SlideShare a Scribd company logo
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                   ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬


       ‫حكم مسِّ األجهزة اإللكرتونية اليت يُخزَّن فيها القرآن الكريم، ومحلِها‬

                                      ‫(دراسة فقهية مقارنة)‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
     ‫ّ‬
                                                                                              ‫مقدمة:‬
‫احلمد هلل رب العاملني، وأفضل الصالة وأمت التسليم على خري خلقه سيدنا حممد وعلى آله‬
                                                                                    ‫وصحبه أمجعني.‬
‫شهد العامل يف مئة السنة األخرية تقدماً مذهالً يف جمال العلوم والتقنية، واستطاع اإلنسان أن‬
                                                           ‫ّ‬
‫يكتشف الكثري من أساليب االستفادة ممّا ادخر اهلل تعاىل يف هذا الكون من القوى والطاقات‬
                ‫ُ‬                                     ‫ّ‬
‫واإلمكانات، ومشل هذا التطور شىت جماالت احلياة ومرافقها. فقد استطاع اإلنسان مبا فتح اهلل تعاىل‬
                                                                         ‫ّ‬
‫عليه، من هذه الثورة العلمية والتقنية، أن ع اآلالت واألجهزة املختلفة اليت يسرت له العسري،‬
                  ‫ّ‬                                   ‫خيرت‬
                                                  ‫وقربت له البعيد، وأغنته عن محل األمحال واألثقال.‬
                                                                                                ‫ّ‬
‫كان من أبرز ما توصل اإلنسان إىل الكشف عنه عاملُ اإللكرتون، حيث دخل فيه بقوة، وتعرف‬
    ‫ّ‬       ‫ّ‬                                                               ‫ّ‬                 ‫و‬
‫على سبل االستفادة منه، فكان ذلك ثورة جديدة يف جمال العلوم املادية واالتصاالت، فقد متكن‬
   ‫ّ‬
‫اإلنسان من اخرتاع جهاز املعلومات، احلاسوب أو ما يُسمى الكمبيوتر. كما استفاد من تقنية التعامل‬
                                          ‫ّ‬
‫مع اإللكرتون؛ فتمكن من استخدامه بشكل مذهل يف جمال االتصاالت؛ فابتكر اهلاتف احملمول،‬
                                                                               ‫ّ‬
                                                                                          ‫ِّ‬
‫الذي ميكن حامله من أن يبقى على اتِّصال مع العامل دائماً، يف حلّه و ترحاله، بل لقد متّ تطوير هذا‬
‫اجلهاز وأُدخل فيه من التقنيات ما حوله إىل حاسب أو كمبيوتر صغري، فكان جهازاً خفيف املؤونة‬
                                                               ‫َ َّ‬
‫عظيم النفع، خيزن فيه صاحبه ما يشاء من املعلومات والكتب، فصار اإلنسان قادراً على محل مكتبة‬
                                                                                   ‫ّ‬
                                                                     ‫عظيمة معه أّن سار وحيث حل.‬
                                                                      ‫َّ‬              ‫ّ‬
‫ولقد كان من مجلة ما متّ ختزينه يف هذا اجلهاز، كتب كثرية وموسوعات ضخمة حتوي اآلالف‬
‫املؤلفة من الكتب املتخصصة يف علوم الشريعة، كان على رأس ذلك كتاب اهلل جل وعال؛ يقرأه‬
              ‫ّ‬                                  ‫و‬
‫حامله حيث كان، و يستذكر اآلية اليت يريدها يف الوقت الذي يشاء، فأغىن ذلك القارئ واحلافظ‬
‫َ‬         ‫َ‬
‫واخلطيب عن تكلُّف محل النسخ املطبوعة من املصحف الشريف، وما يتطلّبه ذلك من الطهارة التامة‬
  ‫ّ‬                                                                                         ‫َ‬
                                          ‫ٌ ٌ على الناس.‬‫والوضوء، كان يف ذلك خري كثري، وتيسري كبري‬
                                                                                        ‫و‬

  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                    ‫1‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
       ‫ّ‬                                                                              ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫وملا كانت االستفادة من هذه األجهزة-بالرجوع إىل ما متَّ ختزينه فيها من القرآن الكرمي- باستدعاء‬
                                                                                                             ‫ّ‬
‫اآليات من مواضع ختزينها، وعرضها على شاشة اجلهاز بكتابة عربية مبينة، وقد تكون بالرسم‬
‫العثماين؛ فقد كان من الطبيعي أن يثور التساؤل حول هذه الكتابة الظاهرة على شاشة اجلهاز، وعن‬
‫حكم القرآن املخزن يف حجريات الذاكرة ضمنه، وهل تُعطى هذه األجهزة حكم املصاحف املوجودة‬
                                                                          ‫ّ‬                      ‫ّ‬
‫بني أيدينا، فيُشرتط جلواز مسها ومحلها توفّر الطهارة الكاملة، والوضوء، أم أهنا ال تُعطى حكم‬
                                                                                   ‫ِّ‬
                              ‫املصحف؛ ومن مثّ فيجوز أن حيمله غري املتوضئ، واجلنب واحلائض أيضاً؟.‬
                                       ‫ُ‬         ‫ُ‬                ‫ِّ‬
‫كان لزاماً على علماء الشريعة وفقهائها أن يبادروا إىل دراسة هذه املسألة، وخترجيها على نصوص‬                      ‫و‬
‫ع وقواعد الفقه، وأن يُصدروا يف ذلك الفتاوى، أداءً لواجب البيان، الذي أناطه اهلل تعاىل بأعناقهم‬                  ‫الشر‬
                                                                                                       ‫يف مثل قوله:‬
          ‫{وِذ أَخذ الّ ُ م َاق اَّذين أُوتُواْ الْكَاب ََُ ِّ ُن ُ لِلَّاس و َ َكُمونَ ُ} ]سورة آل عمران: 187[‬
                                  ‫ِت َ لتب ي ن َّه ن ِ َال ت ْت ُ ه‬                   ‫ِ‬       ‫ِ‬
                                                                                   ‫َ إ َ َ َ له يث َ ل َ‬
‫ولقد حبثت عما قاله العلماء يف هذه املسألة -وهي حكم مس األجهزة اإللكرتونية اليت متّ ختزين‬
                                     ‫ّ‬                                                          ‫ُ ّ‬
‫القرآن الكرمي فيها- وعما كتبوا يف ذلك من أحباث علمية، فلم أقف على دراسة مفصلة ومؤصلة‬
  ‫ّ‬         ‫ّ‬                                                                             ‫ّ‬
‫تتناوهلا بالبحث العلمي الدقيق، ومل أعثر إالّ على فتاوى لبعض الفضالء، منشورة على الشبكة العاملية‬
                                                                                        ‫ّ‬
                                                                              ‫(االنرتنت)، سأذكرها أثناء البحث.‬
 ‫فلذا عقدت العزم على دراسة هذه املسألة، ألخلص من خالل البحث املستفيض إىل احلكم الذي‬
                                      ‫تشهد له األدلّة، فكانت مثرة حماوليت هذا البحث الذي بني أيدينا.‬
                                                       ‫َ‬
 ‫وقد حاولت من خالله دراسة املسألة من جوانبها املختلفة، منطلقاً من بيان طبيعة الربجمة‬
 ‫اإللكرتونية اليت يتم إدخال املعلومات املختلفة -من القرآن الكرمي وغريه– يف هذه األجهزة بواسطتها.‬
                                                                                  ‫ّ‬
 ‫َ ُّ‬
 ‫مث بيان حقيقة ما يظهر من الكتابة يف هذه األجهزة، هل هي يف حكم الكتابة احلقيقية، أم أهنا ال تُعد‬
‫كتابة. مث أعقبت ذلك ببيان األحكام الشرعية لكل جزئية من جزئيات هذه املسألة، مستهدياً‬
 ‫باجتهادات أئمة العلم السابقني، وخمرجاً على أصول وقواعد املذاهب األربعة. واهلل تعاىل هو املسؤول‬
                                                                ‫ِّ‬                   ‫ّ‬
                                                         ‫أن يوفّقنا للصواب وأن يهدينا سبيل الرشاد.‬
                                                               ‫ّ‬                       ‫ّ‬
 ‫وقد انطلقت يف البحث ممّا اتّفق عليه مجاهري العلماء ،من املذاهب األربعة وغريهم، من عدم‬
 ‫جواز مس املصحف إالّ على وضوء وطهارة كاملة1، وجتاوزت قول داود الظاهري الذي يرى جواز‬        ‫ّ‬
‫1 املبسوط للسرخسي3/157، البحر الرائق: ابن جنيم 7/771 ، بداية اجملتهد: ابن رشد 7/33، اجملموع: اإلمام النووي 1/18 ، كشاف القناع: البهويت 7/137،‬
                                                                                                                ‫ح منتهى اإلرادات: البهويت 7/11‬‫شر‬


   ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                                      ‫2‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                                           ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

 ‫مس املصحف ومحله بغري وضوء، حيث فسر قوله تعاىل: "ال ميسه إالّ املطهرون" بأن املقصود به اللّوح‬
                            ‫ّ‬          ‫ّ‬                    ‫ّ‬                                  ‫ّ‬
                                                                                           ‫1‬
 ‫احملفوظ . وهو رأي مرجوح وضعيف؛ ذلك أن القرآن اسم مشرتك، فهو يطلق على ما هو مثبت يف‬
‫اللّوح احملفوظ، كما يطلق على ما هو موجود ومكتوب يف املصاحف اليت بني أيدينا. ووجب - بناءً‬
 ‫على قواعد أصول الفقه- أن يصرف اللّفظ إىل أقرب املذكورين إىل القرآن. وملا ذكرت اآلية اليت تلي‬
                                          ‫َ‬
                       ‫ّ‬
 ‫هذه اآلية عن هذا القرآن أنه "تنزيل من رب العاملني" فوصفته بأنه قرآن منزل؛ علم أنه ليس املراد به‬
                          ‫ّ‬
 ‫هنا ما يف اللّوح احملفوظ؛ ألن الذي يف اللّوح ليس منزالً إلينا، ولكن املنزل إمنا هو هذا الذي بني‬
                                                                                       ‫ُِ‬
 ‫أيدينا، فصرف النهي عن املس إليه2.قال اإلمام النووي رمحه اهلل يف اجملموع: " قوله تعاىل : (تنزيل) ،‬
     ‫ٌ‬                                                                  ‫ّ‬
                              ‫ظاهر يف إرادة املصحف؛ فال حيمل على غريه إال بدليل صحيح صريح3".‬
 ‫مثّ إن السنّة املطهرة قد وردت باملنع من مس القرآن على غري طهارة، وذلك فيما روي عن ابن‬
                                                      ‫ِّ‬                       ‫ّ‬
                                ‫4‬
 ‫عمر رضي اهلل عنهما أخرجه الدار قطين يف سننه، والطرباين و البيهقي ، وعن حكيم بن حزام، أخرجه‬
 ‫مالك يف املوطّأ و احلاكم والطرباين و الدار قطين5، وذكر ابن حجر أنه روي عن طريق ثوبان رفعه، يف‬
 ‫قوله عليه الصالة والسالم:" ال ميس القرآن إال طاهر6". قال اهليثمي يف جممع الزوائد عن حديث ابن‬
                                                             ‫َ‬     ‫ُّ‬
                                                ‫7‬
 ‫عمر :" رواه الطرباين يف الكبري والصغري ورجاله موثقون "، وقال ابن عبد الرب يف التمهيد :"كتاب النيب‬
 ‫صلى اهلل عليه وسلم لعمرو بن حزم إىل أهل اليمن يف السنن والفرائض والديات كتاب مشهور عند‬
‫أهل العلم معروف، يستغين بشهرته عن اإلسناد8". وهو قول علي وسعد بن أيب وقاص وابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهم، ومل يعرف هلم خمالف يف الصحابة، وهو كذلك قول طاوس واحلسن والشعيب والقاسم‬
                                                     ‫بن حممد وعطاء وإسحاق بن راهويه 9.‬
                                        ‫هذا، وقد جاءت هذه الدراسة يف مبحثني اثنني:‬
                                                              ‫ِّ‬


                                                                                                           ‫1 احمللّى: ابن حزم 7/18- 38‬
                                                                                                       ‫2 احلاوي الكبري:املاوردي 7/ 117‬
                                                                                                               ‫3 اجملموع: النووي 1 /30.‬
                                              ‫4 سنن الدارقطين: 7/717، املعجم الصغري: الطرباين 1 /111 ، السنن الكربى : البيهقي 7 / 88‬
         ‫5 موطأ اإلمام مالك 7 /007، املستدرك على الصحيحني: احلاكم النيسابوري 7 /355، سنن الدارقطين 7/ 17، السنن الكربى: البيهقي 7/033‬
                                                                               ‫6 الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية: ابن حجر العسقالين 7/18‬
                                                                                                        ‫7 جممع الزوائد: اهليثمي 7/ 211‬
                                                                          ‫8 التمهيد ملا يف املوطّأ من املعاين و األسانيد: ابن عبد الرب 17/203‬
                                                                                                      ‫9 التمهيد 17/203 اجملموع 1/30‬



  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                                    ‫3‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                        ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬


                                      ‫املبحث األول: بيان طبيعة ختزين القرآن يف األجهزة اإللكرتونية.‬

                                               ‫املبحث الثاني: بيان حكم مس هذه األجهزة ومحلِها.‬
                                                                    ‫ِّ‬
                                                    ‫ع اآلن يف دراسة القسم األول من البحث.‬‫فلنشر‬
                                      ‫املبحث األول: بيان طبيعة ختزين القرآن يف األجهزة اإللكرتونية.‬
‫تمهيد: اشرتط العلماء لإلفتاء يف املسائل اليت تَعرض، شرطني اثنني، مها: العلم بالواقعة حمل‬
‫ِّ‬
‫الفتوى، والعلم بأحكام الشريعة. يقول ابن قيِّم اجلوزية نقالً عن ابن عقيل احلنبلي رمحهما اهلل: " فههنا‬
                                                                                         ‫ُ‬
                                                                                  ‫َّ‬
                                                                  ‫نوعان من الفقه البد للحاكم منهما:‬
‫فقه يف أحكام احلوادث الكلية، وفقه يف نفس الواقع1 ". ومن القول املشهور عند أهل العلم، أن‬
                                                                 ‫(احلكم على الشيء فر ٌ عن تصوره).‬
                                                                     ‫ُّ‬         ‫ع‬
‫ولذا فقد كان ال بد لنا من اإلحاطة حبقيقة وطبيعة حتزين القرآن الكرمي يف األجهزة اإللكرتونية‬
                                                                              ‫ّ‬
‫أوالً؛ حىت نكون دقيقني يف تنزيل احلكم الشرعي عليها. ومن أجل هذا، فقد كان ال بد لنا - قبل كل‬
‫ّ‬              ‫ّ‬                                                                                  ‫ّ‬
                                                                        ‫شيء - من معرفة أمرين اثنني:‬
                                             ‫أولهما: حقيقة ختزين املعلومات يف األجهزة اإللكرتونية.‬
                                                  ‫ثانيهما: طبيعة الكتابة اليت تظهر يف هذه األجهزة.‬
                                                                      ‫وسأبني ذلك يف مطلبني اثنني.‬
                                                                                            ‫ّ‬
                              ‫المطلب األول: بيان حقيقة ختزين املعلومات يف األجهزة اإللكرتونية:‬
 ‫ال فرق بني أن يكون ما جيري ختزينه يف هذه األجهزة هو القرآن الكرمي أو غريه؛ ألن حقيقة‬
‫التخزين واحدة. على أن ملعرفة طبيعة التخزين وماهيّته، أمهيةً بالغةً حني يكون املخزن قرآناً؛ ألن له أثراً‬
                      ‫ّ‬
                                              ‫كبرياً يف الكشف عن األحكام الشرعية اليت تتعلّق مبسألتنا.‬
                                                                  ‫َّ‬
                    ‫ومن أجل حتصيل هذه املعرفة، ال بد من معرفة اآللية اليت يتم هبا ختزين املصحف.‬
                                       ‫ّ‬
 ‫وقد رجعنا - من أجل الوقوف على حقيقة هذا األمر - إىل أهل االختصاص، وهم العاملون يف‬
 ‫حقل الربجمة االلكرتونية، و سألناهم عن ماهية الربجمة، فكان حصيلة ما أخذناه عنهم هو: أن إدخال‬
 ‫أي معلومة إىل أي جهاز من هذه األجهزة، إمنا يتم عن طريق الربجمة اإللكرتونية، وهذه الربجمة تتم‬
  ‫ّ‬                                                 ‫ّ‬                                 ‫ّ‬             ‫ّ‬

                                                                                   ‫1 الطرق احلكمية: البن قيم اجلوزية7/5‬


   ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                             ‫4‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                    ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫بواسطة ما يسمى ب (لغات الربجمة). اليت يعرفها أصحاب هذا الشأن، أي املتخصصون يف جمال علوم‬
                     ‫ِّ‬                                                            ‫ّ‬
                                                             ‫الكمبيوتر والربجمة اإللكرتونية خصوصاً.‬
‫ولسنا معنيِّني هنا باإلحاطة بأنواع هذه الربجمة، ومعرفة دقائق و تفصيالت كل لغة منها، ولكن‬
                  ‫ّ‬
                                                       ‫ِّ‬
‫الذي يهمنا معرفته هنا، هو املقدار الذي ميكننا من معرفة احليثيات، اليت هلا أثر يف األحكام الفقهية‬
                                                                                          ‫ُّ‬
                                   ‫ٍ‬
‫املتعلِّقة هبذه املسألة؛ ذلك أن احلديث عن احلكم الفقهي لواقعة ما، البد أن يسبقه معرفة دقيقة،‬
                         ‫َّ‬
                                    ‫ودراية وافية بالواقعة حمل البحث والدراسة، كما ذكرنا قبل حلظات.‬
                                                                 ‫ِّ‬        ‫ِّ‬
                    ‫ِّ‬
‫والذي جيب أن نعلمه هنا هو، أن هناك خانات ضمن هذه األجهزة، تشكل مبجموعها ذاكرة‬
‫اجلهاز. وحني نقوم بإدخال اآليات الكرمية إىل جهاز من هذه األجهزة؛ فإهنا تُرسل على شكل‬
               ‫َ‬
                                        ‫إشارات كهربائية أو ذبذبات إىل خانات الذاكرة لتستقر فيها.‬
                                               ‫ّ‬          ‫ّ‬
‫ويتلقى اجلهاز هذه املعلومات املدخلة أول ما يَتلقاها على شكل إشارات ساذجة، ال يتميّز‬
                                             ‫ّ‬      ‫ْ َ َّ‬                                   ‫ّ‬
                                                             ‫ُ‬
‫بعضها عن بعض، وال يتبني اإلنسان أي معىن هلا، ذلك ألهنا يف هذه املرحلة ال معىن هلا أصالً، إذ أن‬
                                                                        ‫َّ‬
‫هذه اإلشارات الكهربائية ال حتمل أي داللة مفهومة مطلقاً. وحىت اجلهاز ذاته ال يستطيع قراءهتا يف‬
                                                              ‫ّ‬
‫هذه املرحلة. ألن هذه اإلشارات عبارة عن أشياء قابلة ألن تتحول إىل شيء مكتوب ومقروء، وليست‬
                                     ‫َّ‬
‫مقروءة فعالً يف تلك احلالة. و يتم هذا التحويل بعد أن يقوم اجلهاز بفك هذه الرموز، ومعرفة هذه‬
                                                                    ‫ُّ‬
 ‫اإلشارات وترمجتها، وذلك من خالل قيامه بعمليات دقيقة جداً، متر عربها املدخالت مبراحل معقدة،‬
      ‫ّ‬                ‫ُْ َ‬        ‫ّ ُّ‬
 ‫حىت تصل يف آخر املطاف إىل أعلى طبقات اجلهاز- وهي اليت تظهر من خالل الشاشة- وقد زال‬
                                                                                  ‫ٍ‬
                                          ‫عنها كل إهبام، ووصلت إىل أعلى درجات الوضوح واجلالء.‬
                                                                                        ‫ّ‬
 ‫وهذه العمليات، وإن كان املستخدم للجهاز ال يشعر هبا، بسبب السرعة اخلارقة اليت تُنجز هبا؛‬
 ‫إالّ أهنا حقيق ٌ واقع ٌ يعرفها أهل االختصاص. وهي يف احلقيقة حماكاة و تقليد للعمليات الفيزيائية‬
                                                                            ‫ة ة‬
 ‫والذهنية املعقدة، اليت جتري داخل كيان اإلنسان، حني تنتقل املعلومات اخلارجية من طريق احلواس إىل‬
                                                                                   ‫ّ‬
 ‫دماغه، فإن اإلنسان ال يشعر باملراحل الكثرية واملعقدة اليت تنتقل فيها هذه املعلومات داخل جسمه،‬
                                                  ‫ّ‬
                                                      ‫لتستقر أخرياً يف دماغه فكرة واضحة ومفهومة.‬
                                                                      ‫ً‬                    ‫ّ‬
 ‫ومن األمهيّة مبكان أن نعلم أن كل ما يتعامل به اجلهاز من الرموز واإلشارات رمزان اثنان فقط،‬
                                                             ‫ّ‬
‫مها الرقم واحد (1) والرقم صفر(0) كل معلومة تدخل إليه فإنه يتلقاها يف صورة (1) أو (0) .. مثّ‬
                                 ‫ّ‬                            ‫و‬
‫هو يعرب عن كل حرف من احلروف ومييِّزه، بعدد هذه الواحدات و األصفار، وبتغيري ترتيبها، فمثالً‬
                                                                               ‫ّ‬          ‫ّ‬
 ‫(101) يكون تعبرياً عن حرف معني، و(100) يعرب عن آخر، و(011) عن آخر، وذلك أن‬
                                             ‫ّ‬                 ‫ّ‬
  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                     ‫5‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫الرقم(1) عبارة عن خلية مضاءة، و الرقم(0) خلية غري مضاءة، وتتجاور هذه اخلاليا املضاءة‬
                                  ‫ِّ‬
‫واملظلمة، و تتوضع بإزاء بعضها على سطح شاشة اجلهاز، حبيث تشكل هيئةَ احلرف الذي يظهر على‬
                                                                                     ‫ّ‬
                ‫الشاشة وصورتَه. وهكذا يستطيع املعاجل ترمجة هذه اإلشارات اخلاصة إىل لغتنا املقروءة.‬
                                     ‫ّ‬
‫ولكن أشكال هذه الرموز املودعة يف ذاكرة اجلهاز ال تكون مرئية لإلنسان، فال ميكنه أن يقرأها -‬
‫قبل املعاجلة - بشكل من األشكال، ومن مثّ فليس هلا أية قيمة بيانية بالنسبة له يف ذلك الوضع ..‬
‫حىت إذا متّ تشغيل اجلهاز، قام املعاجل الذي يف ضمن اجلهاز مبعاجلتها، ودفع هبا إىل شاشة اجلهاز‬
                                                          ‫َ‬                     ‫ً‬      ‫و ٍ‬
                                       ‫حروفاً كلمات مقروءة ومفهومة، أمكن اإلنسان معرفتُها وقراءهتا.‬
‫الخالصة: وغرضنا من هذا البيان الذي سقناه عن طبيعة الربجمة، هو أن نعلم أن املعلومة املدخلة‬
 ‫يف اجلهاز تكون يف حالة سبات تام و إهبام مطلق، حبيث يتعذر قراءهتا وهي يف حالتها تلك، فال أحد‬
                                      ‫ّ‬
 ‫من البشر يستطيع أن يتبني ما يف خانات الذاكرة. وحني يقوم أحدنا بتشغيل اجلهاز، ويقوم باستدعاء‬
                                                                      ‫ّ‬
 ‫املعلومات، ومتر هذه املعلومات مبراحل ِّدة ومعقدة يعرفها أهل هذا الفن، يتمكن اجلهاز من إزالة‬
                  ‫ّ‬                           ‫ّ‬      ‫متعد‬                       ‫ُّ‬
‫اإلهبام الذي فيها، ويقوم برتمجتها وإظهارها لإلنسان يف صورة كتابة مرقومة، فيصبح هو أيضاً قادراً‬
                                                                                   ‫على قراءهتا.‬
‫النتيجة: نستنتج من هذا أن اآليات القرآنية الكرمية املودعة يف ذاكرة اجلهاز، ال تُعد كتابة يف‬
          ‫َ ُّ‬
‫حالة كون اجلهاز متوقِّفاً عن العمل، أو يف حالة كونه منشغالً مبعاجلة برامج أخرى، غري برنامج القرآن‬
                                                                                                ‫الكرمي.‬
                                           ‫ٍ‬
‫وأحسب أنه قد حتقق لدينا هبذا البيان، قدر كاف من الدراية واملعرفة بواقع ِّق األول من‬
              ‫الش ّ‬                              ‫ٌ‬                           ‫ّ‬
                                                      ‫مسألتنا، اليت حنن بصدد بيان حكمها الفقهي.‬
‫أما ِّق الثاين من صورة املسألة، فيتعلّق ببيان حصيلة هذه املراحل اليت ّج فيها تلك‬
                ‫تتدر‬                                                                    ‫ّ الش ُّ‬
‫اإلشارات الكهربائية، اليت تنتقل من حجريات الذاكرة ضمن اجلهاز إىل الطبقات العليا، وترتقّى‬
                                               ‫ّ‬
‫بواسطتها يف ج الظهور، حىت تنتهي يف آخر املطاف إىل أكمل حالة من الوضوح واجلالء، وتبدو‬‫مدار‬
‫لنا على شاشة اجلهاز يف صورة كتابة مقروءة يف غاية األناقة. فما حقيقة هذه الكتابة، وما هي اآللية‬
                                             ‫اليت تتم هبا؟. هذا ما سنبيِّنه اآلن يف هذا املطلب الثاين.‬
                                                                                               ‫ّ‬
                ‫المطلب الثاني: بيان حقيقة الكتابة اليت تظهر على شاشات األجهزة اإللكرتونية:‬



  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                       ‫6‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                        ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫يقرر أهل الدراية واخلربة، أن عملية إظهار الرموز املخزنة يف هذه األجهزة على شاشاهتا، يف صورة‬
                                            ‫ّ‬                                        ‫ِّ‬          ‫ِّ‬
                                                          ‫كتابة واضحة و مقروءة، تتم بالصورة اآلتية:‬
                                                                           ‫ّ‬
‫الشاشة مليئة باخلاليا الصغرية جداً، و املرصوصة بشكل كبري، وبكثافة عالية، وهذه اخلاليا يف‬
                                                               ‫ّ‬
‫حقيقتها عبارة عن سيّالة زجاجية .. وحني تُستدعى اآليات الكرمية من مواضع ختزينها؛ فإهنا تتوارد يف‬
            ‫ّ‬
‫شكل إشارات ضوئية، خمتلفة يف درجة قوهتا- بعد أن متر مبراحل املعاجلة - وحني تصطدم بالسيّالة‬
     ‫ّ‬                                      ‫ّ‬               ‫ّ‬
‫الزجاجية و خترتقها، فإن كل ذرة أو خليّة من خاليا هذه السيّالة، تتلون حبسب اإلشارة الكهربائية اليت‬
                                  ‫ّ‬                                     ‫َّ ّ‬
‫تتوجه إليها، فتأخذ هذه اخلاليا شكل احلروف العربية، ويتشكل منها كتابة عربية .. وليست هذه‬
                                      ‫ّ‬                                                             ‫ّ‬
‫الكتابة كاحلرب الذي يكتب به على الورقة، فيُظهر عليها كتابة مغايِرة يف لوهنا للون الورقة، وإمنا هي‬
                                                    ‫ِ‬
‫خاليا السيالة الزجاجية، تلونت مادهتا نفسها؛ كجدار كتِب فيه كتاب ٌ ال باحلرب، ولكن بلبِنات مغايرة‬
                                 ‫ة‬            ‫ٍُ‬           ‫ُّ ُ‬             ‫ّ‬                  ‫ّ‬
                     ‫يف لون مادهتا للون مادة سائر لبنات اجلدار ..هذا ما فهمناه عن أهل االختصاص.‬
                                                                                ‫ّ‬            ‫ّ‬
‫وببيان هاتني النقطتني، أحسب أننا قد أعطينا صورة واضحة عن طبيعة التخزين، وأنه قد حتققت‬
      ‫ّ‬
                                                                             ‫ِ ِّ‬
                                                                     ‫لنا املعرفة بواقع املسألة، حمل حبثنا.‬
‫ولعلّنا تنبّهنا ممّا سبق أن هناك فارقاً بني كون القرآن يف طور التخزين، قاراً يف حجريات اجلهاز،‬
                        ‫ّ‬
‫وبني كونه معروضاً على شاشته، ينظر فيه القارئ، فريى قرآناً كتب بالرسم العثماين ويقرؤه، ورمبا كان‬
        ‫ّ‬                      ‫ّ‬
‫هلذا االختالف بني واقع هاتني احلالتني وطبيعة كل منهما، أثر يف اختالف احلكم الفقهي بني كلتا‬
                                            ‫ٍّ‬
                                                                          ‫َّ‬
‫احلالتني. أي أنه رمبا اختلف احلكم بني تينك احلالتني؛ من حيث مس اجلهاز ومحله، وما يشرتط‬
                        ‫ّ‬
‫لذلك من الطهارة من احلدث. فلننتقل إىل دراسة هاتني املسألتني، ولنبني حكم كل منهما. وهذا هو‬
                ‫ٍّ‬        ‫ِّ‬
                                                      ‫صلب موضوع حبثنا، وهو املبحث الثاين.‬


                      ‫املبحث الثاني: حكم مسِّ األجهزة اإللكرتونية اليت خيزّن فيها القرآن،ومحلِها.‬
‫ذكرنا قبل حلظات، أن هناك فرقاً بني كون القرآن خمزنا يف اجلهاز،غري معروض على شاشته، وبني‬
                                            ‫ّ‬
‫كونه معروضاً يقرؤه القارئ. وسنبحث اآلن حكم مس هذه األجهزة ومحلها يف كال هاتني احلالتني ..‬
                                              ‫ِّ‬
‫وإذ قد دخلنا يف احلديث عن النظر الفقهي يف هذه املسألة، فلنبدأ أوالً بعرض الفتاوى اليت تناولتها-‬
  ‫إذ هي جممل اآلراء الواردة يف حكم هذه املسألة- مث ستأيت مناقشة كل واحدة منها يف ثنايا البحث.‬
                               ‫ّ‬



  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                         ‫7‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
       ‫ّ‬                                                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫ولقد كانت هذه الفتاوى متباينة يف أحكامها، وافرتق أصحاهبا إىل ثالث فرق، وهذه آراؤهم كما‬
                                                   ‫نشروها على الشبكة العنكبوتية ( االنرتنت).‬
‫الفريق األول: يرى أن هذه األجهزة، اليت يسجل فيها القرآن، ليس هلا حكم املصحف؛ فيجيزون‬
                                          ‫ّ‬                              ‫ّ‬
‫مسها ومحلها، ولو من غري طهارة، مل يفرقوا بني حالة كون القرآن خمزناً يف اجلهاز، غري معروض على‬
                              ‫ّ‬                          ‫و ِّ‬                                 ‫ّ‬
‫شاشته، وبني حال القراءة منه، بعرض اآليات القرآنية الكرمية على الشاشة. وقد استدلُّوا لرأيهم هذا‬
                                                                                 ‫بعدة أدلة، منها:‬
                                                                                              ‫ّ‬
‫أولا: أن حروف القرآن، وجودها يف هذه األجهزة خيتلف عن وجودها يف املصحف، فهي ال‬
                                                   ‫ُ‬                       ‫ّ‬
‫توجد بصفتها املقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكون منها احلروف بصورهتا عند طلبها، فتظهر‬
                                       ‫ّ‬
             ‫يف الشاشة، وتزول باالنتقال إىل غريها. فهي ذبذبات تعرض وتزول وليست حروفاً ثابتة.‬
‫ثاني ا: أن اجلوال أو احملمول، وغريه من األجهزة، ال يُسمى مصحفاً حني خيزن فيه القرآن، وال‬
                 ‫ّ‬               ‫ّ‬                                       ‫ّ‬
‫حني تُعرض اآليات املخزنة فيه على شاشته، بل يبقى امسه اجلوال، أو الكمبيوتر. فإذا بعت اجلهاز‬
                                   ‫ّ‬                                    ‫ّ‬
‫تقول: بِعت اجلوال، وال تقول: بعت املصحف، كما أنك إذا اشرتيت اجلهاز املخزن فيه القرآن، ال‬
                ‫ّ‬
‫تقول: اشرتيت مصحفاً، بل تقول: اشرتيت جواالً1. أي أنه ال يُسمى مصحفاً عُْرفاً، وال هو يف واقعه‬
                                 ‫ّ‬                    ‫ّ‬
                                                                              ‫وحقيقته مصحف.‬
‫الفريق الثاني: قال هؤالء: "إن اجلوال ال يعامل معاملة املصحف؛ ألن هذه املعلومات اليت فيه‬
‫معلومات تتحلّل بواسطة الربنامج، مبعىن أنه إذا أُقفل الربنامج ال يكون هناك شيء حمفوظ خطّاً، حبيث‬
‫يكون كاملصحف، فال ّج اإلنسان من دخول دورات املياه به، كذلك أيضاً ملسه، فاجلوال يشمل‬
                             ‫و‬                                       ‫يتحر‬
‫عدة أشياء، وهناك حوائل بني اإلنسان وبني القرآن الذي فيه، ولكن احرص أالّ متس بإصبعك الشاشة‬
                ‫ّ‬              ‫ْ‬                                                            ‫ّ‬
              ‫2‬
            ‫اليت تظهر عليها اآليات، أما إذا أمسكت جبوانب اجلوال؛ فال بأس بذلك إن شاء اهلل ".‬
                                                                      ‫ّ‬




‫1 ممّن ذهب إىل هذا الرأي، الشيخ صاحل الفوزان. وفتواه منشورة يف موقع منتديات الضويلة الرمسية، وموقع ملتق ى أنص ار اهل دى، ومنت دى اإلس المي الع ام عل ى ش بكة‬
                                                                     ‫ّ‬
                                                                                                                                                     ‫االنرتنت.‬
‫كذلك ذهب إىل هذا الرأي الشيخ حممد صاحل املنجد، ونقله أيضاً عن الشيخ عبد الرمحن بن ناصر الرباك، نقل فتوى الشيخ من موقع نور اإلسالم، ونق ل أيض اً فت وى‬
                                                                                                            ‫ّ‬                                               ‫و‬
                                                                                               ‫الشيخ الفوزان .والفتاوى منشورة على موقع منتدى طريق السعداء.‬
‫2 ممّن ذهب إىل هذا الرأي الشيخ سعد بن عبد اهلل احلميد يف فتواه املنشورة على موقع اجلواب الشايف- قناة اجملد. وما نقلته بني احلاصرتني الصغريتني هو نص الفتوى،‬
          ‫ّ‬
                                                                                                                                      ‫نقلتها من املوقع حبروفه.‬


    ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                                                  ‫8‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
       ‫ّ‬                                                                                          ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫الفريق الثالث: يرى عدم جواز مسه وال محله يف حالة القراءة منه، وأجاز محله يف حال التخزين‬
                                                         ‫ِّ‬
‫بغري طهارة، وقال: "إذا كان مغلقاً فال بأس بلمسه من غري وضوء، مثله مثل املصحف يف غالف‬
                                                                      ‫مفصول عنه، غري ملتصق به1".‬
                       ‫ِ‬
‫وهذه األقوال –كما ذكرت– مأخوذة من فتاوى أصدرها أصحاهبا، ومل ترد ضمن أحباث مصوغة‬
‫وفْق أصول كتابة البحث العلمي، و لذا فقد خلَت، أو كادت أن ختلو من التفصيل والتأصيل الكايف،‬
                                                ‫ْ‬                                                   ‫َ‬
                         ‫وبيان األدلّة اليت استندت إليها، كما أهنا مل تناقش وجهات النظر املخالفة.‬
‫وزيادة على هذا، فإن أصحاب هذه الفتاوى مل يفرقوا يف فتاواهم بني جهاز القرآن، الذي أنشئ‬
                                           ‫ِّ‬
‫لغرض خدمة القرآن الكرمي خاصة، دون أن يؤدي أية مهمة أخرى، وبني األجهزة اليت تؤدي وظائف‬
                                         ‫ّ‬         ‫ّ‬                ‫ّ‬
‫كثرية، من بينها خدمة القرآن الكرمي، والسبب يف عدم تطرقها للتفاصيل؛ أهنا كانت إجابات على‬
                                      ‫ّ‬
‫أسئلة، وردت خبصوص حكم مس اهلاتف النقال ومحله عند قراءة القرآن منه، فكانت الفتاوى على‬
                                                                 ‫ّ‬
                                                                                         ‫قدر األسئلة.‬
                                              ‫ٍ َّ‬
‫وسنقوم اآلن - مبشيئة اهلل تعاىل- بدراسة مفصلة هلذه املسألة، وسنعرض لآلراء اليت وردت ضمن‬
                                                                  ‫هذه الفتاوى اليت نقلناها باملناقشة.‬
‫وملا مل يكن لنوع اجلهاز أثر يف حكم مس اجلهاز ومحله- يف حالة كون القرآن خمزناً فيه غري‬
           ‫ّ‬                                      ‫ِّ‬
                  ‫ٍ‬
‫معروض على شاشته- فقد سقت احلديث عن حكم هذه األجهزة كلِّها يف مساق واحد، دون أن‬
                                                                  ‫ُْ ُ‬
‫أُفرد كل نوع منها ببيان احلكم املتعلِّق به خاصة؛ ألن الفصل بينها يف البيان، مع عدم وجود فرق بينها‬
                                                      ‫ّ‬                                   ‫ٍ‬
                                                               ‫يف احلكم الفقهي؛ تكرار ال معىن له.‬
‫أما يف حال العرض، فإن لنوع اجلهاز أثراً بيِّناً يف احلكم، ولذا فقد فرقت بني كون اجلهاز الذي‬
                         ‫ّ‬                                                                     ‫ّ‬
‫يقرأ منه القرآن جهاز قرآن خاصةً، وبني كونه جهازاً آخر غري خاص خبدمة القرآن وحده، فبحثت كل‬
‫ّ‬                              ‫ٍّ‬                                    ‫ّ‬
                                                                 ‫حالة على حده، يف مطلب خاص.‬
                                                                   ‫ّ‬
                              ‫‪ ‬المطلب األول- حكم مس اجلهاز ومحله، حال كون القرآن خمزناً فيه:‬
                                      ‫َّ‬                               ‫ِّ‬
‫علمنا ممّا سبق، أن ما يتم ختزينه يف األجهزة اإللكرتونية املختلفة ليس كتابة حقيقية، ولكنه عبارة‬
                                                                     ‫ُّ‬
‫عن شيفرات كهربائية، قابلة ألن تتحول إىل شيء مكتوب بعد املعاجلة، أما قبل املعاجلة؛ فال سبيل‬
                                                            ‫ّ‬
‫لإلنسان حبال إىل معرفة القابليّات املنطوية فيها، وال ميكنه حبال أن يعرف شيئاً عنها، بل إنه إذا حاول‬

‫1 ممّن يرى هذا الرأي األس تاذ ال دكتور أمح د احلج ي الك ردي ،أس تاذ الفق ه يف كلي ات الش ريعة واحلق وق جب امعيت دمش ق وحل ب س ابقاً، وخب ري املوس وعة الفقهي ة، وعض و‬
                                                                         ‫هيئة اإلفتاء يف دولة الكويت حالياً. وفتواه منشورة يف موقع املوسوعة شبكة الفتاوى الشرعية.‬


    ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                                                         ‫9‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                   ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫أن يتلمس مواضع وجود هذه الرموز و الشيفرات، فإهنا سرعان ما ستتالشى قبل أن يقع بصره على‬      ‫ّ‬
‫مواطنها، بل إنه سيرتتّب على أيّة حماولة من هذا القبيل فساد الربنامج كلّه، ورمبا فساد نظام اجلهاز‬
                                      ‫ُ‬
‫بأكمله. إذن فهذه إشارات مبهمة بالنسبة لسائر البشر، واجلهاز وحده هو الذي يستطيع أن يتعامل‬
‫معها و يعاجلها، حىت ي َّق إخراجها من حيِّز اإلهبام املطلق إىل صعيد اجلالء والوضوح، ويرتمجها إىل‬
                                                                         ‫تحق‬
                                        ‫حروف كلمات مكتوبة ومقروءة، فيستطيع القارئ أن يقرأها.‬
                                                                                         ‫و‬
                                        ‫ما يف ذاكرة اجلهاز ليس كتابة، فليس له حكم املصحف:‬
‫ومن هنا- وممّا سبق أن ذكرناه آنفاً أيضاً- نعلم أن ما هو مستقر يف خانات ذاكرة اجلهاز ليس‬
                             ‫ّ‬
                                                                               ‫ُّ‬
‫كتابة؛ ولذا فال يُعد القرآن املخزن يف تلك احلجريات قرآناً، وليس له حكم املصحف؛ فال يشرتط‬
                                                                   ‫ّ‬
‫الوضوء ملس هذه األجهزة وال حلملها، حال كون برنامج القرآن فيها غري مف َّل، أو حال كونه يف طور‬
                        ‫ُ َع‬                                                          ‫ِّ‬
‫السكون وعدم التشغيل، بل ال يشرتط لذلك حىت الطهارة من احلدث األكرب؛ فال ج على اجلنب،‬
               ‫حر‬
                                                         ‫وال على احلائض أيضاً يف مس اجلهاز ومحله.‬
                                                                       ‫ّ‬
‫وبناء على هذا، فإين أرى أن ختريج هذه الصورة على صورة كون املصحف ضمن غالف مفصول‬
‫عنه، غري ملتصق به – كما ذكرهتا الفتوى الثالثة، وهي فتوى األستاذ الدكتور أمحد احلجي الكردي-‬
             ‫ّ‬
‫غري دقيق؛ ألنه ليس لإلشارات اليت ضمن ذاكرة اجلهاز حكم املصحف، فهي ليست كتابة أصالً؛ إذ‬
‫ال هي حروف عربية وال حىت أعجمية حىت نسميها كتابة، ولعل أشبه شيء بعملية عرض الكتابة على‬
                                     ‫ّ‬              ‫ّ‬
                                            ‫َّ‬
‫الشاشة وحموها منها وتغيريها، اللّوحات اخللفية اليت تُشكل يف بعض املهرجانات يف املالعب، حيث‬
                                                              ‫ُ‬
‫يتجمع اآلالف من الناس يف مكان حمدد، و تُوَّع عليهم أعالم خمتلفة األلوان، كل جمموعة منها من‬
                                                  ‫َز‬        ‫ّ‬                            ‫ّ‬
‫لون معني، ولكل لون منها رقم خاص، ويتم توزيع محلة األعالم على أماكنهم بطريقة مدروسة، ووفْق‬
   ‫َ‬                                                    ‫ٌّ ّ‬                  ‫ّ‬        ‫ّ‬
                                               ‫ٍ‬         ‫ِ‬               ‫ِّ‬
‫ترتيب معني، حبيث تشكل أعالمهم إذا أُبْرزت عبارات معيّنة، فيأيت اإليعاز إىل فريق من هؤالء برفع‬
                                                                                     ‫ّ‬
‫العلم ذي الرقم (كذا)، فريفع كل واحد من محلة العلَم ذي الرقم املذكور العلم الذي بيده، فإذا شعار‬
‫ٌ‬                     ‫َ‬
‫معني، أو عبارة قد تشكلت من جمموع هذه األعالم، املرفوعة واملرصوفة برتتيب معني. مث يأيت إيعاز‬
                ‫ّ‬                                                         ‫ّ‬                ‫ّ‬
‫جديد إىل فريق آخر، برفع األعالم اليت حتمل رقماً آخر، فيضع الفريق األول األعالم اليت بأيديهم،‬
‫ويعيدوهنا إىل أماكنها، ويرفع الفريق الثاين األعالم األخرى إىل األعلى؛ فتتشكل عبارة أخرى ..‬
                   ‫ّ‬
‫وهكذا. إن هؤالء الذين حيملون األعالم، إذا أنزلوا أيديهم فإنه ال يبقى هناك كتابة، ألن احلروف‬
‫والكلمات اليت كانت تتشكل من رصف هذه األعالم وترتيبها بطريقة معيَّنة، انفرط نظامها مع نزول‬
                                                                       ‫ّ‬


 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                   ‫11‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                   ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

 ‫األيدي اليت كانت حتملها وتُظهرها للناس، ومل يعد بني آحادها ذلك االرتباط، الذي يشكل من‬
       ‫ّ‬
                                                                         ‫جمموعها كلمات وعبارات.‬
 ‫هذه هي صورة الكتابات اليت تظهر يف شاشة اهلاتف احملمول وغريه، فهي عبارة عن إشارات‬
 ‫ضوئية، تصدرها مصابيح يف غاية الدقَّة، تتّجه بضوئها إىل سطح الشاشة هبيئة وترتيب معني، فتشكل‬
   ‫ّ‬         ‫ّ‬                                                 ‫ِّ‬
                              ‫ِ‬
 ‫كتابة معيّنة، حىت إذا أُريد إزالةُ هذه الكتابة من الشاشة، أو مسحها أُطفئت هذه املصابيح، فلم تعُد‬
                           ‫ْ‬        ‫ُ‬
 ‫هناك كتابة وال حروف، ولكن هذه املصابيح تبقى طَوع اخلدمة، سهلة االنقياد لتلبية ما يُطلَب منها،‬
 ‫وفق الربجمة اليت صيغت هبا، متاماً كحملة األعالم الذين ينتظرون اإليعازات، ويبادرون إىل تلبيتها فور‬
                                                                                                 ‫َ‬
                                                                                         ‫صدورها.‬
‫إذن. فهذه الكتابات حني ختتفي من وجه اجلهاز فإهنا تتالشى، وتصبح يف حكم العدم، ومن مثّ‬
 ‫فهي ال تكون قرآناً يف هذه احلالة، وال يُعطى اجلهاز الذي خيتزهنا حكم املصحف. هذا واهلل تعاىل‬
                                                                                             ‫أعلم.‬
 ‫وإذا تبيّنّا هذا، علمنا أن ختريج هذه املسألة على صورة محل املصحف يف صندوق مع غريه من‬
 ‫األمتعة- و قد ذكره أيضاً صاحب الفتوى الثالثة، إذا كان مقصوده حالة التخزين- أيضاً غري وارد،‬
 ‫ألنه ليس للمصحف وجود حقيقي يف ذاكرة اجلهاز، بل ليس فيها كتابة مطلقاً حال كون اجلهاز يف‬
                                                                                  ‫طور السكون.‬
‫على أنه حني ج هذه الرموز من حجرياهتا، لتتجلّى على وجه اجلهاز، و تظهر على شاشته يف‬
                                                                          ‫ختر‬
‫صورة قرآن عريب يتلى، وعلى الكْتبة األوىل اليت كتبها هبا الصحابة رضي اهلل عنهم، يف هذه احلالة،‬
                                      ‫ّ‬
‫حيتاج األمر إىل مزيد من البحث والدراسة والتدقيق يف النظر. وهو ما سنحاوله اآلن، سائلني اهلل تعاىل‬
                                                              ‫ِّ‬
                                                                                ‫التوفيق والسداد.‬
                                                                                     ‫ّ‬
           ‫‪ ‬المطلب الثاني- حكم مس األجهزة اإللكرتونية ومحلها، حني قراءة القرآن منها:‬
                                                              ‫ّ‬
‫متهيد: ال بد لنا أقبل أن ع يف بيان تفصيالت أحكام هذه املسألة، أن نق ِّم بياناً شافياً، جنلِّي‬
                       ‫د‬                                            ‫نشر‬          ‫َّ‬
                                                 ‫َ ُّ‬
‫فيه حقيقة ما يظهر يف شاشات هذه األجهزة، وهل يعد ذلك كتابة حقيقية، أم ال ؟ .. ذلك أن تقرير‬
       ‫ّ‬
‫احلكم الفقهي هلذه املسألة، يتوقَّف - َّرجة األوىل - على حتديد طبيعة هذه الكتابة .. وفيما يأيت‬
                                                            ‫بالد‬
                                                                                       ‫هذا البيان.‬




 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                   ‫11‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫حني يتوجه أحدنا إىل قراءة القرآن من خالل أحد هذه األجهزة، فإنَّه يقوم باستدعاء اآليات‬   ‫ّ‬
‫املخزنة فيه .. وسرعان ما تتوارد اآليات الكرمية إىل سطح الشاشة، ظاهرة واضحة. و قد بيَّنّا أن هذه‬   ‫ّ‬
‫الكتابة اليت تظهر لنا هي عبارة عن إشارات ضوئية، تتوارد على شاشة اجلهاز، فتتلون منها خاليا‬
                ‫ّ‬
‫السيّالة الزجاجية اليت تنبسط مرتاصة على سطح الشاشة، فتتبدى لنا يف صورة حروف كلمات،‬
         ‫و‬                         ‫ّ‬                                ‫ّ‬
                                                                         ‫وتتّخذ شكل اآليات القرآنية.‬
                                                                                 ‫ِ‬
‫والسؤال الذي يَرد هنا هو، هل هذا الذي يظهر لنا من خالل الشاشة كتابةٌ حقيقية؛ فتثبت‬
‫للجهاز كل أحكام املصحف، أم أنه ليس بكتابة حقيقية، وإمنا مسّي كتابة على سبيل اجملاز، تشبيهاً له‬
                                                 ‫بالكتابة احلقيقية؛ لكونه ال خيتلف عنها يف رأْي العني؟.‬
                                                            ‫َ‬
‫لقد رأينا أن من الناس من جنح إىل الرأي الثاين، ومل ُّوها كتابة حقيقية، ومن مثّ فلم جيعلوا‬
                                      ‫يعد‬
‫للجهاز الذي حيويها حكم املصحف، ومل يشرتطوا ملسه ومحله أيّاً من الشروط املقررة ملس القرآن‬
         ‫ِّ‬     ‫َّ‬                            ‫ِّ‬
                                                                                                ‫ومحله.‬
                                   ‫وقد سبق أن ذكرت ما استدلُّوا به، وأعيد عرضه اآلن ملناقشته.‬
‫دليل الذين ال ُّون الكتابة اليت تظهر يف األجهزة اإللكرتونية كتابة حقيقية: قال هؤالء: إن‬
                                                                                ‫يعد‬
‫حروف القرآن، وجودها يف هذه األجهزة خيتلف عن وجودها يف املصحف، فهي ال توجد بصفتها‬  ‫ُ‬
‫املقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكون منها احلروف بصورهتا عند طلبها، فتظهر يف الشاشة،‬
                                                    ‫ّ‬
                        ‫وتزول باالنتقال إىل غريها. فهي ذبذبات تعرض وتزول، وليست حروفاً ثابتة.‬
                                                                            ‫مناقشة َّليل:‬
                                                                                ‫الد‬
‫قوهلم: "إن ما يظهر على الشاشة ال يكون على صفة الكتابة املقروءة، ولكنه عبارة عن ذبذبات،‬
‫تعرض و تزول". يعوزه شيء من الدقّة؛ فإن كون املدخل إىل اجلهاز جمرد ذبذبات كهربائية، إمنا هو‬
                           ‫ّ‬               ‫ُ َ‬              ‫ِّ‬
‫حني يكون يف مراحله األوىل، أي قبل أن غ اجلهاز من معاجلته وترمجته ودفعه إىل سطح الشاشة،‬
                                                   ‫يفر‬
‫وال خالف يف أنه ال يُعطى حكم املصحف يف تلك احلالة، أما إذا ظهر يف شاشة اجلهاز؛ فإنه ال‬
                                                                                    ‫ٍ‬
‫يكون حينئذ ذبذبات جمردة، ولكنه يتوجه إليها حزماً ضوئية، فتلون هذه احلزم ما تصطدم به من خاليا‬
                                     ‫ِّ‬
                       ‫ُ‬                        ‫َُ‬       ‫ّ‬             ‫ّ‬
                                                                           ‫ٍ‬
‫الشاشة، بلون مغاير للون سائر خالياها األخرى، اليت متأل سطح الشاشة، لتخط بذلك كتابة حقيقية‬
                    ‫ّ‬
   ‫حبسب الصورة. فالكتابة حبسب الصورة ِّقة، ال خالف يف ذلك. ولكن هل هي كتابة حقيقة؟.‬
                  ‫ُ‬                                 ‫متحق‬                              ‫ُّ‬



 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                      ‫21‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫إن هؤالء الذين مل يعدوها كذلك، كان من حججهم أهنا ليست على صفة الكتابة املقروءة، أي‬
                                                                               ‫ّ‬
‫أهنا ليست كالكتابة املعروفة واملألوفة لدينا، وهي اليت تكون بالقلم، وتثبت على الورق وحنوه. و ههنا‬
         ‫أسئلة البد من اإلجابة عليها؛ حىت نعرف قيمة هذا االستدالل، وهل هو صواب ، أو خطأ؟.‬        ‫ّ‬
                                                                                        ‫السؤال األول:‬
‫ُ ُّ‬
‫هل يشرتط العتبار الكتابة؛ أن تكون على صفة الكتابة املعروفة واملألوفة لدينا، وهي اليت ختط‬
                                     ‫بالقلم على الورق أو غريه، أم أنه ال يشرتط العتبارها هذا الشرط؟.‬
                                                                                        ‫السؤال الثاين:‬
        ‫هل من شرط الكتابة أن تبقى ثابتة، وأالّ تزول، أو أنه ال أثر لثباهتا وزواهلا يف ِّها كتابة؟.‬
                  ‫عد‬
                                                                 ‫ونقول يف اإلجابة على السؤال األول:‬
‫أ - إن الكتابة اليت تظهر من خالل شاشات األجهزة كتابة حقيقية، وإن بدا بينها وبني الكتابة‬
‫املعروفة، وهي الكتابة بالقلم شيء من االختالف؛ ذلك أن الكتابة يف احلقيقة، هي النقوش اليت‬
‫اصطلح فريق من الناس أن يعربوا هبا عن بعض األلفاظ واملعاين، فمهما كان النَّقش يدل على معىن،‬
              ‫ّ‬      ‫ْ‬                                                     ‫ّ‬
‫يفهمه طائفة أو فريق من الناس؛ فإنه يُسمى كتابة، وهو كتابة حقيقية، بغض النظر عن طبيعة هذا‬
                       ‫ّ‬                                      ‫ّ‬
‫النقش، وبغض النظر كذلك عن األداة اليت كتب هبا؛ ما دام أن العرف جرى بقبوله، فهذه الكتابة‬     ‫ِّ‬
‫املنتقشة يف الشاشة، عبارة عن ذرات، أو خاليا مادية مضاءة، هلا قوام ووجود حقيقي، فهي شيء‬
                                             ‫ّ‬                  ‫ّ‬                           ‫َ‬
‫حمسوس مرئي، يفهمه كل من حيسن قراءة احلروف والكلمات العربية، فهي إذن بال ريب تكون كتابة‬
                                                                   ‫ُ‬
                                                         ‫حقيقية، وهي كلمات القرآن وآياته حقيقة.‬
‫ب - ميكن أن يرد على استدالل املنكرين لكوهنا كتابة، من وجه آخر، هو أن لفظ الكتاب أو‬
                                                                           ‫ّ‬
                                   ‫الشر‬             ‫َّ ٍ‬
‫الكتابة ليس لفظاً شرعياً ذا داللة َّدة وخاصة شرعاً، كما أن ع مل يرد باعتبار كتابة بعينها. و ما‬
                                                              ‫حمد‬
‫مل يرد حتديد له من ع، ومل يكن له معىن َّد يف اللغة، يُرتك أمره للعرف، كالقبض يف عقد البيع‬
                                 ‫ُ‬               ‫حمد‬                     ‫الشار‬       ‫ٌ‬
‫وغريه من العقود، ملا مل يُعرف له ضابط يف الشر ع؛ ترك أمر حتديده للعرف1، فأفىت الفقهاء بالقبض‬
                                                                               ‫ّ‬
‫احلكمي، كما يف حاالت صرف العمالت ونقل احلواالت، حيث ال يتم محل النقود و تصارفها باليد،‬
                               ‫ّ‬
                                                 ‫بل بالكتابة يف السجالّت، أو من خالل األجهزة.‬



                                                                                                                    ‫1‬
                                                                              ‫مغين احملتاج: للخطيب الشربيين 1/311‬


 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                          ‫31‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                             ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫وإذا قيل: إن األلفاظ الواردة يف نصوص ع، ينبغي أن حتمل على ما كانت تُطلق عليه حني‬
                                    ‫ُ‬              ‫الشر‬
‫ورود النص؛ والكتابة اليت كانت موجودة آنذاك كانت هذه الكتابة، اليت هي عبارة عن حروف ثابتة.‬
                                                                                        ‫ّ‬
‫قلنا: إننا لسنا متعبّدين بأدوات الكتابة، فإن ع مل يلزمنا بالكتابة بالقلم فحسب، بل اعترب الكتابة‬
                                                    ‫الشر‬
‫مطلقاً، بغض النظر عن وسيلتها. والكتابة هي املنقوش بالقلم أو بغريه، ممّا يكتب به الناس يف العادة،‬
                                                                                     ‫ِّ‬
‫بشرط أن يكون هذا النقش مقروءاً، وما يظهر من الكتابة على شاشات هذه األجهزة مقروء؛ فكان‬
                                                     ‫كتابة، وينبغي أن يثبت له حكم الكتابة بالقلم.‬
‫ج - إن القول بوجوب محل األلفاظ الواردة يف النصوص الشرعية على ما كانت تُطلق عليه يف‬
‫زمان ورود النص، معناه أن اللّفظ العام إذا ورد يف نصوص الشريعة؛ فإنه جيب أن خيصص بالعرف‬
             ‫َّ‬                                                                  ‫ّ‬
‫العملي السائد يف عصر التشريع. ولكن هذا خمالف ملا هو مقرر يف علم أصول الفقه، من أن العرف‬
                                      ‫ّ‬
                                 ‫ُ َّ‬           ‫ِّ‬          ‫َ ُّ‬
‫العملي السائد حني ورود النص، ال يُعد من املخصصات اليت خيصص هبا النص العام، يقول اإلمام‬
                                                                     ‫ّ‬
‫الغزايل رمحه اهلل يف املستصفى:" ألن احلجة يف لفظه[أي لفظ ع] وهو عام، وألفاظه غري مبنيَّة‬
                                ‫الشار‬                     ‫ّ‬
‫على عادة الناس يف معامالهتم ... وباجلملة، فعادة الناس تؤثِّر يف تعريف مرادهم من ألفاظهم، حىت‬
‫إن اجلالس على املائدة يطلب املاءَ، يُفهم منه العذب البارد، لكن ال تؤثِّر يف تغيري خطاب ع‬
 ‫الشار‬
‫إياهم"1. فقوله تعاىل:{يف كِتَاب م ْنُون ال ََسهُ إِال الْمطَهرون} ]سورة الواقعة81:-01[، اخلرب فيه‬
                                      ‫ٍ َّك ٍ َّ مي ُّ َّ ُ َّ ُ َ‬         ‫ِ‬
‫مبعىن النهي، وهو هني عام، يشمل كل ما يكون قرآناً مكتوباً، وقد كانت الكتابة يف عرف العرب‬
                                                              ‫ّ‬
‫وعادهتم - عند نزول هذا النص وإىل األمس القريب - الكتابةَ املعروفة، وهي الكتابة بالقلم وحنوه،‬
                                                                     ‫ّ‬
                                ‫فهذه العادة ال ختصص عموم النهي عن مس كل ما هو قرآن مكتوب.‬
                                                      ‫ِّ ِّ‬                     ‫ِّ‬
‫وإذ قد ظهر اليوم نوع آخر من الكتابة، وهو هذه الكتابة اليت تكون يف األجهزة اإللكرتونية، فإهنا‬
‫تكون داخلة يف داللة العموم الواردة يف النص، ومن مثّ فال جيوز لنا أن حنصر الكتابة بنوع معني، حبجة‬
   ‫ّ‬      ‫ّ‬                                              ‫ّ‬
‫أن العرف فيما مضى، أو إىل األمس القريب، أو إىل اليوم، قد جرى بذلك النوع فقط، بل إن أي‬
‫َّ‬
‫نوع آخر من الكتابة، إذا ظهر اليوم أو يف املستقبل، وقبِلَه العرف، وأفاد ما تفيده الكتابة املعروفة‬‫ٍ‬
                                                    ‫املألوفة، فإنه ينبغي أن يُعطى حكم الكتابة بالقلم.‬
‫على أن حتكيم العرف يف هذه املسألة، حيتِّم علينا أن نعد هذا النوع اجلديد من الكتابة كتابة‬
                                     ‫ّ‬
‫حقيقية، ذلك أن هذا اللّون من الكتابة قد تفشى اليوم، فصارت املعامالت الكثرية تتم بواسطتها،‬
              ‫ّ‬                                      ‫ّ‬


                                      ‫1 املستصفى: الغزايل 1/777- 177، وينظر ح العضد على خمتصر املنتهى: العضد اإلجيي 1/157‬
                                                                                   ‫شر‬


 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                               ‫41‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                            ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

 ‫واألرشفة أو (احلفظ) و التوثيقات كذلك، بل لقد ظهرت املدن اإللكرتونية، اليت استغنت عن الكتابة‬
 ‫بالقلم يف معامالهتا الرمسية، و استعاضت عن ذلك بالكتابة املوجودة يف هذه األجهزة، فغد ا هذا‬
                                                                                       ‫َّ‬
‫النوع من الكتابة معروفاً وشائعاً، بل حل يف كثري من األوساط حمل الكتابة باحلرب على الورق، ومن مثّ‬
                                        ‫ّ‬                          ‫َّ‬
 ‫فال وجه لعدم اعتبارها كتابة حبجة أهنا ال تُسمى كتابة عرفاً؛ ألن العرف العاملي اليوم يقبله. وإذا مل‬
                                                           ‫ّ‬
 ‫يكن ما جيري من االعتماد العاملي هلذا اللَّون من الكتابة قبوالً عرفياً صرحياً هلا، فكيف إذن يكون قبول‬
 ‫العرف لشيء ما؟!. ولذا فإين ال أرى معىن للتفريق بني الكتابة اليت تتم بواسطة هذه األجهزة و الكتابة‬‫ٍ‬
                                    ‫ّ‬
 ‫بالقلم العادي، ملا أن احلاصل من كليهما شيء واحد، من حيث الغرض املقصود منه. والكتابة ال‬
 ‫ِّقة يف الكتابة‬   ‫تطلب لذاهتا، ولكنها وسيلة إىل غاية، والغاية هي ما حيصل منها، وهي متحق‬
                                                         ‫اإللكرتونية، ُّقها يف الكتابة باحلرب على الورق.‬
                                                                                            ‫كتحق‬
 ‫د - وميكن أن نقول هنا كلمة أخرى، هي: أن مفهوم الكتابة ليس مفهوماً شرعياً تعبُّدياً، حىت‬
 ‫نقول إن الكتابة حىت تُقبل؛ ال بد من ورود ما يعتربها من ع .. كما أهنا ليست من قبيل‬
                                     ‫الشار‬                              ‫ّ‬
 ‫الرخص، حىت نقف عند حدود ما أقره ع نصاً، دون أن نقيس عليه شيئاً آخر، حبجة أن القياس‬
                ‫ّ‬                                        ‫ّ الشر ّ‬                                         ‫ُّ َ‬
 ‫ال جيري يف الرخص، ولكن للكتابة معىن يف اللّغة مل خيالفه ع. وحنن نظرنا فوجدنا أن معىن‬
                                      ‫الشر‬                      ‫ً‬                ‫َّ‬           ‫ُّ‬
 ‫الكتابة يف أصل اللّغة هو اجلمع، ففي اللّسان: " تكتّبوا جتمعوا، مسيت الكتِيبَةُ ألَهنا تَكتَّبَت‬
  ‫َ ْ‬                    ‫َ‬             ‫ّ‬
                                                                             ‫ِ‬
                                       ‫فاجتَمعت، ومنه: قيل كتَْبت الكتاب، ألَنه جيمع حرفاً إِىل حرف1".‬
                                                      ‫َْ َ َ ْ‬          ‫َ‬          ‫َ ُ‬               ‫ْ ََ ْ‬
 ‫كذلك الكتابة يف األجهزة االلكرتونية، هي عبارة عن حروف جمتمعة، فصدق عليها أهنا كتابة؛‬                   ‫و‬
 ‫ألن املعىن اللُّغوي املشروط ِّق يف الكتابة اليت تتم بواسطة هذه األجهزة .. بل إنّه إذا ما متَّ أمر‬
                                                  ‫ُّ‬                        ‫متحق‬
 ‫اجلهاز بطباعة هذه الكتابة الظاهرة على شاشة اجلهاز، فسينسخها على الورق كتابةً ماديّة حقيقية،‬
                                                                          ‫وعليه؛ فال معىن لعدم اعتباره كتابة.‬
                                                                               ‫اإلجابة عن السؤال الثاين:‬
 ‫بقي أن جنيب على السؤال الثاين، وهو هل يشرتط العتبار الكتابة كوهنا ثابتة ال تزول، أو أن‬
                                                                      ‫ثبات الكتابة وزواهلا ال أثر له يف ذلك؟.‬
 ‫فنقول يف اجلواب على استدالل الذين يشرتطون هلا أن تكون ثابتة: إنه ال يُشرتط لصدق اسم‬
 ‫الكتابة ثبات املكتوب، بل يشرتط له ُّق ماهية الكتابة، وهي احلروف اليت جتتمع فتشكل ألفاظاً،‬
             ‫ّ‬                                                    ‫حتق‬

                                                                                                                             ‫1‬
                                                           ‫لسان العرب: حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املصري، مادة (كتب) .‬


 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                   ‫51‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
       ‫ّ‬                                                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫ويتألّف منها مجل وتراكيب .. وهذا ِّق يف الكتابة اإللكرتونية. كل ما هنالك، هو أن هذه‬
                              ‫و‬                          ‫متحق‬
‫الكتابة تبقى املدة اليت يشاء هلا من طلبها أن تبقى، مثّ إذا أُريد عرض غريها اختفت هذه، ليظهر‬
                               ‫ْ ُ‬                                                 ‫ّ‬
‫غريها يف حملِّها. وال أرى ضرياً يف هذا؛ ذلك أن هذه الكتابة أشبه ما تكون بالكتابة يف اللّوح من أجل‬
‫الدراسة والتعلُّم، فإنه يكتب فيه بعض اآليات، مثّ بعد قليل متحى هذه اآليات، ليُكتب يف حملِّها آيات‬
‫أُخرى، و يبقى للّوح صفة القرآنية وال تزول عنه باتّفاق، ما دام هناك آيات قرآني ٌ مكتوبةٌ فيه، وال‬
                  ‫ٌ ة‬
     ‫يضر تعاقب اآليات، وحلول بعضها حمل بعض، مهما كان هذا التعاقب أو التغري والتبديل سريعاً.‬
                        ‫ّ‬                                    ‫ّ‬                                   ‫ّ‬
                                                                             ‫1‬
‫وميكن أن يُنقض اشرتاطهم شرط الدوام العتبار الكتابة، بأنه لو كان هناك ٌ فريد، من‬
            ‫حرب‬
‫خاصته أنه بعد أن يُكتَب به - بدقيقة أو دقيقتني- يطري يف اهلواء ويتبخر، مث كتب به آيات من‬
                   ‫ُ‬        ‫ّ‬                                                                  ‫ّ‬
‫كتاب اهلل تعاىل، فهل هناك من جييز مس هذه اآليات، ويزعم أن هذه الكتابة ليست كتابة حقيقية‬
                                                          ‫َّ‬      ‫َ ُ‬
        ‫وال معتربة؛ لفقداهنا شرط الثبات والدوام، وأن من اخلطأ، أو التجوز يف العبارة تسميتها كتابة؟!.‬
                                      ‫ُّ‬                        ‫ّ‬
‫هذا ما نقرره بالنسبة للكتابة اليت تظهر يف شاشات هذه األجهزة حالة التشغيل؛ فإهنا كتابة‬‫ِّ‬
                                                                                            ‫حقيقية.‬
     ‫هذا الذي ظهر يل من أمر الكتابة اليت تظهر من خالل األجهزة االلكرتونية، واهلل تعاىل أعلم.‬
‫وبناء على هذا، وإذا صح هذا التشبيه وهذا القياس والتخريج، فما حكم مس ومحل هذه‬
              ‫ّ‬                                                      ‫ّ‬
                                      ‫األجهزة، حال كون اآليات القرآنية ظاهرة على شاشاهتا ؟.‬
‫أرى أنه ينبغي هنا التفريق بني منطني من األجهزة؛ حىت ولو قدرنا عدم االختالف بينها يف‬
                           ‫ّ‬
‫النتيجة، أو احلكم الشرعي يف بعض األحيان. فإن من هذه األجهزة نوعاً خاصاً، أنشئ لغرض خدمة‬
                     ‫ّ‬
‫القرآن الكرمي فحسب، ويسمى هذا النوع من األجهزة (جهاز القرآن، أو املصحف اإللكرتوين)، وال‬
                                                                 ‫ّ‬
                                                                      ‫يقوم بأية وظيفة أخرى.‬
‫ُّ‬
‫أما معظم األجهزة األخرى، فهي إىل جانب كوهنا تؤدي نفس وظيفة جهاز القرآن، فإن تلك تُعد‬
                                       ‫ّ‬                                              ‫ّ‬
‫واحدة من عمليات كثرية تقوم هبا، وليس الغرض األول من تلك األجهزة، والوظيفة األساسية منها‬
                                              ‫ُ‬
‫قراءة القرآن. بل إن هذه رمبا تعد مهمة ثانوية، إىل جانب وظائفها األخرى الكثرية واألساسية، كما‬
                                                        ‫ّ ّ ّ‬                           ‫َ‬
‫هو احلال يف اجلهاز اهلاتفي احملمول، وجهاز الكمبيوتر ،سواءٌ البييت منه أو الشخصي .. وال شك أن‬
     ‫ّ‬                          ‫ّ‬


                                       ‫ر‬         ‫ِ‬                                         ‫ِ‬
‫1 النقض – كما يعرفه علماء األصول:"أن يوجد الوصف الذي يُ َّعى أنه علَّة يف حمَل ما، مع عدم احلكم فيه، وختلُّفه عن ه" ش ح العض د عل ى خمتص ر املنته ى األص ويل:‬
                                                                                                   ‫د‬                                        ‫ِّ‬
                                                                               ‫ٍّ‬
                                                                                                                                         ‫العضد اإلجيي 1/871‬


  ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                                                                 ‫61‬
‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬
      ‫ّ‬                                                      ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬

‫هلذا أثراً يف اختالف احلكم بني هذه األجهزة - وإن كان ذلك يف بعض احلاالت، ال يف كلّها - وحنن‬
                  ‫سنبني فيما يلي احلكم الشرعي هلذين النوعني من األجهزة، على اختالف األحوال.‬‫ّ‬
             ‫وسنبدأ أوالً ببيان حكم محل هذه األجهزة، مثّ نثين ببيان حكم مسها، ألمرين اثنني.‬
                              ‫ِّ‬            ‫ِّ‬                                    ‫ّ‬
‫أولهما: أن اهلواتف احملمولة هي أكثر ما ح السؤال عن حكم القرآن املخزن فيها، وهي يف أعم‬
‫ِّ‬                ‫َّ‬                          ‫يطر‬                                  ‫ّ‬
‫احلاالت وأغلبها حتمل، والسؤال عن مسها يأيت يف َّرجة الثانية، فلذا كان البحث عن حكم محلها‬
                                         ‫الد‬          ‫ِّ‬               ‫ُ‬
                                                     ‫أشد إحلاحاً من البحث عن حكم مسها.‬
                                                         ‫ِّ‬                           ‫َّ‬
‫ثانيهما: أن املذاهب قد اختلفت يف حكم محل املصحف، ومل ختتلف يف حكم مسه، ولذلك‬
           ‫ِّ‬
               ‫اخرتنا البداءة مبحل اخلالف، وأرجأنا احلديث عن حمل االتِّفاق؛ ألن اخلطب فيه أيسر.‬
                                               ‫ِّ‬                                 ‫ِّ‬
                                                                      ‫ُ ِ‬
   ‫املسألة األوىل- حكم محل األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن(التخريج الفقهي للمسألة):‬
                                           ‫َّ‬
‫األجهزة اليت خيزن فيها القرآن كثرية، منها اهلاتف احملمول، والكمبيوتر البييت، والكمبيوتر‬
                                                                              ‫ّ‬
‫الشخصي، وغريها. وهذه األجهزة هلا وظائف عديدة، وتقوم مبهام كثرية، من مجلتها ختزين القرآن‬
                                ‫ّ‬                                                                   ‫ّ‬
                                                                        ‫الكرمي، وعرض آياته للقراءة.‬
‫ويف حال كون القرآن خمزناً فيها، غري معروض على شاشاهتا، ال تُعطى حكم القرآن، للسبب‬
                                                                      ‫ّ‬
                                                                                     ‫الذي ذكرناه آنفاً.‬
‫أما يف حال عرض آيات القرآن الكرمي من خالل شاشة اجلهاز، فإن األمر يغدو مشكالً؛ ألن‬                 ‫ّ‬
‫اجلهاز يف هذه احلالة يؤدي ما تؤديه النسخة من القرآن الكرمي. ولكن هناك فرقاً بني القرآن املكتوب‬
                              ‫ّ‬                                   ‫ّ‬
‫بني دفّتني، أو على لوح أو ورقة، وبني املعروض يف هذه األجهزة. فما كتب عليه القرآن يف الفئة‬
‫األوىل؛ له صفة القرآنية فقط، وليس له أيّ صفة أخرى تُذكر، أما هذه األجهزة؛ ففي اللّحظة اليت‬
‫يعرض من خالهلا القرآن الكرمي، فإن صفتها األصلية تبقى مالزمةً هلا .. ومعلوم أهنا مل تنشأ يف األصل‬
‫لغرض قراءة القرآن، وإمنا أُنشئت ألغراض أخرى .. فاهلاتف احملمول وظيفتُه األساسية هي أنه جهاز‬
‫اتّصال، والكمبيوتر وظائفه كثرية معروفة. وسائر األجهزة األخرى كذلك. بل حىت يف الوقت الذي يتم‬
‫ّ‬
‫فيه عرض اآليات القرآنية؛ يبقى االسم األصلي للجهاز والصفة األساسية له هي الغالبة. إذ إن‬
‫اإلنسان إذا رئي وهو يقرأ القرآن من شاشة اهلاتف احملمول، حال كونه حامالً له يف يده، فال أحد‬‫ُ‬
‫يقول إنه حيمل القرآن - ال الذي يراه وال هو نفسه - وإمنا يقال: هو حيمل اهلاتف احملمول، ويقرأ منه‬
‫القرآن. وهذا له أثر يف ختريج حكم هذه املسألة، فلو أنه كان يقال له يف هذه احلالة إنه حيمل القرآن؛‬


 ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬                                                                      ‫71‬
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh
7km mas al_ajhezeh

More Related Content

Viewers also liked

Javascript2
Javascript2Javascript2
Javascript2mozks
 
Abc jaka pompe ciepla wybrac
Abc jaka pompe ciepla wybracAbc jaka pompe ciepla wybrac
Abc jaka pompe ciepla wybracabc-kotly
 
Type 2 Diabetes Mellitus
Type 2 Diabetes MellitusType 2 Diabetes Mellitus
Type 2 Diabetes Mellitus
Dr Joozer Rangwala
 
Papi 2008 buku 2
Papi   2008 buku 2Papi   2008 buku 2
Papi 2008 buku 2
citra Joni
 
Abc jak dziala instalacja z pompa ciepla
Abc jak dziala instalacja z pompa cieplaAbc jak dziala instalacja z pompa ciepla
Abc jak dziala instalacja z pompa cieplaabc-kotly
 
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjny
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjnyAbc kociol jedno czy dwufunkcyjny
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjnyabc-kotly
 
Javascript4
Javascript4Javascript4
Javascript4mozks
 
Life history of frog
Life history of frogLife history of frog
Life history of frog
bhargavnarayana
 
Presentacion 0000001
Presentacion 0000001Presentacion 0000001
Presentacion 0000001
Ana Margaret Jorge Mendez
 
Javascript1
Javascript1Javascript1
Javascript1
mozks
 
Javascript3
Javascript3Javascript3
Javascript3
mozks
 
Barriers to insulin therapy
Barriers to insulin therapyBarriers to insulin therapy
Barriers to insulin therapy
Dr Joozer Rangwala
 
Презентація бюро перекладів Glebov
Презентація бюро перекладів GlebovПрезентація бюро перекладів Glebov
Презентація бюро перекладів Glebov
Ekaterina Glebova
 
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnego
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnegoAbc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnego
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnegoabc-kotly
 
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic DiabetesFCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
Dr Joozer Rangwala
 
La tecnologia esperanzadora
La tecnologia esperanzadoraLa tecnologia esperanzadora
La tecnologia esperanzadora
María Isabel Sanchez
 
Перевод видеофайлов
Перевод видеофайловПеревод видеофайлов
Перевод видеофайлов
Ekaterina Glebova
 
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentinaProtección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
María Isabel Sanchez
 

Viewers also liked (20)

Javascript2
Javascript2Javascript2
Javascript2
 
Abc jaka pompe ciepla wybrac
Abc jaka pompe ciepla wybracAbc jaka pompe ciepla wybrac
Abc jaka pompe ciepla wybrac
 
Type 2 Diabetes Mellitus
Type 2 Diabetes MellitusType 2 Diabetes Mellitus
Type 2 Diabetes Mellitus
 
Papi 2008 buku 2
Papi   2008 buku 2Papi   2008 buku 2
Papi 2008 buku 2
 
Abc jak dziala instalacja z pompa ciepla
Abc jak dziala instalacja z pompa cieplaAbc jak dziala instalacja z pompa ciepla
Abc jak dziala instalacja z pompa ciepla
 
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjny
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjnyAbc kociol jedno czy dwufunkcyjny
Abc kociol jedno czy dwufunkcyjny
 
Javascript4
Javascript4Javascript4
Javascript4
 
Life history of frog
Life history of frogLife history of frog
Life history of frog
 
Presentacion 0000001
Presentacion 0000001Presentacion 0000001
Presentacion 0000001
 
Javascript1
Javascript1Javascript1
Javascript1
 
Javascript3
Javascript3Javascript3
Javascript3
 
Barriers to insulin therapy
Barriers to insulin therapyBarriers to insulin therapy
Barriers to insulin therapy
 
Презентація бюро перекладів Glebov
Презентація бюро перекладів GlebovПрезентація бюро перекладів Glebov
Презентація бюро перекладів Glebov
 
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnego
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnegoAbc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnego
Abc jakie grzejniki dla kotla kondensacyjnego
 
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic DiabetesFCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
FCPD: Fibro Calculus Pancreatic Diabetes
 
Compu
CompuCompu
Compu
 
Myfive
MyfiveMyfive
Myfive
 
La tecnologia esperanzadora
La tecnologia esperanzadoraLa tecnologia esperanzadora
La tecnologia esperanzadora
 
Перевод видеофайлов
Перевод видеофайловПеревод видеофайлов
Перевод видеофайлов
 
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentinaProtección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
Protección de las mujeres contra la violencia de genero en la argentina
 

Similar to 7km mas al_ajhezeh

بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2Sun Rise
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4 بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4 Sun Rise
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3 بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3 Sun Rise
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1Sun Rise
 
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
Dr. Khaled Bakro
 
الطريق الى الحقيقة
الطريق الى الحقيقةالطريق الى الحقيقة
الطريق الى الحقيقة
Ammar Alruz
 
مبادىء علم التجويد
مبادىء علم التجويدمبادىء علم التجويد
مبادىء علم التجويدHeba Ahmed
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
basheer777
 
العلم الشرعي
العلم الشرعيالعلم الشرعي
العلم الشرعي
Mohammad Shamsul Hoque Siddique
 
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمتدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمkhayr_albarya
 
تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم  تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم Ammar Alruz
 
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafahمفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
Indra Lupiana
 
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكروخوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
Dr. Khaled Bakro
 
حديت الوائدة والموؤدة في النار
حديت الوائدة والموؤدة في النارحديت الوائدة والموؤدة في النار
حديت الوائدة والموؤدة في النار
خالد علوان
 
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآنكتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
Alex Best
 
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
Samer Banihani
 
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات -- د. خالد بكرو Mathematics in the ...
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات --  د. خالد بكرو        Mathematics in the ...رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات --  د. خالد بكرو        Mathematics in the ...
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات -- د. خالد بكرو Mathematics in the ...
Dr. Khaled Bakro
 
عرض مبسط لعلم أصول الفقه
عرض مبسط لعلم أصول الفقهعرض مبسط لعلم أصول الفقه
عرض مبسط لعلم أصول الفقه
Emad Hamed
 

Similar to 7km mas al_ajhezeh (20)

بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 2
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4 بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 4
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3 بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 3
 
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1
بحوث المؤتمر العالمي العاشر للاعجاز العلمي في القرآن والسنة ج 1
 
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
The Mathani in the Qur'an Refers to Binary Computer Code, Zeros and Ones- Dr....
 
الطريق الى الحقيقة
الطريق الى الحقيقةالطريق الى الحقيقة
الطريق الى الحقيقة
 
مبادىء علم التجويد
مبادىء علم التجويدمبادىء علم التجويد
مبادىء علم التجويد
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
 
العلم الشرعي
العلم الشرعيالعلم الشرعي
العلم الشرعي
 
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريمتدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
تدبر الجنان في معرفة اعجاز القرآن الكريم
 
تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم  تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم
 
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafahمفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
مفهوم المخالفة - Mafhumul Mukholafah
 
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكروخوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
خوارزية إيجاد الشفرة المثاني لآيات القرآن الكريم، د. خالد بكرو
 
حديت الوائدة والموؤدة في النار
حديت الوائدة والموؤدة في النارحديت الوائدة والموؤدة في النار
حديت الوائدة والموؤدة في النار
 
التفكر الايماني
 التفكر الايماني التفكر الايماني
التفكر الايماني
 
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآنكتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
 
BAB 1.pptx
BAB 1.pptxBAB 1.pptx
BAB 1.pptx
 
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
الفوائد الأربعين مع بيان الصواب في الأخطاء الموجودة في الكتب المدرسية "المنها...
 
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات -- د. خالد بكرو Mathematics in the ...
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات --  د. خالد بكرو        Mathematics in the ...رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات --  د. خالد بكرو        Mathematics in the ...
رياضيات القرآن الكريم ، المصفوفات -- د. خالد بكرو Mathematics in the ...
 
عرض مبسط لعلم أصول الفقه
عرض مبسط لعلم أصول الفقهعرض مبسط لعلم أصول الفقه
عرض مبسط لعلم أصول الفقه
 

Recently uploaded

تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdfتطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
joreyaa
 
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdfأهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
elmadrasah8
 
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARIPPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
RadaIsdasari
 
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdfمدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
AhmedLansary1
 
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptxاستراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
rabieazaz8
 
عرض حول كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
عرض حول  كيفية منهجية التراسل الاداري.pptxعرض حول  كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
عرض حول كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
miloudaitblal001
 

Recently uploaded (6)

تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdfتطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
تطبيقات الواقع المعزز في التعليم والتعلم.pdf
 
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdfأهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
أهمية تعليم البرمجة للأطفال في العصر الرقمي.pdf
 
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARIPPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
PPT SEMINAR HASIL PRODI BAHASA DAN SASTRA ARAB RADA ISDA SARI
 
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdfمدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
مدخل الى مجال المقاربات البيداغوجية .pdf
 
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptxاستراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
استراتيجية شبة المحسوس والمحسوس والمجرد.pptx
 
عرض حول كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
عرض حول  كيفية منهجية التراسل الاداري.pptxعرض حول  كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
عرض حول كيفية منهجية التراسل الاداري.pptx
 

7km mas al_ajhezeh

  • 1. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫حكم مسِّ األجهزة اإللكرتونية اليت يُخزَّن فيها القرآن الكريم، ومحلِها‬ ‫(دراسة فقهية مقارنة)‬ ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مقدمة:‬ ‫احلمد هلل رب العاملني، وأفضل الصالة وأمت التسليم على خري خلقه سيدنا حممد وعلى آله‬ ‫وصحبه أمجعني.‬ ‫شهد العامل يف مئة السنة األخرية تقدماً مذهالً يف جمال العلوم والتقنية، واستطاع اإلنسان أن‬ ‫ّ‬ ‫يكتشف الكثري من أساليب االستفادة ممّا ادخر اهلل تعاىل يف هذا الكون من القوى والطاقات‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫واإلمكانات، ومشل هذا التطور شىت جماالت احلياة ومرافقها. فقد استطاع اإلنسان مبا فتح اهلل تعاىل‬ ‫ّ‬ ‫عليه، من هذه الثورة العلمية والتقنية، أن ع اآلالت واألجهزة املختلفة اليت يسرت له العسري،‬ ‫ّ‬ ‫خيرت‬ ‫وقربت له البعيد، وأغنته عن محل األمحال واألثقال.‬ ‫ّ‬ ‫كان من أبرز ما توصل اإلنسان إىل الكشف عنه عاملُ اإللكرتون، حيث دخل فيه بقوة، وتعرف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫على سبل االستفادة منه، فكان ذلك ثورة جديدة يف جمال العلوم املادية واالتصاالت، فقد متكن‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان من اخرتاع جهاز املعلومات، احلاسوب أو ما يُسمى الكمبيوتر. كما استفاد من تقنية التعامل‬ ‫ّ‬ ‫مع اإللكرتون؛ فتمكن من استخدامه بشكل مذهل يف جمال االتصاالت؛ فابتكر اهلاتف احملمول،‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الذي ميكن حامله من أن يبقى على اتِّصال مع العامل دائماً، يف حلّه و ترحاله، بل لقد متّ تطوير هذا‬ ‫اجلهاز وأُدخل فيه من التقنيات ما حوله إىل حاسب أو كمبيوتر صغري، فكان جهازاً خفيف املؤونة‬ ‫َ َّ‬ ‫عظيم النفع، خيزن فيه صاحبه ما يشاء من املعلومات والكتب، فصار اإلنسان قادراً على محل مكتبة‬ ‫ّ‬ ‫عظيمة معه أّن سار وحيث حل.‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ولقد كان من مجلة ما متّ ختزينه يف هذا اجلهاز، كتب كثرية وموسوعات ضخمة حتوي اآلالف‬ ‫املؤلفة من الكتب املتخصصة يف علوم الشريعة، كان على رأس ذلك كتاب اهلل جل وعال؛ يقرأه‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫حامله حيث كان، و يستذكر اآلية اليت يريدها يف الوقت الذي يشاء، فأغىن ذلك القارئ واحلافظ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واخلطيب عن تكلُّف محل النسخ املطبوعة من املصحف الشريف، وما يتطلّبه ذلك من الطهارة التامة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ ٌ على الناس.‬‫والوضوء، كان يف ذلك خري كثري، وتيسري كبري‬ ‫و‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫1‬
  • 2. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫وملا كانت االستفادة من هذه األجهزة-بالرجوع إىل ما متَّ ختزينه فيها من القرآن الكرمي- باستدعاء‬ ‫ّ‬ ‫اآليات من مواضع ختزينها، وعرضها على شاشة اجلهاز بكتابة عربية مبينة، وقد تكون بالرسم‬ ‫العثماين؛ فقد كان من الطبيعي أن يثور التساؤل حول هذه الكتابة الظاهرة على شاشة اجلهاز، وعن‬ ‫حكم القرآن املخزن يف حجريات الذاكرة ضمنه، وهل تُعطى هذه األجهزة حكم املصاحف املوجودة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بني أيدينا، فيُشرتط جلواز مسها ومحلها توفّر الطهارة الكاملة، والوضوء، أم أهنا ال تُعطى حكم‬ ‫ِّ‬ ‫املصحف؛ ومن مثّ فيجوز أن حيمله غري املتوضئ، واجلنب واحلائض أيضاً؟.‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫كان لزاماً على علماء الشريعة وفقهائها أن يبادروا إىل دراسة هذه املسألة، وخترجيها على نصوص‬ ‫و‬ ‫ع وقواعد الفقه، وأن يُصدروا يف ذلك الفتاوى، أداءً لواجب البيان، الذي أناطه اهلل تعاىل بأعناقهم‬ ‫الشر‬ ‫يف مثل قوله:‬ ‫{وِذ أَخذ الّ ُ م َاق اَّذين أُوتُواْ الْكَاب ََُ ِّ ُن ُ لِلَّاس و َ َكُمونَ ُ} ]سورة آل عمران: 187[‬ ‫ِت َ لتب ي ن َّه ن ِ َال ت ْت ُ ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ إ َ َ َ له يث َ ل َ‬ ‫ولقد حبثت عما قاله العلماء يف هذه املسألة -وهي حكم مس األجهزة اإللكرتونية اليت متّ ختزين‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫القرآن الكرمي فيها- وعما كتبوا يف ذلك من أحباث علمية، فلم أقف على دراسة مفصلة ومؤصلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتناوهلا بالبحث العلمي الدقيق، ومل أعثر إالّ على فتاوى لبعض الفضالء، منشورة على الشبكة العاملية‬ ‫ّ‬ ‫(االنرتنت)، سأذكرها أثناء البحث.‬ ‫فلذا عقدت العزم على دراسة هذه املسألة، ألخلص من خالل البحث املستفيض إىل احلكم الذي‬ ‫تشهد له األدلّة، فكانت مثرة حماوليت هذا البحث الذي بني أيدينا.‬ ‫َ‬ ‫وقد حاولت من خالله دراسة املسألة من جوانبها املختلفة، منطلقاً من بيان طبيعة الربجمة‬ ‫اإللكرتونية اليت يتم إدخال املعلومات املختلفة -من القرآن الكرمي وغريه– يف هذه األجهزة بواسطتها.‬ ‫ّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫مث بيان حقيقة ما يظهر من الكتابة يف هذه األجهزة، هل هي يف حكم الكتابة احلقيقية، أم أهنا ال تُعد‬ ‫كتابة. مث أعقبت ذلك ببيان األحكام الشرعية لكل جزئية من جزئيات هذه املسألة، مستهدياً‬ ‫باجتهادات أئمة العلم السابقني، وخمرجاً على أصول وقواعد املذاهب األربعة. واهلل تعاىل هو املسؤول‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫أن يوفّقنا للصواب وأن يهدينا سبيل الرشاد.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد انطلقت يف البحث ممّا اتّفق عليه مجاهري العلماء ،من املذاهب األربعة وغريهم، من عدم‬ ‫جواز مس املصحف إالّ على وضوء وطهارة كاملة1، وجتاوزت قول داود الظاهري الذي يرى جواز‬ ‫ّ‬ ‫1 املبسوط للسرخسي3/157، البحر الرائق: ابن جنيم 7/771 ، بداية اجملتهد: ابن رشد 7/33، اجملموع: اإلمام النووي 1/18 ، كشاف القناع: البهويت 7/137،‬ ‫ح منتهى اإلرادات: البهويت 7/11‬‫شر‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫2‬
  • 3. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫مس املصحف ومحله بغري وضوء، حيث فسر قوله تعاىل: "ال ميسه إالّ املطهرون" بأن املقصود به اللّوح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫1‬ ‫احملفوظ . وهو رأي مرجوح وضعيف؛ ذلك أن القرآن اسم مشرتك، فهو يطلق على ما هو مثبت يف‬ ‫اللّوح احملفوظ، كما يطلق على ما هو موجود ومكتوب يف املصاحف اليت بني أيدينا. ووجب - بناءً‬ ‫على قواعد أصول الفقه- أن يصرف اللّفظ إىل أقرب املذكورين إىل القرآن. وملا ذكرت اآلية اليت تلي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هذه اآلية عن هذا القرآن أنه "تنزيل من رب العاملني" فوصفته بأنه قرآن منزل؛ علم أنه ليس املراد به‬ ‫ّ‬ ‫هنا ما يف اللّوح احملفوظ؛ ألن الذي يف اللّوح ليس منزالً إلينا، ولكن املنزل إمنا هو هذا الذي بني‬ ‫ُِ‬ ‫أيدينا، فصرف النهي عن املس إليه2.قال اإلمام النووي رمحه اهلل يف اجملموع: " قوله تعاىل : (تنزيل) ،‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ظاهر يف إرادة املصحف؛ فال حيمل على غريه إال بدليل صحيح صريح3".‬ ‫مثّ إن السنّة املطهرة قد وردت باملنع من مس القرآن على غري طهارة، وذلك فيما روي عن ابن‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫4‬ ‫عمر رضي اهلل عنهما أخرجه الدار قطين يف سننه، والطرباين و البيهقي ، وعن حكيم بن حزام، أخرجه‬ ‫مالك يف املوطّأ و احلاكم والطرباين و الدار قطين5، وذكر ابن حجر أنه روي عن طريق ثوبان رفعه، يف‬ ‫قوله عليه الصالة والسالم:" ال ميس القرآن إال طاهر6". قال اهليثمي يف جممع الزوائد عن حديث ابن‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫7‬ ‫عمر :" رواه الطرباين يف الكبري والصغري ورجاله موثقون "، وقال ابن عبد الرب يف التمهيد :"كتاب النيب‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم لعمرو بن حزم إىل أهل اليمن يف السنن والفرائض والديات كتاب مشهور عند‬ ‫أهل العلم معروف، يستغين بشهرته عن اإلسناد8". وهو قول علي وسعد بن أيب وقاص وابن عمر‬ ‫رضي اهلل عنهم، ومل يعرف هلم خمالف يف الصحابة، وهو كذلك قول طاوس واحلسن والشعيب والقاسم‬ ‫بن حممد وعطاء وإسحاق بن راهويه 9.‬ ‫هذا، وقد جاءت هذه الدراسة يف مبحثني اثنني:‬ ‫ِّ‬ ‫1 احمللّى: ابن حزم 7/18- 38‬ ‫2 احلاوي الكبري:املاوردي 7/ 117‬ ‫3 اجملموع: النووي 1 /30.‬ ‫4 سنن الدارقطين: 7/717، املعجم الصغري: الطرباين 1 /111 ، السنن الكربى : البيهقي 7 / 88‬ ‫5 موطأ اإلمام مالك 7 /007، املستدرك على الصحيحني: احلاكم النيسابوري 7 /355، سنن الدارقطين 7/ 17، السنن الكربى: البيهقي 7/033‬ ‫6 الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية: ابن حجر العسقالين 7/18‬ ‫7 جممع الزوائد: اهليثمي 7/ 211‬ ‫8 التمهيد ملا يف املوطّأ من املعاين و األسانيد: ابن عبد الرب 17/203‬ ‫9 التمهيد 17/203 اجملموع 1/30‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫3‬
  • 4. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫املبحث األول: بيان طبيعة ختزين القرآن يف األجهزة اإللكرتونية.‬ ‫املبحث الثاني: بيان حكم مس هذه األجهزة ومحلِها.‬ ‫ِّ‬ ‫ع اآلن يف دراسة القسم األول من البحث.‬‫فلنشر‬ ‫املبحث األول: بيان طبيعة ختزين القرآن يف األجهزة اإللكرتونية.‬ ‫تمهيد: اشرتط العلماء لإلفتاء يف املسائل اليت تَعرض، شرطني اثنني، مها: العلم بالواقعة حمل‬ ‫ِّ‬ ‫الفتوى، والعلم بأحكام الشريعة. يقول ابن قيِّم اجلوزية نقالً عن ابن عقيل احلنبلي رمحهما اهلل: " فههنا‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫نوعان من الفقه البد للحاكم منهما:‬ ‫فقه يف أحكام احلوادث الكلية، وفقه يف نفس الواقع1 ". ومن القول املشهور عند أهل العلم، أن‬ ‫(احلكم على الشيء فر ٌ عن تصوره).‬ ‫ُّ‬ ‫ع‬ ‫ولذا فقد كان ال بد لنا من اإلحاطة حبقيقة وطبيعة حتزين القرآن الكرمي يف األجهزة اإللكرتونية‬ ‫ّ‬ ‫أوالً؛ حىت نكون دقيقني يف تنزيل احلكم الشرعي عليها. ومن أجل هذا، فقد كان ال بد لنا - قبل كل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شيء - من معرفة أمرين اثنني:‬ ‫أولهما: حقيقة ختزين املعلومات يف األجهزة اإللكرتونية.‬ ‫ثانيهما: طبيعة الكتابة اليت تظهر يف هذه األجهزة.‬ ‫وسأبني ذلك يف مطلبني اثنني.‬ ‫ّ‬ ‫المطلب األول: بيان حقيقة ختزين املعلومات يف األجهزة اإللكرتونية:‬ ‫ال فرق بني أن يكون ما جيري ختزينه يف هذه األجهزة هو القرآن الكرمي أو غريه؛ ألن حقيقة‬ ‫التخزين واحدة. على أن ملعرفة طبيعة التخزين وماهيّته، أمهيةً بالغةً حني يكون املخزن قرآناً؛ ألن له أثراً‬ ‫ّ‬ ‫كبرياً يف الكشف عن األحكام الشرعية اليت تتعلّق مبسألتنا.‬ ‫َّ‬ ‫ومن أجل حتصيل هذه املعرفة، ال بد من معرفة اآللية اليت يتم هبا ختزين املصحف.‬ ‫ّ‬ ‫وقد رجعنا - من أجل الوقوف على حقيقة هذا األمر - إىل أهل االختصاص، وهم العاملون يف‬ ‫حقل الربجمة االلكرتونية، و سألناهم عن ماهية الربجمة، فكان حصيلة ما أخذناه عنهم هو: أن إدخال‬ ‫أي معلومة إىل أي جهاز من هذه األجهزة، إمنا يتم عن طريق الربجمة اإللكرتونية، وهذه الربجمة تتم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫1 الطرق احلكمية: البن قيم اجلوزية7/5‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫4‬
  • 5. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫بواسطة ما يسمى ب (لغات الربجمة). اليت يعرفها أصحاب هذا الشأن، أي املتخصصون يف جمال علوم‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الكمبيوتر والربجمة اإللكرتونية خصوصاً.‬ ‫ولسنا معنيِّني هنا باإلحاطة بأنواع هذه الربجمة، ومعرفة دقائق و تفصيالت كل لغة منها، ولكن‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الذي يهمنا معرفته هنا، هو املقدار الذي ميكننا من معرفة احليثيات، اليت هلا أثر يف األحكام الفقهية‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫املتعلِّقة هبذه املسألة؛ ذلك أن احلديث عن احلكم الفقهي لواقعة ما، البد أن يسبقه معرفة دقيقة،‬ ‫َّ‬ ‫ودراية وافية بالواقعة حمل البحث والدراسة، كما ذكرنا قبل حلظات.‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والذي جيب أن نعلمه هنا هو، أن هناك خانات ضمن هذه األجهزة، تشكل مبجموعها ذاكرة‬ ‫اجلهاز. وحني نقوم بإدخال اآليات الكرمية إىل جهاز من هذه األجهزة؛ فإهنا تُرسل على شكل‬ ‫َ‬ ‫إشارات كهربائية أو ذبذبات إىل خانات الذاكرة لتستقر فيها.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتلقى اجلهاز هذه املعلومات املدخلة أول ما يَتلقاها على شكل إشارات ساذجة، ال يتميّز‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بعضها عن بعض، وال يتبني اإلنسان أي معىن هلا، ذلك ألهنا يف هذه املرحلة ال معىن هلا أصالً، إذ أن‬ ‫َّ‬ ‫هذه اإلشارات الكهربائية ال حتمل أي داللة مفهومة مطلقاً. وحىت اجلهاز ذاته ال يستطيع قراءهتا يف‬ ‫ّ‬ ‫هذه املرحلة. ألن هذه اإلشارات عبارة عن أشياء قابلة ألن تتحول إىل شيء مكتوب ومقروء، وليست‬ ‫َّ‬ ‫مقروءة فعالً يف تلك احلالة. و يتم هذا التحويل بعد أن يقوم اجلهاز بفك هذه الرموز، ومعرفة هذه‬ ‫ُّ‬ ‫اإلشارات وترمجتها، وذلك من خالل قيامه بعمليات دقيقة جداً، متر عربها املدخالت مبراحل معقدة،‬ ‫ّ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ّ ُّ‬ ‫حىت تصل يف آخر املطاف إىل أعلى طبقات اجلهاز- وهي اليت تظهر من خالل الشاشة- وقد زال‬ ‫ٍ‬ ‫عنها كل إهبام، ووصلت إىل أعلى درجات الوضوح واجلالء.‬ ‫ّ‬ ‫وهذه العمليات، وإن كان املستخدم للجهاز ال يشعر هبا، بسبب السرعة اخلارقة اليت تُنجز هبا؛‬ ‫إالّ أهنا حقيق ٌ واقع ٌ يعرفها أهل االختصاص. وهي يف احلقيقة حماكاة و تقليد للعمليات الفيزيائية‬ ‫ة ة‬ ‫والذهنية املعقدة، اليت جتري داخل كيان اإلنسان، حني تنتقل املعلومات اخلارجية من طريق احلواس إىل‬ ‫ّ‬ ‫دماغه، فإن اإلنسان ال يشعر باملراحل الكثرية واملعقدة اليت تنتقل فيها هذه املعلومات داخل جسمه،‬ ‫ّ‬ ‫لتستقر أخرياً يف دماغه فكرة واضحة ومفهومة.‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ومن األمهيّة مبكان أن نعلم أن كل ما يتعامل به اجلهاز من الرموز واإلشارات رمزان اثنان فقط،‬ ‫ّ‬ ‫مها الرقم واحد (1) والرقم صفر(0) كل معلومة تدخل إليه فإنه يتلقاها يف صورة (1) أو (0) .. مثّ‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫هو يعرب عن كل حرف من احلروف ومييِّزه، بعدد هذه الواحدات و األصفار، وبتغيري ترتيبها، فمثالً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(101) يكون تعبرياً عن حرف معني، و(100) يعرب عن آخر، و(011) عن آخر، وذلك أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫5‬
  • 6. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫الرقم(1) عبارة عن خلية مضاءة، و الرقم(0) خلية غري مضاءة، وتتجاور هذه اخلاليا املضاءة‬ ‫ِّ‬ ‫واملظلمة، و تتوضع بإزاء بعضها على سطح شاشة اجلهاز، حبيث تشكل هيئةَ احلرف الذي يظهر على‬ ‫ّ‬ ‫الشاشة وصورتَه. وهكذا يستطيع املعاجل ترمجة هذه اإلشارات اخلاصة إىل لغتنا املقروءة.‬ ‫ّ‬ ‫ولكن أشكال هذه الرموز املودعة يف ذاكرة اجلهاز ال تكون مرئية لإلنسان، فال ميكنه أن يقرأها -‬ ‫قبل املعاجلة - بشكل من األشكال، ومن مثّ فليس هلا أية قيمة بيانية بالنسبة له يف ذلك الوضع ..‬ ‫حىت إذا متّ تشغيل اجلهاز، قام املعاجل الذي يف ضمن اجلهاز مبعاجلتها، ودفع هبا إىل شاشة اجلهاز‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫و ٍ‬ ‫حروفاً كلمات مقروءة ومفهومة، أمكن اإلنسان معرفتُها وقراءهتا.‬ ‫الخالصة: وغرضنا من هذا البيان الذي سقناه عن طبيعة الربجمة، هو أن نعلم أن املعلومة املدخلة‬ ‫يف اجلهاز تكون يف حالة سبات تام و إهبام مطلق، حبيث يتعذر قراءهتا وهي يف حالتها تلك، فال أحد‬ ‫ّ‬ ‫من البشر يستطيع أن يتبني ما يف خانات الذاكرة. وحني يقوم أحدنا بتشغيل اجلهاز، ويقوم باستدعاء‬ ‫ّ‬ ‫املعلومات، ومتر هذه املعلومات مبراحل ِّدة ومعقدة يعرفها أهل هذا الفن، يتمكن اجلهاز من إزالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متعد‬ ‫ُّ‬ ‫اإلهبام الذي فيها، ويقوم برتمجتها وإظهارها لإلنسان يف صورة كتابة مرقومة، فيصبح هو أيضاً قادراً‬ ‫على قراءهتا.‬ ‫النتيجة: نستنتج من هذا أن اآليات القرآنية الكرمية املودعة يف ذاكرة اجلهاز، ال تُعد كتابة يف‬ ‫َ ُّ‬ ‫حالة كون اجلهاز متوقِّفاً عن العمل، أو يف حالة كونه منشغالً مبعاجلة برامج أخرى، غري برنامج القرآن‬ ‫الكرمي.‬ ‫ٍ‬ ‫وأحسب أنه قد حتقق لدينا هبذا البيان، قدر كاف من الدراية واملعرفة بواقع ِّق األول من‬ ‫الش ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫مسألتنا، اليت حنن بصدد بيان حكمها الفقهي.‬ ‫أما ِّق الثاين من صورة املسألة، فيتعلّق ببيان حصيلة هذه املراحل اليت ّج فيها تلك‬ ‫تتدر‬ ‫ّ الش ُّ‬ ‫اإلشارات الكهربائية، اليت تنتقل من حجريات الذاكرة ضمن اجلهاز إىل الطبقات العليا، وترتقّى‬ ‫ّ‬ ‫بواسطتها يف ج الظهور، حىت تنتهي يف آخر املطاف إىل أكمل حالة من الوضوح واجلالء، وتبدو‬‫مدار‬ ‫لنا على شاشة اجلهاز يف صورة كتابة مقروءة يف غاية األناقة. فما حقيقة هذه الكتابة، وما هي اآللية‬ ‫اليت تتم هبا؟. هذا ما سنبيِّنه اآلن يف هذا املطلب الثاين.‬ ‫ّ‬ ‫المطلب الثاني: بيان حقيقة الكتابة اليت تظهر على شاشات األجهزة اإللكرتونية:‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫6‬
  • 7. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫يقرر أهل الدراية واخلربة، أن عملية إظهار الرموز املخزنة يف هذه األجهزة على شاشاهتا، يف صورة‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫كتابة واضحة و مقروءة، تتم بالصورة اآلتية:‬ ‫ّ‬ ‫الشاشة مليئة باخلاليا الصغرية جداً، و املرصوصة بشكل كبري، وبكثافة عالية، وهذه اخلاليا يف‬ ‫ّ‬ ‫حقيقتها عبارة عن سيّالة زجاجية .. وحني تُستدعى اآليات الكرمية من مواضع ختزينها؛ فإهنا تتوارد يف‬ ‫ّ‬ ‫شكل إشارات ضوئية، خمتلفة يف درجة قوهتا- بعد أن متر مبراحل املعاجلة - وحني تصطدم بالسيّالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزجاجية و خترتقها، فإن كل ذرة أو خليّة من خاليا هذه السيّالة، تتلون حبسب اإلشارة الكهربائية اليت‬ ‫ّ‬ ‫َّ ّ‬ ‫تتوجه إليها، فتأخذ هذه اخلاليا شكل احلروف العربية، ويتشكل منها كتابة عربية .. وليست هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة كاحلرب الذي يكتب به على الورقة، فيُظهر عليها كتابة مغايِرة يف لوهنا للون الورقة، وإمنا هي‬ ‫ِ‬ ‫خاليا السيالة الزجاجية، تلونت مادهتا نفسها؛ كجدار كتِب فيه كتاب ٌ ال باحلرب، ولكن بلبِنات مغايرة‬ ‫ة‬ ‫ٍُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف لون مادهتا للون مادة سائر لبنات اجلدار ..هذا ما فهمناه عن أهل االختصاص.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وببيان هاتني النقطتني، أحسب أننا قد أعطينا صورة واضحة عن طبيعة التخزين، وأنه قد حتققت‬ ‫ّ‬ ‫ِ ِّ‬ ‫لنا املعرفة بواقع املسألة، حمل حبثنا.‬ ‫ولعلّنا تنبّهنا ممّا سبق أن هناك فارقاً بني كون القرآن يف طور التخزين، قاراً يف حجريات اجلهاز،‬ ‫ّ‬ ‫وبني كونه معروضاً على شاشته، ينظر فيه القارئ، فريى قرآناً كتب بالرسم العثماين ويقرؤه، ورمبا كان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هلذا االختالف بني واقع هاتني احلالتني وطبيعة كل منهما، أثر يف اختالف احلكم الفقهي بني كلتا‬ ‫ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫احلالتني. أي أنه رمبا اختلف احلكم بني تينك احلالتني؛ من حيث مس اجلهاز ومحله، وما يشرتط‬ ‫ّ‬ ‫لذلك من الطهارة من احلدث. فلننتقل إىل دراسة هاتني املسألتني، ولنبني حكم كل منهما. وهذا هو‬ ‫ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫صلب موضوع حبثنا، وهو املبحث الثاين.‬ ‫املبحث الثاني: حكم مسِّ األجهزة اإللكرتونية اليت خيزّن فيها القرآن،ومحلِها.‬ ‫ذكرنا قبل حلظات، أن هناك فرقاً بني كون القرآن خمزنا يف اجلهاز،غري معروض على شاشته، وبني‬ ‫ّ‬ ‫كونه معروضاً يقرؤه القارئ. وسنبحث اآلن حكم مس هذه األجهزة ومحلها يف كال هاتني احلالتني ..‬ ‫ِّ‬ ‫وإذ قد دخلنا يف احلديث عن النظر الفقهي يف هذه املسألة، فلنبدأ أوالً بعرض الفتاوى اليت تناولتها-‬ ‫إذ هي جممل اآلراء الواردة يف حكم هذه املسألة- مث ستأيت مناقشة كل واحدة منها يف ثنايا البحث.‬ ‫ّ‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫7‬
  • 8. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫ولقد كانت هذه الفتاوى متباينة يف أحكامها، وافرتق أصحاهبا إىل ثالث فرق، وهذه آراؤهم كما‬ ‫نشروها على الشبكة العنكبوتية ( االنرتنت).‬ ‫الفريق األول: يرى أن هذه األجهزة، اليت يسجل فيها القرآن، ليس هلا حكم املصحف؛ فيجيزون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مسها ومحلها، ولو من غري طهارة، مل يفرقوا بني حالة كون القرآن خمزناً يف اجلهاز، غري معروض على‬ ‫ّ‬ ‫و ِّ‬ ‫ّ‬ ‫شاشته، وبني حال القراءة منه، بعرض اآليات القرآنية الكرمية على الشاشة. وقد استدلُّوا لرأيهم هذا‬ ‫بعدة أدلة، منها:‬ ‫ّ‬ ‫أولا: أن حروف القرآن، وجودها يف هذه األجهزة خيتلف عن وجودها يف املصحف، فهي ال‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫توجد بصفتها املقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكون منها احلروف بصورهتا عند طلبها، فتظهر‬ ‫ّ‬ ‫يف الشاشة، وتزول باالنتقال إىل غريها. فهي ذبذبات تعرض وتزول وليست حروفاً ثابتة.‬ ‫ثاني ا: أن اجلوال أو احملمول، وغريه من األجهزة، ال يُسمى مصحفاً حني خيزن فيه القرآن، وال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حني تُعرض اآليات املخزنة فيه على شاشته، بل يبقى امسه اجلوال، أو الكمبيوتر. فإذا بعت اجلهاز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقول: بِعت اجلوال، وال تقول: بعت املصحف، كما أنك إذا اشرتيت اجلهاز املخزن فيه القرآن، ال‬ ‫ّ‬ ‫تقول: اشرتيت مصحفاً، بل تقول: اشرتيت جواالً1. أي أنه ال يُسمى مصحفاً عُْرفاً، وال هو يف واقعه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحقيقته مصحف.‬ ‫الفريق الثاني: قال هؤالء: "إن اجلوال ال يعامل معاملة املصحف؛ ألن هذه املعلومات اليت فيه‬ ‫معلومات تتحلّل بواسطة الربنامج، مبعىن أنه إذا أُقفل الربنامج ال يكون هناك شيء حمفوظ خطّاً، حبيث‬ ‫يكون كاملصحف، فال ّج اإلنسان من دخول دورات املياه به، كذلك أيضاً ملسه، فاجلوال يشمل‬ ‫و‬ ‫يتحر‬ ‫عدة أشياء، وهناك حوائل بني اإلنسان وبني القرآن الذي فيه، ولكن احرص أالّ متس بإصبعك الشاشة‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫2‬ ‫اليت تظهر عليها اآليات، أما إذا أمسكت جبوانب اجلوال؛ فال بأس بذلك إن شاء اهلل ".‬ ‫ّ‬ ‫1 ممّن ذهب إىل هذا الرأي، الشيخ صاحل الفوزان. وفتواه منشورة يف موقع منتديات الضويلة الرمسية، وموقع ملتق ى أنص ار اهل دى، ومنت دى اإلس المي الع ام عل ى ش بكة‬ ‫ّ‬ ‫االنرتنت.‬ ‫كذلك ذهب إىل هذا الرأي الشيخ حممد صاحل املنجد، ونقله أيضاً عن الشيخ عبد الرمحن بن ناصر الرباك، نقل فتوى الشيخ من موقع نور اإلسالم، ونق ل أيض اً فت وى‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫الشيخ الفوزان .والفتاوى منشورة على موقع منتدى طريق السعداء.‬ ‫2 ممّن ذهب إىل هذا الرأي الشيخ سعد بن عبد اهلل احلميد يف فتواه املنشورة على موقع اجلواب الشايف- قناة اجملد. وما نقلته بني احلاصرتني الصغريتني هو نص الفتوى،‬ ‫ّ‬ ‫نقلتها من املوقع حبروفه.‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫8‬
  • 9. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫الفريق الثالث: يرى عدم جواز مسه وال محله يف حالة القراءة منه، وأجاز محله يف حال التخزين‬ ‫ِّ‬ ‫بغري طهارة، وقال: "إذا كان مغلقاً فال بأس بلمسه من غري وضوء، مثله مثل املصحف يف غالف‬ ‫مفصول عنه، غري ملتصق به1".‬ ‫ِ‬ ‫وهذه األقوال –كما ذكرت– مأخوذة من فتاوى أصدرها أصحاهبا، ومل ترد ضمن أحباث مصوغة‬ ‫وفْق أصول كتابة البحث العلمي، و لذا فقد خلَت، أو كادت أن ختلو من التفصيل والتأصيل الكايف،‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وبيان األدلّة اليت استندت إليها، كما أهنا مل تناقش وجهات النظر املخالفة.‬ ‫وزيادة على هذا، فإن أصحاب هذه الفتاوى مل يفرقوا يف فتاواهم بني جهاز القرآن، الذي أنشئ‬ ‫ِّ‬ ‫لغرض خدمة القرآن الكرمي خاصة، دون أن يؤدي أية مهمة أخرى، وبني األجهزة اليت تؤدي وظائف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كثرية، من بينها خدمة القرآن الكرمي، والسبب يف عدم تطرقها للتفاصيل؛ أهنا كانت إجابات على‬ ‫ّ‬ ‫أسئلة، وردت خبصوص حكم مس اهلاتف النقال ومحله عند قراءة القرآن منه، فكانت الفتاوى على‬ ‫ّ‬ ‫قدر األسئلة.‬ ‫ٍ َّ‬ ‫وسنقوم اآلن - مبشيئة اهلل تعاىل- بدراسة مفصلة هلذه املسألة، وسنعرض لآلراء اليت وردت ضمن‬ ‫هذه الفتاوى اليت نقلناها باملناقشة.‬ ‫وملا مل يكن لنوع اجلهاز أثر يف حكم مس اجلهاز ومحله- يف حالة كون القرآن خمزناً فيه غري‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫معروض على شاشته- فقد سقت احلديث عن حكم هذه األجهزة كلِّها يف مساق واحد، دون أن‬ ‫ُْ ُ‬ ‫أُفرد كل نوع منها ببيان احلكم املتعلِّق به خاصة؛ ألن الفصل بينها يف البيان، مع عدم وجود فرق بينها‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يف احلكم الفقهي؛ تكرار ال معىن له.‬ ‫أما يف حال العرض، فإن لنوع اجلهاز أثراً بيِّناً يف احلكم، ولذا فقد فرقت بني كون اجلهاز الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقرأ منه القرآن جهاز قرآن خاصةً، وبني كونه جهازاً آخر غري خاص خبدمة القرآن وحده، فبحثت كل‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫حالة على حده، يف مطلب خاص.‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬المطلب األول- حكم مس اجلهاز ومحله، حال كون القرآن خمزناً فيه:‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫علمنا ممّا سبق، أن ما يتم ختزينه يف األجهزة اإللكرتونية املختلفة ليس كتابة حقيقية، ولكنه عبارة‬ ‫ُّ‬ ‫عن شيفرات كهربائية، قابلة ألن تتحول إىل شيء مكتوب بعد املعاجلة، أما قبل املعاجلة؛ فال سبيل‬ ‫ّ‬ ‫لإلنسان حبال إىل معرفة القابليّات املنطوية فيها، وال ميكنه حبال أن يعرف شيئاً عنها، بل إنه إذا حاول‬ ‫1 ممّن يرى هذا الرأي األس تاذ ال دكتور أمح د احلج ي الك ردي ،أس تاذ الفق ه يف كلي ات الش ريعة واحلق وق جب امعيت دمش ق وحل ب س ابقاً، وخب ري املوس وعة الفقهي ة، وعض و‬ ‫هيئة اإلفتاء يف دولة الكويت حالياً. وفتواه منشورة يف موقع املوسوعة شبكة الفتاوى الشرعية.‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫9‬
  • 10. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫أن يتلمس مواضع وجود هذه الرموز و الشيفرات، فإهنا سرعان ما ستتالشى قبل أن يقع بصره على‬ ‫ّ‬ ‫مواطنها، بل إنه سيرتتّب على أيّة حماولة من هذا القبيل فساد الربنامج كلّه، ورمبا فساد نظام اجلهاز‬ ‫ُ‬ ‫بأكمله. إذن فهذه إشارات مبهمة بالنسبة لسائر البشر، واجلهاز وحده هو الذي يستطيع أن يتعامل‬ ‫معها و يعاجلها، حىت ي َّق إخراجها من حيِّز اإلهبام املطلق إىل صعيد اجلالء والوضوح، ويرتمجها إىل‬ ‫تحق‬ ‫حروف كلمات مكتوبة ومقروءة، فيستطيع القارئ أن يقرأها.‬ ‫و‬ ‫ما يف ذاكرة اجلهاز ليس كتابة، فليس له حكم املصحف:‬ ‫ومن هنا- وممّا سبق أن ذكرناه آنفاً أيضاً- نعلم أن ما هو مستقر يف خانات ذاكرة اجلهاز ليس‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫كتابة؛ ولذا فال يُعد القرآن املخزن يف تلك احلجريات قرآناً، وليس له حكم املصحف؛ فال يشرتط‬ ‫ّ‬ ‫الوضوء ملس هذه األجهزة وال حلملها، حال كون برنامج القرآن فيها غري مف َّل، أو حال كونه يف طور‬ ‫ُ َع‬ ‫ِّ‬ ‫السكون وعدم التشغيل، بل ال يشرتط لذلك حىت الطهارة من احلدث األكرب؛ فال ج على اجلنب،‬ ‫حر‬ ‫وال على احلائض أيضاً يف مس اجلهاز ومحله.‬ ‫ّ‬ ‫وبناء على هذا، فإين أرى أن ختريج هذه الصورة على صورة كون املصحف ضمن غالف مفصول‬ ‫عنه، غري ملتصق به – كما ذكرهتا الفتوى الثالثة، وهي فتوى األستاذ الدكتور أمحد احلجي الكردي-‬ ‫ّ‬ ‫غري دقيق؛ ألنه ليس لإلشارات اليت ضمن ذاكرة اجلهاز حكم املصحف، فهي ليست كتابة أصالً؛ إذ‬ ‫ال هي حروف عربية وال حىت أعجمية حىت نسميها كتابة، ولعل أشبه شيء بعملية عرض الكتابة على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الشاشة وحموها منها وتغيريها، اللّوحات اخللفية اليت تُشكل يف بعض املهرجانات يف املالعب، حيث‬ ‫ُ‬ ‫يتجمع اآلالف من الناس يف مكان حمدد، و تُوَّع عليهم أعالم خمتلفة األلوان، كل جمموعة منها من‬ ‫َز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لون معني، ولكل لون منها رقم خاص، ويتم توزيع محلة األعالم على أماكنهم بطريقة مدروسة، ووفْق‬ ‫َ‬ ‫ٌّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ترتيب معني، حبيث تشكل أعالمهم إذا أُبْرزت عبارات معيّنة، فيأيت اإليعاز إىل فريق من هؤالء برفع‬ ‫ّ‬ ‫العلم ذي الرقم (كذا)، فريفع كل واحد من محلة العلَم ذي الرقم املذكور العلم الذي بيده، فإذا شعار‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫معني، أو عبارة قد تشكلت من جمموع هذه األعالم، املرفوعة واملرصوفة برتتيب معني. مث يأيت إيعاز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جديد إىل فريق آخر، برفع األعالم اليت حتمل رقماً آخر، فيضع الفريق األول األعالم اليت بأيديهم،‬ ‫ويعيدوهنا إىل أماكنها، ويرفع الفريق الثاين األعالم األخرى إىل األعلى؛ فتتشكل عبارة أخرى ..‬ ‫ّ‬ ‫وهكذا. إن هؤالء الذين حيملون األعالم، إذا أنزلوا أيديهم فإنه ال يبقى هناك كتابة، ألن احلروف‬ ‫والكلمات اليت كانت تتشكل من رصف هذه األعالم وترتيبها بطريقة معيَّنة، انفرط نظامها مع نزول‬ ‫ّ‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫11‬
  • 11. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫األيدي اليت كانت حتملها وتُظهرها للناس، ومل يعد بني آحادها ذلك االرتباط، الذي يشكل من‬ ‫ّ‬ ‫جمموعها كلمات وعبارات.‬ ‫هذه هي صورة الكتابات اليت تظهر يف شاشة اهلاتف احملمول وغريه، فهي عبارة عن إشارات‬ ‫ضوئية، تصدرها مصابيح يف غاية الدقَّة، تتّجه بضوئها إىل سطح الشاشة هبيئة وترتيب معني، فتشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫كتابة معيّنة، حىت إذا أُريد إزالةُ هذه الكتابة من الشاشة، أو مسحها أُطفئت هذه املصابيح، فلم تعُد‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫هناك كتابة وال حروف، ولكن هذه املصابيح تبقى طَوع اخلدمة، سهلة االنقياد لتلبية ما يُطلَب منها،‬ ‫وفق الربجمة اليت صيغت هبا، متاماً كحملة األعالم الذين ينتظرون اإليعازات، ويبادرون إىل تلبيتها فور‬ ‫َ‬ ‫صدورها.‬ ‫إذن. فهذه الكتابات حني ختتفي من وجه اجلهاز فإهنا تتالشى، وتصبح يف حكم العدم، ومن مثّ‬ ‫فهي ال تكون قرآناً يف هذه احلالة، وال يُعطى اجلهاز الذي خيتزهنا حكم املصحف. هذا واهلل تعاىل‬ ‫أعلم.‬ ‫وإذا تبيّنّا هذا، علمنا أن ختريج هذه املسألة على صورة محل املصحف يف صندوق مع غريه من‬ ‫األمتعة- و قد ذكره أيضاً صاحب الفتوى الثالثة، إذا كان مقصوده حالة التخزين- أيضاً غري وارد،‬ ‫ألنه ليس للمصحف وجود حقيقي يف ذاكرة اجلهاز، بل ليس فيها كتابة مطلقاً حال كون اجلهاز يف‬ ‫طور السكون.‬ ‫على أنه حني ج هذه الرموز من حجرياهتا، لتتجلّى على وجه اجلهاز، و تظهر على شاشته يف‬ ‫ختر‬ ‫صورة قرآن عريب يتلى، وعلى الكْتبة األوىل اليت كتبها هبا الصحابة رضي اهلل عنهم، يف هذه احلالة،‬ ‫ّ‬ ‫حيتاج األمر إىل مزيد من البحث والدراسة والتدقيق يف النظر. وهو ما سنحاوله اآلن، سائلني اهلل تعاىل‬ ‫ِّ‬ ‫التوفيق والسداد.‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬المطلب الثاني- حكم مس األجهزة اإللكرتونية ومحلها، حني قراءة القرآن منها:‬ ‫ّ‬ ‫متهيد: ال بد لنا أقبل أن ع يف بيان تفصيالت أحكام هذه املسألة، أن نق ِّم بياناً شافياً، جنلِّي‬ ‫د‬ ‫نشر‬ ‫َّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫فيه حقيقة ما يظهر يف شاشات هذه األجهزة، وهل يعد ذلك كتابة حقيقية، أم ال ؟ .. ذلك أن تقرير‬ ‫ّ‬ ‫احلكم الفقهي هلذه املسألة، يتوقَّف - َّرجة األوىل - على حتديد طبيعة هذه الكتابة .. وفيما يأيت‬ ‫بالد‬ ‫هذا البيان.‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫11‬
  • 12. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫حني يتوجه أحدنا إىل قراءة القرآن من خالل أحد هذه األجهزة، فإنَّه يقوم باستدعاء اآليات‬ ‫ّ‬ ‫املخزنة فيه .. وسرعان ما تتوارد اآليات الكرمية إىل سطح الشاشة، ظاهرة واضحة. و قد بيَّنّا أن هذه‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة اليت تظهر لنا هي عبارة عن إشارات ضوئية، تتوارد على شاشة اجلهاز، فتتلون منها خاليا‬ ‫ّ‬ ‫السيّالة الزجاجية اليت تنبسط مرتاصة على سطح الشاشة، فتتبدى لنا يف صورة حروف كلمات،‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتتّخذ شكل اآليات القرآنية.‬ ‫ِ‬ ‫والسؤال الذي يَرد هنا هو، هل هذا الذي يظهر لنا من خالل الشاشة كتابةٌ حقيقية؛ فتثبت‬ ‫للجهاز كل أحكام املصحف، أم أنه ليس بكتابة حقيقية، وإمنا مسّي كتابة على سبيل اجملاز، تشبيهاً له‬ ‫بالكتابة احلقيقية؛ لكونه ال خيتلف عنها يف رأْي العني؟.‬ ‫َ‬ ‫لقد رأينا أن من الناس من جنح إىل الرأي الثاين، ومل ُّوها كتابة حقيقية، ومن مثّ فلم جيعلوا‬ ‫يعد‬ ‫للجهاز الذي حيويها حكم املصحف، ومل يشرتطوا ملسه ومحله أيّاً من الشروط املقررة ملس القرآن‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ومحله.‬ ‫وقد سبق أن ذكرت ما استدلُّوا به، وأعيد عرضه اآلن ملناقشته.‬ ‫دليل الذين ال ُّون الكتابة اليت تظهر يف األجهزة اإللكرتونية كتابة حقيقية: قال هؤالء: إن‬ ‫يعد‬ ‫حروف القرآن، وجودها يف هذه األجهزة خيتلف عن وجودها يف املصحف، فهي ال توجد بصفتها‬ ‫ُ‬ ‫املقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات، تتكون منها احلروف بصورهتا عند طلبها، فتظهر يف الشاشة،‬ ‫ّ‬ ‫وتزول باالنتقال إىل غريها. فهي ذبذبات تعرض وتزول، وليست حروفاً ثابتة.‬ ‫مناقشة َّليل:‬ ‫الد‬ ‫قوهلم: "إن ما يظهر على الشاشة ال يكون على صفة الكتابة املقروءة، ولكنه عبارة عن ذبذبات،‬ ‫تعرض و تزول". يعوزه شيء من الدقّة؛ فإن كون املدخل إىل اجلهاز جمرد ذبذبات كهربائية، إمنا هو‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِّ‬ ‫حني يكون يف مراحله األوىل، أي قبل أن غ اجلهاز من معاجلته وترمجته ودفعه إىل سطح الشاشة،‬ ‫يفر‬ ‫وال خالف يف أنه ال يُعطى حكم املصحف يف تلك احلالة، أما إذا ظهر يف شاشة اجلهاز؛ فإنه ال‬ ‫ٍ‬ ‫يكون حينئذ ذبذبات جمردة، ولكنه يتوجه إليها حزماً ضوئية، فتلون هذه احلزم ما تصطدم به من خاليا‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الشاشة، بلون مغاير للون سائر خالياها األخرى، اليت متأل سطح الشاشة، لتخط بذلك كتابة حقيقية‬ ‫ّ‬ ‫حبسب الصورة. فالكتابة حبسب الصورة ِّقة، ال خالف يف ذلك. ولكن هل هي كتابة حقيقة؟.‬ ‫ُ‬ ‫متحق‬ ‫ُّ‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫21‬
  • 13. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫إن هؤالء الذين مل يعدوها كذلك، كان من حججهم أهنا ليست على صفة الكتابة املقروءة، أي‬ ‫ّ‬ ‫أهنا ليست كالكتابة املعروفة واملألوفة لدينا، وهي اليت تكون بالقلم، وتثبت على الورق وحنوه. و ههنا‬ ‫أسئلة البد من اإلجابة عليها؛ حىت نعرف قيمة هذا االستدالل، وهل هو صواب ، أو خطأ؟.‬ ‫ّ‬ ‫السؤال األول:‬ ‫ُ ُّ‬ ‫هل يشرتط العتبار الكتابة؛ أن تكون على صفة الكتابة املعروفة واملألوفة لدينا، وهي اليت ختط‬ ‫بالقلم على الورق أو غريه، أم أنه ال يشرتط العتبارها هذا الشرط؟.‬ ‫السؤال الثاين:‬ ‫هل من شرط الكتابة أن تبقى ثابتة، وأالّ تزول، أو أنه ال أثر لثباهتا وزواهلا يف ِّها كتابة؟.‬ ‫عد‬ ‫ونقول يف اإلجابة على السؤال األول:‬ ‫أ - إن الكتابة اليت تظهر من خالل شاشات األجهزة كتابة حقيقية، وإن بدا بينها وبني الكتابة‬ ‫املعروفة، وهي الكتابة بالقلم شيء من االختالف؛ ذلك أن الكتابة يف احلقيقة، هي النقوش اليت‬ ‫اصطلح فريق من الناس أن يعربوا هبا عن بعض األلفاظ واملعاين، فمهما كان النَّقش يدل على معىن،‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫يفهمه طائفة أو فريق من الناس؛ فإنه يُسمى كتابة، وهو كتابة حقيقية، بغض النظر عن طبيعة هذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النقش، وبغض النظر كذلك عن األداة اليت كتب هبا؛ ما دام أن العرف جرى بقبوله، فهذه الكتابة‬ ‫ِّ‬ ‫املنتقشة يف الشاشة، عبارة عن ذرات، أو خاليا مادية مضاءة، هلا قوام ووجود حقيقي، فهي شيء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حمسوس مرئي، يفهمه كل من حيسن قراءة احلروف والكلمات العربية، فهي إذن بال ريب تكون كتابة‬ ‫ُ‬ ‫حقيقية، وهي كلمات القرآن وآياته حقيقة.‬ ‫ب - ميكن أن يرد على استدالل املنكرين لكوهنا كتابة، من وجه آخر، هو أن لفظ الكتاب أو‬ ‫ّ‬ ‫الشر‬ ‫َّ ٍ‬ ‫الكتابة ليس لفظاً شرعياً ذا داللة َّدة وخاصة شرعاً، كما أن ع مل يرد باعتبار كتابة بعينها. و ما‬ ‫حمد‬ ‫مل يرد حتديد له من ع، ومل يكن له معىن َّد يف اللغة، يُرتك أمره للعرف، كالقبض يف عقد البيع‬ ‫ُ‬ ‫حمد‬ ‫الشار‬ ‫ٌ‬ ‫وغريه من العقود، ملا مل يُعرف له ضابط يف الشر ع؛ ترك أمر حتديده للعرف1، فأفىت الفقهاء بالقبض‬ ‫ّ‬ ‫احلكمي، كما يف حاالت صرف العمالت ونقل احلواالت، حيث ال يتم محل النقود و تصارفها باليد،‬ ‫ّ‬ ‫بل بالكتابة يف السجالّت، أو من خالل األجهزة.‬ ‫1‬ ‫مغين احملتاج: للخطيب الشربيين 1/311‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫31‬
  • 14. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫وإذا قيل: إن األلفاظ الواردة يف نصوص ع، ينبغي أن حتمل على ما كانت تُطلق عليه حني‬ ‫ُ‬ ‫الشر‬ ‫ورود النص؛ والكتابة اليت كانت موجودة آنذاك كانت هذه الكتابة، اليت هي عبارة عن حروف ثابتة.‬ ‫ّ‬ ‫قلنا: إننا لسنا متعبّدين بأدوات الكتابة، فإن ع مل يلزمنا بالكتابة بالقلم فحسب، بل اعترب الكتابة‬ ‫الشر‬ ‫مطلقاً، بغض النظر عن وسيلتها. والكتابة هي املنقوش بالقلم أو بغريه، ممّا يكتب به الناس يف العادة،‬ ‫ِّ‬ ‫بشرط أن يكون هذا النقش مقروءاً، وما يظهر من الكتابة على شاشات هذه األجهزة مقروء؛ فكان‬ ‫كتابة، وينبغي أن يثبت له حكم الكتابة بالقلم.‬ ‫ج - إن القول بوجوب محل األلفاظ الواردة يف النصوص الشرعية على ما كانت تُطلق عليه يف‬ ‫زمان ورود النص، معناه أن اللّفظ العام إذا ورد يف نصوص الشريعة؛ فإنه جيب أن خيصص بالعرف‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫العملي السائد يف عصر التشريع. ولكن هذا خمالف ملا هو مقرر يف علم أصول الفقه، من أن العرف‬ ‫ّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫العملي السائد حني ورود النص، ال يُعد من املخصصات اليت خيصص هبا النص العام، يقول اإلمام‬ ‫ّ‬ ‫الغزايل رمحه اهلل يف املستصفى:" ألن احلجة يف لفظه[أي لفظ ع] وهو عام، وألفاظه غري مبنيَّة‬ ‫الشار‬ ‫ّ‬ ‫على عادة الناس يف معامالهتم ... وباجلملة، فعادة الناس تؤثِّر يف تعريف مرادهم من ألفاظهم، حىت‬ ‫إن اجلالس على املائدة يطلب املاءَ، يُفهم منه العذب البارد، لكن ال تؤثِّر يف تغيري خطاب ع‬ ‫الشار‬ ‫إياهم"1. فقوله تعاىل:{يف كِتَاب م ْنُون ال ََسهُ إِال الْمطَهرون} ]سورة الواقعة81:-01[، اخلرب فيه‬ ‫ٍ َّك ٍ َّ مي ُّ َّ ُ َّ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫مبعىن النهي، وهو هني عام، يشمل كل ما يكون قرآناً مكتوباً، وقد كانت الكتابة يف عرف العرب‬ ‫ّ‬ ‫وعادهتم - عند نزول هذا النص وإىل األمس القريب - الكتابةَ املعروفة، وهي الكتابة بالقلم وحنوه،‬ ‫ّ‬ ‫فهذه العادة ال ختصص عموم النهي عن مس كل ما هو قرآن مكتوب.‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وإذ قد ظهر اليوم نوع آخر من الكتابة، وهو هذه الكتابة اليت تكون يف األجهزة اإللكرتونية، فإهنا‬ ‫تكون داخلة يف داللة العموم الواردة يف النص، ومن مثّ فال جيوز لنا أن حنصر الكتابة بنوع معني، حبجة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن العرف فيما مضى، أو إىل األمس القريب، أو إىل اليوم، قد جرى بذلك النوع فقط، بل إن أي‬ ‫َّ‬ ‫نوع آخر من الكتابة، إذا ظهر اليوم أو يف املستقبل، وقبِلَه العرف، وأفاد ما تفيده الكتابة املعروفة‬‫ٍ‬ ‫املألوفة، فإنه ينبغي أن يُعطى حكم الكتابة بالقلم.‬ ‫على أن حتكيم العرف يف هذه املسألة، حيتِّم علينا أن نعد هذا النوع اجلديد من الكتابة كتابة‬ ‫ّ‬ ‫حقيقية، ذلك أن هذا اللّون من الكتابة قد تفشى اليوم، فصارت املعامالت الكثرية تتم بواسطتها،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫1 املستصفى: الغزايل 1/777- 177، وينظر ح العضد على خمتصر املنتهى: العضد اإلجيي 1/157‬ ‫شر‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫41‬
  • 15. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫واألرشفة أو (احلفظ) و التوثيقات كذلك، بل لقد ظهرت املدن اإللكرتونية، اليت استغنت عن الكتابة‬ ‫بالقلم يف معامالهتا الرمسية، و استعاضت عن ذلك بالكتابة املوجودة يف هذه األجهزة، فغد ا هذا‬ ‫َّ‬ ‫النوع من الكتابة معروفاً وشائعاً، بل حل يف كثري من األوساط حمل الكتابة باحلرب على الورق، ومن مثّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫فال وجه لعدم اعتبارها كتابة حبجة أهنا ال تُسمى كتابة عرفاً؛ ألن العرف العاملي اليوم يقبله. وإذا مل‬ ‫ّ‬ ‫يكن ما جيري من االعتماد العاملي هلذا اللَّون من الكتابة قبوالً عرفياً صرحياً هلا، فكيف إذن يكون قبول‬ ‫العرف لشيء ما؟!. ولذا فإين ال أرى معىن للتفريق بني الكتابة اليت تتم بواسطة هذه األجهزة و الكتابة‬‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بالقلم العادي، ملا أن احلاصل من كليهما شيء واحد، من حيث الغرض املقصود منه. والكتابة ال‬ ‫ِّقة يف الكتابة‬ ‫تطلب لذاهتا، ولكنها وسيلة إىل غاية، والغاية هي ما حيصل منها، وهي متحق‬ ‫اإللكرتونية، ُّقها يف الكتابة باحلرب على الورق.‬ ‫كتحق‬ ‫د - وميكن أن نقول هنا كلمة أخرى، هي: أن مفهوم الكتابة ليس مفهوماً شرعياً تعبُّدياً، حىت‬ ‫نقول إن الكتابة حىت تُقبل؛ ال بد من ورود ما يعتربها من ع .. كما أهنا ليست من قبيل‬ ‫الشار‬ ‫ّ‬ ‫الرخص، حىت نقف عند حدود ما أقره ع نصاً، دون أن نقيس عليه شيئاً آخر، حبجة أن القياس‬ ‫ّ‬ ‫ّ الشر ّ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ال جيري يف الرخص، ولكن للكتابة معىن يف اللّغة مل خيالفه ع. وحنن نظرنا فوجدنا أن معىن‬ ‫الشر‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الكتابة يف أصل اللّغة هو اجلمع، ففي اللّسان: " تكتّبوا جتمعوا، مسيت الكتِيبَةُ ألَهنا تَكتَّبَت‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫فاجتَمعت، ومنه: قيل كتَْبت الكتاب، ألَنه جيمع حرفاً إِىل حرف1".‬ ‫َْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ََ ْ‬ ‫كذلك الكتابة يف األجهزة االلكرتونية، هي عبارة عن حروف جمتمعة، فصدق عليها أهنا كتابة؛‬ ‫و‬ ‫ألن املعىن اللُّغوي املشروط ِّق يف الكتابة اليت تتم بواسطة هذه األجهزة .. بل إنّه إذا ما متَّ أمر‬ ‫ُّ‬ ‫متحق‬ ‫اجلهاز بطباعة هذه الكتابة الظاهرة على شاشة اجلهاز، فسينسخها على الورق كتابةً ماديّة حقيقية،‬ ‫وعليه؛ فال معىن لعدم اعتباره كتابة.‬ ‫اإلجابة عن السؤال الثاين:‬ ‫بقي أن جنيب على السؤال الثاين، وهو هل يشرتط العتبار الكتابة كوهنا ثابتة ال تزول، أو أن‬ ‫ثبات الكتابة وزواهلا ال أثر له يف ذلك؟.‬ ‫فنقول يف اجلواب على استدالل الذين يشرتطون هلا أن تكون ثابتة: إنه ال يُشرتط لصدق اسم‬ ‫الكتابة ثبات املكتوب، بل يشرتط له ُّق ماهية الكتابة، وهي احلروف اليت جتتمع فتشكل ألفاظاً،‬ ‫ّ‬ ‫حتق‬ ‫1‬ ‫لسان العرب: حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املصري، مادة (كتب) .‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫51‬
  • 16. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫ويتألّف منها مجل وتراكيب .. وهذا ِّق يف الكتابة اإللكرتونية. كل ما هنالك، هو أن هذه‬ ‫و‬ ‫متحق‬ ‫الكتابة تبقى املدة اليت يشاء هلا من طلبها أن تبقى، مثّ إذا أُريد عرض غريها اختفت هذه، ليظهر‬ ‫ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫غريها يف حملِّها. وال أرى ضرياً يف هذا؛ ذلك أن هذه الكتابة أشبه ما تكون بالكتابة يف اللّوح من أجل‬ ‫الدراسة والتعلُّم، فإنه يكتب فيه بعض اآليات، مثّ بعد قليل متحى هذه اآليات، ليُكتب يف حملِّها آيات‬ ‫أُخرى، و يبقى للّوح صفة القرآنية وال تزول عنه باتّفاق، ما دام هناك آيات قرآني ٌ مكتوبةٌ فيه، وال‬ ‫ٌ ة‬ ‫يضر تعاقب اآليات، وحلول بعضها حمل بعض، مهما كان هذا التعاقب أو التغري والتبديل سريعاً.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫1‬ ‫وميكن أن يُنقض اشرتاطهم شرط الدوام العتبار الكتابة، بأنه لو كان هناك ٌ فريد، من‬ ‫حرب‬ ‫خاصته أنه بعد أن يُكتَب به - بدقيقة أو دقيقتني- يطري يف اهلواء ويتبخر، مث كتب به آيات من‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كتاب اهلل تعاىل، فهل هناك من جييز مس هذه اآليات، ويزعم أن هذه الكتابة ليست كتابة حقيقية‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫وال معتربة؛ لفقداهنا شرط الثبات والدوام، وأن من اخلطأ، أو التجوز يف العبارة تسميتها كتابة؟!.‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا ما نقرره بالنسبة للكتابة اليت تظهر يف شاشات هذه األجهزة حالة التشغيل؛ فإهنا كتابة‬‫ِّ‬ ‫حقيقية.‬ ‫هذا الذي ظهر يل من أمر الكتابة اليت تظهر من خالل األجهزة االلكرتونية، واهلل تعاىل أعلم.‬ ‫وبناء على هذا، وإذا صح هذا التشبيه وهذا القياس والتخريج، فما حكم مس ومحل هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األجهزة، حال كون اآليات القرآنية ظاهرة على شاشاهتا ؟.‬ ‫أرى أنه ينبغي هنا التفريق بني منطني من األجهزة؛ حىت ولو قدرنا عدم االختالف بينها يف‬ ‫ّ‬ ‫النتيجة، أو احلكم الشرعي يف بعض األحيان. فإن من هذه األجهزة نوعاً خاصاً، أنشئ لغرض خدمة‬ ‫ّ‬ ‫القرآن الكرمي فحسب، ويسمى هذا النوع من األجهزة (جهاز القرآن، أو املصحف اإللكرتوين)، وال‬ ‫ّ‬ ‫يقوم بأية وظيفة أخرى.‬ ‫ُّ‬ ‫أما معظم األجهزة األخرى، فهي إىل جانب كوهنا تؤدي نفس وظيفة جهاز القرآن، فإن تلك تُعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واحدة من عمليات كثرية تقوم هبا، وليس الغرض األول من تلك األجهزة، والوظيفة األساسية منها‬ ‫ُ‬ ‫قراءة القرآن. بل إن هذه رمبا تعد مهمة ثانوية، إىل جانب وظائفها األخرى الكثرية واألساسية، كما‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫هو احلال يف اجلهاز اهلاتفي احملمول، وجهاز الكمبيوتر ،سواءٌ البييت منه أو الشخصي .. وال شك أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫1 النقض – كما يعرفه علماء األصول:"أن يوجد الوصف الذي يُ َّعى أنه علَّة يف حمَل ما، مع عدم احلكم فيه، وختلُّفه عن ه" ش ح العض د عل ى خمتص ر املنته ى األص ويل:‬ ‫د‬ ‫ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫العضد اإلجيي 1/871‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫61‬
  • 17. ‫د. حممد جنيد بن حممد نوري الديرشوي‬ ‫ّ‬ ‫مس األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن ومحلها‬ ‫هلذا أثراً يف اختالف احلكم بني هذه األجهزة - وإن كان ذلك يف بعض احلاالت، ال يف كلّها - وحنن‬ ‫سنبني فيما يلي احلكم الشرعي هلذين النوعني من األجهزة، على اختالف األحوال.‬‫ّ‬ ‫وسنبدأ أوالً ببيان حكم محل هذه األجهزة، مثّ نثين ببيان حكم مسها، ألمرين اثنني.‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫أولهما: أن اهلواتف احملمولة هي أكثر ما ح السؤال عن حكم القرآن املخزن فيها، وهي يف أعم‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫يطر‬ ‫ّ‬ ‫احلاالت وأغلبها حتمل، والسؤال عن مسها يأيت يف َّرجة الثانية، فلذا كان البحث عن حكم محلها‬ ‫الد‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أشد إحلاحاً من البحث عن حكم مسها.‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ثانيهما: أن املذاهب قد اختلفت يف حكم محل املصحف، ومل ختتلف يف حكم مسه، ولذلك‬ ‫ِّ‬ ‫اخرتنا البداءة مبحل اخلالف، وأرجأنا احلديث عن حمل االتِّفاق؛ ألن اخلطب فيه أيسر.‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ِ‬ ‫املسألة األوىل- حكم محل األجهزة اإللكرتونية اليت خيزن فيها القرآن(التخريج الفقهي للمسألة):‬ ‫َّ‬ ‫األجهزة اليت خيزن فيها القرآن كثرية، منها اهلاتف احملمول، والكمبيوتر البييت، والكمبيوتر‬ ‫ّ‬ ‫الشخصي، وغريها. وهذه األجهزة هلا وظائف عديدة، وتقوم مبهام كثرية، من مجلتها ختزين القرآن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكرمي، وعرض آياته للقراءة.‬ ‫ويف حال كون القرآن خمزناً فيها، غري معروض على شاشاهتا، ال تُعطى حكم القرآن، للسبب‬ ‫ّ‬ ‫الذي ذكرناه آنفاً.‬ ‫أما يف حال عرض آيات القرآن الكرمي من خالل شاشة اجلهاز، فإن األمر يغدو مشكالً؛ ألن‬ ‫ّ‬ ‫اجلهاز يف هذه احلالة يؤدي ما تؤديه النسخة من القرآن الكرمي. ولكن هناك فرقاً بني القرآن املكتوب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بني دفّتني، أو على لوح أو ورقة، وبني املعروض يف هذه األجهزة. فما كتب عليه القرآن يف الفئة‬ ‫األوىل؛ له صفة القرآنية فقط، وليس له أيّ صفة أخرى تُذكر، أما هذه األجهزة؛ ففي اللّحظة اليت‬ ‫يعرض من خالهلا القرآن الكرمي، فإن صفتها األصلية تبقى مالزمةً هلا .. ومعلوم أهنا مل تنشأ يف األصل‬ ‫لغرض قراءة القرآن، وإمنا أُنشئت ألغراض أخرى .. فاهلاتف احملمول وظيفتُه األساسية هي أنه جهاز‬ ‫اتّصال، والكمبيوتر وظائفه كثرية معروفة. وسائر األجهزة األخرى كذلك. بل حىت يف الوقت الذي يتم‬ ‫ّ‬ ‫فيه عرض اآليات القرآنية؛ يبقى االسم األصلي للجهاز والصفة األساسية له هي الغالبة. إذ إن‬ ‫اإلنسان إذا رئي وهو يقرأ القرآن من شاشة اهلاتف احملمول، حال كونه حامالً له يف يده، فال أحد‬‫ُ‬ ‫يقول إنه حيمل القرآن - ال الذي يراه وال هو نفسه - وإمنا يقال: هو حيمل اهلاتف احملمول، ويقرأ منه‬ ‫القرآن. وهذا له أثر يف ختريج حكم هذه املسألة، فلو أنه كان يقال له يف هذه احلالة إنه حيمل القرآن؛‬ ‫موقع نسيم الشام: ‪www.naseemalsham.com‬‬ ‫71‬