SlideShare a Scribd company logo
1 of 194
Download to read offline
c   ÍA 6 
                
                     
                    
  
         
     



1   ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫الكتاب: عندما يزهر الربتقال‬
             ‫الكاتب: الأ�سري عمار الزبن‬


          ‫الطبعة الأوىل - 2341هـ/1102م‬
                ‫جميع احلقوق حمفوظة‬
                                 ‫النا�شر:‬
‫�سورية - دم�شق - �ص. ب: 92031‬
     ‫هاتف: 20847361136900‬
    ‫فاك�س: 15547361136900‬
‫الربيد الإلكرتوين: ‪thaqafa@thaqafa.org‬‬
            ‫موقع امل�ؤ�س�سة على الإنرتنت:‬
‫‪www.thaqafa.org‬‬


                 ‫ت�صميم الغالف والإخراج:‬
                 ‫م. جمال الأبطح‬




                 ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫2‬
  A  
                      c   Í  6 
                               
                                  
         
                
            


                       A  
                   c   Í  6 
                            
                               
      
             
             
      ‫ رواية‬  

3    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫4‬
‫محاولة روائية لقراءة أح��داث تجري في عقول‬
    ‫وأفئدة البرتقال الصامد في أرضنا المحتلة عام‬
    ‫ثمانية وأربعين، حيث النوَّار الذي بدأ يزهر رغم‬
         ‫العواصف والرياح العاتية والقادمة من بعيد.‬




‫5‬   ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫6‬
‫اإلهداء‬

        ‫إلى أهلنا الصامدين على تراب أرضنا المحتلة‬
                   ‫عام ثمانية وأربعين‬
        ‫إلى شواطئ حيفا ويافا وتل الربيع وقيسارية‬
                ‫التي ال تزال تعاند الغرباء‬
        ‫إلى أزهار البرتقال التي عادت تزهر من جديد‬
                    ‫إلى المثلث والنقب والجليل‬
‫إلى شهداء انتفاضة األقصى «الثالثة عشر» وإلى من ينتظر!!‬

                          ‫أهدي هذا العمل‬


                       ‫الأ�سري عمار الزبن‬
                ‫�سجن نفحة، �صحراء النقب - فل�سطني‬
                           ‫2/21/7002‬




‫7‬   ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫8‬
‫طرقت �أم ح�سام الباب ب�صورة �سريعة وك�أنها ت�ستعجل ابنها لأمر هام‬
                                                                   ‫قائلة:‬
‫ح�سام, ح�سام, افرح يا ولدي وا�ستقبِل �ضيوف �أبيك يف امل�ضافة, لقد‬
                        ‫َ‬
                            ‫ازدحم املكان بالنا�س و�أنت ال زلت يف غرفتك.‬
‫فرد عليها ح�سام ب�صوت يكتنفه احلزن املجبول بالغ�ضب, وهو يفتح‬
                                                              ‫باب الغرفة:‬
              ‫وهل ت�سمِّينهم �ضيوفًا يا �أمي و�أنت تعرفني من يكونون؟!‬
‫�صمتت الأم هنيهة وك�أن �صفعة عمرُها �ستون عام ًا قد �سقطت على‬
                                       ‫ً‬
                                      ‫وجهها بقوة, و�سرعان ما ردت عليه:‬
‫دعك من هذا يا ولدي واخ��رج ال�ستقبال مَ ن ر�ضي �أب��وك �أن يكونوا‬
‫�ضيوفه ولو كانوا �أكرث مما نعرف، فاعت�صامك يف الغرفة لن يغري من‬
                            ‫احلقيقة �شيئا بل �سي�ضع والدك يف حرج كبري.‬
                                   ‫فرد ح�سام وقد تعَّر وجهه غ�ضبا:‬
                                                    ‫مَ َ‬
‫هل ك��ان �أب��ي م�ضطرا �أن ي�ضع نف�سه يف ه��ذا املكان وي�سجنا معه,‬
                                             ‫�صاغرين - �إىل هذا املربع؟!‬

‫9‬     ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫ف�صرخت الأم يف وجهه قائلة:‬
‫�أ�ستحلفك باهلل �أن ت�صمت وت�ؤجل احلديث �إىل ما بعد الزيارة, و�أن ال‬
                    ‫جتعلني �ضحية خالفك مع �أبيك على �أ�شيائه ال�سيا�سية.‬
‫ترقرق الدمع يف عينَيْ �أمِّ ح�سام, خافية وراء ذلك خوفا من غ�ضب‬
‫ال��زوج, فتدخَّ ل ح�سام بقبلة على ر�أ�س والدته, �أراح��ت عنها ثقل املهمة‬
                                                                       ‫قائال:‬
‫واهلل لوال هذه الدموع الغالية والقلب الذي ي�سكن يف �صدرك, هذا‬
‫ال�صدر الذي �أر�ضعني عك�س ما يفعل والدي, لمََا حتركْتُ من هذه الغرفة,‬
‫بل لمََا بقيتُ يف هذا البيت حلظة واحدة, �أجترع ال�سُّ مَّ الذي ي�سقينا �إيَّاه‬
                                ‫ُ‬             ‫ً‬
            ‫والدي, فيجري يف اجل�سد كال�سيف يقطع كل جميل يف الذاكرة!!‬
‫خرجت �أم ح�سام تاركة وراءه��ا غ�ضباً, عجزت عن تقدير عواقبه,‬
‫لكنها �أخذت من ولدها وعْ د ًا باخلروج ال�ستقبال ال�ضيوف الذين متقتهم‬
‫�أكرث من ولدها, لكنها حمكومة لطاعة ال��زوج القا�سية واجل�شع, الذي‬
‫يلب�س ثوب ال�سيا�سي ال�ساعي خلدمة �أبناء بلده واحل�صول على حقوقهم‬
                                                            ‫من بيت ال�سارق!!‬
‫وقف ح�سام �أمام املر�أة, ينظر عربها �إىل و�سادته, وك�أنه يخجل من‬
‫النظر �إىل وجهه, في�صرف نظره �إىل �أي �شيء حتى الو�سادة, ويف حلظة‬
‫خاطفة رك�ض نحو ال�سرير, ومد يده حتت الو�سادة, خمرجا حذاء ر�ضيعة‬
‫�صغرية, مه�شم اجلوانب مهرتئ الأطراف, وقد ك�سته الأتربة والغبار, ويف‬

                                                     ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫01‬
‫م�شهد ه�ستريي: �أخذ ُيق ِّبلُه, يح�ضنه, ي�ضعه على ر�أ�سه ويردد:‬
                                                   ‫َ‬
‫ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة, ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة!! وغط يف ندبة‬
        ‫بكاء عميق قبل �أن ي�ضع احلذاء يف جيب �سرتته الداخلية ويخرج.‬
‫كانت البلدة الواقعة على �ساحل البحر الأبي�ض املتو�سط يف فل�سطني‬
‫املحتلة ع��ام 84, تعي�ش قمة التناق�ض يف ذل��ك اليوم, حيث ال�ضيوف‬
‫النكدون الذين حلُّوا على �أب��ي ح�سام, �إح��دى ال�شخ�صيات الهامة يف‬
‫البلدة، و�أثر تلك الزيارة على �شرائح املجتمع ال�صغري داخل البلد, بدءا‬
                                   ‫من بيت �أبي ح�سام وانتهاء ببيت �أ�سيل.‬
‫�صاغت �أم �أ�سيل كلماتها بالدموع, تطلب منطقا �إن�سانيا ملا يحدث يف‬
‫البلدة, وقد تربعت يف قاع الدار الذي طاملا احت�ضنت جنباته �ضحكات‬
‫�أ�سيل, وهي تطوي بذراعيها �صورة حبيبها �أ�سيل الذي اقتطفته الأيدي‬
                         ‫التي ت�صافح �أبا ح�سام يف جمل�س ال�ضيافة قائلة:‬
‫�أفيقوين, قولوا يل �إين نائمة, ال تدعوين �أغرق يف الأح�لام ال�سيئة,‬
‫قاتل ولدي حبيبي, يجل�س هناك على بعد �أمتار من كومة الرتاب التي‬
              ‫اختلطت بدم �أ�سيل يا ويلي, يا ناري التي حترق يف ال�صدر.‬
‫تدخلت على الفور جدة �أ�سيل العجوز التي كانت تتكئ على عكازها‬
                                                                  ‫اخل�شبي:‬
‫وماذا ترجني من هذا الذي باع النخوة والكرامة وهان عليه حتى �سمعة‬
‫والده ال�شهيد الذي مات وهو يدافع عن «قي�سارية» يوم النكبة, هوين عليك‬

‫11‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫يا ابنتي وجتملي بال�صرب.‬
‫لكن كالم اجلدة مل يرق للفتى الذكي رائد, الذي ينام كل ليلة على‬
‫ذك��رى �شقيقه ال�شهيد حمت�ضنا تلك الر�صا�صة التي اخرتقت �صدره‬
‫وا�ستطاع الأطباء �إخراجها, خماطبا �إياها بالقاتلة قائال: ملاذا �أيتها‬
                                              ‫القاتلة؟! ملاذا �أ�سيل ولي�س �أنا؟!‬
                    ‫حيث تدخل بعنف البوا�سل معقبا على كالم جدته:‬
‫وملاذا نر�ضى حماقات �أبي ح�سام الذي باع دماء �أ�سيل و�إخوانه الثالثة‬
‫ع�شر, وكيف نقبل بدخول القاتل �إىل بلدتنا دون �أن نفعل �شيئا؟! الآن‬
‫فهمت معنى ال�صمت الذي كان مييز �أ�سيل, حيث كان يف�ضل ال�صمت‬
‫على كالم العاجزين هذا, وعندما حانت �ساعة القول, انتف�ض بحجارته.‬
‫�أجه�شت الأم بالبكاء و�أخذت العربات تر�سم �صورة قدمية جديدة,‬
‫فهي ترى حبيبها �أ�سيل يف حما�سة رائد، الذي بعثت �أنفا�سه روح �أ�سيل,‬
‫و�أدارت يف ر�أ�سها �شريط الذكريات الأخرية التي خطها �أ�سيل ب�ضحكاته‬
                            ‫وت�صرفاته, حيث ذهبت �إىل ذلك اليوم الأخري:‬
                  ‫ها, ماذا تقولني يا �أم �أ�سيل يف �شكل ولدك املحرتم؟!‬
‫ردت عليه بثغرها البا�سم: قمر يف �سماء �صافية، عقمت الن�ساء عن‬
                                      ‫والدة مثله، ف�صاح �أ�سيل ب�أعلى �صوته.‬
‫اهلل. اهلل. يا متنبية الن�ساء، �إن كنتُ قمرا، ف�أنت ذاك ال�ضوء الذي‬
                     ‫ِ‬
                 ‫ي�شع من و�سطه في�سميه الن�ساء نورا �أو �سميه �أنت يا �أماه.‬

                                                       ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫21‬
‫فمدت ذراعيها تزامنا مع قطرات دمع �سالت على وجنتيها قائلة:‬
‫- تعال �إىل �صدري �أيها ال�شقيُّ اجلميل، لقد �شرِ بْتَ اجلَ مال حتى‬
                                              ‫�أ�صبح دررًا جتري على ل�سانك.‬
                                                                         ‫َُ‬
                                       ‫فرد �أ�سيل وهو يختنق بني ذراعيها:‬
            ‫- لقد علمتِني ال�شعر يا �أمِّ ي لكنك مل تعلميني خَ نْقَ املحبني.‬
        ‫ف�ضحكت �أمه ب�صوت عال وهي تع�ضه من وجنته املتوردة قائلة:‬
‫- وددْتُ لو �أزرعك جمددا جنينا يف �أح�شائي وال �أخرجك �أبدا، فال‬          ‫ِ‬
                        ‫ينعم غريب بنعمة النظر �إليك ف�ضال عن م�سِّ ك بيده.‬
                               ‫َ‬
                                                  ‫ف�صاح �أ�سيل مرة �أخرى:‬
    ‫- فماذا �أبقيت للح�سان يا �أمي، اللواتي يخطنب ود حبيبك اجلنني؟‬
                      ‫ُ َّ‬
‫�أظن �أن احل�سناء التي �س�آوي �إىل ع�شِّ ها م�ستقبال، �ستقت�ص مني على‬
        ‫هذه الع�ضة يا �أمي، عندها لن تقنع ب�أن �أم زوجها قد فعلت ذلك!!.‬‫َ‬
‫عادت �أم �أ�سيل من �سَ رَحانها يف ما�ضي حبيبها، على حتية �أبي �أ�سيل‬
‫ال��ذي يعمل يف جامعة حيفا، حيث بدا على وجهه ما �أمل باحلا�ضرين‬
                ‫َّ‬
                                                               ‫و�سرعان ما قال:‬
‫هونوا عليكم يا جماعة، فالأمر �أكرب من �أن نخت�صره يف جمرم يقف‬
‫على ر�أ���س وزارة جمرمة، كانت م�س�ؤولة عن ا�ست�شهاد �أ�سيل و�إخوانه‬
‫الثالثة ع�شر، والآن ي��زور بلدتنا قالها، �أب��و �أ�سيل وهو يحدق ب�صور ٍة‬
‫تو�سطت احلائط داخل غرفة ال�ضيوف، �أمكنه ر�ؤيتها من قاع الدار، حيث‬

‫31‬     ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫الأقمار الثالثة ع�شر يتو�سطهم �أ�سيل:‬
‫�إنها دولة جمرمة - قال - تربِّئ القاتل وجترِّم الربيء يف الوقت ذاته،‬
‫انظروا �إىل حماكمهم التي تدَّعي النَزاهة واال�ستقالل، تق�ضي بعدم‬
‫م�س�ؤولية اجلنود والقنا�صة عن قتل ال�شباب، ويف الوقت ذات��ه حتملنا‬
‫م�س�ؤولية املظاهرات التي �أدَّت �إىل هذه النتيجة، ي�ساوون ما بني احلجر‬
‫الذي يرميه ال�شاب من م�سافة بعيدة، فال ي�صل يف غالب الأحيان - و�إن‬
‫و�صل ال يفعل �شيئا - وما بني الر�صا�صة التي يرميها القنَّا�ص على هدفه‬
‫وت�صورها عد�سات التلفزة، وي�سمون ذلك دفاعا عن النف�س. ال حتزنوا‬
‫يا جماعة، فهذا ع�صر الغطر�سة، الذي يقول مبنطق القوة ولي�س بقوة‬
              ‫املنطق، وال بد �أن تختل موازين القوى يوما فتنعك�س ال�صورة.‬
       ‫	-عندها، �صرخ رائد الذي بدا كال�صاعق املو�شك على االنفجار:‬
‫وهل �سن�سكت يا �أبي؟! �أر�أيت الأطفال يف نابل�س وجنني وهم يعتلون‬
‫ظهور الدبابات؟ لقد دا�سوا على خوفنا وجبننا ومل يبق لنا عذر، وها نحن‬
                                                              ‫نكتفي بالكالم.‬
‫	-رد عليه �أبوه بغ�ضب من�ضبط، طالبا منه الهدوء قائال: اهد�أ يا ولد،‬
‫فحتى ي�صبح النا�س كما تريد ف�إنَّ �أمامنا الكثري الكثري لنعمله، و�أولها �أن‬
‫ال يكون بيننا من ينتمي �إىل حزب �صهيوين - ك�أبي ح�سام - و�إن كانت‬
                                                             ‫دوافعه مالئكية.‬
‫	-فتب�سّ م رائد متهكما على منطق �أبيه الذي ر�أى فيه �أحالم النائمني،يف‬

                                                   ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫41‬
‫الوقت الذي كان الغ�ضب ي�شتعل يف ر�أ�س و�صدر �أبي �أ�سيل الذي زاده كالم‬
‫ابنه ال�صحيح عمقا يف التفكري مب�صيبة الواقع ال�سيء، �أن تعي�ش على‬
‫�أر�ضك يف ظل كيان غريب فر�ض عليك �إيقاع احلياة ومفرداتها، حتى‬
                       ‫�أ�صبحت ال تقوى على منع قاتل من دخول بلدتك.‬

                              ‫٭٭٭٭‬

‫ك��ان التوتر ب��ادي�� ًا على وج��وه النا�س جميعاً، حتى البيوت العتيقة‬
‫وال�شوارع التي طاملا ابت�سمت لزوارها و�أهلها، كانت تعك�س ما يختلج يف‬
‫�صدور الأه��ايل، حيث الوجوم الذي ارت�سمه على وجوه الن�سوة اللواتي‬
‫يعتلني الأ�سطح ويتبادلن احلذق على هذا الواقع، وت�أوهات الرجال الذين‬
‫كانوا يجل�سون يف القهوة وينفخون دخان النارجيلة يف ال�سماء م�صحوبة‬
‫ب�شر ٍر يتطاير من العيون، را�سم ًا لوحة �سوداء كُتب عليها: نحن غا�ضبون.‬
                                                                     ‫َ‬
                                                 ‫	-يف تلك اللحظات:‬
‫مر الأ�ستاذ �أحمد يف ال�شارع يركب على عربة جمرورة بحمار، ف�ألقى‬   ‫َّ‬
‫التحية على اجلال�سني، وا�ستمر يف �سريه باجتاه حقله، وهو يبت�سم يف وجوه‬
                                         ‫َّ‬
                                                      ‫اجلال�سني واملارة.‬
‫حيث الوقت الذي يذهب فيه الفالحون �إىل حقولهم ع�صرا بعد فرتة‬
‫ال�صالة، �أما الأ�ستاذ �أحمد فيعتمد �صباح ًا على عامل من البلدة، وي�أتي‬

‫51‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫دوره بعد االنتهاء من الدوام من مدر�سة البلدة الثانوية وتناول الطعام‬
‫يف البيت. وبينما عربة الأ�ستاذ ت�سري على وقع قيادته و�أوام��ره للحمار‬
‫ب�أن يحث اخلطى: اعرت�ض طريقه املعتاد باجتاه ال�سهل، حاجز �أمن يتبع‬
‫لقوات احلماية املرافقة حل�ضرة الزائر الكبري حيث يقع احلاجز بالقرب‬
‫من م�ضافة �أبي ح�سام، مما �أعاق مرور العربة و�أخ�ضعها للتفتي�ش، وال زال‬
‫الأ�ستاذ يبت�سم، مما �أثار ف�ضول ال�ضابط اجلهم الذي �س�أل الأ�ستاذ عن‬
                                                     ‫�سبب ابت�سامه، ف�أجاب:‬
             ‫وهل تكون �سعيدا �إذا ر�أيتني مقَطَّ بَ اجلبني عبو�س الوجهِ؟‬
                      ‫َ‬                   ‫ُ‬
                                     ‫فرد ال�ضابط ب�شيء من العنجهية.‬    ‫َّ‬
‫�أراك ع�صري املزاج ت�سوق الكالم بفل�سفة ال تليق بفالح، لي�س له حظ‬
           ‫من احلياة �سوى الغبار واخل�ضار وقياد ٍة جيِّدة حل�ضرة احلمار.‬
                                    ‫فقهقه الأ�ستاذ ب�صوت مرتفع وقال:‬
‫�أتر�ضى الع�صرية بثوب فالح �إذا �أزاحت عن وجهك القبح والعبو�س‬
‫الذي يعرب عن ال�شيء �سوى جهل يف قيمة الأر�ض والإن�سان وحتى احليوان؟!‬
‫	-فا�ست�شاط ال�ضابط غ�ضبا و�أمره بالرجوع من حيث �أتى، وبينما كان‬
‫ي�أمر الأ�ستاذ بذلك: مر ح�سام من املكان، و�ألقى حتية على �أ�ستاذه و�س�أله:‬
                                                      ‫َّ‬
                   ‫ما الذي يعيقك يا �أ�ستاذ �أحمد؟! �أمل تت�أخر عن حقلك؟!‬
                                                          ‫ف�أجابه الأ�ستاذ:‬
‫يبدو �أن �ضيوف والدك كبار جدا، �أكرب من حماري والعربة وحقلي‬

                                                   ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫61‬
‫الذي ينتظر، مما يدفع احلرا�س �إىل �إرجاعي كما ترى.‬
‫	-ارت�سمت ابت�سامة �صغرية جدا على ثغر ح�سام الذي كان يحب �أ�ستاذه‬
‫كثري ًا فمنذ عامني كان يتعلم على يديه قبل دخوله اجلامعة، وعلى الفور،‬
‫طلب ح�سام من ال�ضابط ال��ذي �سبق و�أن عرف هوية ح�سام، �أن يفتح‬
‫احلاجز �أم��ام العربة وال يعرت�ض طريق الفالحني و�إال �أبلغ �أب��اه بذلك،‬
                                           ‫فان�صاع ال�ضابط لذلك مرغما.‬
 ‫ويف �أثناء مغادرة الأ�ستاذ للمكان، التقى بَريقُ عينَي الأ�ستاذ بعينَيْ‬
‫ح�سام، فت�سمَّر الأخ�ير يف مكانه خماطب ًا طيف الأ�ستاذ ال��ذي م�ضى‬
                                                                    ‫بعربته:‬
‫واهلل ما ن�سيت يا �أ�ستاذ وال غابت عن ناظري حلظة واحدة، وال زلت‬
‫�أزرع �أحجارها فوق قلبي، و�أح�ضن ترابها يف �صدري، �أن��ام على �صوت‬
‫الأمواج تغازل النجوم كل ليلة، ويف ال�صباح تلطم جدار الدار معلنة عن‬
                                                                ‫يوم جديد.‬
‫ما ن�سيتُ قي�سارية ووجهها الذي ر�سمته بيدك على وجهي، فتنف�س‬
‫عميق ًا عميق ًا حتى ما وراء العظم، ما ن�سيت الذئاب التي افرت�ست ي�أ�سها‬
                                         ‫اجلميل وجتل�س يف م�ضافتنا الآن.‬
                                             ‫ما ن�سيت يا �أ�ستاذ ولكن؟!‬
‫	-كان الأ�ستاذ يدرك حقيقة تلميذه من الداخل، لكنه ي�شك يف قدرته‬
‫على فعل �شيء ي�صحح هذا الواقع ال�سيء، وبينما الأ�ستاذ �أحمد يقود‬

‫71‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫عربته، ك��ان يخاطب حماره ال��ذي يقتنيه منذ ع�شر �سنني، فالأ�ستاذ‬
                                               ‫م�شهور بالغرابة بع�ض ال�شيء:‬
‫�أتعلم يا حمار، �أن العقل مل يعد ميزة لدى البع�ض من جن�سنا، ميتاز‬
                                                             ‫به عن جن�سكم؟!‬
‫	-فنهق احلمار م�ستنكرا ب�صوت عال على واقع نداء الأمعاء الذي خرج‬
                                                                 ‫من م�ؤخرته.‬
                                                   ‫	-فرد الأ�ستاذ ب�سرعة:‬
‫على مهلك يا �صديقي، فلن يزاحمك �أحد على �صحبتي حتى متوت،‬
‫فحمري جن�سنا قد �أبدلوا الر�أ�س فقط وبقيت �أج�سادهم كما هي، فالأيدي‬
‫الآدمية يف حالهم، ت�ستقبل الغرباء يف امل�ضافات وجتمع الأ���ص��وات يف‬
‫االنتخابات، وت�صافح �أي��ادٍ حمراء، لونها دم��اء جن�سنا ال��ذي بقي على‬
                              ‫حاله!! وهذه طبيعة عملهم اجلديد فال تقلق.‬
‫	-وف��ج���أة، رمن احل��م��ار زف��رات��ه ال�شهرية م��ن �شفتيه و�أط��ل��ق العنان‬
                  ‫لرباعيته، فابت�سم الأ�ستاذ كعادته وم�ضى على وقع ذلك.‬

                                ‫٭٭٭٭‬

‫كان احل�ضور من �أهل البلدة والبلدات املجاورة قد جاءوا قبيل جميء‬
‫ال�ضيوف املهمني وجتمعوا يف امل�ضافة التي تلت�صق ببيت �أب��ي ح�سام،‬

                                                     ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫81‬
‫حيث يرتبط مطبخ امل�ضافة مبمر �صغري ي���ؤدي �إىل البيت، وع��ادة ما‬
‫يوفر املطبخ احتياجات ال�ضيوف عمال بالعادات والأعراف العربية التي‬
‫تكرم ال�ضيف مهما كان لونه �أو جن�سه، كان احل�ضور �أع�ضاء يف حزب‬
           ‫ً‬
‫ال�ضيف والعادة كانت �أن يجتمع الأع�ضاء اجتماعات متكررة يف الدعاية‬
‫االنتخابية للمر�شحني لقيادة احلزب يف كل دورة انتخابية حيث ي�ستمعون‬
‫�إىل خطابات املر�شحني وجتري نقا�شات يتخللها بع�ض احلدة يف كثري من‬
‫الأحيان، وخل�صو�صية املكان والأع�ضاء، ف�إن احل�ضور قد خ�ضعوا للتفتي�ش‬
‫قبل الدخول، وكانت املرة الأوىل بعد ا�ست�شهاد �أ�سيل التي ي�أتي فيها زائر‬
‫بحجم هذا ال�ضيف الذي كان جرناال يف اجلي�ش الإ�سرائيلي و�شغل من�صب‬
‫وزيرٍ للأمن الداخلي يف احلكومة التي قادها حزبه ال�صهيوين وجرى يف‬
‫عهدها قتل ثالثة ع�شر فل�سطينيا من �أبناء 84 على �إثر اقتحام �شارون‬
             ‫للم�سجد الأق�صى املبارك، وكان من بينهم ابن البلدة �أ�سيل.‬

                              ‫٭٭٭٭‬

‫كانت �سعاد تهم بقطع ال�شارع الذي ينت�صف البلدة، وقد �أع َيتْه كرثة‬
                                                       ‫ُ ُّ‬
‫احلفر يف الطريق و�شبكة املياه املهرتئة التي ت�شكو قلة ال�صيانة ب�سبب �شح‬
       ‫امليزانية يف البلدية، ف�سمعت �صوتا ناعما ينادي عليها من اخللف:‬
                                                            ‫�سعاد، �سعاد‬

‫91‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫فالتفتت للوراء ب�سرعة ف�إذا بها �صديقة عمرِ ها �إينا�س:‬
                                ‫ُ‬
          ‫�إينا�س، كيف حالك �أيتها ال�شريرة،لقد ا�شتقت �إليك كثريا؟!‬
                                          ‫فردت عليها بعد �أن تعانقتا:‬
        ‫ال�شوق يا ابنة الأكرمني، لي�س كلمة تقنعي بها الوفاء لل�صحبة!‬
          ‫و�أ�سَ رَين زوجي يف قلبه والبيت، مل تعودي ت�س�ألني يا جمرمة.‬
                                                 ‫ابت�سمت �سعاد وقالت:‬
‫القطة �أيتها ال�شريرة، مهما �أبعدوها عن بيتها و�أهلها، تعود يف النهاية‬
‫�إىل مكانها، و�أن��ا قطتك التي لوال وجودها يف ال�شارع الآن، خلرب�شت‬
                                                           ‫وجهك اجلميل.‬
‫ف�ضحكت �إينا�س وقطعت ال�شارع مع �سعاد بعد �أن رفعتا ثوبيهما خوفا‬
             ‫من مياه ال�صرف ال�شاردة و�س�ألت عن وجهتها، فقالت �سعاد:‬
‫�أنا ذاهبة لبيت اخلالة �أم �أ�سيل حتى �أقف �إىل جانبها يف هذا اليوم‬
‫احلزين الذي �أراه �أ�سود بوجود هذا الزائر اللعني يف م�ضافة �أبي ح�سام،‬
                                                       ‫فما ر�أيك باملجيء؟!‬
                                                    ‫ردت �إينا�س قائلة:‬
‫الآن ت�أكدت ب�أنك م�شتاقة يل، لأنني كنت ذاهبة �إىل املكان نف�سه،‬
‫فهذه �سعاد التي �أعرفها، وقد ظننت للحظة �أن حبيب القلب قد جرفك‬
                                                               ‫�إىل مربعه!!‬
                  ‫هزت �سعاد ر�أ�سها �آ�سفة على �سوء الظن هذا وردت!‬

                                                   ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫02‬
‫نعم جرفني �إىل مربعه، لكنه لي�س املربع الذي تت�صورين، بل مربع‬
‫قلبه و�صدقه و�إخال�صه لدينه ووطنه و�أهله، فح�سام كما يعتقد والدي‬
‫الذي رباه - وقد امتحنت ذلك بنف�سي - نبتٌ �صالح لأر�ض طيبة ا�سمها‬
                       ‫ٌ‬
                                         ‫�أم ح�سام، غري �أن الباذر �سقيم!!.‬
                                                   ‫	-علقت �إينا�س قائلة:‬
‫لقد حتقق لدي الآن �أن ح�سام قد �أعماك عن ر�ؤي��ة ال�صورة بكافة‬
‫زواياها، انظري �إىل ح�سامك امل�صون، �أين هو الآن؟ �إنه يخدم �ضيوف‬
‫�أبيه يف امل�ضافة ي�سقيهم دماء �أ�سيل، و�أين حماتك �أم ح�سام؟ �إنها تلقم‬
‫�أفواه القتلة من خريات بلدتنا التي جبل ترابها بدماء �أ�سيل و�إخوانه، وهي‬
                               ‫التي فقدت �شقيقها يف حرب لبنان الأوىل!!.‬
                              ‫ردت �سعاد بحزن و�شغف لتبيان احلقيقة:‬
‫لي�س الأمر كذلك يا �إينا�س، �صحيح �أن ح�سام يقف الآن بامل�ضافة، لكنه‬
‫مرغم على ذلك حفاظا على �أمه و�إخوانه من غ�ضبة والده الذي �أق�سم‬
‫عليه �أن يطلق �أمه حال �إ�ساءته ل�ضيوفه �أو عدم ح�ضوره، �أما امل�سكينة «�أم‬
‫ح�سام» التي تعاين مر�ض ال�ضغط وال�سكري وتربي ع�شرة �أبناء �صغار،‬
‫فلي�ست م�ستعدة لت�شريد �أبنائها، حتى �أنها �أقنعت زوجها - كما تعرفني -‬
‫كي يح�ضر لها خادمة فلبينية، ت�ساعدها يف �أمور البيت وقد ح�ضرت قبل‬
                                        ‫عدة �أ�شهر، حتى ال يتهمها بالعجز.‬
                      ‫	-بدت �إينا�س م�شروهة احلديث وعلقت با�ستغراب:‬

‫12‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫لكنْ ال �أحد يعرف ذلك يا �سعاد، وكيف لنا �أن نعرف ما يدور داخل‬
 ‫البيت، ال حول وال قوة �إال باهلل، لقد �أوقعتِني يف هم يفوق الهم الذي كنتُ‬
‫فيه، لكنني مع ذلك �أ�شك يف �أن ح�سام يكذب عليك حتى يربر �أفعال والده‬
                                                ‫ويف ذات الوقت يحظى بك.‬
                                                       ‫ردت �سعاد فورا:‬
‫ال، ال يا �صديقتي، فف�ضال عن قناعة والدي الذي علَّمه مرحلة ثانوية‬
‫وتربطه به عالقة قوية، ف���إين ما خربت عنه الكذب، وها نحن معا يف‬
‫كلية واحدة يف جامعة حيفا �أال ت�ستطيعني معرفة معادن النا�س فيها منذ‬
‫عامني؟، حيث تكت�شفني ح�ساما �آخر غري الذي يوجد يف امل�ضافة مرغما.‬
‫	-فطلبت �إينا�س �أن حتدثها عنه حتى يرتاح قلبها وتطمئن على م�ستقبل‬
‫�صديقتها الذي ربطته معه، لكنهما اقرتبتا من منزل �أم �أ�سيل، ف�أجَّ لَتا‬
                                                   ‫احلديث لفر�صة �أخرى.‬

                               ‫٭٭٭٭‬

‫�سعدت �أم �أ�سيل بزيارة �سعاد و�إينا�س متاما كما فعلت قبلهن الكثريات،‬
‫وت�صادف وجود �أبي �أ�سيل يف البيت حيث رحب بهما �أي�ضا �سائال �سعاد‬
                                                    ‫ب�شيء من املداعبة:‬
‫ما هي �أخبار الأ�ستاذ �أحمد فالح القرية املثقف، وهل الزال يكتب‬

                                                  ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫22‬
‫ال�شعر يف حماره؟!‬
‫- �ضحك اجلميع على �س�ؤال �أبي �أ�سيل الذي تعودت عليه �سعاد،حيث‬
                                                                      ‫�أجابت:‬
‫�أبي عِ مْلة نادرة،ال يرى الثقافة يف الكتب وح�سب، بل ينزلها على �أر�ض‬
‫الواقع حتى ي�صبح حقيقة، فالفِالحة لي�ست م�صدرا للرزق وح�سب، بل‬
‫توا�صال ثقافي ًا وح�ضاري ًا مع الرتاب، �أما احلمار فهو ال�شيء الذي ال ميكن‬
                                                                      ‫ً‬
                        ‫لأحد �أن يلومه عليه �إن ا�ستخدمه للت�شبيه يف �شعره.‬
                                                 ‫	-علق �أبو �أ�سيل قائال :‬
‫مهال، مهال يا بنت �صديقي ال��ذي �أجن��ب هذا الل�سان، فلقد تركنا‬
‫الدوام يف اجلامعة قبل �ساعات، ف�أجِّ لي در�س الرتاب ملحا�ضرة الغد، ف�أنا‬
                ‫�أعرف �أننا لن نغلبك يف احلديث، ومن ي�شابه �أباه فما ظلم.‬
         ‫	-ابت�سم اجلميع على الرغم من الغَ�صة التي بدت على الوجوه.‬
                                     ‫َّ‬
     ‫	-�س�ألت �إينا�س عن رائد الذي ال يبدو يف البيت، ف�أجابت �أم �أ�سيل:‬
‫	-�أخ�شى �أن يرتكب عمال مع �أ�صدقائه، يف�ضي �إىل �إ�صابته مبكروه، فما‬
‫عدنا ن�سيطر على الأوالد الذين يكربون �أ�ضعاف �أعمارهم وهم ي�شاهدون‬
                                               ‫قتلة �إخوانهم �أمام �أعينهم.‬
‫	-ب��ادرت اجلدة التي كانت جتل�س هذه املرة وبيدها م�سبحة طويلة،‬
                                                                      ‫بالقول:‬
‫توكلي على اهلل يا ابنتي، فلن ي�صيبه �شر �إن �شاء اهلل، فال بد �أنه يف‬

‫32‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫امل�سجد �أو يف نادي البلدة �أو لعله عند �أحد �أ�صدقائه، فاطردي الو�ساو�س‬
                                                            ‫من ر�أ�سك.‬
                                               ‫	-تدخلت �سعاد قائلة:‬
‫�أو رمبا ذهب �إىل جتمع ال�شباب و�سط البلدة، فقد ر�أي��ت جمموعة‬
‫كبرية منهم حتمل الفتات تندد بزيارة هذا اللعني �إىل البلدة وحتمل �صور‬
                                                             ‫ال�شهداء.‬
‫	-بدت مالمح الر�ضى على وجوه احلا�ضرين لدى �سماعهم هذا اخلرب‬
    ‫حيث غادروا جميعا لذاك التجمع الذي بدا يكرب مع غروب ال�شم�س.‬

                              ‫٭٭٭٭‬

‫كمن رائد وثالثة من رفاقه املتقاربني عمر ّياً، داخل ال�سور الذي يحيط‬
‫باملدر�سة الإعدادية املحاذية لل�شارع الرئي�سي الواقع بداية البلدة، حيث‬
‫ا�ستعدوا بزجاجاتهم احلارقة - املولوتوف - للهجوم على موكب اجلرنال‬
                                                     ‫حال مغادرته البلدة:‬
‫رائد: �أنت مت�أكد يا جمال. �إن املوكب لن ي�سلك الطريق الفرعية من‬
                                                            ‫و�سط البلدة؟‬
‫ج��م��ال: ل��ن ي�ستطيع ذل��ك لأن���ه �سي�ضطر للعبور م��ن ب�ين الأه���ايل‬
 ‫الغا�ضبني، �إ�ضافة �إىل طول امل�سافة ومروره بعدَّة بلدات عربية جماورة.‬

                                                ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫42‬
‫تدخل جماهد قائال:‬
‫�صحيح �أنني قر�أت على �شبكة االنرتنت: �إن من االحتياطات الأمنية‬
‫ك�سر الروتني، لكنني �أ�شك يف �أن ذلك �سيحدث هذا اليوم ف�إ�ضافة ملا‬
‫قاله جمال، ف�إن �أق�سى ما يتوقعه حُ رَّا�س اجلرنال �أن تنْزل عليهم بع�ض‬
‫احلجارة، مع �أن ذلك ال يحدث عندنا �إال ن��ادرا، وهذا الأم��ر يعاجلونه‬
     ‫بال�سيارات امل�صفحة التي ال يخرتقها الر�صا�ص ف�ضال عن احلجارة.‬
                    ‫	-�سرح جمال قليال يف حديث جماهد الأخري ثم قال:‬
‫�إذا كانت م�صفحة، فلماذا نهاجمها باملولوتوف ونحن نعلم �أنَّ النار‬
                                                        ‫لن تدخل ال�سيارة؟!‬
                                                              ‫فقال رائد:‬
‫�صحيح ما تقوله يا جمال ولكن؟! �أر�أيت النار وقد ا�شتعلت يف مقدمة‬
                 ‫ال�سيارة؟ �أال يوجد احتمال �أن تنقلب �أو ت�صطدم بال�سور؟!.‬
                                                  ‫فتدخل جماهد قائال:‬
‫�أنا ال �أعرت�ض على كل ما قيل. لكنني �أنظر للأمر من زاوي��ة �أعمق‬
‫بكثري، �أر�أيتم �أهلنا بال�ضفة وغزة، كيف يواجهون الر�صا�ص باحلجارة،‬
‫حتى مع وجود ال�سالح واال�ست�شهاديني وال�صواريخ، �أ�س�ألتم �أنف�سكم ملا‬
                                         ‫يفعلون ذلك؟ �أنا �س�ألت �أبي فقال:‬
‫املقاومة �أنواع و�أ�شكال ويف حال �شعبنا يف ال�ضفة والقطاع قد اكتملت‬
‫ال�صورة لديهم �إىل حد معقول، حيث املقاتل الذي يحمل البندقية و�آخر‬

‫52‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫يطلق ال�صاروخ وثالث ا�ست�شهادي بحزامه، وخطيب يحر�ض من منربه،‬
‫وطبيب يقاوم بعالج امل�صابني، و�أ�ستاذ يربي الأجيال على الت�ضحية، و�أم‬
‫تقدم ابنها فداء هلل والوطن، و�آخرون يقاومون باحلجارة وهي امل�ستطاع‬
                                                             ‫ً‬
‫ب�أيديهم، تعبري ًا عن الرف�ض واملقاومة وعدم اخلنوع واال�ست�سالم كرمز‬
                          ‫الرتباط احلجر بالأر�ض، وكالهما يرف�ض الغريب.‬
‫	-ا�ستنفر جماهد: ونحن يف هذا الكمني ن�ؤدّي �صورة مِ ن �صوَر املقاومة‬
               ‫ُ‬      ‫ً‬
                                                          ‫ح�سب ا�ستطاعتنا.‬
                                                               ‫فقال جمال:‬
‫�أخ�شى �أن يكون ل�سانك قد زلَّ مع �أبيك فانك�شف �أمرنا له، لأنَّ الأمر ال‬
                            ‫يحتمل �أية �أخطاء ونحن ال زلنا يف بداية الطريق.‬
                                                             ‫قال جماهد:‬
‫ال. ال. حتى فجر هذا اليوم عندما خرجنا للكتابة على اجل��دران،‬
             ‫خرجتُ كعادتي ل�صالة الفجر يف امل�سجد ومل يلحظ �أحد �شيئا.‬
                         ‫�صحيح، كيف كانت ردود الأفعال لدى النا�س؟!.‬
                                                        ‫	-رد رائد ب�سرور:‬
‫لقد كانت مفاج�أة غري متوقعة لأهل البلدة الذين ب��د�أوا يتجمهرون‬
‫باكر ًا �أم��ام ال�شعارات حيث �سمعت احل��داد �أب��ا �سليم يقول: ن�صر اهلل‬
                                          ‫دينكم و�سلمت الأيدي التي كتبت.‬
‫فقال له ج��اره النَّجَّ ار �أب��و فتحي: �أال تريد �أن مت�سحها عن جدار‬

                                                   ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫62‬
‫دكانك قبل �أن ت�أتي ال�شرطة وترغمك على ذلك؟! ف�أجاب: �أنا مل �أكتبها‬
‫ولن �أحموَها و�إذا لزم الأمر �س�أغلق املحل هذا اليوم. و�سمعت �أبا منذر‬
‫و�شقيقه الذي يعمل �شرطيا للمرور لدى االحتالل، يتهكمان بالقول: لقد‬
‫انتقل خميم بالطة �إىل بلدتنا، و�أب�شِ روا ِب�أ�سو�أ من ال�شعارات �إذا �سكتُّم‬
‫عن هذه الأعمال ال�صبيانية، فنحن ال نعرف ل كل هذا الغ�ضب على‬
                         ‫َ‬
‫زيادة م�س�ؤول كبري يف الدولة؟، كما �أن املرء يعجب من هذه العقول؛ ف�أبو‬
‫ح�سام يحاول حت�صيل احلقوق اخلدماتية وال�سيا�سية من خالل وجوده يف‬
                    ‫احلزب، �أمَّا ه�ؤالء، فيكتفون باخلرب�شة على اجلدران.‬
                     ‫	-لكن ال�شيخ ح�سن �إمام امل�سجد رد عليهما بالقول:‬
‫�صحيح �أننا م�أمورون �شرعا �أن نحكم على النا�س من خالل ظاهرهم‬
‫ولي�س من خالل النوايا، ولكنْ لي�س يف حالة �صاحبكما �أبي ح�سام الذي‬
‫يزعم حت�صيل احلقوق؛ لأنه يف املقابل ر�ضي ب�أن يكون يف حزب �صهيوين‬
‫يلغي حقَّنا القومي يف بلدنا ويعتربنا �سكانًا من الدرجة العا�شرة هذا‬
‫احلزب الذي يقتل �أهلنا منذ ع�شرات ال�سنني وي�شرد معظم �شعبنا، وال‬
‫يزال يفعل ذلك، و�أرجو عدم خداع النف�س بكذبة احلقوق، ف�صاحبكم �أبو‬
‫ح�سام ع�ضو يف احلزب منذ ع�شرين عاماً، فما اجلديد على البلدة؟! وكما‬
‫يبدو �أنكما ال تعي�شان على مقربة من بيت ال�شهيد �أ�سيل الذي قتله �ضيف‬
                                                                    ‫�صاحبكما.‬
‫	-انفرجت �أ�سارير ال�شبان الثالثة لدى �سماعهم ما قاله ال�شيخ، وكانوا‬

‫72‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫ال يتجاوزون ال�ساد�سة ع�شر من العمر. طلب بعدها رائد من جمال �أن‬
‫يذهب لالطمئنان على رفيقهم الرابع فوزي الذي يجل�س على تلَّة مرتفعة‬
‫تك�شف بداية الطريق التي �ست�سلكها القافلة حيث �سيقوم ب�إعطائهم �إ�شارة‬
                            ‫لدى قدوم ال�سيارات حتى ي�ستعدوا للهجوم.‬

                                ‫٭٭٭٭‬

‫- على مقربة من امل�ضافة كان يقع منْزل من ثالثة طوابق ي�سكنه‬
‫تاجر خمدرات م�شهور من عائالت الإجرام وا�سمه «�أبو رامي» وغالبا ما‬
‫ي�ست�ضيف يف الطابق الأعلى �صحبة من رجاله حلمايته من خ�صومه يف‬
              ‫هذا العامل، حيث كان لهم ن�صيب يف تناول ق�ضية ال�ضيف:‬
                                              ‫�أبو رامي - تاجر املخدرات:‬
‫�صدقوين ل��وال التف�سريات اخلاطئة، ول��وال �أن ي�ؤخذ املو�ضوع على‬
‫املنحنى الأمني، خلرجت ب�سالحي �إىل امل�ضافة وفرغت الر�صا�ص يف‬
                                                          ‫ر�أ�س �أبي ح�سام!!.‬
             ‫	-ف�صاح احل�ضور ب�صوت واحد: �أ�ضرب �أبو رامي �أ�ضرب.‬
 ‫فا�ستطرد �أبو رامي قائال: ولكن، ال �أريد �أن تطري ال�سَّ كْرة من ر�أ�سي.‬
‫	-فقهقه احل�شا�شون قهقهة ال�سافرين، لكن �أحدهم ويدعى نزار، �س�أل‬
‫�أبا رامي وهو ُيعمِّر ر�أ�س النارجيلة ال�صغرية التي يدخنون فيها احل�شي�ش:‬
                                                             ‫َ‬

                                                    ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫82‬
‫ملاذا تكره �أبا ح�سام �إىل هذا احلد وهو ابن عائلتك، وتربطكما عالقة‬
                                                   ‫�صداقة منذ ال�صغر؟!.‬
                              ‫	-فتنهد �أبو رامي تنهيدة من الأعماق وقال:‬
‫ل�ست �أكرهه، بل �أكره ت�صرفاته احلمقاء التي ا�س َتعْدَ ت النا�س علينا،‬
‫وجعلت ا�سم العائلة حتت الأقدام، مما دفعه لو�ضع حار�س �شخ�صي له،‬
‫�صحيح �أين ل�ست كما ينبغي، ور�أ�سي مثقل باملخدرات وعندي وحو�ش‬
‫من �أمثالكم، لكنني �س�أقطع ر�أ�سي بيدي و�أجعلكم تدخنون بجمجمتي‬
‫احل�شي�ش لو انتميت �إىل جماعة �سرقت بيت يف قي�سارية، بل قتلت ع�شرة‬
‫من عائلتي و�أولهم خمتار القرية والد �أبي ح�سام، وت�سببت ب�سوء عالقتي‬
                         ‫مع زوجتي وابني البكر كما هو احلال مع ابن عمي.‬
                             ‫	-فتدخل م�سطول �آخر من اجلال�سني بالقول:‬
‫لكننا م�ستفيدون من عالقة �أبي ح�سام بالدولة وقيادتها، حيث يغ�ضون‬
    ‫ُّ‬
‫الطرف عنك كونك ابن عمه، على الرغم من علمهم باملخدرات وال�سالح‬
                                                            ‫الذي ب�أيدينا.‬
                                                        ‫	-فرد �أبو رامي:‬
‫اخر�س يا جاهل، عليك �أن تق�ضي ع�شر �سنوات يف املهنة حتى تعلم‬
‫املعادلة جيداً، �أمل تذهب يوما �إىل مدينة اللد �أو البلدة القدمية يف‬
‫القد�س؟ �أمل تر بيع املخدرات العلني يف �أو�ساط العرب دون حترك من‬
‫جانب دولتهم، فلماذا بر�أيك ي�سكتون عن ذلك؟! بينما �إذا حاول �أحد‬

‫92‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫العرب �أن يو�سع داره ت�أتي كل الدولة ملنعه؟! �أق�ترح �أن تن�شغل بتعمري‬
       ‫ر�أ�سك، فلن مي�سَّ ك �أحد، �سواء �أكنت قريب �أبي ح�سام �أم مل �أكن.‬
‫	-وبينما احلديث يدور على وقع ال�ضحكات املتناثرة، كان نزار ي�صوِّب‬
‫ر�شا�شه العوزي نحو امل�ضافة التي تبعد مائة وخم�سني مرت ًا عن ال�شقة،‬
                                               ‫ف�صرخ عليه �أبو رامي قائال:‬
     ‫�أنزل العوزي �أيها الأحمق، �أتريد �أن يعكر �صاروخ �صف َو ر�ؤو�سنا؟!‬
                       ‫ٌ‬
                                                             ‫فقال نزار :‬
‫تعلمون �أنني قبل �أن �أت�شرف بالتعرف على ح�ضراتكم، كنت �أعمل يف‬
‫البناء، وقد بنيتُ لأبي ح�سام هذه امل�ضافة التي ترونها، لكن الذي جتهلونه‬
        ‫يا مع�شر احل�شا�شني، �أنني �أنظر الآن مبا�شرة �إىل ر�أ�س اجلرنال!!‬
                            ‫	-فقهقه اجلميع على كالمه، وقال �أبو رامي:‬
‫يبدو �أن كمية احل�شي�ش التي جترعتها، اختلطت مع كتلة الغباء‬
‫التي ت�سكن هذا الر�أ�س الذي ي�شبه ر�أ�س حمار الأ�ستاذ �أحمد، ف�أنتجت‬
                                                          ‫خزعبالتك هذه.‬
                                                       ‫فرد نزار بالقول:‬
‫- نعم، معكم احلق يف قول ذلك لأنكم ال ترون �إال ج��دارًا كر�أ�سي،‬
‫ولكنني �أرى النافذة التي طلب مني �أبو ح�سام �أن �أغلقها بالطوب الرقيق‬
‫بعد �أن بنيناها وتقع �أمام ناظري مبا�شرة، و�صباح ًا عندما كنت �أو�صل‬
‫حل�سام �شيئا طلبه مني ر�أيت امل�ضافة من الداخل، ور�أي��ت �أين ي�ضعون‬

                                                  ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫03‬
‫من�صة اخلطابة التي �سيقف عليها ح�ضرة اجلرنال والواقعة بال�ضبط يف‬ ‫َّ‬
                                             ‫منت�صف النافذة املغلقة.‬
                                   ‫	-ف�صرخ عليه �أبو رامي بغ�ضب:‬
‫ا�سكت �أيها الغبي وال ت�أتِ على ذكر هذا الأمر لأحد، و�إال زرناك يف‬
‫�سجن ع�سقالن، وال ت�صوب �سالحك للم�ضافة �أو ترفعه، و�إال عاجلت‬
                                                     ‫ر�أ�سك بالهروين.‬
‫	-لكن نزار امل�سطول، ظل من حني �إىل �آخر ي�صوب ر�شا�شه نحو جدار‬
‫امل�ضافة ويتخيل اللحظة التي يخطب فيها اجلرنال ويطلق النار عليه،‬
‫وبقي �أبو رامي ي�صرخ عليه كلما ر�آه يفعل ذلك، وجرى الأمر على وقع‬
                                                 ‫ال�ضحك واالنب�ساط.‬

                             ‫٭٭٭٭‬

‫�أم��ا داخ��ل امل�ضافة فكانت اخلطابات الرنانة التي ترحب بال�ضيف‬
‫الكبري وم�ساعديه، وكانت منا�سبة �أي�ضا ملباركة انت�ساب �أع�ضاء جدد‬
‫للحزب من بلدة �أب��ي ح�سام والبلدات امل��ج��اورة، وك��ان وا�ضح ًا ترقب‬
‫اجلميع لكلمة اجلرنال املرت�شح لقيادة احلزب والطامع ب�أ�صوات احل�ضور‬
‫يوم االنتخابات الداخلية، ويف تلك اللحظات، كانت �أم ح�سام منهمكة‬
‫مع خادمتها ب���إع��داد القهوة العربية الأ�صلية التي تفوح منها رائحة‬

‫13‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫الهال، ويف الوقت ال��ذي كان �أب��و ح�سام ي���ؤَهِّ ��ل وي�سهِّلُ بال�ضيوف، كان‬
                             ‫ُ‬
‫ح�سام يحدق تارة يف العلَم الإ�سرائيلي املعلق على طول اجلدار اخللفي‬
                                                        ‫َ‬
‫للمن�صة وتارة باجلرنال الذي كان يجل�س بزُهُ ٍّو كبري يرتدي بدلة مدنية،‬
‫ويوزع االبت�سامات املخادعة على اجلميع احلا�ضرين، الذين جل�سوا على‬
‫الكرا�سي امل�صففة داخل القاعة يتقدمهم كبار ال�سن وبع�ضهم يعتمر‬
                                       ‫الكوفية الفل�سطينية والعقال على ر�أ�سه.‬
‫يف تلك اللحظة، وقف اجلرنال خلف املن�صة وظهره للعلمني وبد�أ يف‬
‫دعايته االنتخابية متناوال ر�ؤيته ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية،‬
                                                      ‫ً‬
‫مركزا على دور التنمية يف الو�سط العربي، واعد ًا �أن يكون التغيري على‬
‫�أيديه حال انتخابه رئي�سا للحزب، مما �سيف�ضي �إىل و�صول احلزب �إىل‬
‫�أعلى الأ�صوات يف االنتخابات الربملانية القادمة - الكني�ست - وكان �صوت‬
‫مكربات ال�صوت يعلو احليَّ كلَّه، وبينما اجل�نرال يتحدث عن التنمية،‬
                                        ‫قاطَ عه �أحد اجلال�سني يف الأمام قائال:‬
                                                                        ‫َُ‬
‫- لقد �سمعت هذا الهراء �ألف مرة، ومل يتغري �شيء على الإط�لاق،‬
‫بل ازداد الأمر �سوءا، وكلما جاءت حكومة جديدة، كانت �أ ْلعَنَ من �أُختها‬
                                                                      ‫ال�سابقة.‬
‫حاول منظمو الدعاية �أن يطلبوا من املتدخل اجللو�س، لكنه رف�ض ذلك‬
‫م�ستطرداً: �أيها ال�سيد اجلرنال، �أعمل يف البلدية منذ ع�شرين عاما، وقد‬
‫عانينا �إهماال متعمد ًا من حكوماتكم املتعاقبة، منذ عام كامل مل �أتقا�ض‬
 ‫َ‬

                                                     ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫23‬
‫راتبي.‬
                                            ‫	-عندها رد اجلرنال بالقول:‬
‫�أنا �أتفق جزئيا معك ب�أن الإهمال قد �أ�صاب الو�سط العربي، لكنني �أ�ؤكد‬
‫لك ب�أنه مل يكن مق�صودا �أبداً، و�أنا بنف�سي عندما كنت وزير ًا للموا�صالت‬
‫يف �إحدى احلكومات ال�سابقة �أو�صيت بت�شكيل اللجان املخت�صة للعمل على‬
                                                    ‫حل الإ�شكاالت العالقة.‬
                                  ‫قاطعه �أحد احل�ضور من اخللف قائال:‬
‫- �صحيح �أنك �شكلْتَ اللجان، لكنها اعتذرت عن عدم املجيء، لأن‬
                                                     ‫َّ‬
‫�سيارات اللجان الفارهة ال ت�ستطيع عبور ال�شوارع املليئة باحلفر، كما �أنهم‬
‫ال يريدون خد�ش م�شاعرهم بر�ؤية ال�صرف ال�صحي املتدفق يف ال�شوارع.‬
‫	-ف�ضحك احل�ضور، وت�شجع رجل كبري ال�سن يجل�س يف املقدمة للحديث:‬
‫ومل��اذا ترف�ضون �إعطاءنا ترخي�ص ًا لبناء جامعة عربية يف الو�سط‬
        ‫العربي، بل ت�ض ِّيقُون على �أبنائنا الذين يتخرجون من جامعاتكم؟!‬
                                         ‫فا�ستنكر اجلرنال ذلك بالقول!‬
‫هذا غري �صحيح، فاخلريجون يمُكنهم العمل �أينما كانوا، �أمَّا مو�ضوع‬
‫اجلامعة فهذا يعود �إىل اجلهات املخت�صة، كما �أنَّ اجلامعات العربية‬
                                               ‫مفتوحة لكل مواطني الدولة.‬
                                                           ‫فرد ال�سائل:‬
‫هذه اجلهات املخت�صة ال زالت ترد بالرف�ض على طلباتنا منذ �أكرث من‬

‫33‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫ع�شرين عامً ا.‬
‫	-وهنا �ساد بع�ض التوتر يف امل�ضافة ومل تفلح حم��اوالت اجل�نرال يف‬
‫�إقناع بع�ض احل�ضور، حتى �س�أل �أحد احلا�ضرين �س�ؤاال كان كالقنبلة‬
                                                                   ‫الكبرية:‬
‫	-وم��اذا فعلت �أن��ت عندما كنت وزي��ر ًا يف الأم��ن الداخلي وع�ضو ًا يف‬
                                                ‫املجل�س الوزاري امل�صغر؟‬
‫	-قالها ال�سائل ب�صورة غا�ضبة، رد عليه جال�س �آخر قبل �أن يتحدث‬
                                      ‫َّ‬
                                                                  ‫اجلرنال:‬
‫�أعطى الأوامر بقتل ثالثة ع�شر �شهيدا من �أبنائنا، ودافع عن القتل يف‬
       ‫املحاكم ال�صورية، وي�أتي الآن حتى ي�أخذ تواقيعنا على جرميته هذه.‬
                                                ‫	-و�أ�ضاف جال�س ثالث:‬
                                                        ‫ٌ‬
‫وكان من �أبرز الذين وافقوا على ق�صف املدنيني يف ال�ضفة والقطاع،‬
  ‫وقتل 11 طفال يف ق�صف البناية التي ي�سكنون فيها بحي الدرج يف غزة.‬
‫	-�ساد ه��رج وم��رج القاعة م��ا ب�ين فريق قليل يهاجم اجل�ن�رال وما‬
‫بني فريق كبري يدافع عنه، ومع ذلك ح��اول اجل�نرال امت�صا�ص نقمة‬
‫الغا�ضبني، وفتح املجال للحديث املفتوح، وكل ذلك وح�سام يغلي كالربكان‬
‫وعيناه تقدحان �شرارًا وهو يحدق بوجه اجل�نرال دون �أن ي��راه، حينما‬
‫وقف �أبرز الأع�ضاء اجلدد قائال: ا�سمع �أيها اجلرنال �س�أعر�ض عليك‬
‫خم�سمائة ا�سم من عائلتي �سيكونون لك يف كل انتخابات داخلية وت�شريعية‬

                                                   ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫43‬
‫وي�صبحون �أع�ضاء يف احلزب فما ر�أيك؟!‬
                                                     ‫ً‬
‫	-انفرجت �أ�سارير اجلرنال لذلك بعد �أن عكَّرها الهجوم الالذع عليه‬
                                                                   ‫وقال:‬
‫�سيكون ذلك من دواعي �سروري و�سرتى كيف ميكنني العمل على تنمية‬
         ‫الو�سط العربي وتقدمه باجتاه امل�ساواة مع مواطني الدولة كافة.‬
                                          ‫فرد �صاحب العر�ض قائال:‬
                                                                ‫َّ‬
‫ولكن!! ب�شرط �صغري و�شخ�صي، �أن تتبنى �أنت وكتْلتُك داخل احلزب،‬
                    ‫ُ‬
‫دعمي يف م�ساعٍ لإعادة �أر�ضي امل�صادرة منذ عام 84، ف�أنا الزلت �أملك‬
‫�أوراقها الثبوتية والقانونية وهي ال تزال موجودة على حالها يف قي�سارية،‬
 ‫و�أنا يف ذات الوقت �أحمل اجلن�سية الإ�سرائيلية مثلك متاما، فما ر�أيك؟!‬
                          ‫	-تلون وجه اجلرنال و�صمت هنيهة ثم قال:‬
‫كما تعلمون ف�إن املو�ضوع �أكرب من �أن يتبناه حزب، فالق�ضية �سيا�سية‬
   ‫بامتياز، وال ميكن قطع الوعود لذلك، لكنك ت�ستطيع التوجه للمحكمة.‬
‫	-عندها ابت�سم ال�سائل يف وجهه و�أخرج بطاقة الع�ضوية للحزب من‬
                                                   ‫جيبه ومزقها قائال:‬
‫مل �أك��ن غبي ًا عندما عر�ضت عليك عر�ضي ولكن �أحببت �أن يعلم‬
‫اجلال�سون حقيقة احلزب الذي ينتمون �إليه، هذا احلزب املماثل لكل‬
‫الأحزاب ال�صهيونية التي �صادرت �أر�ضنا و�سنَّت القوانني التي تقت�ضي‬
‫بعدم �أحقيتنا بالعودة �إليها، هذا احلزب الذي يجيز لأي يهودي يف �أق�صى‬

‫53‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫العامل �أن ي�أتي �إىل فل�سطني وي�ستوطن فيها ولو تهوَّد البارحة، بينما يُحَ رِّم‬
‫عودة �أ�صحابها الأ�صليني ولو كانوا حملة اجلن�سية الإ�سرائيلية، وجاء �آخر‬
‫الأمر ذلك القانون اجلديد الذي �صادق عليه �سيادة اجلرنال كونه ع�ضوًا‬
‫يف الكني�ست، ويق�ضي بعدم بيع �أرا�ض لعرب الثمانية والأربعني، �أما الأمر‬
                                          ‫ٍ‬
‫الأخري الذي �أريدكم �أن تروه: فهذه ال�صورة لل�شهيد �أ�سيل الذي قتله هذا‬
                                            ‫املجرم ويقف �أمامكم الآن.......‬
‫	-كانت العبارة الأخرية، نار ًا دبت يف اله�شيم، فعَال ال�صراخ يف القاعة،‬
                             ‫َ‬
‫ما بني ال�شتائم للجرنال طالب ًا منه االبتعاد عن املن�صة واالن�صراف من‬
‫البلدة، وبني جمع امل�ؤيدين الذين حاولوا طرد املتحدث الأخري حتى و�صل‬
          ‫الأمر للعراك بالأيدي ومل تفلح حماوالت �أبي ح�سام لتهدئة الأمور.‬
‫وبينما ك��ان اجل�نرال ينادي اجلميع بالهدوء عرب امليكرفون، وقف‬
‫على جانبيه جمع من احلرا�س حلمايته، حيث رف�ض االن�صياع لأوامرهم‬
‫باالبتعاد عن املن�صة، دوت الطلقات جنبات امل�ضافة وتبعها �إطالق نار من‬
‫كل اجلهات، حيث �أ�صاب حُ رَّا�س اجلرنال م�س من اجلنون، وبدءوا �إطالق‬
                                 ‫ٌّ‬
‫النار يف كل مكان، يف الوقت الذي �أخرج فيه جمموعة منهم اجلرنال عرب‬
‫ممر جانبي، وانطلقت به ال�سيارة ب�سرعة الربق دون �أن يتمكن �أحد من‬
‫معرفة ما يحدث، غري �أن امل�شهد كان مروِّع ًا وك�أنه �ساحة حرب، حيث‬
‫ال�صراخ من امل�صابني على الأر�ض وبع�ض القتلى من احل�ضور و�أبرزهم‬
                                                         ‫�أبو ح�سام وحار�سه.‬

                                                     ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫63‬
‫ال�شخ�صان اللذان كانا م�ضرَّجَ ينْ بدمائهما، وبعد حلظات �ساخنة‬
                                     ‫ِ‬    ‫َ‬
‫جدا هد�أ الر�صا�ص وطلب احلرا�س الذين تبقوا يف املكان من اجلميع �أن‬
             ‫يبقوا منبطحني على الأر�ض، ومنعوا �أي �شخ�ص من اخلروج.‬
‫يف تلك الأث��ن��اء ك��ان ال�صراخ ينبعث من املمر الوا�صل بني مطبخ‬
‫امل�ضافة وبيت �أبي ح�سام حيث �صوت بكاء الأطفال، الأمر الذي لفت انتباه‬
‫ح�سام الذي كان يجل�س قرب ر�أ�س والده امليت يف حالة �صدمة كاملة منعته‬
‫من البكاء، وك�أنه يقول يف داخله وهو ينظر �صوب املمر واجلدران التي‬
                                                    ‫اخرتقهما الر�صا�ص:‬
‫لعلِّي الزلت يف ال�سرير �أحلم يف تلك الكوابي�س اليومية، ال، ال، ال ميكن‬
‫�أن تكون احلقيقة هكذا ف�أي رجل قا�س و�شديد ال ميوت هكذا، و�أما �إخوتي‬
     ‫فال زالوا نياما يحلمون �أحالم الع�صافري، نعم، نعم، �أنا الزلت نائما.‬

                              ‫٭٭٭٭‬

‫�ضجت البلدة على وقع الر�صا�ص الغزير الذي دار يف امل�ضافة، حيث‬
‫كان النا�س ال يزالون يعت�صمون يف مركز البلدة وقد جتمهروا ملعرفة الذي‬
‫يحدث وقد ك�ست احلرية وجوه اجلميع، بينما كانت �إينا�س حتدق يف وجه‬
‫�سعاد التي بدت م�شدودة تقب�ض على ورقة �صغرية بيدها!!. حيث، �أتت‬
                                             ‫�إينا�س بها جانبا وقالت:‬

‫73‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫ما الذي دهاك يا �سعاد، لقد تكدر وجهك وحدك من بني النا�س فما‬
                                                         ‫الذي �أ�صابك؟!‬
              ‫	-فردت �سعاد ب�صوت خافت ممزوج بعربات ح�سية املقل:‬
‫خذيني �إىل البيت بهدوء دون �شعور �أحد فل�ست �أقوى على الوقوف،‬
‫وهناك �سنتحدث، وبينما كانتا ت�سريان بخطى ثقيلة جداً، وكانت قوات‬
‫الأمن الإ�سرائيلية تدخل البلدة ب�أعداد �ضخمة، وتنت�شر حول امل�ضافة،‬
‫والإ�سعافات الع�سكرية تنقل امل�صابني والقتلى حتت حرا�سة م�شددة، بينما‬
‫كانت طائرة حتوم فوق البلدة، الأمر الذي دفع النا�س للتفرق والعودة‬
           ‫للبيوت با�ستثناء بع�ض العائالت التي لها �أبناء داخل امل�ضافة.‬
‫و�صلت �سعاد و�إينا�س البيت بالتزامن مع و�صول الأ�ستاذ �أحمد عائد ًا‬
‫من حقله، وفورًا انفجرت �سعاد باكية وهي ترمتي يف �أح�ضان والدها قائلة:‬
                                 ‫لقد ذهب ح�سام يا والدي لقد ذهب.‬
                                      ‫فهدهد براحته عليها وهو يقول:‬
          ‫ال ت�ستعجلي النتائج يا ابنتي فال زلنا جنهل ما حدث هناك.‬
‫	-وفج�أة، تذكرَتْ �سعاد الورقة التي يف يدها و�سارعت لقراءتها، فقد‬
‫كانت من ح�سام الذي طلب منها عدم فتحها �إال بعد ال�ساعة ال�ساد�سة‬
                                                       ‫م�ساء وكتب فيها:‬
                                                                   ‫ً‬
‫�أعلم �أنني مل �أقلها لك يوما، وال طاملا حلمت باللحظة التي �أقول فيها‬
‫�إنَّني �أحبك، غري �أين ما ر�ضيت �أن �أخت�صر عاملك يف كلمة واحدة، و�أنت‬

                                                ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫83‬
‫فوق الكلمات والأو�صاف، ولعل الرباط الذي جمع بني قلبينا �أقوى من كل‬
‫م�ألوف، لذا ف�إين �أخاطبك ال�ساعة معرت�ضا، �إين �أم�سك احلقيقة بيدي‬
‫بعد �أن كربت يف عقلي وقلبي، وقد حتررتُ مِ ن خويف الذي ي�سكنني منذ‬
‫زمن بعيد، ال �أدري �أ َّية حلظات �ستكون لكنها بالقطع خري من كل اللحظات‬
                                                    ‫ُ‬
‫ال�سابقة، ويف اخلتام. كم حلمت �أن �أراك عرو�سا تُزيحني ب�ؤ�س ال�سنني عن‬
                                ‫ِ‬
‫حياتي فكوين عرو�سً ا كما كنت, �سيِّدة يف الكربياء والعفة، وتذكري دوما‬
                                  ‫ً‬
                                              ‫ا�سما طاملا �أحبك - ح�سام.‬
      ‫	-ت�سمرت �سعاد مكانها، ومن ثم �أدارت وجهها نحو �أبيها وقالت:‬
‫لقد علمتني ال�صراحة يا �أب��ي، وزرع��ت يف الثقة �إىل �أبعد احلدود،‬
                          ‫َّ‬
‫وعلمت �أن ح�سام كان يريد خطبتي منك، والآن ترك يل هذه الر�سالة‬
                                                             ‫فانظر �إليها.‬
   ‫	-قر�أ الأ�ستاذ �أحمد الر�سالة بعناية فائقة وقال وهو يف قمة احلذر:‬
‫هذه الر�سالة يجب �أن تحُرق حاال وتكتُما �أمرها حتى عن نف�سيكما،‬
‫ف��الآن فهمت تلك النظرات التي كانت يف عينَي ح�سام عند احلاجز،‬
‫واعلمي يا ابنتي �أنَّ كلمات ح�سام قد زادت مكانته عندي وعمَّقت قناعتي‬
   ‫ب�صالح قلبه ومبعدنه الأ�صيل، و�سرنى بعد قليل ما الذي حدث هناك.‬
                                                       ‫	-فقالت �إينا�س:‬
‫�أنا ال �أفهم �شيئا، فما عالقة م�ستقبل �سعاد وح�سام فيما جرى هناك؟!‬
                                                   ‫فردت عليها �سعاد:‬

‫93‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫لقد �أخربتك قبل �ساعة �أن ح�سامً ا يعي�ش يف زمن �أبيه مكرها، وينتظر‬
‫ال�ساعة التي يحرر فيها نف�سه و�أم��ه وعائلته من ه��ذا الواقع ال�سيء،‬
                             ‫و�ستعلمني الكثري عنه حال ات�ضاح الأمور.‬

                                ‫٭٭٭٭‬

‫ذات احلرية كانت جتري يف بيت �أبي �أ�سيل، حيث حتلَّقت العائلة �أمام‬
                    ‫التلفاز الذي بد�أ بثا مبا�شرا عن احلدث، فقال �أبو �أ�سيل:‬
‫يبدو �أن ما جرى كبري ًا جد ًا جداً، انظروا �إىل وجوه الإعالميني الذين‬
            ‫يُخفون �أمر ًا خطرياً، و�إن مل يخب ظني ف�إنَّ اجلرنال قد مات؟؟‬
        ‫	-فنه�ضت �أم �أ�سيل على قدمها ورفعت يديها �إىل ال�سماء قائلة:‬
       ‫يا رب، يا رب خذه �إىل جهنم وبئ�س امل�صري، و�أرح قلبي يا اهلل.‬
                                         ‫	-ف�صرخت اجلدة ب�أعلى �صوتها:‬
‫نذر علي �إن مات الذبحنَّ عجال وفوقه خاروف، ولأ�صومنَّ �شهر ًا كامالً.‬
                                           ‫ً‬
             ‫	-فارت�سمت االبت�سامة على وجه �أبي �أ�سيل الذي تذكر �أمراً:‬
‫�أين رائد؟! هل ر�آه �أحد خالل االعت�صام؟! �أين يغيب يف هذه الظروف؟!‬
     ‫	-وما �إن �أكمل كلمته الأخرية حتى دخل رائد البيت م�سرع ًا ي�س�أل:‬
               ‫هل مات اجلرنال؟! هل �أعلنوا عن ذلك؟! من فعل ذلك؟!‬
                                                           ‫	-فقال له �أبوه:‬

                                                    ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫04‬
‫على مهلك يا ولدي، ال زالت الأخبار يف بدايتها وهم يتكتمون على ما‬
‫يحدث، غري �أنهم ي�شريون �إىل م�أ�ساة حدثت، و�أظن �أنه الآن يف اجلحيم‬
                                                           ‫يتلقى الوعيد.‬
                                                          ‫فقال رائد:‬
‫نعم، نعم لقد �سمعت يف طريقي �إىل البيت �أن ق��وة كوماندوز من‬
‫الفدائيني قد اقتحمت امل�ضافة وفتحت النار على اجل�نرال وحرا�سه،‬
‫وهناك من يقول: �إنَّ �شخ�ص ًا من داخ��ل امل�ضافة قد �أطلق النار على‬
                                   ‫اجلرنال فاندلعت بعدها اال�شتباكات.‬
                                                    ‫ف�س�أل �أبو �أ�سيل:‬
                           ‫و�أين كنت طيلة النهار، لقد قلقنا عليك؟!‬
                                            ‫فارتبك قليال ثم �أجاب:‬
‫لقد كنت مع �أ�صدقائي يف النادي وملا �سمعنا �إطالق النار عدنا �إىل‬
‫منازلنا وها �أنا �أمامك �أ�سعد �إن�سان على وجه الأر�ض، و�أمتنى لو كنتُ يف‬
                                                                 ‫امل�ضافة.‬
                                                           ‫فقال �أبوه:‬
‫ا�صمت وال تتفوه بكلمة واحدة و�إال �أوقعتنا يف م�شكلة كبرية، فاحلدث‬
    ‫�أكرب مما تت�صور و�سيكون له ما بعده، واحتمال �أن تكون حتت املجهر.‬

                               ‫٭٭٭٭‬

‫14‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫�أعلن التلفزيون الإ�سرائيلي نب�أ مقتل اجلرنال املر�شح لرئا�سة احلزب‬
‫بطلقة اخرتقت ر�أ�سه، �إ�ضافة �إىل مقتل �أحد حرا�سه ال�شخ�صيني و�صاحب‬
‫امل�ضافة �أبي ح�سام وزوجته وحار�سه وثالثة من �أع�ضاء احلزب العرب،‬
‫و�إ�صابة ع�شرة �أ�شخا�ص بجروح، وقد �أعلنت �أجهزة الدولة ا�ستنفارها‬
‫حيث فر�ضت حظر التجول على البلدة، وبد�أت �أعمال التحقيق ب�إ�شراف‬
‫رئي�س ال��وزراء ذات��ه، واعتربت منطقة احل��ادث �ساحة جرمية، و�شكلت‬
‫طاقم ًا خا�ص ًا للتحقيق يف مركز (بيتاح تكفا)، وب��د�أت مالمح العملية‬
‫تت�ضح حتى يف الإعالم حيث قُب�ض على ح�سام جنل �صاحب امل�ضافة وهو‬
‫يحمل م�سد�سا �أُطلق منه النار، وي�شتبهون ب�أ�شخا�ص �آخرين قد ا�شرتكوا‬
                                                            ‫يف العملية.‬

                                ‫٭٭٭٭‬

‫�أحاط اجلنود املدججون بال�سالح بح�سام وهم ينزلونه من ال�سيارة‬
‫مقيَّد القدمني والرِّجلني مع�صوب العينني، وتدافعوا به نحو ممرات‬            ‫َُ‬
‫عديدة دون �أن يُعرف املكان، وما هي �إال حلظات حتى فُتح باب كهربائي،‬
            ‫ف�سلَّمه اجلنود �إىل �أيدٍ خ�شنة، و�أفواه تتلفظ ب�أ�سو�أ الكلمات:‬
‫- �أهال بالإرهابي الكبري، لقد و�صلت �إىل امل�سلخ الذي �ست�شهد فيه‬
‫نهايتك، �ستكت�شف الآن ب�أنك ال تعي�ش على الأر�ض و�أنَّ �أمَّك مل تلدك بعد.‬

                                                    ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫24‬
‫وعلى الفور �أرغموه على خلع مالب�سه كاملة و�أجروْا عليه تفتي�ش ًا دقيق ًا‬
                          ‫َ‬
‫لكافة �أنحاء ج�سمه، حيث �أمروه بالنزول وال�صعود وفتح الفم وتفتي�ش‬
‫ال�شعر، ومن ثم �أم��روه بارتداء مالب�سه املليئة بالدم و�أخ��ذوا مقتنياته‬
‫ال�شخ�صية، وما لفت انتباه ال�سجانني عثورهم على حذاء طفلة �صغرية يف‬
                                                  ‫مالب�سه حيث قال �أحدهم:‬
                ‫- ما هذا �أيها الغبي، �أت�سرق �أحذية الأطفال من البيوت؟!‬
                                                           ‫فرد �سجان �آخر:‬
       ‫- �أو يحن �إىل الطفولة التي �سرقها منه الغول - ها - ها - ها -.‬
‫كان ح�سام ال يزال �صامتا، لكنه كان ينظر �إىل احلذاء بحنان، ورد‬
‫نظراته �صفعة على خ��ده من �أح��د احلرا�س الذين �أم��روه بامل�شي نحو‬
‫الطبيب الذي فح�صه وقدَّم تقريره العاجل ومن ثم و�ضع ال�سجان كي�س ًا‬
‫نتن ًا على ر�أ�سه منعه من ر�ؤية �شيء واقتاده نحو درجات متعرجه �صعود ًا‬
‫وبعد حلظات من االنتظار يف نقطة معينة على ر�أ�س الدرج، فتح ال�سجان‬
‫باب ًا دخال منه، و�سارا يف ممر هادئ �إال من �صوت املو�سيقى العالية وفج�أة:‬
                                      ‫�أدخل ال�سجان ح�سام ًا �إىل غرفة وغادر.‬
‫وقف ح�سام يف غرفة املكيف يخيم عليها الهدوء الكامل وكان يقول يف‬
                                                                        ‫نف�سه:‬
‫- يا خفيَّ الألطاف جننا مما نخاف، يا خفي الألطاف جنِّ نا مما‬
                                                                       ‫نخاف.‬

‫34‬     ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫حيث تذكر هذا الدعاء الذي كانت تردده جدته عند امل�صائب، وفج�أة‬
                                        ‫رفع �شخ�ص الكي�س عن ر�أ�سه وقال:‬
‫مرحبا بالبطل، لقد �شرفتَنا بقدومك �إىل مركز (بيتاح تكفا) العظيم.‬
                                                ‫َّ ْ‬
‫نظر ح�سام داخل الغرفة فوجد فيها �أربعة �أ�شخا�ص يرتدون املالب�س‬
‫املدنية يجل�سون على الكرا�سي، حيث طلب �أحدهم من ح�سام �أن يجل�س‬
                                                                          ‫وقال:‬
                    ‫- تف�ضل، تف�ضل يا ح�سام، اعتبرِ نف�سك يف بيتك.‬
                                      ‫ْ‬
‫بقي ح�سام �صامت ًا يبدو عليه الإره���اق والتعب، ون��ظ��رات الأربعة‬
                                                                    ‫تتفح�صه.‬
                                                     ‫قال املتحدث الأول:‬
‫- �أعرفُك على �أ�صدقائك اجلدد، كوبي، يوين، راين وحم�سوبك امليجر‬      ‫ِّ‬
‫عوز ونحن باخت�صار �سنقفل امللف ب�أق�صى �سرعة ممكنة، و�إنْ �شئت‬
                                            ‫ميكننا �إنها�ؤه الليلة. فما ر�أيك؟!‬
                                        ‫مل يجب ح�سام، فرد كوبي عليه:‬
‫- يبدو �أن ح�سامً ا مت�أثر بامل�شاهد التي ر�آها اليوم، واحلقيقة �أنني ال‬
                                                 ‫ٌ‬
                                             ‫�أح�سده على هذا املوقف ولكن!!‬
                                             ‫�أكمل راين احلديث ب�سرعة:‬
‫- ولكن، قد يخفف عنه ما فعله امل�سد�س الذي كان بحوزته، �ألي�س‬
                     ‫كذلك يا ح�سام فلقد فعلتَ ما عجِ زَ تْ عنْه اجليو�ش!!‬

                                                     ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫44‬
‫قالها كوبي وهو يقرتب �إىل نقطة ال�صفر من وجه ح�سام.‬
                                                    ‫تدخل امليجر قائال:‬
‫- مهالً، مهال يا �أ�صدقاء، ال تثقلوا بالأ�سئلة على ح�سام فهو متعب‬
                                                          ‫ً‬
   ‫الآن، و�أقرتح �أن ي�أخذ ك�أ�س ًا من ال�شاي يدفِئ به الل�سان فينطق بالكالم.‬
‫يف تلك اللحظات كان املحقق يوين ي�شمر عن يديه ويخلع �ساعة يَدِ ِه‬
        ‫َ‬
                                                     ‫ويَ�ضعها على الطاولة.‬
                                                                         ‫َ‬
‫ويرمق ح�سام بنظرات غا�ضبة ك�أنه وح�ش ي�ستعد لالنق�ضا�ض على‬
                                                                   ‫فري�سته.‬
                                    ‫وبكلمات �سريعة خاطفة قال امليجر:‬
‫- تعازينا لك يا ح�سام بوفاة وال��دك واعلم �أن ما فعلته لنا يدفعنا‬
                  ‫لالنتقام منك فنحن ل�سنا ع�صابة بل يوجد عندنا قانون.‬
‫مل ي��رد ح�سام، فقال راين: �ألي�س من الأدب �أن ت��رد على التعزية‬
                                                                  ‫بال�شكر؟!‬
‫فقال امليجر: اعذره على ذلك فامل�صيبة كبرية جد ًا رغم املُ�صاب الذي‬
                 ‫حلق بنا، ولكنْ يا ح�سام هذه ن�صف امل�صيبة بالن�سبة لك!!‬
‫ا�ضطرب قلب ح�سام وارتع�ش ج�سدُه وذهب �أتلى �صوت البكاء الذي‬
                                           ‫َ‬
‫�سمعه وهو يجل�س قرب جثة �أبيه، وانتظر الكلمات التي �ستخرج من فم‬
                                                                     ‫امليجر.‬
‫- يا ح�سام: �إن �أق�سى الفجائع التي ميكن �أن ت�صيب الإن�سان يف حياته،‬

‫54‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫�أن يفقد عزيزا عليه بحجم الوالد، فكيف �إذا فقد...!!‬
‫و�سكت امليجر مبْدِ يًا ت�أثُّره وعدم ا�ستطاعته �إكمال احلديث، ف�أكمل‬
                                                      ‫ُ‬
                                                                     ‫راين:‬
                                 ‫نعزيك بوفاة والدتك �أي�ضا يا ح�سام.‬
                     ‫فانفجر ح�سام بالبكاء و�أخذ ي�صرخ ب�أعلى �صوته:‬
                                     ‫يا قتلة، يا جمرمني، يا �سفاحني.‬
‫	-فارت�سمت االبت�سامة على وجوه الأربعة، فقد حققوا هدفهم بدفعه‬
                                                                 ‫للكالم.‬
‫	-خرج امليجر من الغرفة طالب ًا �إكمال احلديث ريثما يعود، وعلى الفور‬
        ‫جل�س يوين على الكر�سي املقابل حل�سام وقال له وهو يحدق بعينيه:‬
‫- ا�سمع �أيها الكلب، ال �أري��د منك �أن تقول يل ما ح��دث، بل �أري��د‬
‫ما �سيحدث الآن، و�إن كذبت بكلمة واح��دة، �س�أجعلك تلد الكلمات من‬
                                                               ‫م�ؤخرتك.‬
‫فرد ح�سام: ال �أع��رف عن ماذا تتحدث، قالها وهو ينظر �إىل وجوه‬     ‫َّ‬
                                                         ‫الثالثة املرعبة.‬
                                                          ‫فقال يوين:‬
‫- �أجل�سوه على الكر�سي الذي ال يوجد له ظهر واربطوا يديه برجليه‬
                              ‫من اخللف، ف�س�أعلمه احلديث على �أ�صوله.‬
‫	-�أ�صبح ظهر ح�سام مقو�س ًا ب�صورة م�ؤذية وك�أنه دائ��رة واح��دة مع‬

                                                  ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫64‬
‫اجل�سد، وجل�س خلفه كوبي وهو ي�ضع قدمه على الأ�صفاد امل�شدودة التي‬
                        ‫قيَّدت القدمني واليدين معاً، و�أخذ ي�ضغط ويقول:‬
‫�أين �ستكون العملية الثانية، مَ ن الهدف القادم، تكلم و�إال جعلناك‬
                                                                ‫م�شلوالً.‬
                      ‫	-ف�أخذ ح�سام بال�صراخ من �شدة الأمل وهو يردد:‬
‫ال �أعرف �شيئاً، �أق�سم باهلل العظيم �أنني ال �أعرف عن ماذا تتحدثون.‬
‫فقال له راين: ا�سمع �سيد م�ؤمن، يف هذه الغرفة ال حتلف ب�أحد �أبداً،‬
‫ومن �أجل ذلك �س�أفتح درج املكتب الآن و�س�أ�ضع اهلل فيه، وال تردد بعدها‬
                                                                ‫الق�سم.‬
‫	-عندها، ا�ستغفر ح�سام يف داخله وقال يا رب، وهو ي�صرخ من �شدة‬
                                                                   ‫الأمل.‬
‫	-فتقدم يوين وا�ضع ًا ركبتيه على ركبتي ح�سام و�أخذ ي�ضربه بيده على‬
                                                 ‫الع�ضو التنا�سلي ويقول:‬
‫تكلم و�إال جعلتك عقيم ًا فا�ضطررت �إىل حتويل نف�سك المر�أة، تكلم‬
                                         ‫ْ‬
‫عن الأ�شخا�ص الذين ي�ستعدون لتنفيذ العملية الآن، من هي ال�شخ�صية‬
                                               ‫البديلة التي تنوون قتلها.‬
‫	-كان ال�صراخ ميلأ الغرفة حمكمة الإغالق، ومع ذلك ا�ستمر التعذيب‬
‫على هذه الطريقة، و�أ�ضف �شيئ ًا �آخر عندما وقف راين على بطن ح�سام‬
‫وهو يقول: حتدث قبل �أن مت��وت، �أنقذ نف�سك و�إخوتك ال�صغار الذين‬

‫74‬    ‫عندما يزهر الربتقال‬
‫ينتظرونك بعد موت والديك، هيا �أيها احل�شرة التي �س�أ�سحقها بقدمي،‬
                                              ‫تكلم عن العملية القادمة.‬
‫	-وفج�أة!! فقد ح�سام الوعي ف�أوقفوا التعذيب قليال ور�شوه ببع�ض املاء‬
                   ‫ً‬
‫فا�ستيقظ ثم �أعادوا الكرّة مرات ومرات ويف كل مرة كان ح�سام يطلب‬
           ‫احلديث: �س�أتكلم. �س�أتكلم، �أوقفوا التعذيب، �أوقفوا التعذيب.‬
                               ‫	-وعندما يرتاح للحظات يعاود القول:‬
                             ‫�إنني ال �أعرف �أحدا وال �أنوي فعل �شيء.‬
‫	-فينزل الغ�ضب جمددا وبعنف �أق�سى، وت�شتد الأوجاع يف ج�سم ح�سام.‬

                              ‫٭٭٭٭‬

‫يف تلك ال�ساعات الطويلة من الليلة الأوىل، كانت قيادات عليا للدولة‬
‫تعقد غرفة عمليات يف مركز التحقيق وتتابع جمريات التحقيق مع ح�سام‬
‫وهناك يف �ساحة االعتقال، وكانت يف �سرعة مع الوقت لأن اجلرنال كان‬
‫�أرفع �شخ�صية �إ�سرائيلية تقتل على �أيدٍ معادية داخل فل�سطني، كما �أنها‬
                  ‫تريد تف�صيال �سريع ًا لو�ضعه على طاولة رئي�س الوزراء.‬
                                                           ‫ً‬

                              ‫٭٭٭٭‬
‫يف �صباح اليوم الأول، دخل امليجر �إىل الغرفة ,و�أب��دى انزعاجه ملا‬
                                                   ‫حدث حل�سام قائال:‬
                                                ‫عندما يزهر الربتقال‬   ‫84‬
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن

More Related Content

What's hot

رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالح
رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالحرواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالح
رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالحNaji Mahdi
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطبLith Alayasa
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهlovecandles
 
العين فشخت الحجر
العين فشخت الحجرالعين فشخت الحجر
العين فشخت الحجرsalama2018
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةRajaa Rajaa Bakriyyeh
 
تدمر – شاهد ومشهود
تدمر – شاهد ومشهودتدمر – شاهد ومشهود
تدمر – شاهد ومشهودShamKarama
 
بلد العميان
 بلد العميان بلد العميان
بلد العميانnanosy
 
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرياض القاضي
 
نيلسون مانديلا : قصة مصورة
نيلسون مانديلا : قصة مصورةنيلسون مانديلا : قصة مصورة
نيلسون مانديلا : قصة مصورةAli Alkathiri
 

What's hot (17)

حمامة السلام
حمامة السلامحمامة السلام
حمامة السلام
 
نحن العائلة
نحن العائلةنحن العائلة
نحن العائلة
 
طابور الاحلام
طابور الاحلامطابور الاحلام
طابور الاحلام
 
ALmokattam-News-Issue02
ALmokattam-News-Issue02ALmokattam-News-Issue02
ALmokattam-News-Issue02
 
المتنافسان
المتنافسانالمتنافسان
المتنافسان
 
رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالح
رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالحرواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالح
رواية عرس الزين للروائى السودانى العالمى الطيب صالح
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطب
 
ذات رغبة
ذات رغبة  ذات رغبة
ذات رغبة
 
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة اللهمجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله
 
العين فشخت الحجر
العين فشخت الحجرالعين فشخت الحجر
العين فشخت الحجر
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
 
تدمر – شاهد ومشهود
تدمر – شاهد ومشهودتدمر – شاهد ومشهود
تدمر – شاهد ومشهود
 
الحرب فى المحكمة
الحرب فى المحكمةالحرب فى المحكمة
الحرب فى المحكمة
 
بلد العميان
 بلد العميان بلد العميان
بلد العميان
 
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
 
نيلسون مانديلا : قصة مصورة
نيلسون مانديلا : قصة مصورةنيلسون مانديلا : قصة مصورة
نيلسون مانديلا : قصة مصورة
 
أشعار شاقة مؤبدة
أشعار شاقة مؤبدةأشعار شاقة مؤبدة
أشعار شاقة مؤبدة
 

Similar to عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن

مزرعة الدموع
مزرعة الدموعمزرعة الدموع
مزرعة الدموعMohamed Monem
 
طوق البهامة
طوق البهامةطوق البهامة
طوق البهامةEytin Eytiwon
 
قصص من الواقع.pdf
قصص من الواقع.pdfقصص من الواقع.pdf
قصص من الواقع.pdfDarMobd2
 
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتي
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتيقصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتي
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتيملزمتي
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)Agnès Poète- Ecrivain
 
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...أمل التَّميمي
 
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةentsar
 
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربه
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربهقصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربه
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربهabuhady
 
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdf
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdfأمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdf
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdfMawdaHassun
 

Similar to عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن (18)

مزرعة الدموع
مزرعة الدموعمزرعة الدموع
مزرعة الدموع
 
مزرعة الدموع
مزرعة الدموعمزرعة الدموع
مزرعة الدموع
 
طوق البهامة
طوق البهامةطوق البهامة
طوق البهامة
 
rissing above clouds
rissing above cloudsrissing above clouds
rissing above clouds
 
Fadhila
FadhilaFadhila
Fadhila
 
Fadhila
FadhilaFadhila
Fadhila
 
قصص من الواقع.pdf
قصص من الواقع.pdfقصص من الواقع.pdf
قصص من الواقع.pdf
 
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتي
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتيقصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتي
قصة مغامرات في أعماق البحار خامسة إبتدائي الترم الأول 2017 - موقع ملزمتي
 
بقشيش
بقشيشبقشيش
بقشيش
 
بقشيش
بقشيشبقشيش
بقشيش
 
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
ديوان ألفية شهرزاد للطبباعة (2)
 
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...
النَّشاط الصّفي المسرحي الثَّاني لجماعة ذوات (2) طالبات قسم اللغة العربية بكل...
 
وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
 
أماه
أماهأماه
أماه
 
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربه
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربهقصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربه
قصة بيئية بعنوان طاحونة عين المالح تأليف ايمن محمد عبد ربه
 
مجلة قزح - العدد الثانى
مجلة قزح - العدد الثانى مجلة قزح - العدد الثانى
مجلة قزح - العدد الثانى
 
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdf
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdfأمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdf
أمواج أكما - قواعد جارتين 3_71443_Foulabook.com_.pdf
 
الينابيع 2020.pdf
الينابيع 2020.pdfالينابيع 2020.pdf
الينابيع 2020.pdf
 

عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن

  • 1. c   ÍA 6                        1 ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 2. ‫الكتاب: عندما يزهر الربتقال‬ ‫الكاتب: الأ�سري عمار الزبن‬ ‫الطبعة الأوىل - 2341هـ/1102م‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة‬ ‫النا�شر:‬ ‫�سورية - دم�شق - �ص. ب: 92031‬ ‫هاتف: 20847361136900‬ ‫فاك�س: 15547361136900‬ ‫الربيد الإلكرتوين: ‪thaqafa@thaqafa.org‬‬ ‫موقع امل�ؤ�س�سة على الإنرتنت:‬ ‫‪www.thaqafa.org‬‬ ‫ت�صميم الغالف والإخراج:‬ ‫م. جمال الأبطح‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫2‬
  • 3.   A   c   Í  6                       A   c   Í  6                  ‫ رواية‬   3 ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 5. ‫محاولة روائية لقراءة أح��داث تجري في عقول‬ ‫وأفئدة البرتقال الصامد في أرضنا المحتلة عام‬ ‫ثمانية وأربعين، حيث النوَّار الذي بدأ يزهر رغم‬ ‫العواصف والرياح العاتية والقادمة من بعيد.‬ ‫5‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 7. ‫اإلهداء‬ ‫إلى أهلنا الصامدين على تراب أرضنا المحتلة‬ ‫عام ثمانية وأربعين‬ ‫إلى شواطئ حيفا ويافا وتل الربيع وقيسارية‬ ‫التي ال تزال تعاند الغرباء‬ ‫إلى أزهار البرتقال التي عادت تزهر من جديد‬ ‫إلى المثلث والنقب والجليل‬ ‫إلى شهداء انتفاضة األقصى «الثالثة عشر» وإلى من ينتظر!!‬ ‫أهدي هذا العمل‬ ‫الأ�سري عمار الزبن‬ ‫�سجن نفحة، �صحراء النقب - فل�سطني‬ ‫2/21/7002‬ ‫7‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 9. ‫طرقت �أم ح�سام الباب ب�صورة �سريعة وك�أنها ت�ستعجل ابنها لأمر هام‬ ‫قائلة:‬ ‫ح�سام, ح�سام, افرح يا ولدي وا�ستقبِل �ضيوف �أبيك يف امل�ضافة, لقد‬ ‫َ‬ ‫ازدحم املكان بالنا�س و�أنت ال زلت يف غرفتك.‬ ‫فرد عليها ح�سام ب�صوت يكتنفه احلزن املجبول بالغ�ضب, وهو يفتح‬ ‫باب الغرفة:‬ ‫وهل ت�سمِّينهم �ضيوفًا يا �أمي و�أنت تعرفني من يكونون؟!‬ ‫�صمتت الأم هنيهة وك�أن �صفعة عمرُها �ستون عام ًا قد �سقطت على‬ ‫ً‬ ‫وجهها بقوة, و�سرعان ما ردت عليه:‬ ‫دعك من هذا يا ولدي واخ��رج ال�ستقبال مَ ن ر�ضي �أب��وك �أن يكونوا‬ ‫�ضيوفه ولو كانوا �أكرث مما نعرف، فاعت�صامك يف الغرفة لن يغري من‬ ‫احلقيقة �شيئا بل �سي�ضع والدك يف حرج كبري.‬ ‫فرد ح�سام وقد تعَّر وجهه غ�ضبا:‬ ‫مَ َ‬ ‫هل ك��ان �أب��ي م�ضطرا �أن ي�ضع نف�سه يف ه��ذا املكان وي�سجنا معه,‬ ‫�صاغرين - �إىل هذا املربع؟!‬ ‫9‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 10. ‫ف�صرخت الأم يف وجهه قائلة:‬ ‫�أ�ستحلفك باهلل �أن ت�صمت وت�ؤجل احلديث �إىل ما بعد الزيارة, و�أن ال‬ ‫جتعلني �ضحية خالفك مع �أبيك على �أ�شيائه ال�سيا�سية.‬ ‫ترقرق الدمع يف عينَيْ �أمِّ ح�سام, خافية وراء ذلك خوفا من غ�ضب‬ ‫ال��زوج, فتدخَّ ل ح�سام بقبلة على ر�أ�س والدته, �أراح��ت عنها ثقل املهمة‬ ‫قائال:‬ ‫واهلل لوال هذه الدموع الغالية والقلب الذي ي�سكن يف �صدرك, هذا‬ ‫ال�صدر الذي �أر�ضعني عك�س ما يفعل والدي, لمََا حتركْتُ من هذه الغرفة,‬ ‫بل لمََا بقيتُ يف هذا البيت حلظة واحدة, �أجترع ال�سُّ مَّ الذي ي�سقينا �إيَّاه‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫والدي, فيجري يف اجل�سد كال�سيف يقطع كل جميل يف الذاكرة!!‬ ‫خرجت �أم ح�سام تاركة وراءه��ا غ�ضباً, عجزت عن تقدير عواقبه,‬ ‫لكنها �أخذت من ولدها وعْ د ًا باخلروج ال�ستقبال ال�ضيوف الذين متقتهم‬ ‫�أكرث من ولدها, لكنها حمكومة لطاعة ال��زوج القا�سية واجل�شع, الذي‬ ‫يلب�س ثوب ال�سيا�سي ال�ساعي خلدمة �أبناء بلده واحل�صول على حقوقهم‬ ‫من بيت ال�سارق!!‬ ‫وقف ح�سام �أمام املر�أة, ينظر عربها �إىل و�سادته, وك�أنه يخجل من‬ ‫النظر �إىل وجهه, في�صرف نظره �إىل �أي �شيء حتى الو�سادة, ويف حلظة‬ ‫خاطفة رك�ض نحو ال�سرير, ومد يده حتت الو�سادة, خمرجا حذاء ر�ضيعة‬ ‫�صغرية, مه�شم اجلوانب مهرتئ الأطراف, وقد ك�سته الأتربة والغبار, ويف‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫01‬
  • 11. ‫م�شهد ه�ستريي: �أخذ ُيق ِّبلُه, يح�ضنه, ي�ضعه على ر�أ�سه ويردد:‬ ‫َ‬ ‫ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة, ال ع�شت �إن عا�شوا يا حياة!! وغط يف ندبة‬ ‫بكاء عميق قبل �أن ي�ضع احلذاء يف جيب �سرتته الداخلية ويخرج.‬ ‫كانت البلدة الواقعة على �ساحل البحر الأبي�ض املتو�سط يف فل�سطني‬ ‫املحتلة ع��ام 84, تعي�ش قمة التناق�ض يف ذل��ك اليوم, حيث ال�ضيوف‬ ‫النكدون الذين حلُّوا على �أب��ي ح�سام, �إح��دى ال�شخ�صيات الهامة يف‬ ‫البلدة، و�أثر تلك الزيارة على �شرائح املجتمع ال�صغري داخل البلد, بدءا‬ ‫من بيت �أبي ح�سام وانتهاء ببيت �أ�سيل.‬ ‫�صاغت �أم �أ�سيل كلماتها بالدموع, تطلب منطقا �إن�سانيا ملا يحدث يف‬ ‫البلدة, وقد تربعت يف قاع الدار الذي طاملا احت�ضنت جنباته �ضحكات‬ ‫�أ�سيل, وهي تطوي بذراعيها �صورة حبيبها �أ�سيل الذي اقتطفته الأيدي‬ ‫التي ت�صافح �أبا ح�سام يف جمل�س ال�ضيافة قائلة:‬ ‫�أفيقوين, قولوا يل �إين نائمة, ال تدعوين �أغرق يف الأح�لام ال�سيئة,‬ ‫قاتل ولدي حبيبي, يجل�س هناك على بعد �أمتار من كومة الرتاب التي‬ ‫اختلطت بدم �أ�سيل يا ويلي, يا ناري التي حترق يف ال�صدر.‬ ‫تدخلت على الفور جدة �أ�سيل العجوز التي كانت تتكئ على عكازها‬ ‫اخل�شبي:‬ ‫وماذا ترجني من هذا الذي باع النخوة والكرامة وهان عليه حتى �سمعة‬ ‫والده ال�شهيد الذي مات وهو يدافع عن «قي�سارية» يوم النكبة, هوين عليك‬ ‫11‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 12. ‫يا ابنتي وجتملي بال�صرب.‬ ‫لكن كالم اجلدة مل يرق للفتى الذكي رائد, الذي ينام كل ليلة على‬ ‫ذك��رى �شقيقه ال�شهيد حمت�ضنا تلك الر�صا�صة التي اخرتقت �صدره‬ ‫وا�ستطاع الأطباء �إخراجها, خماطبا �إياها بالقاتلة قائال: ملاذا �أيتها‬ ‫القاتلة؟! ملاذا �أ�سيل ولي�س �أنا؟!‬ ‫حيث تدخل بعنف البوا�سل معقبا على كالم جدته:‬ ‫وملاذا نر�ضى حماقات �أبي ح�سام الذي باع دماء �أ�سيل و�إخوانه الثالثة‬ ‫ع�شر, وكيف نقبل بدخول القاتل �إىل بلدتنا دون �أن نفعل �شيئا؟! الآن‬ ‫فهمت معنى ال�صمت الذي كان مييز �أ�سيل, حيث كان يف�ضل ال�صمت‬ ‫على كالم العاجزين هذا, وعندما حانت �ساعة القول, انتف�ض بحجارته.‬ ‫�أجه�شت الأم بالبكاء و�أخذت العربات تر�سم �صورة قدمية جديدة,‬ ‫فهي ترى حبيبها �أ�سيل يف حما�سة رائد، الذي بعثت �أنفا�سه روح �أ�سيل,‬ ‫و�أدارت يف ر�أ�سها �شريط الذكريات الأخرية التي خطها �أ�سيل ب�ضحكاته‬ ‫وت�صرفاته, حيث ذهبت �إىل ذلك اليوم الأخري:‬ ‫ها, ماذا تقولني يا �أم �أ�سيل يف �شكل ولدك املحرتم؟!‬ ‫ردت عليه بثغرها البا�سم: قمر يف �سماء �صافية، عقمت الن�ساء عن‬ ‫والدة مثله، ف�صاح �أ�سيل ب�أعلى �صوته.‬ ‫اهلل. اهلل. يا متنبية الن�ساء، �إن كنتُ قمرا، ف�أنت ذاك ال�ضوء الذي‬ ‫ِ‬ ‫ي�شع من و�سطه في�سميه الن�ساء نورا �أو �سميه �أنت يا �أماه.‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫21‬
  • 13. ‫فمدت ذراعيها تزامنا مع قطرات دمع �سالت على وجنتيها قائلة:‬ ‫- تعال �إىل �صدري �أيها ال�شقيُّ اجلميل، لقد �شرِ بْتَ اجلَ مال حتى‬ ‫�أ�صبح دررًا جتري على ل�سانك.‬ ‫َُ‬ ‫فرد �أ�سيل وهو يختنق بني ذراعيها:‬ ‫- لقد علمتِني ال�شعر يا �أمِّ ي لكنك مل تعلميني خَ نْقَ املحبني.‬ ‫ف�ضحكت �أمه ب�صوت عال وهي تع�ضه من وجنته املتوردة قائلة:‬ ‫- وددْتُ لو �أزرعك جمددا جنينا يف �أح�شائي وال �أخرجك �أبدا، فال‬ ‫ِ‬ ‫ينعم غريب بنعمة النظر �إليك ف�ضال عن م�سِّ ك بيده.‬ ‫َ‬ ‫ف�صاح �أ�سيل مرة �أخرى:‬ ‫- فماذا �أبقيت للح�سان يا �أمي، اللواتي يخطنب ود حبيبك اجلنني؟‬ ‫ُ َّ‬ ‫�أظن �أن احل�سناء التي �س�آوي �إىل ع�شِّ ها م�ستقبال، �ستقت�ص مني على‬ ‫هذه الع�ضة يا �أمي، عندها لن تقنع ب�أن �أم زوجها قد فعلت ذلك!!.‬‫َ‬ ‫عادت �أم �أ�سيل من �سَ رَحانها يف ما�ضي حبيبها، على حتية �أبي �أ�سيل‬ ‫ال��ذي يعمل يف جامعة حيفا، حيث بدا على وجهه ما �أمل باحلا�ضرين‬ ‫َّ‬ ‫و�سرعان ما قال:‬ ‫هونوا عليكم يا جماعة، فالأمر �أكرب من �أن نخت�صره يف جمرم يقف‬ ‫على ر�أ���س وزارة جمرمة، كانت م�س�ؤولة عن ا�ست�شهاد �أ�سيل و�إخوانه‬ ‫الثالثة ع�شر، والآن ي��زور بلدتنا قالها، �أب��و �أ�سيل وهو يحدق ب�صور ٍة‬ ‫تو�سطت احلائط داخل غرفة ال�ضيوف، �أمكنه ر�ؤيتها من قاع الدار، حيث‬ ‫31‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 14. ‫الأقمار الثالثة ع�شر يتو�سطهم �أ�سيل:‬ ‫�إنها دولة جمرمة - قال - تربِّئ القاتل وجترِّم الربيء يف الوقت ذاته،‬ ‫انظروا �إىل حماكمهم التي تدَّعي النَزاهة واال�ستقالل، تق�ضي بعدم‬ ‫م�س�ؤولية اجلنود والقنا�صة عن قتل ال�شباب، ويف الوقت ذات��ه حتملنا‬ ‫م�س�ؤولية املظاهرات التي �أدَّت �إىل هذه النتيجة، ي�ساوون ما بني احلجر‬ ‫الذي يرميه ال�شاب من م�سافة بعيدة، فال ي�صل يف غالب الأحيان - و�إن‬ ‫و�صل ال يفعل �شيئا - وما بني الر�صا�صة التي يرميها القنَّا�ص على هدفه‬ ‫وت�صورها عد�سات التلفزة، وي�سمون ذلك دفاعا عن النف�س. ال حتزنوا‬ ‫يا جماعة، فهذا ع�صر الغطر�سة، الذي يقول مبنطق القوة ولي�س بقوة‬ ‫املنطق، وال بد �أن تختل موازين القوى يوما فتنعك�س ال�صورة.‬ ‫ -عندها، �صرخ رائد الذي بدا كال�صاعق املو�شك على االنفجار:‬ ‫وهل �سن�سكت يا �أبي؟! �أر�أيت الأطفال يف نابل�س وجنني وهم يعتلون‬ ‫ظهور الدبابات؟ لقد دا�سوا على خوفنا وجبننا ومل يبق لنا عذر، وها نحن‬ ‫نكتفي بالكالم.‬ ‫ -رد عليه �أبوه بغ�ضب من�ضبط، طالبا منه الهدوء قائال: اهد�أ يا ولد،‬ ‫فحتى ي�صبح النا�س كما تريد ف�إنَّ �أمامنا الكثري الكثري لنعمله، و�أولها �أن‬ ‫ال يكون بيننا من ينتمي �إىل حزب �صهيوين - ك�أبي ح�سام - و�إن كانت‬ ‫دوافعه مالئكية.‬ ‫ -فتب�سّ م رائد متهكما على منطق �أبيه الذي ر�أى فيه �أحالم النائمني،يف‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫41‬
  • 15. ‫الوقت الذي كان الغ�ضب ي�شتعل يف ر�أ�س و�صدر �أبي �أ�سيل الذي زاده كالم‬ ‫ابنه ال�صحيح عمقا يف التفكري مب�صيبة الواقع ال�سيء، �أن تعي�ش على‬ ‫�أر�ضك يف ظل كيان غريب فر�ض عليك �إيقاع احلياة ومفرداتها، حتى‬ ‫�أ�صبحت ال تقوى على منع قاتل من دخول بلدتك.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫ك��ان التوتر ب��ادي�� ًا على وج��وه النا�س جميعاً، حتى البيوت العتيقة‬ ‫وال�شوارع التي طاملا ابت�سمت لزوارها و�أهلها، كانت تعك�س ما يختلج يف‬ ‫�صدور الأه��ايل، حيث الوجوم الذي ارت�سمه على وجوه الن�سوة اللواتي‬ ‫يعتلني الأ�سطح ويتبادلن احلذق على هذا الواقع، وت�أوهات الرجال الذين‬ ‫كانوا يجل�سون يف القهوة وينفخون دخان النارجيلة يف ال�سماء م�صحوبة‬ ‫ب�شر ٍر يتطاير من العيون، را�سم ًا لوحة �سوداء كُتب عليها: نحن غا�ضبون.‬ ‫َ‬ ‫ -يف تلك اللحظات:‬ ‫مر الأ�ستاذ �أحمد يف ال�شارع يركب على عربة جمرورة بحمار، ف�ألقى‬ ‫َّ‬ ‫التحية على اجلال�سني، وا�ستمر يف �سريه باجتاه حقله، وهو يبت�سم يف وجوه‬ ‫َّ‬ ‫اجلال�سني واملارة.‬ ‫حيث الوقت الذي يذهب فيه الفالحون �إىل حقولهم ع�صرا بعد فرتة‬ ‫ال�صالة، �أما الأ�ستاذ �أحمد فيعتمد �صباح ًا على عامل من البلدة، وي�أتي‬ ‫51‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 16. ‫دوره بعد االنتهاء من الدوام من مدر�سة البلدة الثانوية وتناول الطعام‬ ‫يف البيت. وبينما عربة الأ�ستاذ ت�سري على وقع قيادته و�أوام��ره للحمار‬ ‫ب�أن يحث اخلطى: اعرت�ض طريقه املعتاد باجتاه ال�سهل، حاجز �أمن يتبع‬ ‫لقوات احلماية املرافقة حل�ضرة الزائر الكبري حيث يقع احلاجز بالقرب‬ ‫من م�ضافة �أبي ح�سام، مما �أعاق مرور العربة و�أخ�ضعها للتفتي�ش، وال زال‬ ‫الأ�ستاذ يبت�سم، مما �أثار ف�ضول ال�ضابط اجلهم الذي �س�أل الأ�ستاذ عن‬ ‫�سبب ابت�سامه، ف�أجاب:‬ ‫وهل تكون �سعيدا �إذا ر�أيتني مقَطَّ بَ اجلبني عبو�س الوجهِ؟‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فرد ال�ضابط ب�شيء من العنجهية.‬ ‫َّ‬ ‫�أراك ع�صري املزاج ت�سوق الكالم بفل�سفة ال تليق بفالح، لي�س له حظ‬ ‫من احلياة �سوى الغبار واخل�ضار وقياد ٍة جيِّدة حل�ضرة احلمار.‬ ‫فقهقه الأ�ستاذ ب�صوت مرتفع وقال:‬ ‫�أتر�ضى الع�صرية بثوب فالح �إذا �أزاحت عن وجهك القبح والعبو�س‬ ‫الذي يعرب عن ال�شيء �سوى جهل يف قيمة الأر�ض والإن�سان وحتى احليوان؟!‬ ‫ -فا�ست�شاط ال�ضابط غ�ضبا و�أمره بالرجوع من حيث �أتى، وبينما كان‬ ‫ي�أمر الأ�ستاذ بذلك: مر ح�سام من املكان، و�ألقى حتية على �أ�ستاذه و�س�أله:‬ ‫َّ‬ ‫ما الذي يعيقك يا �أ�ستاذ �أحمد؟! �أمل تت�أخر عن حقلك؟!‬ ‫ف�أجابه الأ�ستاذ:‬ ‫يبدو �أن �ضيوف والدك كبار جدا، �أكرب من حماري والعربة وحقلي‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫61‬
  • 17. ‫الذي ينتظر، مما يدفع احلرا�س �إىل �إرجاعي كما ترى.‬ ‫ -ارت�سمت ابت�سامة �صغرية جدا على ثغر ح�سام الذي كان يحب �أ�ستاذه‬ ‫كثري ًا فمنذ عامني كان يتعلم على يديه قبل دخوله اجلامعة، وعلى الفور،‬ ‫طلب ح�سام من ال�ضابط ال��ذي �سبق و�أن عرف هوية ح�سام، �أن يفتح‬ ‫احلاجز �أم��ام العربة وال يعرت�ض طريق الفالحني و�إال �أبلغ �أب��اه بذلك،‬ ‫فان�صاع ال�ضابط لذلك مرغما.‬ ‫ويف �أثناء مغادرة الأ�ستاذ للمكان، التقى بَريقُ عينَي الأ�ستاذ بعينَيْ‬ ‫ح�سام، فت�سمَّر الأخ�ير يف مكانه خماطب ًا طيف الأ�ستاذ ال��ذي م�ضى‬ ‫بعربته:‬ ‫واهلل ما ن�سيت يا �أ�ستاذ وال غابت عن ناظري حلظة واحدة، وال زلت‬ ‫�أزرع �أحجارها فوق قلبي، و�أح�ضن ترابها يف �صدري، �أن��ام على �صوت‬ ‫الأمواج تغازل النجوم كل ليلة، ويف ال�صباح تلطم جدار الدار معلنة عن‬ ‫يوم جديد.‬ ‫ما ن�سيتُ قي�سارية ووجهها الذي ر�سمته بيدك على وجهي، فتنف�س‬ ‫عميق ًا عميق ًا حتى ما وراء العظم، ما ن�سيت الذئاب التي افرت�ست ي�أ�سها‬ ‫اجلميل وجتل�س يف م�ضافتنا الآن.‬ ‫ما ن�سيت يا �أ�ستاذ ولكن؟!‬ ‫ -كان الأ�ستاذ يدرك حقيقة تلميذه من الداخل، لكنه ي�شك يف قدرته‬ ‫على فعل �شيء ي�صحح هذا الواقع ال�سيء، وبينما الأ�ستاذ �أحمد يقود‬ ‫71‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 18. ‫عربته، ك��ان يخاطب حماره ال��ذي يقتنيه منذ ع�شر �سنني، فالأ�ستاذ‬ ‫م�شهور بالغرابة بع�ض ال�شيء:‬ ‫�أتعلم يا حمار، �أن العقل مل يعد ميزة لدى البع�ض من جن�سنا، ميتاز‬ ‫به عن جن�سكم؟!‬ ‫ -فنهق احلمار م�ستنكرا ب�صوت عال على واقع نداء الأمعاء الذي خرج‬ ‫من م�ؤخرته.‬ ‫ -فرد الأ�ستاذ ب�سرعة:‬ ‫على مهلك يا �صديقي، فلن يزاحمك �أحد على �صحبتي حتى متوت،‬ ‫فحمري جن�سنا قد �أبدلوا الر�أ�س فقط وبقيت �أج�سادهم كما هي، فالأيدي‬ ‫الآدمية يف حالهم، ت�ستقبل الغرباء يف امل�ضافات وجتمع الأ���ص��وات يف‬ ‫االنتخابات، وت�صافح �أي��ادٍ حمراء، لونها دم��اء جن�سنا ال��ذي بقي على‬ ‫حاله!! وهذه طبيعة عملهم اجلديد فال تقلق.‬ ‫ -وف��ج���أة، رمن احل��م��ار زف��رات��ه ال�شهرية م��ن �شفتيه و�أط��ل��ق العنان‬ ‫لرباعيته، فابت�سم الأ�ستاذ كعادته وم�ضى على وقع ذلك.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫كان احل�ضور من �أهل البلدة والبلدات املجاورة قد جاءوا قبيل جميء‬ ‫ال�ضيوف املهمني وجتمعوا يف امل�ضافة التي تلت�صق ببيت �أب��ي ح�سام،‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫81‬
  • 19. ‫حيث يرتبط مطبخ امل�ضافة مبمر �صغري ي���ؤدي �إىل البيت، وع��ادة ما‬ ‫يوفر املطبخ احتياجات ال�ضيوف عمال بالعادات والأعراف العربية التي‬ ‫تكرم ال�ضيف مهما كان لونه �أو جن�سه، كان احل�ضور �أع�ضاء يف حزب‬ ‫ً‬ ‫ال�ضيف والعادة كانت �أن يجتمع الأع�ضاء اجتماعات متكررة يف الدعاية‬ ‫االنتخابية للمر�شحني لقيادة احلزب يف كل دورة انتخابية حيث ي�ستمعون‬ ‫�إىل خطابات املر�شحني وجتري نقا�شات يتخللها بع�ض احلدة يف كثري من‬ ‫الأحيان، وخل�صو�صية املكان والأع�ضاء، ف�إن احل�ضور قد خ�ضعوا للتفتي�ش‬ ‫قبل الدخول، وكانت املرة الأوىل بعد ا�ست�شهاد �أ�سيل التي ي�أتي فيها زائر‬ ‫بحجم هذا ال�ضيف الذي كان جرناال يف اجلي�ش الإ�سرائيلي و�شغل من�صب‬ ‫وزيرٍ للأمن الداخلي يف احلكومة التي قادها حزبه ال�صهيوين وجرى يف‬ ‫عهدها قتل ثالثة ع�شر فل�سطينيا من �أبناء 84 على �إثر اقتحام �شارون‬ ‫للم�سجد الأق�صى املبارك، وكان من بينهم ابن البلدة �أ�سيل.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫كانت �سعاد تهم بقطع ال�شارع الذي ينت�صف البلدة، وقد �أع َيتْه كرثة‬ ‫ُ ُّ‬ ‫احلفر يف الطريق و�شبكة املياه املهرتئة التي ت�شكو قلة ال�صيانة ب�سبب �شح‬ ‫امليزانية يف البلدية، ف�سمعت �صوتا ناعما ينادي عليها من اخللف:‬ ‫�سعاد، �سعاد‬ ‫91‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 20. ‫فالتفتت للوراء ب�سرعة ف�إذا بها �صديقة عمرِ ها �إينا�س:‬ ‫ُ‬ ‫�إينا�س، كيف حالك �أيتها ال�شريرة،لقد ا�شتقت �إليك كثريا؟!‬ ‫فردت عليها بعد �أن تعانقتا:‬ ‫ال�شوق يا ابنة الأكرمني، لي�س كلمة تقنعي بها الوفاء لل�صحبة!‬ ‫و�أ�سَ رَين زوجي يف قلبه والبيت، مل تعودي ت�س�ألني يا جمرمة.‬ ‫ابت�سمت �سعاد وقالت:‬ ‫القطة �أيتها ال�شريرة، مهما �أبعدوها عن بيتها و�أهلها، تعود يف النهاية‬ ‫�إىل مكانها، و�أن��ا قطتك التي لوال وجودها يف ال�شارع الآن، خلرب�شت‬ ‫وجهك اجلميل.‬ ‫ف�ضحكت �إينا�س وقطعت ال�شارع مع �سعاد بعد �أن رفعتا ثوبيهما خوفا‬ ‫من مياه ال�صرف ال�شاردة و�س�ألت عن وجهتها، فقالت �سعاد:‬ ‫�أنا ذاهبة لبيت اخلالة �أم �أ�سيل حتى �أقف �إىل جانبها يف هذا اليوم‬ ‫احلزين الذي �أراه �أ�سود بوجود هذا الزائر اللعني يف م�ضافة �أبي ح�سام،‬ ‫فما ر�أيك باملجيء؟!‬ ‫ردت �إينا�س قائلة:‬ ‫الآن ت�أكدت ب�أنك م�شتاقة يل، لأنني كنت ذاهبة �إىل املكان نف�سه،‬ ‫فهذه �سعاد التي �أعرفها، وقد ظننت للحظة �أن حبيب القلب قد جرفك‬ ‫�إىل مربعه!!‬ ‫هزت �سعاد ر�أ�سها �آ�سفة على �سوء الظن هذا وردت!‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫02‬
  • 21. ‫نعم جرفني �إىل مربعه، لكنه لي�س املربع الذي تت�صورين، بل مربع‬ ‫قلبه و�صدقه و�إخال�صه لدينه ووطنه و�أهله، فح�سام كما يعتقد والدي‬ ‫الذي رباه - وقد امتحنت ذلك بنف�سي - نبتٌ �صالح لأر�ض طيبة ا�سمها‬ ‫ٌ‬ ‫�أم ح�سام، غري �أن الباذر �سقيم!!.‬ ‫ -علقت �إينا�س قائلة:‬ ‫لقد حتقق لدي الآن �أن ح�سام قد �أعماك عن ر�ؤي��ة ال�صورة بكافة‬ ‫زواياها، انظري �إىل ح�سامك امل�صون، �أين هو الآن؟ �إنه يخدم �ضيوف‬ ‫�أبيه يف امل�ضافة ي�سقيهم دماء �أ�سيل، و�أين حماتك �أم ح�سام؟ �إنها تلقم‬ ‫�أفواه القتلة من خريات بلدتنا التي جبل ترابها بدماء �أ�سيل و�إخوانه، وهي‬ ‫التي فقدت �شقيقها يف حرب لبنان الأوىل!!.‬ ‫ردت �سعاد بحزن و�شغف لتبيان احلقيقة:‬ ‫لي�س الأمر كذلك يا �إينا�س، �صحيح �أن ح�سام يقف الآن بامل�ضافة، لكنه‬ ‫مرغم على ذلك حفاظا على �أمه و�إخوانه من غ�ضبة والده الذي �أق�سم‬ ‫عليه �أن يطلق �أمه حال �إ�ساءته ل�ضيوفه �أو عدم ح�ضوره، �أما امل�سكينة «�أم‬ ‫ح�سام» التي تعاين مر�ض ال�ضغط وال�سكري وتربي ع�شرة �أبناء �صغار،‬ ‫فلي�ست م�ستعدة لت�شريد �أبنائها، حتى �أنها �أقنعت زوجها - كما تعرفني -‬ ‫كي يح�ضر لها خادمة فلبينية، ت�ساعدها يف �أمور البيت وقد ح�ضرت قبل‬ ‫عدة �أ�شهر، حتى ال يتهمها بالعجز.‬ ‫ -بدت �إينا�س م�شروهة احلديث وعلقت با�ستغراب:‬ ‫12‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 22. ‫لكنْ ال �أحد يعرف ذلك يا �سعاد، وكيف لنا �أن نعرف ما يدور داخل‬ ‫البيت، ال حول وال قوة �إال باهلل، لقد �أوقعتِني يف هم يفوق الهم الذي كنتُ‬ ‫فيه، لكنني مع ذلك �أ�شك يف �أن ح�سام يكذب عليك حتى يربر �أفعال والده‬ ‫ويف ذات الوقت يحظى بك.‬ ‫ردت �سعاد فورا:‬ ‫ال، ال يا �صديقتي، فف�ضال عن قناعة والدي الذي علَّمه مرحلة ثانوية‬ ‫وتربطه به عالقة قوية، ف���إين ما خربت عنه الكذب، وها نحن معا يف‬ ‫كلية واحدة يف جامعة حيفا �أال ت�ستطيعني معرفة معادن النا�س فيها منذ‬ ‫عامني؟، حيث تكت�شفني ح�ساما �آخر غري الذي يوجد يف امل�ضافة مرغما.‬ ‫ -فطلبت �إينا�س �أن حتدثها عنه حتى يرتاح قلبها وتطمئن على م�ستقبل‬ ‫�صديقتها الذي ربطته معه، لكنهما اقرتبتا من منزل �أم �أ�سيل، ف�أجَّ لَتا‬ ‫احلديث لفر�صة �أخرى.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫�سعدت �أم �أ�سيل بزيارة �سعاد و�إينا�س متاما كما فعلت قبلهن الكثريات،‬ ‫وت�صادف وجود �أبي �أ�سيل يف البيت حيث رحب بهما �أي�ضا �سائال �سعاد‬ ‫ب�شيء من املداعبة:‬ ‫ما هي �أخبار الأ�ستاذ �أحمد فالح القرية املثقف، وهل الزال يكتب‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫22‬
  • 23. ‫ال�شعر يف حماره؟!‬ ‫- �ضحك اجلميع على �س�ؤال �أبي �أ�سيل الذي تعودت عليه �سعاد،حيث‬ ‫�أجابت:‬ ‫�أبي عِ مْلة نادرة،ال يرى الثقافة يف الكتب وح�سب، بل ينزلها على �أر�ض‬ ‫الواقع حتى ي�صبح حقيقة، فالفِالحة لي�ست م�صدرا للرزق وح�سب، بل‬ ‫توا�صال ثقافي ًا وح�ضاري ًا مع الرتاب، �أما احلمار فهو ال�شيء الذي ال ميكن‬ ‫ً‬ ‫لأحد �أن يلومه عليه �إن ا�ستخدمه للت�شبيه يف �شعره.‬ ‫ -علق �أبو �أ�سيل قائال :‬ ‫مهال، مهال يا بنت �صديقي ال��ذي �أجن��ب هذا الل�سان، فلقد تركنا‬ ‫الدوام يف اجلامعة قبل �ساعات، ف�أجِّ لي در�س الرتاب ملحا�ضرة الغد، ف�أنا‬ ‫�أعرف �أننا لن نغلبك يف احلديث، ومن ي�شابه �أباه فما ظلم.‬ ‫ -ابت�سم اجلميع على الرغم من الغَ�صة التي بدت على الوجوه.‬ ‫َّ‬ ‫ -�س�ألت �إينا�س عن رائد الذي ال يبدو يف البيت، ف�أجابت �أم �أ�سيل:‬ ‫ -�أخ�شى �أن يرتكب عمال مع �أ�صدقائه، يف�ضي �إىل �إ�صابته مبكروه، فما‬ ‫عدنا ن�سيطر على الأوالد الذين يكربون �أ�ضعاف �أعمارهم وهم ي�شاهدون‬ ‫قتلة �إخوانهم �أمام �أعينهم.‬ ‫ -ب��ادرت اجلدة التي كانت جتل�س هذه املرة وبيدها م�سبحة طويلة،‬ ‫بالقول:‬ ‫توكلي على اهلل يا ابنتي، فلن ي�صيبه �شر �إن �شاء اهلل، فال بد �أنه يف‬ ‫32‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 24. ‫امل�سجد �أو يف نادي البلدة �أو لعله عند �أحد �أ�صدقائه، فاطردي الو�ساو�س‬ ‫من ر�أ�سك.‬ ‫ -تدخلت �سعاد قائلة:‬ ‫�أو رمبا ذهب �إىل جتمع ال�شباب و�سط البلدة، فقد ر�أي��ت جمموعة‬ ‫كبرية منهم حتمل الفتات تندد بزيارة هذا اللعني �إىل البلدة وحتمل �صور‬ ‫ال�شهداء.‬ ‫ -بدت مالمح الر�ضى على وجوه احلا�ضرين لدى �سماعهم هذا اخلرب‬ ‫حيث غادروا جميعا لذاك التجمع الذي بدا يكرب مع غروب ال�شم�س.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫كمن رائد وثالثة من رفاقه املتقاربني عمر ّياً، داخل ال�سور الذي يحيط‬ ‫باملدر�سة الإعدادية املحاذية لل�شارع الرئي�سي الواقع بداية البلدة، حيث‬ ‫ا�ستعدوا بزجاجاتهم احلارقة - املولوتوف - للهجوم على موكب اجلرنال‬ ‫حال مغادرته البلدة:‬ ‫رائد: �أنت مت�أكد يا جمال. �إن املوكب لن ي�سلك الطريق الفرعية من‬ ‫و�سط البلدة؟‬ ‫ج��م��ال: ل��ن ي�ستطيع ذل��ك لأن���ه �سي�ضطر للعبور م��ن ب�ين الأه���ايل‬ ‫الغا�ضبني، �إ�ضافة �إىل طول امل�سافة ومروره بعدَّة بلدات عربية جماورة.‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫42‬
  • 25. ‫تدخل جماهد قائال:‬ ‫�صحيح �أنني قر�أت على �شبكة االنرتنت: �إن من االحتياطات الأمنية‬ ‫ك�سر الروتني، لكنني �أ�شك يف �أن ذلك �سيحدث هذا اليوم ف�إ�ضافة ملا‬ ‫قاله جمال، ف�إن �أق�سى ما يتوقعه حُ رَّا�س اجلرنال �أن تنْزل عليهم بع�ض‬ ‫احلجارة، مع �أن ذلك ال يحدث عندنا �إال ن��ادرا، وهذا الأم��ر يعاجلونه‬ ‫بال�سيارات امل�صفحة التي ال يخرتقها الر�صا�ص ف�ضال عن احلجارة.‬ ‫ -�سرح جمال قليال يف حديث جماهد الأخري ثم قال:‬ ‫�إذا كانت م�صفحة، فلماذا نهاجمها باملولوتوف ونحن نعلم �أنَّ النار‬ ‫لن تدخل ال�سيارة؟!‬ ‫فقال رائد:‬ ‫�صحيح ما تقوله يا جمال ولكن؟! �أر�أيت النار وقد ا�شتعلت يف مقدمة‬ ‫ال�سيارة؟ �أال يوجد احتمال �أن تنقلب �أو ت�صطدم بال�سور؟!.‬ ‫فتدخل جماهد قائال:‬ ‫�أنا ال �أعرت�ض على كل ما قيل. لكنني �أنظر للأمر من زاوي��ة �أعمق‬ ‫بكثري، �أر�أيتم �أهلنا بال�ضفة وغزة، كيف يواجهون الر�صا�ص باحلجارة،‬ ‫حتى مع وجود ال�سالح واال�ست�شهاديني وال�صواريخ، �أ�س�ألتم �أنف�سكم ملا‬ ‫يفعلون ذلك؟ �أنا �س�ألت �أبي فقال:‬ ‫املقاومة �أنواع و�أ�شكال ويف حال �شعبنا يف ال�ضفة والقطاع قد اكتملت‬ ‫ال�صورة لديهم �إىل حد معقول، حيث املقاتل الذي يحمل البندقية و�آخر‬ ‫52‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 26. ‫يطلق ال�صاروخ وثالث ا�ست�شهادي بحزامه، وخطيب يحر�ض من منربه،‬ ‫وطبيب يقاوم بعالج امل�صابني، و�أ�ستاذ يربي الأجيال على الت�ضحية، و�أم‬ ‫تقدم ابنها فداء هلل والوطن، و�آخرون يقاومون باحلجارة وهي امل�ستطاع‬ ‫ً‬ ‫ب�أيديهم، تعبري ًا عن الرف�ض واملقاومة وعدم اخلنوع واال�ست�سالم كرمز‬ ‫الرتباط احلجر بالأر�ض، وكالهما يرف�ض الغريب.‬ ‫ -ا�ستنفر جماهد: ونحن يف هذا الكمني ن�ؤدّي �صورة مِ ن �صوَر املقاومة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ح�سب ا�ستطاعتنا.‬ ‫فقال جمال:‬ ‫�أخ�شى �أن يكون ل�سانك قد زلَّ مع �أبيك فانك�شف �أمرنا له، لأنَّ الأمر ال‬ ‫يحتمل �أية �أخطاء ونحن ال زلنا يف بداية الطريق.‬ ‫قال جماهد:‬ ‫ال. ال. حتى فجر هذا اليوم عندما خرجنا للكتابة على اجل��دران،‬ ‫خرجتُ كعادتي ل�صالة الفجر يف امل�سجد ومل يلحظ �أحد �شيئا.‬ ‫�صحيح، كيف كانت ردود الأفعال لدى النا�س؟!.‬ ‫ -رد رائد ب�سرور:‬ ‫لقد كانت مفاج�أة غري متوقعة لأهل البلدة الذين ب��د�أوا يتجمهرون‬ ‫باكر ًا �أم��ام ال�شعارات حيث �سمعت احل��داد �أب��ا �سليم يقول: ن�صر اهلل‬ ‫دينكم و�سلمت الأيدي التي كتبت.‬ ‫فقال له ج��اره النَّجَّ ار �أب��و فتحي: �أال تريد �أن مت�سحها عن جدار‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫62‬
  • 27. ‫دكانك قبل �أن ت�أتي ال�شرطة وترغمك على ذلك؟! ف�أجاب: �أنا مل �أكتبها‬ ‫ولن �أحموَها و�إذا لزم الأمر �س�أغلق املحل هذا اليوم. و�سمعت �أبا منذر‬ ‫و�شقيقه الذي يعمل �شرطيا للمرور لدى االحتالل، يتهكمان بالقول: لقد‬ ‫انتقل خميم بالطة �إىل بلدتنا، و�أب�شِ روا ِب�أ�سو�أ من ال�شعارات �إذا �سكتُّم‬ ‫عن هذه الأعمال ال�صبيانية، فنحن ال نعرف ل كل هذا الغ�ضب على‬ ‫َ‬ ‫زيادة م�س�ؤول كبري يف الدولة؟، كما �أن املرء يعجب من هذه العقول؛ ف�أبو‬ ‫ح�سام يحاول حت�صيل احلقوق اخلدماتية وال�سيا�سية من خالل وجوده يف‬ ‫احلزب، �أمَّا ه�ؤالء، فيكتفون باخلرب�شة على اجلدران.‬ ‫ -لكن ال�شيخ ح�سن �إمام امل�سجد رد عليهما بالقول:‬ ‫�صحيح �أننا م�أمورون �شرعا �أن نحكم على النا�س من خالل ظاهرهم‬ ‫ولي�س من خالل النوايا، ولكنْ لي�س يف حالة �صاحبكما �أبي ح�سام الذي‬ ‫يزعم حت�صيل احلقوق؛ لأنه يف املقابل ر�ضي ب�أن يكون يف حزب �صهيوين‬ ‫يلغي حقَّنا القومي يف بلدنا ويعتربنا �سكانًا من الدرجة العا�شرة هذا‬ ‫احلزب الذي يقتل �أهلنا منذ ع�شرات ال�سنني وي�شرد معظم �شعبنا، وال‬ ‫يزال يفعل ذلك، و�أرجو عدم خداع النف�س بكذبة احلقوق، ف�صاحبكم �أبو‬ ‫ح�سام ع�ضو يف احلزب منذ ع�شرين عاماً، فما اجلديد على البلدة؟! وكما‬ ‫يبدو �أنكما ال تعي�شان على مقربة من بيت ال�شهيد �أ�سيل الذي قتله �ضيف‬ ‫�صاحبكما.‬ ‫ -انفرجت �أ�سارير ال�شبان الثالثة لدى �سماعهم ما قاله ال�شيخ، وكانوا‬ ‫72‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 28. ‫ال يتجاوزون ال�ساد�سة ع�شر من العمر. طلب بعدها رائد من جمال �أن‬ ‫يذهب لالطمئنان على رفيقهم الرابع فوزي الذي يجل�س على تلَّة مرتفعة‬ ‫تك�شف بداية الطريق التي �ست�سلكها القافلة حيث �سيقوم ب�إعطائهم �إ�شارة‬ ‫لدى قدوم ال�سيارات حتى ي�ستعدوا للهجوم.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫- على مقربة من امل�ضافة كان يقع منْزل من ثالثة طوابق ي�سكنه‬ ‫تاجر خمدرات م�شهور من عائالت الإجرام وا�سمه «�أبو رامي» وغالبا ما‬ ‫ي�ست�ضيف يف الطابق الأعلى �صحبة من رجاله حلمايته من خ�صومه يف‬ ‫هذا العامل، حيث كان لهم ن�صيب يف تناول ق�ضية ال�ضيف:‬ ‫�أبو رامي - تاجر املخدرات:‬ ‫�صدقوين ل��وال التف�سريات اخلاطئة، ول��وال �أن ي�ؤخذ املو�ضوع على‬ ‫املنحنى الأمني، خلرجت ب�سالحي �إىل امل�ضافة وفرغت الر�صا�ص يف‬ ‫ر�أ�س �أبي ح�سام!!.‬ ‫ -ف�صاح احل�ضور ب�صوت واحد: �أ�ضرب �أبو رامي �أ�ضرب.‬ ‫فا�ستطرد �أبو رامي قائال: ولكن، ال �أريد �أن تطري ال�سَّ كْرة من ر�أ�سي.‬ ‫ -فقهقه احل�شا�شون قهقهة ال�سافرين، لكن �أحدهم ويدعى نزار، �س�أل‬ ‫�أبا رامي وهو ُيعمِّر ر�أ�س النارجيلة ال�صغرية التي يدخنون فيها احل�شي�ش:‬ ‫َ‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫82‬
  • 29. ‫ملاذا تكره �أبا ح�سام �إىل هذا احلد وهو ابن عائلتك، وتربطكما عالقة‬ ‫�صداقة منذ ال�صغر؟!.‬ ‫ -فتنهد �أبو رامي تنهيدة من الأعماق وقال:‬ ‫ل�ست �أكرهه، بل �أكره ت�صرفاته احلمقاء التي ا�س َتعْدَ ت النا�س علينا،‬ ‫وجعلت ا�سم العائلة حتت الأقدام، مما دفعه لو�ضع حار�س �شخ�صي له،‬ ‫�صحيح �أين ل�ست كما ينبغي، ور�أ�سي مثقل باملخدرات وعندي وحو�ش‬ ‫من �أمثالكم، لكنني �س�أقطع ر�أ�سي بيدي و�أجعلكم تدخنون بجمجمتي‬ ‫احل�شي�ش لو انتميت �إىل جماعة �سرقت بيت يف قي�سارية، بل قتلت ع�شرة‬ ‫من عائلتي و�أولهم خمتار القرية والد �أبي ح�سام، وت�سببت ب�سوء عالقتي‬ ‫مع زوجتي وابني البكر كما هو احلال مع ابن عمي.‬ ‫ -فتدخل م�سطول �آخر من اجلال�سني بالقول:‬ ‫لكننا م�ستفيدون من عالقة �أبي ح�سام بالدولة وقيادتها، حيث يغ�ضون‬ ‫ُّ‬ ‫الطرف عنك كونك ابن عمه، على الرغم من علمهم باملخدرات وال�سالح‬ ‫الذي ب�أيدينا.‬ ‫ -فرد �أبو رامي:‬ ‫اخر�س يا جاهل، عليك �أن تق�ضي ع�شر �سنوات يف املهنة حتى تعلم‬ ‫املعادلة جيداً، �أمل تذهب يوما �إىل مدينة اللد �أو البلدة القدمية يف‬ ‫القد�س؟ �أمل تر بيع املخدرات العلني يف �أو�ساط العرب دون حترك من‬ ‫جانب دولتهم، فلماذا بر�أيك ي�سكتون عن ذلك؟! بينما �إذا حاول �أحد‬ ‫92‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 30. ‫العرب �أن يو�سع داره ت�أتي كل الدولة ملنعه؟! �أق�ترح �أن تن�شغل بتعمري‬ ‫ر�أ�سك، فلن مي�سَّ ك �أحد، �سواء �أكنت قريب �أبي ح�سام �أم مل �أكن.‬ ‫ -وبينما احلديث يدور على وقع ال�ضحكات املتناثرة، كان نزار ي�صوِّب‬ ‫ر�شا�شه العوزي نحو امل�ضافة التي تبعد مائة وخم�سني مرت ًا عن ال�شقة،‬ ‫ف�صرخ عليه �أبو رامي قائال:‬ ‫�أنزل العوزي �أيها الأحمق، �أتريد �أن يعكر �صاروخ �صف َو ر�ؤو�سنا؟!‬ ‫ٌ‬ ‫فقال نزار :‬ ‫تعلمون �أنني قبل �أن �أت�شرف بالتعرف على ح�ضراتكم، كنت �أعمل يف‬ ‫البناء، وقد بنيتُ لأبي ح�سام هذه امل�ضافة التي ترونها، لكن الذي جتهلونه‬ ‫يا مع�شر احل�شا�شني، �أنني �أنظر الآن مبا�شرة �إىل ر�أ�س اجلرنال!!‬ ‫ -فقهقه اجلميع على كالمه، وقال �أبو رامي:‬ ‫يبدو �أن كمية احل�شي�ش التي جترعتها، اختلطت مع كتلة الغباء‬ ‫التي ت�سكن هذا الر�أ�س الذي ي�شبه ر�أ�س حمار الأ�ستاذ �أحمد، ف�أنتجت‬ ‫خزعبالتك هذه.‬ ‫فرد نزار بالقول:‬ ‫- نعم، معكم احلق يف قول ذلك لأنكم ال ترون �إال ج��دارًا كر�أ�سي،‬ ‫ولكنني �أرى النافذة التي طلب مني �أبو ح�سام �أن �أغلقها بالطوب الرقيق‬ ‫بعد �أن بنيناها وتقع �أمام ناظري مبا�شرة، و�صباح ًا عندما كنت �أو�صل‬ ‫حل�سام �شيئا طلبه مني ر�أيت امل�ضافة من الداخل، ور�أي��ت �أين ي�ضعون‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫03‬
  • 31. ‫من�صة اخلطابة التي �سيقف عليها ح�ضرة اجلرنال والواقعة بال�ضبط يف‬ ‫َّ‬ ‫منت�صف النافذة املغلقة.‬ ‫ -ف�صرخ عليه �أبو رامي بغ�ضب:‬ ‫ا�سكت �أيها الغبي وال ت�أتِ على ذكر هذا الأمر لأحد، و�إال زرناك يف‬ ‫�سجن ع�سقالن، وال ت�صوب �سالحك للم�ضافة �أو ترفعه، و�إال عاجلت‬ ‫ر�أ�سك بالهروين.‬ ‫ -لكن نزار امل�سطول، ظل من حني �إىل �آخر ي�صوب ر�شا�شه نحو جدار‬ ‫امل�ضافة ويتخيل اللحظة التي يخطب فيها اجلرنال ويطلق النار عليه،‬ ‫وبقي �أبو رامي ي�صرخ عليه كلما ر�آه يفعل ذلك، وجرى الأمر على وقع‬ ‫ال�ضحك واالنب�ساط.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫�أم��ا داخ��ل امل�ضافة فكانت اخلطابات الرنانة التي ترحب بال�ضيف‬ ‫الكبري وم�ساعديه، وكانت منا�سبة �أي�ضا ملباركة انت�ساب �أع�ضاء جدد‬ ‫للحزب من بلدة �أب��ي ح�سام والبلدات امل��ج��اورة، وك��ان وا�ضح ًا ترقب‬ ‫اجلميع لكلمة اجلرنال املرت�شح لقيادة احلزب والطامع ب�أ�صوات احل�ضور‬ ‫يوم االنتخابات الداخلية، ويف تلك اللحظات، كانت �أم ح�سام منهمكة‬ ‫مع خادمتها ب���إع��داد القهوة العربية الأ�صلية التي تفوح منها رائحة‬ ‫13‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 32. ‫الهال، ويف الوقت ال��ذي كان �أب��و ح�سام ي���ؤَهِّ ��ل وي�سهِّلُ بال�ضيوف، كان‬ ‫ُ‬ ‫ح�سام يحدق تارة يف العلَم الإ�سرائيلي املعلق على طول اجلدار اخللفي‬ ‫َ‬ ‫للمن�صة وتارة باجلرنال الذي كان يجل�س بزُهُ ٍّو كبري يرتدي بدلة مدنية،‬ ‫ويوزع االبت�سامات املخادعة على اجلميع احلا�ضرين، الذين جل�سوا على‬ ‫الكرا�سي امل�صففة داخل القاعة يتقدمهم كبار ال�سن وبع�ضهم يعتمر‬ ‫الكوفية الفل�سطينية والعقال على ر�أ�سه.‬ ‫يف تلك اللحظة، وقف اجلرنال خلف املن�صة وظهره للعلمني وبد�أ يف‬ ‫دعايته االنتخابية متناوال ر�ؤيته ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية،‬ ‫ً‬ ‫مركزا على دور التنمية يف الو�سط العربي، واعد ًا �أن يكون التغيري على‬ ‫�أيديه حال انتخابه رئي�سا للحزب، مما �سيف�ضي �إىل و�صول احلزب �إىل‬ ‫�أعلى الأ�صوات يف االنتخابات الربملانية القادمة - الكني�ست - وكان �صوت‬ ‫مكربات ال�صوت يعلو احليَّ كلَّه، وبينما اجل�نرال يتحدث عن التنمية،‬ ‫قاطَ عه �أحد اجلال�سني يف الأمام قائال:‬ ‫َُ‬ ‫- لقد �سمعت هذا الهراء �ألف مرة، ومل يتغري �شيء على الإط�لاق،‬ ‫بل ازداد الأمر �سوءا، وكلما جاءت حكومة جديدة، كانت �أ ْلعَنَ من �أُختها‬ ‫ال�سابقة.‬ ‫حاول منظمو الدعاية �أن يطلبوا من املتدخل اجللو�س، لكنه رف�ض ذلك‬ ‫م�ستطرداً: �أيها ال�سيد اجلرنال، �أعمل يف البلدية منذ ع�شرين عاما، وقد‬ ‫عانينا �إهماال متعمد ًا من حكوماتكم املتعاقبة، منذ عام كامل مل �أتقا�ض‬ ‫َ‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫23‬
  • 33. ‫راتبي.‬ ‫ -عندها رد اجلرنال بالقول:‬ ‫�أنا �أتفق جزئيا معك ب�أن الإهمال قد �أ�صاب الو�سط العربي، لكنني �أ�ؤكد‬ ‫لك ب�أنه مل يكن مق�صودا �أبداً، و�أنا بنف�سي عندما كنت وزير ًا للموا�صالت‬ ‫يف �إحدى احلكومات ال�سابقة �أو�صيت بت�شكيل اللجان املخت�صة للعمل على‬ ‫حل الإ�شكاالت العالقة.‬ ‫قاطعه �أحد احل�ضور من اخللف قائال:‬ ‫- �صحيح �أنك �شكلْتَ اللجان، لكنها اعتذرت عن عدم املجيء، لأن‬ ‫َّ‬ ‫�سيارات اللجان الفارهة ال ت�ستطيع عبور ال�شوارع املليئة باحلفر، كما �أنهم‬ ‫ال يريدون خد�ش م�شاعرهم بر�ؤية ال�صرف ال�صحي املتدفق يف ال�شوارع.‬ ‫ -ف�ضحك احل�ضور، وت�شجع رجل كبري ال�سن يجل�س يف املقدمة للحديث:‬ ‫ومل��اذا ترف�ضون �إعطاءنا ترخي�ص ًا لبناء جامعة عربية يف الو�سط‬ ‫العربي، بل ت�ض ِّيقُون على �أبنائنا الذين يتخرجون من جامعاتكم؟!‬ ‫فا�ستنكر اجلرنال ذلك بالقول!‬ ‫هذا غري �صحيح، فاخلريجون يمُكنهم العمل �أينما كانوا، �أمَّا مو�ضوع‬ ‫اجلامعة فهذا يعود �إىل اجلهات املخت�صة، كما �أنَّ اجلامعات العربية‬ ‫مفتوحة لكل مواطني الدولة.‬ ‫فرد ال�سائل:‬ ‫هذه اجلهات املخت�صة ال زالت ترد بالرف�ض على طلباتنا منذ �أكرث من‬ ‫33‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 34. ‫ع�شرين عامً ا.‬ ‫ -وهنا �ساد بع�ض التوتر يف امل�ضافة ومل تفلح حم��اوالت اجل�نرال يف‬ ‫�إقناع بع�ض احل�ضور، حتى �س�أل �أحد احلا�ضرين �س�ؤاال كان كالقنبلة‬ ‫الكبرية:‬ ‫ -وم��اذا فعلت �أن��ت عندما كنت وزي��ر ًا يف الأم��ن الداخلي وع�ضو ًا يف‬ ‫املجل�س الوزاري امل�صغر؟‬ ‫ -قالها ال�سائل ب�صورة غا�ضبة، رد عليه جال�س �آخر قبل �أن يتحدث‬ ‫َّ‬ ‫اجلرنال:‬ ‫�أعطى الأوامر بقتل ثالثة ع�شر �شهيدا من �أبنائنا، ودافع عن القتل يف‬ ‫املحاكم ال�صورية، وي�أتي الآن حتى ي�أخذ تواقيعنا على جرميته هذه.‬ ‫ -و�أ�ضاف جال�س ثالث:‬ ‫ٌ‬ ‫وكان من �أبرز الذين وافقوا على ق�صف املدنيني يف ال�ضفة والقطاع،‬ ‫وقتل 11 طفال يف ق�صف البناية التي ي�سكنون فيها بحي الدرج يف غزة.‬ ‫ -�ساد ه��رج وم��رج القاعة م��ا ب�ين فريق قليل يهاجم اجل�ن�رال وما‬ ‫بني فريق كبري يدافع عنه، ومع ذلك ح��اول اجل�نرال امت�صا�ص نقمة‬ ‫الغا�ضبني، وفتح املجال للحديث املفتوح، وكل ذلك وح�سام يغلي كالربكان‬ ‫وعيناه تقدحان �شرارًا وهو يحدق بوجه اجل�نرال دون �أن ي��راه، حينما‬ ‫وقف �أبرز الأع�ضاء اجلدد قائال: ا�سمع �أيها اجلرنال �س�أعر�ض عليك‬ ‫خم�سمائة ا�سم من عائلتي �سيكونون لك يف كل انتخابات داخلية وت�شريعية‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫43‬
  • 35. ‫وي�صبحون �أع�ضاء يف احلزب فما ر�أيك؟!‬ ‫ً‬ ‫ -انفرجت �أ�سارير اجلرنال لذلك بعد �أن عكَّرها الهجوم الالذع عليه‬ ‫وقال:‬ ‫�سيكون ذلك من دواعي �سروري و�سرتى كيف ميكنني العمل على تنمية‬ ‫الو�سط العربي وتقدمه باجتاه امل�ساواة مع مواطني الدولة كافة.‬ ‫فرد �صاحب العر�ض قائال:‬ ‫َّ‬ ‫ولكن!! ب�شرط �صغري و�شخ�صي، �أن تتبنى �أنت وكتْلتُك داخل احلزب،‬ ‫ُ‬ ‫دعمي يف م�ساعٍ لإعادة �أر�ضي امل�صادرة منذ عام 84، ف�أنا الزلت �أملك‬ ‫�أوراقها الثبوتية والقانونية وهي ال تزال موجودة على حالها يف قي�سارية،‬ ‫و�أنا يف ذات الوقت �أحمل اجلن�سية الإ�سرائيلية مثلك متاما، فما ر�أيك؟!‬ ‫ -تلون وجه اجلرنال و�صمت هنيهة ثم قال:‬ ‫كما تعلمون ف�إن املو�ضوع �أكرب من �أن يتبناه حزب، فالق�ضية �سيا�سية‬ ‫بامتياز، وال ميكن قطع الوعود لذلك، لكنك ت�ستطيع التوجه للمحكمة.‬ ‫ -عندها ابت�سم ال�سائل يف وجهه و�أخرج بطاقة الع�ضوية للحزب من‬ ‫جيبه ومزقها قائال:‬ ‫مل �أك��ن غبي ًا عندما عر�ضت عليك عر�ضي ولكن �أحببت �أن يعلم‬ ‫اجلال�سون حقيقة احلزب الذي ينتمون �إليه، هذا احلزب املماثل لكل‬ ‫الأحزاب ال�صهيونية التي �صادرت �أر�ضنا و�سنَّت القوانني التي تقت�ضي‬ ‫بعدم �أحقيتنا بالعودة �إليها، هذا احلزب الذي يجيز لأي يهودي يف �أق�صى‬ ‫53‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 36. ‫العامل �أن ي�أتي �إىل فل�سطني وي�ستوطن فيها ولو تهوَّد البارحة، بينما يُحَ رِّم‬ ‫عودة �أ�صحابها الأ�صليني ولو كانوا حملة اجلن�سية الإ�سرائيلية، وجاء �آخر‬ ‫الأمر ذلك القانون اجلديد الذي �صادق عليه �سيادة اجلرنال كونه ع�ضوًا‬ ‫يف الكني�ست، ويق�ضي بعدم بيع �أرا�ض لعرب الثمانية والأربعني، �أما الأمر‬ ‫ٍ‬ ‫الأخري الذي �أريدكم �أن تروه: فهذه ال�صورة لل�شهيد �أ�سيل الذي قتله هذا‬ ‫املجرم ويقف �أمامكم الآن.......‬ ‫ -كانت العبارة الأخرية، نار ًا دبت يف اله�شيم، فعَال ال�صراخ يف القاعة،‬ ‫َ‬ ‫ما بني ال�شتائم للجرنال طالب ًا منه االبتعاد عن املن�صة واالن�صراف من‬ ‫البلدة، وبني جمع امل�ؤيدين الذين حاولوا طرد املتحدث الأخري حتى و�صل‬ ‫الأمر للعراك بالأيدي ومل تفلح حماوالت �أبي ح�سام لتهدئة الأمور.‬ ‫وبينما ك��ان اجل�نرال ينادي اجلميع بالهدوء عرب امليكرفون، وقف‬ ‫على جانبيه جمع من احلرا�س حلمايته، حيث رف�ض االن�صياع لأوامرهم‬ ‫باالبتعاد عن املن�صة، دوت الطلقات جنبات امل�ضافة وتبعها �إطالق نار من‬ ‫كل اجلهات، حيث �أ�صاب حُ رَّا�س اجلرنال م�س من اجلنون، وبدءوا �إطالق‬ ‫ٌّ‬ ‫النار يف كل مكان، يف الوقت الذي �أخرج فيه جمموعة منهم اجلرنال عرب‬ ‫ممر جانبي، وانطلقت به ال�سيارة ب�سرعة الربق دون �أن يتمكن �أحد من‬ ‫معرفة ما يحدث، غري �أن امل�شهد كان مروِّع ًا وك�أنه �ساحة حرب، حيث‬ ‫ال�صراخ من امل�صابني على الأر�ض وبع�ض القتلى من احل�ضور و�أبرزهم‬ ‫�أبو ح�سام وحار�سه.‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫63‬
  • 37. ‫ال�شخ�صان اللذان كانا م�ضرَّجَ ينْ بدمائهما، وبعد حلظات �ساخنة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫جدا هد�أ الر�صا�ص وطلب احلرا�س الذين تبقوا يف املكان من اجلميع �أن‬ ‫يبقوا منبطحني على الأر�ض، ومنعوا �أي �شخ�ص من اخلروج.‬ ‫يف تلك الأث��ن��اء ك��ان ال�صراخ ينبعث من املمر الوا�صل بني مطبخ‬ ‫امل�ضافة وبيت �أبي ح�سام حيث �صوت بكاء الأطفال، الأمر الذي لفت انتباه‬ ‫ح�سام الذي كان يجل�س قرب ر�أ�س والده امليت يف حالة �صدمة كاملة منعته‬ ‫من البكاء، وك�أنه يقول يف داخله وهو ينظر �صوب املمر واجلدران التي‬ ‫اخرتقهما الر�صا�ص:‬ ‫لعلِّي الزلت يف ال�سرير �أحلم يف تلك الكوابي�س اليومية، ال، ال، ال ميكن‬ ‫�أن تكون احلقيقة هكذا ف�أي رجل قا�س و�شديد ال ميوت هكذا، و�أما �إخوتي‬ ‫فال زالوا نياما يحلمون �أحالم الع�صافري، نعم، نعم، �أنا الزلت نائما.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫�ضجت البلدة على وقع الر�صا�ص الغزير الذي دار يف امل�ضافة، حيث‬ ‫كان النا�س ال يزالون يعت�صمون يف مركز البلدة وقد جتمهروا ملعرفة الذي‬ ‫يحدث وقد ك�ست احلرية وجوه اجلميع، بينما كانت �إينا�س حتدق يف وجه‬ ‫�سعاد التي بدت م�شدودة تقب�ض على ورقة �صغرية بيدها!!. حيث، �أتت‬ ‫�إينا�س بها جانبا وقالت:‬ ‫73‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 38. ‫ما الذي دهاك يا �سعاد، لقد تكدر وجهك وحدك من بني النا�س فما‬ ‫الذي �أ�صابك؟!‬ ‫ -فردت �سعاد ب�صوت خافت ممزوج بعربات ح�سية املقل:‬ ‫خذيني �إىل البيت بهدوء دون �شعور �أحد فل�ست �أقوى على الوقوف،‬ ‫وهناك �سنتحدث، وبينما كانتا ت�سريان بخطى ثقيلة جداً، وكانت قوات‬ ‫الأمن الإ�سرائيلية تدخل البلدة ب�أعداد �ضخمة، وتنت�شر حول امل�ضافة،‬ ‫والإ�سعافات الع�سكرية تنقل امل�صابني والقتلى حتت حرا�سة م�شددة، بينما‬ ‫كانت طائرة حتوم فوق البلدة، الأمر الذي دفع النا�س للتفرق والعودة‬ ‫للبيوت با�ستثناء بع�ض العائالت التي لها �أبناء داخل امل�ضافة.‬ ‫و�صلت �سعاد و�إينا�س البيت بالتزامن مع و�صول الأ�ستاذ �أحمد عائد ًا‬ ‫من حقله، وفورًا انفجرت �سعاد باكية وهي ترمتي يف �أح�ضان والدها قائلة:‬ ‫لقد ذهب ح�سام يا والدي لقد ذهب.‬ ‫فهدهد براحته عليها وهو يقول:‬ ‫ال ت�ستعجلي النتائج يا ابنتي فال زلنا جنهل ما حدث هناك.‬ ‫ -وفج�أة، تذكرَتْ �سعاد الورقة التي يف يدها و�سارعت لقراءتها، فقد‬ ‫كانت من ح�سام الذي طلب منها عدم فتحها �إال بعد ال�ساعة ال�ساد�سة‬ ‫م�ساء وكتب فيها:‬ ‫ً‬ ‫�أعلم �أنني مل �أقلها لك يوما، وال طاملا حلمت باللحظة التي �أقول فيها‬ ‫�إنَّني �أحبك، غري �أين ما ر�ضيت �أن �أخت�صر عاملك يف كلمة واحدة، و�أنت‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫83‬
  • 39. ‫فوق الكلمات والأو�صاف، ولعل الرباط الذي جمع بني قلبينا �أقوى من كل‬ ‫م�ألوف، لذا ف�إين �أخاطبك ال�ساعة معرت�ضا، �إين �أم�سك احلقيقة بيدي‬ ‫بعد �أن كربت يف عقلي وقلبي، وقد حتررتُ مِ ن خويف الذي ي�سكنني منذ‬ ‫زمن بعيد، ال �أدري �أ َّية حلظات �ستكون لكنها بالقطع خري من كل اللحظات‬ ‫ُ‬ ‫ال�سابقة، ويف اخلتام. كم حلمت �أن �أراك عرو�سا تُزيحني ب�ؤ�س ال�سنني عن‬ ‫ِ‬ ‫حياتي فكوين عرو�سً ا كما كنت, �سيِّدة يف الكربياء والعفة، وتذكري دوما‬ ‫ً‬ ‫ا�سما طاملا �أحبك - ح�سام.‬ ‫ -ت�سمرت �سعاد مكانها، ومن ثم �أدارت وجهها نحو �أبيها وقالت:‬ ‫لقد علمتني ال�صراحة يا �أب��ي، وزرع��ت يف الثقة �إىل �أبعد احلدود،‬ ‫َّ‬ ‫وعلمت �أن ح�سام كان يريد خطبتي منك، والآن ترك يل هذه الر�سالة‬ ‫فانظر �إليها.‬ ‫ -قر�أ الأ�ستاذ �أحمد الر�سالة بعناية فائقة وقال وهو يف قمة احلذر:‬ ‫هذه الر�سالة يجب �أن تحُرق حاال وتكتُما �أمرها حتى عن نف�سيكما،‬ ‫ف��الآن فهمت تلك النظرات التي كانت يف عينَي ح�سام عند احلاجز،‬ ‫واعلمي يا ابنتي �أنَّ كلمات ح�سام قد زادت مكانته عندي وعمَّقت قناعتي‬ ‫ب�صالح قلبه ومبعدنه الأ�صيل، و�سرنى بعد قليل ما الذي حدث هناك.‬ ‫ -فقالت �إينا�س:‬ ‫�أنا ال �أفهم �شيئا، فما عالقة م�ستقبل �سعاد وح�سام فيما جرى هناك؟!‬ ‫فردت عليها �سعاد:‬ ‫93‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 40. ‫لقد �أخربتك قبل �ساعة �أن ح�سامً ا يعي�ش يف زمن �أبيه مكرها، وينتظر‬ ‫ال�ساعة التي يحرر فيها نف�سه و�أم��ه وعائلته من ه��ذا الواقع ال�سيء،‬ ‫و�ستعلمني الكثري عنه حال ات�ضاح الأمور.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫ذات احلرية كانت جتري يف بيت �أبي �أ�سيل، حيث حتلَّقت العائلة �أمام‬ ‫التلفاز الذي بد�أ بثا مبا�شرا عن احلدث، فقال �أبو �أ�سيل:‬ ‫يبدو �أن ما جرى كبري ًا جد ًا جداً، انظروا �إىل وجوه الإعالميني الذين‬ ‫يُخفون �أمر ًا خطرياً، و�إن مل يخب ظني ف�إنَّ اجلرنال قد مات؟؟‬ ‫ -فنه�ضت �أم �أ�سيل على قدمها ورفعت يديها �إىل ال�سماء قائلة:‬ ‫يا رب، يا رب خذه �إىل جهنم وبئ�س امل�صري، و�أرح قلبي يا اهلل.‬ ‫ -ف�صرخت اجلدة ب�أعلى �صوتها:‬ ‫نذر علي �إن مات الذبحنَّ عجال وفوقه خاروف، ولأ�صومنَّ �شهر ًا كامالً.‬ ‫ً‬ ‫ -فارت�سمت االبت�سامة على وجه �أبي �أ�سيل الذي تذكر �أمراً:‬ ‫�أين رائد؟! هل ر�آه �أحد خالل االعت�صام؟! �أين يغيب يف هذه الظروف؟!‬ ‫ -وما �إن �أكمل كلمته الأخرية حتى دخل رائد البيت م�سرع ًا ي�س�أل:‬ ‫هل مات اجلرنال؟! هل �أعلنوا عن ذلك؟! من فعل ذلك؟!‬ ‫ -فقال له �أبوه:‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫04‬
  • 41. ‫على مهلك يا ولدي، ال زالت الأخبار يف بدايتها وهم يتكتمون على ما‬ ‫يحدث، غري �أنهم ي�شريون �إىل م�أ�ساة حدثت، و�أظن �أنه الآن يف اجلحيم‬ ‫يتلقى الوعيد.‬ ‫فقال رائد:‬ ‫نعم، نعم لقد �سمعت يف طريقي �إىل البيت �أن ق��وة كوماندوز من‬ ‫الفدائيني قد اقتحمت امل�ضافة وفتحت النار على اجل�نرال وحرا�سه،‬ ‫وهناك من يقول: �إنَّ �شخ�ص ًا من داخ��ل امل�ضافة قد �أطلق النار على‬ ‫اجلرنال فاندلعت بعدها اال�شتباكات.‬ ‫ف�س�أل �أبو �أ�سيل:‬ ‫و�أين كنت طيلة النهار، لقد قلقنا عليك؟!‬ ‫فارتبك قليال ثم �أجاب:‬ ‫لقد كنت مع �أ�صدقائي يف النادي وملا �سمعنا �إطالق النار عدنا �إىل‬ ‫منازلنا وها �أنا �أمامك �أ�سعد �إن�سان على وجه الأر�ض، و�أمتنى لو كنتُ يف‬ ‫امل�ضافة.‬ ‫فقال �أبوه:‬ ‫ا�صمت وال تتفوه بكلمة واحدة و�إال �أوقعتنا يف م�شكلة كبرية، فاحلدث‬ ‫�أكرب مما تت�صور و�سيكون له ما بعده، واحتمال �أن تكون حتت املجهر.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫14‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 42. ‫�أعلن التلفزيون الإ�سرائيلي نب�أ مقتل اجلرنال املر�شح لرئا�سة احلزب‬ ‫بطلقة اخرتقت ر�أ�سه، �إ�ضافة �إىل مقتل �أحد حرا�سه ال�شخ�صيني و�صاحب‬ ‫امل�ضافة �أبي ح�سام وزوجته وحار�سه وثالثة من �أع�ضاء احلزب العرب،‬ ‫و�إ�صابة ع�شرة �أ�شخا�ص بجروح، وقد �أعلنت �أجهزة الدولة ا�ستنفارها‬ ‫حيث فر�ضت حظر التجول على البلدة، وبد�أت �أعمال التحقيق ب�إ�شراف‬ ‫رئي�س ال��وزراء ذات��ه، واعتربت منطقة احل��ادث �ساحة جرمية، و�شكلت‬ ‫طاقم ًا خا�ص ًا للتحقيق يف مركز (بيتاح تكفا)، وب��د�أت مالمح العملية‬ ‫تت�ضح حتى يف الإعالم حيث قُب�ض على ح�سام جنل �صاحب امل�ضافة وهو‬ ‫يحمل م�سد�سا �أُطلق منه النار، وي�شتبهون ب�أ�شخا�ص �آخرين قد ا�شرتكوا‬ ‫يف العملية.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫�أحاط اجلنود املدججون بال�سالح بح�سام وهم ينزلونه من ال�سيارة‬ ‫مقيَّد القدمني والرِّجلني مع�صوب العينني، وتدافعوا به نحو ممرات‬ ‫َُ‬ ‫عديدة دون �أن يُعرف املكان، وما هي �إال حلظات حتى فُتح باب كهربائي،‬ ‫ف�سلَّمه اجلنود �إىل �أيدٍ خ�شنة، و�أفواه تتلفظ ب�أ�سو�أ الكلمات:‬ ‫- �أهال بالإرهابي الكبري، لقد و�صلت �إىل امل�سلخ الذي �ست�شهد فيه‬ ‫نهايتك، �ستكت�شف الآن ب�أنك ال تعي�ش على الأر�ض و�أنَّ �أمَّك مل تلدك بعد.‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫24‬
  • 43. ‫وعلى الفور �أرغموه على خلع مالب�سه كاملة و�أجروْا عليه تفتي�ش ًا دقيق ًا‬ ‫َ‬ ‫لكافة �أنحاء ج�سمه، حيث �أمروه بالنزول وال�صعود وفتح الفم وتفتي�ش‬ ‫ال�شعر، ومن ثم �أم��روه بارتداء مالب�سه املليئة بالدم و�أخ��ذوا مقتنياته‬ ‫ال�شخ�صية، وما لفت انتباه ال�سجانني عثورهم على حذاء طفلة �صغرية يف‬ ‫مالب�سه حيث قال �أحدهم:‬ ‫- ما هذا �أيها الغبي، �أت�سرق �أحذية الأطفال من البيوت؟!‬ ‫فرد �سجان �آخر:‬ ‫- �أو يحن �إىل الطفولة التي �سرقها منه الغول - ها - ها - ها -.‬ ‫كان ح�سام ال يزال �صامتا، لكنه كان ينظر �إىل احلذاء بحنان، ورد‬ ‫نظراته �صفعة على خ��ده من �أح��د احلرا�س الذين �أم��روه بامل�شي نحو‬ ‫الطبيب الذي فح�صه وقدَّم تقريره العاجل ومن ثم و�ضع ال�سجان كي�س ًا‬ ‫نتن ًا على ر�أ�سه منعه من ر�ؤية �شيء واقتاده نحو درجات متعرجه �صعود ًا‬ ‫وبعد حلظات من االنتظار يف نقطة معينة على ر�أ�س الدرج، فتح ال�سجان‬ ‫باب ًا دخال منه، و�سارا يف ممر هادئ �إال من �صوت املو�سيقى العالية وفج�أة:‬ ‫�أدخل ال�سجان ح�سام ًا �إىل غرفة وغادر.‬ ‫وقف ح�سام يف غرفة املكيف يخيم عليها الهدوء الكامل وكان يقول يف‬ ‫نف�سه:‬ ‫- يا خفيَّ الألطاف جننا مما نخاف، يا خفي الألطاف جنِّ نا مما‬ ‫نخاف.‬ ‫34‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 44. ‫حيث تذكر هذا الدعاء الذي كانت تردده جدته عند امل�صائب، وفج�أة‬ ‫رفع �شخ�ص الكي�س عن ر�أ�سه وقال:‬ ‫مرحبا بالبطل، لقد �شرفتَنا بقدومك �إىل مركز (بيتاح تكفا) العظيم.‬ ‫َّ ْ‬ ‫نظر ح�سام داخل الغرفة فوجد فيها �أربعة �أ�شخا�ص يرتدون املالب�س‬ ‫املدنية يجل�سون على الكرا�سي، حيث طلب �أحدهم من ح�سام �أن يجل�س‬ ‫وقال:‬ ‫- تف�ضل، تف�ضل يا ح�سام، اعتبرِ نف�سك يف بيتك.‬ ‫ْ‬ ‫بقي ح�سام �صامت ًا يبدو عليه الإره���اق والتعب، ون��ظ��رات الأربعة‬ ‫تتفح�صه.‬ ‫قال املتحدث الأول:‬ ‫- �أعرفُك على �أ�صدقائك اجلدد، كوبي، يوين، راين وحم�سوبك امليجر‬ ‫ِّ‬ ‫عوز ونحن باخت�صار �سنقفل امللف ب�أق�صى �سرعة ممكنة، و�إنْ �شئت‬ ‫ميكننا �إنها�ؤه الليلة. فما ر�أيك؟!‬ ‫مل يجب ح�سام، فرد كوبي عليه:‬ ‫- يبدو �أن ح�سامً ا مت�أثر بامل�شاهد التي ر�آها اليوم، واحلقيقة �أنني ال‬ ‫ٌ‬ ‫�أح�سده على هذا املوقف ولكن!!‬ ‫�أكمل راين احلديث ب�سرعة:‬ ‫- ولكن، قد يخفف عنه ما فعله امل�سد�س الذي كان بحوزته، �ألي�س‬ ‫كذلك يا ح�سام فلقد فعلتَ ما عجِ زَ تْ عنْه اجليو�ش!!‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫44‬
  • 45. ‫قالها كوبي وهو يقرتب �إىل نقطة ال�صفر من وجه ح�سام.‬ ‫تدخل امليجر قائال:‬ ‫- مهالً، مهال يا �أ�صدقاء، ال تثقلوا بالأ�سئلة على ح�سام فهو متعب‬ ‫ً‬ ‫الآن، و�أقرتح �أن ي�أخذ ك�أ�س ًا من ال�شاي يدفِئ به الل�سان فينطق بالكالم.‬ ‫يف تلك اللحظات كان املحقق يوين ي�شمر عن يديه ويخلع �ساعة يَدِ ِه‬ ‫َ‬ ‫ويَ�ضعها على الطاولة.‬ ‫َ‬ ‫ويرمق ح�سام بنظرات غا�ضبة ك�أنه وح�ش ي�ستعد لالنق�ضا�ض على‬ ‫فري�سته.‬ ‫وبكلمات �سريعة خاطفة قال امليجر:‬ ‫- تعازينا لك يا ح�سام بوفاة وال��دك واعلم �أن ما فعلته لنا يدفعنا‬ ‫لالنتقام منك فنحن ل�سنا ع�صابة بل يوجد عندنا قانون.‬ ‫مل ي��رد ح�سام، فقال راين: �ألي�س من الأدب �أن ت��رد على التعزية‬ ‫بال�شكر؟!‬ ‫فقال امليجر: اعذره على ذلك فامل�صيبة كبرية جد ًا رغم املُ�صاب الذي‬ ‫حلق بنا، ولكنْ يا ح�سام هذه ن�صف امل�صيبة بالن�سبة لك!!‬ ‫ا�ضطرب قلب ح�سام وارتع�ش ج�سدُه وذهب �أتلى �صوت البكاء الذي‬ ‫َ‬ ‫�سمعه وهو يجل�س قرب جثة �أبيه، وانتظر الكلمات التي �ستخرج من فم‬ ‫امليجر.‬ ‫- يا ح�سام: �إن �أق�سى الفجائع التي ميكن �أن ت�صيب الإن�سان يف حياته،‬ ‫54‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 46. ‫�أن يفقد عزيزا عليه بحجم الوالد، فكيف �إذا فقد...!!‬ ‫و�سكت امليجر مبْدِ يًا ت�أثُّره وعدم ا�ستطاعته �إكمال احلديث، ف�أكمل‬ ‫ُ‬ ‫راين:‬ ‫نعزيك بوفاة والدتك �أي�ضا يا ح�سام.‬ ‫فانفجر ح�سام بالبكاء و�أخذ ي�صرخ ب�أعلى �صوته:‬ ‫يا قتلة، يا جمرمني، يا �سفاحني.‬ ‫ -فارت�سمت االبت�سامة على وجوه الأربعة، فقد حققوا هدفهم بدفعه‬ ‫للكالم.‬ ‫ -خرج امليجر من الغرفة طالب ًا �إكمال احلديث ريثما يعود، وعلى الفور‬ ‫جل�س يوين على الكر�سي املقابل حل�سام وقال له وهو يحدق بعينيه:‬ ‫- ا�سمع �أيها الكلب، ال �أري��د منك �أن تقول يل ما ح��دث، بل �أري��د‬ ‫ما �سيحدث الآن، و�إن كذبت بكلمة واح��دة، �س�أجعلك تلد الكلمات من‬ ‫م�ؤخرتك.‬ ‫فرد ح�سام: ال �أع��رف عن ماذا تتحدث، قالها وهو ينظر �إىل وجوه‬ ‫َّ‬ ‫الثالثة املرعبة.‬ ‫فقال يوين:‬ ‫- �أجل�سوه على الكر�سي الذي ال يوجد له ظهر واربطوا يديه برجليه‬ ‫من اخللف، ف�س�أعلمه احلديث على �أ�صوله.‬ ‫ -�أ�صبح ظهر ح�سام مقو�س ًا ب�صورة م�ؤذية وك�أنه دائ��رة واح��دة مع‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫64‬
  • 47. ‫اجل�سد، وجل�س خلفه كوبي وهو ي�ضع قدمه على الأ�صفاد امل�شدودة التي‬ ‫قيَّدت القدمني واليدين معاً، و�أخذ ي�ضغط ويقول:‬ ‫�أين �ستكون العملية الثانية، مَ ن الهدف القادم، تكلم و�إال جعلناك‬ ‫م�شلوالً.‬ ‫ -ف�أخذ ح�سام بال�صراخ من �شدة الأمل وهو يردد:‬ ‫ال �أعرف �شيئاً، �أق�سم باهلل العظيم �أنني ال �أعرف عن ماذا تتحدثون.‬ ‫فقال له راين: ا�سمع �سيد م�ؤمن، يف هذه الغرفة ال حتلف ب�أحد �أبداً،‬ ‫ومن �أجل ذلك �س�أفتح درج املكتب الآن و�س�أ�ضع اهلل فيه، وال تردد بعدها‬ ‫الق�سم.‬ ‫ -عندها، ا�ستغفر ح�سام يف داخله وقال يا رب، وهو ي�صرخ من �شدة‬ ‫الأمل.‬ ‫ -فتقدم يوين وا�ضع ًا ركبتيه على ركبتي ح�سام و�أخذ ي�ضربه بيده على‬ ‫الع�ضو التنا�سلي ويقول:‬ ‫تكلم و�إال جعلتك عقيم ًا فا�ضطررت �إىل حتويل نف�سك المر�أة، تكلم‬ ‫ْ‬ ‫عن الأ�شخا�ص الذين ي�ستعدون لتنفيذ العملية الآن، من هي ال�شخ�صية‬ ‫البديلة التي تنوون قتلها.‬ ‫ -كان ال�صراخ ميلأ الغرفة حمكمة الإغالق، ومع ذلك ا�ستمر التعذيب‬ ‫على هذه الطريقة، و�أ�ضف �شيئ ًا �آخر عندما وقف راين على بطن ح�سام‬ ‫وهو يقول: حتدث قبل �أن مت��وت، �أنقذ نف�سك و�إخوتك ال�صغار الذين‬ ‫74‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬
  • 48. ‫ينتظرونك بعد موت والديك، هيا �أيها احل�شرة التي �س�أ�سحقها بقدمي،‬ ‫تكلم عن العملية القادمة.‬ ‫ -وفج�أة!! فقد ح�سام الوعي ف�أوقفوا التعذيب قليال ور�شوه ببع�ض املاء‬ ‫ً‬ ‫فا�ستيقظ ثم �أعادوا الكرّة مرات ومرات ويف كل مرة كان ح�سام يطلب‬ ‫احلديث: �س�أتكلم. �س�أتكلم، �أوقفوا التعذيب، �أوقفوا التعذيب.‬ ‫ -وعندما يرتاح للحظات يعاود القول:‬ ‫�إنني ال �أعرف �أحدا وال �أنوي فعل �شيء.‬ ‫ -فينزل الغ�ضب جمددا وبعنف �أق�سى، وت�شتد الأوجاع يف ج�سم ح�سام.‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫يف تلك ال�ساعات الطويلة من الليلة الأوىل، كانت قيادات عليا للدولة‬ ‫تعقد غرفة عمليات يف مركز التحقيق وتتابع جمريات التحقيق مع ح�سام‬ ‫وهناك يف �ساحة االعتقال، وكانت يف �سرعة مع الوقت لأن اجلرنال كان‬ ‫�أرفع �شخ�صية �إ�سرائيلية تقتل على �أيدٍ معادية داخل فل�سطني، كما �أنها‬ ‫تريد تف�صيال �سريع ًا لو�ضعه على طاولة رئي�س الوزراء.‬ ‫ً‬ ‫٭٭٭٭‬ ‫يف �صباح اليوم الأول، دخل امليجر �إىل الغرفة ,و�أب��دى انزعاجه ملا‬ ‫حدث حل�سام قائال:‬ ‫عندما يزهر الربتقال‬ ‫84‬