قالها وهو ينظر �إىل وجوه َّ
الثالثة املرعبة.
فقال يوين:
- �أجل�سوه على الكر�سي الذي ال يوجد له ظهر واربطوا يديه برجليه
من اخللف، ف�س�أعلمه احلديث على �أ�صوله.
-�أ�صبح ظهر ح�سام مقو�س ًا ب�صورة م�ؤذية وك�أنه دائ��رة واح��دة مع
عندما يزهر الربتقال 64
47. اجل�سد، وجل�س خلفه كوبي وهو ي�ضع قدمه على الأ�صفاد امل�شدودة التي
قيَّدت القدمني واليدين معاً، و�أخذ ي�ضغط ويقول:
�أين �ستكون العملية الثانية، مَ ن الهدف القادم، تكلم و�إال جعلناك
م�شلوالً.
-ف�أخذ ح�سام بال�صراخ من �شدة الأمل وهو يردد:
ال �أعرف �شيئاً، �أق�سم باهلل العظيم �أنني ال �أعرف عن ماذا تتحدثون.
فقال له راين: ا�سمع �سيد م�ؤمن، يف هذه الغرفة ال حتلف ب�أحد �أبداً،
ومن �أجل ذلك �س�أفتح درج املكتب الآن و�س�أ�ضع اهلل فيه، وال تردد بعدها
الق�سم.
-عندها، ا�ستغفر ح�سام يف داخله وقال يا رب، وهو ي�صرخ من �شدة
الأمل.
-فتقدم يوين وا�ضع ًا ركبتيه على ركبتي ح�سام و�أخذ ي�ضربه بيده على
الع�ضو التنا�سلي ويقول:
تكلم و�إال جعلتك عقيم ًا فا�ضطررت �إىل حتويل نف�سك المر�أة، تكلم
ْ
عن الأ�شخا�ص الذين ي�ستعدون لتنفيذ العملية الآن، من هي ال�شخ�صية
البديلة التي تنوون قتلها.
-كان ال�صراخ ميلأ الغرفة حمكمة الإغالق، ومع ذلك ا�ستمر التعذيب
على هذه الطريقة، و�أ�ضف �شيئ ًا �آخر عندما وقف راين على بطن ح�سام
وهو يقول: حتدث قبل �أن مت��وت، �أنقذ نف�سك و�إخوتك ال�صغار الذين
74 عندما يزهر الربتقال
48. ينتظرونك بعد موت والديك، هيا �أيها احل�شرة التي �س�أ�سحقها بقدمي،
تكلم عن العملية القادمة.
-وفج�أة!! فقد ح�سام الوعي ف�أوقفوا التعذيب قليال ور�شوه ببع�ض املاء
ً
فا�ستيقظ ثم �أعادوا الكرّة مرات ومرات ويف كل مرة كان ح�سام يطلب
احلديث: �س�أتكلم. �س�أتكلم، �أوقفوا التعذيب، �أوقفوا التعذيب.
-وعندما يرتاح للحظات يعاود القول:
�إنني ال �أعرف �أحدا وال �أنوي فعل �شيء.
-فينزل الغ�ضب جمددا وبعنف �أق�سى، وت�شتد الأوجاع يف ج�سم ح�سام.
٭٭٭٭
يف تلك ال�ساعات الطويلة من الليلة الأوىل، كانت قيادات عليا للدولة
تعقد غرفة عمليات يف مركز التحقيق وتتابع جمريات التحقيق مع ح�سام
وهناك يف �ساحة االعتقال، وكانت يف �سرعة مع الوقت لأن اجلرنال كان
�أرفع �شخ�صية �إ�سرائيلية تقتل على �أيدٍ معادية داخل فل�سطني، كما �أنها
تريد تف�صيال �سريع ًا لو�ضعه على طاولة رئي�س الوزراء.
ً
٭٭٭٭
يف �صباح اليوم الأول، دخل امليجر �إىل الغرفة ,و�أب��دى انزعاجه ملا
حدث حل�سام قائال:
عندما يزهر الربتقال 84