SlideShare a Scribd company logo
1 of 51
Download to read offline
‫أحكام االضحية والذكاة‬




                                                                  ‫الفصل األول‬


                                                          ‫في تعريف األضحية وحكمها‬


                                                ‫األضحية: ما يذبح من بهيمة األنعام أيام األضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى اهلل عز وجل.‬
                     ‫وهي من العبادات المشروعة في كتاب اهلل وسنة رسوله النبي صلى اهلل عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.‬
      ‫فأما كتاب اهلل : فقد اهلل تعالي: (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) وقال تعالي:(قُل إِن صالتِي ونُسكي ومحيَاي ومماتِي لِلَّه رب‬
      ‫ِ َ ِّ‬        ‫َ ُ ََ ْ َ َََ‬
                                  ‫ِ‬
                                                 ‫ْ َّ َ‬                                     ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬
                                                                ‫الْعالَمين) (ال شريك لَهُ وبِذلِك أُمرت وأَنَا أَول الْمسلِمين) (األنعام:162،262) .‬
                                                                                                ‫ِ‬                       ‫ِ‬
                                                                                               ‫َ ِ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ ُ ُ ْ َ‬
                                                                                                                                                  ‫ِ‬
                                                                                                                                                 ‫َ َ‬
‫وقال تعالى: (ولِكل أُمة جعلْنَا منسكاً لِيَذكروا اسم اللَّه علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام فَِإلَهكم إِلَ ٌ واحد فَلَهُ أَسلموا )(الحج: 31).‬
                     ‫ِ‬
                    ‫ْ ُ‬      ‫ْ ُ ُ ْ َ ِ َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ ْ َ ِ ُ ُ ْ ه َ ِ ٌ‬                                         ‫ٍ‬
                                                                                                              ‫َ ُ ِّ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫وهذه اآلية تدل على أن الذبح تقرباً إلى اهلل تعالي مشروع في كل ملة لكل أمة، وهو برهان بين على أنه عباده ومصلحة في كل زمان‬
                                                                                                                                      ‫ومكان وأمة.‬
                                                                                                                                        ‫َ‬
         ‫وأما سنة رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية األضحية فيها بقول النبي صلي اهلل عليه وسلم وفعله وإقراره،‬
                                                                                    ‫فاجتمعت فيها أنواع السنة الثالثة: القول، والفعل، والتقرير.‬
 ‫ففي : ((الصحيحين)) عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال: (( من ذبح بعد الصالة فقد تم نسكه،‬
‫وأصاب سنة المسلمين))(2). وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا، فصارت‬
                                                                     ‫لعقبة جذعة، فقال: يا رسول اهلل؛ صارت لي جذعة. فقال ((ضح بها))(2).‬
 ‫وفي (( الصحيحين)) أيضاً عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال: ضحى النبي صلي اهلل عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده،‬
‫وسمي كبر ووضع رجله على صفاحهما(1). وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال: أقام النبي صلى اهلل عليه وسلم بالمدينة عشر سنين‬
                                                                                                                    ‫و‬
                                                                                          ‫يضحي . رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن(3).‬
 ‫وفي ((الصحيحين)) أيضاً عن جندب سفيان .البجلي قال: شهدت األضحى مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، فلما قضي صالته‬
      ‫بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: (( من ذبح قبل الصالة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم اهلل)) هذا لفظ‬
                                                                                                                                          ‫مسلم(5).‬
  ‫وعن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب األنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم ؟فقال : كان‬
                                                  ‫الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ( الحديث ) . رواه ابن ماجه والترمذي وصححه(6).‬
                                                    ‫وأما إجماع المسلمين على مشروعية األضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .‬



                                                                        ‫1‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



      ‫قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية األضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : وال‬
                                                                                                     ‫خالف في كونها من شرائع الدين .‬
                                         ‫وبعد إجماعهم على مشروعية األضحية اختلفوا : أواجبة هي أم سنة كدة ؟ على قولين :‬
                                                         ‫مؤ‬
      ‫القول األول : أنها واجبة ، وهو قول األوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن اإلمام أحمد ، قال شيخ‬
                                                                  ‫اإلسالم : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .‬
‫القول الثاني : أنها سنة كدة ، وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من‬
                                                                                       ‫مؤ‬
‫أرباب هذا القول بأن كها يكره للقادر ، ذكره أصحابنا ، نص اإلمام أحمد وقطع به في اإلقناع ، وذكر في (( جواهر اإلكليل شرح مختصر‬
                                                                                                      ‫تر‬
                                                            ‫خليل )) . أنها إذا كها أهل بلد قوتلوا عليها ؛ ألنها من شعائر اإلسالم .‬
                                                                                                              ‫تر‬
 ‫أدلة القائلين بالوجوب : الدليل األول : قوله تعالى : (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) فأمر بالنحر ، واألصل في األمر الوجوب .‬
                                                    ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬
‫الدليل الثاني : قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( من وجد سعة فلم يضح فال يقربن مصالنا )) رواه أحمد وابن ماجه ، وصححه الحاكم‬
                                                                                                               ‫(7)‬
                                                                                                                     ‫من حديث أبي هريرة .‬
                                                                                         ‫قال في (( فتح الباري )) ورجاله ثقات .‬
‫الدليل الثالث : قوله صل ى اهلل عليه وسلم وهو واقف بعرفة : (( يا أيها الناس ، إن على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة )) .‬
                                                                      ‫قال في (( الفتح )) : أخرجه أحمد واألربعة بسند قوي(8) .‬
‫الدليل الرابع : قوله صلى اهلل عليه وسلم (( من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح‬
                                                                                                             ‫باسم اهلل )) متفق عليه(9) .‬
                                              ‫هذه أدلة القائلين بالوجوب ، وقد أجاب عنها القائلون بعدم الوجوب واحداً واحداً .‬
   ‫فأجابوا عن الدليل األول : بأنه ال يتعين أن يكون المراد بها نحر القربان ، فقد قيل : إن المراد بها وضع اليدين تحت النحر عند‬
                                                 ‫القيام في الصالة ، وهذا القول وإن كان ضعيفا لكن مع االحتمال قد يمتنع االستدالل .‬
 ‫وإذا قلنا : إن المراد بها نحر القربان كما هو ظاهر القرآن ، فإنه ال يتعين أن يكون المراد بها فعل النحر ، فقد قيل : إن المراد بها‬
                                                                 ‫تخصيص النحر هلل تعالى وإخالصه له ، وهذا واجب بال شك وال نزاع .‬
‫وإذا قلنا : المراد بها فعل النحر كما هو ظاهر اآلية ؛ فهو أمر مطلق يحصل امتثاله بفعل ما ينحر تقربا إلى اهلل تعالى من أضحية ، أو‬
                                                       ‫هدي ، أو عقيقة ولو مرة واحدة ، فال يتعين أن يكون المراد به األضحية كل عام .‬
    ‫وهذا تقرير جوابهم عن اآلية ، وعندي أنه إذا صح الدليل الثالث ؛ صار مبينا لآلية ، وصارت حجة على الوجوب . واهلل أعلم .‬
    ‫وقد يقال : إن وجوب النحر الذي تدل عليه هذه اآلية خاص بالنبي صلى اهلل عليه وسلم شكرا منه لربه على ما أعطاه من الخير‬
                       ‫الكثير الذي لم يعطه أحد غيره ؛ بدليل ترتيبه عليه بالفاء ، وبدليل ما يأتي في الدليل األول للقائلين بعدم الوجوب .‬


                                                                  ‫2‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



   ‫وأجابوا عن الدليل الثاني : بأن الراجح أنه موقوف ، ولعل أبا هريرة قاله حين كان والياً على المدينة ، قال في (( بلوغ المرام )) :‬
                                                                 ‫رجح األئمة وقفه ، اه . لكن قال في (( الدراية )) : إن الذي رفعه ثقة .‬
‫قلت : وإذا كان الذي رفعه ثقة ؛ فالمشهور عند المحدثين أنه إذا تعارض الوقف والرفع ، كان الرافع ثقة فالحكم للرفع ؛ ألنه زيادة‬
                                       ‫و‬
                                                               ‫من ثقة مقبولة ، لكن قال في ((الفتح )) : إنه ليس صريحا في اإليجاب .‬
‫قلت : هو ليس بصريح في اإليجاب ، إذ يحتمل أن منعه من المسجد ، وحرمانه من حضور الصالة ودعوة المسلمين عقوبة له على‬
   ‫ترك هذه الشعيرة ، وإن لم تكن واجبة ، لكن من أجل تأكدها ، لكن هو ظاهر في اإليجاب ، وال يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل‬
                                                              ‫صريحا في الداللة عليه ، بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه .‬
 ‫وأجابوا عن الدليل الثالث : بأن أحد روات ه أبو رملة ( عامر ) قال في ((التقريب )) : ال يعرف . وقال الخطابي : مجهول والحديث‬
                                                                  ‫ضعيف المخرج . وقال المعافري : هذا الحديث ضعيف ال يحتج به .‬
    ‫قلت : وقد سبق أن صاحب (( الفتح )) وصف سنده بالقوة ؛ لكنه قال : ال حجة فيه ؛ ألن الصيغة ليست صريحة في الوجوب‬
                                                   ‫المطلق ، وقد ذكر معها العتيرة ، وليست بواجبة عند من قال بوجوب األضحية . اه .‬
     ‫وقد سبق الجواب بأنه ال يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الداللة عليه بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو‬
 ‫أقوى منه ، وأما ذكر العتيرة معها وهي غير واجبة ؛ فقد ورد ما يخرجها عن الوجوب بل عن المشروعية عند كثير من أهل العلم ، وهو قوله‬
  ‫صلى اهلل عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (( ال فرع وال عتيرة ))(12) . متفق عليه . لكن العلة في الدليل جهالة أبي رملة . واهلل أعلم .‬
 ‫أجابوا عن الدليل الرابع : بأن األمر إنما هو بذبح بدلها وهو ظاهر ؛ ألنهم لما أوجبوها تعينت ، وذبحهم إياها قبل الوقت ال يجزئ‬
           ‫، فوجب عليهم ضمانها بأن يذبحوا بدلها ، ونحن نقول بمقتضى هذا الحديث ، وأنه لو أوجب أضحية لوجب عليه ذبح بدلها .‬
     ‫وأما قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( ومن لم يذبح فليذبح باسم اهلل )) فهو أمر بكون الذبح على اسم اهلل ال بمطلق الذبح ، فال‬
                                                                                                 ‫يكون فيه دليل على وجوب األضحية .‬
                                                                                                     ‫أدلة القائلين بعدم وجوب :‬
  ‫الدليل األول : حديث : (( هن على فرائض ولكم تطوع : النحر ، والوتر ، كعتا الضحى )) . أخرجه الحاكم والبزاز وابن عدي ،‬
                                                ‫ور‬
   ‫وروى نحوه أحمد ، وأبو يعلى ، والحاكم (22)، وذكر في التخليص له طرقا كلها ضعيفة ، وقال : أطلق األئمة على هذا الحديث الضعف‬
                                                                  ‫كأحمد ، والبيهقي ، وابن الصالح ، وابن الجوزي ، والنووي وغيرهم .‬
                                                                               ‫قلت : والضعيف ال يحتج به في إثبات األحكام .‬
  ‫الدليل الثاني : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم ضحى عن أمته ، فعن على بن الحسين عن أبي رافع رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل‬
   ‫عليه وسلم كان إذا ضحى ؛ اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين ، فإذا صلى وخطب ؛ أتي بأحدهما وهو قائم في مصاله فذبحه بنفسه‬
  ‫بالمدية ، ثم يقول : (( اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبالغ )) ، ثم يؤتي باآلخر فيذبحه بنفسه ويقول : ((‬
  ‫هذا عن محمد ، وآل محمد )) . فيطعمها جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد‬
                                                                  ‫3‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



   ‫كفاه اهلل المؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم . أخرجه أحمد والبزاز (22)، قال في مجمع الزوائد (12): وإسناده حسن ، سكت‬
                                          ‫عنه في التلخيص ، وله شواهد عند أحمد ، والطبراني ، وأبن ماجه ، والبيهقي ، والحاكم(32) .‬
 ‫ووجه الداللة : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا ، ولذلك مكث بنو هاشم سنين ال يضحون‬
                                                                                                         ‫على مقتضى هذا الحديث .‬
 ‫الدليل الثالث : قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( إذا رأيتم هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي ؛ فليمسك عن شعره وأظفاره ))‬
                                           ‫(62)‬
                                                  ‫رواه الجماعة إال البخاري(52) ، وفي رواية لمسلم : (( فال يمس من شعره وبشره شيئا ))‬
 ‫ووجه الداللة : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم فوض األضحية إلى اإلرادة ، وتفويضها إلى اإلرادة ينافي وجوبها ، إذ الوجوب لزوم ال‬
                                                                                                    ‫يفوض إلى اإلرادة ، هكذا قالوا .‬
  ‫وعندي أن التفويض إلى اإلرادة ال ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل ، فقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم في المواقيت : (( هن‬
  ‫لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ))(72) . ولم يمنع ذلك من وجوب الحج والعمرة بدليل آخر مرة في العمر ،‬
 ‫فالتعليق على اإلرادة ليس معناه أن اإلنسان مخير في المراد على اإلطالق ، فقد يجب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب ، وقد ال يجب أن‬
‫يريد إذا لم يكن دليل على الوجوب ، كما لو قلت : يجب الوضوء على من أراد الصالة . والصالة منها ما تجب إرادته كالفريضة ، ومنها ما‬
 ‫ال تجب كالتطوع . وأيضا فاألضحية ال تجب على المعسر فهو غير مريد لها ، فصح تقسيم الناس فيها إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار‬
                                                                                                                        ‫واإلعسار .‬
     ‫الدليل الرابع : أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما أنهما ال يضحيان مخافة أن يظن أن األضحية واجبة (82). وعن أبي‬
‫مسعود رضي اهلل عنه أنه قال : أني ألدع األضحية ، وأنا من كم، كراهة أن يعتقد الناس أنها حتم واجب . أخرجه سعيد بن منصور بسند‬
                                                                ‫أيسر‬
                                                            ‫صحيح ، وذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبالل رضي اهلل عنهم(92) .‬
                                    ‫قلت : وإذا صح الوجوب عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه .‬
                      ‫الدليل الخامس : التمسك باألصل ، فإن األصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السالم من المعارضة .‬
        ‫قلت : وهذا دليل قوي جدا لكن القائلين بالوجوب يقولون : إنه قد قام دليل الوجوب السالم من المعارضة فثبت الحكم .‬
‫الدليل السادس : أن رجال قال : يا رسول اهلل ، أرايت إن لم أجد إال منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال : (( ال ، ولكن تأخذ من شعرك‬
‫وأظفارك وتقص شاربك ، وتحلق ع انتك ، فتلك تمام أضحيتك عند اهلل عز وجل )) . رواه أبو داود والنسائي ، ورواته ثقات(12) . والمنيحة:‬
‫شاة اللبن تعطى للفقير يحلبها ويشرب لبنها ثم يردها ، وهذا سنة ، ولو كانت األضحية واجبة لم تترك من أجل فعل السنة ، إذ المسنون ال‬
                                                                                         ‫يعارض الواجب . وهذا تقرير جيد وفيه تأمل.‬
     ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه : واألظهر وجوبها ( يعني األضحية ) فإنها من أعظم شعائر اإلسالم ، وهي النسك العام في جميع‬
   ‫األمصار ، والنسك مقرون بالصالة ، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته ، وقد جاءت األحاديث باألمر بها ، ونفاه الوجوب ليس‬
‫معهم نص ، فإن عمدتهم قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( من أراد أن يضحي ودخل العشر فال يأخذ من شعره وال من أظفاره ))(22) . قالوا :‬
                                                                 ‫4‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



 ‫والواجب ال يعلق باإلرادة ، وهذا كالم مجمل ، فإن الواجب ال كل إلى إرادة العبد ، فيقال : إن شئت فافعله ، بل يعلق الواجب بالشرط‬
                                                                  ‫يو‬
                                                                                                              ‫لبيان حكم من األحكام .‬
       ‫قلت : مثل أن تقول : إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ، فصالة الظهر واجبة لكن تعليقها باإلرادة لبيان حكم الوضوء لها .‬
‫قال شيخ اإلسالم في بقية كالمه على األضحية : ووجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضال عن حوائجه األصلية كصدقة الفطر . اه .‬
                                                    ‫ملخصاً من (( مجموع الفتاوى )) البن قاسم ( من ص262 362 مجلد 21 ) .‬
‫هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبين شأن األضحية وأهميتها في الدين ، واألدلة فيها تكاد تكون متكافئة ، وسلوك سبيل االحتياط‬
                                                        ‫أن ال يدعها مع القدرة عليها ، لما فيها من تعظيم اهلل وذكره وبراءة الذمة بيقين .‬


                                                                                                                          ‫فصل‬
    ‫وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه اإلمام أحمد رحمه اهلل ، قال ابن القيم وهو أحد تالميذ شيخ اإلسالم ابن‬
  ‫تيميه البارزين : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ،‬
‫فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصالة كما قال تعالى : (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُل إِن‬
‫ْ َّ‬                                 ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬
‫صالتِي ونُسكي ومحيَاي ومماتِي لِلَّه رب الْعالَمين) (األنعام:262) ، ففي كل ملة صالة ونسيكة ال يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق‬
                                                                                           ‫ِ‬
                                                                                        ‫َ ِّ َ َ‬
                                                                                                      ‫ِ‬
                                                                                                           ‫َ ُ ََ ْ َ َََ‬
                                                                                                                         ‫ِ‬
                                                                                                                                   ‫َ‬
                                                            ‫عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، كذلك األضحية . اه .‬
                                                                                 ‫و‬
‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أنه هو عمل النبي صلى اهلل عليه وسلم والمسلمين ، فإنهم كانوا يضحون ،‬
‫ولو كانت الصدقة بثمن األضحية أفضل ؛ لعدلوا إليها وما كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليعمل عمال مفضوال يستمر عليه منذ أن كان‬
 ‫في المدينة إلى أن توفاه اهلل مع وجود األفضل وتيسره ثم ال يفعله مرة واحدة ، وال يبين ذلك ألمته بقوله ، بل استمرار النبي صلى اهلل عليه‬
  ‫وسلم والمسلمين معه على األضحية يدل على أن الصدقة بثمن األضحية ال تساوي ذبح األضحية فضال عن أن تكون أفضل منه ، إذ لو‬
‫كانت تساويه لعملوا بها أحيانا ؛ ألنها أيسر وأسهل ، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية ، فلما لم يكن‬
                                                                               ‫ذلك ؛ علم أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها .‬
 ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم في‬
 ‫زمن األضحية ، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين ، بل أقرهم على ذبحها ، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن‬
 ‫األكوع رضي اهلل عنه قال : قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم : (( من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء )) فلما كان العام‬
‫المقبل قالوا : يا رسول اهلل ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان‬
                                                                                          ‫في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )) (22).‬
‫وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي اهلل عنه سئلت : أنهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن لحوم األضاحي أن كل فوق ثالث‬
          ‫تؤ‬
                                                              ‫؟ فقالت : ما فعله إال عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير (12).‬

                                                                 ‫5‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن العلماء اختلفوا في وجوبها ، وأن القائلين بأنها سنة صرح أكثرهم أو كثير‬
        ‫منهم بأنه يكره كها للقادر ، وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد كوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة .‬
                                                               ‫تر‬                                         ‫تر‬
  ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس لو عدلوا عنه إلى الصدقة ؛ لتعطلت شعيرة عظيمة نوه اهلل عليها‬
‫في كتابه في عدة آيات ، وفعلها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سنة المسلمين.‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه : فكيف يجوز أن المسلمين كلهم كون هذا ال يفعله أحد منهم ، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من‬
                                                         ‫يتر‬
                                                                                                             ‫ترك الحج في بعض السنين ، كذا قال .‬
 ‫قال : وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية ؛ ألنه من شعائر اإلسالم ، والضحايا في عيد النحر كذلك ، بل هذه تفعل في‬
 ‫كل بلد هي والص الة ، فيظهر بها من عبادة اهلل وذكره والذبح له والنسك له ما ال يظهر بالحج كما يظهر ذكر اهلل بالتكبير في األعياد . اه .‬
                                                                                                                                                       ‫.‬
    ‫واألصل في األضحية أنها للحي كما كان النبي صلي اهلل عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خالفا لما يظنه بعض‬
                                                                                                                            ‫العامة أنها لألموات فقط .‬
                                                                                            ‫وأما األضحية عن األموات ؛ فهي ثالثة أقسام :‬
   ‫القسم األول : أن تكون تبعا لألحياء ، كما لو ضحى اإلنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فقد كان النبي صلي اهلل عليه وسلم‬
                                                        ‫يضحي ويقول : (( اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد )) (32) وفيهم من مات سابقا .‬
  ‫القسم الثاني : أن يضحي عن الميت استقالال تبرعا ، مثل : أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية ، فقد نص فقهاء الحنابلة على‬
‫أن ذلك من الخير ، وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به ؛ قياسا على الصدقة عنه ، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إال أن‬
‫يوصي به . لكن من ا لخطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يضحون عن األموات تبرعا أو بمقتضى وصاياهم ، ثم ال يضحون عن أنفسهم وأهليهم‬
 ‫األحياء، كون ما جاءت به السنة ، ويحرمون أنفسهم فضيلة األضحية ، وهذا من الجهل ، وإال فلو علموا بان السنة أن يضحي اإلنسان‬
                                                                                                              ‫فيتر‬
                                                                                  ‫عنه وعن أهل بيته فيشمل األحياء واألموات ، وفضل اهلل واسع .‬
 ‫القسم الثالث : أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته ، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة وال نقص ، واألصل في ذلك‬
 ‫قوله تعالى في الوصية : (فَمن بَدلَهُ بَعد ما سمعهُ فَِإنَّما إِثْمهُ علَى الَّذين يُبَدلُونَهُ إِن اللَّهَ سميع علِيم) (البقرة:282) . وروي عن على بن أبي‬
                                             ‫ِ‬
                                       ‫َ ٌ َ ٌ‬         ‫َّ‬         ‫ِ َ ِّ‬           ‫َ ْ َّ ْ َ َ َ ِ َ َ ُ َ‬
 ‫طالب رضي اهلل عنه أنه ضحى بكبشين وقال : إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه . رواه أبو داود ،‬
                                       ‫ورواه بنحوه الترمذي وقال : غريب ال نعرفه إال من حديث شريك(52) . اه . قلت : وفي إسناده مقال .‬
       ‫وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ولم يكف المغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع ضحايا : واحدة ألمه ، وواحدة ألبيه‬
 ‫وواحدة ألوالده ، وواحد ألجداده وجداته ، ولم يكف المغل إال لواحدة فإن تبرع الوصي بتكميل الضحايا األربع من عنده فنرجو أن يكون‬
                                                           ‫حسنا ، وإن لم يتبرع جمع الجميع في أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم في حياته .‬


                                                                           ‫6‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫وإن كانت الوصية في أضحية واحدة ولم يكف المغل لها فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فنرجو أن يكون حسنا ، وإن لم يتبرع‬
 ‫أبقى المغل إلى السنة الثانية والثالثة حتى يكفي األضحية فيضحي به ، فإن كان المغل ضئيال ال يكفي ألضحية إال بعد سنوات يخشى من‬
‫ضياعه في إبقائه إليها ، أو من أن تزايد قيم األضاحي فإن الوصي يتصدق بالمغل في عشر ذي الحجة وال يبقيه ؛ ألنه عرضة لتلفه ، وربما‬
                                                 ‫تتزايد قيم األضاحي كل عام ، فال يبلغ قيمة األضحية مهما جمعه ، فالصدقة به خير .‬
   ‫واخترنا أن يتصدق به في عشر ذي الحجة ؛ ألنه الزمن الذي عين الموصي تنفيذ وصيته فيه ، وألن العشر أيام فاضلة ، والعمل‬
 ‫الصالح فيها محبوب إلى اهلل عز وجل ، قال النبي صلي اهلل عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيها محبوب إلى اهلل من هذه األيام‬
‫العشر ) ) وقالوا : يا رسول اهلل ، وال الجهاد في سبيل اهلل ؟ قال : (( وال الجهاد في سبيل اهلل ، إال رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من‬
                                                                                                                ‫ذلك بشيء )) (62).‬
 ‫(تنبيه عام ) : يذكر بعض الموصين في وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول : يضحي عني ولو بلغت األضحية رياال . يقصد‬
‫المغاالة في ثمنها ؛ ألنها في وقت وصيته بربع لاير أو نحوه ، فيقوم بعض من ال يخشى اهلل من األوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال ال‬
 ‫يمكن أن يبلغ ثمن األضحية اآلن ، وهذا حرام عليه ، وهو آثم بذلك ، ويجب تنفيذ الوصية باألضحية ، وإن بلغت آالف الرياالت مادام‬
‫ال مغل يكفي لذلك ؛ ألن مقصود الموصي معلوم ، وهو المبالغة في قيمة األضحية مهما زادت ، وذكره الريال على سبيل التمثيل ، ال على‬
                                                                                                                    ‫سبيل التحديد .‬




                                                          ‫الفصل الثاني‬


                                                                ‫7‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



                                                             ‫في وقت األضحية‬


                           ‫األضحية عبادة موقتة ال تجزئ قبل وقتها على كل حال ، وال تجزئ بعده إال على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .‬
‫وأول وقتها بعد صالة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن ال يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل‬
‫الصالة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصالة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي اهلل‬
  ‫عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصالة فإنما هو لحم قدمه ألهله ، وليس من النسك في شيء ))(72) ، وفيه عن‬
  ‫أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( ومن ذبح بعد الصالة فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(82) .‬
  ‫وفيه أيضا عن جندب بن سفيان البجلي رضي اهلل عنه قال شهدت النبي صلى اهلل عليه وسلم قال (( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها‬
                                                                                                                                ‫أخرى ))(92) .‬
   ‫واألفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان ؛ ألن ذلك فعل النبي صل اهلل عليه وسلم ، قال جندب بن سفيان البجلي رضي اهلل عنه :‬
                                                 ‫صلى النبي صلى اهلل عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح . الحديث رواه البخاري (11).‬
 ‫واألفضل أن ال يذبح حتى يذبح اإلمام إن كان اإلمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري‬
‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال : كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى (21). يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد‬
   ‫فيذبحها هناك ؛ إظهاراً لشعائر اهلل ، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح األضحية ، وليسهل تناول الفقراء منها ، وليس المعنى أنه يذبحها في‬
                                                                            ‫نفس المصلى ؛ ألنه مسجد ، والمسجد ال يلوث بالدم والفرث .‬
    ‫وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم لما خطب يوم عيد األضحى قال : فانكفأ إلى‬
                                                                           ‫كبشين يعنى فذبحهما ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها (21) .‬
‫وعن جابر رضي اهلل عنه قال : صلى بنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى اهلل عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ، وال ينحروا حتى ينحر النبي صلى اهلل عليه وسلم رواه‬
                                                                                                                           ‫أحمد ومسلم (11).‬
‫وينتهي وقت األضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام :‬
    ‫يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثالث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة‬
                                                                                                                                ‫الثالث عشر .‬
   ‫هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي اهلل عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو‬
          ‫مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام األوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .‬
‫قلت : واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : ( لِيَشهدوا منَافِع لَهم ويَذكروا اسم اللَّه فِي أَيَّام معلُومات‬
‫ٍ ْ ٍ‬
   ‫َ َ‬
                     ‫ِ‬
                            ‫ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ُُْ ْ َ‬
                                                                                                                   ‫َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ َ ِ‬
‫علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام)(الحج: 82 ) (51). قال ابن عباس رضي اهلل عنهما : األيام المعلومات : يوم النحر ، وثالثة أيام بعده (61).‬

                                                                      ‫8‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



  ‫وعن جبير بن مطعم رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( كل أيام التشريق ذبح )) رواه أحمد ، والبيهقي ، وابن حبان في‬
‫صحيحه (71)، وأعل باالنقطاع لكن يؤيده قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( أيام التشريق أكل وشرب وذكر هلل عز وجل )) . رواه مسلم(81) .‬
                                                                ‫ً‬
    ‫فجعل النبي صلى اهلل عليه وسلم باب هذه األيام واحدا في كونها أيام ذكر هلل عز وجل ، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على‬
‫بهيمة األن عام ، وألن هذه األيام كة في جميع األحكام ما عدا محل النزاع ، فكلها أيام منى ، وأيام رمي للجمار ، وأيام ذكر هلل وصيامها‬
                                                                                               ‫مشتر‬
                                                           ‫حرام ، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين األولين ؟‬
  ‫والذبح في النهار أفضل ، ويجوز في الليل ؛ ألن األيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في األيام في الذكر حيث‬
                                                ‫كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .‬
                                          ‫وال يكره الذبح في الليل ؛ ألنه ال دليل على الكراهة ، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل .‬
  ‫وأما ما روى عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن الذبح ليال ، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن‬
                                                                                                 ‫سلمة الخبائري ، وهو متروك (91).‬
       ‫وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليال خروجا من الخالف ؛ فالتعليل ليس حجة شرعية ، قال شيخ اإلسالم ابن تيمبة : تعليل األحكام‬
‫بالخالف علة باطلة في نفس األمر ، فإن الخالف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها األحكام ، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى اهلل‬
                                        ‫عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا باألدلة الشرعية في نفس األمر لطلب االحتياط . اه .‬
   ‫كثير من المسائل الخالفية لم يراع فيها جانب الخالف ، ولم يؤثر الخالف فيها شيئا ، وها هو الخالف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح‬
                                                                                                                          ‫و‬
    ‫األضحية إلى ما بعد يوم النحر . ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد ، لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير‬
                                                              ‫شبهة ؛ كانت مراعاته من باب : (( دع ما يريبك إلى ما ال يريبك ))(13) .‬




                                                               ‫9‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬




                                                               ‫الفصل الثالث‬


                                                   ‫في جنس ما يضحى به وعمن يجزئ ؟‬


     ‫الجنس الذي يضحى به : بهيمة األنعام فقط لقوله تعالى : ( ولِكل أُمة جعلْنَا منسكاً لِيَذكروا اسم اللَّه علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام)‬
      ‫ْ ُ ْ ِ َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ َ ِ‬
                                                 ‫َ‬     ‫ُ‬
                                                                              ‫ٍ‬
                                                                  ‫َ ُ ِّ َّ َ َ َ ْ َ‬
 ‫(الحج: 31) . وبهيمة األنعام هي : اإلبل ، والبقر ، والغنم من ضأن ومعز ، جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال‬
     ‫ابن جرير : كذلك هو عند العرب . اه . ولقوله صلى اهلل عليه وسلم : (( ال تذبحوا إال مسنة إال أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من‬
                                                                                                                 ‫و‬
                               ‫الضأن )) . رواه مسلم(23) . والمسنة : الثنية فما فوقها من اإلبل والبقر والغنم ، قاله أهل العلم رحمهم اهلل .‬
‫وألن األضحية عبادة كالهدي ، فال يشرع منها إال ما جاء عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، ولم ينقل عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه أهدى‬
                      ‫أو ضحى بغير اإلبل والبقر والغنم . واألفضل منها : اإلبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة .‬
‫واألفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً ، وفي (( صحيح البخاري )) عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‬
                                    ‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين(23) . واألملح ما خالط بياضه سواد .‬
   ‫وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال : ضحى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ،‬
                                                                     ‫ويمشي في سواد . أخرجه األربعة . وقال الترمذي : حسن صحيح (13).‬
‫وعن أبي رافع مولى النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : كان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين ، وفي لفظ : موجوأين‬
     ‫يعنى خصيين . رواه أحمد (33). فالفحل أفضل من الخص ي من حيث كمال الخلقة ؛ ألن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء ، والخصي‬
                                                                                                ‫أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب .‬


                                                                                                                                         ‫فصل‬



                                                                    ‫01‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ؛ لحديث جابر رضي اهلل عنه‬
‫قال : نحرنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه مسلم (53). وفي رواية قال خرجنا مع‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نشترك في اإلبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة (63) .‬
 ‫ففي هذا دليل على أن سبع البعير أو البقرة قائم مقام الواحدة من الغنم ، ومجزئ عما تجزئ عنه ؛ ألن الواجب في اإلحصار والتمتع هدي‬
   ‫ع لى كل واحد ، وقد جعل النبي صلى اهلل عليه وسلم البدنة عن سبعة فدل على أن سبعها يحل محل الواحدة من الغنم ويكون بدال عنها‬
                                                                                                              ‫والبدل له حكم المبدل .‬
                                                           ‫فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة ؛ فعلى وجهين :‬
        ‫الوجه األول : االشتراك في الثواب ، بأن يكون مالك األضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر‬
      ‫األشخاص فإن فضل اهلل واسع ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها في قصة أضحيته بكبش قال لها : (( يا عائشة ، هلمي‬
‫المدية )) ( يعني السكين ) ثم قال : (( اشحذيها بحجر )) ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال (( بسم اهلل ، اللهم‬
                                                                     ‫تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد )) ثم ضحي به (73).‬
‫وفي مسند اإلمام أحمد من حديث عائشة وأبي رافع رضي اهلل عنهما أن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي بكبشين : أحدهما عنه وعن‬
         ‫آله ، واآلخر عن أمته جميعا (83) . ومن حديث جابر وأبي سعيد رضي اهلل عنهما يضحي بكبش عنه وعمن لم يضح من أمته (93) .‬
     ‫وعن أبي أيوب األنصاري رضي اهلل عنه قال : كان الرجل في عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون‬
                                                                                      ‫ويطعمون ، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (15).‬
   ‫فإذا ضحى الرجل بالشاة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك ، وإذا ضحى بسبع البعير أو البقرة عنه وعن أهل بيته أو‬
 ‫من شاء من المسلمين صح ذلك ، لما سبق من أن النبي صلى اهلل عليه وسلم جعل السبع منهما قائما مقام الشاة في الهدي ، فكذلك في‬
                                                                                                                    ‫األضحية وال فرق .‬
    ‫ومن تراجم صاحب (( المنتقى )) : باب أن البدنة من اإلبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس . وقال في كتابه المحرر : ويجزئ عن الشاة‬
                                          ‫سبع من بدنة ، وعن البدنة بقرة ، وقال في (( الكافي )) في تعليل له : ألن كل سبع مقام شاة .‬
    ‫الوجه الثاني : االشتراك في الملك ، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها ، فهذا ال يجوز ، وال يصح أضحية إال في‬
  ‫اإلبل والبقر إلى سبعة فقط ، وذلك ألن األضحية عبادة وقربة إلى اهلل تعالى ، فال يجوز إيقاعها وال التعبد بها إال على الوجه المشروع زمناً‬
                                                                                                                        ‫وعدداً كيفية .‬
                                                                                                                              ‫و‬
                                                                ‫ٍ‬         ‫ِ‬
     ‫فإن قيل : لماذا ال يصح وقد قال اهلل تعالى : ( فَمن يَعمل مثْ قال ذرة خيراً يَرهُ) (الزلزلة:7) . كما لو كا في شراء لحم فتصدقا به‬
                            ‫اشتر‬   ‫و‬                  ‫َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ‬
                                                                                                        ‫ولكل منهما من األجر بحسبه ؟‬
  ‫فالجواب : أنه ليس المقصود من األضحية مجرد اللحم لالنتفاع أو الصدقة به ، وإنما المقصود باألضحية إقامة شعيرة من شعائر اهلل على‬
     ‫الوجه الذي شرعه اهلل ورسوله ، فوجب تقييدها بحسب ما جاء به الشرع ، ولذلك فرق النبي صلى اهلل عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة‬
                                                                 ‫11‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫النسك حيث قال : (( من ذبح قبل الصالة فشاته شاة اللحم أو فهو لحم قدمه ألهله ، ومن ذبح بعد الصالة ؛ فقد أصاب النسك أو قال‬
   ‫: فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(25) ، كما فرق صلى اهلل عليه وسلم في كاة الفطر بين ما دفع قبل الصالة وما دفع بعدها ،‬
                                                 ‫ز‬
  ‫فاألول كاة مقبولة ، والثاني صدقة من الصدقات ، مع أن كال منهما صاع من طعام ، لكن لما كان المدفوع قبل الصالة على وفق الحدود‬
                                                                                                                   ‫ز‬
      ‫الشرعية ؛ كان كاة مقبولة ، ولما كان المدفوع بعدها على غير وفق الحدود الشرعية ؛ لم يكن كاة مقبولة ، وهذه هي القاعدة العامة‬
                                        ‫ز‬                                                                       ‫ز‬
    ‫الشرعية . قال النبي صلى اهلل عليه وسلم : (( من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد ))(25) ، أي : مردود على صاحبه ، وإن كانت نيته‬
                                                                                                           ‫حسنة ؛ لعموم الحديث .‬
‫ولو كان التشريك في الملك جائزا في األضحية بغير اإلبل والبقر ؛ لفعله الصحابة رضي اهلل عنهم ؛ لقوة المقتضى لفعله فيهم ، فإنهم كانوا‬
 ‫أحرص الناس على الخير ، وفيهم فقراء كثيرون قد ال يستطيعون ثمن األضحية كاملة ، ولو فعلوه لنقل عنهم ؛ ألنه مما تتوفر الدواعي على‬
                                                                                                             ‫نقله لحاجة األمة إليه .‬
‫وال أعلم في ذلك حديثا إال ما رواه اإلمام أحمد من حديث أبي األشد عن أبيه عن جده قال : كنت سابع سبعة مع رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
  ‫وسلم ، فأمرنا نجمع لكل واحد منا درهماً فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا : يا رسول اهلل ، لقد أغلينا بها فقال : (( إن أفضل الضحايا‬
 ‫أغالها وأسمنها ))فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخذ رجل برجل ، ورجل برجل ، ورجل بيد ، ورجل بيد، ورجل بقرن ، ورجل بقرن ،‬
                                                                                             ‫وذبحها السابع كبرنا عليها جميعا (15).‬
                                                                                                                   ‫و‬
  ‫قال الهيثمي : أبو األشد لم أجد من وثقه وال من جرحه ، كذلك أبوه . اه، . وقال في بلوغ األماني شرح ترتيب المسند )) : والظاهر أن‬
                                                                        ‫و‬
‫هذه األضحية كانت من البقر ؛ ألن الكبش ال يجزئ عن سبعة ، والبعير ال قرون له ، والبقرة هي التي تجزئ عن سبعة ولها قرون ، فتعين أن‬
 ‫تكون من البقر واهلل أعلم . وما استظهره ظاهر ، ويؤيده أن الكبش ال يحتاج أن يمسك به السبعة ، وفي إمساكهم به عسر وضيق ، ويكفي‬
‫في إمساكه واحد ، اللهم إال أن يقال : إن تكلف إمساكهم به ليس من أجل استعصائه ؛ بل من أجل أن يحصل اشتراك الجميع في ذبحه ،‬
                                                                                                                         ‫واهلل أعلم.‬
     ‫ونزل ابن القيم هذا الحديث على معنى آخر وهو أن هؤالء السبعة كانوا رفقة واحدة فنزلهم النبي صلى اهلل عليه وسلم منزلة أهل البيت‬
                                                                                                      ‫الواحد في إجزاء الشاة عنهم .‬
 ‫قلت : وفيه شيء ؛ ألن أهل البيت ال كون في األضحية اشتراك ملك ، وإنما يضحي الرجل عنه ، وعن أهل بيته من ماله وحده فيتأدى‬
                                                                                   ‫يشتر‬
                                                                                                     ‫به شعار األضحية عن الجميع .‬
      ‫وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في (( المنهاج وشرحه )) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز ،‬
       ‫واألحاديث كذلك كحديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) (35)، على أن المراد التشريك في الثواب ال األضحية . اه .‬
‫وفي (( شرح المهذب )) : لو اشترك اثن ان في شاتين للتضحية لم تجزئهما في أصح الوجهين ، وال يجزئ بعض شاة بال خالف بكل حال .‬
‫اه . وحمل حديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) ، محمولة على أن المراد التشريك في الثواب متعين وظاهر ؛ فإن آل محمد‬


                                                               ‫21‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



  ‫صلى اهلل عليه وسلم لم يكونوا كونه في شرائها ، وقد سبق في حديث أبي رافع قوله : فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي‬
                                                                                       ‫يشار‬
                                                                           ‫قد كفاه اهلل المؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم .‬
‫وعلى هذا فإذا وجد وصايا لجماعة ، كل واحد موص بأضحية ولم يكف المغل كل واحد منهم ألضحيته التي أوصى بها ؛ فإنه ال يجوز جمع‬
             ‫هذه الوص ايا في أضحية واحدة لما عرفت من أنه ال يجوز اشتراك اثنين فأكثر اشتراك ملك في األضحية إال في اإلبل والبقر .‬
 ‫لكن لو اشترك شخصان فاكثر في واحدة من الغنم أو في سبع من بعير أو بقرة ليضحيا به عن شخص واحد ؛ فالظاهر الجواز ، فلو اشترى‬
‫اثنان شاة أو كانا يملكانها بإرث أو هبة أو نحوهما ثم ضحيا بها عن أمهما أو عن أبيهما جاز ، ألن األضحية هنا لم تكن عن أكثر من واحد‬
                                              ‫، كما دفعا ثمنها إلى أمهما أو أبيهما فاشترى به أضحية فضحى بها ؛ فهو جائز بال ريب .‬
                                                                                                                             ‫و‬
‫كذلك لو تعدد الموصون باألضحية واتحد الموصى له بها ولم تكف غلة كل منهما ألضحيته ؛ فالظاهر جواز جمع وصيتيهما مثل أن يوصي‬
                                                                                                                     ‫و‬
 ‫أخوان كل واحد منهما بأضحية لوالدتهما ثم ال تكفي غلة كل واحد منهما ألضحية كاملة فتجمع الوصيتان في أضحية واحدة قياسا على ما‬
                             ‫لو كا في أضحية لها حال الحياة ، وهذا ما ظهر لي في هذين الفرعين ، والعلم عند اهلل سبحانه وتعالى .‬
                                                                                                                         ‫اشتر‬




                                                            ‫الفصل الرابع‬


                                      ‫في شروط ما يضحى به ، وبيان العيوب المانعة من اإلجزاء‬


                    ‫األضحية عبادة وقربة إلى اهلل تعالى فال تصح إال بما يرضاه سبحانه ، وال يرضى اهلل من العبادات إال ما جمع شرطين :‬
  ‫أحدهما : اإلخالص هلل تعالى ، بأن يخلص النية له ، فال يقصد رياء وال سمعة وال رئاسة وال جاهاً ، وال عرضاً من أعراض الدنيا ، وال تقربا‬
                                                                                                                        ‫إلى مخلوق .‬
                                                                ‫31‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



 ‫الثاني : المتابعة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، قال اهلل تعالى : ( وما أُمروا إِالَّ لِيَ عبُدوا اللَّه مخلِصين لَهُ ِّين حنَ فاء)(البينة: 5) فإن لم‬
                    ‫َ ُ ْ َ الد َ ُ َ َ‬
                                        ‫ِ‬              ‫ُْ‬                  ‫ِ‬
                                                                          ‫ََ ُ‬
 ‫تكن خالصة هلل ؛ فهي غير مقبولة ، قال اهلل تعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى كاء عن الشرك ، ومن عمل عمال أشرك فيه معي‬
                                        ‫الشر‬
                                                                                                                         ‫غيري كته كه )) (55) .‬
                                                                                                                                    ‫تر وشر‬
  ‫كذلك إن لم تكن على سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهي مردودة ، لقول النبي صلى اهلل عليه وسلم : (( من عمل عمال ليس عليه‬
                                                                                                                         ‫و‬
                                         ‫أمرنا فهو رد )) (65) وفي رواية : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(75) ، أي مردود .‬
                                                   ‫وال تكن األضحية على أمر النبي صلى اهلل عليه وسلم إال باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .‬
   ‫وشروطها أنواع : منها ما يعود للوقت ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها ، وسبق تفصيل القول فيهما ، ومنها ما يعود للمضحي به وهي‬
                                                                                                                                                ‫أربعة :‬
‫األول : أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره ، فال تصح األضحية بما ال يملكه ؛ كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة‬
   ‫ونحوه ؛ ألن األضحية قربة إلى اهلل عز وجل ، وأكل مال الغير بغير حق معصية ، وال يصح التقرب إلى اهلل بمعصية ، وال تصح األضحية‬
   ‫أيضا بما تعلق به حق الغير كالمرهون إال برضا من له الحق ، ونقل في (( المغني )) عن أبي حنيفة فيمن غصب شاة فذبحها عن الواجب‬
                                        ‫عليه تجزئه إن رضي مالكها ، ووجهه أنه إنما منع منها لحق الغير ، فإذا علم رضاه بذلك زال المانع .‬
                                 ‫الثاني : أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع ، وهو اإلبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها ، وسبق بيان ذلك .‬
   ‫الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعا ، بأن تكون ثنيا إن كان من اإلبل أو البقر أو المعز ، وجذعا إن كان من الضأن ؛ لقول النبي صلى اهلل‬
                                         ‫عليه وسلم (( ال تذبحوا إال مسنة إال أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم (85) .‬
 ‫وظاهره ال تجزئ الجذعة من الضأن إال عند تعسر المسنة ، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل األفضلية وقالوا : تجزئ الجذعة‬
‫من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها ، واستدلوا بحديث أم بالل امرأة من أسلم عن أبيها هالل عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : ((‬
                                                                ‫يجوز الجذع من الضأن ضحية )) ، رواه أحمد وابن ماجه(95) وله شواهد منها :‬
‫حديث عقبة بن عامر رضي اهلل عنه قال : ضحينا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالجذع من الضأن ، رواه النسائي(16) ، قال في (( نيل‬
                                                                                                                   ‫األوطار )) : إسناد رجاله ثقات .‬
 ‫ومنها حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه قال سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول : (( نعم أو نعمت األضحية الجذع من الضأن )) ،‬
  ‫رواه أحمد والترمذي (26). وفي (( الصحيحين )) عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا‬
                                                    ‫فصارت لعقبة جذعة ، فقال يا رسول اهلل ، صارت لي جذعة ، فقال : (( ضح بها )) (26).‬
‫فالثني من اإلبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة ، والجذع من الضأن‬
                                                                                                                              ‫: ما تم له نصف سنة .‬
‫الرابع : السالمة من العيوب المانعة من اإلجزاء ، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي اهلل عنه قال : قام فينا رسول اهلل صلى اهلل‬
   ‫عليه وسلم فقال : (( أربع ال تجوز في األضاحي وفي رواية : ال تجزئ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين‬
                                                                        ‫41‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



   ‫ظلعها ، والكسير التي ال تنقي )) . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح(16) . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ، وفي‬
  ‫رواية للنسائي قلت : يعني للبراء فإني أكره أن يكون نقص في القرن ، وفي أخري أكره أن يكون في القرن نقص، أو أن يكون في السن‬
                                                                 ‫نقص ، فقال يعنى البراء : ما كرهت فدعه وال تحرمه على أحد (36).‬
   ‫وقد صحح النووي في (( شرح المهذب )) هذا الحديث وقال : قال أحمد بن حنبل : ما أحسنه من حديث ، ورواه مالك في الموطأ ))‬
  ‫عن البراء بن عا زب بلفظ : سئل النبي صلى اهلل عليه وسلم : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : (( أربعا : العرجاء البين ظلعها ،‬
‫والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي ال تنقي )) (56) وذكرت العجفاء في رواية الترمذي وفي رواية النسائي بدال عن‬
                                                                                                                              ‫الكسير .‬
                                                                             ‫فهذه أربع منصوص على منع األضحية بها وعدم إجزائها .‬
  ‫األولى : العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت ال تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت ، والسليمة من‬
                                                                                                                            ‫ذلك أولى .‬
       ‫الثانية : المريضة البين مرضها ، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد‬
    ‫للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا ، فإن كان فيها كسل أو فتور ال يمنعها من المرعى واألكل أجزأت‬
                                                                                                                ‫لكن السالمة منه أولى .‬
    ‫الثالثة : العرجاء البين ظلعها ، وهي التي ال تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير ال يمنعها من معانقة السليمة‬
                                                                                                          ‫أجزأت ، والسالمة منه أولى .‬
 ‫الرابعة : الكسيرة أو العجفاء ( يعنى الهزيلة ) التي ال تنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إال أن‬
                                                                                        ‫يكون فيها عرج بين ، والسمينة السليمة أولى .‬
‫هذه هي األربع المنصوص عليها ، وعليها أهل العلم ، قال في (( المغني )) : ال نعلم خالفا في أنها تمنع اإلجزاء . اه . ويلحق بهذه األربع‬
                                                                                                  ‫ما كان بمعناها أو أولى ، فيلحق بها :‬
                                                        ‫العمياء : التي ال تبصر بعينها ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العوراء البين عورها .‬
   ‫فأما العشواء التي تبصر في النهار ، وال تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ ؛ ألن في ذلك ليس عورا بينا وال عمى دائما يؤثر في‬
                                                                                               ‫رعيها ونموها ، ولكن السالمة منه أولى .‬
    ‫الثانية : المبشومة حتى تثلط ؛ ألن البشم عارض خطير كالمرض البين ، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك‬
                                                                                                                            ‫مرض بين .‬
‫الثالثة : ما أخذتها الوالدة حتى تنجو ؛ ألن ذلك خطر قد يودي بحياتها ، فأشبه المرض البين ، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت والدتها‬
                                                                               ‫على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد .‬


                                                               ‫51‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫الرابعة : ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ؛ ألن هذه أولى بعدم اإلجزاء من المريضة‬
                                                                                              ‫البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها .‬
                             ‫الخامسة: الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها .‬
                            ‫فأم ا العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ ، ألنه ال عاهة فيها وال نقص في لحمها .‬
       ‫السادسة: مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها ، وألنها ناقصة بعضو مقصود‬
                                                                                                        ‫فأشبهت ما قطعت أليتها .‬
‫هذه هي العيوب المانعة من اإلجزاء وهي عشرة : أربعة منها بالنص وستة بالقياس ، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية‬
                                                               ‫بها ؛ لفقد أحد الشروط وهو السالمة من العيوب المانعة من اإلجزاء .‬




                                                             ‫61‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬




                                                        ‫الفصل الخامس‬


                                               ‫في العيوب المكروهة في األضحية‬


   ‫ذكرنا في الفصل السابق العيوب المانعة من اإلجزاء المنصوص عليها والمقيسة ، وها نحن بعون اهلل نذكر العيوب المكروهة التي ال تمنع‬
                                                                                                                    ‫اإلجزاء وهي :‬
‫األولي : العضباء ، وهي مقطوعة القرن أو األذن ، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل‬
 ‫عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب األذن والقرن . قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب : النصف فأكثر من ذلك‬
                                                                              ‫. رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح (66).‬
 ‫قلت : جري بن كليب قال عنه في (( خالصة التذهيب )) : روى عنه قتادة فقط . وقال أبو حاتم : ال يحتج به . اه . ولذلك قال‬
                                                                       ‫في (( الفروع )) وفي صحة الخبر يعنى خبر العضب نظر .‬
                                                                ‫فأما مفقودة القرن واألذن بأصل الخلقة فال تكره ، لكن غيرها أولى .‬
                                                                         ‫الثانية : المقابلة ، وهي التي شقت أذنها من األمام عرضاً .‬
                                                                        ‫الثالثة : المدابرة ، وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .‬
                                                                                   ‫الرابعة : الشرقاء ، وهي التي شقت أذنها طوال .‬
                                                                                     ‫الخامسة : الخرقاء ، وهي التي خرقت أذنها .‬
    ‫لحديث على رضي اهلل عنه ، قال أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نستشرف العين واألذن ، وأن ال نضحي بمقابلة وال مدابرة وال‬
                                                                ‫شرقاء وال خرقاء . رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن صحيح (76).‬


                                                             ‫71‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار(86) ، وأعله الدارقطني ، ونقل في (( عون المعبود )) عن البخاري أن هذا الحديث لم يثبت رفعه‬
                                                                                                                        ‫، واهلل أعلم .‬
 ‫السادسة ، المصفرة ، وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، وهكذا في الخبر ، وفي (( التلخيص )) : أنها المهزولة ، وذكرها في‬
                                                                                                          ‫النهاية بقيل كذا وقيل كذا .‬
                                                                               ‫السابعة : المستأصلة ، وهي التي ذهب قرنها من أصله .‬
     ‫الثامنة : البخقاء ، وهي التي بخقت عينها ، قال في (( النهاية )) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة . وفي (( القاموس )) :‬
                        ‫البخق أقبح العور وأكثره غمصا ، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق .‬
   ‫التاسعة : المشيعة ، وهي التي ال تتبع الغنم عجفاً وضعفا ، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر ، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها‬
       ‫لتلحق بالغنم ، وهذه إن لم يكن فيها م خ فال تجزئ لحديث البراء ، وإن كان فيها مخ وال تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا ؛ ألنها‬
 ‫كالعرجاء البين ظلعها ، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة ؛ لحديث يزيد ذي مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي‬
     ‫فقلت : يا أبا الوليد ، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ . قال : أال جئتني أضحي بها ؟ قلت :‬
          ‫سبحان اهلل ، تجوز عنك وال تجوز عني . قال نعم ، إنك تشك وال أشك ، إنما نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن المصفرة‬
  ‫والمستأصلة والبخقاء والمشيعة ، والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله،‬
‫والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي ال تتبع الغنم عجفاء وضعفا ، والكسراء التي ال تنقي ، رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه‬
            ‫، وقال الحاكم : صحيح اإلسناد ولم يخرجاه(96) . وقوله : والكسراء التي ال تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من اإلجزاء .‬
 ‫وإنما قلنا : هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو األمر بعدم التضحية بما عاب بها ، ولم نقل : إنها مانعة من اإلجزاء ؛ ألن حديث‬
 ‫البراء بن عازب رضي اهلل عنه خرج مخرج البيان والحصر ؛ ألنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعالن ، ولو كان غير العيوب‬
   ‫المذكورة فيه مانعاً من اإلجزاء ؛ للزم ذكره المتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فالجمع بينه وبين هذه األحاديث ال يتأتى إال على هذا‬
                                                                                                                    ‫الوجه بأن نقول :‬
‫العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من اإلجزاء ، والعيوب المذكورة في هذه األحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من اإلجزاء لما يقتضيه‬
‫سياق حديث البراء ؛ وألنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه اهلل ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما ال يجوز من‬
                                                                       ‫األضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من األضاحي ) .‬
                                                                                               ‫ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي :‬
     ‫األولى : البتراء من اإلبل والبقر والمعز ، وهي التي قطع ذنبها ، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء ؛ ألن في الذنب مصلحة كبيرة‬
                                                            ‫للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ، وجماال لمؤخره ، وفي قطعه فوات هذه األمور .‬
                                                                                   ‫فأما البتراء بأصل الخلقة فال تكره لكن غيرها أولى .‬
                           ‫وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فال تجزئ ؛ ألن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها .‬
                                                                ‫81‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



‫فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ، قال الشافعية : إال التطريف وهو قطع شي يسير من طرف‬
                                                                   ‫األلية ، فإنه ال يضر ؛ ألن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء .‬
  ‫وأما مفقودة األلية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس ال ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة ؛ ألنها ال نقص فيها عن جنسها ، وإن كانت‬
  ‫من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت ، وفي الكراهة تردد ؛ ألننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا : إنها ناقصة بفقد جزء‬
‫مقصود لكن ال يمنع اإلجزاء ألنه بأصل الخلقة ، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا : إنها ناقصة فلم تكره كالجماء . وعلى كل حال فغيرها‬
                                                                                                                         ‫أولى منها .‬
 ‫الثانية : ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء ، ف أما ما قطعت خصيتاه فال تكره التضحية به لما سبق من الحديث : أن النبي‬
                                                            ‫صلى اهلل عليه وسلم ضحى به ، وألن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه .‬
‫الثالثة : الهتماء ، وهي التي سقط بعض أسنانها ، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، فإن في األسنان جماال ومنفعة ، ففقد شيء‬
                                                                                                                   ‫منها يخل بذلك .‬
                                                               ‫فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إال أن يؤثر ذلك في اعتالفها .‬
                                                     ‫الرابعة : ما قطع شيء من حلمات ضرعها ، فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.‬
                                                               ‫فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بال أذن .‬
    ‫وإن توقف ضرعها عن الدر فنش ف لبنها أجزأت بال كراهة ؛ ألنه ال نقص في لحمها وال في خلقتها ، واللبن غير مقصود في األضحية ،‬
                                                                     ‫واألصل اإلجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خالف ذلك .‬
‫هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في األضحية كراهة التضحية بها ، وال يمنع من إجزائها وهي ثالثة عشر : تسعة منها ورد بها‬
                   ‫النص ، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص ، وأسأل اهلل تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين .‬


                                                          ‫الفصل السادس‬


                                                  ‫فيما تتعين به األضحية وأحكامه‬


                                                                                             ‫تتعين األضحية أضحية بواحد من أمرين :‬
                                                    ‫أحدهما : اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول : هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء تعيينها.‬
      ‫فأما إن قصد اإلخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل ؛ فإنها ال تتعين بذلك ؛ ألن هذا إخبار عما في نيته أن يفعل ، وليس للتعيين .‬




                                                                ‫91‬
‫أحكام االضحية والذكاة‬



  ‫الثاني : ذبحها بنية األضحية ، فمتى ذبحها بنية األضحية ؛ ثبت لها حكم األضحية ، وإن لم يتلفظ بذلك قبل الذبح ، هذا هو المشهور‬
‫من مذهب اإلمام أحمد ، وهو مذهب الشافعي ، أعني أن األضحية تتعين بأحد هذين األمرين ، وزاد شيخ اإلسالم ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو :‬
                                               ‫الشراء بنية األضحية ، فإذا اشتراها بنية األضحية تعينت ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .‬
 ‫واألول أرجح كما لو اشترى عبداً يريد عتقه فإنه ال يعتق ، كما لو اشترى بيتا ليجعله وقفا ؛ فإنه ال يصير وقفا بمجرد النية ، كما لو أخرج‬
           ‫و‬                                                               ‫و‬
    ‫من جيبه دراهم ليتصدق بها ؛ فإنها ال تتعين الصدقة بها بل هو بالخيار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها . ويستثني من ذلك ما إذا اشترى‬
                                                                              ‫أضحية بدالً عن معينة فإنها تتعين بمجرد الشراء مع النية .‬
                                                                                                ‫وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام :‬
           ‫أحدها : أنه ال يجوز نقل الملك فيها ببيع وال هبة وال غيرهما إال أن يبدلها بخير منها ، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به .‬
                                      ‫وإن مات من عينها لم ي ملك الورثة إبطال تعيينها ، ولزمهم ذبحها أضحية ، ويفرقون منها ويأكلون .‬
   ‫الثاني : أنه ال يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا ، فال يستعملها في حرث ونحوه ، وال كبها بدون حاجة وال مع ضرر ، وال يحلب من‬
                                         ‫ير‬
  ‫لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها . وال يجز شيئا من صوفها ونحوه إال أن يكون أنفع لها ، وإذا جزه فليتصدق به أو‬
                                                                                                              ‫ينتفع ، والصدقة أفضل .‬
                                                                                 ‫الثالث : أنها إذا تعيبت عيباً يمنع اإلجزاء فله حاالن :‬
‫الحال األولى : أن يكون ذلك بدون فعل منه وال تفريط ؛ فيذبحها وتجزئه إال أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ ألنها أمانة عنده ، فإذا‬
                                                                                       ‫تعيبت بدون فعل منه وال تفريط فال حرج عليه .‬
                                  ‫مثال ذلك : أن يشتري شاةً فيعينها أضحية ، ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذبحها وتجزئه أضحية .‬
      ‫فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين كما لو نذر أن يضحي ثم عين عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من وال تفريط وجب عليه إبدالها‬
          ‫بسليمة تجزئ عما في ذمته ؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها ، فال يخرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة .‬
 ‫الحال الثانية : أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط ؛ فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال ، سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم ال ، وسواء‬
                                                                                       ‫كانت بقدر ما يجزئ في األضحية أو أعلى منه .‬
  ‫مثال ذلك : أن يشتري شاة سمينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا في كسرها فتنكسر ؛ فيلزمه إبدالها بشاة سمينة يضحي‬
                                                                                                                                  ‫بها .‬
                                           ‫وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح المتعيب أيضا ، أو يعود ملكا له ؟ على روايتين عن أحمد :‬
                                   ‫إحداهما : يلزمه ذبح المتعيب ، وهو المذهب المشهور عند األصحاب لتعلق حق الفقراء فيه يتعيينه .‬
‫الثانية : ال يلزمه ذبحه لبراءة ذمته بذبح بدله ، فلم يضع حق الفقراء فيه ، وهذا هو القول الراجح ، اختاره الموفق والشارح وغيرهما ، وعلى‬
                                                  ‫هذا فيعود المتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل وبيع وهدية وصدقة وغير ذلك .‬
                                                                                  ‫الرابع : أنها ضلت ( ضاعت ) أو سرقت فثم حاالن :‬
                                                                ‫02‬
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة
أحكام الاضحية والذكاة

More Related Content

What's hot

كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّة
كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّةكتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّة
كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّةF El Mohdar
 
Shrh sahih al bukhari 6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
Shrh sahih al bukhari  6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري     Shrh sahih al bukhari  6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
Shrh sahih al bukhari 6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري mhmas
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005c
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005cTafsir ibnu katsir muhaqqoq 005c
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005csrujacxtup
 
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )Mbarki Noureddine
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 003a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003asrujacxtup
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004d
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004dTafsir ibnu katsir muhaqqoq 004d
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004dsrujacxtup
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 005a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005asrujacxtup
 
العشرة المبشرون بالجنة
العشرة المبشرون بالجنةالعشرة المبشرون بالجنة
العشرة المبشرون بالجنةغايتي الجنة
 
Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30omwito
 
احسانكم اخلاقا
احسانكم اخلاقااحسانكم اخلاقا
احسانكم اخلاقاalakeeda
 
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألباني
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألبانيكتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألباني
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألبانيwayislam
 
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردان
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردانالتحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردان
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردانمحمد جديد
 

What's hot (18)

كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّة
كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّةكتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّة
كتاب حصـن المسـلم مـن اذكـار الكتـاب والسُّـنَّة
 
1949
19491949
1949
 
Shrh sahih al bukhari 6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
Shrh sahih al bukhari  6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري     Shrh sahih al bukhari  6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
Shrh sahih al bukhari 6 كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005c
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005cTafsir ibnu katsir muhaqqoq 005c
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005c
 
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 003a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 003a
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004d
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004dTafsir ibnu katsir muhaqqoq 004d
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 004d
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 005a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 005a
 
Hesn
HesnHesn
Hesn
 
العشرة المبشرون بالجنة
العشرة المبشرون بالجنةالعشرة المبشرون بالجنة
العشرة المبشرون بالجنة
 
Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30
 
المشبرون 2ج
المشبرون 2ج المشبرون 2ج
المشبرون 2ج
 
المبشرون 1ج
المبشرون 1ج المبشرون 1ج
المبشرون 1ج
 
احسانكم اخلاقا
احسانكم اخلاقااحسانكم اخلاقا
احسانكم اخلاقا
 
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألباني
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألبانيكتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألباني
كتاب صحيح السيرة النبوية بقلم الشيخ الألباني
 
كتاب المقدمات
كتاب المقدماتكتاب المقدمات
كتاب المقدمات
 
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردان
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردانالتحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردان
التحـذيـر مـن مـصاحبـة المـردان
 
الربا
الرباالربا
الربا
 

Viewers also liked

Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016
Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016
Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016Kathy Levinson
 
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange Initiative
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange InitiativeAn Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange Initiative
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange InitiativeKathy Levinson
 
Chua 1 cot 2
Chua 1 cot 2Chua 1 cot 2
Chua 1 cot 2nututhan
 
Darel Murphy Digital Samples
Darel Murphy Digital SamplesDarel Murphy Digital Samples
Darel Murphy Digital Samplesdmrphy
 
Docker @ RelateIQ Presentation
Docker @ RelateIQ PresentationDocker @ RelateIQ Presentation
Docker @ RelateIQ PresentationJohn Fiedler
 
1 year with Docker
1 year with Docker1 year with Docker
1 year with DockerJohn Fiedler
 
през 12.03.13 для карточки ано в ск
през 12.03.13 для карточки ано в скпрез 12.03.13 для карточки ано в ск
през 12.03.13 для карточки ано в скAleksandra Ponomareva
 

Viewers also liked (12)

Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016
Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016
Lesbian Who Tech to Hold Third Annual Summit in September 2016
 
Libro cfe parte i
Libro cfe parte iLibro cfe parte i
Libro cfe parte i
 
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange Initiative
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange InitiativeAn Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange Initiative
An Overview of Global Fund for Women’s AmplifyChange Initiative
 
Contoh materi
Contoh materiContoh materi
Contoh materi
 
Chua 1 cot 2
Chua 1 cot 2Chua 1 cot 2
Chua 1 cot 2
 
Darel Murphy Digital Samples
Darel Murphy Digital SamplesDarel Murphy Digital Samples
Darel Murphy Digital Samples
 
Docker @ RelateIQ Presentation
Docker @ RelateIQ PresentationDocker @ RelateIQ Presentation
Docker @ RelateIQ Presentation
 
1 year with Docker
1 year with Docker1 year with Docker
1 year with Docker
 
Bahan ekg
Bahan ekgBahan ekg
Bahan ekg
 
Dockercon EU 2015
Dockercon EU 2015Dockercon EU 2015
Dockercon EU 2015
 
през 12.03.13 для карточки ано в ск
през 12.03.13 для карточки ано в скпрез 12.03.13 для карточки ано в ск
през 12.03.13 для карточки ано в ск
 
Unit 5-rheology
Unit 5-rheologyUnit 5-rheology
Unit 5-rheology
 

Similar to أحكام الاضحية والذكاة

كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...MaymonSalim
 
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...AhmedNaser92
 
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...MaymonSalim
 
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندرانيدرس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندرانيSaad_Iskandarani
 
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآن
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآنموجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآن
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآنسمير بسيوني
 
كيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانكيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانSof Wan
 
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...MaymonSalim
 
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 
ماحيات الذنوب
ماحيات الذنوبماحيات الذنوب
ماحيات الذنوبalakeeda
 
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...MaymonSalim
 
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 
Nawawi 40 hadith arabic
Nawawi 40 hadith arabicNawawi 40 hadith arabic
Nawawi 40 hadith arabicArab Muslim
 
هدي النبي في رمضان
هدي النبي في رمضانهدي النبي في رمضان
هدي النبي في رمضانTaha Rabea
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةmhmas
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعي
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعي
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيwayislam
 
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...MaymonSalim
 
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 

Similar to أحكام الاضحية والذكاة (20)

كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 306 ) من سلسلة الكامل
 
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...
الكامل في أحاديث استشهد رجل في سبيل الله فقال النبي كلا إني رأيته في النار في...
 
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...
سلسلة الكامل / 38 / الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا...
 
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...
الكامل في أحاديث أن النبي قام لجنازة يهودي وقال إنما قمنا للملائكة وإعظاما لل...
 
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندرانيدرس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندراني
درس في أهداف الشريعة ومقاصدها (2/5) | سعد السكندراني
 
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآن
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآنموجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآن
موجز البيان على منظومة الفرائد الحسان في عد آي القرآن
 
كيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانكيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القران
 
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...
الكامل في أحاديث فضائل مكة والمدينة وما ورد فيهما من أحاديث في أشراط الساعة /...
 
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 355 ) من سلسلة الكامل
 
ماحيات الذنوب
ماحيات الذنوبماحيات الذنوب
ماحيات الذنوب
 
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...
الكامل في أحاديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وما ورد في ال...
 
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 329 ) من سلسلة الكامل
 
Ar tafser sorat_al_fateha
Ar tafser sorat_al_fatehaAr tafser sorat_al_fateha
Ar tafser sorat_al_fateha
 
Nawawi 40 hadith arabic
Nawawi 40 hadith arabicNawawi 40 hadith arabic
Nawawi 40 hadith arabic
 
هدي النبي في رمضان
هدي النبي في رمضانهدي النبي في رمضان
هدي النبي في رمضان
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعي
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعي
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعي
 
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 349 ) من سلسلة الكامل
 
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...
الكامل في أحاديث يأتي علي الناس زمان يصلون ويصومون وليس فيهم مؤمن وليخرجن الن...
 
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 299 ) من سلسلة الكامل
 

أحكام الاضحية والذكاة

  • 1. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الفصل األول‬ ‫في تعريف األضحية وحكمها‬ ‫األضحية: ما يذبح من بهيمة األنعام أيام األضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى اهلل عز وجل.‬ ‫وهي من العبادات المشروعة في كتاب اهلل وسنة رسوله النبي صلى اهلل عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.‬ ‫فأما كتاب اهلل : فقد اهلل تعالي: (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) وقال تعالي:(قُل إِن صالتِي ونُسكي ومحيَاي ومماتِي لِلَّه رب‬ ‫ِ َ ِّ‬ ‫َ ُ ََ ْ َ َََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َّ َ‬ ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬ ‫الْعالَمين) (ال شريك لَهُ وبِذلِك أُمرت وأَنَا أَول الْمسلِمين) (األنعام:162،262) .‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ ُ ُ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫وقال تعالى: (ولِكل أُمة جعلْنَا منسكاً لِيَذكروا اسم اللَّه علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام فَِإلَهكم إِلَ ٌ واحد فَلَهُ أَسلموا )(الحج: 31).‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ُ ُ ْ َ ِ َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ ْ َ ِ ُ ُ ْ ه َ ِ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ُ ِّ َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫وهذه اآلية تدل على أن الذبح تقرباً إلى اهلل تعالي مشروع في كل ملة لكل أمة، وهو برهان بين على أنه عباده ومصلحة في كل زمان‬ ‫ومكان وأمة.‬ ‫َ‬ ‫وأما سنة رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية األضحية فيها بقول النبي صلي اهلل عليه وسلم وفعله وإقراره،‬ ‫فاجتمعت فيها أنواع السنة الثالثة: القول، والفعل، والتقرير.‬ ‫ففي : ((الصحيحين)) عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال: (( من ذبح بعد الصالة فقد تم نسكه،‬ ‫وأصاب سنة المسلمين))(2). وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا، فصارت‬ ‫لعقبة جذعة، فقال: يا رسول اهلل؛ صارت لي جذعة. فقال ((ضح بها))(2).‬ ‫وفي (( الصحيحين)) أيضاً عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال: ضحى النبي صلي اهلل عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده،‬ ‫وسمي كبر ووضع رجله على صفاحهما(1). وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال: أقام النبي صلى اهلل عليه وسلم بالمدينة عشر سنين‬ ‫و‬ ‫يضحي . رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن(3).‬ ‫وفي ((الصحيحين)) أيضاً عن جندب سفيان .البجلي قال: شهدت األضحى مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، فلما قضي صالته‬ ‫بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: (( من ذبح قبل الصالة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم اهلل)) هذا لفظ‬ ‫مسلم(5).‬ ‫وعن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب األنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم ؟فقال : كان‬ ‫الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ( الحديث ) . رواه ابن ماجه والترمذي وصححه(6).‬ ‫وأما إجماع المسلمين على مشروعية األضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .‬ ‫1‬
  • 2. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية األضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : وال‬ ‫خالف في كونها من شرائع الدين .‬ ‫وبعد إجماعهم على مشروعية األضحية اختلفوا : أواجبة هي أم سنة كدة ؟ على قولين :‬ ‫مؤ‬ ‫القول األول : أنها واجبة ، وهو قول األوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن اإلمام أحمد ، قال شيخ‬ ‫اإلسالم : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .‬ ‫القول الثاني : أنها سنة كدة ، وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من‬ ‫مؤ‬ ‫أرباب هذا القول بأن كها يكره للقادر ، ذكره أصحابنا ، نص اإلمام أحمد وقطع به في اإلقناع ، وذكر في (( جواهر اإلكليل شرح مختصر‬ ‫تر‬ ‫خليل )) . أنها إذا كها أهل بلد قوتلوا عليها ؛ ألنها من شعائر اإلسالم .‬ ‫تر‬ ‫أدلة القائلين بالوجوب : الدليل األول : قوله تعالى : (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) فأمر بالنحر ، واألصل في األمر الوجوب .‬ ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬ ‫الدليل الثاني : قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( من وجد سعة فلم يضح فال يقربن مصالنا )) رواه أحمد وابن ماجه ، وصححه الحاكم‬ ‫(7)‬ ‫من حديث أبي هريرة .‬ ‫قال في (( فتح الباري )) ورجاله ثقات .‬ ‫الدليل الثالث : قوله صل ى اهلل عليه وسلم وهو واقف بعرفة : (( يا أيها الناس ، إن على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة )) .‬ ‫قال في (( الفتح )) : أخرجه أحمد واألربعة بسند قوي(8) .‬ ‫الدليل الرابع : قوله صلى اهلل عليه وسلم (( من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح‬ ‫باسم اهلل )) متفق عليه(9) .‬ ‫هذه أدلة القائلين بالوجوب ، وقد أجاب عنها القائلون بعدم الوجوب واحداً واحداً .‬ ‫فأجابوا عن الدليل األول : بأنه ال يتعين أن يكون المراد بها نحر القربان ، فقد قيل : إن المراد بها وضع اليدين تحت النحر عند‬ ‫القيام في الصالة ، وهذا القول وإن كان ضعيفا لكن مع االحتمال قد يمتنع االستدالل .‬ ‫وإذا قلنا : إن المراد بها نحر القربان كما هو ظاهر القرآن ، فإنه ال يتعين أن يكون المراد بها فعل النحر ، فقد قيل : إن المراد بها‬ ‫تخصيص النحر هلل تعالى وإخالصه له ، وهذا واجب بال شك وال نزاع .‬ ‫وإذا قلنا : المراد بها فعل النحر كما هو ظاهر اآلية ؛ فهو أمر مطلق يحصل امتثاله بفعل ما ينحر تقربا إلى اهلل تعالى من أضحية ، أو‬ ‫هدي ، أو عقيقة ولو مرة واحدة ، فال يتعين أن يكون المراد به األضحية كل عام .‬ ‫وهذا تقرير جوابهم عن اآلية ، وعندي أنه إذا صح الدليل الثالث ؛ صار مبينا لآلية ، وصارت حجة على الوجوب . واهلل أعلم .‬ ‫وقد يقال : إن وجوب النحر الذي تدل عليه هذه اآلية خاص بالنبي صلى اهلل عليه وسلم شكرا منه لربه على ما أعطاه من الخير‬ ‫الكثير الذي لم يعطه أحد غيره ؛ بدليل ترتيبه عليه بالفاء ، وبدليل ما يأتي في الدليل األول للقائلين بعدم الوجوب .‬ ‫2‬
  • 3. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫وأجابوا عن الدليل الثاني : بأن الراجح أنه موقوف ، ولعل أبا هريرة قاله حين كان والياً على المدينة ، قال في (( بلوغ المرام )) :‬ ‫رجح األئمة وقفه ، اه . لكن قال في (( الدراية )) : إن الذي رفعه ثقة .‬ ‫قلت : وإذا كان الذي رفعه ثقة ؛ فالمشهور عند المحدثين أنه إذا تعارض الوقف والرفع ، كان الرافع ثقة فالحكم للرفع ؛ ألنه زيادة‬ ‫و‬ ‫من ثقة مقبولة ، لكن قال في ((الفتح )) : إنه ليس صريحا في اإليجاب .‬ ‫قلت : هو ليس بصريح في اإليجاب ، إذ يحتمل أن منعه من المسجد ، وحرمانه من حضور الصالة ودعوة المسلمين عقوبة له على‬ ‫ترك هذه الشعيرة ، وإن لم تكن واجبة ، لكن من أجل تأكدها ، لكن هو ظاهر في اإليجاب ، وال يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل‬ ‫صريحا في الداللة عليه ، بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه .‬ ‫وأجابوا عن الدليل الثالث : بأن أحد روات ه أبو رملة ( عامر ) قال في ((التقريب )) : ال يعرف . وقال الخطابي : مجهول والحديث‬ ‫ضعيف المخرج . وقال المعافري : هذا الحديث ضعيف ال يحتج به .‬ ‫قلت : وقد سبق أن صاحب (( الفتح )) وصف سنده بالقوة ؛ لكنه قال : ال حجة فيه ؛ ألن الصيغة ليست صريحة في الوجوب‬ ‫المطلق ، وقد ذكر معها العتيرة ، وليست بواجبة عند من قال بوجوب األضحية . اه .‬ ‫وقد سبق الجواب بأنه ال يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الداللة عليه بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو‬ ‫أقوى منه ، وأما ذكر العتيرة معها وهي غير واجبة ؛ فقد ورد ما يخرجها عن الوجوب بل عن المشروعية عند كثير من أهل العلم ، وهو قوله‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (( ال فرع وال عتيرة ))(12) . متفق عليه . لكن العلة في الدليل جهالة أبي رملة . واهلل أعلم .‬ ‫أجابوا عن الدليل الرابع : بأن األمر إنما هو بذبح بدلها وهو ظاهر ؛ ألنهم لما أوجبوها تعينت ، وذبحهم إياها قبل الوقت ال يجزئ‬ ‫، فوجب عليهم ضمانها بأن يذبحوا بدلها ، ونحن نقول بمقتضى هذا الحديث ، وأنه لو أوجب أضحية لوجب عليه ذبح بدلها .‬ ‫وأما قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( ومن لم يذبح فليذبح باسم اهلل )) فهو أمر بكون الذبح على اسم اهلل ال بمطلق الذبح ، فال‬ ‫يكون فيه دليل على وجوب األضحية .‬ ‫أدلة القائلين بعدم وجوب :‬ ‫الدليل األول : حديث : (( هن على فرائض ولكم تطوع : النحر ، والوتر ، كعتا الضحى )) . أخرجه الحاكم والبزاز وابن عدي ،‬ ‫ور‬ ‫وروى نحوه أحمد ، وأبو يعلى ، والحاكم (22)، وذكر في التخليص له طرقا كلها ضعيفة ، وقال : أطلق األئمة على هذا الحديث الضعف‬ ‫كأحمد ، والبيهقي ، وابن الصالح ، وابن الجوزي ، والنووي وغيرهم .‬ ‫قلت : والضعيف ال يحتج به في إثبات األحكام .‬ ‫الدليل الثاني : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم ضحى عن أمته ، فعن على بن الحسين عن أبي رافع رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل‬ ‫عليه وسلم كان إذا ضحى ؛ اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين ، فإذا صلى وخطب ؛ أتي بأحدهما وهو قائم في مصاله فذبحه بنفسه‬ ‫بالمدية ، ثم يقول : (( اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبالغ )) ، ثم يؤتي باآلخر فيذبحه بنفسه ويقول : ((‬ ‫هذا عن محمد ، وآل محمد )) . فيطعمها جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد‬ ‫3‬
  • 4. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫كفاه اهلل المؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم . أخرجه أحمد والبزاز (22)، قال في مجمع الزوائد (12): وإسناده حسن ، سكت‬ ‫عنه في التلخيص ، وله شواهد عند أحمد ، والطبراني ، وأبن ماجه ، والبيهقي ، والحاكم(32) .‬ ‫ووجه الداللة : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا ، ولذلك مكث بنو هاشم سنين ال يضحون‬ ‫على مقتضى هذا الحديث .‬ ‫الدليل الثالث : قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( إذا رأيتم هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي ؛ فليمسك عن شعره وأظفاره ))‬ ‫(62)‬ ‫رواه الجماعة إال البخاري(52) ، وفي رواية لمسلم : (( فال يمس من شعره وبشره شيئا ))‬ ‫ووجه الداللة : أن النبي صلى اهلل عليه وسلم فوض األضحية إلى اإلرادة ، وتفويضها إلى اإلرادة ينافي وجوبها ، إذ الوجوب لزوم ال‬ ‫يفوض إلى اإلرادة ، هكذا قالوا .‬ ‫وعندي أن التفويض إلى اإلرادة ال ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل ، فقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم في المواقيت : (( هن‬ ‫لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ))(72) . ولم يمنع ذلك من وجوب الحج والعمرة بدليل آخر مرة في العمر ،‬ ‫فالتعليق على اإلرادة ليس معناه أن اإلنسان مخير في المراد على اإلطالق ، فقد يجب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب ، وقد ال يجب أن‬ ‫يريد إذا لم يكن دليل على الوجوب ، كما لو قلت : يجب الوضوء على من أراد الصالة . والصالة منها ما تجب إرادته كالفريضة ، ومنها ما‬ ‫ال تجب كالتطوع . وأيضا فاألضحية ال تجب على المعسر فهو غير مريد لها ، فصح تقسيم الناس فيها إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار‬ ‫واإلعسار .‬ ‫الدليل الرابع : أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما أنهما ال يضحيان مخافة أن يظن أن األضحية واجبة (82). وعن أبي‬ ‫مسعود رضي اهلل عنه أنه قال : أني ألدع األضحية ، وأنا من كم، كراهة أن يعتقد الناس أنها حتم واجب . أخرجه سعيد بن منصور بسند‬ ‫أيسر‬ ‫صحيح ، وذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبالل رضي اهلل عنهم(92) .‬ ‫قلت : وإذا صح الوجوب عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه .‬ ‫الدليل الخامس : التمسك باألصل ، فإن األصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السالم من المعارضة .‬ ‫قلت : وهذا دليل قوي جدا لكن القائلين بالوجوب يقولون : إنه قد قام دليل الوجوب السالم من المعارضة فثبت الحكم .‬ ‫الدليل السادس : أن رجال قال : يا رسول اهلل ، أرايت إن لم أجد إال منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال : (( ال ، ولكن تأخذ من شعرك‬ ‫وأظفارك وتقص شاربك ، وتحلق ع انتك ، فتلك تمام أضحيتك عند اهلل عز وجل )) . رواه أبو داود والنسائي ، ورواته ثقات(12) . والمنيحة:‬ ‫شاة اللبن تعطى للفقير يحلبها ويشرب لبنها ثم يردها ، وهذا سنة ، ولو كانت األضحية واجبة لم تترك من أجل فعل السنة ، إذ المسنون ال‬ ‫يعارض الواجب . وهذا تقرير جيد وفيه تأمل.‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه : واألظهر وجوبها ( يعني األضحية ) فإنها من أعظم شعائر اإلسالم ، وهي النسك العام في جميع‬ ‫األمصار ، والنسك مقرون بالصالة ، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته ، وقد جاءت األحاديث باألمر بها ، ونفاه الوجوب ليس‬ ‫معهم نص ، فإن عمدتهم قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( من أراد أن يضحي ودخل العشر فال يأخذ من شعره وال من أظفاره ))(22) . قالوا :‬ ‫4‬
  • 5. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫والواجب ال يعلق باإلرادة ، وهذا كالم مجمل ، فإن الواجب ال كل إلى إرادة العبد ، فيقال : إن شئت فافعله ، بل يعلق الواجب بالشرط‬ ‫يو‬ ‫لبيان حكم من األحكام .‬ ‫قلت : مثل أن تقول : إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ، فصالة الظهر واجبة لكن تعليقها باإلرادة لبيان حكم الوضوء لها .‬ ‫قال شيخ اإلسالم في بقية كالمه على األضحية : ووجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضال عن حوائجه األصلية كصدقة الفطر . اه .‬ ‫ملخصاً من (( مجموع الفتاوى )) البن قاسم ( من ص262 362 مجلد 21 ) .‬ ‫هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبين شأن األضحية وأهميتها في الدين ، واألدلة فيها تكاد تكون متكافئة ، وسلوك سبيل االحتياط‬ ‫أن ال يدعها مع القدرة عليها ، لما فيها من تعظيم اهلل وذكره وبراءة الذمة بيقين .‬ ‫فصل‬ ‫وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه اإلمام أحمد رحمه اهلل ، قال ابن القيم وهو أحد تالميذ شيخ اإلسالم ابن‬ ‫تيميه البارزين : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ،‬ ‫فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصالة كما قال تعالى : (فَصل لِربِّك وانْحر) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُل إِن‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ ِّ َ َ َ َ ْ‬ ‫صالتِي ونُسكي ومحيَاي ومماتِي لِلَّه رب الْعالَمين) (األنعام:262) ، ففي كل ملة صالة ونسيكة ال يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق‬ ‫ِ‬ ‫َ ِّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ََ ْ َ َََ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، كذلك األضحية . اه .‬ ‫و‬ ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أنه هو عمل النبي صلى اهلل عليه وسلم والمسلمين ، فإنهم كانوا يضحون ،‬ ‫ولو كانت الصدقة بثمن األضحية أفضل ؛ لعدلوا إليها وما كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليعمل عمال مفضوال يستمر عليه منذ أن كان‬ ‫في المدينة إلى أن توفاه اهلل مع وجود األفضل وتيسره ثم ال يفعله مرة واحدة ، وال يبين ذلك ألمته بقوله ، بل استمرار النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم والمسلمين معه على األضحية يدل على أن الصدقة بثمن األضحية ال تساوي ذبح األضحية فضال عن أن تكون أفضل منه ، إذ لو‬ ‫كانت تساويه لعملوا بها أحيانا ؛ ألنها أيسر وأسهل ، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية ، فلما لم يكن‬ ‫ذلك ؛ علم أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها .‬ ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم في‬ ‫زمن األضحية ، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين ، بل أقرهم على ذبحها ، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن‬ ‫األكوع رضي اهلل عنه قال : قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم : (( من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء )) فلما كان العام‬ ‫المقبل قالوا : يا رسول اهلل ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان‬ ‫في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )) (22).‬ ‫وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي اهلل عنه سئلت : أنهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن لحوم األضاحي أن كل فوق ثالث‬ ‫تؤ‬ ‫؟ فقالت : ما فعله إال عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير (12).‬ ‫5‬
  • 6. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن العلماء اختلفوا في وجوبها ، وأن القائلين بأنها سنة صرح أكثرهم أو كثير‬ ‫منهم بأنه يكره كها للقادر ، وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد كوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة .‬ ‫تر‬ ‫تر‬ ‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس لو عدلوا عنه إلى الصدقة ؛ لتعطلت شعيرة عظيمة نوه اهلل عليها‬ ‫في كتابه في عدة آيات ، وفعلها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سنة المسلمين.‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه : فكيف يجوز أن المسلمين كلهم كون هذا ال يفعله أحد منهم ، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من‬ ‫يتر‬ ‫ترك الحج في بعض السنين ، كذا قال .‬ ‫قال : وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية ؛ ألنه من شعائر اإلسالم ، والضحايا في عيد النحر كذلك ، بل هذه تفعل في‬ ‫كل بلد هي والص الة ، فيظهر بها من عبادة اهلل وذكره والذبح له والنسك له ما ال يظهر بالحج كما يظهر ذكر اهلل بالتكبير في األعياد . اه .‬ ‫.‬ ‫واألصل في األضحية أنها للحي كما كان النبي صلي اهلل عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خالفا لما يظنه بعض‬ ‫العامة أنها لألموات فقط .‬ ‫وأما األضحية عن األموات ؛ فهي ثالثة أقسام :‬ ‫القسم األول : أن تكون تبعا لألحياء ، كما لو ضحى اإلنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فقد كان النبي صلي اهلل عليه وسلم‬ ‫يضحي ويقول : (( اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد )) (32) وفيهم من مات سابقا .‬ ‫القسم الثاني : أن يضحي عن الميت استقالال تبرعا ، مثل : أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية ، فقد نص فقهاء الحنابلة على‬ ‫أن ذلك من الخير ، وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به ؛ قياسا على الصدقة عنه ، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إال أن‬ ‫يوصي به . لكن من ا لخطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يضحون عن األموات تبرعا أو بمقتضى وصاياهم ، ثم ال يضحون عن أنفسهم وأهليهم‬ ‫األحياء، كون ما جاءت به السنة ، ويحرمون أنفسهم فضيلة األضحية ، وهذا من الجهل ، وإال فلو علموا بان السنة أن يضحي اإلنسان‬ ‫فيتر‬ ‫عنه وعن أهل بيته فيشمل األحياء واألموات ، وفضل اهلل واسع .‬ ‫القسم الثالث : أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته ، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة وال نقص ، واألصل في ذلك‬ ‫قوله تعالى في الوصية : (فَمن بَدلَهُ بَعد ما سمعهُ فَِإنَّما إِثْمهُ علَى الَّذين يُبَدلُونَهُ إِن اللَّهَ سميع علِيم) (البقرة:282) . وروي عن على بن أبي‬ ‫ِ‬ ‫َ ٌ َ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َ ِّ‬ ‫َ ْ َّ ْ َ َ َ ِ َ َ ُ َ‬ ‫طالب رضي اهلل عنه أنه ضحى بكبشين وقال : إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه . رواه أبو داود ،‬ ‫ورواه بنحوه الترمذي وقال : غريب ال نعرفه إال من حديث شريك(52) . اه . قلت : وفي إسناده مقال .‬ ‫وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ولم يكف المغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع ضحايا : واحدة ألمه ، وواحدة ألبيه‬ ‫وواحدة ألوالده ، وواحد ألجداده وجداته ، ولم يكف المغل إال لواحدة فإن تبرع الوصي بتكميل الضحايا األربع من عنده فنرجو أن يكون‬ ‫حسنا ، وإن لم يتبرع جمع الجميع في أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم في حياته .‬ ‫6‬
  • 7. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫وإن كانت الوصية في أضحية واحدة ولم يكف المغل لها فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فنرجو أن يكون حسنا ، وإن لم يتبرع‬ ‫أبقى المغل إلى السنة الثانية والثالثة حتى يكفي األضحية فيضحي به ، فإن كان المغل ضئيال ال يكفي ألضحية إال بعد سنوات يخشى من‬ ‫ضياعه في إبقائه إليها ، أو من أن تزايد قيم األضاحي فإن الوصي يتصدق بالمغل في عشر ذي الحجة وال يبقيه ؛ ألنه عرضة لتلفه ، وربما‬ ‫تتزايد قيم األضاحي كل عام ، فال يبلغ قيمة األضحية مهما جمعه ، فالصدقة به خير .‬ ‫واخترنا أن يتصدق به في عشر ذي الحجة ؛ ألنه الزمن الذي عين الموصي تنفيذ وصيته فيه ، وألن العشر أيام فاضلة ، والعمل‬ ‫الصالح فيها محبوب إلى اهلل عز وجل ، قال النبي صلي اهلل عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيها محبوب إلى اهلل من هذه األيام‬ ‫العشر ) ) وقالوا : يا رسول اهلل ، وال الجهاد في سبيل اهلل ؟ قال : (( وال الجهاد في سبيل اهلل ، إال رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من‬ ‫ذلك بشيء )) (62).‬ ‫(تنبيه عام ) : يذكر بعض الموصين في وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول : يضحي عني ولو بلغت األضحية رياال . يقصد‬ ‫المغاالة في ثمنها ؛ ألنها في وقت وصيته بربع لاير أو نحوه ، فيقوم بعض من ال يخشى اهلل من األوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال ال‬ ‫يمكن أن يبلغ ثمن األضحية اآلن ، وهذا حرام عليه ، وهو آثم بذلك ، ويجب تنفيذ الوصية باألضحية ، وإن بلغت آالف الرياالت مادام‬ ‫ال مغل يكفي لذلك ؛ ألن مقصود الموصي معلوم ، وهو المبالغة في قيمة األضحية مهما زادت ، وذكره الريال على سبيل التمثيل ، ال على‬ ‫سبيل التحديد .‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫7‬
  • 8. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫في وقت األضحية‬ ‫األضحية عبادة موقتة ال تجزئ قبل وقتها على كل حال ، وال تجزئ بعده إال على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .‬ ‫وأول وقتها بعد صالة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن ال يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل‬ ‫الصالة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصالة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي اهلل‬ ‫عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصالة فإنما هو لحم قدمه ألهله ، وليس من النسك في شيء ))(72) ، وفيه عن‬ ‫أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( ومن ذبح بعد الصالة فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(82) .‬ ‫وفيه أيضا عن جندب بن سفيان البجلي رضي اهلل عنه قال شهدت النبي صلى اهلل عليه وسلم قال (( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها‬ ‫أخرى ))(92) .‬ ‫واألفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان ؛ ألن ذلك فعل النبي صل اهلل عليه وسلم ، قال جندب بن سفيان البجلي رضي اهلل عنه :‬ ‫صلى النبي صلى اهلل عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح . الحديث رواه البخاري (11).‬ ‫واألفضل أن ال يذبح حتى يذبح اإلمام إن كان اإلمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري‬ ‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال : كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى (21). يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد‬ ‫فيذبحها هناك ؛ إظهاراً لشعائر اهلل ، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح األضحية ، وليسهل تناول الفقراء منها ، وليس المعنى أنه يذبحها في‬ ‫نفس المصلى ؛ ألنه مسجد ، والمسجد ال يلوث بالدم والفرث .‬ ‫وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم لما خطب يوم عيد األضحى قال : فانكفأ إلى‬ ‫كبشين يعنى فذبحهما ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها (21) .‬ ‫وعن جابر رضي اهلل عنه قال : صلى بنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى اهلل عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ، وال ينحروا حتى ينحر النبي صلى اهلل عليه وسلم رواه‬ ‫أحمد ومسلم (11).‬ ‫وينتهي وقت األضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام :‬ ‫يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثالث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة‬ ‫الثالث عشر .‬ ‫هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي اهلل عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو‬ ‫مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام األوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .‬ ‫قلت : واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : ( لِيَشهدوا منَافِع لَهم ويَذكروا اسم اللَّه فِي أَيَّام معلُومات‬ ‫ٍ ْ ٍ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ُُْ ْ َ‬ ‫َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام)(الحج: 82 ) (51). قال ابن عباس رضي اهلل عنهما : األيام المعلومات : يوم النحر ، وثالثة أيام بعده (61).‬ ‫8‬
  • 9. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫وعن جبير بن مطعم رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : (( كل أيام التشريق ذبح )) رواه أحمد ، والبيهقي ، وابن حبان في‬ ‫صحيحه (71)، وأعل باالنقطاع لكن يؤيده قوله صلى اهلل عليه وسلم : (( أيام التشريق أكل وشرب وذكر هلل عز وجل )) . رواه مسلم(81) .‬ ‫ً‬ ‫فجعل النبي صلى اهلل عليه وسلم باب هذه األيام واحدا في كونها أيام ذكر هلل عز وجل ، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على‬ ‫بهيمة األن عام ، وألن هذه األيام كة في جميع األحكام ما عدا محل النزاع ، فكلها أيام منى ، وأيام رمي للجمار ، وأيام ذكر هلل وصيامها‬ ‫مشتر‬ ‫حرام ، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين األولين ؟‬ ‫والذبح في النهار أفضل ، ويجوز في الليل ؛ ألن األيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في األيام في الذكر حيث‬ ‫كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .‬ ‫وال يكره الذبح في الليل ؛ ألنه ال دليل على الكراهة ، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل .‬ ‫وأما ما روى عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن الذبح ليال ، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن‬ ‫سلمة الخبائري ، وهو متروك (91).‬ ‫وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليال خروجا من الخالف ؛ فالتعليل ليس حجة شرعية ، قال شيخ اإلسالم ابن تيمبة : تعليل األحكام‬ ‫بالخالف علة باطلة في نفس األمر ، فإن الخالف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها األحكام ، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا باألدلة الشرعية في نفس األمر لطلب االحتياط . اه .‬ ‫كثير من المسائل الخالفية لم يراع فيها جانب الخالف ، ولم يؤثر الخالف فيها شيئا ، وها هو الخالف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح‬ ‫و‬ ‫األضحية إلى ما بعد يوم النحر . ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد ، لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير‬ ‫شبهة ؛ كانت مراعاته من باب : (( دع ما يريبك إلى ما ال يريبك ))(13) .‬ ‫9‬
  • 10. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫في جنس ما يضحى به وعمن يجزئ ؟‬ ‫الجنس الذي يضحى به : بهيمة األنعام فقط لقوله تعالى : ( ولِكل أُمة جعلْنَا منسكاً لِيَذكروا اسم اللَّه علَى ما رزقَ هم من بَهيمة األَنْعام)‬ ‫ْ ُ ْ ِ َ َ ََ ُ ْ ِ ْ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ُ ِّ َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫(الحج: 31) . وبهيمة األنعام هي : اإلبل ، والبقر ، والغنم من ضأن ومعز ، جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال‬ ‫ابن جرير : كذلك هو عند العرب . اه . ولقوله صلى اهلل عليه وسلم : (( ال تذبحوا إال مسنة إال أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من‬ ‫و‬ ‫الضأن )) . رواه مسلم(23) . والمسنة : الثنية فما فوقها من اإلبل والبقر والغنم ، قاله أهل العلم رحمهم اهلل .‬ ‫وألن األضحية عبادة كالهدي ، فال يشرع منها إال ما جاء عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، ولم ينقل عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه أهدى‬ ‫أو ضحى بغير اإلبل والبقر والغنم . واألفضل منها : اإلبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة .‬ ‫واألفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً ، وفي (( صحيح البخاري )) عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‬ ‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين(23) . واألملح ما خالط بياضه سواد .‬ ‫وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال : ضحى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ،‬ ‫ويمشي في سواد . أخرجه األربعة . وقال الترمذي : حسن صحيح (13).‬ ‫وعن أبي رافع مولى النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : كان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين ، وفي لفظ : موجوأين‬ ‫يعنى خصيين . رواه أحمد (33). فالفحل أفضل من الخص ي من حيث كمال الخلقة ؛ ألن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء ، والخصي‬ ‫أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب .‬ ‫فصل‬ ‫01‬
  • 11. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ؛ لحديث جابر رضي اهلل عنه‬ ‫قال : نحرنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه مسلم (53). وفي رواية قال خرجنا مع‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نشترك في اإلبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة (63) .‬ ‫ففي هذا دليل على أن سبع البعير أو البقرة قائم مقام الواحدة من الغنم ، ومجزئ عما تجزئ عنه ؛ ألن الواجب في اإلحصار والتمتع هدي‬ ‫ع لى كل واحد ، وقد جعل النبي صلى اهلل عليه وسلم البدنة عن سبعة فدل على أن سبعها يحل محل الواحدة من الغنم ويكون بدال عنها‬ ‫والبدل له حكم المبدل .‬ ‫فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة ؛ فعلى وجهين :‬ ‫الوجه األول : االشتراك في الثواب ، بأن يكون مالك األضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر‬ ‫األشخاص فإن فضل اهلل واسع ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها في قصة أضحيته بكبش قال لها : (( يا عائشة ، هلمي‬ ‫المدية )) ( يعني السكين ) ثم قال : (( اشحذيها بحجر )) ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال (( بسم اهلل ، اللهم‬ ‫تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد )) ثم ضحي به (73).‬ ‫وفي مسند اإلمام أحمد من حديث عائشة وأبي رافع رضي اهلل عنهما أن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي بكبشين : أحدهما عنه وعن‬ ‫آله ، واآلخر عن أمته جميعا (83) . ومن حديث جابر وأبي سعيد رضي اهلل عنهما يضحي بكبش عنه وعمن لم يضح من أمته (93) .‬ ‫وعن أبي أيوب األنصاري رضي اهلل عنه قال : كان الرجل في عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون‬ ‫ويطعمون ، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (15).‬ ‫فإذا ضحى الرجل بالشاة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك ، وإذا ضحى بسبع البعير أو البقرة عنه وعن أهل بيته أو‬ ‫من شاء من المسلمين صح ذلك ، لما سبق من أن النبي صلى اهلل عليه وسلم جعل السبع منهما قائما مقام الشاة في الهدي ، فكذلك في‬ ‫األضحية وال فرق .‬ ‫ومن تراجم صاحب (( المنتقى )) : باب أن البدنة من اإلبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس . وقال في كتابه المحرر : ويجزئ عن الشاة‬ ‫سبع من بدنة ، وعن البدنة بقرة ، وقال في (( الكافي )) في تعليل له : ألن كل سبع مقام شاة .‬ ‫الوجه الثاني : االشتراك في الملك ، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها ، فهذا ال يجوز ، وال يصح أضحية إال في‬ ‫اإلبل والبقر إلى سبعة فقط ، وذلك ألن األضحية عبادة وقربة إلى اهلل تعالى ، فال يجوز إيقاعها وال التعبد بها إال على الوجه المشروع زمناً‬ ‫وعدداً كيفية .‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فإن قيل : لماذا ال يصح وقد قال اهلل تعالى : ( فَمن يَعمل مثْ قال ذرة خيراً يَرهُ) (الزلزلة:7) . كما لو كا في شراء لحم فتصدقا به‬ ‫اشتر‬ ‫و‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ‬ ‫ولكل منهما من األجر بحسبه ؟‬ ‫فالجواب : أنه ليس المقصود من األضحية مجرد اللحم لالنتفاع أو الصدقة به ، وإنما المقصود باألضحية إقامة شعيرة من شعائر اهلل على‬ ‫الوجه الذي شرعه اهلل ورسوله ، فوجب تقييدها بحسب ما جاء به الشرع ، ولذلك فرق النبي صلى اهلل عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة‬ ‫11‬
  • 12. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫النسك حيث قال : (( من ذبح قبل الصالة فشاته شاة اللحم أو فهو لحم قدمه ألهله ، ومن ذبح بعد الصالة ؛ فقد أصاب النسك أو قال‬ ‫: فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين ))(25) ، كما فرق صلى اهلل عليه وسلم في كاة الفطر بين ما دفع قبل الصالة وما دفع بعدها ،‬ ‫ز‬ ‫فاألول كاة مقبولة ، والثاني صدقة من الصدقات ، مع أن كال منهما صاع من طعام ، لكن لما كان المدفوع قبل الصالة على وفق الحدود‬ ‫ز‬ ‫الشرعية ؛ كان كاة مقبولة ، ولما كان المدفوع بعدها على غير وفق الحدود الشرعية ؛ لم يكن كاة مقبولة ، وهذه هي القاعدة العامة‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫الشرعية . قال النبي صلى اهلل عليه وسلم : (( من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد ))(25) ، أي : مردود على صاحبه ، وإن كانت نيته‬ ‫حسنة ؛ لعموم الحديث .‬ ‫ولو كان التشريك في الملك جائزا في األضحية بغير اإلبل والبقر ؛ لفعله الصحابة رضي اهلل عنهم ؛ لقوة المقتضى لفعله فيهم ، فإنهم كانوا‬ ‫أحرص الناس على الخير ، وفيهم فقراء كثيرون قد ال يستطيعون ثمن األضحية كاملة ، ولو فعلوه لنقل عنهم ؛ ألنه مما تتوفر الدواعي على‬ ‫نقله لحاجة األمة إليه .‬ ‫وال أعلم في ذلك حديثا إال ما رواه اإلمام أحمد من حديث أبي األشد عن أبيه عن جده قال : كنت سابع سبعة مع رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ، فأمرنا نجمع لكل واحد منا درهماً فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا : يا رسول اهلل ، لقد أغلينا بها فقال : (( إن أفضل الضحايا‬ ‫أغالها وأسمنها ))فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخذ رجل برجل ، ورجل برجل ، ورجل بيد ، ورجل بيد، ورجل بقرن ، ورجل بقرن ،‬ ‫وذبحها السابع كبرنا عليها جميعا (15).‬ ‫و‬ ‫قال الهيثمي : أبو األشد لم أجد من وثقه وال من جرحه ، كذلك أبوه . اه، . وقال في بلوغ األماني شرح ترتيب المسند )) : والظاهر أن‬ ‫و‬ ‫هذه األضحية كانت من البقر ؛ ألن الكبش ال يجزئ عن سبعة ، والبعير ال قرون له ، والبقرة هي التي تجزئ عن سبعة ولها قرون ، فتعين أن‬ ‫تكون من البقر واهلل أعلم . وما استظهره ظاهر ، ويؤيده أن الكبش ال يحتاج أن يمسك به السبعة ، وفي إمساكهم به عسر وضيق ، ويكفي‬ ‫في إمساكه واحد ، اللهم إال أن يقال : إن تكلف إمساكهم به ليس من أجل استعصائه ؛ بل من أجل أن يحصل اشتراك الجميع في ذبحه ،‬ ‫واهلل أعلم.‬ ‫ونزل ابن القيم هذا الحديث على معنى آخر وهو أن هؤالء السبعة كانوا رفقة واحدة فنزلهم النبي صلى اهلل عليه وسلم منزلة أهل البيت‬ ‫الواحد في إجزاء الشاة عنهم .‬ ‫قلت : وفيه شيء ؛ ألن أهل البيت ال كون في األضحية اشتراك ملك ، وإنما يضحي الرجل عنه ، وعن أهل بيته من ماله وحده فيتأدى‬ ‫يشتر‬ ‫به شعار األضحية عن الجميع .‬ ‫وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في (( المنهاج وشرحه )) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز ،‬ ‫واألحاديث كذلك كحديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) (35)، على أن المراد التشريك في الثواب ال األضحية . اه .‬ ‫وفي (( شرح المهذب )) : لو اشترك اثن ان في شاتين للتضحية لم تجزئهما في أصح الوجهين ، وال يجزئ بعض شاة بال خالف بكل حال .‬ ‫اه . وحمل حديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) ، محمولة على أن المراد التشريك في الثواب متعين وظاهر ؛ فإن آل محمد‬ ‫21‬
  • 13. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم لم يكونوا كونه في شرائها ، وقد سبق في حديث أبي رافع قوله : فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي‬ ‫يشار‬ ‫قد كفاه اهلل المؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم .‬ ‫وعلى هذا فإذا وجد وصايا لجماعة ، كل واحد موص بأضحية ولم يكف المغل كل واحد منهم ألضحيته التي أوصى بها ؛ فإنه ال يجوز جمع‬ ‫هذه الوص ايا في أضحية واحدة لما عرفت من أنه ال يجوز اشتراك اثنين فأكثر اشتراك ملك في األضحية إال في اإلبل والبقر .‬ ‫لكن لو اشترك شخصان فاكثر في واحدة من الغنم أو في سبع من بعير أو بقرة ليضحيا به عن شخص واحد ؛ فالظاهر الجواز ، فلو اشترى‬ ‫اثنان شاة أو كانا يملكانها بإرث أو هبة أو نحوهما ثم ضحيا بها عن أمهما أو عن أبيهما جاز ، ألن األضحية هنا لم تكن عن أكثر من واحد‬ ‫، كما دفعا ثمنها إلى أمهما أو أبيهما فاشترى به أضحية فضحى بها ؛ فهو جائز بال ريب .‬ ‫و‬ ‫كذلك لو تعدد الموصون باألضحية واتحد الموصى له بها ولم تكف غلة كل منهما ألضحيته ؛ فالظاهر جواز جمع وصيتيهما مثل أن يوصي‬ ‫و‬ ‫أخوان كل واحد منهما بأضحية لوالدتهما ثم ال تكفي غلة كل واحد منهما ألضحية كاملة فتجمع الوصيتان في أضحية واحدة قياسا على ما‬ ‫لو كا في أضحية لها حال الحياة ، وهذا ما ظهر لي في هذين الفرعين ، والعلم عند اهلل سبحانه وتعالى .‬ ‫اشتر‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫في شروط ما يضحى به ، وبيان العيوب المانعة من اإلجزاء‬ ‫األضحية عبادة وقربة إلى اهلل تعالى فال تصح إال بما يرضاه سبحانه ، وال يرضى اهلل من العبادات إال ما جمع شرطين :‬ ‫أحدهما : اإلخالص هلل تعالى ، بأن يخلص النية له ، فال يقصد رياء وال سمعة وال رئاسة وال جاهاً ، وال عرضاً من أعراض الدنيا ، وال تقربا‬ ‫إلى مخلوق .‬ ‫31‬
  • 14. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الثاني : المتابعة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، قال اهلل تعالى : ( وما أُمروا إِالَّ لِيَ عبُدوا اللَّه مخلِصين لَهُ ِّين حنَ فاء)(البينة: 5) فإن لم‬ ‫َ ُ ْ َ الد َ ُ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُْ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ُ‬ ‫تكن خالصة هلل ؛ فهي غير مقبولة ، قال اهلل تعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى كاء عن الشرك ، ومن عمل عمال أشرك فيه معي‬ ‫الشر‬ ‫غيري كته كه )) (55) .‬ ‫تر وشر‬ ‫كذلك إن لم تكن على سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهي مردودة ، لقول النبي صلى اهلل عليه وسلم : (( من عمل عمال ليس عليه‬ ‫و‬ ‫أمرنا فهو رد )) (65) وفي رواية : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(75) ، أي مردود .‬ ‫وال تكن األضحية على أمر النبي صلى اهلل عليه وسلم إال باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .‬ ‫وشروطها أنواع : منها ما يعود للوقت ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها ، وسبق تفصيل القول فيهما ، ومنها ما يعود للمضحي به وهي‬ ‫أربعة :‬ ‫األول : أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره ، فال تصح األضحية بما ال يملكه ؛ كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة‬ ‫ونحوه ؛ ألن األضحية قربة إلى اهلل عز وجل ، وأكل مال الغير بغير حق معصية ، وال يصح التقرب إلى اهلل بمعصية ، وال تصح األضحية‬ ‫أيضا بما تعلق به حق الغير كالمرهون إال برضا من له الحق ، ونقل في (( المغني )) عن أبي حنيفة فيمن غصب شاة فذبحها عن الواجب‬ ‫عليه تجزئه إن رضي مالكها ، ووجهه أنه إنما منع منها لحق الغير ، فإذا علم رضاه بذلك زال المانع .‬ ‫الثاني : أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع ، وهو اإلبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها ، وسبق بيان ذلك .‬ ‫الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعا ، بأن تكون ثنيا إن كان من اإلبل أو البقر أو المعز ، وجذعا إن كان من الضأن ؛ لقول النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم (( ال تذبحوا إال مسنة إال أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم (85) .‬ ‫وظاهره ال تجزئ الجذعة من الضأن إال عند تعسر المسنة ، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل األفضلية وقالوا : تجزئ الجذعة‬ ‫من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها ، واستدلوا بحديث أم بالل امرأة من أسلم عن أبيها هالل عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال : ((‬ ‫يجوز الجذع من الضأن ضحية )) ، رواه أحمد وابن ماجه(95) وله شواهد منها :‬ ‫حديث عقبة بن عامر رضي اهلل عنه قال : ضحينا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالجذع من الضأن ، رواه النسائي(16) ، قال في (( نيل‬ ‫األوطار )) : إسناد رجاله ثقات .‬ ‫ومنها حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه قال سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول : (( نعم أو نعمت األضحية الجذع من الضأن )) ،‬ ‫رواه أحمد والترمذي (26). وفي (( الصحيحين )) عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا‬ ‫فصارت لعقبة جذعة ، فقال يا رسول اهلل ، صارت لي جذعة ، فقال : (( ضح بها )) (26).‬ ‫فالثني من اإلبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة ، والجذع من الضأن‬ ‫: ما تم له نصف سنة .‬ ‫الرابع : السالمة من العيوب المانعة من اإلجزاء ، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي اهلل عنه قال : قام فينا رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم فقال : (( أربع ال تجوز في األضاحي وفي رواية : ال تجزئ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين‬ ‫41‬
  • 15. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫ظلعها ، والكسير التي ال تنقي )) . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح(16) . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ، وفي‬ ‫رواية للنسائي قلت : يعني للبراء فإني أكره أن يكون نقص في القرن ، وفي أخري أكره أن يكون في القرن نقص، أو أن يكون في السن‬ ‫نقص ، فقال يعنى البراء : ما كرهت فدعه وال تحرمه على أحد (36).‬ ‫وقد صحح النووي في (( شرح المهذب )) هذا الحديث وقال : قال أحمد بن حنبل : ما أحسنه من حديث ، ورواه مالك في الموطأ ))‬ ‫عن البراء بن عا زب بلفظ : سئل النبي صلى اهلل عليه وسلم : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : (( أربعا : العرجاء البين ظلعها ،‬ ‫والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي ال تنقي )) (56) وذكرت العجفاء في رواية الترمذي وفي رواية النسائي بدال عن‬ ‫الكسير .‬ ‫فهذه أربع منصوص على منع األضحية بها وعدم إجزائها .‬ ‫األولى : العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت ال تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت ، والسليمة من‬ ‫ذلك أولى .‬ ‫الثانية : المريضة البين مرضها ، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد‬ ‫للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا ، فإن كان فيها كسل أو فتور ال يمنعها من المرعى واألكل أجزأت‬ ‫لكن السالمة منه أولى .‬ ‫الثالثة : العرجاء البين ظلعها ، وهي التي ال تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير ال يمنعها من معانقة السليمة‬ ‫أجزأت ، والسالمة منه أولى .‬ ‫الرابعة : الكسيرة أو العجفاء ( يعنى الهزيلة ) التي ال تنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إال أن‬ ‫يكون فيها عرج بين ، والسمينة السليمة أولى .‬ ‫هذه هي األربع المنصوص عليها ، وعليها أهل العلم ، قال في (( المغني )) : ال نعلم خالفا في أنها تمنع اإلجزاء . اه . ويلحق بهذه األربع‬ ‫ما كان بمعناها أو أولى ، فيلحق بها :‬ ‫العمياء : التي ال تبصر بعينها ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العوراء البين عورها .‬ ‫فأما العشواء التي تبصر في النهار ، وال تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ ؛ ألن في ذلك ليس عورا بينا وال عمى دائما يؤثر في‬ ‫رعيها ونموها ، ولكن السالمة منه أولى .‬ ‫الثانية : المبشومة حتى تثلط ؛ ألن البشم عارض خطير كالمرض البين ، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك‬ ‫مرض بين .‬ ‫الثالثة : ما أخذتها الوالدة حتى تنجو ؛ ألن ذلك خطر قد يودي بحياتها ، فأشبه المرض البين ، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت والدتها‬ ‫على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد .‬ ‫51‬
  • 16. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الرابعة : ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ؛ ألن هذه أولى بعدم اإلجزاء من المريضة‬ ‫البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها .‬ ‫الخامسة: الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها .‬ ‫فأم ا العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ ، ألنه ال عاهة فيها وال نقص في لحمها .‬ ‫السادسة: مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها ، وألنها ناقصة بعضو مقصود‬ ‫فأشبهت ما قطعت أليتها .‬ ‫هذه هي العيوب المانعة من اإلجزاء وهي عشرة : أربعة منها بالنص وستة بالقياس ، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية‬ ‫بها ؛ لفقد أحد الشروط وهو السالمة من العيوب المانعة من اإلجزاء .‬ ‫61‬
  • 17. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الفصل الخامس‬ ‫في العيوب المكروهة في األضحية‬ ‫ذكرنا في الفصل السابق العيوب المانعة من اإلجزاء المنصوص عليها والمقيسة ، وها نحن بعون اهلل نذكر العيوب المكروهة التي ال تمنع‬ ‫اإلجزاء وهي :‬ ‫األولي : العضباء ، وهي مقطوعة القرن أو األذن ، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب األذن والقرن . قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب : النصف فأكثر من ذلك‬ ‫. رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح (66).‬ ‫قلت : جري بن كليب قال عنه في (( خالصة التذهيب )) : روى عنه قتادة فقط . وقال أبو حاتم : ال يحتج به . اه . ولذلك قال‬ ‫في (( الفروع )) وفي صحة الخبر يعنى خبر العضب نظر .‬ ‫فأما مفقودة القرن واألذن بأصل الخلقة فال تكره ، لكن غيرها أولى .‬ ‫الثانية : المقابلة ، وهي التي شقت أذنها من األمام عرضاً .‬ ‫الثالثة : المدابرة ، وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .‬ ‫الرابعة : الشرقاء ، وهي التي شقت أذنها طوال .‬ ‫الخامسة : الخرقاء ، وهي التي خرقت أذنها .‬ ‫لحديث على رضي اهلل عنه ، قال أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نستشرف العين واألذن ، وأن ال نضحي بمقابلة وال مدابرة وال‬ ‫شرقاء وال خرقاء . رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن صحيح (76).‬ ‫71‬
  • 18. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار(86) ، وأعله الدارقطني ، ونقل في (( عون المعبود )) عن البخاري أن هذا الحديث لم يثبت رفعه‬ ‫، واهلل أعلم .‬ ‫السادسة ، المصفرة ، وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، وهكذا في الخبر ، وفي (( التلخيص )) : أنها المهزولة ، وذكرها في‬ ‫النهاية بقيل كذا وقيل كذا .‬ ‫السابعة : المستأصلة ، وهي التي ذهب قرنها من أصله .‬ ‫الثامنة : البخقاء ، وهي التي بخقت عينها ، قال في (( النهاية )) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة . وفي (( القاموس )) :‬ ‫البخق أقبح العور وأكثره غمصا ، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق .‬ ‫التاسعة : المشيعة ، وهي التي ال تتبع الغنم عجفاً وضعفا ، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر ، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها‬ ‫لتلحق بالغنم ، وهذه إن لم يكن فيها م خ فال تجزئ لحديث البراء ، وإن كان فيها مخ وال تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا ؛ ألنها‬ ‫كالعرجاء البين ظلعها ، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة ؛ لحديث يزيد ذي مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي‬ ‫فقلت : يا أبا الوليد ، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ . قال : أال جئتني أضحي بها ؟ قلت :‬ ‫سبحان اهلل ، تجوز عنك وال تجوز عني . قال نعم ، إنك تشك وال أشك ، إنما نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن المصفرة‬ ‫والمستأصلة والبخقاء والمشيعة ، والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله،‬ ‫والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي ال تتبع الغنم عجفاء وضعفا ، والكسراء التي ال تنقي ، رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه‬ ‫، وقال الحاكم : صحيح اإلسناد ولم يخرجاه(96) . وقوله : والكسراء التي ال تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من اإلجزاء .‬ ‫وإنما قلنا : هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو األمر بعدم التضحية بما عاب بها ، ولم نقل : إنها مانعة من اإلجزاء ؛ ألن حديث‬ ‫البراء بن عازب رضي اهلل عنه خرج مخرج البيان والحصر ؛ ألنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعالن ، ولو كان غير العيوب‬ ‫المذكورة فيه مانعاً من اإلجزاء ؛ للزم ذكره المتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فالجمع بينه وبين هذه األحاديث ال يتأتى إال على هذا‬ ‫الوجه بأن نقول :‬ ‫العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من اإلجزاء ، والعيوب المذكورة في هذه األحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من اإلجزاء لما يقتضيه‬ ‫سياق حديث البراء ؛ وألنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه اهلل ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما ال يجوز من‬ ‫األضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من األضاحي ) .‬ ‫ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي :‬ ‫األولى : البتراء من اإلبل والبقر والمعز ، وهي التي قطع ذنبها ، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء ؛ ألن في الذنب مصلحة كبيرة‬ ‫للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ، وجماال لمؤخره ، وفي قطعه فوات هذه األمور .‬ ‫فأما البتراء بأصل الخلقة فال تكره لكن غيرها أولى .‬ ‫وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فال تجزئ ؛ ألن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها .‬ ‫81‬
  • 19. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ، قال الشافعية : إال التطريف وهو قطع شي يسير من طرف‬ ‫األلية ، فإنه ال يضر ؛ ألن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء .‬ ‫وأما مفقودة األلية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس ال ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة ؛ ألنها ال نقص فيها عن جنسها ، وإن كانت‬ ‫من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت ، وفي الكراهة تردد ؛ ألننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا : إنها ناقصة بفقد جزء‬ ‫مقصود لكن ال يمنع اإلجزاء ألنه بأصل الخلقة ، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا : إنها ناقصة فلم تكره كالجماء . وعلى كل حال فغيرها‬ ‫أولى منها .‬ ‫الثانية : ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء ، ف أما ما قطعت خصيتاه فال تكره التضحية به لما سبق من الحديث : أن النبي‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ضحى به ، وألن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه .‬ ‫الثالثة : الهتماء ، وهي التي سقط بعض أسنانها ، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، فإن في األسنان جماال ومنفعة ، ففقد شيء‬ ‫منها يخل بذلك .‬ ‫فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إال أن يؤثر ذلك في اعتالفها .‬ ‫الرابعة : ما قطع شيء من حلمات ضرعها ، فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.‬ ‫فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بال أذن .‬ ‫وإن توقف ضرعها عن الدر فنش ف لبنها أجزأت بال كراهة ؛ ألنه ال نقص في لحمها وال في خلقتها ، واللبن غير مقصود في األضحية ،‬ ‫واألصل اإلجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خالف ذلك .‬ ‫هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في األضحية كراهة التضحية بها ، وال يمنع من إجزائها وهي ثالثة عشر : تسعة منها ورد بها‬ ‫النص ، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص ، وأسأل اهلل تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين .‬ ‫الفصل السادس‬ ‫فيما تتعين به األضحية وأحكامه‬ ‫تتعين األضحية أضحية بواحد من أمرين :‬ ‫أحدهما : اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول : هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء تعيينها.‬ ‫فأما إن قصد اإلخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل ؛ فإنها ال تتعين بذلك ؛ ألن هذا إخبار عما في نيته أن يفعل ، وليس للتعيين .‬ ‫91‬
  • 20. ‫أحكام االضحية والذكاة‬ ‫الثاني : ذبحها بنية األضحية ، فمتى ذبحها بنية األضحية ؛ ثبت لها حكم األضحية ، وإن لم يتلفظ بذلك قبل الذبح ، هذا هو المشهور‬ ‫من مذهب اإلمام أحمد ، وهو مذهب الشافعي ، أعني أن األضحية تتعين بأحد هذين األمرين ، وزاد شيخ اإلسالم ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو :‬ ‫الشراء بنية األضحية ، فإذا اشتراها بنية األضحية تعينت ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .‬ ‫واألول أرجح كما لو اشترى عبداً يريد عتقه فإنه ال يعتق ، كما لو اشترى بيتا ليجعله وقفا ؛ فإنه ال يصير وقفا بمجرد النية ، كما لو أخرج‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫من جيبه دراهم ليتصدق بها ؛ فإنها ال تتعين الصدقة بها بل هو بالخيار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها . ويستثني من ذلك ما إذا اشترى‬ ‫أضحية بدالً عن معينة فإنها تتعين بمجرد الشراء مع النية .‬ ‫وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام :‬ ‫أحدها : أنه ال يجوز نقل الملك فيها ببيع وال هبة وال غيرهما إال أن يبدلها بخير منها ، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به .‬ ‫وإن مات من عينها لم ي ملك الورثة إبطال تعيينها ، ولزمهم ذبحها أضحية ، ويفرقون منها ويأكلون .‬ ‫الثاني : أنه ال يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا ، فال يستعملها في حرث ونحوه ، وال كبها بدون حاجة وال مع ضرر ، وال يحلب من‬ ‫ير‬ ‫لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها . وال يجز شيئا من صوفها ونحوه إال أن يكون أنفع لها ، وإذا جزه فليتصدق به أو‬ ‫ينتفع ، والصدقة أفضل .‬ ‫الثالث : أنها إذا تعيبت عيباً يمنع اإلجزاء فله حاالن :‬ ‫الحال األولى : أن يكون ذلك بدون فعل منه وال تفريط ؛ فيذبحها وتجزئه إال أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ؛ ألنها أمانة عنده ، فإذا‬ ‫تعيبت بدون فعل منه وال تفريط فال حرج عليه .‬ ‫مثال ذلك : أن يشتري شاةً فيعينها أضحية ، ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذبحها وتجزئه أضحية .‬ ‫فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين كما لو نذر أن يضحي ثم عين عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من وال تفريط وجب عليه إبدالها‬ ‫بسليمة تجزئ عما في ذمته ؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها ، فال يخرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة .‬ ‫الحال الثانية : أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط ؛ فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال ، سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم ال ، وسواء‬ ‫كانت بقدر ما يجزئ في األضحية أو أعلى منه .‬ ‫مثال ذلك : أن يشتري شاة سمينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا في كسرها فتنكسر ؛ فيلزمه إبدالها بشاة سمينة يضحي‬ ‫بها .‬ ‫وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح المتعيب أيضا ، أو يعود ملكا له ؟ على روايتين عن أحمد :‬ ‫إحداهما : يلزمه ذبح المتعيب ، وهو المذهب المشهور عند األصحاب لتعلق حق الفقراء فيه يتعيينه .‬ ‫الثانية : ال يلزمه ذبحه لبراءة ذمته بذبح بدله ، فلم يضع حق الفقراء فيه ، وهذا هو القول الراجح ، اختاره الموفق والشارح وغيرهما ، وعلى‬ ‫هذا فيعود المتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل وبيع وهدية وصدقة وغير ذلك .‬ ‫الرابع : أنها ضلت ( ضاعت ) أو سرقت فثم حاالن :‬ ‫02‬