SlideShare a Scribd company logo
1 of 9
Download to read offline
البيان 
لِقَواعِدِ تأْدِيبِ الصبيان 
ف  تأ 
ادي 	 نزار
$ #  ! 
الحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ العَالَـمِين، وَصَلَّى الـلَّهُ وَسَلَّم عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا 
مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الأَمِين، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. 
وَبَعْدُ؛ فَهَذَا بَيَانٌ لجُِمْلَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ، لَخَّصْتُهَا مِنْ 
كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لِلْإِمَامِ الغَزَّالِيِّ حُجَّةِ الإِسْلَامِ، وَشَرْحِهِ 
لِلشَّرِيفِ العَلَّامَةِ الـمُرْتَضَى الحُسَيْنِيِّ الهُـمَام. 
¯ ® ¬ « ﴿ : الصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى 
التحريم: ٦]، وَمَهْمَا كَانَ الأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ ] ﴾ ² ± ° 
الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الآخِرَةِ أَوْلَى، فَإِنْ عُوَّدَهُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ نَشَأَ 
عَلَيْهِ، وَشَارَكَهُ وَمُعَلِّمهُ فِي ثَوَابِهِ. 
فَعَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُهَذِّبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ الـمَحَاسِنَ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ 
السُّوء، فَإِنَّ أَصْلَ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوَءِ، وَعَلَيْهِ رَضَاعُهُ 
وَحَضَانَتُهُ مِنْ صَالِـحَةٍ تَأْكُلُ مِنْ مَحْضِ الْـحَلَالِ؛ فَإِنَّ اللَّبَنَ الحَاصِلَ مِنَ 
الحَرَامِ لَا بَرَكَةَ فِيهِ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ نُشُوءُ الصَّبِيِّ انْعَجَنَتْ طِينَتُهُ مِنَ 
الخُبْثِ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى مَا يُنَاسِبُ الخَبَائِثَ. 
- 2 -
وَالحَيَاءُ عِنْدَ التَّمْيِيزِ بُشْرَى كَمَالِ الصَّبِيِّ، فَإِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي 
وَيَتْرُكُ بَعْضَ الأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ العَقْلِ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى 
بَعْضَ الأَشْيَاءِ قَبِيحًا وَمُخَالِفًا لِلْبَعْضِ، فَصَارَ يَسْتَحِي مِنْ شَيْءٍ دُونَ 
شَيْءٍ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَبِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِدَالِ الأَخْلَاقِ 
وَصَفَاءِ القَلْبِ، وَهُوَ مُبَشِّرٌ بِكَمَالِ العَقْلِ عِنْدَ البُلُوغِ. 
وَيُعَوِّدَهُ خُشُونَةَ قُوتِهِ وَلُبْسِهِ وَفِرَاشِهِ وَآدَابَهَا، فَمِنَ الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ 
عِنْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْ « بِسْمِ اللَّـهِ » : لِلطَّعَامِ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَيَقُولُ 
يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ، مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ، بَلْ 
يَصْبِرُ عَنْ مَدِّ اليَدِ حَتَّى يَمُدَّ غَيْرُهُ، وَأَنْ لَا يُطِيلَ التَّحْدِيقَ إِلَى طَعَامٍ وَلَا 
إِلَى مَنْ يَأْكُل، وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الأَكْلِ، وَأَنْ يَمْضَغَ الطَّعَامَ مَضْغًا جَيِّدًا 
بِأَسْنَانِهِ، وَأَنْ لَا يُتَابِعَ بَيْنَ اللُّقَمِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ الشَّرَهِ وَدَنَاءَةِ 
النَّفْسِ وَالهِمَّةِ، وَأَنْ لَا يُلَطِّخَ يَدَهُ بِالطَّعَامِ غَيْرَ أَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا ثَوْبَهُ 
بِأَنْ يَتَسَاقَطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ. 
وَيَذُمَّ لَهُ كَثْرَةُ الأَكْلِ بِأَنْ يُشَبَّهَ مَنْ يُكْثِرُ الأَكْلَ بِالبَهَائِمِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ 
بِتَمْيِيزِهِ يُدْرِكُ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالبَهَائِمِ مُسْتَرْذَلٌ، وَيُذَمُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي 
- 3 -
يُكْثِرُ الأَكْلَ، وَيُمْدَحَ عِنْدَهُ الـمُتَأَدِّبُ القَلِيلُ الأَكْلِ، فَتَرَاهُ أَبَدًا يَمِيلُ إِلَى 
الـمَمْدُوحِ وَيَهْرَبُ مِنَ الـمَذْمُومِ. 
وَيَذُمَّ لَهُ حُبُّ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالطَّمَعُ فِيهِمَا، وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا 
أَكْثَرَ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ الحَيَّاتِ وَالعَقَارِبِ، فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ 
وَالطَّمَعِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ، بَلْ عَلَى الأَكَابِرِ أَيْضًا. 
وَيُقَبِّحَ إِلَيْهِ الأَخْذُ مِنْ الغَيْرِ، بَلْ يُعَلَّمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي العَطَاءِ لِلْغَيْرِ، لَا 
فِي الأَخْذِ مِنَ الغَيْرِ، وَأَنَّ الأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ 
الفُقَرَاءِ فَيُعَلَّمُ أَنَّ الأَخْذَ وَالطَّمَعَ مَهَانَةٌ وَمَذَلَّةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ 
الكَلْبِ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ الحَيَوَانَاتِ، فَإِنَّهُ يَتَبَصْبَصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ. 
وَيَذُمَّ لَهُ الثِّيَابٌ المُلَوَّنَةَ وَيُقَرِّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالـمُخَنَّثِينَ 
الـمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ، وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ وَيُعْرِضُونَ عَنْهُ، وَيُكَرِّرَ 
عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَرْسَخَ فِي ذِهْنِهِ. 
وَيَقِيهِ صُحْبَةَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالتَّرَفُّهَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ 
الفَاخِرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُكَلِّفَ أَبَوَيْهِ بِمِثْلِ لِبَاسِهِمْ، وَيَقِيهِ 
الأَشْعَارَ الـمُغَزَّلَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ العِشْقِ وَأَهْلِهِ وَحِكَايَاتِهِمْ وَمَا جَرَى 
لفًا.  لَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ تَكَ 
- 4 -
وَيَحْفَظَهُ أَيْضًا عَنْ مُخَالَطَةِ الأُدَبَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ شُعَرَاءَ وَأَنَّ 
ذَلِكَ مِنَ الظَّرْفِ وَرِقَّةِ الطَّبْعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قَلْبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ 
الفَسَادِ، وَيَعْسُرُ إِزَالَتُهُ بَعْدُ. 
وَيَقِيهِ عَمَّا سِوَى القُرْآنِ ثُمَّ السُّنَّةِ ثُمَّ سِيَرِ الصُّلَحَاءِ، وَيُجَازِيهِ بِكُلِّ 
صِفَةٍ جَمِيلَةٍ وَيَمْدَحُهُ بِهَا فِي النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الفِعْلَ الجَمِيلَ. 
سرا، وَلَا يُكْثِرُ فَتَهُونُ عَلَيْهِ  وَيَتَغَافَلُ عَنْ تَقْصِيرِهْ، وَإِنْ عَادَ عُوتِبَ ِ 
الـمَلَامَةُ. 
وَلِيَكُنِ الْأَبُ حَافِظًا هَيْبَةَ الكَلَامِ مَعَهُ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا لِتَكُونَ 
هَيْبَتُهُ فِي قَلْبِهِ دَائِمًا. 
وَيَنْبَغِي لِلْأُمِّ أَنْ تُخَوِّفَهُ بِالأَبِ وَتَزْجُرَهُ عَنِ القَبَائِحِ؛ إِذِ الصَّبِيُّ يَهَابُ 
الأَبَ أَكْثَرَ مِنَ الأُمِّ لِكَثْرَةِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ طَبْعًا. 
وَيُمْنَعُ الصَّبِيُّ رَفَاهِيَّةَ النَّوْمِ مِنَ الفُرُشِ اللَّيِّنَةِ حَتَّى لَا يَرِقَّ بَدَنُهُ فَلَا 
يَصْبِرَ عَلَى التَّنَعُّمِ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ يُعَوَّدُ الخُشُونَةَ فِي الفُرُشِ وَالـمَلْبَسِ 
وَالـمَطْعَمِ كَيْ لَا يَكْسَلَ وَتَفْتُرَ قُوَاهُ، وَيُمْنَعُ مِنِ افْتِخَارِهِ بِشَيْءٍ. 
- 5 -
وَيُعَوَّدُ الصَّبِيُّ التَّوَاضَعَ وَالإِكْرَامَ لِـمُعَاشِرِيهِ، وَعَدَمَ بَصْقِهِ وَمَخْطِهِ 
وَتَثَاؤُبِهِ بِمَحْضَرٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَلْيَكْظِمْهُ، وَيُمْنَعُ وَضْعَ رِجْلٍ عَلَى 
رِجْلٍ، ويُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الجُلُوسِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ أَبَدًا عَلَى رُكْبَتَيَهْ كَمَا 
يَجْلِسُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَرْفَعُ إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا وَلَا 
مُتَوَرِّكًا. 
وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الكَلَامِ، وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الوَقَاحَةِ وَقِلَّةِ الحَيَاءِ، 
وَأَنَّهُ عَادَةُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ، وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا جَوَابًا لِلْكَلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ 
مُخْتَصَرًا بِقَدْرِ السُّؤَالِ، وَيُعَوَّدُ حُسْنَ الاسْتِمَاعِ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ 
ا مِنْهُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ.  أَكْبَرُ سِن 
وَيُرَوِّحُ نَادِرًا بِلَعِبٍ جَمِيلٍ مِنْ وَهَجِ تَأْدِيبِهِ؛ فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ 
اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ وَيُبَلِّدُ فَهْمَهُ 
وَيُنَغِّصُ العَيْشَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَطْلُبَ الحِيلَةَ فِي الخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا. 
ا مِنْهُ  وَيُعَلَّمُ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَالبِرِّ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِن 
مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الجَلَالَةِ وَالتَّعْظِيمِ. 
- 6 -
مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ » : وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ لقوله صلى الله عليه وسلم 
سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي 
وَيُعَوَّدُ الطَّهَارَةَ شَرْعًا، وَلَا يُسْمَحُ لَهُ فِي تَرْكِهَا. ،« الـمَضَاجِعِ 
وَمَعَ قُرْبِ بُلُوغِهِ تُلْقَى إِلَيْهِ الأُمُورُ بِأَنْ يُعَلَّمَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ 
مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ، وَيُخَوَّفُ مِنَ السَّرِقَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّ طَبْعَ الصِّبْيَانِ يَمِيلُ 
إِلَيْهَا كَثِيرًا، وَمِنْ أَكْلِ الحَرَامِ، وَمِنَ الْكَذِبِ فِي القَوْلِ، وَمِنَ الخِيَانَةِ 
وَالغِشِّ وَكُلِّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ مِنَ الأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، فَإِذَا كَانَ 
نُشُوءُهُ كَذَلِكَ فِي الصِّبَا فَمَهْمَا قَارَنَ البُلُوغَ أَمْكَنَ أَنْ يَعْرِفَ أَسْرَارَ هَذِهِ 
الأُمُورِ تَفْصِيلًا. 
وَيُعْلَمُ أَنَّ الـمُرَادَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ تَقْوِيَةُ بَدَنِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ 
الـمَوْتَ يَقْطَعُ نَعِيمَ الدُّنْيَا، وَأَنَّ العَاقِلَ يَنْتَظِرُ الـمَوْتَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، 
فَيَتَزَوَّدُ لِآخِرَتِهِ وَيَجْعَلُ الدُّنْيَا كَالقَنْطَرَةِ يَعْبُرُ عَلَيْهَا وَلَا يَعْمُرُهَا، وَيَأْخُذُ 
الأَعْمَالَ الصَّالحَِةَ الوَاقِعَةَ بِمَنْزِلَةِ الزَّادِ الَّذِي يُبَلِّغُهُ فِي سَفَرِهِ مِنْهَا لِلْآخِرَةِ، 
حَتَّى تَعْظُمَ عِنْدَ اللَّـهِ دَرَجَتُهُ وَتَتَّسِعَ فِي الجِنَانِ نِعْمَتُهُ. 
وَبِنُشُوءِهِ صَالِـحاً يَثْبُتُ هَذَا فِي قَلْبِهِ كَنَقْشٍ فِي حَجَرٍ، فَلَا يَكَادُ 
يَمْتَحِي مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ النُّشُوءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى أَلِفَ الصَّبِيُّ اللَّعِبَ 
- 7 -
وَالفُحْشَ وَالوَقَاحَةَ وَقِلَّةَ الحَيَاءِ وَشَرَهَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالتَّزَيُّنَ 
وَالتَّفَاخُرَ نَبَا قَلْبُهُ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ، فَأَوَائِلُ الأُمُورِ هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ 
تُرَاعَى، فَإِنَّ الصَّبِيَّ خُلِقَ بِجَوْهَرِهِ قَابِلًا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ 
كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ » : يَمِيلَانِ بِهِ إِلَى أَحَدِ الجَانِبَيْنِ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صلى الله عليه وسلم 
.« عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ 
وَقَدْ كَانَ سَهْلٌ بْنُ عَبْدِ اللَّـهِ التُّسْتَرِيِّ يَقُومُ اللَّيْلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ 
سِنِينَ لَيْنُظَرَ إِلَى صَلَاةِ خَالِهِ مُحَّمَدِ بْنِ سِوَارٍ البَصْرِيِّ، فقِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ 
خَالِهِ: أَلَا تَذْكُرُ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَكَ؟ فَقَالَ لَهُ سَهْلٌ: كَيْفَ أَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ لَهُ 
خَالُهُ: قُلْ بِقَلْبِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَكَ: اللهُ مَعِي، اللهُ نَاظِرٌ إِلَيَّ، اللهُ 
شَاهِدٌ عَلَيَّ. 
ثم قال له: قُلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْلَمَ 
خَالَهُ بِحَالِهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِحْدَى عَشَرَ مَرَّةً، فَوَجَدَ حَلَاوَتَهُ 
احْفَظْ » : فَصَارَ يُلَازِمُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ هَكَذَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ قَالَ لَهُ خَالُهُ 
مَا عَلَّمْتُكَ، وَدُمْ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ القَبْرَ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، 
مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ حَيَاةُ القَلْبِ وَالـمَعْرِفَةُ، وَقَلْبُ العَارِفِ لَا 
- 8 -
يا فِي قَبْرِهِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الـمدَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَنْ كَانَ  يَمُوتُ، بَلْ لَا يَزَالُ حَ 
اللهُ مَعَهُ وَنَاظِرًا إِلَيْهِ وَشَاهِدَهُ أَيَعْصِيهِ؟! إِيَّاكَ وَالـمَعْصِيَةَ. 
وَحَفِظَ سَهْلٌ القُرْآنَ لِنَحْوِ سَبْعٍ، وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَقُوتُهُ الشَّعِيرُ، 
ثُمَّ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهَ، وَالـمَقْصُودُ مِنْ سَرْدِ هَذِهِ الحِكَايَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَوَائِلَ 
الأُمُورِ إِذَا رُوعِيَتْ تَتْبَعُهَا الـمَنَاهِي، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى 
آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. 
- 9 -

More Related Content

What's hot

改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」
改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」
改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」HealthcareBitStation
 
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual VideosDeep Learning JP
 
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律査読コメントに回答する時の、3つの黄金律
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律英文校正エディテージ
 
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏The Whole Brain Architecture Initiative
 
明日から読めるメタ・アナリシス
明日から読めるメタ・アナリシス明日から読めるメタ・アナリシス
明日から読めるメタ・アナリシスYasuyuki Okumura
 
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察hasegawamakoto
 
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828Beckett Hsieh
 
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAM
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAMLSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAM
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAMEndoYuuki
 
oTreeの概要と実験方法の展開可能性について
oTreeの概要と実験方法の展開可能性についてoTreeの概要と実験方法の展開可能性について
oTreeの概要と実験方法の展開可能性についてAkira Goto
 
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪Beckett Hsieh
 
81717861 diskinezia-ciliară-primară
81717861 diskinezia-ciliară-primară81717861 diskinezia-ciliară-primară
81717861 diskinezia-ciliară-primarăNicoleta Gordila
 
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimation
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose EstimationDLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimation
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimationharmonylab
 
RandomForestとR package
RandomForestとR packageRandomForestとR package
RandomForestとR packageShuma Ishigami
 
Tokyo r #37 Rubin's Rule
Tokyo r #37 Rubin's RuleTokyo r #37 Rubin's Rule
Tokyo r #37 Rubin's RuleHiroki Matsui
 
コサインクラスタリング
コサインクラスタリングコサインクラスタリング
コサインクラスタリングosamu morimoto
 
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2宏喜 佐野
 
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会Katsuya Ito
 
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)Senshu University
 
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926Beckett Hsieh
 
Tableau Map Hands-on Guide
Tableau Map Hands-on GuideTableau Map Hands-on Guide
Tableau Map Hands-on GuideRyusuke Ashiya
 

What's hot (20)

改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」
改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」
改正個人情報保護法対応「医療現場でのQ&Aについて」
 
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos
[DL輪読会]BANMo: Building Animatable 3D Neural Models from Many Casual Videos
 
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律査読コメントに回答する時の、3つの黄金律
査読コメントに回答する時の、3つの黄金律
 
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏
進化したWBAアプローチの現在@第5回WBAシンポジウム: 山川宏
 
明日から読めるメタ・アナリシス
明日から読めるメタ・アナリシス明日から読めるメタ・アナリシス
明日から読めるメタ・アナリシス
 
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察
ラドン変換を用いた消失点検出による射影歪み補正の考察
 
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828
SEM(structural equation modeling)結構方程模型-潛在成長模型-三星統計張偉豪-20140828
 
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAM
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAMLSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAM
LSD-SLAM:Large Scale Direct Monocular SLAM
 
oTreeの概要と実験方法の展開可能性について
oTreeの概要と実験方法の展開可能性についてoTreeの概要と実験方法の展開可能性について
oTreeの概要と実験方法の展開可能性について
 
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪
SEM結構方程模型與Amos-潛在成長模型-三星統計張偉豪
 
81717861 diskinezia-ciliară-primară
81717861 diskinezia-ciliară-primară81717861 diskinezia-ciliară-primară
81717861 diskinezia-ciliară-primară
 
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimation
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose EstimationDLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimation
DLゼミ: ViTPose: Simple Vision Transformer Baselines for Human Pose Estimation
 
RandomForestとR package
RandomForestとR packageRandomForestとR package
RandomForestとR package
 
Tokyo r #37 Rubin's Rule
Tokyo r #37 Rubin's RuleTokyo r #37 Rubin's Rule
Tokyo r #37 Rubin's Rule
 
コサインクラスタリング
コサインクラスタリングコサインクラスタリング
コサインクラスタリング
 
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2
マーケティングサイエンス徹底入門と実践Part2
 
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会
金融時系列解析入門 AAMAS2021 著者発表会
 
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)
PROMISの取り組み(IRTを使った項目バンク作成)
 
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926
演講 無痛完成Sem與Amos論文-三星統計謝章升-20140926
 
Tableau Map Hands-on Guide
Tableau Map Hands-on GuideTableau Map Hands-on Guide
Tableau Map Hands-on Guide
 

Viewers also liked

Viewers also liked (8)

Shrh adudya
Shrh adudyaShrh adudya
Shrh adudya
 
نظم أبواب الانتصار
نظم أبواب الانتصارنظم أبواب الانتصار
نظم أبواب الانتصار
 
إعانة المتوجه المسكين
إعانة المتوجه المسكينإعانة المتوجه المسكين
إعانة المتوجه المسكين
 
1 100
1 1001 100
1 100
 
نظم نكت الانتصار
نظم نكت الانتصارنظم نكت الانتصار
نظم نكت الانتصار
 
فتوى ابن رشد
فتوى ابن رشدفتوى ابن رشد
فتوى ابن رشد
 
المولد النبوي احتفاء وتذكير
المولد النبوي احتفاء وتذكيرالمولد النبوي احتفاء وتذكير
المولد النبوي احتفاء وتذكير
 
النفح العنبري ف&#1
النفح العنبري ف&#1النفح العنبري ف&#1
النفح العنبري ف&#1
 

Similar to البيان

إختصار علوم الحديث لإبن كثير
إختصار علوم الحديث لإبن كثيرإختصار علوم الحديث لإبن كثير
إختصار علوم الحديث لإبن كثيرhusseinrm42
 
أنا وكافل اليتيم
أنا وكافل اليتيمأنا وكافل اليتيم
أنا وكافل اليتيمDr. Abeer Kamal
 
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجر
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجرمهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجر
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجرأم حنين الموحدة
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001asrujacxtup
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001srujacxtup
 
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)Moustapha Sy
 
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايا
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايامن دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايا
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطاياAlMaymana
 
Asmaa mawled
Asmaa mawledAsmaa mawled
Asmaa mawledRid Abd
 
Iam muslim ara
Iam muslim araIam muslim ara
Iam muslim araiam-muslim
 
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبةالفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبةسمير بسيوني
 
الأثر الخالد في الولد والوالد.doc
الأثر الخالد في الولد والوالد.docالأثر الخالد في الولد والوالد.doc
الأثر الخالد في الولد والوالد.dochayaahealth
 
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساء
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساءمن دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساء
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساءAlMaymana
 
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)Moustapha Sy
 
مفتاح النجاح عائض القرني
مفتاح النجاح   عائض القرنيمفتاح النجاح   عائض القرني
مفتاح النجاح عائض القرنيAbdullah Assaf
 

Similar to البيان (20)

إختصار علوم الحديث لإبن كثير
إختصار علوم الحديث لإبن كثيرإختصار علوم الحديث لإبن كثير
إختصار علوم الحديث لإبن كثير
 
أنا وكافل اليتيم
أنا وكافل اليتيمأنا وكافل اليتيم
أنا وكافل اليتيم
 
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجر
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجرمهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجر
مهارات عملية للإستيقاظ لصلاة الفجر
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
 
4151
41514151
4151
 
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba korite de Serigne Sam Mbaye(ra)
 
1417
14171417
1417
 
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايا
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايامن دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايا
من دعائه(ع) إذا أحزنه أمر وأهمّته الخطايا
 
130
130130
130
 
Asmaa mawled
Asmaa mawledAsmaa mawled
Asmaa mawled
 
البركة
البركةالبركة
البركة
 
Iam muslim ara
Iam muslim araIam muslim ara
Iam muslim ara
 
الطب النبوى
الطب النبوىالطب النبوى
الطب النبوى
 
العربة (4) لكلية الدينية
العربة (4) لكلية الدينيةالعربة (4) لكلية الدينية
العربة (4) لكلية الدينية
 
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبةالفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة
الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة
 
الأثر الخالد في الولد والوالد.doc
الأثر الخالد في الولد والوالد.docالأثر الخالد في الولد والوالد.doc
الأثر الخالد في الولد والوالد.doc
 
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساء
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساءمن دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساء
من دعائِهِ ( ع) عند الصباح و المساء
 
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)
Qutba tabaski de Serigne Sam Mbaye(ra)
 
مفتاح النجاح عائض القرني
مفتاح النجاح   عائض القرنيمفتاح النجاح   عائض القرني
مفتاح النجاح عائض القرني
 

More from حمادي نزار

المختصر في علم الأخلاق Copy.doc
المختصر في علم الأخلاق   Copy.docالمختصر في علم الأخلاق   Copy.doc
المختصر في علم الأخلاق Copy.docحمادي نزار
 
تعليق نظم الياقوتة.Doc
تعليق نظم الياقوتة.Docتعليق نظم الياقوتة.Doc
تعليق نظم الياقوتة.Docحمادي نزار
 
أركان الإيمان بالله تعالى
أركان الإيمان بالله تعالىأركان الإيمان بالله تعالى
أركان الإيمان بالله تعالىحمادي نزار
 
شرح عنوان الحكم.Doc
شرح عنوان الحكم.Docشرح عنوان الحكم.Doc
شرح عنوان الحكم.Docحمادي نزار
 
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاح
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاحعقيدة الفلاح ومنهج الصلاح
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاححمادي نزار
 
سبك الشذرات الذهبية.Doc
سبك الشذرات الذهبية.Docسبك الشذرات الذهبية.Doc
سبك الشذرات الذهبية.Docحمادي نزار
 
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسية
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسيةالفوائد السنية على الحفيدة السنوسية
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسيةحمادي نزار
 
نظم الغماد في التوحيد
نظم الغماد في التوحيدنظم الغماد في التوحيد
نظم الغماد في التوحيدحمادي نزار
 
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين Orientation des débutants pour connaitre...
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين   Orientation des débutants pour connaitre...هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين   Orientation des débutants pour connaitre...
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين Orientation des débutants pour connaitre...حمادي نزار
 

More from حمادي نزار (16)

سفينة النجا
سفينة النجاسفينة النجا
سفينة النجا
 
المختصر في علم الأخلاق Copy.doc
المختصر في علم الأخلاق   Copy.docالمختصر في علم الأخلاق   Copy.doc
المختصر في علم الأخلاق Copy.doc
 
أوجز السير Copy
أوجز السير   Copyأوجز السير   Copy
أوجز السير Copy
 
تعليق نظم الياقوتة.Doc
تعليق نظم الياقوتة.Docتعليق نظم الياقوتة.Doc
تعليق نظم الياقوتة.Doc
 
أركان الإيمان بالله تعالى
أركان الإيمان بالله تعالىأركان الإيمان بالله تعالى
أركان الإيمان بالله تعالى
 
شرح عنوان الحكم.Doc
شرح عنوان الحكم.Docشرح عنوان الحكم.Doc
شرح عنوان الحكم.Doc
 
متن الصغرى.Doc
متن الصغرى.Docمتن الصغرى.Doc
متن الصغرى.Doc
 
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاح
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاحعقيدة الفلاح ومنهج الصلاح
عقيدة الفلاح ومنهج الصلاح
 
سبك الشذرات الذهبية.Doc
سبك الشذرات الذهبية.Docسبك الشذرات الذهبية.Doc
سبك الشذرات الذهبية.Doc
 
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسية
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسيةالفوائد السنية على الحفيدة السنوسية
الفوائد السنية على الحفيدة السنوسية
 
أصول الطريقة
أصول الطريقةأصول الطريقة
أصول الطريقة
 
نظم الغماد في التوحيد
نظم الغماد في التوحيدنظم الغماد في التوحيد
نظم الغماد في التوحيد
 
تحفة المحبين
تحفة المحبينتحفة المحبين
تحفة المحبين
 
السلم المنورق
السلم المنورقالسلم المنورق
السلم المنورق
 
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين Orientation des débutants pour connaitre...
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين   Orientation des débutants pour connaitre...هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين   Orientation des débutants pour connaitre...
هداية المبتدئين لمعرفة أركان الدين Orientation des débutants pour connaitre...
 
Akida brhn
Akida brhnAkida brhn
Akida brhn
 

البيان

  • 1. البيان لِقَواعِدِ تأْدِيبِ الصبيان ف تأ ادي نزار
  • 2. $ # ! الحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ العَالَـمِين، وَصَلَّى الـلَّهُ وَسَلَّم عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الأَمِين، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. وَبَعْدُ؛ فَهَذَا بَيَانٌ لجُِمْلَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ، لَخَّصْتُهَا مِنْ كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لِلْإِمَامِ الغَزَّالِيِّ حُجَّةِ الإِسْلَامِ، وَشَرْحِهِ لِلشَّرِيفِ العَلَّامَةِ الـمُرْتَضَى الحُسَيْنِيِّ الهُـمَام. ¯ ® ¬ « ﴿ : الصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى التحريم: ٦]، وَمَهْمَا كَانَ الأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ ] ﴾ ² ± ° الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الآخِرَةِ أَوْلَى، فَإِنْ عُوَّدَهُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ نَشَأَ عَلَيْهِ، وَشَارَكَهُ وَمُعَلِّمهُ فِي ثَوَابِهِ. فَعَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُهَذِّبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ الـمَحَاسِنَ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوء، فَإِنَّ أَصْلَ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوَءِ، وَعَلَيْهِ رَضَاعُهُ وَحَضَانَتُهُ مِنْ صَالِـحَةٍ تَأْكُلُ مِنْ مَحْضِ الْـحَلَالِ؛ فَإِنَّ اللَّبَنَ الحَاصِلَ مِنَ الحَرَامِ لَا بَرَكَةَ فِيهِ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ نُشُوءُ الصَّبِيِّ انْعَجَنَتْ طِينَتُهُ مِنَ الخُبْثِ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى مَا يُنَاسِبُ الخَبَائِثَ. - 2 -
  • 3. وَالحَيَاءُ عِنْدَ التَّمْيِيزِ بُشْرَى كَمَالِ الصَّبِيِّ، فَإِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ العَقْلِ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى بَعْضَ الأَشْيَاءِ قَبِيحًا وَمُخَالِفًا لِلْبَعْضِ، فَصَارَ يَسْتَحِي مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَبِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِدَالِ الأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ القَلْبِ، وَهُوَ مُبَشِّرٌ بِكَمَالِ العَقْلِ عِنْدَ البُلُوغِ. وَيُعَوِّدَهُ خُشُونَةَ قُوتِهِ وَلُبْسِهِ وَفِرَاشِهِ وَآدَابَهَا، فَمِنَ الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْ « بِسْمِ اللَّـهِ » : لِلطَّعَامِ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَيَقُولُ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ، مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ، بَلْ يَصْبِرُ عَنْ مَدِّ اليَدِ حَتَّى يَمُدَّ غَيْرُهُ، وَأَنْ لَا يُطِيلَ التَّحْدِيقَ إِلَى طَعَامٍ وَلَا إِلَى مَنْ يَأْكُل، وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الأَكْلِ، وَأَنْ يَمْضَغَ الطَّعَامَ مَضْغًا جَيِّدًا بِأَسْنَانِهِ، وَأَنْ لَا يُتَابِعَ بَيْنَ اللُّقَمِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ الشَّرَهِ وَدَنَاءَةِ النَّفْسِ وَالهِمَّةِ، وَأَنْ لَا يُلَطِّخَ يَدَهُ بِالطَّعَامِ غَيْرَ أَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا ثَوْبَهُ بِأَنْ يَتَسَاقَطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ. وَيَذُمَّ لَهُ كَثْرَةُ الأَكْلِ بِأَنْ يُشَبَّهَ مَنْ يُكْثِرُ الأَكْلَ بِالبَهَائِمِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ بِتَمْيِيزِهِ يُدْرِكُ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالبَهَائِمِ مُسْتَرْذَلٌ، وَيُذَمُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي - 3 -
  • 4. يُكْثِرُ الأَكْلَ، وَيُمْدَحَ عِنْدَهُ الـمُتَأَدِّبُ القَلِيلُ الأَكْلِ، فَتَرَاهُ أَبَدًا يَمِيلُ إِلَى الـمَمْدُوحِ وَيَهْرَبُ مِنَ الـمَذْمُومِ. وَيَذُمَّ لَهُ حُبُّ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالطَّمَعُ فِيهِمَا، وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ الحَيَّاتِ وَالعَقَارِبِ، فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ، بَلْ عَلَى الأَكَابِرِ أَيْضًا. وَيُقَبِّحَ إِلَيْهِ الأَخْذُ مِنْ الغَيْرِ، بَلْ يُعَلَّمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي العَطَاءِ لِلْغَيْرِ، لَا فِي الأَخْذِ مِنَ الغَيْرِ، وَأَنَّ الأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الفُقَرَاءِ فَيُعَلَّمُ أَنَّ الأَخْذَ وَالطَّمَعَ مَهَانَةٌ وَمَذَلَّةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الكَلْبِ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ الحَيَوَانَاتِ، فَإِنَّهُ يَتَبَصْبَصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ. وَيَذُمَّ لَهُ الثِّيَابٌ المُلَوَّنَةَ وَيُقَرِّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالـمُخَنَّثِينَ الـمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ، وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ وَيُعْرِضُونَ عَنْهُ، وَيُكَرِّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَرْسَخَ فِي ذِهْنِهِ. وَيَقِيهِ صُحْبَةَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالتَّرَفُّهَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ الفَاخِرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُكَلِّفَ أَبَوَيْهِ بِمِثْلِ لِبَاسِهِمْ، وَيَقِيهِ الأَشْعَارَ الـمُغَزَّلَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ العِشْقِ وَأَهْلِهِ وَحِكَايَاتِهِمْ وَمَا جَرَى لفًا.  لَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ تَكَ - 4 -
  • 5. وَيَحْفَظَهُ أَيْضًا عَنْ مُخَالَطَةِ الأُدَبَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ شُعَرَاءَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الظَّرْفِ وَرِقَّةِ الطَّبْعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قَلْبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ الفَسَادِ، وَيَعْسُرُ إِزَالَتُهُ بَعْدُ. وَيَقِيهِ عَمَّا سِوَى القُرْآنِ ثُمَّ السُّنَّةِ ثُمَّ سِيَرِ الصُّلَحَاءِ، وَيُجَازِيهِ بِكُلِّ صِفَةٍ جَمِيلَةٍ وَيَمْدَحُهُ بِهَا فِي النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الفِعْلَ الجَمِيلَ. سرا، وَلَا يُكْثِرُ فَتَهُونُ عَلَيْهِ  وَيَتَغَافَلُ عَنْ تَقْصِيرِهْ، وَإِنْ عَادَ عُوتِبَ ِ الـمَلَامَةُ. وَلِيَكُنِ الْأَبُ حَافِظًا هَيْبَةَ الكَلَامِ مَعَهُ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا لِتَكُونَ هَيْبَتُهُ فِي قَلْبِهِ دَائِمًا. وَيَنْبَغِي لِلْأُمِّ أَنْ تُخَوِّفَهُ بِالأَبِ وَتَزْجُرَهُ عَنِ القَبَائِحِ؛ إِذِ الصَّبِيُّ يَهَابُ الأَبَ أَكْثَرَ مِنَ الأُمِّ لِكَثْرَةِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ طَبْعًا. وَيُمْنَعُ الصَّبِيُّ رَفَاهِيَّةَ النَّوْمِ مِنَ الفُرُشِ اللَّيِّنَةِ حَتَّى لَا يَرِقَّ بَدَنُهُ فَلَا يَصْبِرَ عَلَى التَّنَعُّمِ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ يُعَوَّدُ الخُشُونَةَ فِي الفُرُشِ وَالـمَلْبَسِ وَالـمَطْعَمِ كَيْ لَا يَكْسَلَ وَتَفْتُرَ قُوَاهُ، وَيُمْنَعُ مِنِ افْتِخَارِهِ بِشَيْءٍ. - 5 -
  • 6. وَيُعَوَّدُ الصَّبِيُّ التَّوَاضَعَ وَالإِكْرَامَ لِـمُعَاشِرِيهِ، وَعَدَمَ بَصْقِهِ وَمَخْطِهِ وَتَثَاؤُبِهِ بِمَحْضَرٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَلْيَكْظِمْهُ، وَيُمْنَعُ وَضْعَ رِجْلٍ عَلَى رِجْلٍ، ويُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الجُلُوسِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ أَبَدًا عَلَى رُكْبَتَيَهْ كَمَا يَجْلِسُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَرْفَعُ إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا وَلَا مُتَوَرِّكًا. وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الكَلَامِ، وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الوَقَاحَةِ وَقِلَّةِ الحَيَاءِ، وَأَنَّهُ عَادَةُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ، وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا جَوَابًا لِلْكَلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَصَرًا بِقَدْرِ السُّؤَالِ، وَيُعَوَّدُ حُسْنَ الاسْتِمَاعِ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ ا مِنْهُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ.  أَكْبَرُ سِن وَيُرَوِّحُ نَادِرًا بِلَعِبٍ جَمِيلٍ مِنْ وَهَجِ تَأْدِيبِهِ؛ فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ وَيُبَلِّدُ فَهْمَهُ وَيُنَغِّصُ العَيْشَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَطْلُبَ الحِيلَةَ فِي الخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا. ا مِنْهُ  وَيُعَلَّمُ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَالبِرِّ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِن مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الجَلَالَةِ وَالتَّعْظِيمِ. - 6 -
  • 7. مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ » : وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ لقوله صلى الله عليه وسلم سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي وَيُعَوَّدُ الطَّهَارَةَ شَرْعًا، وَلَا يُسْمَحُ لَهُ فِي تَرْكِهَا. ،« الـمَضَاجِعِ وَمَعَ قُرْبِ بُلُوغِهِ تُلْقَى إِلَيْهِ الأُمُورُ بِأَنْ يُعَلَّمَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ، وَيُخَوَّفُ مِنَ السَّرِقَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّ طَبْعَ الصِّبْيَانِ يَمِيلُ إِلَيْهَا كَثِيرًا، وَمِنْ أَكْلِ الحَرَامِ، وَمِنَ الْكَذِبِ فِي القَوْلِ، وَمِنَ الخِيَانَةِ وَالغِشِّ وَكُلِّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ مِنَ الأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، فَإِذَا كَانَ نُشُوءُهُ كَذَلِكَ فِي الصِّبَا فَمَهْمَا قَارَنَ البُلُوغَ أَمْكَنَ أَنْ يَعْرِفَ أَسْرَارَ هَذِهِ الأُمُورِ تَفْصِيلًا. وَيُعْلَمُ أَنَّ الـمُرَادَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ تَقْوِيَةُ بَدَنِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الـمَوْتَ يَقْطَعُ نَعِيمَ الدُّنْيَا، وَأَنَّ العَاقِلَ يَنْتَظِرُ الـمَوْتَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، فَيَتَزَوَّدُ لِآخِرَتِهِ وَيَجْعَلُ الدُّنْيَا كَالقَنْطَرَةِ يَعْبُرُ عَلَيْهَا وَلَا يَعْمُرُهَا، وَيَأْخُذُ الأَعْمَالَ الصَّالحَِةَ الوَاقِعَةَ بِمَنْزِلَةِ الزَّادِ الَّذِي يُبَلِّغُهُ فِي سَفَرِهِ مِنْهَا لِلْآخِرَةِ، حَتَّى تَعْظُمَ عِنْدَ اللَّـهِ دَرَجَتُهُ وَتَتَّسِعَ فِي الجِنَانِ نِعْمَتُهُ. وَبِنُشُوءِهِ صَالِـحاً يَثْبُتُ هَذَا فِي قَلْبِهِ كَنَقْشٍ فِي حَجَرٍ، فَلَا يَكَادُ يَمْتَحِي مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ النُّشُوءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى أَلِفَ الصَّبِيُّ اللَّعِبَ - 7 -
  • 8. وَالفُحْشَ وَالوَقَاحَةَ وَقِلَّةَ الحَيَاءِ وَشَرَهَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالتَّزَيُّنَ وَالتَّفَاخُرَ نَبَا قَلْبُهُ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ، فَأَوَائِلُ الأُمُورِ هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى، فَإِنَّ الصَّبِيَّ خُلِقَ بِجَوْهَرِهِ قَابِلًا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ » : يَمِيلَانِ بِهِ إِلَى أَحَدِ الجَانِبَيْنِ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صلى الله عليه وسلم .« عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ وَقَدْ كَانَ سَهْلٌ بْنُ عَبْدِ اللَّـهِ التُّسْتَرِيِّ يَقُومُ اللَّيْلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ لَيْنُظَرَ إِلَى صَلَاةِ خَالِهِ مُحَّمَدِ بْنِ سِوَارٍ البَصْرِيِّ، فقِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ خَالِهِ: أَلَا تَذْكُرُ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَكَ؟ فَقَالَ لَهُ سَهْلٌ: كَيْفَ أَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ لَهُ خَالُهُ: قُلْ بِقَلْبِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَكَ: اللهُ مَعِي، اللهُ نَاظِرٌ إِلَيَّ، اللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ. ثم قال له: قُلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْلَمَ خَالَهُ بِحَالِهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِحْدَى عَشَرَ مَرَّةً، فَوَجَدَ حَلَاوَتَهُ احْفَظْ » : فَصَارَ يُلَازِمُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ هَكَذَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ قَالَ لَهُ خَالُهُ مَا عَلَّمْتُكَ، وَدُمْ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ القَبْرَ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ حَيَاةُ القَلْبِ وَالـمَعْرِفَةُ، وَقَلْبُ العَارِفِ لَا - 8 -
  • 9. يا فِي قَبْرِهِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الـمدَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَنْ كَانَ  يَمُوتُ، بَلْ لَا يَزَالُ حَ اللهُ مَعَهُ وَنَاظِرًا إِلَيْهِ وَشَاهِدَهُ أَيَعْصِيهِ؟! إِيَّاكَ وَالـمَعْصِيَةَ. وَحَفِظَ سَهْلٌ القُرْآنَ لِنَحْوِ سَبْعٍ، وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَقُوتُهُ الشَّعِيرُ، ثُمَّ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهَ، وَالـمَقْصُودُ مِنْ سَرْدِ هَذِهِ الحِكَايَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَوَائِلَ الأُمُورِ إِذَا رُوعِيَتْ تَتْبَعُهَا الـمَنَاهِي، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. - 9 -