1. علقات مصر بالجزيرة العربية –قديما – إعداد : انتصار غريب
آثار مكتشفة فى السعودية فى ثمانينات القرن العشرين ،قامت بها
جامعة الرياض فى تيماء و الفاو ، تثبت :
العلقات بين مصر الفرعونية ، و وسط و شمال الجزيرة العربية :
- تم الكشف عن نقوش نبطية على صخور سيناء تثبت وجود علقات
بين مصر و شمال الجزيرة و هناك ما يؤكد العلقات بين مصر و
الجزيرة العربية من خلل شواهد و تأثيرات للحضارة المصرية بهذه
المناطق :
أول: التأثير المصرى فى آثار تيماء :
تقع تيماء فى شمال غرب الجزيرة العربية ، و قد عثر بها عاى نص باسم قصيدة نبونيد )
و هو ملك بابلى كانت تيماء تحت سيطرته ( ، و قد كتب هذا النص أحد معارضى هذا الملك
، و يسجل هذا النص قيام نبونيد ) ( Nabonidusفى تيماء باستقبال وفد الصلح الذى
بعث به ملك مصر أمازيس الثانى ) ، (Amosis IIخلل السرة السادسة و العشرين
الفرعونية 075 – 625 قبل الميلد ، و من ثم فقد تمكن هذا الملك من إحلل السلم و
إعادة العلقات الودية مع مصر بعد لن أتصفت منذ عدة قرون بالحرب و العداء .
و كان لتردد المصريين على تيماء و اتصال أهل تيماء بمصر الفضل فى ظهور اسماء
مصرية فى تيماء ، فورد على الوجه المخصص للكتابة الرامية على مسلة فى تيماء
تتحدث عن قيام كاهن يدعى ) (Pet-Osirisبت أوزيريس ) عطية أوزيريس ( بإدخال
عبادة صنم جديد إلى تيماء هو ) صلم هجم ( .
و يرى الباحثون أن هذا الكاهن قد أشتق اسم أبيه من المعبود المصرى اوزيريس ، و بت
أوزير يقابلها فى مصر الفرعونية ) بادى أوزير( ـ
آثار مصرية خالصة فى تيماء :
وجد فى تيماء كتلة حجرية مكعبة عثر عليها بين بقايا ) قصر الحمراء ( على أحد جانبيها
نقش عليه رأس ثور يحمل بين قرنيه قرص الشمس .
و على الجانب الخر ، نقش إطار عليه زخارف فى شكل زهرة اللوتس ، و فى المنتصف
إطار عليه النحت لثور يتجه إلى اليسار يحمل بين قرنيه قرص الشمس ، و أمامه سيدة
تقدم الطعام للثور ، و أعلى الثور قرص شمس مجنح .
و من المعروف أن الثور و قرص الشمس و الشمس المجنحة هى من الرموز المعروفة
فى الحضارة المصرية و المرتبطة باللهة المصرية القديمة .
و وجود هذه الثاء بتيماء يدل على وجود مراكز لعبادة اللهة المصرية بهذه المناطق أو
وجود جالية مصرية كانت تعيش بها .
و ل يمكن لهذه المظاهر ان تكون قد ظهرت فى تيماء بشكل مفاجىء أو فى زمن قصير
خلل القرن السادس و الخامس قبل الميلد فقط ، بل إنها قد تكون نتاج تاريخ أطول من
العلقات و التصالت بين مصر و تيماء عبر عصور أقدم .
2. ثانيا : علقة مصر بدولة لحيان :
فى حوالى القرن الخامس قبل الميلد تغير اسم دولة ددان إلى ) لحيان ( ، و
كان مقرها فى )واحة العل ( بضم العين ، قرب وادى القرى إلى الشمال الغربى
من المدينة المنورة بنحو 823 كيلو متر .
و قد توثقت و أتسعت علقات لحيان بجيرانها بحيث وجدت فى لحيان ، بضعة
تماثيل بالسلوب المصرى القديم ، عثر على بعضها فى الخريبة المجاورة
للعل ، و يرجع تاريخها إلى ما بعد القرن الخامس قبل الميلد ، و يبدو أن
أصحابها كانوا من حكام لحيان او أثريائها ، و قد اعجبوا بأمثالها فى مصر
فأنتدبوا فنانين مصريين ، قاموا بنحتها من الصخر المحلى فى منطقة الخريبة ،
جمعوا فيها بين تقاليد الفن المصرى فى جسم التمثال و بين ملمح و أغطية
الرأس اللحيانية ، فى الرأس و الوجه .
و توثقت هذه العلقة بين لحيان و مصر فى عصر البطالمة ، و يبدو أنه
قامت مفاوضات بينهما فى عهد بطلميوس الثانى فى أوائل القرن الثالث قبل
الميلد ، لخروج المتجر الواصلة إلى لحيان برا و بحرا بطريق مباشر من
ساحلها إلى إحدى الموانىء المصرية المقابلة لها على الساحل الغربى للبحر
الحمر ، و لهذا يقل وصول هذه المتاجر إلى خصوم الطرفين من النباط و
السليوقين فى جنوب بلد الشام .
ثأثيرات مصرية فى مكتشفات بمدينة الفاو :
تبعد قرية ) الفاو ( حوالى 007 كيلو متر إلى الجنوب الغربى من مدينة
الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ، و تعرف كذلك باسم ) قرية ( .
و كانت الفاو تقع على الطريق التجارى الذى يربط بين جنوبى الجزيرة العربية
و شمالها الشرقى ، حيث كانت تبدأ من ممالك ) سبأ و معين و قتبان و
حضرموت و حمير ( متجهة إلى نجران ، و منها إلى الفاو ) قرية ( ، و منها
إلى الفلج فاليمامة ثم تتجه شرقا إلى الخليج العربى و شمال إلى وادى
الرافدين و بلد الشام . و هة بذلك تعتبر مركز تجاريا و أقتصاديا هاما فى وسط
الجزيرة العربية .
و من أبرز ما عثر عليه فى الفاو ) قرية ( ، التمثال الرائع الذى عثر عليه
فى معبد تم أكتشافه فى الفاو ، و هو من البرونز لطفل مجنح على رأسه التاج
المصرى المزدوج و يمسك بيده اليسرى قرن الخير به عنفود عنب مقربا
سبابته بيده اليمنى من فمه و تتدلى خصله من شعره على جانب رأسه .
و هذه الملمح كلها هى للطفل ) هاربوكراتيس ( أو حورس با غرد ) حورس
الطفل ( ، ابن اللهة إيزيس فى أسلوب هلينستى و رومانى ، و لكن أعيدت
الصياغة هنا حيث تتدلى على صدر الطفل دلية تميزت بها التماثيل البرونزية
التى أكتشفت فى جنوب الجزيرة العربية ؟
3. و يكثر وجود الطفل المجنح أو المخلوقات الدمية المجنحة فى أنحاء العالم
القديم منذ مطلع اللف الثانى قبل الميلد ، و خصوصا فى منطقة الشرق الدنى
القديم ،و هى ذات طابع دينى أسطورى ، و أستمر ظهور الطفل المجنح إلى ما
بعد القرن الول الميلدى و بكثرة .
و لكن تمثال طفل ) الفاو ( يختلف عما يماثله حيث أضيفت عليه الرموز
المختلفة التى أدمجها فنان الفاو مع بعضها فى إنسجام و توافق و بحيث
أستطاع أن يخرج لنا تحفة فنية لم تقع أعيننا على مثيل لها ، فالتاج المزدوج و
هو المكون من تاج مصر العليا البيض و تاج مصر السفلى الحمر ، و كان
يتديه الملك فى مصر القديمة .
كذلك عثر فى فى أطل ل معبد فى الفاو على تمثال من البرونز لشخص
جالس على ساقيه و هما منثنياتان إلى الخلف و يده ممدودتان فوق فخذيه ، و
يبدو فى وضع خشوع و تعبد و يوحى هذا التمثال بمظهره العالم بأنه متأثر
بالفن الفرعونى ، و لكننا لحظنا أن أصابع اليدى فى التماثيل الفرعونية
الجالسه تنتهى بنهاية الركبة ، بينما تنتهى أصابع هذا التمثال بنهاية عضلة
الفخذ و ل تصل إلى النهاية ، و يبدو التأثير الفرعونى واضحا – أيضا – فيما
يعلو رأسه و يغطيها ، و فى الخطوط المتوازية لتبدو على الزار الذى يتأزر
به .
و من المعروف أن أبا النبياء إبراهيم –عليه السلم – قد جاء إلى مصر فى
فترة من الفترات – إحتار العلماء فى تحديدها بالضبط ، و قد تزوج إحدى
المصريات و هى السيدة هاجر و التى أنجبت له ابنه إسماعيل –عليه السلم –
و من نسله جاء العدنانيون الذين أتى من نسلهم محمد صلى ال عليه و سلم .
-
كذلك من المعروف أن مصر ، كانت تصدر المنسوجات الكتانية لبلد العرب فى
العصور القديمة و حتى بعد ظهور السلم .
و كان العرب يطلقون على العباءات التى يرتدونها ، و هى من قماش مصر
اسم ) قباطى ( نسبة إلى القباط أى المصريين .
- و يذكر أن الرسول – صلى ال عليه و سلم – كانت لديه قبطية ) أى عباءة
من نسيج مصر ( ، و هكذا أصبحت كلمة قبطية مرادفة لكلمة عباءة و جمعها
قباطى .
- و ل نستطيع أن ننسى جميعا وصية الرسول للعرب ، بأن يحسنوا للقبط أى
المصريين ، لن لهم فيهم ) رحما و نسبا ( ، و الرحم يقصد به السيدة هاجر أم
4. إسماعيل –عليه السلم – و النسب يقصد به السيدة مارية القبطية ،زوج
الرسول و أم ولده إبراهيم .
ثالثا : العلقات المتبادلة بين مصر و اليمن )جنوب الجزيرة العربية(:
ربطت مصر و اليمن علقات تجارية ترتب عليها تبادل للثقافات و التأثيرات
الفنية نظرا لستيراد البخور و العطور للمعابد المصرية من بلد اليمن التى
أطلق عليها المصريون القدماء اسم بلد بونت و كانوا يطلقون عليها ) تانتر (
بمعنى أرض الله ، و ربما هذا أعتزازهم بهذه المناطق بشكل خاص .
و من أدلة هذه العلقات :
- ذكر اسم مصر فى نقش فى معين محفور على سور مدينة براقش باليمن
، دونه رجلن هما )عم صدق ( ابن عم هثت و )سعد بن والج ( و قد كانا
كبيرين على المصرية ) مصرن ( و على معين المصرية ) معين مصرن ( ، و
هو السم المصرى لمستوطنة معينية ، و قد أمرا بتدوين هذا النقش شكرا
لمعبودات معينية لنها أنقذت القافلة التجارية من الوقوع فى أيدى الغزاة ، و
يرجع النص إلى القرن الرابع قبل الميلد ) 343 قبل الميلد ( .
عثر كذلك على كتابات معينية على صخور وادى الحمامات و وادى عباد -
بسيناء ، و ترجع بعض هذه النقوش إلى عصر قمبيز ) السرة 62 ( عندما
غزا مصر ، و بعضها يرجع للعصر البطلمى .
كما عثر فى اليمن على قطع أثرية مصرية منها جعران يحمل اسم الملك -
)امنحتب الثالث ( ، و جعران أخر عليه نقش صقر و قرص الشمس و
لوحة صغيرة و تميمة زرقاء للمعبود ) بس ( ، ترجع للسرة السادسة و
العشرين و السرة التاسعة و العشرين .
عثر على عدد من المباخر عليها نقوش و رموز مصرية وكذلك مجموعة -
من التماثيل و موائد القرابين و لوحات تذكارية و أحواض للتطهير و
الغتسال فى المعابد لها تأثير الفن المصرى .
عثر على نقوش سبئية محفورة على صخور الصحراء الشرقية فى مصر . -
تفيد النقوش الفرعونية أن الملكة حتشبسوت ، أرسلت فى القرن الخامس -
عشر قبل الميلد ، بعثة إلى بلد بونت بحثا عن البخور و يبدو أن بلد
بونت المذكورة هى جنوب اليمن و ساحل الصومال ، لنها كانت فى عهد
هيرودس فى لقرن الول الميلدى ، كانت المنطقة الوحيدة فى العالم أجمع
التى تنمو فيها شجرة القاصيا ) البلسم ( ، التى تنتج اللبان البيض الزكى
الرائحة و ذو المنافع العديدة الذى يطلق عليه الفرنسيون اسم الصمغ
العربى ، و هو الذى أعتبره المصريون القدماء عنصرا هاما لممارسة
طقوسهم الدينية حيث كانوا يحرقونه فى هياكلهم العظيمة و فى تحنيط
موتاهم و نعتوه بعطر اللهة .
5. و لبد كما رأينا أن الفراعنة كانوا منذ ألف السنين على أتصال ببلدان جنوب
الجزيرة العربية للحصول على اللبان و المر و الطيور النادرة و الخشاب ذات
الروائح العطرية ، التى كانت جبال شرق اليمن من اهم مصادرها ، إن لم تكن
المصدر الوحد لها ، و كذلك للحصول على الذهب من أطراف الربع الخالى .
و لما كان التصال بين مصر و بلد بونت أى جنوب الجزيرة العربية و
الصومال ، يتم بواسطة السفن ، و لتيسير هذه المواصلت لجأ الفراعنة إلى
شق قناة تربط النيل بالبحر الحمر و منه تنتقل السفن إلى جنوب جزيرة
العرب .
و هكذا عمل المصريون القدماءعلى تقريب مواصلتهم مع بلدان سواحل
المحيط الهندى ، و أهمها ما كان يحتوى على اللبان و المر و الذهب ، و ذلك
بشق قناة بحرية فى السرة الثانية عشرة ، بين عامى 0002 و 8871 قبل
الميلد ، أى قبل وصول الجمل للجزسرة العربية بأكثر من 007 سنة .
كما أخبرنا المؤرخون بأن قناة الفراعنة قد طمست فى وقت ما ثم أعاد
البطالمة قتحها ، و كان موقعها بلبيس الحالية ، ثم طمست مرة أخرى إلى أن
أعاد الخلفاء المسلمون فتحها و أطلقوا عليها اسم خليج أمير المؤمنين ، نسبة
للخليفة العادل عمر بن الخطاب 246 م .
- و أنا شخصيا أرى أن من أهم أسباب إهتمام المصريين القدماء ببلد
بونت ، ليس الحصول على البضائع السابق ذكرها فقط و لكن السبب الهم
فى تقديرى هو أن يكونوا قريبين دائما من منابع النيل فى الحبشة – نظرا
للتقارب المكانى بين هذه البلد و منابع النيل فى الحبشة .
المراجع :
- د. حامد إبراهيم أبو درك : مقدمة عن آثار تيماء ، الرياض 6891
م.
- د. رمضان عبده على : تاريخ الشرق الدنى القديم و حضارته منذ
فجر التاريخ حتى مجىء حملة السكندر الكبر ، الجزء الثالث ،
القاهرة 1002 ، ص 393 – 493 .
د. عدنان ترسيسى : بلد سبأ و حضارات العرب الولى ) العربية
السعيدة ( ، دار الفكر المعاصر- بيروت ، 0991 م ، ص 51 .
- د . عبد العزيز صالح: تاريخ الجزيرة العربية فى عصورها القديمة
، القاهرة 8891 م ، ص 951 و ص 061 .
6. - عبد الرحمن النصارى : قرية ) الفاو ( ، صورة للحضارة العربية
قبل السلم فى المملكة العربية السعودية ، جامعة الرياض
2891 م ، ص 62
حوربقراطيس