إذا كان العالم العربي مهد الحضارات ، ويتحفز الآن لنهضة شاملة في جميع المجالات ، نهضة تزكيها روح الانتماء ، ومشاعر الاعتداد بالماضي ، والثقة في المستقبل ، كما يحاول أن يعيش القرن إلحادي والعشرين من بوابة المتفوقين . فلا يعقل أن تكون الدول العربية رائدة الفكر والفن والحضارة والتقدم ، بعيدة عن استيعاب مفاهيم العصر وأنماطه الجديدة في عالم يشهد اليوم ثورة تكنولوجية هائلة في المعلومات والإلكترونيات والحاسبات والاتصالات تزيد بها ومعها بين الدول المتقدمة والدول النامية اتساعا وأصبح واضحا أن من يملك ناحية العلم والتكنولوجيا والمعلومات له حق البقاء ، والأمر الذي يحتم علينا أن نسابق الزمن وتضاعف الجهد ، حتى ندخل في زمرة من لهم فرصة البقاء بين الأقوياء . وحق الانتساب لهذه الصفوة ، خاصة وان العالم المتقدم لن ينتظرنا حتى نلحق به ، ولن يمد يده إلينا طواعية واختيارا ، لتزداد الصفوة واحدا بنا ، الانتساب ، والانخراط في العالم المتقدم ، بالجهد والعزيمة والإصرار ، واستيعاب آليات التقدم ، وأحداث نقله نوعيه للحياة على الأرض العربية ، وهذا لن يأتي إلا من خلال التعليم المتميز .
أن أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل في أي منطقة من العالم فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة هي التعليم ، وأن كل الدول التي تقدمت – بما فيها النمور الآسيوية – تقدمت من بوابة التعليم ، بل أن الدول المتقدمة نفسها تضع التعليم في أولوية برامجها وسياستها .
ومما لا شك فيه – أيضا – آن جوهر الصراع العالمي هو سباق في تطوير التعليم ، وأن حقيقة التنافس التي يجرى في العالم هو تنافس تعليمي .
أن ثورة المعلومات ، والتكنولوجيا في العالم ، تفرض علينا أن نتحرك بسرعة وفاعلية ، لنلحق بركب هذه الثورة ، لأن من يفقد هذا السباق العلمي المعلوماتي مكانته ، لن يفقد فحسب صدارته ، ولكنه يفقد قبل ذلك أرادته ، وهذا احتمال لا نطيقه ولا يصح أن نتعرض له .
لا بد أن نفكر بطريقة عالمية ، ونتصرف بطريقة محلية ، بحيث يكون البعد العالمي جزءا أساسيا من تفكيرنا ، بما يستتبعه ذلك من نتائج تتصل بالمناهج ، طرق التدريس ، واللغة التي نستخدمها ، والأساليب التي نتبعها ، والتخصصات التي نحتاج إليها ، ونخطط لها .
أن هذا الأمر يتحتم معه مواجهة هذا التحدي والتعامل مع معطياته ، لتمكين أبناء الأمة العربية العيش في القرن إلحادي والعشرين ، وهم مسلحون بلغة العصر الجديد ومفاهيمه وآلياته ، بالقدر الذي يؤهلهم للتعامل الجيد مع آليات العصر ، واحترام الوقت واستثماره ، والقدرة على التكيف مع الظروف المحيطة .
أن الارتباط بين المعلومات التي يستقيها الإنسان ، ومكونات الحياة نفسها ، هو الطريق الطبيعي ، والمدخل الحقيقي لاستيعاب المعرفة ، والتفاعل معها والتأثر بها . فلا يعقل أن يتناول الإنسان المكون من جسم وروح وقلب ومشاعر وعواطف وغرائز تتفاعل كلها وتشكل النسيج الإنساني في النهاية ، المجتمع الذي يعيش فيه ، بجزئيات منفصلة ، أو جزر منفعلة ، ومن خلال ظواهر متفرقة وأحداث بعيدة الصلة ببعضها البعض ، لأن هذا يفقد الحياة نفسها حيويتها وديناميكيتها ، وتأثير القوى لدى الإنسان ، وتفاعل الإنسان معها .
ومع أن المعلومات بالنسبة للإنسان ، كانت منذ البداية هي أهم المقومات المميزة لوجوده ، بين الكائنات الأخرى من حوله ، آلا أن التنبه لهذه الأهمية والاستجابة لمتطلباتها ، لم يصلا من قبل إلي الدرجة المشهودة ، في الجيل الذي نعيشه الآن .
أ.م.عبدالجبار حسين الظفري