SlideShare a Scribd company logo
1 of 33
‫هذا بيان للناس..‬
                                                                       ‫حديث النبي من التأريخ وليس من الدين‬

                                                                                               ‫عصام القيسي‬

‫" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليال, فويل لهم مما كتبت أيديهم, و‬
                             ‫ ,ً  ,ً‬
                                                                           ‫ويل لهم مما يكسبون " البقرة :97‬



‫هذا حديث قديم عند صاحبه, أجله مرارا, لبسباب شتى, زال بعضها, و مازال الرخر باقيا. و ما أود أن يعرفه القارئ‬
                           ‫ ,ً‬                                        ‫ ,ً‬     ‫لّ‬
‫هو أن هذا الحديث لم يكن وليد نزوة فكرية أو طيش صبياني, و إنما هو ثمرة من ثمرات رحلة طويلة من القراءة و‬
                                 ‫ ِ‬
       ‫البحث و التفكر, صرف فيها كاتب هذه السطور أنفس أيامه, و شلغل بها عن تحقيق كثير من أحالمه, حبا في‬
           ‫ ,ً‬                                   ‫غُ‬
       ‫المعرفة, كل المعرفة, و رغبة في تحمل المسؤولية المقدرة له تجاه عقيدته و كيانه الجمعي, مهما كانت تلك‬
 ‫المسؤولية محدودة الثر. و إن كان لم يعط هذا المبحث على وجه التحديد إل فضول أوقاته لنشلغاله بما هو دونه!.‬



    ‫أقول هذا لن كثيرا من أصحاب العطالة الذهنية و الفقر المعرفي _ و هم في حياتنا أكثر من الهم على القلب _‬
                                                                                         ‫ ,ً‬
       ‫يتصورون أننا نقول ما نقول, ونكتب ما نكتب, لننا لم نجد ما نفعل, أو لتحقيق شهوة الظهور والتميز, التي‬
‫يجدونها في أنفسهم ثم ل يجدون إلى تحقيقها بسبيال!. و قد يقف أحدهم أمامك وعقله فراغ تصفر فيه الريح ليصفك‬
‫بالجهل وقلة المعرفة!, ثم ل ينسى أن يتفضل عليك ببعض النصح, تقوم به اعوجاجك, و تسدد به رخطاك, و كان ال‬
                                         ‫لّ‬
  ‫في عونك إذا قررت أن تحاوره بمنطق العلم و العقل, و هو الذي تنشأ على مبدأ " حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا"‬
   ‫المائدة:401. وتلقى معارفه على طريقة "بسلم الجر ". فالمعارف لدينا تنتقل من جيل إلى جيل بنفس الطريقة‬
                                                                ‫لّ‬
‫التي تنتقل بها جنائز الموتى من كتف إلى كتف, دون أن يكلف أحد نفسه عناء التأكد مما إذا كان هذا المحمول على‬
                                                                          ‫كتفه ميتا حقا, أم حمولة مخدرات!.‬
                                                                                              ‫ ,ً  ,ً‬



         ‫لكن من أين نبدأ هذا الحديث, وكل أبوابه مللغومة, إن نجونا من أحدها لن ننجو من الرخرى؟!. هل نبدأ من‬
‫المشكالت التي تسببت بها مقولة )حجية الحديث( في مختلف وجوه حياتنا؟! .. هل نبدأ من الدلة الواضحة في عدم‬
‫حجية أي حديث غير حديث القرآن الكريم " ومن أصدق من ال حديثا " النساء 78, و أنه وحده كلمة ال الرخيرة,‬
     ‫و الخالدة؟! " فبأي حديث بعده يؤمنون " المربسالت 05 .. أم نبدأ من الدوافع و العلل الولى التي كانت وراء‬
  ‫تأبسيس مبدأ الحجية هذا, الذي جعل من كالم البشر دينا يزاحم كالم ال, و يصد عن بسبيل ال؟!. لعل من المنابسب‬
                                                         ‫ ,ً‬                             ‫لّ‬
  ‫أن نبدأ من ذلك السؤال الذي يطرحه البعض على كاتب هذه السطور في بسياق البستنكار, و يقول: لماذا تجعل من‬
    ‫مسألة )حجية الحديث( قضية ذات أولوية في نشاطك الفكري؟ لماذا ل تنشلغل بحال أمتك اليوم و ما هي فيه من‬
                                      ‫الضياع و الهزيمة, بدل من إضافة مشكلة جديدة إلى مشكالتها المزمنة؟!.‬
                                                                                     ‫ ,ً‬



  ‫وعلى ما في هذا السؤال من وجاهة ظاهرية إل أنه في باطنه ينطوي على بسذاجة تثير في نفسي مزيدا من القلق‬
              ‫ ,ً‬
  ‫على مستقبلنا !., فالسائل عادة ل يعلم أن مشكالت الواقع _ واقع الفرد أو الجماعة _ في نصيبها الكبر _ ما هي‬
 ‫إل ترجمة لمشكالت العقل والثقافة, إذ ل يجوز _ في حكم العقل والنقل _ أن يكون الجسم بسقيما عندما يكون العقل‬
                    ‫ ,ً‬
    ‫بسليما. إل إذا كان الجهل نورا والعلم ظالما !. وعقل الجماعة_أو الفرد_ هو ثقافتها الفاعلة التي تحدد رؤيتها,‬
                                                                   ‫ ,ً‬          ‫ ,ً‬
       ‫ومبادئها, ونظام تفكيرها. فإذا صلحت الثقافة صلح العقل, وإذا صلح العقل صلح الواقع, في جدلية من التأثير‬
 ‫والتأثر معروفة. وعليه فإن رخلل الواقع المنظور والمحسوس هو تهمة صريحة لحالة العقل والثقافة. وهذا ل يعني‬
‫أن الثقافة بمعانيها الوابسعة التي تشمل العقل هي العامل الوحيد في تشكيل حياتنا, وإنما هي العامل الكثر حسما,‬
   ‫ ,ً‬
                         ‫والكثر تفسيرا لمشكالت الواقع الفردي والجمعي. فماذا في ثقافتنا يحتاج إلى إصال؟ح؟!‬
                                                                                             ‫ ,ً‬



    ‫الحقيقة أن مفهوم الثقافة أشبه ما يكون بمجرة وابسعة من العناصر الذهنية والنفسية الموروثة والمكتسبة, التي‬
                              ‫لّ‬
‫يصعب الحاطة بها.. إنها في أوبسع تعريف لها: ما يتبقى في الذاكرة بعد نسيان كل شيء!. إل أن مركز هذه المجرة‬
  ‫الذي يستقطب أجرامها ويحدد مسارها هو )الدين(, ممثال عندنا في )البسالم( على وجه التحديد. و أي رخلل يصيب‬
                                                        ‫ ,ً‬
 ‫هذا المركز ل بد أن تتبعه مظاهر كثيرة من الخلل في مختلف الطراف. وعليه فإن أية محاولة للصال؟ح والتحول ل‬
  ‫تبدأ من المركز تكتب على نفسها الفشل من اللحظة الولى!. فماذا في ديننا يحتاج إلى إصال؟ح؟. وأعني بالدين هنا‬
   ‫تلك المنظومة العقدية, والروحية, والتشريعية, المكونة من النص الديني المنزل على الربسول )ص( وما ألحق به‬
   ‫من نصوص إضافية على أيدي المسلمين بعد ذلك كما هي عادة أهل الكتاب!, و ما نشأ بين العقل البسالمي و بين‬
‫هذه النصوص من تفاعل تحت راية )الجتهاد( في مئات السنين الماضية. كما بسيتبين لنا في نهاية المطاف من هذا‬
                                                                                                     ‫البيان.‬



   ‫إن هذا البيان يحاول الكشف عن حقيقة ناصعة البياض, ظلت تحت الردم مئات السنين, تتنفس نعم, و لكن ل ترى‬
       ‫الشمس!, حقيقة كانت من البدهيات في أزمنتها الولى, و هي الن غريبة غربة الحق في غير زمنه, فطوبى‬
 ‫لللغرباء!. حقيقة ل تحتاج إلى كثير علم بقدر ما تحتاج إلى كثير صدق مع ال و النفس, و إلى كثير شجاعة للصدع‬
‫بها في وجه مجتمعات كالحة الظلمة, جهال, و نفاقا, و ابستبدادا. حقيقة تقول إن ال تعالى لم يخاطب المسلمين بلغير‬
                                                   ‫ ,ً‬       ‫ ,ً‬      ‫ ,ً‬
 ‫القرآن الكريم, و أن ما يسمى بالحديث النبوي الشريف ليس جزءا من دين ال الذي كلف الربسول )ص( بإبالغه و‬
                                             ‫ ,ً‬
        ‫النذار به, و إنما هو جزء من تاريخ النبوة ) السيرة النبوية ( صدر عن النبي )ص( بحكم العادة والجتهاد‬
                                                                         ‫لّ‬
 ‫البشريين ل بحكم الربسالة والتبليغ!. حقيقة تقول إن المسلمين _ بوعي أو بدون وعي _ قد انقلبوا على البسالم!,‬
     ‫و أن قطارهم المظفر ما توقف عن المضي قدما إل لنه رخرج عن مساره الذي حدده الصانع الحكيم, فتحطم من‬
                                                                 ‫ ,ً‬
  ‫عرباته ما تحطم, و تاه منها ما تاه في وديان الوهم و الجهالة!.حقيقة صادمة نعم, لكنها لزمة لهل الكهف, كهف‬
   ‫التخلف, الذين يعبون من ) نهر الجنون (, و هم يحسبون أنهم عقالء, و أن المجنون هو ذلك الذي تجنب الشرب‬
       ‫من نهرهم, و وقف بعيدا ينذرهم, و هيهات أن يعقلوا, أو يلغادروا كهفهم, و قد تعودوا على الظلمة, و تعودت‬
                                                                                      ‫ ,ً‬
                                                 ‫عليهم, حتى ل تقوى عيونهم على احتمال ضوء النهار رخارجه!.‬



‫و هي _ بالمنابسبة _ ليست الحقيقة الوحيدة التي دثرها تراب الجتهاد العشى, فإلى جانبها_ تحت الردم _ حقائق‬
   ‫أرخرى كثيرة, ل نرى بعضها, و إن كنا نسمع أنينها, و ذكرنا بعضا منها في مقالت بسابقات لم تجد فرصة للنشر‬
                                               ‫ ,ً‬
 ‫على صفحات الجرائد, و نشرت على مواقع الكترونية, مثل ذلك المقال الذي عنونته ) في الطريق إلى الخالص ..‬
          ‫هل انقلب المسلمون على البسالم ؟!( و عددت فيه مظاهر انقالب المسلمين على البسالم, بعد ذهاب جيل‬
 ‫)الصحابة(, و من تلك المظاهر: اغتيال بسنة صالة الجماعة للنساء في المسجد الجامع مع الرجال, كما كان الحال‬
 ‫في زمن النبي )ص( و زمن الراشدين , و اغتيال مبدأ )الشورى( في ولية المر, على يد معاوية بن أبي بسفيان,‬
   ‫الذي أبسس لنظام الملك و الوراثة و البستبداد, و منها فضيحة )الغتصاب( الكبير الذي ماربسه المسلمون بابسم‬
  ‫)الفتح( البسالمي لنساء البالد المفتوحة, بعد تحويلهن و رجالهن من أبسرى حرب إلى رقيق, يباع و يشترى في‬
    ‫أبسواق النخابسة, كما تباع الحذية و النعام, و كل ذلك بابسم البسالم, و " ما ملكت أيمانكم " ! و دون أي بسند‬
    ‫شرعي يبرر هذه الفضيحة, ضاربين عرض الحائط بكل النصوص القرآنية الداعية إلى إكرام النسان, و إكرام‬
       ‫البسير على وجه الخصوص, و التي تحدد مصير أبسرى الحرب في طريقين اثنين ل ثالث لهما: المن عليهم‬
                                                     ‫بالحرية, أو بالفداء: " فإما منا بعد و إما فداء " محمد:4‬
                                                                               ‫ ,ً‬
‫ومنها ارختراع )عقوبة الرجم( للزاني المحصن, دون دليل قطعي, و هو من العقوبات الشديدة التي كتبت على بني‬
 ‫إبسرائيل في بسياق تربيتهم و تأديبهم ,للعلل النفسية والخلقية التي تلبست بهم. مثل تلك العقوبة الشديدة التي ذكرها‬
          ‫القرآن الكريم في التكفير عن ذنب من ذنوبهم, قال تعالى " وإذ قال موبسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم‬
      ‫باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم رخير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"‬
        ‫البقرة 45. و يعتقد أنها تسربت إلى تراثنا الديني مع ما تسرب من إبسرائيليات عن طريق بعض اليهود الذين‬
   ‫أبسلموا قبل وبعد انقطاع الوحي. مثل كعب الحبار و وهب بن منبه وغيرهما )أنظر بسفر التثنية. الصحاحين 22-‬
‫32 (!. و كذلك ارختراع )حد الردة( لمن شاء تبديل عقيدته!, بالرغم من اليات الواضحات في حرية الفكر, والعتقاد,‬
 ‫والجدل مع المخالف بالتي هي أحسن, وبالرغم من إغفال القرآن الكريم لية عقوبة دنيوية لخطيئة الردة!, وبالرغم‬
   ‫من كل الدلة المعارضة لهذه العقوبة القابسية. وغير ذلك كثير من المقولت الجتهادية والدرخولت اليهودية التي‬
  ‫صارت عند الناس مسلمات ل يمكن تجاوزها, أو مناقشتها, مهما كان منطق الضعف فيها باديا, ومهما كان بنيانها‬
                     ‫ ,ً‬
                                                                    ‫متهاويا!. وليس هذا مجال بحثها و تفصيلها.‬
                                                                                                        ‫ ,ً‬



 ‫إنني أضع هذا البيان بين أيدي الباحثين المخلصين لعقيدتهم و أمتهم, وأعلقه بجوار آذانهم ناقوس رخطر, و أرخشى‬
    ‫عليه من طيش الصبيان, وحمق المقلدين, و ما أكثرهم في زماننا و أشد نكايتهم, و لكن ال غالب على أمره, إذا‬
             ‫شاء جعل النار بردا و بسالما!. و السؤال الذي يفرض نفسه الن هو: إلى أي شيء نستند في هذا العتقاد,‬
                                                                                      ‫ ,ً‬     ‫ ,ً‬
      ‫العتقاد بوحدانية كالم ال, و عدم حجية أي حديث غير حديثه في القرآن الكريم, و قبل المضي في الجابة عن‬
            ‫السؤال أود ابتداء تحديد مفهوم ) الحديث ( كما أعنيه في هذا البيان, لزالة أي لبس قد يقع فيه القارئ غير‬
                                                                                                      ‫ ,ً‬
     ‫المتخصص. و الحديث الذي أعنيه هو هذه الروايات المدونة في كتب الحديث, والمنسوبة إلى النبي )ص( حينا,‬
      ‫ ,ً‬
‫وإلى صحابته حينا آرخر, وهذا ل يعني _ بالضرورة _ أن قائلها هو النبي )ص( يقينا, أو صحابي من صحابته, إذ قد‬
                                   ‫ ,ً‬                                                            ‫ ,ً‬
          ‫تكون من الكاذيب المنسوبة إليهم, وإن صح بسندها. فصحة السند وحدها ل تكفي لتأكيد نسبتها إلى الشخص‬
  ‫المعين. لن صحة السند تعني عند المحدثين أن عددا من الشروط التي وضعوها قد توفرت في الرواية. إل أن هذه‬
                                                               ‫ ,ً‬
          ‫الشروط نفسها وإن تحققت ل تضمن نسبة القول إلى صاحبه يقينا, فكم من حديث صح بسنده وبطل متنه, وما‬
                                                 ‫ ,ً‬
  ‫أحاديث القراءات الشاذة إل مثال شرودا على ذلك!, و هذا ما يؤكده علماء الحديث أيضا. و قد نقلنا ما قاله في هذا‬
                               ‫ ,ً‬                                         ‫ ,ً‬    ‫ ,ً‬
‫الباب ابن الصال؟ح في مقدمته الشهيرة, في محله من هذا البيان. و أما الن فإلى مستنداتنا في القول ببشرية الحديث‬
                     ‫النبوي, واعتباره جزءا من تاريخ النبوة ل جزءا من الوحي المقدس المتصف باللزام والديمومة.‬
                                                                   ‫ ,ً‬                    ‫ ,ً‬



                                                                                                              ‫1‬



   ‫أول: لما ثبت يقينا في القرآن الكريم من أن النبي عليه الصالة و السالم لم يكن في كل حالته ينطق, أو يتصرف‬
                                                                                                       ‫ ,ً‬
    ‫عن وحي من ال, و إنما عن عادة و اجتهاد بشريين, و بهذا قال أئمة العلم و محققوه, و شواهده في القرآن و‬
‫السيرة ل تحصى, من نحو قوله تعالى في عتاب النبي )ص( و التصويب له:"عفا ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين‬
 ‫لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " التوبة 34, و قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتلغي مرضاة‬
   ‫أزواجك وال غفور رحيم" التحريم 1 , و قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أبسرى حتى يثخن في الرض,‬
‫تريدون عرض الدنيا و ال يريد الرخرة, و ال عزيز حكيم, لول كتاب من ال بسبق لمسكم فيما أرخذتم عذاب عظيم"‬
   ‫النفال 86, و قوله تعالى:" عبس و تولى أن جاءه العمى, و ما يدريك لعله يزكى...وأما من جاءك يسعى وهو‬
                                                                      ‫يخشى فأنت عنه تلهى " عبس 1-01 .‬
‫فقد دلت هذه الشواهد و غيرها في الكتاب و السيرة على أن النبي )ص( كان يمارس الجتهاد في الدعوة إلى ال,‬
‫و في تطبيق الشريعة, و في إدارة شئون جماعته, باعتباره أول المكلفين بتدبر القرآن و ابستنباط أحكامه. و كان في‬
‫اجتهاده يصيب أحيانا و يخطئ أرخرى, فيصحح له الوحي أحيانا كما يصحح للمسلمين في زمن الوحي إذا أرخطأوا و‬
                                                   ‫ ,ً‬
 ‫قصروا !. يقول الدكتور عبد المنعم النمر: و قد شرف الجتهاد, و رفع من منزلته, و أعطاه دفعة قوية, أن الربسول‬
                                                              ‫لّ‬                                         ‫لّ‬
‫عليه الصالة و السالم, باشره في تنفيذ بعض النصوص, و في بعض أمور الحياة لعطائها حكما شرعيا لم ينزل فيه‬
 ‫وحي... و أراني في حاجة إلى وقفة مع اجتهاد الربسول صلى ال عليه و بسلم فوق ما بسبق أن ذكرته تحت عنوان:‬
‫" هل هي عن وحي " لني أحسست من موقف بعض العلماء هنا, و في الملتقى الفكري السابع عشر بالجزائر بسنة‬
 ‫3891م الذي رخصص لبحث الجتهاد, أحسست أنهم يجفلون من وصف الربسول بأنه يجتهد, و يعتبرون ذلك تطاول‬
‫على الربسول الذي تصفه آية النجم بأنه " ما ينطق عن الهوى " و بسيطرت هذه الية على نفوبسهم, فجعلوها عامة‬
   ‫في كل نطق ينطق به الربسول و هو رخطأ...لقد اضطررت في تعليق لي على بعض ما بسمعته في هذا الملتقى, إلى‬
 ‫أن أذكر إرخواني الوجلين من كلمة " اجتهاد الربسول " بأن هذه حقيقة علمية و واقعية تعرض لثباتها و القول بها‬
    ‫أغلب أئمتنا و علمائنا على مر القرون حتى الن, و إن هذه الحقيقة تدرس لطالبنا و تتحدث عنها الكتب المقررة‬
   ‫عليهم, و كل الكتب التي تتحدث في أصول الفقه و تاريخه, فال يليق بعلمائتا أن يقفوا منها هذا الموقف الذي ينبئ‬
 ‫إما عن عدم علم بالحقائق التشريعية, أو عن رخوف من التحدث بها و إقرارها... و تأبسفت أن يكون هذا حال علماء‬
                                                        ‫حضروا لبحث موضوع " الجتهاد". )الجتهاد: 18/87(.‬



 ‫وهذا يضعنا لزاما أمام بسؤال مهم هو: كيف يمكننا التمييز بين ما يصدر عن النبي )ص( من وحي إلهي وما يصدر‬
    ‫عنه من اجتهاد بشري, تمييزا حابسما يمنع درخول البشري في دائرة المقدس الديني و العكس؟! الحقيقة أنه ل‬
                                                     ‫لّ‬                 ‫ ,ً‬             ‫ ,ً‬
     ‫يوجد أي نص في الكتاب أو في تراثنا الفقهي _ حسب علمي _ يضع لنا معايير حابسمة و حدودا فاصلة بين ما‬
                  ‫ ,ً‬
     ‫يصدر عن محمد )ص( بحكم العادة و الجتهاد و ما يصدر عنه بحكم الوحي. مع أن المر في غاية الخطورة و‬
 ‫الهمية!, إذ قد يكون ذلك موردا من موارد الشرك, و القول على ال ما لم يقل, وهو من أعظم المحرمات التي حذر‬
                                                                                    ‫ ,ً‬
    ‫منها القرآن الكريم قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن, والثم والبلغي بلغير الحق وأن‬
       ‫تشركوا بال ما لم ينزل به بسلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون. العراف 33. و إغفال الوحي للمعايير‬
                                                                            ‫ ,ً‬
     ‫الفاصلة بين ما يصدر عن النبي في هاتين الحالتين يشير بوضو؟ح إلى كون هذه المسألة من الوضو؟ح بحيث ل‬
  ‫تحتاج إلى ذكر!.وأن جهدا بسيطا من التدبر في القرآن الكريم وفي أحوال النبي العظيم كاف للفصل بين الموردين,‬
                                                                                ‫ ,ً‬         ‫ ,ً‬
                        ‫وهذا ما بسنقوم به في هذا البيان على وجه الجمال والبستعجال غير المخلين, إن شاء ال.‬



‫فلقد دل البستقراء و البستنباط في القرآن الكريم على أن لمحمد )ص( مقامات عدة يتصرف فيها, عدها بعضهم أكثر‬
      ‫من )11 ( مقاما, إل أن اللغزالي و القرافي وابن عاشور و غيرهم ممن فطنوا إلى مقامات النبي )ص( قديما لم‬
         ‫ ,ً‬                                                                                ‫ ,ً‬
      ‫يحسنوا تمييزها على أبسس واضحة. وقد تأملت المر فوجدت للنبي )ص( مقامات رخاصة ل تعلق لها بجماعة‬
 ‫المسلمين كمقام الزوجية و ما شابهه, و مقامات أرخرى عامة هي التي تخص المسلمين و تعنينا في هذا السياق, و‬
      ‫قد حصرتها في ثالثة مقامات, على ضوء شواهد القرآن الكريم و مؤيداته من السيرة النبوية, و هذه المقامات‬
  ‫العامة هي: مقام الربسالة, و مقام النبوة, و مقام ولية المر ) وهو فرع عن مقام النبوة (, على نحو من التفصيل‬
                                                                                                    ‫التي:‬



   ‫أول:مقام الربسالة: وهو مقام تبليغ الربسالة ) الكتاب ( قال تعالى: " و ما على الربسول إل البالغ المبين " النور‬
  ‫45. وقال تعالى:" فهل على الربسل إل البالغ المبين" النحل 53, و ل يجوز للربسول الجتهاد في هذا المقام: " و‬
 ‫لو تقول علينا بعض القاويل لرخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين " الحاقة 54-64. و البالغ للغة هو: اليصال‬
               ‫ ,ً‬
        ‫بكفاية. والمبين: الواضح الكاشف. وفي بسياق الية هو: العالن العام للناس كافة, البين في حجيته, المبين‬
‫لمقاصده. قال تعالى: قل إنما أنذركم بالوحي. وحدد هذا الوحي في آية أرخرى بالقرآن دون شيء بسواه, قال تعالى: و‬
‫أوحي إلي هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ" النعام 91.النبياء:54. و هذا النوع من البالغ لم يتحقق إل للقرآن‬
    ‫الكريم وحده باتفاق,, مما يدل على أنه وحده الربسالة المكلف بتبليلغها و أما حديث النبي )ص( فقد كان معظمه‬
  ‫يدور بين النبي )ص( و فرد أو أكثر من الصحابة وغيرهم, في ظروف شتى, أو وصف لهيئة من هيئاته أو لعادة‬
‫من عاداته. و لم يكن النبي )ص( ول الصحابي حريصين على إعالنه للناس كافة, كما بسيتضح لحقا. فضال عن أنه‬
               ‫ ,ً‬
    ‫نقل إلينا بعد ذلك عن طريق آحاد الرواة, بعكس القرآن الكريم الذي وردنا بنقل الكافة عن الكافة, دون حاجة إلى‬
   ‫علوم الرواية والبسناد والرجال!. والحديث بهذا ل يتصف بصفة البالغ المبين التي اتصف بها واشترطها القرآن‬
                                   ‫الكريم في مهمة الربسل, ومن ثم ل يعد من الربسالة التي كلف الربسول بتبليلغها.‬



‫والالفت أن التأويل الرقمي للقرآن الكريم يشير إلى حقيقة كون ربسالة ال هي القرآن وحده!. والتأويل الرقمي قرينة‬
  ‫لطيفة ل يجوز البستهانة بها, و بسيكون لها قدرها بعد نضج مبحث العجاز الرقمي في القرآن الكريم, وصيرورته‬
    ‫إلى علم له حقائقه و فلسفته!. يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه )العجاز العددي للقرآن الكريم(: " لقد ورد ذكر‬
         ‫ربسالة ال بمختلف ألفاظها )01( مرات في القرآن الكريم... و بنفس العدد أي )01( تكرر ذكر بسور القرآن‬
  ‫الكريم ... أي أن ربسالة ال و بسور القرآن قد تساوى عدد مرات ذكرها في القرآن الكريم " أهـ. و هذا التساوي له‬
     ‫دللته عندنا, و عند من آمن بوجود بنية رقمية و عددية معجزة في القرآن الكريم, ل تحتاج إلى عناء في إثبات‬
                                   ‫وجودها, )أنظر مثال: عجيبة الرقم 91. و زوال إبسرائيل. للدكتور بسام جرار(.‬
                                                                                         ‫ ,ً‬



‫وعندما نقول بأن "البسالم" هو "القرآن" وحده ل شريك له, و أن القرآن هو "الوحي" الواجب التباع و ل وحي‬
 ‫بسواه, فإن التأويل الرقمي أيضا يؤيدنا في ذلك حيث تبين أن " عدد مرات ذكر ) الوحي ( ومشتقاته_ فيما يخص‬
                                                                            ‫ ,ً‬
      ‫وحي ال لعباده و ربسله _ )07( مرة هي عدد ذكر ) القرآن ( و مشتقاته, و بنفس العدد أي )07( تكرر لفظ‬
 ‫) البسالم ( و مشتقاته, و" لم يتضمن هذا العدد لفظ ) أأبسلمتم ( الذي ورد مرة واحدة بصيلغة بسؤال ل يفيد تحقق‬
                                                                                  ‫البسالم " كما يقول نوفل.‬



    ‫إذ  ,ً فال يسمى الربسول ربسول )بالمعنى الخاص( إل من زاوية كونه مبللغا لربسالة )كتاب( ل من زاوية كونه نبي‬
                                                                                  ‫ ,ً‬                     ‫ن‬
  ‫يقوم بوظائف النبوة المعتادة, من دعوة للتوحيد و التزكية و الصال؟ح. و هذا ل يعني أنه ليس بنبي, بل هو نبي و‬
        ‫زيادة!, و الزيادة هذه هي )الربسالة( التي منحته صفتها, و إل من زاوية المجاز و التلغليب إذا ذكر النبي مع‬
‫الربسول, نحو قوله تعالى عن موبسى و هارون: فقول إنا ربسول ربك.طه:74. و العربية تلغلب العلى على الدنى, و‬
    ‫المتمكن على غير المتمكن, إذا اجتمعا في الخطاب. و لهذا كان موبسى و عيسى و محمد ربسال, و كان هارون و‬
                     ‫ ,ً‬
   ‫زكريا ويحيى أنبياء فقط. وهذا هو رأي جمهور الصوليين من أهل السنة ) الشاعرة وغيرهم(. وأقول )بالمعنى‬
     ‫الخاص( احترازا من المعنى العام الذي يظهر من بعض اليات القرآنية التي تطلق صفة )الربسول( على بعض‬
                                                                                             ‫ ,ً‬
‫النبياء الذين لم يبعثوا بشريعة رخاصة, وتكتفي أحيانا بإطالق صفة )النبي( على بعض )الربسل( الذين بعثوا بشريعة‬
                                                            ‫ ,ً‬
                                                                                                       ‫رخاصة.‬



  ‫وتأتي الخصوصية هنا من الحقائق التالية: أول: ابستنادا إلى القاعدة الللغوية الشهيرة التي تقول إن الرختالف في‬
                                                           ‫ ,ً‬    ‫ ,ً‬
     ‫المبنى يؤدي إلى ارختالف في المعنى. ومبنى كلمة )ربسول( غير مبنى كلمة )نبي( فلزم ارختالف معناهما. وهذه‬
   ‫القاعدة ل تؤمن بخرافة الترادف الللغوي التي بسقطت على أيدي المحققين من أئمة الللغة. ثانيا: ابستنادا إلى قوله‬
             ‫ ,ً‬       ‫ ,ً‬
 ‫تعالى: وما أربسلنا من قبلك من ربسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. الحج:25. والية تفصل بواو‬
 ‫الملغايرة بين مفهومي الربسول والنبي, كما قال جمهور العلماء.) أنظر: التفسير الكبير للرازي(. ثالثا: ابستنادا إلى‬
     ‫ ,ً‬         ‫ ,ً‬
‫نتائج البستقراء البسلوبي في نص القرآن الكريم: فقد وجد الباحثون أن المر بالطاعة لم يقرن في أي بسياق قرآني‬
‫بلفظ )النبي( وإنما قرن بلفظ )الربسول(. نحو قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الربسول وأولي‬
   ‫المر منكم.النساء:95. وقوله تعالى: وأطيعوا ال وأطيعوا الربسول.المائدة:29. وفي المقابل لم يجدوا أي صيلغة‬
‫عتاب أو تصويب يوجه لمحمد )ص( مقرونا بلفظ )الربسول( وإنما وجدوا كل العتاب له إما مقرونا بلفظ )النبي( نحو‬
                 ‫ ,ً‬
‫قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتلغي مرضاة أزواجك وال غفور رحيم. التحريم:1. وإما رخاليا من‬
   ‫ ,ً‬
‫اللفظين معا وهو ما يجعلنا نصرفه إلى أصل المقامات كلها وهو مقام النبوة نحو قوله تعالى: عبس وتولى أن جاءه‬
                                                                                                  ‫ ,ً‬
                                                                                           ‫العمى" عبس:1.‬



     ‫ثانيا: مقام النبوة: و هو أصل المقامات الرخرى, ووظيفة النبي فيه _ أي نبي _ الدعوة إلى التوحيد و التزكية‬
                                                                                                 ‫لّ‬         ‫ ,ً‬
 ‫والصال؟ح الجتماعي والنفسي, و لكن صاحبه ل يختص بـ )ربسالة / كتاب / شريعة( وإنما هو تابع لشريعة وكتاب‬
    ‫ربسول قبله, إل إذا كان النبي نفسه يقوم بوظيفتي النبوة والربسالة في آن واحد. ومن أمثلة تبعية النبي للربسول‬
   ‫تبعية هارون وكل أنبياء بني إبسرائيل لموبسى عليهم السالم. والنبي في هذا المقام يحق له الجتهاد في الشريعة‬
   ‫والحياة كما يحق للغيره من التابعين, بل هو أول المكلفين بذلك!. وهذا هو رأي جمهور علماء المسلمين من أهل‬
   ‫السنة تحديدا. )أنظر: اجتهاد النبي لعبد الجليل عيسى(. غير أن اجتهاد النبي _أي نبي_ إن ألزم عصره فإنه ل‬
                                                                                                    ‫ ,ً‬
     ‫يلزم أحدا بعد عصره, لن الجتهاد )فتوى( ل )حكم( , و الفتوى محكومة بظروف المكان والزمان والمعطيات‬     ‫ ,ً‬
‫المتوفرة أمام المفتي لحظة الفتاء,, ومهما يكن المفتي ملما عالما فلن يكون محيطا إحاطة الرب لمخلوقاته. و لهذا‬
                                ‫ ,ً‬             ‫ ,ً‬   ‫ ,ً‬
     ‫كان النبي يأتي وراء النبي و هو تابع لشريعة ربسول قبله, ل لنبوة نبي قبله أو معه!. والنبوة في الللغة إما من‬
                       ‫لّ‬
                                    ‫)النباء( وهو الرخبار, وإما من )النبوة( وهي الرفعة. وكال المعنيين يصح عليها.‬
                                                                           ‫ةَ‬



  ‫ثالثا: مقام ولية المر: وهذا المقام فرع عن مقام النبوة, إذ أن النبي )ص( لم يكن وليا لمر المسلمين بانتخابات‬
                           ‫ ,ً‬                                                                        ‫ ,ً‬
 ‫نيابية أو بانقالب عسكري, و إنما بوصفه النبي الربسول, و يختص بكونه مقام شورى و اجتهاد, بدليل قوله تعالى‬
‫يأمر النبي: و شاورهم في المر.آل عمران:951. إذ ل شورى إل في موارد السيابسة و شئون إدارة الجماعة ل في‬
 ‫مجال الوحي!. وهو ما شهدت به السيرة النبوية أيضا في أكثر من مقام. و لمزيد من البيان لمفهومي: الشورى و‬
‫ولية المر, أنقل هذا النص النفيس للدكتور محمد عمارة, من كتابه )التراث في ضوء العقل( يقول في تعليقه على‬
‫آية:وأمرهم شورى بينهم : عند ما نطالع آيات القرآن الكريم نجده قد ابستخدم مصطلح )الشورى( _ و مشتقاته _‬
      ‫في مواطن ثالث .. ففي الحديث عن شئون البسرة _ و هي اللبنة الولى في المجتمع و المة _ طلب أن يكون‬
 ‫)التشاور( بسبيال لبحث شئونها و حسم رخالفاتها " فإن أرادا فصال عن تراض منهما و تشاور فال جنا؟ح عليهما ..‬
‫" .. أما في أمور السيابسة و الحكم السيابسي فإنه يستخدم )الشورى(: " وأمرهم شورى بينهم ", فيجعل الشورى‬
    ‫صفة من صفات المؤمنين, تشهد على ما عندهم من حقيقة اليمان! .. كما يستخدم فعل المر من هذا المصطلح‬
          ‫عندما يقول ال لربسوله, عليه الصالة والسالم: " فاعف عنهم و ابستلغفر لهم و شاورهم في المر ... ".‬



‫وهذا الرتباط بين مصطلح )الشورى( و مصطلح )المر( يضع يدنا على حقيقة كثيرا ما غفل عنها الكثيرون, حقيقة‬
  ‫أن المصطلح القرآني الذي يدل على السيابسة و نظام الحكم السيابسي في المجتمع و شئونه هو مصطلح )المر( و‬
‫ليس مصطلح )الحكم(! .. )فالحكم(: فقه, أو نبوة, أو قضاء .. على حين كان )المر( هو السيابسة و شئون المجتمع‬
 ‫السيابسية, و من هنا كان الرتباط بين " المر " و بين " الشورى " في آيات الشورى بالقرآن الكريم ..و إذا كان‬
 ‫معنى " البسالم " _ كدين _ هو الطاعة ل طاعة تامة, و إبسالم الوجه ل, المر الذي ل يجعل للشورى مكانا في‬
     ‫ ,ً‬
 ‫أمور الدين و أصوله و عباداته, فإن السيابسة و أمور الدنيا _ و هي مدنية بشرية _ قد جاءت مرتبطة بالتشاور و‬
         ‫الشورى .. حدد ذلك القرآن, و حثت عليه السنة النبوية, و طالعناه في الدب السيابسي لعصر النبوة و الخالفة‬
                                                                                                    ‫الراشدة ...‬
‫والذين يتتبعون وثائق ذلك العصر يجدون السيابسة و شئونها واردة بكاملها تحت مصطلح )المر( .. ففي بسقيفة‬
    ‫بني بساعدة, بالمدينة, اجتمع المسلمون لتقرير نظام حكمهم بعد وفاة الربسول ,عليه الصالة و السالم, و لرختيار‬
      ‫رخليفتهم, فكان أن قال أبو بكر الصديق: " إن محمدا قد مضى بسبيله, و لبد لهذا المر من قائم يقوم به ..( ..‬
‫وعندما حضرت الوفاة عمر بن الخطاب, و عقد للشورى مجلسا, قال لهم: " تشاوروا في هذا المر " .. بل لقد جاء‬
   ‫الشتقاق الللغوي لكلمة )المير( _ الذي يتولى بسيابسة الدولة أو القليم أو الجيش _ من مصطلح )المر(.. و منه‬
       ‫كانت تسمية المسلمين لرأس دولتهم )أمير المؤمنين(! .. و كذلك كان "أولوا المر " هم القادة و الموجهون‬
                                           ‫لشئون المجتمع في السيابسة و الحرب و الجتماع و الفكر و القتصاد ..‬

 ‫و في كتب الحديث _ و رخاصة في صحيح مسلم _ نجد أحاديث السيابسة, و ما نسميه بللغة عصرنا " نظام الحكم "‬
    ‫مجموعة في )كتاب المارة( للصلة العضوية , بين هذا المبحث و بين مصطلح )المر( هو الدال على ما نسميه‬
 ‫اليوم في أدبنا السيابسي المعاصر بنظام الحكم, على حين كان مصطلح )الحكم( _ و ل يزال _ بعيدا عن هذا المبحث‬
                                                                              ‫في القرآن الكريم! ..(.أ.هـ‬



    ‫وبالبستناد إلى ما مضى فإنه ل يصدر عن النبي في مقام الربسالة إل القرآن الكريم, لنه ل ربسالة بسواه, و مادل‬
   ‫عليه القرآن بشكل حابسم, و هو السنة الدينية المنقولة إلينا بالتواتر العملي!, و أما ما صدر عن النبي رخارج هذه‬
    ‫الحدود فهو دارخل في مقام النبوة و غيره من المقامات الخاصة و العامة, التي ل تدرخل في دائرة )البالغ(. ولننا‬
   ‫ابستثنينا السنة النبوية من مقامات الجتهاد وأنزلناها حيث أنزلها القرآن الكريم, فإن من الالزم علينا بيان مفهوم‬
  ‫السنة كما نفهمه فنقول: السنة هي: الفعال الدينية الصادرة عن الربسول )ص( بصورة راتبة, تفصل مجم  ,ً أمرنا‬
        ‫ال‬       ‫لّ‬
          ‫به في القرآن الكريم, ودل القرآن على أن بيانها لدى الربسول, و نقلت إلينا بالتواتر العملي نقال ل يشك فيه.‬
                     ‫ ,ً‬

   ‫فبقولنا )أفعال( رخرجت )أقوال( النبي )ص(, و بقولنا )الدينية( رخرجت أفعاله العادية مما يفعله الناس في ليلهم و‬
      ‫نهارهم, و بقولنا )بصورة راتبة( رخرجت أفعال النبي الدينية غير المفروضة من نوافل و عبادات و تسابيح, و‬
  ‫بقولنا )تفصل مجمال في القرآن الكريم..( تأكيد على أن أصل هذه العبادات ينبلغي أن يكون مأمورا به على الجمال‬
                  ‫ ,ً‬                                                                     ‫ ,ً‬    ‫لّ‬
    ‫في القرآن الكريم, و دل العقل و النص على أن الربسول مكلف ببيانه, مثل بيانه لتفاصيل الصالة. و بقولنا )نقلت‬
    ‫إلينا بالتواتر العملي( رخرجت كل المظاهر الدينية التي نسبت إلى النبي و لم ترد إلينا عن طريق )البالغ المبين(.‬



   ‫وقد ميزنا بين السنة والحديث ابستنادا إلى حقائق الللغة التي تفرق بين الفعل والكالم, وابستنادا إلى حقائق التاريخ‬
                      ‫ ,ً‬                                                    ‫ ,ً‬
      ‫التي تروي أن الناس إلى بداية القرن الثاني كانت تفرق بين )أفعال( النبي و )أقواله( فيسمون الولى )بسنة( و‬
           ‫لّ‬
    ‫يسمون الرخرى )حديثا(, و يقولون: فالن أعلم بالسنة و فالن أعلم بالحديث. ثم رخلف من بعد هؤلء رخلف جعلوا‬
                                                                                             ‫ ,ً‬
    ‫السنة حديثا والحديث بسنة, كرد فعل تجاه من يثبت السنة وينكر الحديث في زمنهم. وقد كان للمام الشافعي دور‬
                                                                                                      ‫ ,ً‬
‫كبير في إربساء هذا الخلط بين مفهومي السنة والحديث حيث ضرب أفعال النبي و أقواله و تقريراته في رخالط واحد,‬
     ‫و أرخرج لنا مخلوطا جديدا أبسماه )السنة القولية, والسنة العملية, والسنة التقريرية(, كل ذلك على بسبيل المجاز‬
                                                                                         ‫ ,ً‬     ‫ ,ً‬
  ‫والتلغليب ليس غير. فلم ينكر الشافعي ول غيره أن أصل المفهومين في اللسان العربي مختلف عن الرخر. وهذا ما‬
    ‫رخلص إليه عالم كبير من علماء المسلمين هو البروفسيور طه جابر العلواني وهذا نص كالمه: والسنة في الللغة‬
       ‫بمعنى السيرة والطريقة حسنة كانت أم قبيحة...وقد ابستعملت السنة في القرآن بمعنى الطريقة: قال الراغب:"‬
   ‫وبسنة ال قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته...ونقل الشوكاني عن الكسائي: أن السنة تعني الدوام. أي: المر‬
        ‫الذي يداوم عليه. وقال الطبري "السنة هي المثال المتبع...وعلى هذا فيمكن أن نقول في تعريفها: السنة هي‬
   ‫الطريقة الحميدة المتكررة المستمرة, المستقرة التي يعتادها صاحبها حتى تصبح عادة وطبيعة له وعرفا يتعارف‬
              ‫ ,ً‬
 ‫المتبعون لصاحب تلك الطريقة عليه..] ثم نقل لنا معنى السنة عند الفقهاء فقال[: لعل أقرب التفسيرات التي صدرت‬
     ‫عنهم إلى المعاني الللغوية التي ذكرناها تفسير الحنفية, قال الكمال:" السنة هي: ما واظب عليه الصالة والسالم‬
      ‫على فعله ...أما الشافعية فقد عرفوا السنة بأنها:" الفعل المطلوب طلبا غير جازم" على تفصيالت كثيرة لديهم‬
                                            ‫ ,ً‬
      ‫وكلها _ في حدود اطالعنا_ تكاد ل تستحضر عند تعريفها غير "الفعل النبوي" اللهم إل ما كان من تقي الدين‬
‫السبكي الذي عرف السنة بأنها: ما علم وجوبه أو ندبيته بأمر النبي )ص(, فكأنه لم ير العتياد والبستمرار والدوام‬
                                  ‫كافية في جعل ما واظب عليه بسنة إذا لم يقترن بأمر منه صلى ال عليه وبسلم...‬



          ‫ول نود أن نثقل على القارئ بذكرنا بسائر التفاصيل والمواقف المتعددة في المسألة, فذلك ليس من هدف هذه‬
 ‫الدرابسة, التي نود أن نكرس الهتمام نحو تجريد مفهوم السنة وتخصيصه فيما وضع له, وابستعمل فيه, وهو الفعل‬
     ‫أو الطريقة المقترنة بالدوام والبستمرار والعتياد, وليست القوال والحاديث والرخبار المجردة بسواء نصت إلى‬
              ‫غُ‬
     ‫النبي أو لم تنص إليه, ويؤيد ذلك ويعززه حديث ابن شهاب عن بسالم بن عبد ال بن عمر عن أبيه في قصته مع‬
                                                                                                ‫غُ‬
   ‫الحجاج حين قال له:" إن كنت تريد السنة فجهر بالصالة",قال ابن شهاب: قلت لسالم: أفعله ربسول ال )ص( ؟!‬
   ‫قال: وهل يعنون بذلك إل بسنته"...كل هذه النقول تدل على أنه حتى بدايات القرن الهجري الثاني لم يشع ابستعمال‬
      ‫مفهوم "السنة" في "الرخبار والحاديث" بل في أمور تطبيقية وعملية وفعلية واظب ربسول ال )ص( عليها,‬
‫وداوم فعلها وتكرارها حتى صارت طريقة له في العمل والحياة وفهم الناس من ذلك أنهم مندوبون إلى متابعته فيها.‬
    ‫أما ابستعمال "السنة" في كل ما أضيف إلى ربسول ال )ص( من قول أو فعل أو تقرير فذلك أمر شاع وانتشر بعد‬
  ‫عصر التدوين الربسمي للمعارف البسالمية في عهد المنصور, وجرى تداوله بعد ذلك. ولم يأرخذ شكال مستقرا حتى‬
        ‫ ,ً‬      ‫ ,ً‬
                                                                ‫بعد ذلك. )مجلة: إبسالمية المعرفة _العدد 93(.‬



  ‫وقد عددنا السنة العملية بوصفها السابق جزءا من الدين نزول عند الحالت القرآنية التي تأمر بإقامة هذه السنن‬
                                                 ‫ ,ً‬           ‫ ,ً‬
 ‫دون أن تفصلها, مما يعني أنها تحيل إلى شيء معروف عند المخاطب الول, ولم يتبق إل أن نتأكد من ثبوتها عنه‬
                                                                                                ‫لّ‬
  ‫دون زيادة أو نقصان على وجه اليقين. ومن ذلك الحالت القرآنية في شأن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة نحو قوله‬
‫تعالى: و أقيموا الصالة و آتوا الزكاة و أطيعوا الربسول لعلكم ترحمون. النور:65. والية ترفع الصالة و الزكاة إلى‬
‫مرتبة الربسالة حين تشير إلى أن تفاصيل أركانهما عند الربسول الذي تجب طاعته!. وقد اتفق المسلمون جميعا على‬
     ‫ ,ً‬
    ‫أن هذه الهيئة من الصالة بأعدادها ومواقيتها قد وردتنا عن النبي )ص( بنقل الكافة عن الكافة, فال تحتمل الشك‬
                                                                     ‫والريب تماما كما حدث مع القرآن الكريم.‬
                                                                                               ‫ ,ً‬



          ‫و هذا يضعنا أمام بسؤال آرخر يقول: هل يعني هذا أن هذه السنن من الوحي المقدس, و هل هناك وحي غير وحي‬
‫القرآن الكريم؟ و لماذا ل يكون الحديث إذن جزءا من هذا الوحي, إذا كان الرد باليجاب؟!. و الحقيقة أنه ل مانع من‬
                                                                  ‫ ,ً‬  ‫ ,ً‬
            ‫وجود وحي )مساعد( لوحي الربسالة, أدنى رتبة من وحي القرآن الكريم, بل إن شواهد هذا الوحي متوفرة في‬
                   ‫الكتاب و السيرة: كوحي ال لم موبسى: و أوحينا إلى أم موبسى أن أرضعيه " القصص:7. و وحي ال‬
  ‫ ,ً‬
  ‫للحواريين: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و بربسولي. المائدة:111. و قبل ذلك وحي ال للنبياء جميعا‬
            ‫بدون كتاب!. و ما ترتيب آيات القرآن في بسوره, و ترتيب بسوره في مصحفه, إل شاهد من شواهد وجود هذا‬
‫الوحي, يوجه النبي )ص( في هذا الترتيب الذي دلت البحوث و الدرابسات الرقمية و العددية على إعجازه, و صدوره‬
        ‫عن حكيم رخبير!. والقول بوجود أنواع مختلفة ومتفاوتة الرتبة من الوحي هو محل اتفاق بين العلماء المسلمين.‬
           ‫)أنظر: الحديث والمحدثون: محمد أبو زهو(. و ل غرابة في قولنا بوجود وحي مساعد لوحي الربسالة, ما دام‬
      ‫القرآن يحدثنا عن مساعد نبي, أو بللغة القرآن )وزير( نبي!, فهذا موبسى عليه السالم يطلب من ربه ) وزيرا ( له‬
          ‫من أهله يساعده في شئون النبوة, و يرشح هارون أرخاه لهذه المهمة: و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أرخي,‬
                                ‫ ,ً‬
      ‫ ,ً‬
      ‫أشدد به أزري, و أشركه في أمري. طه:92-23. و ال بسبحانه و تعالى يقبل ترشيح موبسى و يعتمد هارون نبيا‬
                                                                                      ‫)مساعدا( لموبسى الربسول!.‬
                                                                                                        ‫ ,ً‬
‫و لمزيد من الطمئنان فقد قام كاتب هذه السطور بعملية إحصاء عددي لكلمة )صالة( و مشتقاتها في القرآن الكريم,‬
         ‫لعله يجد دللة ما من بنية )التأويل الرقمي( الذي يؤمن به. و كانت المفاجأة وجود المالحظات التية: كلمة‬
  ‫)صلوات( هي مجموع كلمة ) صالة (, و عدد حروف الجمع )5( حروف, و هو عدد صلوات اليوم و الليلة. وردت‬
   ‫مشتقات كلمة )صالة( في القرآن الكريم دون تكرار )91( مرة, و الرقم )91( هو الرقم المعجز في البنية الرقمية‬
    ‫للقرآن الكريم, و يطلق عليه بعضهم )الشفرة( الرقمية للقرآن الكريم, كما أثبت باحثون ثقاة أمثال: الدكتور بسام‬
    ‫جرار في كتابيه )عجيبة الرقم 91( و )نهاية إبسرائيل(, و الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابيه )معجزة الرقام و‬
‫الترقيم في القرآن( و )العجاز العددي للقرآن الكريم(, و قبلهما الدكتور رشاد رخليفة, الذي دفعه هذا الكشف المذهل‬
‫إلى ادعاء النبوة!. وردت كلمة ) صالة ( و مشتقاتها مكررة )99( مرة. و بقسمة العدد )99( على العدد )91( يكون‬
                                            ‫لّ‬
         ‫الناتج ) 3625012,5 ( و هذا الرقم يرمز إلى أمرين: الول: العدد الصحيح )5( و يرمز إلى عدد الصلوات‬
 ‫)المفروضة( في اليوم و الليلة!, والرخر: العداد غير الصحيحة بعد الفاصلة) 3625012( و ترمز إلى النوافل بعد‬
 ‫الفرائض!. و العجيب أن مجموع أرقام هذه النوافل يساوي العدد )91( أيضا. و بجمع النوافل )91( إلى الفرائض )‬
                                      ‫ ,ً‬
‫5( ينتج العدد )42( و هو عدد بساعات اليوم و الليلة التي تؤدى فيها الفرائض و النوافل!. و بضرب العدد )91( في‬
        ‫العدد )99( ينتج العدد )1881( و هو عدد صلوات اليوم و الليلة في العام الواحد, إذ بقسمة )1881( على )‬
      ‫3625012,5 ( يكون الناتج )163( و هو عدد أيام السنة على أحد التقاويم !. فهل هي مجرد صدف رقمية؟!.‬



    ‫وعودا على بدء فقد ثبت قطعا أن النبي )ص( كانت له حالت يتصرف فيها رخارج حدود الوحي, إما بحكم العادة‬
                                                                                  ‫ ,ً‬                    ‫ ,ً‬
 ‫البشرية وإما بحكم الجتهاد والتشاور, واليات في ذلك واضحة حابسمة. وقلنا إنه ل بد من التمييز الواضح بين ما‬
   ‫يصدر عن النبي بحكم الوحي و ما يصدر عنه بحكم العادة و الجتهاد حتى ل يختلط المقدس بالبشري, و نقع في‬
‫الشرك!. وقلنا إن هذا التمييز الواضح غير ممكن إل بافتراض مقامات عامة واضحة للنبي )ص(, و قد دلتنا اليات‬
   ‫والسيرة على ثالثة منها هي مقامات: الربسالة,و النبوة, و ولية المر. و ابستنادا إلى ما مضى, قلنا إن ) الحديث‬
                                ‫ ,ً‬
       ‫النبوي ( يعد امتدادا لمقامات النبي كلها عدا مقام ) الربسالة ( لن الربسالة محددة بـ ) الكتاب ( ومشروطة بـ‬
                                                                                           ‫ ,ً‬
‫) البالغ المبين ( وهذه هي البانة التي وصفت بها ربسالة الربسول, والبصيرة التي أمرنا باتباعها:" قل هذه بسبيلي‬
‫أدعوا إلى ال على بصيرة أنا و من اتبعني "يوبسف:801. بعيدا عن اللغبش و الظنون, و " إن يتبع أكثرهم إل ظنا‬
              ‫"!. وبسنتعرض لحقا بالنقاش المفصل لكل الشواهد واليات التي زعموا أنها أدلة في حجية الحديث.‬



                                                                                                             ‫2‬



  ‫ثانيا: نهي النبي )ص( الثابت في كتب الحديث نفسها عن تدوين كالمه: دون أن يثبت تراجعه عن هذا النهي, فقد‬ ‫ ,ً‬
‫روى مسلم في صحيحه عن أبي بسعيد الخدري أن النبي )ص( قال:ل تكتبوا عني شيئا غير القرآن, و من كتب عني‬
                            ‫ ,ً‬
  ‫شيئا غير القرآن فليمحه, و حدثوا عني و ل حرج , و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . و له روايات‬
                                       ‫ ,ً‬
 ‫أرخرى مماثلة في كتب الحديث الرخرى. وقد حاول بعض الصحابة مرارا التأثير على النبي )ص( ليسمح لهم بكتابة‬
                                           ‫ ,ً‬
  ‫حديثه لكنه أبى!, فقد جاء عن أبي بسعيد الخدري أيضا قوله: جهدنا بالنبي )ص( أن يأذن لنا في الكتاب فأبى " و‬
                                                        ‫ ,ً‬
 ‫ورد عنه أيضا قوله:" ما كنا نكتب غير التشهد و القرآن " )بسنن أبي داود(. و كان النبي )ص( قد برر هذا النهي‬
                                                                                              ‫ ,ً‬
   ‫في حديث عن أبي هريرة قال:" رخرج علينا ربسول ال )ص( و نحن نكتب الحاديث, فقال: ما هذا الذي تكتبون؟‬
  ‫قلنا: نكتب أحاديث نسمعها منك. قال: كتاب غير كتاب ال؟!. أتدرون. ما ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من الكتب‬
‫مع كتاب ال تعالى" )تقييد العلم: الخطيب البلغدادي( . و هو ما يعني بوضو؟ح أن كالم النبياء ليس دارخال في مجال‬
          ‫ ,ً‬
 ‫الدين, وأنه إذا تركهم يكتبون أحاديثه في زمنه دون أن ينهاهم فسيعد ذلك منه قرينة على حجيتها عندما يزعمون‬
  ‫ذلك, فيقعون في ما وقعت فيه المم السابقة من تقديس لكالم النبياء, حين تأرخذ هذه المدونات طريقها إلى منصة‬
     ‫القدابسة بفعل الزمن و العقل البسطوري للمم غير الكتابية. و قد وقع بالفعل ما كان يخشاه النبي )ص(, وصار‬
                                                                               ‫حديثه دينا يزاحم حديث ال!.‬
                                                                                                  ‫ ,ً‬
‫ومما يؤكد وقوع هذا النهي عن كتابة الحديث النبوي اتفاق المسلمين على أن الصحابة لم يدونوا _ بصورة ربسمية‬
     ‫_ أحاديث النبي )ص( مما يدلل على التزامهم بتوجيهات النبي )ص( و على كون عموم النهي غير منسوخ في‬
  ‫مرحلة متأرخرة من حياة النبي كما تزعم الكثرة الجاهلة!. بل نحن ننكر مبدأ النسخ في الدين من أبسابسه, و بسيكون‬
 ‫لنا مع هذا المبدأ وقفات تكشف باطله في منابسبة قادمة إن شاء ال!. و قد ابستفاضت الروايات عن كبار الصحابة‬
  ‫الرافضة لتدوين الحديث أو حتى الكثار من روايته, مع الدعوة إلى الكتفاء بالقرآن الكريم ل شريك له: فقد روى‬
 ‫البخاري عن ابن عباس: لما اشتد بالنبي )ص( وجعه قال: أئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا ل تضلوا بعدي, قال عمر:‬
                          ‫ ,ً‬
 ‫إن النبي غلبه الوجع, و عندنا كتاب ال حسبنا ". فأين ذكر السنة هنا؟ و هل يقدر عمر _ إذا صدقت الرواية _ أو‬
‫غيره على رد أمر ربسول ال )ص( لو كان من الدين؟ أم أن الجميع يدرك أن الدين قد اكتمل بنزول آرخر آية ل بقول‬
                                                                                                ‫آرخر حديث؟!.‬

‫و في رواية عن قرظة بن كعب قال: رخرجنا نريد العراق, فمشى معنا عمر إلى حرار ... فقال: إنكم تأتون أهل قرية‬
    ‫لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فال تصدوهم بالحاديث فتشلغلوهم, جردوا القرآن, و أقلوا الرواية عن ربسول ال‬
                                                                                     ‫لّ‬           ‫لّ‬
‫)ص(, أمضوا و أنا شريككم, فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا, قال: نهانا عمر بن الخطاب !.ولم يكتف عمر بذلك بل كتب‬
 ‫في المصار يقول: من كان عنده شيء من الروايات فليمحه. و روي عنه أنه أحرق مجموعة من الروايات و قال:‬
   ‫مثناة كمثناة أهل الكتاب؟!. بل بلغ به الحتياط في منع الحديث ) و ليس التدوين فقط ( إلى درجة حبس مجموعة‬
  ‫من كبار الصحابة بالمدينة لكثارهم من التحديث ) وهو مبا؟ح (, فقد روي أنه بعث إلى عبد ال بن مسعود, و أبي‬
  ‫الدرداء, و أبي مسعود النصاري, فقال لهم: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن ربسول ال )ص(؟ فحبسهم بالمدينة‬
                                                                                             ‫حتى ابستشهد!.‬



 ‫وأما أبو بكر الصديق فقد جمع الناس و قال:إنكم تحدثون عن ربسول ال )ص( أحاديث تختلفون فيها, و الناس من‬
      ‫بعدكم أشد ارختالفا )صدق أبو بكر ( فال تحدثوا عن ربسول ال شيئا, فمن بسألكم فقولوا بيننا و بينكم كتاب ال‬
                                               ‫ ,ً‬
‫فابستحلوا حالله و حرموا حرامه!. و مثله فعل المام علي: عن جابر بن عبد ال بن يسار, قال: بسمعت عليا يقول :‬
       ‫ ,ً‬
 ‫أعزم على كل من كان عنده كتاب إل رجع فمحاه, فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم‬
                                                                              ‫"!.) جامع بيان العلم و فضله(.‬

     ‫وروي عن عبد ال بن مسعود أنه أحرق صحيفة بها بعض الحاديث ثم قال: أذكر ال رجال يعلمها عند أحد إل‬
                       ‫ ,ً‬
    ‫علمني به, و ال لو أعلم أنها بدير هند لبللغتها!, بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب ال وراء ظهورهم‬
   ‫كأنهم ل يعلمون!. فليت شعري كيف انقلب هذا التشديد في منع الحديث إلى تشديد في كتابته و الرخذ به؟!.وروى‬
   ‫مسلم عن ابن عباس قوله: إنا كنا نحدث عن ربسول ال إذ لم يكن يكذب عليه, فلما ركب الناس الصعب و الذلول‬
‫تركنا الحديث عنه . و أراد معاوية أن يكتب حديثا فنهاه زيد بن ثابت قائال: إن ربسول ال )ص( أمرنا أل نكتب شيئا‬
                                       ‫ ,ً‬                  ‫ ,ً‬
                                                                                                 ‫من حديثه .‬

‫بل إن عمر بن الخطاب _ في رخالفته _ قد تحرج حتى من كتابة ) السنن ( و هي التي تنقل إلينا بالتواتر العملي و ل‬
   ‫تحتاج إلى تسجيل إل من باب التوثيق التاريخي, و قد ميزنا بسلفا بين مفهومي: السنة و الحديث, و قلنا إن الفرق‬
                                                 ‫ ,ً‬
     ‫بينهما هو الفرق بين ) الفعل ( و ) الكالم (. فقد روى الزهري قال:أرخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب‬
   ‫أراد أن يكتب ) السنن (, و ابستشار فيه أصحاب ربسول ال, فأشار عليه عامتهم بذلك, فلبث شهرا يستخير ال في‬
                  ‫ ,ً‬
‫ذلك شاكا فيه, ثم أصبح يوما و قد عزم ال له فقال: إني كنت ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم, ثم تذكرت فإذا‬
                                                                                  ‫ ,ً‬              ‫ ,ً‬
‫أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب ال كتبا فأكبوا عليها و تركوا كتاب ال, و إني و ال ل ألبس كتاب‬
                                                         ‫ ,ً‬
   ‫ال بشيء!.)تقييد العلم: الخطيب البلغدادي(. لحظ قوله " تذكرت" و قوله "فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم‬
        ‫قد كتبوا مع كتاب ال كتبا فأكبوا عليها و تركوا كتاب ال ", فإنه يتطابق مع قول النبي في حديث أبي هريرة‬
                                                                                      ‫ ,ً‬
   ‫السابق " كتاب غير كتاب ال؟!. أتدرون. ما ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب ال تعالى"!.و كل‬
‫التبريرات التي وردت عن الصحابة في النهي عن التدوين تطابقت مع قول النبي )ص(, فلماذا تجاهلها المحدثون و‬
                                                     ‫الشيوخ, و ذهبوا ينقبون عن تبريرات أرخرى ملغايرة؟!.‬



    ‫والدعوة إلى الكتفاء بالقرآن الكريم و البستلغناء به عن الحديث كان موقف أم المؤمنين عائشة أيضا: فعن أبي‬
   ‫مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان رضي ال عنه بمكة, و جئنا لنشهدها, و حضرها ابن عمر و ابن عباس‬
    ‫رضي ال عنهما, و إني لجالس بينهما ... فقال عبد ال بن عمر لعم بن عثمان: أل تنهى النساء عن البكاء فإن‬
 ‫ربسول ال )ص( قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. قال ابن عباس: قد كان عمر يقول ببعض ذلك .. فلما مات‬
‫عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم ال عمر! و ال ما حدث ربسول ال )ص(: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه, و‬
‫لكن ربسول ال تعالى قال:إن ال ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه..و قالت حسبكم كتاب ال " ول تزر وازرة وزر‬
                                                             ‫ ,ً‬
 ‫أرخرى ". و لعل النبي )ص( _ إذا صحت هذه الرواية _ قد اجتهد في فهم قوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم‬
  ‫القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بلغير علم أل بساء ما يزرون . النحل:52. كما يرى محمد اللغزالي!. و الحديث‬
  ‫رواية آحاد ل يفيد شيئا في أي مجال فما بالنا بمجال العتقاد!. و الروايات الواردة عن النبي وصحابته في النهي‬
                                                                                    ‫ ,ً‬
                                                     ‫عن كتابة الحديث مستفيضة بللغت عند البعض حد التواتر.‬



 ‫وهذا ل يعني أن الكتابة في حد ذاتها هي المشكلة التي يخشاها النبي و صحابته, لنه ل معنى للنهي عن )الكتابة(‬
     ‫ما دامت الرواية الشفاهية جائزة, و إنما كان النهي قرارا تكتيكيا من النبي )ص( قصد به إبطال حركة التدوين‬
                                               ‫ ,ً‬   ‫ ,ً‬
 ‫الربسمي للحديث في عهده, لنها الذريعة التي بستحول كالمه إلى دين يؤارخذ عليه الناس, و ل مانع بعد ذلك من أن‬
  ‫يسمح لفراد قالئل من الصحابة في منابسبات معينة, و لبسباب رخاصة _ كالبستعانة على الحفظ مثال _ أن يدونوا‬
               ‫ ,ً‬
 ‫بعض حديثة, فلكل قاعدة ابستثناء. و ل يصح القول هنا إن إذن النبي لبعض الصحابة بالكتابة بتلك الحتياطات قد‬
  ‫نسخ النهي العام الذي أصدره بسابقا,لن حالت الخصوص ل تللغي عموم النهي كما يقول رشيد رضا, و كما تقول‬
                                                                         ‫ ,ً‬
                                                                                        ‫القاعدة الصولية!.‬



 ‫لقد تنبه النبي إلى أن كتابة حديثه اليومي بستمنحه بسمة الثبات و الديمومة التي تكون للنص الديني المقدس, و أن‬
   ‫بسكوته عن التدوين بسيعد إقرارا منه أو قرينة على أنه من الوحي المحفوظ, فنهى عن الكتابة و أذن بالرواية _‬
                                                                             ‫ ,ً‬
      ‫على بسبيل الجواز ل الوجوب _ إذ لم يكلف أحدا برواية حديثة. و الذن برواية حديثه شفاها ل ضير فيه, لن‬
                     ‫ ,ً‬                                       ‫ ,ً‬
    ‫الرواية الشفهية تعرض المحفوظ للشك في الحجية. و تفقده القيمة التوثيقية التي تمنحه بسمة الثبوت القطعي,‬
   ‫الذي يسميه القرآن ) البالغ المبين (. و فعل الربسول هذا يندرج تحت القواعد الصولية التي تقول بسد الذريعة,‬
                                ‫وبعدم جواز السكوت في محل البيان, وأن درء المفابسد مقدم على جلب المنافع!.‬



  ‫إن شواهد النهي مستفيضة, وتبريراته متطابقة بين النبي وصحابته كما رأينا, و يعضد بعضها بعضا, ول معارض‬
 ‫لها أقوى منها دللة, والمحدثون والصوليون لم ينكروا صحة أحاديث النهي و حقيقة وقوعه من قبل النبي )ص(,‬
‫و ل قالوا إنه تراجع عن هذا النهي صراحة, و إنما ذهبوا يبحثون لهذا النهي عن مبررات تبطله, و تسوغ عقيدتهم‬
  ‫في الحديث!.إل أن هذه التبريرات كما بسنرى لم تصمد لحجج العقل و النقل: و من أشهر تبريراتهم تلك قولهم إن‬
 ‫النبي )ص( قد نهى عن كتابة حديثه رخوفا من ارختالطه بالقرآن الكريم, و هي شبهة بساذجة, تعجب لذوي الصيت و‬
                                                                     ‫ ,ً‬
‫البسماء الالمعة كيف يتداولونها و ل ينكرونها, و تتبدى بسذاجتها مع المالحظات التية: )1(: تجاهل هذا التبرير و‬
  ‫تجاوز تبرير النبي )ص( نفسه, و تبريرات صحابته التي تطابقت معه كما رأينا في الروايات السابقة حيث قال: ما‬
   ‫ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من كتب مع كتاب ال تعالى. فالنبي لم يقل أنه يخشى أن يختلط القرآن بالحديث كما‬
‫يزعمون, و إنما قال إنه يخشى أن تضل أمته بكتابة حديثه, كما ضلت المم السابقة بكتابة كالم النبياء والحبار مع‬
‫كتاب ال ) الربسالة (, فهل بعد هذا من وضو؟ح!. و هاهي الشواهد و الوقائع تؤكد ما كان يخشاه النبي)ص( و صار‬
      ‫حديثه المصدر الثاني للبسالم بعد القرآن الكريم, و هاهم المحدثون يعلنون دون مواربة أن القرآن أحوج إلى‬
   ‫الحديث من حاجة الحديث إلى القرآن, فهو يخصص عامه, و يقيد مطلقه, و يبين مجمله, بل وينسخ أحكامه عند‬
   ‫لّ‬
   ‫بعضهم !. بارختصار: لقد قام الحديث بدور الحاجب على باب القرآن الكريم, و في أحيان كثيرة قام بدور الوصي‬
                                                                                            ‫المهيمن عليه!.‬



‫)2 (: كما تجاهل تبريرهم السابق آيات القرآن الواضحة في كون الذكر محفوظ بحفظ ال, مثل قوله تعالى: إنا نحن‬
      ‫نزلنا الذكر و إنا له لحافظون.الحجر:9 . و ل ندري كيف يمكن أن يختلط كالم ال, ببالغته و بسمته و أبسلوبه‬
  ‫المعجز, بكالم البشر مهما كانت مكانتهم؟!. ثم هل كان عسيرا على النبي )ص( أن يحتاط لهذا المر بأن يخصص‬
                                                  ‫ ,ً‬
  ‫من الصحابة كتبة للحديث غير كتبة القرآن؟!و إذا كان هذا قد فات النبي )ص( فهل عجز الصحابة أن يفعلوه بعد‬
   ‫وفاة النبي, وبعد أن ابستقر أمر القرآن و حفظ في السطور و الصدور؟!. و لماذا لم نجد من كبار الصحابة أمثال:‬
    ‫أبي بكر, و علي, و عمر, و عثمان, و بقية العشرة الكبار من مستشاريه, الذين أطلق عليهم المسلمون وصف:‬
‫العشرة المبشرين بالجنة, اهتماما برواية الحديث ) مجرد روايته ( كما وجدناه من صلغارهم أمثال: ابن عمر, و ابن‬
       ‫عباس, و النعمان بن بشير, و أبي هريرة, و غيرهم؟ .. هل قصر الصحابة في حفظ ) البيان النبوي ( للقرآن‬
     ‫الكريم؟ .. لماذا تقاعس هؤلء و هم أقرب الناس إليه وأدراهم بأحواله و كالمه و أفقههم بمقاصده, عن تدوين‬
     ‫حديثه أو حتى الهتمام بروايته؟!. بل لماذا حرصوا كل ذلك الحرص على منع التدوين, و محاصرة الكثار من‬
‫الرواية؟!.. ثم هؤلء الذين تصدوا للرواية منهم فأكثروا, من الذي كلفهم برواية الحديث؟ و لو أنهم قرروا السكوت‬
                                                             ‫فلم يحدثوا بما بسمعوا هل كان بسيؤارخذهم أحد؟!.‬

  ‫و إذن فقد تصدى بعض صلغار الصحابة بسنا ومكانة للحديث عن ربسول ال بقرار ذاتي من عند أنفسهم, فمن شاء‬
                                                                 ‫ ,ً‬
      ‫روى و من شاء بسكت, و معنى هذا أن احتمال عدم ورود الحديث إلينا كان واردا, فهل يترك الدين لمثل هذه‬
                               ‫ ,ً‬
                                                                             ‫الحتمالت, و فرص الضياع؟!.‬



  ‫وإذا علمنا أن الحديث النبوي في مجمله قد نقل إلينا بمعناه ل بألفاظه التي قالها النبي )ص( فإن السؤال المنطقي‬
   ‫هنا يقول: كيف نظمن إذن أن مقاصد النبي )ص( لم تتلغير بتلغير ألفاظه, و نحن نعرف أن أدنى تلغير في المبنى‬
    ‫يؤدي إلى تلغير في المعنى, وهو السبب الذي جعل علماء النحو يرفضون البستشهاد بالحديث النبوي في مجال‬
                     ‫الللغة.فكيف نقبل في مجال التشريع والدماء والحقوق بهذه المرجعية الظنية إلى أقصى حد؟!.‬

  ‫أما قولهم إن أحاديث النهي قد نسخت بأحاديث الذن الثابتة, فقد قلنا إن النبي )ص( ربما بسمح لحد من الصحابة‬
 ‫بكتابة بعض كالمه لبسباب رخاصة و آنية مثل البستعانة بالكتابة على الحفظ كما قال المام مالك. و ما تقتضيه أمانة‬
 ‫النقل أحيانا لوامر و نواه صادرة عن النبي بوصفه وليا لمر المسلمين, ل بوصفه النبي الربسول كما حدث مع أبي‬
                                                         ‫ ,ً‬                         ‫ ٍ‬           ‫ ,ً‬
  ‫شامة اليمني في فتح مكة وقد بسمع النبي )ص( يأمر بأن يبلغ الشاهد اللغائب رخطبة الفتح. فهي كالتوجيه السيابسي‬
     ‫الذي يحتاج إلى نقل أمين, لكنه أبدا لن يتحول إلى دين!.. و الشيء الثابت هو أن كتبة الصحابة كانوا يستأذنون‬
                                                                              ‫ ,ً‬
   ‫النبي في كتابة حديثه, و هذا يعني أن الصل في المر هو النهي حتى يأذن لحدهم بعكسه, فضال عن أن من كتب‬
                   ‫ ,ً‬
     ‫منهم كان يتخلص من صحفه حرقا قبل وفاته, كما فعل عمر وابن مسعود وغيرهما. ثم إن أبلغ دليل على بطالن‬
                                                                                ‫ ,ً‬
‫حجة النسخ هذه هو مواقف الصحابة و أقوالهم بعد وفاة النبي )ص( الرافضة للتدوين أو الكثار من رواية الحديث.‬
 ‫و قبل هذا و ذاك فإن أحاديث الذن بالكتابة _ كما أبسلفنا _ هي حالت رخصوص ل تنسخ عموم النهي, و لكل قانون‬
      ‫ابستثناءاته ما دامت لن تخل بمقاصده العامة, هذا إذا صدقت روايات الذن هذه و لم تكن مجرد رخدعة قصد بها‬
                                                                                              ‫تبرير التدوين!.‬
‫كما ل يصح التشكيك _ أيضا _ في صحة روايات النهي عن الكتابة, ليس لن بعضها ورد في الصحا؟ح, أو لن‬
                                                                                ‫ ,ً‬
 ‫المختصين قد أقروا بصحتها فقط, و إنما لنها متكاثرة مستفيضة مؤيدة بكل الشواهد الالزمة لمثل هذه الحالت. و‬
    ‫شيء آرخر مهم هو أن دواعي الكذب متحققة في أحاديث الذن أكثر من تحققها في أحاديث النهي. فالسيابسية و‬
   ‫مقتضياتها, و الزهاد, و الفرق المختصمة مذهبيا و قبليا, و غيرها كلها تحتاج إلى ) حجية الحديث (. لن القرآن‬
                           ‫لّ‬                           ‫ ,ً‬   ‫ ,ً‬
  ‫وحده ل يسعفها في تحقيق مآربها و طموحاتها!, و لول شرعية الحديث التي أربسوها لما قامت لبعضهم قائمة. إذ‬
‫من أين يجد الشيعة_ مثال _ بسندا و مبررا لمذاهبهم, و القرآن الكريم يخذلهم و ل ينصرهم بنص صريح لية عقيدة‬
                                                                    ‫ ,ً‬     ‫ ,ً‬     ‫ ,ً‬
  ‫من عقائدهم. و تأويل القرآن وحده ل يسعفهم, لن بسال؟ح التأويل متوفر في يد الجميع, و ل غلبة إل بنصوص من‬
  ‫رخارج أبسوار القرآن الكريم, تحمل نفس القدابسة أو بعضها!. و هكذا قل على أمراء بني أمية و بني العباس و بني‬
‫آبائهم من حكام المسلمين المتسلطين بقوة السال؟ح. من أين لهم أن يوطدوا بسلطانهم, و يشرعنوا عبثهم و مظالمهم‬
          ‫بدون نصوص مقدبسة تأمر الناس بالسمع و الطاعة, و إن جلد المير ظهورهم و أرخذ حقوقهم, ما دام يقيم‬
                                              ‫الصالة!.. إن القرآن العظيم ل يمنحهم مثل هذه النصوص الثمينة!.‬



‫إذن فدواعي وضع الحديث ودواعي شرعنته ) جعله حجة شرعية ( متوفرة بكثافة في ظروف زمن التأبسيس, زمن‬
  ‫ما بعد الفتنة الكبرى. و في المقابل ل نجد ما يكافئها من دواعي الوضع لحاديث النهي عن كتابته, لن كل الفرق‬
   ‫آنذاك كانت تستزيد منه لتأبسيس شرعيتها و بناء منظومتها عدا فرقة ) الخوارج ( التي حدت من هيمنة الحديث‬
    ‫لصالح القرآن, إل أن الخوارج باتفاق المحدثين ل يضعون الحديث!, لن الكذب عندهم من الكبائر المخرجة من‬
‫الملة, و إن روي أن أحدهم عمل في الوضع!. ثم إن هذه الفرقة لم يكن لها بسلطان على المسلمين حتى تدفع باتجاه‬
 ‫إضعاف بسلطان الحديث, و من الواضح تماما أن أحاديث النهي رخرجت بابستفاضة من معاقل أهل السنة أنفسهم, و‬
    ‫هذا يعد مؤشرا على صدق و إرخالص محدثيهم أمثال المام مسلم في تطبيق شروطهم الموضوعية في رواية و‬
                                                                                         ‫ ,ً‬
                                                              ‫تدوين الحديث, مع عجزهم عن إدراك حقيقته!.‬



‫و قبل ملغادرة هذا المحور ل بد من الجابة عن بسؤال يتكرر كلما ابستشهدنا بحديث من الحاديث المنسوبة إلى النبي‬
   ‫)ص( يقول: كيف تستشهدون بالحديث النبوي و أنتم تنكرونه؟ أل يعد هذا تناقضا منكم؟!. وكثير ممن يطر؟ح هذا‬
    ‫السؤال يفتقر إلى معرفة دينية كافية, فهو يجهل الفرق بين مسألتين في مجال علمي الحديث و الصول: الولى:‬
        ‫حجية الحديث, والرخرى: ثبوت الحديث. أما حجية الحديث فهي مبحث من مباحث )علم الصول(,يشتلغل به‬
     ‫الصوليون ل المحدثون, و يعنى بالجابة عن بسؤال محدد هو: هل كالم النبي )ص( من الوحي و الدين الواجب‬
        ‫التباع أم من العوائد البشرية للنبي)ص( ؟. و أما ثبوت الحديث فهو قضية تاريخية يبحثها علماء الحديث‬
 ‫) المؤررخون ( و تعنى بالجابة عن بسؤال: هل هذه الرواية أو تلك ثابتة عن النبي )ص(؟ و كم درجة هذا الثبوت؟,‬
      ‫و كل علوم الحديث التي تجاوز عددها عند ابن الصال؟ح )03( علما تحاول الجابة عن هذين السؤالين تقريبا!.‬
        ‫ ,ً‬



      ‫وعلوم الحديث _ بهذا المفهوم _ دارخلة في فن التأريخ و التوثيق ل في علوم الدين بالمعنى المباشر, بدليل أن‬
  ‫إبسناد الحديث و توثيقه لم يكن عمال من أعمال النبي أو صحابته على الطالق!, و توثيق رواية من الروايات حتى‬
                                                                            ‫ ,ً‬
   ‫يصح بسندها و نسبتها إلى قائلها ل يعني أنها قد أصبحت دينا يتعبد به!. فليست قضيتنا إذن: هل هذا الكالم صادر‬
                                                   ‫ ,ً‬
 ‫عن النبي )ص( أم ل؟, و إنما قضيتنا: هل كالم النبي في ذاته من الدين الواجب التباع, أم أنه مما يصدر عنه بحكم‬
  ‫العادة و الجتهاد البشري غير المقدس؟. و هذا يعني بوضو؟ح أننا نتعامل مع أحاديث النبي )ص( التي صح بسندها‬
       ‫كما نتعامل مع أية رواية تاريخية لي عظيم!, فنقبل منها ما نقبل و نرد ما نرد, بحسب ما يتوفر من قرائن و‬
‫شواهد تؤيدها أو تفندها!.. فليست العبرة بصحة ) السند (, و إنما العبرة بصحة ) المتن (, فكم من حديث صح بسنده‬
    ‫و بطل متنه, و أحاديث القراءات الشاذة مثل شرود على ذلك, فبالرغم من أنها قد وردت بطرق صحيحة إل أنه ل‬
                                                                                            ‫يجوز القراءة بها!.‬
‫وبسترد أمثلة في هذا البيان لحاديث صحت بسندا و بطلت مضمونا, و هذا ليس أمرا مستلغربا, ول أتينا به من‬
                       ‫ ,ً‬      ‫ ,ً‬                               ‫ ,ً‬
  ‫عندياتنا, بل هو حقيقة مقررة عند المحدثين جميعا, يقول ابن الصال؟ح في مقدمته الشهيرة: ومتى قالوا هذا حديث‬
                                                              ‫ ,ً‬
 ‫صحيح فمعناه أنه اتصل مع بسائر الوصاف المذكورة , و ليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس المر!, إذ‬
                           ‫ ,ً‬
     ‫منه ما ينفرد بروايته عدد واحد, و ليس من الرخبار التي أجمعت المة على تلقيها بالقبول, و كذلك إذا قالوا في‬
 ‫حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس المر, إذ قد يكون صدقا في نفس المر, و إنما المراد به‬
                                    ‫ ,ً‬                                  ‫ ,ً‬
      ‫أنه لم يصح إبسناده على الشرط المذكور, و ال أعلم .أهـ. و ابن الصال؟ح يقرر بوضو؟ح أن صحة السند ل تعني‬
   ‫صحة المضمون, وأن بطالن السند ل يعني بطالن المضمون, و أنه ل هذه ول تلك تثبت أو تنفي يقينا صدور هذا‬
  ‫الحديث أو ذاك عن النبي )ص(, و هذه مسألة تدق على فهم العامة و من في حكمهم من المشائخ والدعاة مع أنها‬
                                                                                          ‫في غاية الهمية!.‬

  ‫وإذا قلنا بأننا نتعامل مع حديث النبي )ص( كما نتعامل مع كالم البشر الرخرين فذلك ل يعني أننا نسوي بينه وبين‬
              ‫لّ‬
‫الرخرين من الناس, وهو المشهود له بالخلق العظيم, و إنما نقول إن كالمه صادر عنه بحكم العادة البشرية أو بحكم‬
 ‫الجتهاد المفروض على المسلمين _ وهو رأس المسلمين و أول المكلفين به _ ل بحكم نبوته, و أن اجتهاده مقدم‬
  ‫على اجتهاد غيره إذا نابسب ظروف الفتوى, بشرط أن نضمن ثبوته عنه!.و قد قلنا مرارا, وأثبتنا بالدلة الظاهرة,‬
                           ‫ ,ً‬
  ‫أن النبياء يماربسون الجتهاد, وأن اجتهادهم يخص عصرهم و جيلهم ل بسوى, وأن ربسالة الربسل هي الباقية في‬
                                                                                    ‫كل العصور ما لم تنسخ!.‬



                                                                                                            ‫3‬



                                          ‫ثالثا: رخلو القرآن الكريم من دليل واحد قطعي الدللة في حجية الحديث:‬
                                                                                                       ‫ ,ً‬

   ‫فعلى كثرة ما ارختلف الناس في القرآن الكريم وعليه, إل أنهم لم يختلفوا مطلقا على كونه النص العلى والمهيمن‬
‫على ما عداه من النصوص عند المسلمين, وأن ما بسواه يستمد شرعيته منه. وبناء على هذه المسلمة فإن القول بـ‬
  ‫)حجية الحديث ( واعتباره المصدر الثاني للبسالم, ل بد أن يستند إلى برهان قاطع من القرآن نفسه, و ما لم يفعل‬
 ‫ذلك فال حجة فيه و ل إنكار على من رفضه!.و نعني بـ البرهان القاطع ما يسمى عند الصوليين بالدليل الـ ) قطعي‬
  ‫الثبوت و الدللة (. ويقصدون بـ )قطعي الثبوت( أن يكون الدليل قد نقل إلينا نقال متواترا بوابسطة طائفة كبيرة من‬
                          ‫ ,ً‬
  ‫الناس في كل جيل حتى يدون و يشتهر, لن من المحال أن تتواطأ العداد الكثيرة من الناس على الكذب, وهو غير‬
   ‫التواتر الوهمي الذي يزعمه البعض بمجرد تكثير بسواد عدد من الروايات الحادية. ومن هذا الطريق جاء القرآن‬
   ‫الكريم كامال و السنة النبوية _ بتعريفها الذي ارخترنا هنا_ فلم يستطع أحد التشكيك في حرف من القرآن أو أركان‬
‫السنن, و ذلك بعكس الحديث النبوي الذي نقل إلينا عن طريق آحاد الرواة عبر عدد من الجيال حتى بدأ تدوينه في‬
       ‫منتصف القرن الثالث الهجري , فدرخله احتمال الخطأ والنسيان والكذب, كما دلت الشواهد التي بسجلها علماء‬
  ‫الحديث ونقاده !.أما قولهم )قطعي الدللة( فيقصدون به أن يكون الدليل صريحا في معناه و دللته بحيث ل يحتمل‬
 ‫التأويل على أكثر من وجه. ومن المسلم به أن القرآن الكريم في معظمه ظني الدللة إذ " منه آيات محكمات هن أم‬
       ‫الكتاب, وأرخر متشابهات.. ". وعند جمهورهم أن ) المحكم( هو ما ل يقبل التأويل ويسمى قطعي الدللة, وأن‬
                                                              ‫)المتشابه( هو ما يقبل التأويل و يسمى ظني الدللة.‬



    ‫وقد فطن شيوخ السنة _ وعلى رأبسهم المام الشافعي المؤبسس الحقيقي لمذهب أهل السنة_ إلى هذه الحقيقة,‬
  ‫فذهبوا ينقبون في القرآن عن أدلة بهذا المستوى, بعد مواجهات قوية مع فرق إبسالمية كانت تنكر حجية الحديث,‬
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس
هذا بيان للناس

More Related Content

Viewers also liked

القيمة المكانية حتى الملايين
القيمة المكانية حتى الملايينالقيمة المكانية حتى الملايين
القيمة المكانية حتى الملايينaishah280
 
القيمة المكانية حتى المليارات
القيمة المكانية حتى الملياراتالقيمة المكانية حتى المليارات
القيمة المكانية حتى الملياراتaishah280
 
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةجمع القرآن الكريم حفظا وكتابة
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةسمير بسيوني
 
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١سمير بسيوني
 

Viewers also liked (6)

القيمة المكانية حتى الملايين
القيمة المكانية حتى الملايينالقيمة المكانية حتى الملايين
القيمة المكانية حتى الملايين
 
كتاب جمع القران
كتاب جمع القرانكتاب جمع القران
كتاب جمع القران
 
القيمة المكانية حتى المليارات
القيمة المكانية حتى الملياراتالقيمة المكانية حتى المليارات
القيمة المكانية حتى المليارات
 
573
573573
573
 
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةجمع القرآن الكريم حفظا وكتابة
جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة
 
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١
النفحات العاطرة في جمع القراءات العشر المتواترة ١
 

Similar to هذا بيان للناس

د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةbasheer777
 
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائري
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائريأحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائري
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائريveecos.net
 
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمتدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمkhayr_albarya
 
في رحاب القران
في رحاب القرانفي رحاب القران
في رحاب القرانtajweed12
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلاميbenamor belgacem
 
تنظير التغيير
تنظير التغييرتنظير التغيير
تنظير التغييرLoay Qabajeh
 
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
  -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية   -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية Baker AbuBaker
 
أهل الدين و أتباع التدين
أهل الدين و أتباع التدينأهل الدين و أتباع التدين
أهل الدين و أتباع التدينchamithami
 
الغيرة على العقيدة
الغيرة على العقيدةالغيرة على العقيدة
الغيرة على العقيدةRayatAl7q
 
بيان صلة الرحم.doc
بيان صلة الرحم.docبيان صلة الرحم.doc
بيان صلة الرحم.dochayaahealth
 
مصادر مياه الينابيع في العالم
مصادر مياه الينابيع في العالممصادر مياه الينابيع في العالم
مصادر مياه الينابيع في العالمAmin-sheikho.com
 
الملحد ودعواه نسبية الأخلاق
الملحد ودعواه نسبية الأخلاقالملحد ودعواه نسبية الأخلاق
الملحد ودعواه نسبية الأخلاقربيع أحمد
 
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسيات
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسياتنيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسيات
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسياتShamKarama
 
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكو
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكوالمنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكو
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكوArab International Academy
 
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012Hia Magazine - مجلة هي
 
الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد
 الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد   الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد
الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد Mohammad Kettani
 
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبة
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبةومعرفة الجذور الحقيقية الغائبة
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبةdremadhussein
 
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجبيوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجبbasheer777
 
نادي القراءة تمهيد للمشروع
 نادي القراءة تمهيد للمشروع نادي القراءة تمهيد للمشروع
نادي القراءة تمهيد للمشروعBrahim Khababa
 

Similar to هذا بيان للناس (20)

د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعة
 
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائري
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائريأحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائري
أحمد خيري العمري، بعيون شاب جزائري
 
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمتدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
 
Ppt tayyarat
Ppt tayyaratPpt tayyarat
Ppt tayyarat
 
في رحاب القران
في رحاب القرانفي رحاب القران
في رحاب القران
 
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي Benamor.belgacemالوعي الحضاري   مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
Benamor.belgacemالوعي الحضاري مقاربات مقاصدية لفقه العمران الإسلامي
 
تنظير التغيير
تنظير التغييرتنظير التغيير
تنظير التغيير
 
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
  -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية   -بكر أبوبكر في ندوة أريحا  2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
-بكر أبوبكر في ندوة أريحا 2014 وعاء الوسطية والتيارات الماضوية
 
أهل الدين و أتباع التدين
أهل الدين و أتباع التدينأهل الدين و أتباع التدين
أهل الدين و أتباع التدين
 
الغيرة على العقيدة
الغيرة على العقيدةالغيرة على العقيدة
الغيرة على العقيدة
 
بيان صلة الرحم.doc
بيان صلة الرحم.docبيان صلة الرحم.doc
بيان صلة الرحم.doc
 
مصادر مياه الينابيع في العالم
مصادر مياه الينابيع في العالممصادر مياه الينابيع في العالم
مصادر مياه الينابيع في العالم
 
الملحد ودعواه نسبية الأخلاق
الملحد ودعواه نسبية الأخلاقالملحد ودعواه نسبية الأخلاق
الملحد ودعواه نسبية الأخلاق
 
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسيات
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسياتنيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسيات
نيغاتيف من ذاكرة المعتقلات السياسيات
 
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكو
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكوالمنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكو
المنظور المشترك لمراحل التطور الانساني عند كل من إبن خلدون وفيكو
 
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012
مجلة هي - العدد 225 - أكتوبر 2012
 
الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد
 الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد   الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد
الغناء والموسيقى نظرات ومراجعات - دكتور صالح الراشد
 
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبة
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبةومعرفة الجذور الحقيقية الغائبة
ومعرفة الجذور الحقيقية الغائبة
 
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجبيوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
 
نادي القراءة تمهيد للمشروع
 نادي القراءة تمهيد للمشروع نادي القراءة تمهيد للمشروع
نادي القراءة تمهيد للمشروع
 

هذا بيان للناس

  • 1. ‫هذا بيان للناس..‬ ‫حديث النبي من التأريخ وليس من الدين‬ ‫عصام القيسي‬ ‫" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليال, فويل لهم مما كتبت أيديهم, و‬ ‫ ,ً ,ً‬ ‫ويل لهم مما يكسبون " البقرة :97‬ ‫هذا حديث قديم عند صاحبه, أجله مرارا, لبسباب شتى, زال بعضها, و مازال الرخر باقيا. و ما أود أن يعرفه القارئ‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫لّ‬ ‫هو أن هذا الحديث لم يكن وليد نزوة فكرية أو طيش صبياني, و إنما هو ثمرة من ثمرات رحلة طويلة من القراءة و‬ ‫ ِ‬ ‫البحث و التفكر, صرف فيها كاتب هذه السطور أنفس أيامه, و شلغل بها عن تحقيق كثير من أحالمه, حبا في‬ ‫ ,ً‬ ‫غُ‬ ‫المعرفة, كل المعرفة, و رغبة في تحمل المسؤولية المقدرة له تجاه عقيدته و كيانه الجمعي, مهما كانت تلك‬ ‫المسؤولية محدودة الثر. و إن كان لم يعط هذا المبحث على وجه التحديد إل فضول أوقاته لنشلغاله بما هو دونه!.‬ ‫أقول هذا لن كثيرا من أصحاب العطالة الذهنية و الفقر المعرفي _ و هم في حياتنا أكثر من الهم على القلب _‬ ‫ ,ً‬ ‫يتصورون أننا نقول ما نقول, ونكتب ما نكتب, لننا لم نجد ما نفعل, أو لتحقيق شهوة الظهور والتميز, التي‬ ‫يجدونها في أنفسهم ثم ل يجدون إلى تحقيقها بسبيال!. و قد يقف أحدهم أمامك وعقله فراغ تصفر فيه الريح ليصفك‬ ‫بالجهل وقلة المعرفة!, ثم ل ينسى أن يتفضل عليك ببعض النصح, تقوم به اعوجاجك, و تسدد به رخطاك, و كان ال‬ ‫لّ‬ ‫في عونك إذا قررت أن تحاوره بمنطق العلم و العقل, و هو الذي تنشأ على مبدأ " حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا"‬ ‫المائدة:401. وتلقى معارفه على طريقة "بسلم الجر ". فالمعارف لدينا تنتقل من جيل إلى جيل بنفس الطريقة‬ ‫لّ‬ ‫التي تنتقل بها جنائز الموتى من كتف إلى كتف, دون أن يكلف أحد نفسه عناء التأكد مما إذا كان هذا المحمول على‬ ‫كتفه ميتا حقا, أم حمولة مخدرات!.‬ ‫ ,ً ,ً‬ ‫لكن من أين نبدأ هذا الحديث, وكل أبوابه مللغومة, إن نجونا من أحدها لن ننجو من الرخرى؟!. هل نبدأ من‬ ‫المشكالت التي تسببت بها مقولة )حجية الحديث( في مختلف وجوه حياتنا؟! .. هل نبدأ من الدلة الواضحة في عدم‬ ‫حجية أي حديث غير حديث القرآن الكريم " ومن أصدق من ال حديثا " النساء 78, و أنه وحده كلمة ال الرخيرة,‬ ‫و الخالدة؟! " فبأي حديث بعده يؤمنون " المربسالت 05 .. أم نبدأ من الدوافع و العلل الولى التي كانت وراء‬ ‫تأبسيس مبدأ الحجية هذا, الذي جعل من كالم البشر دينا يزاحم كالم ال, و يصد عن بسبيل ال؟!. لعل من المنابسب‬ ‫ ,ً‬ ‫لّ‬ ‫أن نبدأ من ذلك السؤال الذي يطرحه البعض على كاتب هذه السطور في بسياق البستنكار, و يقول: لماذا تجعل من‬ ‫مسألة )حجية الحديث( قضية ذات أولوية في نشاطك الفكري؟ لماذا ل تنشلغل بحال أمتك اليوم و ما هي فيه من‬ ‫الضياع و الهزيمة, بدل من إضافة مشكلة جديدة إلى مشكالتها المزمنة؟!.‬ ‫ ,ً‬ ‫وعلى ما في هذا السؤال من وجاهة ظاهرية إل أنه في باطنه ينطوي على بسذاجة تثير في نفسي مزيدا من القلق‬ ‫ ,ً‬ ‫على مستقبلنا !., فالسائل عادة ل يعلم أن مشكالت الواقع _ واقع الفرد أو الجماعة _ في نصيبها الكبر _ ما هي‬ ‫إل ترجمة لمشكالت العقل والثقافة, إذ ل يجوز _ في حكم العقل والنقل _ أن يكون الجسم بسقيما عندما يكون العقل‬ ‫ ,ً‬ ‫بسليما. إل إذا كان الجهل نورا والعلم ظالما !. وعقل الجماعة_أو الفرد_ هو ثقافتها الفاعلة التي تحدد رؤيتها,‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ومبادئها, ونظام تفكيرها. فإذا صلحت الثقافة صلح العقل, وإذا صلح العقل صلح الواقع, في جدلية من التأثير‬ ‫والتأثر معروفة. وعليه فإن رخلل الواقع المنظور والمحسوس هو تهمة صريحة لحالة العقل والثقافة. وهذا ل يعني‬
  • 2. ‫أن الثقافة بمعانيها الوابسعة التي تشمل العقل هي العامل الوحيد في تشكيل حياتنا, وإنما هي العامل الكثر حسما,‬ ‫ ,ً‬ ‫والكثر تفسيرا لمشكالت الواقع الفردي والجمعي. فماذا في ثقافتنا يحتاج إلى إصال؟ح؟!‬ ‫ ,ً‬ ‫الحقيقة أن مفهوم الثقافة أشبه ما يكون بمجرة وابسعة من العناصر الذهنية والنفسية الموروثة والمكتسبة, التي‬ ‫لّ‬ ‫يصعب الحاطة بها.. إنها في أوبسع تعريف لها: ما يتبقى في الذاكرة بعد نسيان كل شيء!. إل أن مركز هذه المجرة‬ ‫الذي يستقطب أجرامها ويحدد مسارها هو )الدين(, ممثال عندنا في )البسالم( على وجه التحديد. و أي رخلل يصيب‬ ‫ ,ً‬ ‫هذا المركز ل بد أن تتبعه مظاهر كثيرة من الخلل في مختلف الطراف. وعليه فإن أية محاولة للصال؟ح والتحول ل‬ ‫تبدأ من المركز تكتب على نفسها الفشل من اللحظة الولى!. فماذا في ديننا يحتاج إلى إصال؟ح؟. وأعني بالدين هنا‬ ‫تلك المنظومة العقدية, والروحية, والتشريعية, المكونة من النص الديني المنزل على الربسول )ص( وما ألحق به‬ ‫من نصوص إضافية على أيدي المسلمين بعد ذلك كما هي عادة أهل الكتاب!, و ما نشأ بين العقل البسالمي و بين‬ ‫هذه النصوص من تفاعل تحت راية )الجتهاد( في مئات السنين الماضية. كما بسيتبين لنا في نهاية المطاف من هذا‬ ‫البيان.‬ ‫إن هذا البيان يحاول الكشف عن حقيقة ناصعة البياض, ظلت تحت الردم مئات السنين, تتنفس نعم, و لكن ل ترى‬ ‫الشمس!, حقيقة كانت من البدهيات في أزمنتها الولى, و هي الن غريبة غربة الحق في غير زمنه, فطوبى‬ ‫لللغرباء!. حقيقة ل تحتاج إلى كثير علم بقدر ما تحتاج إلى كثير صدق مع ال و النفس, و إلى كثير شجاعة للصدع‬ ‫بها في وجه مجتمعات كالحة الظلمة, جهال, و نفاقا, و ابستبدادا. حقيقة تقول إن ال تعالى لم يخاطب المسلمين بلغير‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫القرآن الكريم, و أن ما يسمى بالحديث النبوي الشريف ليس جزءا من دين ال الذي كلف الربسول )ص( بإبالغه و‬ ‫ ,ً‬ ‫النذار به, و إنما هو جزء من تاريخ النبوة ) السيرة النبوية ( صدر عن النبي )ص( بحكم العادة والجتهاد‬ ‫لّ‬ ‫البشريين ل بحكم الربسالة والتبليغ!. حقيقة تقول إن المسلمين _ بوعي أو بدون وعي _ قد انقلبوا على البسالم!,‬ ‫و أن قطارهم المظفر ما توقف عن المضي قدما إل لنه رخرج عن مساره الذي حدده الصانع الحكيم, فتحطم من‬ ‫ ,ً‬ ‫عرباته ما تحطم, و تاه منها ما تاه في وديان الوهم و الجهالة!.حقيقة صادمة نعم, لكنها لزمة لهل الكهف, كهف‬ ‫التخلف, الذين يعبون من ) نهر الجنون (, و هم يحسبون أنهم عقالء, و أن المجنون هو ذلك الذي تجنب الشرب‬ ‫من نهرهم, و وقف بعيدا ينذرهم, و هيهات أن يعقلوا, أو يلغادروا كهفهم, و قد تعودوا على الظلمة, و تعودت‬ ‫ ,ً‬ ‫عليهم, حتى ل تقوى عيونهم على احتمال ضوء النهار رخارجه!.‬ ‫و هي _ بالمنابسبة _ ليست الحقيقة الوحيدة التي دثرها تراب الجتهاد العشى, فإلى جانبها_ تحت الردم _ حقائق‬ ‫أرخرى كثيرة, ل نرى بعضها, و إن كنا نسمع أنينها, و ذكرنا بعضا منها في مقالت بسابقات لم تجد فرصة للنشر‬ ‫ ,ً‬ ‫على صفحات الجرائد, و نشرت على مواقع الكترونية, مثل ذلك المقال الذي عنونته ) في الطريق إلى الخالص ..‬ ‫هل انقلب المسلمون على البسالم ؟!( و عددت فيه مظاهر انقالب المسلمين على البسالم, بعد ذهاب جيل‬ ‫)الصحابة(, و من تلك المظاهر: اغتيال بسنة صالة الجماعة للنساء في المسجد الجامع مع الرجال, كما كان الحال‬ ‫في زمن النبي )ص( و زمن الراشدين , و اغتيال مبدأ )الشورى( في ولية المر, على يد معاوية بن أبي بسفيان,‬ ‫الذي أبسس لنظام الملك و الوراثة و البستبداد, و منها فضيحة )الغتصاب( الكبير الذي ماربسه المسلمون بابسم‬ ‫)الفتح( البسالمي لنساء البالد المفتوحة, بعد تحويلهن و رجالهن من أبسرى حرب إلى رقيق, يباع و يشترى في‬ ‫أبسواق النخابسة, كما تباع الحذية و النعام, و كل ذلك بابسم البسالم, و " ما ملكت أيمانكم " ! و دون أي بسند‬ ‫شرعي يبرر هذه الفضيحة, ضاربين عرض الحائط بكل النصوص القرآنية الداعية إلى إكرام النسان, و إكرام‬ ‫البسير على وجه الخصوص, و التي تحدد مصير أبسرى الحرب في طريقين اثنين ل ثالث لهما: المن عليهم‬ ‫بالحرية, أو بالفداء: " فإما منا بعد و إما فداء " محمد:4‬ ‫ ,ً‬
  • 3. ‫ومنها ارختراع )عقوبة الرجم( للزاني المحصن, دون دليل قطعي, و هو من العقوبات الشديدة التي كتبت على بني‬ ‫إبسرائيل في بسياق تربيتهم و تأديبهم ,للعلل النفسية والخلقية التي تلبست بهم. مثل تلك العقوبة الشديدة التي ذكرها‬ ‫القرآن الكريم في التكفير عن ذنب من ذنوبهم, قال تعالى " وإذ قال موبسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم‬ ‫باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم رخير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"‬ ‫البقرة 45. و يعتقد أنها تسربت إلى تراثنا الديني مع ما تسرب من إبسرائيليات عن طريق بعض اليهود الذين‬ ‫أبسلموا قبل وبعد انقطاع الوحي. مثل كعب الحبار و وهب بن منبه وغيرهما )أنظر بسفر التثنية. الصحاحين 22-‬ ‫32 (!. و كذلك ارختراع )حد الردة( لمن شاء تبديل عقيدته!, بالرغم من اليات الواضحات في حرية الفكر, والعتقاد,‬ ‫والجدل مع المخالف بالتي هي أحسن, وبالرغم من إغفال القرآن الكريم لية عقوبة دنيوية لخطيئة الردة!, وبالرغم‬ ‫من كل الدلة المعارضة لهذه العقوبة القابسية. وغير ذلك كثير من المقولت الجتهادية والدرخولت اليهودية التي‬ ‫صارت عند الناس مسلمات ل يمكن تجاوزها, أو مناقشتها, مهما كان منطق الضعف فيها باديا, ومهما كان بنيانها‬ ‫ ,ً‬ ‫متهاويا!. وليس هذا مجال بحثها و تفصيلها.‬ ‫ ,ً‬ ‫إنني أضع هذا البيان بين أيدي الباحثين المخلصين لعقيدتهم و أمتهم, وأعلقه بجوار آذانهم ناقوس رخطر, و أرخشى‬ ‫عليه من طيش الصبيان, وحمق المقلدين, و ما أكثرهم في زماننا و أشد نكايتهم, و لكن ال غالب على أمره, إذا‬ ‫شاء جعل النار بردا و بسالما!. و السؤال الذي يفرض نفسه الن هو: إلى أي شيء نستند في هذا العتقاد,‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫العتقاد بوحدانية كالم ال, و عدم حجية أي حديث غير حديثه في القرآن الكريم, و قبل المضي في الجابة عن‬ ‫السؤال أود ابتداء تحديد مفهوم ) الحديث ( كما أعنيه في هذا البيان, لزالة أي لبس قد يقع فيه القارئ غير‬ ‫ ,ً‬ ‫المتخصص. و الحديث الذي أعنيه هو هذه الروايات المدونة في كتب الحديث, والمنسوبة إلى النبي )ص( حينا,‬ ‫ ,ً‬ ‫وإلى صحابته حينا آرخر, وهذا ل يعني _ بالضرورة _ أن قائلها هو النبي )ص( يقينا, أو صحابي من صحابته, إذ قد‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫تكون من الكاذيب المنسوبة إليهم, وإن صح بسندها. فصحة السند وحدها ل تكفي لتأكيد نسبتها إلى الشخص‬ ‫المعين. لن صحة السند تعني عند المحدثين أن عددا من الشروط التي وضعوها قد توفرت في الرواية. إل أن هذه‬ ‫ ,ً‬ ‫الشروط نفسها وإن تحققت ل تضمن نسبة القول إلى صاحبه يقينا, فكم من حديث صح بسنده وبطل متنه, وما‬ ‫ ,ً‬ ‫أحاديث القراءات الشاذة إل مثال شرودا على ذلك!, و هذا ما يؤكده علماء الحديث أيضا. و قد نقلنا ما قاله في هذا‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫الباب ابن الصال؟ح في مقدمته الشهيرة, في محله من هذا البيان. و أما الن فإلى مستنداتنا في القول ببشرية الحديث‬ ‫النبوي, واعتباره جزءا من تاريخ النبوة ل جزءا من الوحي المقدس المتصف باللزام والديمومة.‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫1‬ ‫أول: لما ثبت يقينا في القرآن الكريم من أن النبي عليه الصالة و السالم لم يكن في كل حالته ينطق, أو يتصرف‬ ‫ ,ً‬ ‫عن وحي من ال, و إنما عن عادة و اجتهاد بشريين, و بهذا قال أئمة العلم و محققوه, و شواهده في القرآن و‬ ‫السيرة ل تحصى, من نحو قوله تعالى في عتاب النبي )ص( و التصويب له:"عفا ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين‬ ‫لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " التوبة 34, و قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتلغي مرضاة‬ ‫أزواجك وال غفور رحيم" التحريم 1 , و قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أبسرى حتى يثخن في الرض,‬ ‫تريدون عرض الدنيا و ال يريد الرخرة, و ال عزيز حكيم, لول كتاب من ال بسبق لمسكم فيما أرخذتم عذاب عظيم"‬ ‫النفال 86, و قوله تعالى:" عبس و تولى أن جاءه العمى, و ما يدريك لعله يزكى...وأما من جاءك يسعى وهو‬ ‫يخشى فأنت عنه تلهى " عبس 1-01 .‬
  • 4. ‫فقد دلت هذه الشواهد و غيرها في الكتاب و السيرة على أن النبي )ص( كان يمارس الجتهاد في الدعوة إلى ال,‬ ‫و في تطبيق الشريعة, و في إدارة شئون جماعته, باعتباره أول المكلفين بتدبر القرآن و ابستنباط أحكامه. و كان في‬ ‫اجتهاده يصيب أحيانا و يخطئ أرخرى, فيصحح له الوحي أحيانا كما يصحح للمسلمين في زمن الوحي إذا أرخطأوا و‬ ‫ ,ً‬ ‫قصروا !. يقول الدكتور عبد المنعم النمر: و قد شرف الجتهاد, و رفع من منزلته, و أعطاه دفعة قوية, أن الربسول‬ ‫لّ‬ ‫لّ‬ ‫عليه الصالة و السالم, باشره في تنفيذ بعض النصوص, و في بعض أمور الحياة لعطائها حكما شرعيا لم ينزل فيه‬ ‫وحي... و أراني في حاجة إلى وقفة مع اجتهاد الربسول صلى ال عليه و بسلم فوق ما بسبق أن ذكرته تحت عنوان:‬ ‫" هل هي عن وحي " لني أحسست من موقف بعض العلماء هنا, و في الملتقى الفكري السابع عشر بالجزائر بسنة‬ ‫3891م الذي رخصص لبحث الجتهاد, أحسست أنهم يجفلون من وصف الربسول بأنه يجتهد, و يعتبرون ذلك تطاول‬ ‫على الربسول الذي تصفه آية النجم بأنه " ما ينطق عن الهوى " و بسيطرت هذه الية على نفوبسهم, فجعلوها عامة‬ ‫في كل نطق ينطق به الربسول و هو رخطأ...لقد اضطررت في تعليق لي على بعض ما بسمعته في هذا الملتقى, إلى‬ ‫أن أذكر إرخواني الوجلين من كلمة " اجتهاد الربسول " بأن هذه حقيقة علمية و واقعية تعرض لثباتها و القول بها‬ ‫أغلب أئمتنا و علمائنا على مر القرون حتى الن, و إن هذه الحقيقة تدرس لطالبنا و تتحدث عنها الكتب المقررة‬ ‫عليهم, و كل الكتب التي تتحدث في أصول الفقه و تاريخه, فال يليق بعلمائتا أن يقفوا منها هذا الموقف الذي ينبئ‬ ‫إما عن عدم علم بالحقائق التشريعية, أو عن رخوف من التحدث بها و إقرارها... و تأبسفت أن يكون هذا حال علماء‬ ‫حضروا لبحث موضوع " الجتهاد". )الجتهاد: 18/87(.‬ ‫وهذا يضعنا لزاما أمام بسؤال مهم هو: كيف يمكننا التمييز بين ما يصدر عن النبي )ص( من وحي إلهي وما يصدر‬ ‫عنه من اجتهاد بشري, تمييزا حابسما يمنع درخول البشري في دائرة المقدس الديني و العكس؟! الحقيقة أنه ل‬ ‫لّ‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫يوجد أي نص في الكتاب أو في تراثنا الفقهي _ حسب علمي _ يضع لنا معايير حابسمة و حدودا فاصلة بين ما‬ ‫ ,ً‬ ‫يصدر عن محمد )ص( بحكم العادة و الجتهاد و ما يصدر عنه بحكم الوحي. مع أن المر في غاية الخطورة و‬ ‫الهمية!, إذ قد يكون ذلك موردا من موارد الشرك, و القول على ال ما لم يقل, وهو من أعظم المحرمات التي حذر‬ ‫ ,ً‬ ‫منها القرآن الكريم قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن, والثم والبلغي بلغير الحق وأن‬ ‫تشركوا بال ما لم ينزل به بسلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون. العراف 33. و إغفال الوحي للمعايير‬ ‫ ,ً‬ ‫الفاصلة بين ما يصدر عن النبي في هاتين الحالتين يشير بوضو؟ح إلى كون هذه المسألة من الوضو؟ح بحيث ل‬ ‫تحتاج إلى ذكر!.وأن جهدا بسيطا من التدبر في القرآن الكريم وفي أحوال النبي العظيم كاف للفصل بين الموردين,‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫وهذا ما بسنقوم به في هذا البيان على وجه الجمال والبستعجال غير المخلين, إن شاء ال.‬ ‫فلقد دل البستقراء و البستنباط في القرآن الكريم على أن لمحمد )ص( مقامات عدة يتصرف فيها, عدها بعضهم أكثر‬ ‫من )11 ( مقاما, إل أن اللغزالي و القرافي وابن عاشور و غيرهم ممن فطنوا إلى مقامات النبي )ص( قديما لم‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫يحسنوا تمييزها على أبسس واضحة. وقد تأملت المر فوجدت للنبي )ص( مقامات رخاصة ل تعلق لها بجماعة‬ ‫المسلمين كمقام الزوجية و ما شابهه, و مقامات أرخرى عامة هي التي تخص المسلمين و تعنينا في هذا السياق, و‬ ‫قد حصرتها في ثالثة مقامات, على ضوء شواهد القرآن الكريم و مؤيداته من السيرة النبوية, و هذه المقامات‬ ‫العامة هي: مقام الربسالة, و مقام النبوة, و مقام ولية المر ) وهو فرع عن مقام النبوة (, على نحو من التفصيل‬ ‫التي:‬ ‫أول:مقام الربسالة: وهو مقام تبليغ الربسالة ) الكتاب ( قال تعالى: " و ما على الربسول إل البالغ المبين " النور‬ ‫45. وقال تعالى:" فهل على الربسل إل البالغ المبين" النحل 53, و ل يجوز للربسول الجتهاد في هذا المقام: " و‬ ‫لو تقول علينا بعض القاويل لرخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين " الحاقة 54-64. و البالغ للغة هو: اليصال‬ ‫ ,ً‬ ‫بكفاية. والمبين: الواضح الكاشف. وفي بسياق الية هو: العالن العام للناس كافة, البين في حجيته, المبين‬ ‫لمقاصده. قال تعالى: قل إنما أنذركم بالوحي. وحدد هذا الوحي في آية أرخرى بالقرآن دون شيء بسواه, قال تعالى: و‬
  • 5. ‫أوحي إلي هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ" النعام 91.النبياء:54. و هذا النوع من البالغ لم يتحقق إل للقرآن‬ ‫الكريم وحده باتفاق,, مما يدل على أنه وحده الربسالة المكلف بتبليلغها و أما حديث النبي )ص( فقد كان معظمه‬ ‫يدور بين النبي )ص( و فرد أو أكثر من الصحابة وغيرهم, في ظروف شتى, أو وصف لهيئة من هيئاته أو لعادة‬ ‫من عاداته. و لم يكن النبي )ص( ول الصحابي حريصين على إعالنه للناس كافة, كما بسيتضح لحقا. فضال عن أنه‬ ‫ ,ً‬ ‫نقل إلينا بعد ذلك عن طريق آحاد الرواة, بعكس القرآن الكريم الذي وردنا بنقل الكافة عن الكافة, دون حاجة إلى‬ ‫علوم الرواية والبسناد والرجال!. والحديث بهذا ل يتصف بصفة البالغ المبين التي اتصف بها واشترطها القرآن‬ ‫الكريم في مهمة الربسل, ومن ثم ل يعد من الربسالة التي كلف الربسول بتبليلغها.‬ ‫والالفت أن التأويل الرقمي للقرآن الكريم يشير إلى حقيقة كون ربسالة ال هي القرآن وحده!. والتأويل الرقمي قرينة‬ ‫لطيفة ل يجوز البستهانة بها, و بسيكون لها قدرها بعد نضج مبحث العجاز الرقمي في القرآن الكريم, وصيرورته‬ ‫إلى علم له حقائقه و فلسفته!. يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه )العجاز العددي للقرآن الكريم(: " لقد ورد ذكر‬ ‫ربسالة ال بمختلف ألفاظها )01( مرات في القرآن الكريم... و بنفس العدد أي )01( تكرر ذكر بسور القرآن‬ ‫الكريم ... أي أن ربسالة ال و بسور القرآن قد تساوى عدد مرات ذكرها في القرآن الكريم " أهـ. و هذا التساوي له‬ ‫دللته عندنا, و عند من آمن بوجود بنية رقمية و عددية معجزة في القرآن الكريم, ل تحتاج إلى عناء في إثبات‬ ‫وجودها, )أنظر مثال: عجيبة الرقم 91. و زوال إبسرائيل. للدكتور بسام جرار(.‬ ‫ ,ً‬ ‫وعندما نقول بأن "البسالم" هو "القرآن" وحده ل شريك له, و أن القرآن هو "الوحي" الواجب التباع و ل وحي‬ ‫بسواه, فإن التأويل الرقمي أيضا يؤيدنا في ذلك حيث تبين أن " عدد مرات ذكر ) الوحي ( ومشتقاته_ فيما يخص‬ ‫ ,ً‬ ‫وحي ال لعباده و ربسله _ )07( مرة هي عدد ذكر ) القرآن ( و مشتقاته, و بنفس العدد أي )07( تكرر لفظ‬ ‫) البسالم ( و مشتقاته, و" لم يتضمن هذا العدد لفظ ) أأبسلمتم ( الذي ورد مرة واحدة بصيلغة بسؤال ل يفيد تحقق‬ ‫البسالم " كما يقول نوفل.‬ ‫إذ ,ً فال يسمى الربسول ربسول )بالمعنى الخاص( إل من زاوية كونه مبللغا لربسالة )كتاب( ل من زاوية كونه نبي‬ ‫ ,ً‬ ‫ن‬ ‫يقوم بوظائف النبوة المعتادة, من دعوة للتوحيد و التزكية و الصال؟ح. و هذا ل يعني أنه ليس بنبي, بل هو نبي و‬ ‫زيادة!, و الزيادة هذه هي )الربسالة( التي منحته صفتها, و إل من زاوية المجاز و التلغليب إذا ذكر النبي مع‬ ‫الربسول, نحو قوله تعالى عن موبسى و هارون: فقول إنا ربسول ربك.طه:74. و العربية تلغلب العلى على الدنى, و‬ ‫المتمكن على غير المتمكن, إذا اجتمعا في الخطاب. و لهذا كان موبسى و عيسى و محمد ربسال, و كان هارون و‬ ‫ ,ً‬ ‫زكريا ويحيى أنبياء فقط. وهذا هو رأي جمهور الصوليين من أهل السنة ) الشاعرة وغيرهم(. وأقول )بالمعنى‬ ‫الخاص( احترازا من المعنى العام الذي يظهر من بعض اليات القرآنية التي تطلق صفة )الربسول( على بعض‬ ‫ ,ً‬ ‫النبياء الذين لم يبعثوا بشريعة رخاصة, وتكتفي أحيانا بإطالق صفة )النبي( على بعض )الربسل( الذين بعثوا بشريعة‬ ‫ ,ً‬ ‫رخاصة.‬ ‫وتأتي الخصوصية هنا من الحقائق التالية: أول: ابستنادا إلى القاعدة الللغوية الشهيرة التي تقول إن الرختالف في‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫المبنى يؤدي إلى ارختالف في المعنى. ومبنى كلمة )ربسول( غير مبنى كلمة )نبي( فلزم ارختالف معناهما. وهذه‬ ‫القاعدة ل تؤمن بخرافة الترادف الللغوي التي بسقطت على أيدي المحققين من أئمة الللغة. ثانيا: ابستنادا إلى قوله‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫تعالى: وما أربسلنا من قبلك من ربسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. الحج:25. والية تفصل بواو‬ ‫الملغايرة بين مفهومي الربسول والنبي, كما قال جمهور العلماء.) أنظر: التفسير الكبير للرازي(. ثالثا: ابستنادا إلى‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫نتائج البستقراء البسلوبي في نص القرآن الكريم: فقد وجد الباحثون أن المر بالطاعة لم يقرن في أي بسياق قرآني‬
  • 6. ‫بلفظ )النبي( وإنما قرن بلفظ )الربسول(. نحو قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الربسول وأولي‬ ‫المر منكم.النساء:95. وقوله تعالى: وأطيعوا ال وأطيعوا الربسول.المائدة:29. وفي المقابل لم يجدوا أي صيلغة‬ ‫عتاب أو تصويب يوجه لمحمد )ص( مقرونا بلفظ )الربسول( وإنما وجدوا كل العتاب له إما مقرونا بلفظ )النبي( نحو‬ ‫ ,ً‬ ‫قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتلغي مرضاة أزواجك وال غفور رحيم. التحريم:1. وإما رخاليا من‬ ‫ ,ً‬ ‫اللفظين معا وهو ما يجعلنا نصرفه إلى أصل المقامات كلها وهو مقام النبوة نحو قوله تعالى: عبس وتولى أن جاءه‬ ‫ ,ً‬ ‫العمى" عبس:1.‬ ‫ثانيا: مقام النبوة: و هو أصل المقامات الرخرى, ووظيفة النبي فيه _ أي نبي _ الدعوة إلى التوحيد و التزكية‬ ‫لّ‬ ‫ ,ً‬ ‫والصال؟ح الجتماعي والنفسي, و لكن صاحبه ل يختص بـ )ربسالة / كتاب / شريعة( وإنما هو تابع لشريعة وكتاب‬ ‫ربسول قبله, إل إذا كان النبي نفسه يقوم بوظيفتي النبوة والربسالة في آن واحد. ومن أمثلة تبعية النبي للربسول‬ ‫تبعية هارون وكل أنبياء بني إبسرائيل لموبسى عليهم السالم. والنبي في هذا المقام يحق له الجتهاد في الشريعة‬ ‫والحياة كما يحق للغيره من التابعين, بل هو أول المكلفين بذلك!. وهذا هو رأي جمهور علماء المسلمين من أهل‬ ‫السنة تحديدا. )أنظر: اجتهاد النبي لعبد الجليل عيسى(. غير أن اجتهاد النبي _أي نبي_ إن ألزم عصره فإنه ل‬ ‫ ,ً‬ ‫يلزم أحدا بعد عصره, لن الجتهاد )فتوى( ل )حكم( , و الفتوى محكومة بظروف المكان والزمان والمعطيات‬ ‫ ,ً‬ ‫المتوفرة أمام المفتي لحظة الفتاء,, ومهما يكن المفتي ملما عالما فلن يكون محيطا إحاطة الرب لمخلوقاته. و لهذا‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫كان النبي يأتي وراء النبي و هو تابع لشريعة ربسول قبله, ل لنبوة نبي قبله أو معه!. والنبوة في الللغة إما من‬ ‫لّ‬ ‫)النباء( وهو الرخبار, وإما من )النبوة( وهي الرفعة. وكال المعنيين يصح عليها.‬ ‫ةَ‬ ‫ثالثا: مقام ولية المر: وهذا المقام فرع عن مقام النبوة, إذ أن النبي )ص( لم يكن وليا لمر المسلمين بانتخابات‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫نيابية أو بانقالب عسكري, و إنما بوصفه النبي الربسول, و يختص بكونه مقام شورى و اجتهاد, بدليل قوله تعالى‬ ‫يأمر النبي: و شاورهم في المر.آل عمران:951. إذ ل شورى إل في موارد السيابسة و شئون إدارة الجماعة ل في‬ ‫مجال الوحي!. وهو ما شهدت به السيرة النبوية أيضا في أكثر من مقام. و لمزيد من البيان لمفهومي: الشورى و‬ ‫ولية المر, أنقل هذا النص النفيس للدكتور محمد عمارة, من كتابه )التراث في ضوء العقل( يقول في تعليقه على‬ ‫آية:وأمرهم شورى بينهم : عند ما نطالع آيات القرآن الكريم نجده قد ابستخدم مصطلح )الشورى( _ و مشتقاته _‬ ‫في مواطن ثالث .. ففي الحديث عن شئون البسرة _ و هي اللبنة الولى في المجتمع و المة _ طلب أن يكون‬ ‫)التشاور( بسبيال لبحث شئونها و حسم رخالفاتها " فإن أرادا فصال عن تراض منهما و تشاور فال جنا؟ح عليهما ..‬ ‫" .. أما في أمور السيابسة و الحكم السيابسي فإنه يستخدم )الشورى(: " وأمرهم شورى بينهم ", فيجعل الشورى‬ ‫صفة من صفات المؤمنين, تشهد على ما عندهم من حقيقة اليمان! .. كما يستخدم فعل المر من هذا المصطلح‬ ‫عندما يقول ال لربسوله, عليه الصالة والسالم: " فاعف عنهم و ابستلغفر لهم و شاورهم في المر ... ".‬ ‫وهذا الرتباط بين مصطلح )الشورى( و مصطلح )المر( يضع يدنا على حقيقة كثيرا ما غفل عنها الكثيرون, حقيقة‬ ‫أن المصطلح القرآني الذي يدل على السيابسة و نظام الحكم السيابسي في المجتمع و شئونه هو مصطلح )المر( و‬ ‫ليس مصطلح )الحكم(! .. )فالحكم(: فقه, أو نبوة, أو قضاء .. على حين كان )المر( هو السيابسة و شئون المجتمع‬ ‫السيابسية, و من هنا كان الرتباط بين " المر " و بين " الشورى " في آيات الشورى بالقرآن الكريم ..و إذا كان‬ ‫معنى " البسالم " _ كدين _ هو الطاعة ل طاعة تامة, و إبسالم الوجه ل, المر الذي ل يجعل للشورى مكانا في‬ ‫ ,ً‬ ‫أمور الدين و أصوله و عباداته, فإن السيابسة و أمور الدنيا _ و هي مدنية بشرية _ قد جاءت مرتبطة بالتشاور و‬ ‫الشورى .. حدد ذلك القرآن, و حثت عليه السنة النبوية, و طالعناه في الدب السيابسي لعصر النبوة و الخالفة‬ ‫الراشدة ...‬
  • 7. ‫والذين يتتبعون وثائق ذلك العصر يجدون السيابسة و شئونها واردة بكاملها تحت مصطلح )المر( .. ففي بسقيفة‬ ‫بني بساعدة, بالمدينة, اجتمع المسلمون لتقرير نظام حكمهم بعد وفاة الربسول ,عليه الصالة و السالم, و لرختيار‬ ‫رخليفتهم, فكان أن قال أبو بكر الصديق: " إن محمدا قد مضى بسبيله, و لبد لهذا المر من قائم يقوم به ..( ..‬ ‫وعندما حضرت الوفاة عمر بن الخطاب, و عقد للشورى مجلسا, قال لهم: " تشاوروا في هذا المر " .. بل لقد جاء‬ ‫الشتقاق الللغوي لكلمة )المير( _ الذي يتولى بسيابسة الدولة أو القليم أو الجيش _ من مصطلح )المر(.. و منه‬ ‫كانت تسمية المسلمين لرأس دولتهم )أمير المؤمنين(! .. و كذلك كان "أولوا المر " هم القادة و الموجهون‬ ‫لشئون المجتمع في السيابسة و الحرب و الجتماع و الفكر و القتصاد ..‬ ‫و في كتب الحديث _ و رخاصة في صحيح مسلم _ نجد أحاديث السيابسة, و ما نسميه بللغة عصرنا " نظام الحكم "‬ ‫مجموعة في )كتاب المارة( للصلة العضوية , بين هذا المبحث و بين مصطلح )المر( هو الدال على ما نسميه‬ ‫اليوم في أدبنا السيابسي المعاصر بنظام الحكم, على حين كان مصطلح )الحكم( _ و ل يزال _ بعيدا عن هذا المبحث‬ ‫في القرآن الكريم! ..(.أ.هـ‬ ‫وبالبستناد إلى ما مضى فإنه ل يصدر عن النبي في مقام الربسالة إل القرآن الكريم, لنه ل ربسالة بسواه, و مادل‬ ‫عليه القرآن بشكل حابسم, و هو السنة الدينية المنقولة إلينا بالتواتر العملي!, و أما ما صدر عن النبي رخارج هذه‬ ‫الحدود فهو دارخل في مقام النبوة و غيره من المقامات الخاصة و العامة, التي ل تدرخل في دائرة )البالغ(. ولننا‬ ‫ابستثنينا السنة النبوية من مقامات الجتهاد وأنزلناها حيث أنزلها القرآن الكريم, فإن من الالزم علينا بيان مفهوم‬ ‫السنة كما نفهمه فنقول: السنة هي: الفعال الدينية الصادرة عن الربسول )ص( بصورة راتبة, تفصل مجم ,ً أمرنا‬ ‫ال‬ ‫لّ‬ ‫به في القرآن الكريم, ودل القرآن على أن بيانها لدى الربسول, و نقلت إلينا بالتواتر العملي نقال ل يشك فيه.‬ ‫ ,ً‬ ‫فبقولنا )أفعال( رخرجت )أقوال( النبي )ص(, و بقولنا )الدينية( رخرجت أفعاله العادية مما يفعله الناس في ليلهم و‬ ‫نهارهم, و بقولنا )بصورة راتبة( رخرجت أفعال النبي الدينية غير المفروضة من نوافل و عبادات و تسابيح, و‬ ‫بقولنا )تفصل مجمال في القرآن الكريم..( تأكيد على أن أصل هذه العبادات ينبلغي أن يكون مأمورا به على الجمال‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫لّ‬ ‫في القرآن الكريم, و دل العقل و النص على أن الربسول مكلف ببيانه, مثل بيانه لتفاصيل الصالة. و بقولنا )نقلت‬ ‫إلينا بالتواتر العملي( رخرجت كل المظاهر الدينية التي نسبت إلى النبي و لم ترد إلينا عن طريق )البالغ المبين(.‬ ‫وقد ميزنا بين السنة والحديث ابستنادا إلى حقائق الللغة التي تفرق بين الفعل والكالم, وابستنادا إلى حقائق التاريخ‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫التي تروي أن الناس إلى بداية القرن الثاني كانت تفرق بين )أفعال( النبي و )أقواله( فيسمون الولى )بسنة( و‬ ‫لّ‬ ‫يسمون الرخرى )حديثا(, و يقولون: فالن أعلم بالسنة و فالن أعلم بالحديث. ثم رخلف من بعد هؤلء رخلف جعلوا‬ ‫ ,ً‬ ‫السنة حديثا والحديث بسنة, كرد فعل تجاه من يثبت السنة وينكر الحديث في زمنهم. وقد كان للمام الشافعي دور‬ ‫ ,ً‬ ‫كبير في إربساء هذا الخلط بين مفهومي السنة والحديث حيث ضرب أفعال النبي و أقواله و تقريراته في رخالط واحد,‬ ‫و أرخرج لنا مخلوطا جديدا أبسماه )السنة القولية, والسنة العملية, والسنة التقريرية(, كل ذلك على بسبيل المجاز‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫والتلغليب ليس غير. فلم ينكر الشافعي ول غيره أن أصل المفهومين في اللسان العربي مختلف عن الرخر. وهذا ما‬ ‫رخلص إليه عالم كبير من علماء المسلمين هو البروفسيور طه جابر العلواني وهذا نص كالمه: والسنة في الللغة‬ ‫بمعنى السيرة والطريقة حسنة كانت أم قبيحة...وقد ابستعملت السنة في القرآن بمعنى الطريقة: قال الراغب:"‬ ‫وبسنة ال قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته...ونقل الشوكاني عن الكسائي: أن السنة تعني الدوام. أي: المر‬ ‫الذي يداوم عليه. وقال الطبري "السنة هي المثال المتبع...وعلى هذا فيمكن أن نقول في تعريفها: السنة هي‬ ‫الطريقة الحميدة المتكررة المستمرة, المستقرة التي يعتادها صاحبها حتى تصبح عادة وطبيعة له وعرفا يتعارف‬ ‫ ,ً‬ ‫المتبعون لصاحب تلك الطريقة عليه..] ثم نقل لنا معنى السنة عند الفقهاء فقال[: لعل أقرب التفسيرات التي صدرت‬ ‫عنهم إلى المعاني الللغوية التي ذكرناها تفسير الحنفية, قال الكمال:" السنة هي: ما واظب عليه الصالة والسالم‬ ‫على فعله ...أما الشافعية فقد عرفوا السنة بأنها:" الفعل المطلوب طلبا غير جازم" على تفصيالت كثيرة لديهم‬ ‫ ,ً‬ ‫وكلها _ في حدود اطالعنا_ تكاد ل تستحضر عند تعريفها غير "الفعل النبوي" اللهم إل ما كان من تقي الدين‬
  • 8. ‫السبكي الذي عرف السنة بأنها: ما علم وجوبه أو ندبيته بأمر النبي )ص(, فكأنه لم ير العتياد والبستمرار والدوام‬ ‫كافية في جعل ما واظب عليه بسنة إذا لم يقترن بأمر منه صلى ال عليه وبسلم...‬ ‫ول نود أن نثقل على القارئ بذكرنا بسائر التفاصيل والمواقف المتعددة في المسألة, فذلك ليس من هدف هذه‬ ‫الدرابسة, التي نود أن نكرس الهتمام نحو تجريد مفهوم السنة وتخصيصه فيما وضع له, وابستعمل فيه, وهو الفعل‬ ‫أو الطريقة المقترنة بالدوام والبستمرار والعتياد, وليست القوال والحاديث والرخبار المجردة بسواء نصت إلى‬ ‫غُ‬ ‫النبي أو لم تنص إليه, ويؤيد ذلك ويعززه حديث ابن شهاب عن بسالم بن عبد ال بن عمر عن أبيه في قصته مع‬ ‫غُ‬ ‫الحجاج حين قال له:" إن كنت تريد السنة فجهر بالصالة",قال ابن شهاب: قلت لسالم: أفعله ربسول ال )ص( ؟!‬ ‫قال: وهل يعنون بذلك إل بسنته"...كل هذه النقول تدل على أنه حتى بدايات القرن الهجري الثاني لم يشع ابستعمال‬ ‫مفهوم "السنة" في "الرخبار والحاديث" بل في أمور تطبيقية وعملية وفعلية واظب ربسول ال )ص( عليها,‬ ‫وداوم فعلها وتكرارها حتى صارت طريقة له في العمل والحياة وفهم الناس من ذلك أنهم مندوبون إلى متابعته فيها.‬ ‫أما ابستعمال "السنة" في كل ما أضيف إلى ربسول ال )ص( من قول أو فعل أو تقرير فذلك أمر شاع وانتشر بعد‬ ‫عصر التدوين الربسمي للمعارف البسالمية في عهد المنصور, وجرى تداوله بعد ذلك. ولم يأرخذ شكال مستقرا حتى‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫بعد ذلك. )مجلة: إبسالمية المعرفة _العدد 93(.‬ ‫وقد عددنا السنة العملية بوصفها السابق جزءا من الدين نزول عند الحالت القرآنية التي تأمر بإقامة هذه السنن‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫دون أن تفصلها, مما يعني أنها تحيل إلى شيء معروف عند المخاطب الول, ولم يتبق إل أن نتأكد من ثبوتها عنه‬ ‫لّ‬ ‫دون زيادة أو نقصان على وجه اليقين. ومن ذلك الحالت القرآنية في شأن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة نحو قوله‬ ‫تعالى: و أقيموا الصالة و آتوا الزكاة و أطيعوا الربسول لعلكم ترحمون. النور:65. والية ترفع الصالة و الزكاة إلى‬ ‫مرتبة الربسالة حين تشير إلى أن تفاصيل أركانهما عند الربسول الذي تجب طاعته!. وقد اتفق المسلمون جميعا على‬ ‫ ,ً‬ ‫أن هذه الهيئة من الصالة بأعدادها ومواقيتها قد وردتنا عن النبي )ص( بنقل الكافة عن الكافة, فال تحتمل الشك‬ ‫والريب تماما كما حدث مع القرآن الكريم.‬ ‫ ,ً‬ ‫و هذا يضعنا أمام بسؤال آرخر يقول: هل يعني هذا أن هذه السنن من الوحي المقدس, و هل هناك وحي غير وحي‬ ‫القرآن الكريم؟ و لماذا ل يكون الحديث إذن جزءا من هذا الوحي, إذا كان الرد باليجاب؟!. و الحقيقة أنه ل مانع من‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫وجود وحي )مساعد( لوحي الربسالة, أدنى رتبة من وحي القرآن الكريم, بل إن شواهد هذا الوحي متوفرة في‬ ‫الكتاب و السيرة: كوحي ال لم موبسى: و أوحينا إلى أم موبسى أن أرضعيه " القصص:7. و وحي ال‬ ‫ ,ً‬ ‫للحواريين: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و بربسولي. المائدة:111. و قبل ذلك وحي ال للنبياء جميعا‬ ‫بدون كتاب!. و ما ترتيب آيات القرآن في بسوره, و ترتيب بسوره في مصحفه, إل شاهد من شواهد وجود هذا‬ ‫الوحي, يوجه النبي )ص( في هذا الترتيب الذي دلت البحوث و الدرابسات الرقمية و العددية على إعجازه, و صدوره‬ ‫عن حكيم رخبير!. والقول بوجود أنواع مختلفة ومتفاوتة الرتبة من الوحي هو محل اتفاق بين العلماء المسلمين.‬ ‫)أنظر: الحديث والمحدثون: محمد أبو زهو(. و ل غرابة في قولنا بوجود وحي مساعد لوحي الربسالة, ما دام‬ ‫القرآن يحدثنا عن مساعد نبي, أو بللغة القرآن )وزير( نبي!, فهذا موبسى عليه السالم يطلب من ربه ) وزيرا ( له‬ ‫من أهله يساعده في شئون النبوة, و يرشح هارون أرخاه لهذه المهمة: و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أرخي,‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫أشدد به أزري, و أشركه في أمري. طه:92-23. و ال بسبحانه و تعالى يقبل ترشيح موبسى و يعتمد هارون نبيا‬ ‫)مساعدا( لموبسى الربسول!.‬ ‫ ,ً‬
  • 9. ‫و لمزيد من الطمئنان فقد قام كاتب هذه السطور بعملية إحصاء عددي لكلمة )صالة( و مشتقاتها في القرآن الكريم,‬ ‫لعله يجد دللة ما من بنية )التأويل الرقمي( الذي يؤمن به. و كانت المفاجأة وجود المالحظات التية: كلمة‬ ‫)صلوات( هي مجموع كلمة ) صالة (, و عدد حروف الجمع )5( حروف, و هو عدد صلوات اليوم و الليلة. وردت‬ ‫مشتقات كلمة )صالة( في القرآن الكريم دون تكرار )91( مرة, و الرقم )91( هو الرقم المعجز في البنية الرقمية‬ ‫للقرآن الكريم, و يطلق عليه بعضهم )الشفرة( الرقمية للقرآن الكريم, كما أثبت باحثون ثقاة أمثال: الدكتور بسام‬ ‫جرار في كتابيه )عجيبة الرقم 91( و )نهاية إبسرائيل(, و الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابيه )معجزة الرقام و‬ ‫الترقيم في القرآن( و )العجاز العددي للقرآن الكريم(, و قبلهما الدكتور رشاد رخليفة, الذي دفعه هذا الكشف المذهل‬ ‫إلى ادعاء النبوة!. وردت كلمة ) صالة ( و مشتقاتها مكررة )99( مرة. و بقسمة العدد )99( على العدد )91( يكون‬ ‫لّ‬ ‫الناتج ) 3625012,5 ( و هذا الرقم يرمز إلى أمرين: الول: العدد الصحيح )5( و يرمز إلى عدد الصلوات‬ ‫)المفروضة( في اليوم و الليلة!, والرخر: العداد غير الصحيحة بعد الفاصلة) 3625012( و ترمز إلى النوافل بعد‬ ‫الفرائض!. و العجيب أن مجموع أرقام هذه النوافل يساوي العدد )91( أيضا. و بجمع النوافل )91( إلى الفرائض )‬ ‫ ,ً‬ ‫5( ينتج العدد )42( و هو عدد بساعات اليوم و الليلة التي تؤدى فيها الفرائض و النوافل!. و بضرب العدد )91( في‬ ‫العدد )99( ينتج العدد )1881( و هو عدد صلوات اليوم و الليلة في العام الواحد, إذ بقسمة )1881( على )‬ ‫3625012,5 ( يكون الناتج )163( و هو عدد أيام السنة على أحد التقاويم !. فهل هي مجرد صدف رقمية؟!.‬ ‫وعودا على بدء فقد ثبت قطعا أن النبي )ص( كانت له حالت يتصرف فيها رخارج حدود الوحي, إما بحكم العادة‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫البشرية وإما بحكم الجتهاد والتشاور, واليات في ذلك واضحة حابسمة. وقلنا إنه ل بد من التمييز الواضح بين ما‬ ‫يصدر عن النبي بحكم الوحي و ما يصدر عنه بحكم العادة و الجتهاد حتى ل يختلط المقدس بالبشري, و نقع في‬ ‫الشرك!. وقلنا إن هذا التمييز الواضح غير ممكن إل بافتراض مقامات عامة واضحة للنبي )ص(, و قد دلتنا اليات‬ ‫والسيرة على ثالثة منها هي مقامات: الربسالة,و النبوة, و ولية المر. و ابستنادا إلى ما مضى, قلنا إن ) الحديث‬ ‫ ,ً‬ ‫النبوي ( يعد امتدادا لمقامات النبي كلها عدا مقام ) الربسالة ( لن الربسالة محددة بـ ) الكتاب ( ومشروطة بـ‬ ‫ ,ً‬ ‫) البالغ المبين ( وهذه هي البانة التي وصفت بها ربسالة الربسول, والبصيرة التي أمرنا باتباعها:" قل هذه بسبيلي‬ ‫أدعوا إلى ال على بصيرة أنا و من اتبعني "يوبسف:801. بعيدا عن اللغبش و الظنون, و " إن يتبع أكثرهم إل ظنا‬ ‫"!. وبسنتعرض لحقا بالنقاش المفصل لكل الشواهد واليات التي زعموا أنها أدلة في حجية الحديث.‬ ‫2‬ ‫ثانيا: نهي النبي )ص( الثابت في كتب الحديث نفسها عن تدوين كالمه: دون أن يثبت تراجعه عن هذا النهي, فقد‬ ‫ ,ً‬ ‫روى مسلم في صحيحه عن أبي بسعيد الخدري أن النبي )ص( قال:ل تكتبوا عني شيئا غير القرآن, و من كتب عني‬ ‫ ,ً‬ ‫شيئا غير القرآن فليمحه, و حدثوا عني و ل حرج , و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . و له روايات‬ ‫ ,ً‬ ‫أرخرى مماثلة في كتب الحديث الرخرى. وقد حاول بعض الصحابة مرارا التأثير على النبي )ص( ليسمح لهم بكتابة‬ ‫ ,ً‬ ‫حديثه لكنه أبى!, فقد جاء عن أبي بسعيد الخدري أيضا قوله: جهدنا بالنبي )ص( أن يأذن لنا في الكتاب فأبى " و‬ ‫ ,ً‬ ‫ورد عنه أيضا قوله:" ما كنا نكتب غير التشهد و القرآن " )بسنن أبي داود(. و كان النبي )ص( قد برر هذا النهي‬ ‫ ,ً‬ ‫في حديث عن أبي هريرة قال:" رخرج علينا ربسول ال )ص( و نحن نكتب الحاديث, فقال: ما هذا الذي تكتبون؟‬ ‫قلنا: نكتب أحاديث نسمعها منك. قال: كتاب غير كتاب ال؟!. أتدرون. ما ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من الكتب‬ ‫مع كتاب ال تعالى" )تقييد العلم: الخطيب البلغدادي( . و هو ما يعني بوضو؟ح أن كالم النبياء ليس دارخال في مجال‬ ‫ ,ً‬ ‫الدين, وأنه إذا تركهم يكتبون أحاديثه في زمنه دون أن ينهاهم فسيعد ذلك منه قرينة على حجيتها عندما يزعمون‬ ‫ذلك, فيقعون في ما وقعت فيه المم السابقة من تقديس لكالم النبياء, حين تأرخذ هذه المدونات طريقها إلى منصة‬ ‫القدابسة بفعل الزمن و العقل البسطوري للمم غير الكتابية. و قد وقع بالفعل ما كان يخشاه النبي )ص(, وصار‬ ‫حديثه دينا يزاحم حديث ال!.‬ ‫ ,ً‬
  • 10. ‫ومما يؤكد وقوع هذا النهي عن كتابة الحديث النبوي اتفاق المسلمين على أن الصحابة لم يدونوا _ بصورة ربسمية‬ ‫_ أحاديث النبي )ص( مما يدلل على التزامهم بتوجيهات النبي )ص( و على كون عموم النهي غير منسوخ في‬ ‫مرحلة متأرخرة من حياة النبي كما تزعم الكثرة الجاهلة!. بل نحن ننكر مبدأ النسخ في الدين من أبسابسه, و بسيكون‬ ‫لنا مع هذا المبدأ وقفات تكشف باطله في منابسبة قادمة إن شاء ال!. و قد ابستفاضت الروايات عن كبار الصحابة‬ ‫الرافضة لتدوين الحديث أو حتى الكثار من روايته, مع الدعوة إلى الكتفاء بالقرآن الكريم ل شريك له: فقد روى‬ ‫البخاري عن ابن عباس: لما اشتد بالنبي )ص( وجعه قال: أئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا ل تضلوا بعدي, قال عمر:‬ ‫ ,ً‬ ‫إن النبي غلبه الوجع, و عندنا كتاب ال حسبنا ". فأين ذكر السنة هنا؟ و هل يقدر عمر _ إذا صدقت الرواية _ أو‬ ‫غيره على رد أمر ربسول ال )ص( لو كان من الدين؟ أم أن الجميع يدرك أن الدين قد اكتمل بنزول آرخر آية ل بقول‬ ‫آرخر حديث؟!.‬ ‫و في رواية عن قرظة بن كعب قال: رخرجنا نريد العراق, فمشى معنا عمر إلى حرار ... فقال: إنكم تأتون أهل قرية‬ ‫لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فال تصدوهم بالحاديث فتشلغلوهم, جردوا القرآن, و أقلوا الرواية عن ربسول ال‬ ‫لّ‬ ‫لّ‬ ‫)ص(, أمضوا و أنا شريككم, فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا, قال: نهانا عمر بن الخطاب !.ولم يكتف عمر بذلك بل كتب‬ ‫في المصار يقول: من كان عنده شيء من الروايات فليمحه. و روي عنه أنه أحرق مجموعة من الروايات و قال:‬ ‫مثناة كمثناة أهل الكتاب؟!. بل بلغ به الحتياط في منع الحديث ) و ليس التدوين فقط ( إلى درجة حبس مجموعة‬ ‫من كبار الصحابة بالمدينة لكثارهم من التحديث ) وهو مبا؟ح (, فقد روي أنه بعث إلى عبد ال بن مسعود, و أبي‬ ‫الدرداء, و أبي مسعود النصاري, فقال لهم: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن ربسول ال )ص(؟ فحبسهم بالمدينة‬ ‫حتى ابستشهد!.‬ ‫وأما أبو بكر الصديق فقد جمع الناس و قال:إنكم تحدثون عن ربسول ال )ص( أحاديث تختلفون فيها, و الناس من‬ ‫بعدكم أشد ارختالفا )صدق أبو بكر ( فال تحدثوا عن ربسول ال شيئا, فمن بسألكم فقولوا بيننا و بينكم كتاب ال‬ ‫ ,ً‬ ‫فابستحلوا حالله و حرموا حرامه!. و مثله فعل المام علي: عن جابر بن عبد ال بن يسار, قال: بسمعت عليا يقول :‬ ‫ ,ً‬ ‫أعزم على كل من كان عنده كتاب إل رجع فمحاه, فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم‬ ‫"!.) جامع بيان العلم و فضله(.‬ ‫وروي عن عبد ال بن مسعود أنه أحرق صحيفة بها بعض الحاديث ثم قال: أذكر ال رجال يعلمها عند أحد إل‬ ‫ ,ً‬ ‫علمني به, و ال لو أعلم أنها بدير هند لبللغتها!, بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب ال وراء ظهورهم‬ ‫كأنهم ل يعلمون!. فليت شعري كيف انقلب هذا التشديد في منع الحديث إلى تشديد في كتابته و الرخذ به؟!.وروى‬ ‫مسلم عن ابن عباس قوله: إنا كنا نحدث عن ربسول ال إذ لم يكن يكذب عليه, فلما ركب الناس الصعب و الذلول‬ ‫تركنا الحديث عنه . و أراد معاوية أن يكتب حديثا فنهاه زيد بن ثابت قائال: إن ربسول ال )ص( أمرنا أل نكتب شيئا‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫من حديثه .‬ ‫بل إن عمر بن الخطاب _ في رخالفته _ قد تحرج حتى من كتابة ) السنن ( و هي التي تنقل إلينا بالتواتر العملي و ل‬ ‫تحتاج إلى تسجيل إل من باب التوثيق التاريخي, و قد ميزنا بسلفا بين مفهومي: السنة و الحديث, و قلنا إن الفرق‬ ‫ ,ً‬ ‫بينهما هو الفرق بين ) الفعل ( و ) الكالم (. فقد روى الزهري قال:أرخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب‬ ‫أراد أن يكتب ) السنن (, و ابستشار فيه أصحاب ربسول ال, فأشار عليه عامتهم بذلك, فلبث شهرا يستخير ال في‬ ‫ ,ً‬ ‫ذلك شاكا فيه, ثم أصبح يوما و قد عزم ال له فقال: إني كنت ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم, ثم تذكرت فإذا‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب ال كتبا فأكبوا عليها و تركوا كتاب ال, و إني و ال ل ألبس كتاب‬ ‫ ,ً‬ ‫ال بشيء!.)تقييد العلم: الخطيب البلغدادي(. لحظ قوله " تذكرت" و قوله "فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم‬ ‫قد كتبوا مع كتاب ال كتبا فأكبوا عليها و تركوا كتاب ال ", فإنه يتطابق مع قول النبي في حديث أبي هريرة‬ ‫ ,ً‬ ‫السابق " كتاب غير كتاب ال؟!. أتدرون. ما ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب ال تعالى"!.و كل‬
  • 11. ‫التبريرات التي وردت عن الصحابة في النهي عن التدوين تطابقت مع قول النبي )ص(, فلماذا تجاهلها المحدثون و‬ ‫الشيوخ, و ذهبوا ينقبون عن تبريرات أرخرى ملغايرة؟!.‬ ‫والدعوة إلى الكتفاء بالقرآن الكريم و البستلغناء به عن الحديث كان موقف أم المؤمنين عائشة أيضا: فعن أبي‬ ‫مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان رضي ال عنه بمكة, و جئنا لنشهدها, و حضرها ابن عمر و ابن عباس‬ ‫رضي ال عنهما, و إني لجالس بينهما ... فقال عبد ال بن عمر لعم بن عثمان: أل تنهى النساء عن البكاء فإن‬ ‫ربسول ال )ص( قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. قال ابن عباس: قد كان عمر يقول ببعض ذلك .. فلما مات‬ ‫عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم ال عمر! و ال ما حدث ربسول ال )ص(: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه, و‬ ‫لكن ربسول ال تعالى قال:إن ال ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه..و قالت حسبكم كتاب ال " ول تزر وازرة وزر‬ ‫ ,ً‬ ‫أرخرى ". و لعل النبي )ص( _ إذا صحت هذه الرواية _ قد اجتهد في فهم قوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم‬ ‫القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بلغير علم أل بساء ما يزرون . النحل:52. كما يرى محمد اللغزالي!. و الحديث‬ ‫رواية آحاد ل يفيد شيئا في أي مجال فما بالنا بمجال العتقاد!. و الروايات الواردة عن النبي وصحابته في النهي‬ ‫ ,ً‬ ‫عن كتابة الحديث مستفيضة بللغت عند البعض حد التواتر.‬ ‫وهذا ل يعني أن الكتابة في حد ذاتها هي المشكلة التي يخشاها النبي و صحابته, لنه ل معنى للنهي عن )الكتابة(‬ ‫ما دامت الرواية الشفاهية جائزة, و إنما كان النهي قرارا تكتيكيا من النبي )ص( قصد به إبطال حركة التدوين‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫الربسمي للحديث في عهده, لنها الذريعة التي بستحول كالمه إلى دين يؤارخذ عليه الناس, و ل مانع بعد ذلك من أن‬ ‫يسمح لفراد قالئل من الصحابة في منابسبات معينة, و لبسباب رخاصة _ كالبستعانة على الحفظ مثال _ أن يدونوا‬ ‫ ,ً‬ ‫بعض حديثة, فلكل قاعدة ابستثناء. و ل يصح القول هنا إن إذن النبي لبعض الصحابة بالكتابة بتلك الحتياطات قد‬ ‫نسخ النهي العام الذي أصدره بسابقا,لن حالت الخصوص ل تللغي عموم النهي كما يقول رشيد رضا, و كما تقول‬ ‫ ,ً‬ ‫القاعدة الصولية!.‬ ‫لقد تنبه النبي إلى أن كتابة حديثه اليومي بستمنحه بسمة الثبات و الديمومة التي تكون للنص الديني المقدس, و أن‬ ‫بسكوته عن التدوين بسيعد إقرارا منه أو قرينة على أنه من الوحي المحفوظ, فنهى عن الكتابة و أذن بالرواية _‬ ‫ ,ً‬ ‫على بسبيل الجواز ل الوجوب _ إذ لم يكلف أحدا برواية حديثة. و الذن برواية حديثه شفاها ل ضير فيه, لن‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫الرواية الشفهية تعرض المحفوظ للشك في الحجية. و تفقده القيمة التوثيقية التي تمنحه بسمة الثبوت القطعي,‬ ‫الذي يسميه القرآن ) البالغ المبين (. و فعل الربسول هذا يندرج تحت القواعد الصولية التي تقول بسد الذريعة,‬ ‫وبعدم جواز السكوت في محل البيان, وأن درء المفابسد مقدم على جلب المنافع!.‬ ‫إن شواهد النهي مستفيضة, وتبريراته متطابقة بين النبي وصحابته كما رأينا, و يعضد بعضها بعضا, ول معارض‬ ‫لها أقوى منها دللة, والمحدثون والصوليون لم ينكروا صحة أحاديث النهي و حقيقة وقوعه من قبل النبي )ص(,‬ ‫و ل قالوا إنه تراجع عن هذا النهي صراحة, و إنما ذهبوا يبحثون لهذا النهي عن مبررات تبطله, و تسوغ عقيدتهم‬ ‫في الحديث!.إل أن هذه التبريرات كما بسنرى لم تصمد لحجج العقل و النقل: و من أشهر تبريراتهم تلك قولهم إن‬ ‫النبي )ص( قد نهى عن كتابة حديثه رخوفا من ارختالطه بالقرآن الكريم, و هي شبهة بساذجة, تعجب لذوي الصيت و‬ ‫ ,ً‬ ‫البسماء الالمعة كيف يتداولونها و ل ينكرونها, و تتبدى بسذاجتها مع المالحظات التية: )1(: تجاهل هذا التبرير و‬ ‫تجاوز تبرير النبي )ص( نفسه, و تبريرات صحابته التي تطابقت معه كما رأينا في الروايات السابقة حيث قال: ما‬ ‫ضل المم قبلكم إل بما اكتتبوا من كتب مع كتاب ال تعالى. فالنبي لم يقل أنه يخشى أن يختلط القرآن بالحديث كما‬ ‫يزعمون, و إنما قال إنه يخشى أن تضل أمته بكتابة حديثه, كما ضلت المم السابقة بكتابة كالم النبياء والحبار مع‬
  • 12. ‫كتاب ال ) الربسالة (, فهل بعد هذا من وضو؟ح!. و هاهي الشواهد و الوقائع تؤكد ما كان يخشاه النبي)ص( و صار‬ ‫حديثه المصدر الثاني للبسالم بعد القرآن الكريم, و هاهم المحدثون يعلنون دون مواربة أن القرآن أحوج إلى‬ ‫الحديث من حاجة الحديث إلى القرآن, فهو يخصص عامه, و يقيد مطلقه, و يبين مجمله, بل وينسخ أحكامه عند‬ ‫لّ‬ ‫بعضهم !. بارختصار: لقد قام الحديث بدور الحاجب على باب القرآن الكريم, و في أحيان كثيرة قام بدور الوصي‬ ‫المهيمن عليه!.‬ ‫)2 (: كما تجاهل تبريرهم السابق آيات القرآن الواضحة في كون الذكر محفوظ بحفظ ال, مثل قوله تعالى: إنا نحن‬ ‫نزلنا الذكر و إنا له لحافظون.الحجر:9 . و ل ندري كيف يمكن أن يختلط كالم ال, ببالغته و بسمته و أبسلوبه‬ ‫المعجز, بكالم البشر مهما كانت مكانتهم؟!. ثم هل كان عسيرا على النبي )ص( أن يحتاط لهذا المر بأن يخصص‬ ‫ ,ً‬ ‫من الصحابة كتبة للحديث غير كتبة القرآن؟!و إذا كان هذا قد فات النبي )ص( فهل عجز الصحابة أن يفعلوه بعد‬ ‫وفاة النبي, وبعد أن ابستقر أمر القرآن و حفظ في السطور و الصدور؟!. و لماذا لم نجد من كبار الصحابة أمثال:‬ ‫أبي بكر, و علي, و عمر, و عثمان, و بقية العشرة الكبار من مستشاريه, الذين أطلق عليهم المسلمون وصف:‬ ‫العشرة المبشرين بالجنة, اهتماما برواية الحديث ) مجرد روايته ( كما وجدناه من صلغارهم أمثال: ابن عمر, و ابن‬ ‫عباس, و النعمان بن بشير, و أبي هريرة, و غيرهم؟ .. هل قصر الصحابة في حفظ ) البيان النبوي ( للقرآن‬ ‫الكريم؟ .. لماذا تقاعس هؤلء و هم أقرب الناس إليه وأدراهم بأحواله و كالمه و أفقههم بمقاصده, عن تدوين‬ ‫حديثه أو حتى الهتمام بروايته؟!. بل لماذا حرصوا كل ذلك الحرص على منع التدوين, و محاصرة الكثار من‬ ‫الرواية؟!.. ثم هؤلء الذين تصدوا للرواية منهم فأكثروا, من الذي كلفهم برواية الحديث؟ و لو أنهم قرروا السكوت‬ ‫فلم يحدثوا بما بسمعوا هل كان بسيؤارخذهم أحد؟!.‬ ‫و إذن فقد تصدى بعض صلغار الصحابة بسنا ومكانة للحديث عن ربسول ال بقرار ذاتي من عند أنفسهم, فمن شاء‬ ‫ ,ً‬ ‫روى و من شاء بسكت, و معنى هذا أن احتمال عدم ورود الحديث إلينا كان واردا, فهل يترك الدين لمثل هذه‬ ‫ ,ً‬ ‫الحتمالت, و فرص الضياع؟!.‬ ‫وإذا علمنا أن الحديث النبوي في مجمله قد نقل إلينا بمعناه ل بألفاظه التي قالها النبي )ص( فإن السؤال المنطقي‬ ‫هنا يقول: كيف نظمن إذن أن مقاصد النبي )ص( لم تتلغير بتلغير ألفاظه, و نحن نعرف أن أدنى تلغير في المبنى‬ ‫يؤدي إلى تلغير في المعنى, وهو السبب الذي جعل علماء النحو يرفضون البستشهاد بالحديث النبوي في مجال‬ ‫الللغة.فكيف نقبل في مجال التشريع والدماء والحقوق بهذه المرجعية الظنية إلى أقصى حد؟!.‬ ‫أما قولهم إن أحاديث النهي قد نسخت بأحاديث الذن الثابتة, فقد قلنا إن النبي )ص( ربما بسمح لحد من الصحابة‬ ‫بكتابة بعض كالمه لبسباب رخاصة و آنية مثل البستعانة بالكتابة على الحفظ كما قال المام مالك. و ما تقتضيه أمانة‬ ‫النقل أحيانا لوامر و نواه صادرة عن النبي بوصفه وليا لمر المسلمين, ل بوصفه النبي الربسول كما حدث مع أبي‬ ‫ ,ً‬ ‫ ٍ‬ ‫ ,ً‬ ‫شامة اليمني في فتح مكة وقد بسمع النبي )ص( يأمر بأن يبلغ الشاهد اللغائب رخطبة الفتح. فهي كالتوجيه السيابسي‬ ‫الذي يحتاج إلى نقل أمين, لكنه أبدا لن يتحول إلى دين!.. و الشيء الثابت هو أن كتبة الصحابة كانوا يستأذنون‬ ‫ ,ً‬ ‫النبي في كتابة حديثه, و هذا يعني أن الصل في المر هو النهي حتى يأذن لحدهم بعكسه, فضال عن أن من كتب‬ ‫ ,ً‬ ‫منهم كان يتخلص من صحفه حرقا قبل وفاته, كما فعل عمر وابن مسعود وغيرهما. ثم إن أبلغ دليل على بطالن‬ ‫ ,ً‬ ‫حجة النسخ هذه هو مواقف الصحابة و أقوالهم بعد وفاة النبي )ص( الرافضة للتدوين أو الكثار من رواية الحديث.‬ ‫و قبل هذا و ذاك فإن أحاديث الذن بالكتابة _ كما أبسلفنا _ هي حالت رخصوص ل تنسخ عموم النهي, و لكل قانون‬ ‫ابستثناءاته ما دامت لن تخل بمقاصده العامة, هذا إذا صدقت روايات الذن هذه و لم تكن مجرد رخدعة قصد بها‬ ‫تبرير التدوين!.‬
  • 13. ‫كما ل يصح التشكيك _ أيضا _ في صحة روايات النهي عن الكتابة, ليس لن بعضها ورد في الصحا؟ح, أو لن‬ ‫ ,ً‬ ‫المختصين قد أقروا بصحتها فقط, و إنما لنها متكاثرة مستفيضة مؤيدة بكل الشواهد الالزمة لمثل هذه الحالت. و‬ ‫شيء آرخر مهم هو أن دواعي الكذب متحققة في أحاديث الذن أكثر من تحققها في أحاديث النهي. فالسيابسية و‬ ‫مقتضياتها, و الزهاد, و الفرق المختصمة مذهبيا و قبليا, و غيرها كلها تحتاج إلى ) حجية الحديث (. لن القرآن‬ ‫لّ‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫وحده ل يسعفها في تحقيق مآربها و طموحاتها!, و لول شرعية الحديث التي أربسوها لما قامت لبعضهم قائمة. إذ‬ ‫من أين يجد الشيعة_ مثال _ بسندا و مبررا لمذاهبهم, و القرآن الكريم يخذلهم و ل ينصرهم بنص صريح لية عقيدة‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫من عقائدهم. و تأويل القرآن وحده ل يسعفهم, لن بسال؟ح التأويل متوفر في يد الجميع, و ل غلبة إل بنصوص من‬ ‫رخارج أبسوار القرآن الكريم, تحمل نفس القدابسة أو بعضها!. و هكذا قل على أمراء بني أمية و بني العباس و بني‬ ‫آبائهم من حكام المسلمين المتسلطين بقوة السال؟ح. من أين لهم أن يوطدوا بسلطانهم, و يشرعنوا عبثهم و مظالمهم‬ ‫بدون نصوص مقدبسة تأمر الناس بالسمع و الطاعة, و إن جلد المير ظهورهم و أرخذ حقوقهم, ما دام يقيم‬ ‫الصالة!.. إن القرآن العظيم ل يمنحهم مثل هذه النصوص الثمينة!.‬ ‫إذن فدواعي وضع الحديث ودواعي شرعنته ) جعله حجة شرعية ( متوفرة بكثافة في ظروف زمن التأبسيس, زمن‬ ‫ما بعد الفتنة الكبرى. و في المقابل ل نجد ما يكافئها من دواعي الوضع لحاديث النهي عن كتابته, لن كل الفرق‬ ‫آنذاك كانت تستزيد منه لتأبسيس شرعيتها و بناء منظومتها عدا فرقة ) الخوارج ( التي حدت من هيمنة الحديث‬ ‫لصالح القرآن, إل أن الخوارج باتفاق المحدثين ل يضعون الحديث!, لن الكذب عندهم من الكبائر المخرجة من‬ ‫الملة, و إن روي أن أحدهم عمل في الوضع!. ثم إن هذه الفرقة لم يكن لها بسلطان على المسلمين حتى تدفع باتجاه‬ ‫إضعاف بسلطان الحديث, و من الواضح تماما أن أحاديث النهي رخرجت بابستفاضة من معاقل أهل السنة أنفسهم, و‬ ‫هذا يعد مؤشرا على صدق و إرخالص محدثيهم أمثال المام مسلم في تطبيق شروطهم الموضوعية في رواية و‬ ‫ ,ً‬ ‫تدوين الحديث, مع عجزهم عن إدراك حقيقته!.‬ ‫و قبل ملغادرة هذا المحور ل بد من الجابة عن بسؤال يتكرر كلما ابستشهدنا بحديث من الحاديث المنسوبة إلى النبي‬ ‫)ص( يقول: كيف تستشهدون بالحديث النبوي و أنتم تنكرونه؟ أل يعد هذا تناقضا منكم؟!. وكثير ممن يطر؟ح هذا‬ ‫السؤال يفتقر إلى معرفة دينية كافية, فهو يجهل الفرق بين مسألتين في مجال علمي الحديث و الصول: الولى:‬ ‫حجية الحديث, والرخرى: ثبوت الحديث. أما حجية الحديث فهي مبحث من مباحث )علم الصول(,يشتلغل به‬ ‫الصوليون ل المحدثون, و يعنى بالجابة عن بسؤال محدد هو: هل كالم النبي )ص( من الوحي و الدين الواجب‬ ‫التباع أم من العوائد البشرية للنبي)ص( ؟. و أما ثبوت الحديث فهو قضية تاريخية يبحثها علماء الحديث‬ ‫) المؤررخون ( و تعنى بالجابة عن بسؤال: هل هذه الرواية أو تلك ثابتة عن النبي )ص(؟ و كم درجة هذا الثبوت؟,‬ ‫و كل علوم الحديث التي تجاوز عددها عند ابن الصال؟ح )03( علما تحاول الجابة عن هذين السؤالين تقريبا!.‬ ‫ ,ً‬ ‫وعلوم الحديث _ بهذا المفهوم _ دارخلة في فن التأريخ و التوثيق ل في علوم الدين بالمعنى المباشر, بدليل أن‬ ‫إبسناد الحديث و توثيقه لم يكن عمال من أعمال النبي أو صحابته على الطالق!, و توثيق رواية من الروايات حتى‬ ‫ ,ً‬ ‫يصح بسندها و نسبتها إلى قائلها ل يعني أنها قد أصبحت دينا يتعبد به!. فليست قضيتنا إذن: هل هذا الكالم صادر‬ ‫ ,ً‬ ‫عن النبي )ص( أم ل؟, و إنما قضيتنا: هل كالم النبي في ذاته من الدين الواجب التباع, أم أنه مما يصدر عنه بحكم‬ ‫العادة و الجتهاد البشري غير المقدس؟. و هذا يعني بوضو؟ح أننا نتعامل مع أحاديث النبي )ص( التي صح بسندها‬ ‫كما نتعامل مع أية رواية تاريخية لي عظيم!, فنقبل منها ما نقبل و نرد ما نرد, بحسب ما يتوفر من قرائن و‬ ‫شواهد تؤيدها أو تفندها!.. فليست العبرة بصحة ) السند (, و إنما العبرة بصحة ) المتن (, فكم من حديث صح بسنده‬ ‫و بطل متنه, و أحاديث القراءات الشاذة مثل شرود على ذلك, فبالرغم من أنها قد وردت بطرق صحيحة إل أنه ل‬ ‫يجوز القراءة بها!.‬
  • 14. ‫وبسترد أمثلة في هذا البيان لحاديث صحت بسندا و بطلت مضمونا, و هذا ليس أمرا مستلغربا, ول أتينا به من‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫عندياتنا, بل هو حقيقة مقررة عند المحدثين جميعا, يقول ابن الصال؟ح في مقدمته الشهيرة: ومتى قالوا هذا حديث‬ ‫ ,ً‬ ‫صحيح فمعناه أنه اتصل مع بسائر الوصاف المذكورة , و ليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس المر!, إذ‬ ‫ ,ً‬ ‫منه ما ينفرد بروايته عدد واحد, و ليس من الرخبار التي أجمعت المة على تلقيها بالقبول, و كذلك إذا قالوا في‬ ‫حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس المر, إذ قد يكون صدقا في نفس المر, و إنما المراد به‬ ‫ ,ً‬ ‫ ,ً‬ ‫أنه لم يصح إبسناده على الشرط المذكور, و ال أعلم .أهـ. و ابن الصال؟ح يقرر بوضو؟ح أن صحة السند ل تعني‬ ‫صحة المضمون, وأن بطالن السند ل يعني بطالن المضمون, و أنه ل هذه ول تلك تثبت أو تنفي يقينا صدور هذا‬ ‫الحديث أو ذاك عن النبي )ص(, و هذه مسألة تدق على فهم العامة و من في حكمهم من المشائخ والدعاة مع أنها‬ ‫في غاية الهمية!.‬ ‫وإذا قلنا بأننا نتعامل مع حديث النبي )ص( كما نتعامل مع كالم البشر الرخرين فذلك ل يعني أننا نسوي بينه وبين‬ ‫لّ‬ ‫الرخرين من الناس, وهو المشهود له بالخلق العظيم, و إنما نقول إن كالمه صادر عنه بحكم العادة البشرية أو بحكم‬ ‫الجتهاد المفروض على المسلمين _ وهو رأس المسلمين و أول المكلفين به _ ل بحكم نبوته, و أن اجتهاده مقدم‬ ‫على اجتهاد غيره إذا نابسب ظروف الفتوى, بشرط أن نضمن ثبوته عنه!.و قد قلنا مرارا, وأثبتنا بالدلة الظاهرة,‬ ‫ ,ً‬ ‫أن النبياء يماربسون الجتهاد, وأن اجتهادهم يخص عصرهم و جيلهم ل بسوى, وأن ربسالة الربسل هي الباقية في‬ ‫كل العصور ما لم تنسخ!.‬ ‫3‬ ‫ثالثا: رخلو القرآن الكريم من دليل واحد قطعي الدللة في حجية الحديث:‬ ‫ ,ً‬ ‫فعلى كثرة ما ارختلف الناس في القرآن الكريم وعليه, إل أنهم لم يختلفوا مطلقا على كونه النص العلى والمهيمن‬ ‫على ما عداه من النصوص عند المسلمين, وأن ما بسواه يستمد شرعيته منه. وبناء على هذه المسلمة فإن القول بـ‬ ‫)حجية الحديث ( واعتباره المصدر الثاني للبسالم, ل بد أن يستند إلى برهان قاطع من القرآن نفسه, و ما لم يفعل‬ ‫ذلك فال حجة فيه و ل إنكار على من رفضه!.و نعني بـ البرهان القاطع ما يسمى عند الصوليين بالدليل الـ ) قطعي‬ ‫الثبوت و الدللة (. ويقصدون بـ )قطعي الثبوت( أن يكون الدليل قد نقل إلينا نقال متواترا بوابسطة طائفة كبيرة من‬ ‫ ,ً‬ ‫الناس في كل جيل حتى يدون و يشتهر, لن من المحال أن تتواطأ العداد الكثيرة من الناس على الكذب, وهو غير‬ ‫التواتر الوهمي الذي يزعمه البعض بمجرد تكثير بسواد عدد من الروايات الحادية. ومن هذا الطريق جاء القرآن‬ ‫الكريم كامال و السنة النبوية _ بتعريفها الذي ارخترنا هنا_ فلم يستطع أحد التشكيك في حرف من القرآن أو أركان‬ ‫السنن, و ذلك بعكس الحديث النبوي الذي نقل إلينا عن طريق آحاد الرواة عبر عدد من الجيال حتى بدأ تدوينه في‬ ‫منتصف القرن الثالث الهجري , فدرخله احتمال الخطأ والنسيان والكذب, كما دلت الشواهد التي بسجلها علماء‬ ‫الحديث ونقاده !.أما قولهم )قطعي الدللة( فيقصدون به أن يكون الدليل صريحا في معناه و دللته بحيث ل يحتمل‬ ‫التأويل على أكثر من وجه. ومن المسلم به أن القرآن الكريم في معظمه ظني الدللة إذ " منه آيات محكمات هن أم‬ ‫الكتاب, وأرخر متشابهات.. ". وعند جمهورهم أن ) المحكم( هو ما ل يقبل التأويل ويسمى قطعي الدللة, وأن‬ ‫)المتشابه( هو ما يقبل التأويل و يسمى ظني الدللة.‬ ‫وقد فطن شيوخ السنة _ وعلى رأبسهم المام الشافعي المؤبسس الحقيقي لمذهب أهل السنة_ إلى هذه الحقيقة,‬ ‫فذهبوا ينقبون في القرآن عن أدلة بهذا المستوى, بعد مواجهات قوية مع فرق إبسالمية كانت تنكر حجية الحديث,‬