SlideShare a Scribd company logo
1 of 156
Download to read offline
‫مصطفى خلٌفة‬




                          ‫القــوقعـة‬


          ‫(( يوميات متلصص ))‬




‫جلست وسوزان فً كافٌترٌا مطار أورلً ببارٌس ننتظر إقبلع الطابرة التً ستقلنً إلى بلدي بعد ؼٌاب دام‬
                                                                          ‫ي‬
                                                                                   ‫ست سنوات.‬

                                             ‫1‬
‫حتى ربع الساعة األخٌر هذا، لم تٌؤس سوزان من محاولة إقناعً بالبقاء فً فرنسا، أخذت تكرر على مسامعً‬
           ‫نفس الحجج التً سمعتها منذ شهور عندما أعلمتها بقراري النهابً بالعودة إلى الوطن والعمل هناك.‬
 ‫أنا ابن عابلة عربٌة تدٌن بالمسٌحٌة والمذهب الكاثولٌكً . نصؾ العابلة ٌعٌش فً بارٌس ، لذلك كانت األبواب‬
   ‫مفتوحة أمامً للدراسة فً هذا البلد ، دراستً كانت سهلة ومٌسرة وخاصة إننً كنت أجٌد الفرنسٌة حتى قبل‬
   ‫قدومً إلى بارٌس ، درست اإلخراج السٌنمابً وتفوقت فً دراستً . وها أنا أعود بعد تخرجً إلى بلدي‬
                                                                                                  ‫ومدٌنتً.‬
‫سوزان أٌضا ابنة عابلة عربٌة ، ولكن كل عابلتها كانت قد هاجرت وتعٌش فً فرنسا، أصبحنا صدٌقٌن حمٌمٌن‬
    ‫فً السنتٌن األخٌرتٌن من دراستً ، وكان ٌمكن أن نتزوج بمباركة العابلتٌن لوال إصراري على العودة إلى‬
                                                                   ‫الوطن، وإصرارها على البقاء فً فرنسا.‬
                                                  ‫قلت لها حسما ًا آلخر نقاش فً الموضوع ونحن فً المطار:‬
‫ي. أحب شوارعها وزواٌاها. هذه لٌست رومانسٌة فارؼة، إنه عور أصٌل،‬
        ‫ش‬                                                     ‫- سوزان .. أنا أحب بلدي، مدٌنت‬
‫أحفظ العبارات المحفورة على جدران البٌوت القدٌمة فً حٌنا، أعشقها، أحن إلٌها. هذا أوالًا، أما ثانٌاً فهو أننً‬
‫أرٌد أن أكون مخرجا ًا متمٌزاًا، فً رأسً الكثٌر من المشارٌع والخطط، إن طموحً كبٌر، فً فرنسا سوؾ أبقى‬
‫ؼرٌبا ًا، أعمل كؤي الجًء عندهم، ٌتفضلون علً ببعض الفتات ... ال... ال أرٌد . فً بلدي أنا صاحب حق …‬
 ‫ولٌس ألحد مٌزة التفضل علًّم ، بقلٌل من الجهد أستطٌع أن أثبت وجودي ، هذا إذا ننٌنا جانبا حاجة الوطن لً‬
                        ‫ّم‬                                         ‫ٍل‬
                                                                                                  ‫وألمثالً.‬
                                           ‫لذلك قراري بالعودة نهابً، وكل محاولة إلقناعً عكس ذلك عبث.‬
‫ران صمت استمر بضع دقابق. سمعنا نداء. آن أوان صعود الطابرة، وقفنا، شربنا ما تبقى فً كإوسنا من بٌرة‬
                                                                 ‫ال‬
‫دفعة واحدة، نظرت إلٌها متؤثرا، لمحت مشروع دمعة فً عٌنٌها، ألقت بنفسها على صدري، قبلتها سرٌعا ًا. " ال‬
                                                                                        ‫أطٌق هكذا موقؾ "‬
                                                                                   ‫قلت : أتمنى لك السعادة.‬
                                                             ‫- وأنا كذلك، أرجو أن تنتبه، حافظ على نفسك.‬
                                                                                         ‫وصعدت الطابرة.‬


                                                                                    ‫* ٌومٌات متلصص:‬


                              ‫إن التلصص الذي مارسته لم ٌكن تلصصا ًا جنسٌا ًا - وان لم ٌخل األمر من ذلك.‬
           ‫هذه الٌومٌات كتبت معظمها فً السجن الصحراوي، وكلمة ( كتبت ) فً الجملة السابقة لٌست دقٌقة.‬
  ‫ففً السجن الصحراوي ال ٌوجد أقبلم وال أوراق للكتابة .ف ي هذا ا لسجن الضخم الذي ٌحتوي على سبع‬
  ‫ساحات إضافة إلى الساحة صؾ، وعلى سبعة وثبلثٌن مهجعاًا، وعلى العدٌد من المهاجع الجدٌدة ؼٌر المرقمة‬
                                                                         ‫ر‬
   ‫والؽرؾ والزنازٌن الفرنسٌة (السٌلول ) فً الساحة الخامسة، والذي ضم بٌن جدرانه فً لحظة من اللحظات‬
                                                    ‫2‬
‫أكثر من عشرة آالؾ سجٌن ، فً هذا سجن الذي كان ٌحتوي على أعلى نسبة لحملة الشهادات الجامعٌة فً هذا‬
                                                              ‫ال‬
                               ‫البلد، لم ٌر السجناء - وبعضهم قضى أكثر من عشرٌن عاما ًا - أٌة ورقة أو قلم.‬
  ‫الكتابة الذهنٌة أسلوب طوّم ره اإلسبلمٌون. " أحدهم كان ٌحفظ فً ذهنه أكثر من عشرة آالؾ اسم، هم السجناء‬
    ‫الذٌن دخلوا السجن ال صحراوي، مع أسماء عاببلتهم، مدنهم أو قراهم، تارٌخ اعتقالهم، أحكامهم، مصٌرهم‬
                                                                                                       ‫.....".‬
‫عندما قررت كتابة هذه الٌومٌات كنت قد استطعت بالتدرٌب تحوٌل الذهن إلى شرٌط تسجًل، سجلت علٌه كل‬
                                                                                 ‫ما رأٌت، وبعض ما سمعت.‬
                                                                  ‫واآلن أفرغ "بعض" ما احتواه هذا الشرٌط.‬
                        ‫- هل أنا نفس ما كنته قبل ثبلثة عشر عاما ؟! ... نعم ... وال. نعم صؽٌرة، وال كبٌرة.‬
                                              ‫نعم، ألننً أفرغ وأكتب "كتابة حقٌقٌة" بعضا ًا من هذه الٌومٌات.‬
‫. هذ ا حتاج إلى عملٌة بوح ، وللبوح شروط . الظرؾ‬
                                       ‫ي‬                      ‫وال.. ألننً ال أستطٌع أن أكتب وأقول كل شًء‬
                                                                                 ‫الموضوعً والطرؾ اآلخر.‬
                                                                                                ‫02 نيسان‬
 ‫وقفت على سلم الطابرة قلٌبلًا أتملى أبنٌة المطار. أنظر إلى األضواء البعٌدة، أضواء مدٌنتً. إنها لحظة رابعة.‬
‫نزلت، أخذت حقٌبتً وجواز السفر فً ٌدي، إحساس باالرتٌاح، إحساس من ٌعود إلى بٌته وزواٌاه المؤلوفة بعد‬
                                                                                                 ‫طول ؼٌاب.‬
   ‫طلب منً الموظؾ االنتظار. قرأ جواز السفر، رجع إلى أوراق عنده، بعدها طلب منً االنتظار، فانتظرت.‬
                               ‫اثنان من رجال األمن استلما جواز السفر وبلطؾ مبالػ فٌه طلبا منً مرافقتهما.‬
   ‫أنا وحقٌبتً – التً لم أرها بعد ذلك – ورحلة فً سٌارة األمن على طرٌق المطار الطوٌل، أرقب األضواء‬
          ‫على جانبً الطرٌق، أرقب أضواء مدٌنتً تقترب، ألتفت إلى رجل األمن الجالس إلى جواري، أساله:‬
                                                                ‫- خٌر إن شاء هللا ؟ .. لماذا هذه اإلجراءات ؟!‬
                                 ‫ٌصالب سبابته على شفتٌه، ال ٌنطق بؤي حرؾ، ٌطلب منً السكوت، فؤسكت!‬
                                    ‫رحلة من المطار إلى ذلك المبنى الكبٌب وسط العاصمة. رحلة فً المكان.‬
                                               ‫ومنذ تلك اللحظة ولى ثبلثة عشر عام اًا قادمة! رحلة فً الزمان.‬
‫"عرفت فٌما بعد أن أحدهم، وكان طالبا معنا فً بارٌس، قد كتب تقرٌرا رفعه إلى الجهة األمنٌة التً ٌرتبط بها،‬
      ‫ٌقول هذا التقرٌر إننً قد تفوهت بعبارات معادٌة للنظام القابم، وإننً تلفظت بعبارات جارحة بحق ربٌس‬
                       ‫الدولة، وهذا الفعل ٌعتبر من اكبر الجرابم، ٌعادل فعل الخٌانة الوطنٌة إن لم ٌكن أقسى.‬
                                                       ‫وهذا جرى قبل ثبلث سنوات على عودتً من بارٌس".‬
‫ذلك التقرٌر قادنً إلى هذا المبنى الذي ٌتوسط العاصمة – قرٌبا ًا من بٌتنا هذا المبنى الذي أعرفه جٌداًا ، فلطالما‬
                            ‫مررت من أمامه. كنت حٌنها م ثاراًا بالؽموض الذي ه، الحراسة الشدٌدة حوله .‬
                                                ‫ٌلؾ وب‬                    ‫ُم‬

                                                      ‫3‬
‫. فً آخر الممر‬       ‫رجبل األمن ٌخفرانً، اشتدت قبضاتهما على ساعديّم عندما ولجنا الباب إلى الممر الطوٌل‬
                                                                                   ‫شاب، صاح عندما رآنا:‬
                                                                   ‫- أهلٌن موسى ..شو ؟! أخضر وال أحمر؟‬
                                                                                   ‫- ك و أخرى من بعض.‬
                                                                                                ‫ل‬
                                                                                                ‫ّم‬
 ‫ن... قرع الباب... صوت من الداخل: أدخل.‬
                                      ‫من الممر إلى ممر آخر، درج داخلً، ممر علوي، ؼرفة إلى الٌمً‬
                                                        ‫فتن مرافقً الباب بهدوء، ثم خبط األرض بقدمٌه بقوة:‬
                                                ‫- احترامً سٌدي .. هذا مطلوب جبناه من المطار .. سٌدي.‬
 ‫انسلت إلى أنفً رابحة ممٌزة، ال ٌوجد مثٌلها إال فً مكاتب ضباط األمن، هً خلٌط روابن، العطور المختلفة،‬
                                                   ‫السجابر الفاخرة، رابحة العرق اإلنسانً، رابحة األرجل.‬
                                            ‫كل ذلك ممزوج برابحة التعذ ب. العذاب اإلنسانً. رابحة القسوة.‬
                                                                            ‫ي‬
‫ما أن تصل الرابحة إلى أنؾ اإلنسان حتى ٌشعر بالرهبة والخوؾ، وقد شعرت به م ا رؼم اعتقادي أن التباسا ًا ما‬
                                                                                            ‫وراء كل هذا.‬
 ‫التفت إلٌنا شخص عمبلق، أبٌض الشعر ذو وجه أحم ر، لمحت عند قدمٌه شابا ًا مقرفصا ًا معصوب العٌنٌن، قال‬
                                                                                                 ‫العمبلق:‬
                                                                                    ‫- خذه لعند أبو رمزت.‬
‫جذبنً المرافقان، هذه المرة بعنؾ ظاهر . ممرات وأدراج، كم ٌبدو البناء صؽٌر اًا من الخارج، بٌنما هو بكل هذا‬
 ‫منا أكثر تزداد هذه‬       ‫االتساع من الداخل، خبلل سٌرنا تصلنً أصوات صراخ إنسانً واستؽاثات، كلما تقد‬
 ‫األصوات ارتفاعا ًا ووضوحا ًا، نزلنا – على ما أعتقد - إلى القبو، فتن أحد مرافقًّم الباب، رأٌت مصدر الصراخ‬
‫واالستؽاثة، فاجؤتنً صرخة ألم عالٌة إثر ضربة كابل على قدمً الشخص الممدد أرضا ًا والمحشور فً دوالب‬
                                                                 ‫سٌارة خارجً، رجبله مرتفعتان فً الهواء.‬
                                                                  ‫"أحسست أن شٌبً بٌن فخدي قد ارتجؾ".‬
‫بٌنما كنت مذهوالًا من رإٌة الكابل األسود ٌرتفع ثم ٌهوي على قدمً الشاب المحشور فً دوالب السٌارة األسود‬
 ‫ثم ٌرتفع ناثراًا معه نقاط الدم ونتؾ اللحم اآلدمً ، جم دنً صوت زاعق. التفت مرؼما ًا إلى مصدره، فً زاوٌة‬
                                                  ‫ّم‬
                                         ‫الؽرفة رجل محتقن الوجه، محمرّم ه، والزبد ٌرؼً على زاوٌتً فمه:‬
                                                                               ‫- طمّمش عٌونه ..وال حمار!!‬
‫قفز أحد مرافقًّم قفزتٌن، واحدة إلى األمام، وأخرى إلى الوراء، وإذ ا بشًء ٌوضع على عٌنًّم ويُم ربط بمطاط‬
                                                                            ‫خلؾ رأسً، ولم أعد أرى شٌبا.‬
                                                                                      ‫- وقفوه على الحابط.‬
           ‫دفعة على ظهري، صفعة على رقبتً، ٌداي إلى الخلؾ، أسٌر مرؼما، ٌرتطم رأسً بالجدار، أقؾ.‬
                                                                           ‫- إرفع ٌدٌك لفوق ..ولك كلب ...‬
                                                                                                 ‫أرفعُم هما.‬
                                                    ‫4‬
‫- إرفع رجلك الٌمٌن ووقؾ على رجلك الٌسار ..ٌا ابن الشرموطة.‬
                                                                                      ‫أرفع رجلً، أقؾ.‬
 ‫فً الخلؾ ٌستمر ما كان ٌجري، أسمع صوت الكابل، صوت ارتطامه بالقدمٌن، صوت الشاب المتؤلم، صوت‬
                  ‫لهاث الجبلد، أكاد اسمع صوت نتؾ اللحم التً رأٌتها تتطاٌر قبل قلٌل.. أصوات.. أصوات.‬
                                                                           ‫عند األعمى الصوت هو السٌد.‬
‫ًا‬
‫الكرسً المرٌن فً مطار اورلً، سوزان ، مرطبات، بٌرة، المقعد الوثٌر فً الطابرة، المضٌفة التً تفٌض رقة‬
                                                                              ‫وجماالًا، العصٌر.. الشاي !!‬
‫تتعب رجلً الٌسرى التً تحمل كام ل جسدي." لو بدلت الٌمنى بالٌسرى، هل سٌنتبه الرجل ذو الوجه المحتقن؟!‬
                                                                               ‫وإذا انتبه ماذا سٌفعل ؟!" .‬
‫تتخدر الٌسرى، لم أعد أستط ع االحتمال، أؼامر ..أبدل !!.. لم ٌحصل شًء، لم ٌنتبه أحد، أشعر باالنتصار !..‬
                                                                          ‫ي‬
  ‫"بعد سنٌن طوٌلة من السجن مستقببلًا، سؤكتشؾ أنه فً الصراع األ بدي بٌن السجٌن والسجان، كل انتصارات‬
                                                                         ‫السجٌن ستكون من هذا العٌار!!".‬
‫الزمن ثقٌل .. ثقٌل .. حالة من البلتصدٌق تنتابنً !! ما الذي ٌجري؟ ! ولم أنا هنا ؟ ! آالؾ األسبلة، أحاول أن‬
‫أستند بٌدي إلى الحابط، ألمسه برإوس أصابعً .... فجؤة ٌصٌن الشاب المحشور فً دوالب السٌار ة الخارجً‬
                                                                                                  ‫األسود:‬
                                   ‫- بس ٌا سٌدي ..بس، مشان هللا، ما عاد فٌنً أتحمل! رح أحكً كل شً.‬
                                                   ‫ر، ٌقول الرجل ذو الوجه المحتقن:‬
                                                                                 ‫بهدوء وبلهجة المنتص‬
                                        ‫- بس إبراهٌم .. كافً، اتركه، طالعه من الدوالب وخذه لعند الرابد.‬
                                               ‫اسمعه ٌتكلم بالهاتؾ مع الرابد. فكرت: جاء اآلن دوري !!؟ .‬
                                        ‫عبلًا، سمعت صوت سماعة الهاتؾ تعاد إلى مكانها، صح المحتقن:‬
                                                  ‫ا‬                                             ‫ؾ‬
                                                                                     ‫- ولك أٌوب ..أٌوب.‬
                                                                                             ‫- نعم سٌدي.‬
                                                                                ‫- تعال شوؾ ه ذا الزبون.‬
                                                                                      ‫أحس بؤٌوب خلفً .‬
                                                                        ‫- دخله عـ الدوالب ..ٌا هلل بسرعة.‬
‫شعرت بؤن أكثر من خمسة رجال قد جذبونً وأوقعونً أرضا ًا. " الى اآلن، بعد أربعة عشر عاما ًا مضت على‬
‫تلك اللحظة، لم أستطع أن أفهم أو أتصور كٌؾ أن أٌوب قد حشرنً فً ذلك الدوالب الخارجً للسٌارة ، بحٌث‬
  ‫أصبحت رجبلي مشرعتن فً الهواء، ال أستطٌع الفكاك مهما حاولت، وال كٌؾ انتزع حذابً وجواربً !!".‬
                                                                           ‫ي‬
                                                                             ‫- سٌدي ..كابل والّم خٌزرانة؟‬
                                                              ‫- خٌزرانه .. خٌزرانه، ٌظهر األستاذ نعنوع!‬


                                                   ‫5‬
‫سٌخ من النار لسع باطن قدمً، صرخت . قبل انتهاء الصرخة كانت الخٌزرانه قد لسعت مرة أخرى .. الضرب‬
                                      ‫متواصل، الصراخ متواصل. رؼم ذلك سمعت صوت الرجل المحتقن:‬
                                                                                ‫- أٌوب.. بس استوى نادٌلً.‬
                                 ‫ال أعرؾ لماذا ٌضربوني! ال أعرؾ ماذا ٌر دون منً، تجرأت وصرخت:‬
                                                     ‫ي‬                   ‫ن‬
                                                                               ‫- لك ٌا أخي شو بترٌد منً؟.‬
                                                                                    ‫- كول خرى.. والم نٌك.‬
                                                                                         ‫َم‬
‫هذا كان رد أٌوب الذي لم أر وجهه أبداًا . وبدأت أعد الضربات وأنا أصرخ ألما. "بعد ذلك بزمن طوٌل، أخبرنً‬
                                                                              ‫َّد‬
 ‫المتمرسون: إن عد الضربات أول عبلمات الضعؾ، و إن هذا ٌدل على أن المجاهد أو المناضل سٌنهار أمام‬
 ‫المحقق!!..وقتها قلت فً نفسً: ولكننً لست مناضبلًا وال مجاهداًا. وأخبرونً أن من األفضل فً هذه الحاالت‬
‫أن كون لدٌك قدرة كبٌرة على التركٌز النفسً بحٌث تركز على مسؤلة محببة لك، وتحاول أن تنسى قدمٌك !!".‬
                                                                                             ‫ت‬
‫عند الرقم أربعٌن أخطؤت العد، وبدأت أفقد إحساسً بجسدي، صراخً خفتت حدته، حالة من عد م التوازن و‬
‫الدوار، الؽمام – رؼم الطماشة – بدأ ٌطفو أمام عٌنً "هل بدأت أفقد وعًٌ ؟ " ؼمام ..دوار .. مطار أورلً ..‬
                                                              ‫العصٌر البٌرة ..الطابرة والمضٌفة اللطٌفة ...‬
   ‫إحساس مبهم بؤن كل شًء قد توقؾ.. استعدت استٌعاب الموقؾ.. نعم حتى الضرب توقؾ! خدر... خدر ..‬
                                       ‫دقابق د تكون طوٌلة ... قد تكون قصٌرة ..لست أدري !! صحوت!.‬
                                                                                         ‫ق‬
                                                                      ‫صوت الرجل ذو الوجه المحتقن ثانٌة:‬
                                                                             ‫- شو ٌا أٌوب .. صحً والّم أل؟‬
                                                             ‫- صحً .. سٌدي.. صحً ، بس .. شخ تحت!!‬
                                                               ‫و‬
                                                        ‫- العمى بـ عٌونه ..الظاهر إنو األستاذ كتٌر خروق!!‬
                                                             ‫أحسست بلكزة فً خاصرتً، وصوت المحقق:‬
                      ‫- ولك شو ؟ .. مانك رجّم ال ؟! العمى بعٌونك ما بتستحً تشخ تحتك ؟! شو اسمك وال ؟‬
                                                                                              ‫قلت له اسمً.‬
‫- وال كلب .. شوؾ ، لسه ما بلشنا معك، صار فٌك هٌك، لسه ه ذا كله مزح وما بلشنا الجد، األفضل من البداٌة‬
‫ترٌن حالك وترٌحنا ... بدك تحكً ... ٌعنً بدك تحكً!! هون عندنا الكل بٌحكوا ... وبدك تحكً كل شً .. من‬
                                                         ‫طق طق ..لـ السبلم علٌكم ! هاه ..؟ مستعد تحكً ؟‬
                                               ‫- ٌا سٌدي بحكً شو ما بترٌد .. بس قولولً شو بدي أحكً!‬
                                                             ‫- طٌب ..هات لنشوؾ ..شو أسماء أسرتك وال؟‬
                          ‫بدأت أعد له أسماء أهلً، بدءاًا ًا من والدي ووالدتً، لكنه قاطعنً صارخا ًا مهتاجا ًا:‬
‫- وال جحش ..عم تجدبها علً ؟ أنا بدي أسماء أهلك !! خراي علٌك وعلى أهلك، قل لً أسماء أسرتك بالتنظٌم‬
                                                                                                ‫وال ... كرّم .‬
                                                                            ‫- أي تنظٌم ٌا سٌدي؟ أي تنظٌم؟‬
                                                    ‫6‬
‫- ٌا أٌوب .. ٌبدو ه ـ التٌس عم ٌؽشم حال !! بدو ٌعذبنا و ٌعذب حال !!‬
                                          ‫ه‬                        ‫ه‬
    ‫- ٌا سٌدي ..وحٌاة الرب..وحٌاة الرب ..ما بعرؾ عن شو عم تسؤلنً! أي تنظٌم هذا ٌللً عم تحكً عنه؟‬
                            ‫صوت خطوات. شعرت أنه اقترب منً، أنفاسه لفحت وجهً، وبهدوء شدٌد قال:‬
                              ‫- تنظٌم المناٌك أمثالك .. تنظٌم اإلخوان المسلمٌن ..شو ما بتعرؾ تنظٌمك ؟!.‬
                                                                       ‫"الحظت أن رابحة فمه كرٌهة جداًا".‬
‫لم أدر. هل علً أن أفرح ألن االلتباس بدا واضحا ًا جلٌا ًا ؟ ..أم ألعن حظً العاثر الذي أوقعنً فً هذا االلتباس‬
 ‫؟.. أم ألعن الصدؾ التً قدرت أن أصل مباشرة إلى أبو رمزت ؟ .. لو أنهم فتشونً وأخذوا أؼراضً كما‬
‫ٌفعلون مع الجمٌع.. لتبٌن ألحد ما من أكون وما هً جرٌمتً، ولكن أن أدخل فرع المخابرات فً اللحظة التً‬
‫كان ٌؤتً فٌها إل ى الفرع ٌومٌا ًا مبات المعتقلٌن من اإل خوان المسلمٌن، وأن أ ُم حشر بٌنهم، وأن ٌعمل الضباط‬
                        ‫َم‬
 ‫والعناصر على مدار األربع وعشرٌن ساعة ٌومٌا ًا، وأن تكون الفوضى داخل الفرع عارمة لهذه الدرجة، فمن‬
‫المستحٌل عندها أن أستطٌع إزالة وتوضٌن هذا االلتباس . وفوق كل هذا اسمً الذي ال ٌوحً بؤننً لست‬
                                                                                                    ‫مسلما ًا.‬
                                                                                 ‫ولكن رؼم ذلك، صرخت:‬
                                                                      ‫- بس سٌدي أنا مسٌحً.. أنا مسٌحً!!‬
‫- شو وال !! عم تقول مسٌحً ؟! العمى بعٌونك وال ..لٌش ما حكٌت ؟ ! لٌش جاٌبٌنك لكان؟ ..أكٌد ..أكٌد عامل‬
                                                                                    ‫شؽلة كبٌرة!..مسٌحً؟!‬
                         ‫- أنتو ما سؤلتونً ٌا سٌدي ..ومو بس مسٌحً .. أنا رجل ملحد ..أنا ما بآمن باهلل !!‬
         ‫"الى اآلن لم أجد تفسٌراًا لفذلكتً هذه، فما الؽاٌة من إعبلن إلحادي أمام هذا المحقق ؟.. ال أعرؾ !".‬
                                                                                           ‫- وملحد كمان؟!‬
                                                                        ‫سؤلها بصوت علٌه مسحة من تفكٌر.‬
                                                        ‫- نعم سٌدي ..نعم . وهللا العظٌم..وشوؾ جواز سفري.‬
          ‫سكت الرجل المحتقن لحظات بدت لً طوٌلة جداًا. سمعت صوت أقدامه تبتعد، وبصوت واضن قال:‬
                                    ‫- قال ملحد... قال !! إي.. بس نحن دولة إسبلمٌة !!..أٌوب..كمل شؽلك!!‬
                                                                      ‫وعادت خٌزرانة أٌوب تواصل عملها.‬
 ‫" منذ اللحظات األولى الحتكاكً بهإالء، استخدمت كلمة _ ٌاأخً _ عند اإلجابة على سإال ما، لكن أٌوب‬
                                                                                             ‫صفعنً قاببلًا:‬
                                                                    ‫_ وال لب.. أنا أخوك؟.. أخوك بالخان.‬
                                                                                                ‫ك‬
                                                         ‫تداركت األمر وخاطبته ب "ٌا أستاذ" وصفعة أخرى:‬
                                                            ‫- أستاذ؟.. أستاذ ببٌت أهلك..بٌن فخاذ أمك.‬
                                                              ‫منذ تلك اللحظات علمونً أن أقول: " ٌاسٌدي".‬
                                           ‫ُم‬
  ‫هذه الكلمة التستخدم هنا كما بٌن رجلٌن مهذبٌن، هذه الكلمة تنطق هنا وهً تحمل كل معانً الذل والعبودٌة.‬
             ‫ّم‬
                                                    ‫7‬
‫12 نيسان‬
     ‫فتحت عٌنً ببطء، أكاد اختنق من نتانة الروابن المحٌطة بً، حولً ؼابة من األقدام واألرجل، ملقى على‬
   ‫األرض بٌن هذه األقدام المكتظة، رابحة األقدام القذرة، رابحة الدم، رابحة الجروح المتقٌحة، رابحة األرض‬
‫التً لم تنظؾ منذ زمن طوٌل ... األنفاس الثقٌل ألناس ٌقفون متبلصقٌن "علمت بعد قلٌل من خبلل عملٌة التفقد‬
                                                         ‫ة‬
  ‫والعد، أننا كنا ستة وثمانن رجبلًا، عاٌنت سقؾ الؽرفة وقدرت أن مساحتها ال تزٌد عن خمسة وعشرٌن متراًا‬
                                                                          ‫ي‬
                                                                                                      ‫مربعا.!!".‬
‫الحدٌث بٌن الناس ٌجري همساًا، األمر الذي ٌولد أزٌزاًا متواصبل ٌخٌم فوق الجمٌع . أردت الوقو ؾ الستنشاق‬
   ‫بعض الهواء.آالم فظٌعة فً كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقؾ على قدمً صرخت ألما ًا.‬
  ‫انتبه الناس من حولً، عدة أٌاد امتدت، أمسكت بً من تحت إبطً وأنهضتنً، وقفت مستندا إلى األٌادي، قال‬
                                                                                          ‫شاب ٌقؾ إلى جانبً:‬
                                                                    ‫- اصبر ٌا أخً.. اصبر، إنها شدة وتزول!!‬
                                                                                                        ‫قال آخر:‬
                                                         ‫- من ٌكن مع هللا فإن هللا سٌكون معه..ال تٌؤس ٌا أخً.‬
 ‫والثالثة عشر‬   ‫مع الحركة خفت اآلالم قلٌبلًا ، نظرت حولً، رجال .. شباب .. وٌوجد أطفال فً الثانٌة عشر‬
                                                                                               ‫..كهول.. شٌوخ!!‬
                                                                                                  ‫ّم‬
                                           ‫التفت إلى الرجل الذي حاول أن ٌشد من عزٌمتً قبل قلٌل، سؤلته :‬
                                                 ‫- مٌن هدول الناس؟ .. لٌش نحن هون؟ لٌش الناس واقفٌن؟!‬
           ‫نظر الرجل إلًّم بحٌرة تقرب من الببلهة وكؤنه ٌقول: كٌؾ ٌمكن شرح ما هو بدٌهً؟!! ورد بسإال:‬
                                                                         ‫- أنت ..ما بتعرؾ شو صاٌر بالبلد ؟!‬
‫ٌدعى اإل خوان‬     ‫"كنت، وأنا فً فرنسا، قد سمعت أنباء عن اضطرابات سٌاسٌة تحصل هنا، وأن هناك حزبا ًا‬
                                                                ‫ًا‬
 ‫ي لم أعر هذه األنباء أٌة أهمٌة، وبقٌت مبهمة، فلم أعرؾ‬‫لمٌن ٌقوم ببعض حوادث العنؾ هنا وهناك . ولكن‬
                                                                                                ‫المس‬
      ‫التفاصٌل، ولم أكن ٌوما من هواة نشرات األخبار، أو العمل السٌاسً المنظم، رؼم أننً كنت فً المرحلة‬
‫الثانوٌة وما تبلها قرٌبا ًا من بعض الماركسٌٌن ومتؤثراًا بؤفكارهم، خاصة أفكار خالً الذي كان على ما ٌبدو ٌحتل‬
                                                                      ‫مركزاًا قٌادٌا ًا مهما ًا فً الحزب الشٌوعي".‬
                                                                                                           ‫أجبته:‬
                                                                    ‫- ال وهللا .. ما بعرؾ! .. لٌش شو صاٌر؟‬
                                                                                     ‫- لٌش مانك عاٌش بالبلد؟!‬
                              ‫و أردت أن اقطع كل دابر أسبلته، أجبته دفعة واحدة عن كل ما ٌمكن أن ٌسؤله :‬
                                                                     ‫ؾ‬
        ‫- أل .. كنت عاٌش بفرنسا.. والٌوم أنا جٌت، ٌعنً من.. "نظرت الى ساعتً" أربع عشرة ساعة بس.‬
‫- العمى معك ساعة ؟!! ..خبٌها ٌا أخً خبٌها، شاٌؾ كل الناس هون، هدول كلهم من خٌرة المإمنٌن والمدافعٌن‬
                                      ‫عن اإلسبلم بها البلد، امتحان ٌا أخً امتحان، امتحان من هللا عز وجل.‬
                                                     ‫8‬
‫قاطعته وقد بلػ بً اإلحساس بؽرابة وضعً و الؽبن والضٌق حداًا كبٌراًا، قلت محتداًا:‬
                              ‫ّم‬                                ‫ب‬
                              ‫- طٌب .. العمى أنا شو دخلنً؟! أنا مسٌحً مانً مسلم، وأنا ملحد مانً مإمن!!‬
  ‫" هذه هً المرة الثانٌة التً أعلن فٌها أننً ملحد - وكانت فذلكة أٌضا - . فً المرة األولى كلفتنً وجبة من‬
 ‫خٌزرانة أٌوب، بؤمر من أبو رمزت الذي ذبن المسلمٌن ألننا نعٌش فً دولة إسبلمٌة !!! أما فً المرة الثانٌة‬
                ‫فإنها ستكلفنً سنوات طوٌلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات، ال بل أسوأ منها".‬
   ‫رأٌت محدثً وكؤنه قفز إلى الخلؾ . ولكوننا محشورٌن، لم ٌتحرك منه إال جزإه العلوي فقط، وبشكل عفوي‬
                                                                                                             ‫قال:‬
 ‫- أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم .. - ثم بصوت أعلى - .. ٌا شباب فً واحد نصرانً كافر !.. فً عندنا واحد‬
                                                                                                        ‫جاسوس.‬
         ‫صُموّم بت نحوي مجموعة من العٌون، فً نفس الوقت الذي سمعت فٌه صوتا ًا آتٌا ًا من خلفً، صوتا ًا آمراًا:‬
                            ‫ـ مٌن هذا ٌللً عم ٌرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! ٌا هلل .. ار وقت التبدٌل .‬
                                           ‫ص‬
‫لم استطع استٌعاب األمر !! فً الجزء األبعد من الؽرفة ت هناك مجموعة من الناس مستلقٌن على األرض،‬
                 ‫ال‬                      ‫كان‬
‫وقد اصطفوا بطرٌقة ؼرٌبة ولكن منتظمة . "كما لو كانوا مجموعة من لفابؾ التبػ قد اصطفت فً علبة ". وبٌن‬
                    ‫المستلقٌن وبٌننا نحن الواقفٌن، وجد المجموعة الثالثة، مجموعة المقرفصٌن على األرض.‬
                                                                    ‫ت‬
 ‫بعد كبلم الرجل الضخم ـ علمت أنه ربٌس المهجع ـ تحركت المجموعات الثبلث . خبلل لحظات كان النٌام‬
    ‫جمٌعا ًا قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فٌه تدرٌجٌا ًا. نحن قرفصنا. المجموعة الثالثة اتجهت الى مكان النوم‬
                                                                      ‫ـ ٌا هلل سٌّمؾ.. سٌّمؾ، كل الناٌمٌن ٌسٌّمفو.‬
                                                                   ‫"وتبٌن أن التسٌٌؾ هو النوم على الجنب".‬
 ‫األول استلقى لصق الحابط على جنبه، ظهره إلى الحابط، الثانً استلقى أمامه واضعا ًا البطن على البطن، رأس‬
                                                                              ‫كل واحد منهما عند أقدام اآلخر.‬
     ‫الثالث سٌّمؾ ووضع ظهره لصق الظهر الثانً، الرابع بطنه على بطن الثالث، ودابما ًا الرإوس عند األقدام.‬
  ‫تتابع المستلقون إلى أن وصل الصؾ إلى الحابط الثانً من الؽرفة والزال هناك ستة أو سبعة أشخاص لم ٌبق‬
                                                                           ‫لهم مكان. هنا صاح ربٌس المهجع:‬
                                                                                ‫ـ ٌا هلل ..ٌا كبّمٌس .. أجا شؽلك!‬
 ‫قام الرجل الضخم الثانً بهدوء ـ ٌبدو مصارعا ًا ـ . ذهب إلى أول رجل مس تلق عند الحابط ، وبهدوء وضع‬
                         ‫ٍل‬
‫قدمٌه بٌن الحابط وبٌن الرجل المستلقً، استند بظهره إلى الحابط، ثم أخذ ٌدفع المستلقً بباطن قدمٌه، دفع أكثر،‬
‫أنضؽط المستلقون قلٌبل، أصبن هناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقٌن: ٌا هلل .. إنزل هون.‬
‫نزل الرجل مستلقٌا ًا على جنبه بٌن أقدام ٌس والرجل األول، ثم بدأ ٌس بالضؽط على الرجل الجدٌد، ومرة‬
                               ‫الكبّم‬                  ‫الكبّم‬
‫أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. ٌا هلل .. إ نزل هون، ثم الضؽط من جدٌد ورجل جدٌد، فً النهاٌة تم استٌعاب‬
                    ‫جمٌع الذٌن لم ٌبق لهم مكان سابقا، عاد الكبٌس إلى مكانه بنفس الهدوء، وهو ٌنفض ٌدٌه!.‬
                                                           ‫راقبت المستلقٌن، بعضهم استؽرق فً النوم فوراًا!!.‬
                                                     ‫9‬
‫ثبلثة أٌام قضٌتها فً تلك الؽرفة . "سمعت أن بعضهم سابقا ًا والحقا ًا ، قضى فٌها شهوراًا عدٌدة، وفً بعض‬
                             ‫الحاالت كان العدد ٌزٌد على عددنا". خبلل هذه األٌام تعرفت على الؽرفة جٌداًا.‬
                   ‫صاء، أحسست أننً أرٌد قضاء حاجة، التفت إلى جاري وسؤلته:‬
                                                                        ‫بعد قلٌل من جلوسنا القرؾ‬
                                                                            ‫ـ أٌن ٌقضً اإلنسان حاجته ؟‬
‫أشاح بوجهه عنً ولم ٌجب، سؤلت الجار اآلخر، أٌضا ًا لم ٌجب. تذكرت أننً نصرانً، كافر، جاسوس، وستظل‬
                                                                                      ‫تبلحقنً هذه التهم.‬
‫موقعً قرٌب من ربٌس المهجع، سؤلته فدلنً على المرحاض . "إذن فً الؽرفة مرحاض!". اضررت لبلنتظار‬
                                  ‫أكثر من ساعة. مرحاض واحد، حنفٌة ماء واحدة، وستة وثمانون شخصا ًا.‬
‫عدت إلى موقعً. حركة ما فوق، نظرت. أنبوب الصرؾ الصحً، وٌبدو أنه للبناء كله، ٌقطع الؽرفة من أولها‬
‫إلى آخرها. بٌن األنبوب وبٌن سقؾ الؽرفة حوالً النصؾ متر . فوق هذا األنبوب ٌنام اثنان من الفتٌة عمر كل‬
 ‫منهما حوالً خمسة عشر عاما ًا، احتضن الواحد منهما األنبوب بٌدٌه وصدره وتدلت األرجل إلى األسفل، بٌنما‬
                                                      ‫الرأس مرتاح على صوت خرٌر الماء داخل األنبوب.‬
                                                                    ‫ـ بحٌاتً ما نمت أحلى من هـ النومة!!‬
                                                                             ‫قال أحدهما فً الٌوم الثانً.‬
                                                                                           ‫22 نيسان‬
                                                                                              ‫ظت!‬
                                                                                                ‫استٌق‬
  ‫بعد ي ساعات من القرفصة جاء دورنا فً االستلقاء . بعض المقرفصٌن ممن لهم خبرة نبهوا بعضهم إلى‬
                                                                                        ‫ثمان‬
 ‫ومهما كان السبب‬    ‫ضرورة الذهاب إلى المرحاض قبل االستلقاء، ألنك إذا استلقٌت وانتهى الكبٌس من عمله،‬
                                                      ‫ك سٌذهب.‬‫الذي قمت من االستلقاء من أجله فإن مكان‬
  ‫"تذكرت صدٌقتً التً تحب‬        ‫استلقٌت مضؽوطا ًا بظهر رج ل على ظهري، وبطن رجل آخر على بطنً،‬
                                                                   ‫ُم‬
                                                                                  ‫الوضعٌة الفرنسٌة !!".‬
                     ‫خلؾ رأسً قدمان، وأمامه قدمان. كٌؾ ٌمكن لئلنسان أن ٌنام وهو ٌشم هذه الرابحة ؟!!‬
‫ورؼم ذلك نمت نوما ًا عمٌقا ًا .. واآلن استٌقظت.. صحوت تماما .. كل شًء فً جسدي مضؽوط ..لكن الضؽط‬
‫على أسفل بطنً شدٌد وٌكاد ٌكون مإلما . "ٌبدو أن لصٌقً األمامً قد امتؤلت مثانته، فتحجر عضوه، وطبٌعً‬
                         ‫أن ٌنؽرز فً بطنً أنا". وفً ظل هكذا ظروؾ من المعٌب أن تفكر باحتمال آخر!!‬
‫حاولت زحزحته فلم أفلن، فمع كل حركة ٌنؽرز أكثر، سمعت شخٌره، فكرت أن أمد ٌدي على صعوب ة ذلك،‬
                            ‫ولكن خشٌت أن ٌستٌقظ لحظتها. "ماذا سٌقول إذا استٌقظ وعضوه فً ٌدي ؟!!".‬
                                            ‫انسللت من وضعٌة االستلقاء بصعوبة، وذهبت إلى المرحاض.‬
‫ثبلث لٌال.. وثبلث مرات ٌفتن الباب فً الٌوم وٌؽلق، وفً كل مرة ٌفتن الباب.. ٌدخل الطعام فً أوان ٌسمونها‬
        ‫ٍل‬
    ‫قصعات. صباحا ًا لكل واحد رؼٌؾ مرقد مع قطعة حبلوة، هذان الصنفان ٌوزعهما ربٌس المهجع، وخمس‬
‫قصعات من سابل أسود "تبٌن انه شاي". وفً المساء كذلك. تدور القصعة من شخص آلخر .. ٌرفعها، ٌرشؾ‬
                                                 ‫01‬
‫ًا‬
     ‫منها، ٌناولها لمن بجانبه . أما الظهر، فتكون القصعات ملٌبة بالبرؼل، مع قصعة رب البندورة تحتوي بعض‬
                                                                                                      ‫الخضار.‬
    ‫" لن أنسى أبدا الطرٌقة التً تخاطؾ بها الناس قطع اللحم فً المرة الوحٌدة التً جلبوا فٌها لحما ًا . فكرت، حتى‬
                                     ‫ن الصباحٌة والمسابٌة، لوال ربٌس المهجع لتحول المهجع إلى ؼابة".‬
                                                                                                  ‫ي‬‫الوجبت‬


‫خبلل هذه الساعات التً بدت لً بطول دهر، كنت كمن ٌطفو فً الزمان والمكان. رؼبة بدت لً كاعتقاد راسخ‬
                                                             ‫بؤن كل هذا ماهو إال خطؤ سخٌؾ سٌنتهً بعد قلٌل.‬
    ‫حسً المهنً والفنً قابع فً زاوٌة بعٌدة ٌراقب والٌتدخل، هذا الحس الذي ٌبقى خارج حٌز األلم والقلق، ٌبقى‬
                                 ‫متٌقظا ًا ومحاٌداًا مهما كانت درجة آالمً النفسٌة أو الجسدٌة، هو ٌراقب وٌسجل.‬
       ‫أتذكر قوالًا ألحد أساتذتً المرموقٌن: إن الحدث مهما كان صؽٌراًا، فإن المخرج الجٌد ٌستطٌع أن ٌصنع منه‬
                                     ‫فٌلما ًا جٌداًا، الحدث هو الهٌكل العظمً وعلى المخرج إكساإه باللحم والثٌاب.‬
      ‫هذا الحس التقط مشهد تخاطؾ قطع اللحم، وأحس المفارقة الصارخة بٌن مجموعة من األشٌاء المحٌطة التً‬
    ‫تدعو إلقٌاء _ أو على األقل_ العزوؾ عن كل شًء، وبٌن الفعل المادي الممارس من قبل خاطفً قطع اللحم.‬
                                                                                             ‫ل‬
     ‫ما الذي ٌفقد هإالء الناس الحس باللٌاقة والذوق؟! وبالتالً بالكرامة والعزة البشرٌة، هل هو الصراع من أجل‬
                                                                                             ‫البقاء؟.. قد ٌكون.‬


                                                         ‫ثبلثة أٌام بلٌالٌها، أكلت نصؾ رؼٌؾ مع قطعة حالوة .‬
                                                                                                 ‫32 نيسان‬
                                                                                                    ‫استٌقظت!.‬
‫ي ساعات، لم أشعر برؼبة‬‫كان االستلقاء الثانً " النوم على الببلط " أفضل قلٌبلًا، استٌقظت قبل انتهاء مدة الثمان‬
                                             ‫فً النهوض. حلمت أنً قد شبعت نوما ًا ولكنً أتابع استرخاء وترفا ًا.‬
                                                       ‫ًا‬
                                           ‫"تمنٌت لو أنً أستطٌع المطمطة قلٌبلًا!. تمنٌت فنجان قهوة وسٌجارة ".‬
‫مكانً قرٌب من ربٌس المهجع . أسمع حدٌثه والكبّمٌس، فتن السجان طبلّمقة الباب وهً النافذة الصؽٌرة فً أعلى‬
‫.‬      ‫. عاد ربس المهجع‬        ‫مطوالًا مع السجان الذي فتن الطبلّمقة‬     ‫الباب . قفز ربٌس المهجع، تبادل حدٌثا ًا‬
                                                                                             ‫قال لكبّمٌس همسا:‬
                                                                                                         ‫ل‬
       ‫افظات .. وجماعتنا هدول .. الٌوم أو بكرة راح ٌترحلوا عـ السجن‬          ‫- جاي دفعات كبٌرة من المن‬
                                                                                            ‫الصحراوي.‬
                                                                                 ‫رد الكبّمٌس متساببلًا باستؽراب:‬
                                                                                                              ‫ّم‬
                     ‫- العمى.. شو راح ٌحطوا الناس كلها بالسجن !؟ ... إي .. ما ضل حدا برات السجن !!.‬
                                              ‫- ولك سكوت .. اوعا حدا ٌسمعك ... ما دخلنا نحن ٌا عم ي!!.‬
                                                   ‫ّم‬
                                                             ‫"ربٌس المهجع والكبّمٌس مسجونان بجرم التهرٌب".‬
                                                       ‫11‬
‫.‬        ‫عند المساء، وعندما انتقلت مجموعتنا من الوقوؾ إلى القرفصة، تعمدت أن أقرفص قرب ربٌس المهجع‬
                               ‫انتظرت حتى قبٌل وجبة الطعام الثالثة، وبوجه حاولت أن ٌكون بشوشا ًا، قلت له:‬
                                                           ‫- ٌا أستاذ .. عفواًا .. ممكن احكً معك شؽلة ؟.‬
                                          ‫- أستاذ ؟! .. من وٌن لوٌن ساوٌتنً أستاذ ؟ .. نعم شو بدك ؟! .‬
                                                                                 ‫- ٌا سٌد .. أكٌد فً ؼلط!.‬
                                                                                  ‫- وٌن الؽلط ؟.. ٌا أستاذ.‬
‫- ٌا أخً أنا مانً مسلم .. حتى أكون إخوان مسلمٌن.. أنا مسٌحً ولٌش حطونً هون، لٌش جابونً أصبلًا،‬
                                                                                            ‫ما بعرؾ!! .‬
                                                      ‫- لك ٌا أخً الطاسة ضاٌعة .. ما فً حدا لحدا .! .؟‬
                                         ‫- طٌب ممكن تقول لربٌس جن .. لشً حدا مسإول هالحكً ؟‬
                                                                    ‫الس‬
         ‫- وٌن أنا بدي شوؾ مدٌر السجن ؟.. خلص .. خلص.. هلق بٌجً السجان وراح أنقل له هـ الحكً.‬
                                                   ‫سمعت طقطقة القفل، وقؾ ربٌس المهجع، أمسكت ٌده:‬
                                                                             ‫- أرجو أال تنسى أن تقول له.‬
                                                                    ‫ّم‬
                     ‫هز رأسه، تن الباب، "ٌا هلل دخلوا األكل". دخل األكل. خاطب ربٌس المهجع السجان:‬
                                                                                       ‫ؾُم‬
                                                          ‫- ٌا سٌدي ... فً عنا واحد هون .. عم ٌقول ..‬
                                                                                   ‫قاطعه السجان مسرعا ًا:‬
                                  ‫- عم ٌقول ما عم ٌقول ! أنا ما بعرؾ شً ... هلق ببعتلك ربٌس النوبة .‬
               ‫بعدما ٌقرب من نصؾ ساعة، طقطقة الباب مجددا، ظهر شخص وسٌم، هجة جبلٌة ثقٌلة:‬
                              ‫ل‬
                              ‫وب‬                                     ‫ال‬
                                                                         ‫- شو فً عندك ٌا ربٌس المهجع؟‬
                                                              ‫جذبنً ربٌس المهجع من كتفً، وقفت. قال:‬
                                                                 ‫- احكً له... احكً له، لسٌدنا أبو رامً!‬
                                      ‫متلعثما ًا.. متؤتبا ًا .. شرحت له األمر، وبنفس اللهجة الجبلٌة رد علً :‬
                                            ‫ّم‬
    ‫- طٌب أنا شو بدي ساوي لك ؟ ... مسٌحً ؟ .. إٌه وإذا مسٌحً !... بلكً عاونت األخوان المسلمٌن مثبلًا‬
                                  ‫... ٌعنً بلكً بعتهم الح مثبل ... إي هٌك بتكون أضرط منهم مثبل ...‬
                                                                             ‫س‬
                                                                              ‫ثم التفت إلى السجان، أمره :‬
                                                                               ‫- سكّمر ... وال سكّمر الباب .‬
                   ‫وقبل أن ٌؽلق السجان الباب، التفت أبو رامً إلى الناس فً المهجع، وبصوت عال قال :‬
    ‫- وال .. عرصات ... وال انتو مانكن إخوان مسلمٌن ... انتو إخوان شٌاطٌن ... فرجونا شطارتكم لشوؾ‬
    ‫.... هاي عندكم واحد مسٌحً ... انشطوا معه .... اهدوه للدٌن الحنٌؾ ... بس شاطرٌن تقتلوا وتخربوا بـ‬
                                                                                                   ‫هالبلد !!‬


                                                     ‫21‬
‫أؼلق الباب الحدٌدي بٌده بقوة، ومالبث أن فتحه فوراًا وعلى وجهه ابتسامة عرٌضة، تعلقت كل األنظار به،‬
                                                                                         ‫تابع ٌقول :‬
                                                                                                  ‫ؾ‬
  ‫- وال كبلب ... عرصات ... إذا حسنتوا تساووه مسلم، ال تنسوا تنظموه باإلخوان المسلمٌن، مشان تصٌر‬
                                                                                      ‫حبسته محرزة.‬
                                                                                   ‫وأؼلق الباب بقوة.‬


                                                                                     ‫االستلقاء الثالث:‬
  ‫لصٌقً الخلفً كان ذا مإخرة عرٌضة وكبٌرة ، ضاٌقنً وأراحنً، إنه أفضل من ذوي العظام الناتبة التً‬
   ‫تنؽرز فً جسدك ببل رحمة عند الكبس. صٌقً األمامً شاب فً العشرٌنات ال تبدو علٌه عبلبم التدٌن.‬
                                                           ‫ل‬
 ‫عاصانً النوم بعد حدٌث أبو رامً . كان هناك أمل كبٌر ٌعٌش داخلً بؤن أحد اًا ما سٌكتشؾ الخطؤ، وفوراًا‬
 ‫... والطاسة ضاٌعة ... والترحٌل إلى السجن‬          ‫صار الى تصحٌن هذا الخطؤ، ولكن بعد هذا الحدٌث‬‫يُم‬
                                         ‫الصحراوي !!... خالطنً الٌؤس والخوؾ من المصٌر المجهول .‬
‫ساعتان أو ثبلث... لست أدري ... وأخٌرا بدأت أهوم ، التعب ، اإلرهاق ، النوم ... ثم ... أصحو تدرٌجٌا ًا.‬
‫تان ، كانت قدماي قد تورمت ا من خٌزرانة‬
                                     ‫إحساس بالضٌق. أقترب من الصحو أكثر، أشعر أن قدمًّم مكبل‬
‫... حركة ما ...‬   ‫أٌوب، أصحو أكثر ... شعور بالدؾء والرطوبة ٌصعد من قدمً، قلٌل من األلم أٌضا ًا‬
                                         ‫أنتفض... أصحو تماما ًا... أرفع رأسً وأنظر إلى قدمً العلوٌة:‬
  ‫لصٌقً األمامً، الشاب، ٌقبض على قدمً العلوٌة بكلتا ٌدٌه، وقد وضع أصبع قدمً الكبٌر فً فمه وأخذ‬
‫ٌمصه !! لكزته ... ثم لكزته، تراخت ٌد اه ، سحب رأسه ! تابعت اللكز، استٌقظ الشاب تماما ًا ، نظر إلً‬
                                                                      ‫بؽضب واستنكار!!. وبحدة قال :‬
                                                                                      ‫- لٌش فٌقتنً؟ !‬
                                                        ‫- شو لٌش فٌقتك ؟ مانك شاٌؾ شو عم تساوي ؟‬
                                                               ‫- ٌلعن سماك!! قطعت علً أحلى منام !!‬
                                                                               ‫- شوكنت شاٌؾ منام ؟‬
‫" حضرتك‬            ‫... وبلشنا ... بـ "‬   ‫- نعم .... كنا أنا ومٌسون ... وباللحظة ٌلً مسكتها ومسكتنً‬
                                                                                             ‫فٌقتنً!!‬
                                                                      ‫- ومٌن هً مٌسون .... دخلك ؟‬
                                                                      ‫- مٌسون؟ .... مٌسون خطٌبتً.‬
                    ‫- عفواًا ال تواخذنً ... ارجع نام .. لكن ال تخربط بٌن إصبع رجلً وشفاٌؾ مٌسون .‬
‫لم أستطع النوم بعدها ... أسبلة وأسبلة، أي عالم هذاالذي حشرت فٌه؟! هل هذه هً داٌة؟ ولكن إلى أٌن؟.‬
                  ‫الب‬
                  ‫هل إ مكان أي كاتب أو سٌنارست أو مخرج تخٌل هكذا عوالم؟! أسبلة تطارد أسبلة !! ...‬
                                                                                           ‫ب‬


                                                   ‫31‬
‫} طوال ثبلثة عشر عاما ، لم أسمع مرة قرقعة المفتاح فً الٌاب الحدٌدي إال وأحسست أن قلبً ٌكاد ٌنخلع!!‬
                                                                                  ‫لم أستطع االعتٌاد علٌها{‬
       ‫قرقع المفتاح فً ؼٌر وقته، قفز ربٌس المهجع فً اللحظة التً انفتن فٌها الباب، أبو رامً والى جانبه‬
           ‫شخص طوٌل فً الخمسٌنات ٌضع نظارات طبٌة بٌضاء، خلفهما حوالً العشرٌن عنصرا، قال ذو‬
                                                                                                ‫النظارات:‬
                                                                                    ‫- وٌن ربٌس المهجع ؟‬
                                                                                         ‫- حاضر سٌدي !‬
‫ال أنت والمهرب الثانً ...وٌن‬             ‫- بهدوء ونظام، طالعلً هدول كلهن لبره، اتنٌن اتنٌن، ما ٌبقى هون إ‬
                                                                                           ‫المهرب التانً؟‬
                                                                                          ‫- حاضر سٌدي.‬
                                                                         ‫- خلٌك هون أنت كمان... ٌا هلل .‬
                                                       ‫وخرجنا ... اثنن ... اثنن ... وكان فجر 42 نٌسان.‬
                                                                              ‫ي‬        ‫ي‬
                                                                                            ‫42 نيسان‬
     ‫الٌدان مقٌدتان بالقٌد الحدٌدي إلى الخلؾ، كاحل القدم مربوط بجنزٌر حدٌدي إلى كاحل سجٌن آخر، نسٌر‬
                                                                  ‫ُم‬
                                           ‫بصعوبة، نتعثر، ممرات ... أدراج .... سجل أسماإنا ضمن لوابن.‬
                                                               ‫ت ّم‬
    ‫ٌتركنا ذو النظا رات بضع دقابق واقفٌن و ٌذهب حامبلًا اللوابن االسمٌة، ٌعود، من المإكد انه ذو أهمٌة، لم‬
                                                                    ‫ال أشرح له األمر، ٌقترب منً، أعاجله:‬
                                                                                   ‫- ٌا سٌدي كلمة واحدة.‬
                                                                                  ‫- كول خرى ..... وال.‬
                                                                                             ‫وصفعة مدوٌة.‬
                                           ‫تنبثق آالؾ النجوم البراقة أمام ي، الفجر ربٌعي، أترنن.... أسكت.‬
                                                                          ‫عٌن‬
‫ٌسحبوننا إلى خارج البناء، أرى أربع سٌارات شحن ذات أقفاص معدنٌة، السجناء ٌسمون هذه السٌارات بـ "‬
    ‫سٌارات اللحمة ". قد تكون سمٌت كذلك ألنها تشبه السٌارات التً ٌوزعون بها األؼنام المذبوحة من المسالخ‬
            ‫إلى الجزارٌن ، أو ألن السجناء ٌصطفون بداخلها كما تصؾ الذبابن داخل سٌارات اللحمة الحقٌقٌة.‬
‫،‬          ‫سلم معدنً ذو ثبلث عوارض، نصعد بصعوبة بسبب األرجل المقٌدة وعدم إمكانٌة االستعانة بالٌدٌن‬
    ‫ٌجلسوننا على أرضٌة السٌارة، تمتلىء السٌارة، ٌؽلق الباب بقفل كبٌر، ٌجلس عنصران من األ من أمام الباب‬
                                                    ‫من الخارج. انتظار .... انتظار، ثم تنطلق السٌارات سوٌة.‬
    ‫ءنا، شٌبا ًا فشٌبا ًا تلوح أولى خٌوط الفجر‬   ‫نصبن خارج المدٌنة، تزداد سرعة السٌارات، نترك الظبلم ورا‬
                                                                                                    ‫الفضٌة.‬
                                                         ‫} هل هً رحلة من الظبلم إلى النور ؟ ... آمل ذلك. {‬
                                                                                     ‫سمعت أحدهم ٌسؤل آخر:‬
                                                        ‫41‬
‫- قدٌش بدنا وقت حتى نوصل ؟‬
                                                                 ‫- تٌسٌر هللا... شً أربع أو خمس ساعات.‬
‫- ٌا أخً... وهللا ما فٌنً أتحمل كل هالوقت !!... كنت ناٌم .. فٌقونً من النوم وفوراًا لبرّم ه... وهلق أنا كتٌر‬
                                                    ‫محصور.... شو بدي ساوي ؟!.. مثانتً راح تطق !!‬
                                   ‫- إذا مافٌك تصبر... أنا بفكلك سحاب البنطلون، وساوٌها هون بالسٌارة.‬
                                                                        ‫- هٌك معقول ؟!!! قدام كل هالناس؟‬
                                                 ‫- إي ... إي .. مافٌها شً، والحمد هلل مافً نسوان بٌناتنا.‬
                                                               ‫ثم وبصوت مرتفع متوجها بالحدٌث إلى الجمٌع:‬
                                                                                          ‫ٍل‬    ‫ٍل‬
                                                                               ‫- ٌا شباب... ٌا شباب اسمعونً.‬
‫هم همهم، و هم سكت، البعض وافق، فؤدار المتكلم ظهره إلى‬
                                         ‫بعض‬         ‫توجهت إلٌه األنظار، شرح لهم األمر، بعض‬
                                ‫المحصور، وبٌدٌه المقٌدتٌن خلفا ًا، تلمس السحاب، فكّمه، أخرجـ "ـه " له، وابتعد.‬
                                                                                 ‫- ٌا هلل ... ح حالك ٌا أخً .‬
                                                                                                ‫ريّم‬
‫بعدها وحتى وصولنا السجن الصحراوي تكررت هذه العملٌة أربع مرات، خمسة رجال آخرون تقٌؤوا فوق بركة‬
                                                                              ‫البول. "القًء كله ذو لون واحد".‬
      ‫أما جاري، مقٌدة رجلً إلى رجله، فٌبدو أ نه كان ٌعانً من تعفن األمعاء، لفنً بؽبللة من روابن بطنه !‬
                                                                                           ‫ال‬
   ‫فً الثامنة صباحا ًا وصلنا أمام السجن الصحراوي . " فً الطرٌق كنت أنظر كثٌرا إلى ساعتً، وأكثر من‬
                                             ‫شخص نصحنً أن أخبؤها، ولكن أٌن ؟... تركتها على معصمً".‬


                                                                                                   ‫أمام السجن.‬
  ‫عشرات م ن عناصر الشرطة العسكرٌة، الباب صؽٌر، تصدم العٌن لوحة حجرٌة فوق الباب مخططة باألسود‬
                                                                                                         ‫النافر:‬
                                                                     ‫"ولكم فً الحٌاة قصاص ٌا أولً األلباب".‬
    ‫فتن لنا رجال األمن أبواب السٌارات، هم أنفسهم اللذٌن كانوا ٌعاملوننا بفظاظة وقسوة، أنزلونا من السٌارات‬
‫برفق مشوب بالشفقة، حتى أن أحدهم قال : " هللا ٌفرج عنكم ! ". وفٌما بٌنهم ك انوا ٌتحدثون همسا ًا وبصوت‬
   ‫خافت، ٌتحاشون النظر إلى عناصر الشرطة العسكرٌة الذٌن اصطفوا حولنا بما ٌشبه الدابرة، الحظت أن لهم‬
‫ان قلٌبلًا، الصدر مشدود إلى الوراء، الٌد الٌسرى تتكىء على الخصر،‬
                                                               ‫جمٌعا ًا نفس الوقفة تقرٌبا، الساقن منفرجت‬
                                                                       ‫ا‬
‫الٌد الٌمنى تحمل إما عصا ًا ؼلٌظة أو كببلًا مجدوالًا من أشرطة الكهرباء أو ش ٌبا ًا مطاطٌا أسودَم ٌشبه الحزام . "‬
‫عرفت فٌما بعد أنه قشاط مروحة محرك الدبابة ". ٌنظرون إلٌنا والى عناصر األمن نظرة فوقٌة تحمل استخفافا ًا‬
‫بعناصر األمن ووعٌداًا مبطنا لنا. حركاتهم تدل على نفاذ الصبر من بطء إجراءات التسلٌم واالستبلم، ٌنقلون ثقل‬
    ‫جسدهم من رجل إلى رجل، ٌه ز ون ٌدهم الٌمنى بما تحمل هزات تبرم وؼٌظ، لباسهم جمٌعا عسكري أنٌق،‬
                                        ‫أعلى رتبة بٌنهم مساعد أول، وهو الذي كان ٌوقع على لوابن استبلمنا .‬
                                                      ‫51‬
‫} قرأت فً مكان ما أن رجال إحد ى القبابل اإلفرٌقٌة عندما التقوا باإلنسان األوربً األبٌض ألول مرة نظروا‬
                                   ‫إلى بعضهم البعض بدهشة، وتساءلوا: هذا الرجل، لماذا قام بسلخ وجهه ؟! {‬
     ‫وتخٌلت أن عناصر الشرطة العسكرٌة ، هإالء الذٌن أراهم امامً ، ذوو وجوه مسلوخة، أٌة قوة سلخت هذه‬
‫الوجوه ؟ ... كٌؾ سلخت ؟... لماذا ؟... أٌن ؟... لست أدري لكن ما أراه أن الوجوه البدٌلة ال تشبه وجوه باقً‬
        ‫البشر، وجوه أهلنا وأصدقابنا !!... مسنة ؼٌر بشرٌة ... هً ؼٌر مربٌة، صحٌن، ولكنها قطعا ًا موجودة!.‬
                                                  ‫م.‬
                                                   ‫كم العافٌة ... خلص انتو تٌسروا، خلصت مهمتك‬
                                                                                            ‫- هللا ٌعطً‬
‫هكذا قال مساعد الشرطة العسكرٌة للرجل ذي النظارات. كانوا قد فكوا قٌودنا، السجناء ؼرٌزٌا ًا التصقوا بعضهم‬
                                                                                  ‫ببعض. ذهب رجال األمن.‬
                                                                      ‫بدأت الدابرة تضٌق .... صمت مطبق!!‬
                                                                    ‫- ٌا هلل ... صفوهم تنٌن تنٌن ... دخلوهم.‬
‫وأدخلونا من هذا الباب الصؽٌر، وفوقنا منحوتة "ولكم فً القصاص حٌاة ٌا أولً باب". اثنن اثنن، فً رتل‬
        ‫ي ي‬           ‫األل‬
     ‫طوٌل داخل ساحة فً وسطها وعلى جنباتها بعض األشجار والورود الرٌفٌة، وهً محاطة من جمٌع الجهات‬
‫بؽرؾ تشرؾ علٌها. وقؾ الرتل أمام مساعد آخر، جلس خلؾ طاولة أخرى، ولوابن اسمٌة أخرى ، أكثر من‬
     ‫جمٌع السجناء ٌتحاشون النظر مباشرة إلى أي‬      ‫م ا بة عنصر من عناصر الشرطة العسكرٌة ٌحومون حولنا،‬
     ‫عنصر. رأسنا منخفض قلٌبل، أكتافنا متهدلة . وقفة فٌها خشوع ، وقفة تصاؼر وذل، كٌؾ اتفق جمٌع السجناء‬
                                                    ‫على هذه الوضعٌة وكؤننا تدربنا علٌها سابقا؟! لست ادري.‬
                                                               ‫ك ن كل واحد منا ٌحاول االختباء داخل ذاته !!!‬
                                                                                                          ‫أ‬
      ‫حكنً رأسً من ا، وكما ٌفعل كل إنسان ٌحكه رأسه، مددت ٌدي عفوٌا ًا وحككت !! وسمعت صوتا ًا راعداًا:‬
                                                                                      ‫القؾ‬
                                      ‫- ولك ٌا جماعة ... شوفوا الكلب شوفوا !! عم ٌحك راس كمان ...!!‬
                                                 ‫ه‬
                                                                     ‫- شــــوووو .... ! عم ٌحك راس ؟!‬
                                                                        ‫ه‬
‫وسحبتنً األٌدي خارج الرتل، تقاذفتنً صفعا ًا ولكما ًا، لكمة تقذفنً، صفعة توقفنً، النار فً الرقبة والوجه ....‬
    ‫رسمٌا ًا فً هذا‬   ‫تمنٌت لو أبكً قلٌبلًا ... طلبنً المساعد لتسجٌلً فلم ٌبق ؼٌري، سجلنً وأصبحت نزٌبلًا‬
                                                                                                   ‫السجن.‬
    ‫مرة أخرى قادونا، بٌن ؼرفتٌن باب حدٌدي صؽٌر، أصؽر من الباب األول، " لم األبواب تصؽر كلما تقدمنا‬
      ‫؟! " ومن هذا الباب ولجنا إلى ساحة كبٌرة، إ نها الساحة األولى، ساحة مفروشة باإلسفلت، كل الطرقات‬
‫:‬          ‫والساحات مفروشة باإلسفلت الخشن، ٌحٌط بالساحة أبنٌة من طابق واحد مكتوب علٌها أرقام متسلسلة‬
                                                          ‫المهجع الثالث ، المهجع الرابع ... المهجع السابع.‬
                        ‫} األبواب تصؽر ولكن فً الساحة األولى فتحت جهنم أوسع أبوابها، وكنا وقودها !! {.‬
         ‫بهدوء ودقة أوقفونا بعضنا إلى جانب بعض، ٌفصل بٌن الواحد واآلخر متران أو ثبلثة، صاح المساعد:‬
           ‫- هلق ... كل واحد منكن ٌشلن كل تٌابه .... حط تٌابك على ٌمٌنك .... خلٌك بالسروال الداخلً فقط.‬


                                                     ‫61‬
‫ثٌابهم ووقفوا ٌنتظرون،‬       ‫" سلٌب " بعد ان خلع الجمٌع‬              ‫الحظت أننً الوحٌد الذي ٌلبس‬
                                                                             ‫وانتابنً إحساس بالؽربة !..‬
 ‫كان صوت المساعد فً البداٌة هادبا ًا، ومع مرور الوقت أخذ ٌتصاعد شٌبا ًا فشٌبا ًا ، حدة وشدة، وكلما تصاعد‬
                   ‫ًا‬
‫صوت المساعد كنت أحس أن التوتر والعصبٌة ٌزدادان فً حركات الشرطة ... والخوؾ والهلع ٌزدا دان فً‬
                                            ‫نفوس السجناء، ٌؽضون أبصارهم وتتهدل أكتافهم أكثر فؤكثر!.‬
                                                        ‫اقترب منً شرطٌان ٌحمبلن الكرابٌج، قال أحدهم:‬
                                                                                                 ‫ّم‬
                                                             ‫- نزل الكٌلوت وال ...واعمل حركتٌن أمان!!‬
                                           ‫أنزلت الكٌلوت حتى الركبة، نظرت إلى الشرطٌٌن مستفهما ًا ...‬
                                                                           ‫- اعمل حركتٌن أمان وال...‬
                                                   ‫- شلون ٌا سٌدي بدي اعم ل.. شلون حركتٌن األمان؟‬
                                                        ‫- قرفص وقوم مرتٌن وال... صحٌن انك جنش!‬
                          ‫"حركات األمان عمل خشٌة أن ٌكون السجناء قد خبؤوا شٌبا ًا ممنوعا ًا فً شرجهم!"‬
                                                                                       ‫ُم‬
                                                                                       ‫ت‬
                                                   ‫نظر أحد الشرطٌٌن الى اآلخر مبتسما ًا، وبصوت خفٌض:‬
                                                                             ‫- العمى ... شو تبعو صؽٌر!!‬
‫راًا جداًا !! حتى هو أحس بالذعر الشدٌد والهلع، فا ختبؤ داخل كٌسه،‬
                                                                ‫نظرت الٌـ"ـه"، إلى تبعً، نعم لقد كان صؽً‬
                                                                                     ‫أنا لم أستطع االختباء!‬
‫خلفً مهجع كبٌر كتب على بابه / المهجع 5 -6 /. تخرج من جانب الباب بالوعة "صرؾ صحً " على وجه‬
                                                           ‫األرض، سٌل فً هذه البالوعة مٌاه سوداء قذرة.‬
                                                                                              ‫ت‬
  ‫انتهى التفتٌش . جرى بدقة محترفٌن، ح تى ثناٌا الثٌاب، جمٌع النقود واألوراق، أي شًء معدنً، األحزمة‬
‫وأربطة األحذٌة ... جمٌعها صودرت، "أنا كنت حافٌا". ورؼم كل هذه الدقة بالتفتٌش فإن ساعة ٌدي مرت ، لم‬
                                                 ‫أتعمد إخفاءها، فقط لم ٌنتبه لها احد، وعندما صاح المساعد:‬
                                                                      ‫- وال كبلب ... كل واحد ٌحمل تٌابه.‬
  ‫حملت ثٌابً ووضعتها على ٌدي الٌسرى، وفورا فككت الساعة ودسستها فً الجٌب الداخلً لسترتً، وشعور‬
                                                                                          ‫آخر باالنتصار.!‬


                                                                                           ‫البلديــــــــات :‬
  ‫كلمة خاصة بالسجون هنا، هم جنود سجناء ... الفارون من الخدمة العسكرٌة، الجنود الذٌن ٌرتكبون جرابم‬
 ‫القتل، االؼتصاب، السرقة، مدمنو المخدرات... كل الجنود المجرم ن، حثالة الجٌش، ٌقضون فترة عقوبتهم فً‬
                                     ‫ي‬
‫السجون العسكرٌة، فً مثل هذا السجن، مهمتهم التنظٌؾ وتوزٌع الطعام وؼٌره من األعمال... من هنا جاء اسم‬
                                                  ‫البلدٌات، هإالء فً السجن الصحراوي لهم مهمات أخرى.‬


                                                   ‫71‬
‫جمعونا فً أحد أطراؾ الساحة، تكومنا ونحن نحمل ثٌابنا، صوت المساعد ارتفع كثٌراًا ، البلدٌات ٌقفون فً‬
                           ‫ًا‬
‫الطرؾ اآلخر من الساحة. كثٌر من البلدٌات، البعض منهم ٌحمل عصا ًا ؼلٌظة مربوط بها حبل متدل ٌصل بٌن‬
        ‫طرفٌها، حبل سمٌك ٌتدلى من العص "الفلقة". صاح المساعد بصوت مشحون موجها ًا حدٌثه للسجناء :‬
                                                                  ‫ا‬
                                                           ‫- مٌن م ضابط ؟.. الضباط تعو لهون.‬
                                                                                     ‫فٌك‬
                                   ‫خرج اثنان من بٌن السجناء، أحدهما فً منتصؾ العمر، اآلخر شاب.‬
                                                                                    ‫- شو رتبتك ؟‬
                                                                                          ‫- عمٌد.‬
                                                                                        ‫- عمٌد؟!!.‬
                                                                                            ‫- نعم.‬
                                                                               ‫- وأنت شو رتبتك؟‬
                                                                                     ‫- مبلزم أول.‬
                                                                                         ‫- هـممم.‬
                                                          ‫التفت المساعد إلى السجناء، وبصوت أقوى:‬
                                                ‫- مٌن م طبٌب .. أو مهندس أو محامً.. ٌطلع لبره.‬
                                                                                       ‫فٌك‬
                                                              ‫خرج من بٌننا أكثر من رة أشخاص.‬
                                                                      ‫عش‬
                                                                ‫- وقفوا هون.. ثم متوجها ًا للسجناء:‬
                                               ‫- كل واحد معه شهادة جامعة ... ٌطلع لبرّم ات الصؾ.‬
                                                         ‫خرج أكثر من ثبلثٌن شخصا ًا، كنت أنا بٌنهم.‬
                                           ‫مشى المساعد مبتعداًا، وقؾ بجوار البالوعة، صاح بالشرطة:‬
                                                                             ‫- جٌبولً سٌادة العمٌد!!‬
                                ‫انقض أكثر من عشرة عناصر على العمٌد، وبلحظات كان أمام المساعد!!‬
                                                                              ‫- كٌفك سٌادة العمٌد؟‬
                                                      ‫- الحمد هلل ... الذي ال ٌحمد على مكروه سواه.‬
                                                              ‫- شو سٌادة العمٌد ... مانك عطشان؟‬
                                                                                     ‫- ال .. شكراًا.‬
‫- بس الزم نشربك.. ٌعنً نحن عرب، والعرب مشهورٌن بالكرم، ٌعنً الزم نقدم لك ضٌافة... مو من شان‬
                                                                         ‫شً ... منشان واجبك!!‬
               ‫بعد لهجة االستهزاء والسخرٌة صمت االثنان قلٌبلًا، ثم انتفض المساعد، وقال بصوت زاعق:‬
                              ‫- شاٌؾ البالوعة ؟ .. انبطن واشرب منها حتى ترتوي ... ٌاهلل وال كلب!!‬
                                                                           ‫- ال ... ما راح اشرب.‬
                                         ‫وكؤن مسا ًا كهربابٌا ًا أصاب المساعد، وباستؽراب صادق صرخ:‬
                                                ‫81‬
‫- شـو ..شـو ...شـو ؟؟!!! ما بتشرب!!!‬
                                  ‫عندها التفت إلى عناصر الشرطة العسكرٌة وال زال وجهه ٌنطق بالدهشة:‬
                                         ‫- شربوه .... شربوه على طرٌقتكن و ال كبلب.... تحركوا لشوؾ.‬
 ‫العمٌد عار إال من السروال الداخلً، حاؾٍل ، وبلحظات قلٌلة اصطبػ جسده بالخطوط الحمراء والزرقاء، أكثر‬
                                                                                         ‫ٍل‬
‫من عشرة عناصر انقضوا علٌه، تناوشوه، عصً ؼلٌظة، كوابل مجدولة، أقشطة مراوح الدبابات .... كلها‬
‫تنهال علٌه من جمٌع الجهات، من أول لحظة بدأ العمٌد ٌقاوم، ٌضرب بٌدٌه العنصر الذي ٌراه أمامه، أصاب‬
               ‫بعضهم بضربات ٌدٌه .... كان ٌلكم ... ٌصفع ... ٌحاول جاهداًا أن ٌمسك بواحد منهم، ولكن‬
‫هم كانوا ٌضربونه‬
‫وبشدة على ٌدٌه ا ٌن ٌمدهما لئلمساك بهم... تزداد ضراوتهم، خٌوط الدم تسٌل من مختلؾ أنحاء جسده ....‬
                                                                              ‫للت‬
  ‫تمزق السروال وانقطع المطاط، أضحى العمٌد عارٌا ًا تماما ًا، إ اه أكثر بٌاضا ًا من سابر أنحاء جسده، خٌوط‬
                                         ‫لٌت‬
 ‫الدم أكثر وضوحا ًا علٌهما، خصٌتاه تتؤرجحان مع كل ضربة أو حركة، بعد قلٌل تدلت ٌداه الى جانبٌه وأخذتا‬
                                                               ‫تتؤرجحان أٌضا ًا، سمعت صوت هامسا ًا خلفً:‬
                                                                              ‫اًا‬
                                         ‫-تكسروا إٌدٌه !! ٌا لطٌؾ ... هالعمٌد ٌا رجال كتٌر .. ٌا مجنون!!‬
   ‫لم ألتفت إلى مصدر الكبلم. كنت مؤخوذاًا بما ٌجري أمامً، مع الضرب بدأ العناصر ٌحاولون أن ٌبطحوه‬
‫أرضا ًا، العمٌد ٌقاوم، ٌملص من بٌن أٌدٌهم... تساعده دماإه التً جعلت جسده لزجا ًا. تكاثروا علٌه، كلما نجحوا‬
                 ‫فً إحنابه قلٌبل ... ٌنتفض وٌتملص من قبضاتهم وبعد كل حركة تزداد ضراوة الضرب ...‬
  ‫!!.. سمعت صوت ارتطامها برأس‬              ‫رأٌت هراوة ؼلٌظة ترتفع من خلؾ العمٌد وتهوي بسرعة البرق‬
‫العمٌد....! صوت ال ٌشب أي صوت آخر ....! حتى عناصر الشرطة العسكرٌة توقفوا عن الضرب، شُملوا لدى‬
                                                                       ‫ه‬      ‫أ‬
‫سماعهم الصوت لثوان....صاحب الهراوة تراجع خطوتٌن إلى الوراء .. جامدَم العٌنٌن ...!! العمٌد دار بجذعه‬
                                   ‫ًا‬
‫ربع دورة وكؤنه ٌرٌد أن ٌلتفت الى الخلؾ لرإٌة ضاربه !! خطا خطوة واحدة، وعندما هم برفع رجله الثانٌة‬
                                                                  ‫.... انهار متكوما ًا على اإلسفلت الخشن !!‬
              ‫الصمت صفحة بٌضاء صقٌلة تمتد فً فضاءات الساحة األولى ... شقها صوت المساعد القوي:‬
                                                               ‫- ٌا هلل وال حمٌر ... اسحبوه وخلوه ٌشرب!!‬
                                         ‫سحب عناصر الشرطة العمٌد، واحد منهم التفت الى المساعد وقال:‬
                                                 ‫- ٌا سٌدي .. ه ذا ؼاٌب عن الوعً، شلون بدو ٌشرب؟!‬
                                                     ‫- حطوا رأسه بالبالوعة .. بٌصحى .. بعدٌن شربوه.‬
                                                         ‫وضعوا رأس العمٌد بمٌاه البالوعة، ولكنه لم ٌصن.‬
                                                                       ‫- ٌا سٌدي .. ٌمكن أعطاك عمره!‬
                                                  ‫- هللا ال ٌرحمه ... اسحبوه لنص الساحة وزتوه هونٌك.‬
‫من ٌدٌه جروه على ظهره، رأسه ٌتؤرجن، اختلطت الدماء بؤشٌاء بٌض اء وسوداء لزجة على وجهه !! مسار‬
‫من خطوط حمراء قاتمة تمتد على اإلسفلت الخشن من البالوعة الى منتصؾ الساحة حٌث تمددت جثة العمٌد.‬
                                                            ‫صاح المساعد وقد توترت وبرزت حبال رقبته:‬
                                                    ‫91‬
‫- جٌبولً .. هالكرّم الحقٌر ... المبلزم لهون.‬
                                                                           ‫وبعد أن أصبن المبلزم أمامه:‬
                                                                 ‫- شو ٌا حقٌر ؟ .. بدك شرب وال أل؟‬
                                                                           ‫ت‬
                                                                  ‫- حاضر سٌدي .. حاضر .. بشرب.‬
‫انبطن المبلزم على اإلسفلت أمام البالوعة، ؼطس فكٌه فً مٌاه البالوعة، وضع المساعد حذاءه العسكري على‬
                                                         ‫رأس المبلزم المنبطن وضؽطه إلى األسفل قاببلًا:‬
                                                                  ‫- ما بٌكفً هٌك. الزم تشرب وتبلع!!‬
                                                                  ‫ثم تابع المساعد موجها ًا حدٌثه للشرطة:‬
                                   ‫- وهلق .. خدوا هالكلب عا التشرٌفة ... بدي ٌكون االستقبال تمام .!‬
 ‫ألقً على ظهره‬    ‫المبلزم الذي شرب وبلع المٌاه القذرة بما فٌها من بصاق ومخاط وبول وقاذورات أخرى،‬
   ‫بسرعة مذهلة، ووضع اثنان من البلدٌات قدمٌه فً حبل الفلقة، لفوا الحبل على كاحلٌه ورفعوا القدمٌن إلى‬
                                                                                                     ‫أعلى.‬
‫القدمان مشرعتان فً الهواء، ثبلثة عناصر من الشرطة توزعوا أمام القدمٌن وحولهما بطرٌقة مدروسة بحٌث‬
      ‫كانت كرابٌجهم تهوي على القدمٌن بتناؼم عجٌب دون أن تعٌق إحدى الكرابٌج األخرى، ارتفع صراخ‬
                                            ‫المبلزم عالٌا ًا، تلوى جسده ٌحاول خبلصا ًا، ولكن دون جدوى.‬
‫استفز صراخ المبلزم واستؽاثات العالٌة المساعد، مشى باتجاهه مسرعا ًا ، وكبلعب كرة قدم وجه مقدمة بوطه‬
                                                                      ‫هًا‬               ‫ُم‬
                                                                          ‫إلى رأس المبلزم وقذؾ الكرة.‬
                                                 ‫ُم‬           ‫ًا‬
‫صرخ المبلزم صرخة حٌوانٌة، صرخة كالعواء... فز المساعد أكثر فؤكثر، سحق فم المبلزم بؤسفل البوط،‬
                                                 ‫است‬
 ‫لمساعد ٌواصل عمله سحقا ًا ، الرأس، الصدر،‬       ‫عناصر الشرطة ٌواصلون عملهم على قدمً المبلزم، ا‬
             ‫البطن... رفسات على الخاصرة ... حركات هستٌرٌة للمساعد وهو ٌصرخ صراخا ًا بالكاد ٌفهم:‬
‫- والك عرصات ... والك حقٌرٌن .... عم تشتؽلوا ضد الربٌس !!... والك سوّم اك زلمة ... سواك مبلزم‬
‫بالجٌش ... وبتشتؽل ضده ؟ !!... والك ٌا عمبلء ... ٌا جواسٌس !.. والك الربٌس خبلنا نشبع خبز ...‬
‫!... ٌا عمبلء أمرٌكا .... ٌا عمبلء اسرابٌل ... ٌا والد‬      ‫وهلق جاٌٌن أنتو ٌا كبلب تشتؽلوا ضده ؟‬
 ‫الشرموطة ... هلق عم تترجوا ؟ !!... بره كنتوا عاملٌن حالكن رجال ... ٌا جبناء ... هلق عم تصرخ‬
                                                                                     ‫والك حقٌر !!...‬
        ‫ًا‬
‫على إٌقاع رخات المساعد و"دبٌكه" فوق المبلزم، كانت ضربات الشرطة تزداد عنفا ًا وشراسة، وصرخات‬
                                                                                 ‫ص‬
                                                                    ‫واستؽاثات المبلزم تخفت شٌبا ًا فشٌبا ًا.‬
‫بعد قلٌل تمدد المبلزم أول إلى جانب العمٌد !!. "ال أدري حتى اآلن ماذا حل به ؟ هل مات أم ال ؟ ...هل كان‬
                                     ‫لدى إدارة السجن أوامر بقتل الضباط ناء االستقبال أو التشرٌفة ؟".‬
                                                                ‫أث‬
‫واآلن جاء دورنا. " إجاك الموت ٌا تارك الصبلة !" عبارة سمعتها فٌما بعد من اإلسبلمٌٌن حتى مللتها، ولكن‬
          ‫فعبل جاء دورنا، حملة الشهادات الجامعٌة، لٌسانس ، بكالورٌوس ، دبلوم ، ماجستٌر .. دكتوراه ..‬
                                                  ‫02‬
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa
Qouqaa

More Related Content

What's hot

إمش و لا تلتفت
إمش و لا تلتفتإمش و لا تلتفت
إمش و لا تلتفتwelduae100
 
من تدمر إلى هارفارد
من تدمر إلى هارفاردمن تدمر إلى هارفارد
من تدمر إلى هارفاردShamKarama
 
حج متمتع Haj mutamata
حج متمتع Haj mutamataحج متمتع Haj mutamata
حج متمتع Haj mutamataMohammad Ali
 
2الورد عنوان الود و رسول المحبة
2الورد عنوان الود و رسول المحبة2الورد عنوان الود و رسول المحبة
2الورد عنوان الود و رسول المحبةSamira Brahim
 
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرياض القاضي
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
ديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغربديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغربMustafa Saad
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةalselman
 
Trip to Oman - Kalba - Fujairah
Trip to Oman - Kalba - FujairahTrip to Oman - Kalba - Fujairah
Trip to Oman - Kalba - FujairahLittle Designer
 
رمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومرمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومAbdulhadi Aloufi
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةRajaa Rajaa Bakriyyeh
 
خمس دقائق وحسب
خمس دقائق وحسبخمس دقائق وحسب
خمس دقائق وحسبShamKarama
 

What's hot (14)

إمش و لا تلتفت
إمش و لا تلتفتإمش و لا تلتفت
إمش و لا تلتفت
 
من تدمر إلى هارفارد
من تدمر إلى هارفاردمن تدمر إلى هارفارد
من تدمر إلى هارفارد
 
حج متمتع Haj mutamata
حج متمتع Haj mutamataحج متمتع Haj mutamata
حج متمتع Haj mutamata
 
2الورد عنوان الود و رسول المحبة
2الورد عنوان الود و رسول المحبة2الورد عنوان الود و رسول المحبة
2الورد عنوان الود و رسول المحبة
 
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضيرساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
رساله لرجل في الاربعين من عمره - اشعار للكاتب والشاعر رياض القاضي
 
برقيات..احبك احبك
برقيات..احبك احبكبرقيات..احبك احبك
برقيات..احبك احبك
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
ديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغربديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغرب
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبة
 
Trip to Oman - Kalba - Fujairah
Trip to Oman - Kalba - FujairahTrip to Oman - Kalba - Fujairah
Trip to Oman - Kalba - Fujairah
 
Shenash
ShenashShenash
Shenash
 
رمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيومرمضان يوم بيوم
رمضان يوم بيوم
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
 
خمس دقائق وحسب
خمس دقائق وحسبخمس دقائق وحسب
خمس دقائق وحسب
 

Recently uploaded

لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيfjalali2
 
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتالوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتMohamadAljaafari
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxssuser53c5fe
 
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراقإعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراقOmarSelim27
 
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...Osama ragab Ali
 
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfدور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf575cqhpbb7
 
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxتهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxfjalali2
 
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبيةتطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبيةMohammad Alkataan
 
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxv2mt8mtspw
 
sass session by ali ramadan to themifiiy
sass session by ali ramadan to themifiiysass session by ali ramadan to themifiiy
sass session by ali ramadan to themifiiyh456ad
 
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfعرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfr6jmq4dqcb
 
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليميةعرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليميةfsaied902
 
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfشكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfshimaahussein2003
 
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptxAhmedFares228976
 
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdfسلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdfbassamshammah
 

Recently uploaded (16)

لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابيلطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
لطلاب المرحلة الابتدائية طرق تدريس التعبير الكتابي
 
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلوماتالوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
الوعي المعلوماتي لدى العاملين في المكتبات و مراكز المعلومات
 
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptxالترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
الترادف بين اللغة العربية والإنجليزية.pptx
 
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراقإعادة الإعمار--  غزة  فلسطين سوريا العراق
إعادة الإعمار-- غزة فلسطين سوريا العراق
 
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
أسامه رجب علي أحمد (عرض تقديمي عن الجمل التي لها محل من الاعراب والتي ليس لها...
 
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfدور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
دور مجتمعات التعلم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
 
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptxتهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
تهيئة ممتعة استراتيجية شريط الذكريات.pptx
 
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبيةتطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها   في العلوم البيولوجية والطبية
تطبيقات الذكاء الاصطناعي و استخداماتها في العلوم البيولوجية والطبية
 
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptxالصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
الصف الثاني الاعدادي -علوم -الموجات .pptx
 
sass session by ali ramadan to themifiiy
sass session by ali ramadan to themifiiysass session by ali ramadan to themifiiy
sass session by ali ramadan to themifiiy
 
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdfعرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
عرض تقديمي دور مجتمعات التعليم في تحسين جودة الحياة الجامعية .pdf
 
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليميةعرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم  التعليمية
عرض تقديمي تكليف رقم (1).الرسوم التعليمية
 
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdfشكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
شكل الحرف وطريقة الرسم DOC-20240322-WA0012..pdf
 
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي  جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي  جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
عرض تقديمي عن اسم المفعول.امل عرفات محمد العربي جامعة جنوب الوادي تربيه عام ...
 
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
1-G9-حل درس سورة الواقعة للصف التاسع 57-74 (1).pptx
 
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdfسلسلة في التجويد للدورات التمهيدية  والمتوسطة والمتقدمة.pdf
سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
 

Qouqaa

  • 1. ‫مصطفى خلٌفة‬ ‫القــوقعـة‬ ‫(( يوميات متلصص ))‬ ‫جلست وسوزان فً كافٌترٌا مطار أورلً ببارٌس ننتظر إقبلع الطابرة التً ستقلنً إلى بلدي بعد ؼٌاب دام‬ ‫ي‬ ‫ست سنوات.‬ ‫1‬
  • 2. ‫حتى ربع الساعة األخٌر هذا، لم تٌؤس سوزان من محاولة إقناعً بالبقاء فً فرنسا، أخذت تكرر على مسامعً‬ ‫نفس الحجج التً سمعتها منذ شهور عندما أعلمتها بقراري النهابً بالعودة إلى الوطن والعمل هناك.‬ ‫أنا ابن عابلة عربٌة تدٌن بالمسٌحٌة والمذهب الكاثولٌكً . نصؾ العابلة ٌعٌش فً بارٌس ، لذلك كانت األبواب‬ ‫مفتوحة أمامً للدراسة فً هذا البلد ، دراستً كانت سهلة ومٌسرة وخاصة إننً كنت أجٌد الفرنسٌة حتى قبل‬ ‫قدومً إلى بارٌس ، درست اإلخراج السٌنمابً وتفوقت فً دراستً . وها أنا أعود بعد تخرجً إلى بلدي‬ ‫ومدٌنتً.‬ ‫سوزان أٌضا ابنة عابلة عربٌة ، ولكن كل عابلتها كانت قد هاجرت وتعٌش فً فرنسا، أصبحنا صدٌقٌن حمٌمٌن‬ ‫فً السنتٌن األخٌرتٌن من دراستً ، وكان ٌمكن أن نتزوج بمباركة العابلتٌن لوال إصراري على العودة إلى‬ ‫الوطن، وإصرارها على البقاء فً فرنسا.‬ ‫قلت لها حسما ًا آلخر نقاش فً الموضوع ونحن فً المطار:‬ ‫ي. أحب شوارعها وزواٌاها. هذه لٌست رومانسٌة فارؼة، إنه عور أصٌل،‬ ‫ش‬ ‫- سوزان .. أنا أحب بلدي، مدٌنت‬ ‫أحفظ العبارات المحفورة على جدران البٌوت القدٌمة فً حٌنا، أعشقها، أحن إلٌها. هذا أوالًا، أما ثانٌاً فهو أننً‬ ‫أرٌد أن أكون مخرجا ًا متمٌزاًا، فً رأسً الكثٌر من المشارٌع والخطط، إن طموحً كبٌر، فً فرنسا سوؾ أبقى‬ ‫ؼرٌبا ًا، أعمل كؤي الجًء عندهم، ٌتفضلون علً ببعض الفتات ... ال... ال أرٌد . فً بلدي أنا صاحب حق …‬ ‫ولٌس ألحد مٌزة التفضل علًّم ، بقلٌل من الجهد أستطٌع أن أثبت وجودي ، هذا إذا ننٌنا جانبا حاجة الوطن لً‬ ‫ّم‬ ‫ٍل‬ ‫وألمثالً.‬ ‫لذلك قراري بالعودة نهابً، وكل محاولة إلقناعً عكس ذلك عبث.‬ ‫ران صمت استمر بضع دقابق. سمعنا نداء. آن أوان صعود الطابرة، وقفنا، شربنا ما تبقى فً كإوسنا من بٌرة‬ ‫ال‬ ‫دفعة واحدة، نظرت إلٌها متؤثرا، لمحت مشروع دمعة فً عٌنٌها، ألقت بنفسها على صدري، قبلتها سرٌعا ًا. " ال‬ ‫أطٌق هكذا موقؾ "‬ ‫قلت : أتمنى لك السعادة.‬ ‫- وأنا كذلك، أرجو أن تنتبه، حافظ على نفسك.‬ ‫وصعدت الطابرة.‬ ‫* ٌومٌات متلصص:‬ ‫إن التلصص الذي مارسته لم ٌكن تلصصا ًا جنسٌا ًا - وان لم ٌخل األمر من ذلك.‬ ‫هذه الٌومٌات كتبت معظمها فً السجن الصحراوي، وكلمة ( كتبت ) فً الجملة السابقة لٌست دقٌقة.‬ ‫ففً السجن الصحراوي ال ٌوجد أقبلم وال أوراق للكتابة .ف ي هذا ا لسجن الضخم الذي ٌحتوي على سبع‬ ‫ساحات إضافة إلى الساحة صؾ، وعلى سبعة وثبلثٌن مهجعاًا، وعلى العدٌد من المهاجع الجدٌدة ؼٌر المرقمة‬ ‫ر‬ ‫والؽرؾ والزنازٌن الفرنسٌة (السٌلول ) فً الساحة الخامسة، والذي ضم بٌن جدرانه فً لحظة من اللحظات‬ ‫2‬
  • 3. ‫أكثر من عشرة آالؾ سجٌن ، فً هذا سجن الذي كان ٌحتوي على أعلى نسبة لحملة الشهادات الجامعٌة فً هذا‬ ‫ال‬ ‫البلد، لم ٌر السجناء - وبعضهم قضى أكثر من عشرٌن عاما ًا - أٌة ورقة أو قلم.‬ ‫الكتابة الذهنٌة أسلوب طوّم ره اإلسبلمٌون. " أحدهم كان ٌحفظ فً ذهنه أكثر من عشرة آالؾ اسم، هم السجناء‬ ‫الذٌن دخلوا السجن ال صحراوي، مع أسماء عاببلتهم، مدنهم أو قراهم، تارٌخ اعتقالهم، أحكامهم، مصٌرهم‬ ‫.....".‬ ‫عندما قررت كتابة هذه الٌومٌات كنت قد استطعت بالتدرٌب تحوٌل الذهن إلى شرٌط تسجًل، سجلت علٌه كل‬ ‫ما رأٌت، وبعض ما سمعت.‬ ‫واآلن أفرغ "بعض" ما احتواه هذا الشرٌط.‬ ‫- هل أنا نفس ما كنته قبل ثبلثة عشر عاما ؟! ... نعم ... وال. نعم صؽٌرة، وال كبٌرة.‬ ‫نعم، ألننً أفرغ وأكتب "كتابة حقٌقٌة" بعضا ًا من هذه الٌومٌات.‬ ‫. هذ ا حتاج إلى عملٌة بوح ، وللبوح شروط . الظرؾ‬ ‫ي‬ ‫وال.. ألننً ال أستطٌع أن أكتب وأقول كل شًء‬ ‫الموضوعً والطرؾ اآلخر.‬ ‫02 نيسان‬ ‫وقفت على سلم الطابرة قلٌبلًا أتملى أبنٌة المطار. أنظر إلى األضواء البعٌدة، أضواء مدٌنتً. إنها لحظة رابعة.‬ ‫نزلت، أخذت حقٌبتً وجواز السفر فً ٌدي، إحساس باالرتٌاح، إحساس من ٌعود إلى بٌته وزواٌاه المؤلوفة بعد‬ ‫طول ؼٌاب.‬ ‫طلب منً الموظؾ االنتظار. قرأ جواز السفر، رجع إلى أوراق عنده، بعدها طلب منً االنتظار، فانتظرت.‬ ‫اثنان من رجال األمن استلما جواز السفر وبلطؾ مبالػ فٌه طلبا منً مرافقتهما.‬ ‫أنا وحقٌبتً – التً لم أرها بعد ذلك – ورحلة فً سٌارة األمن على طرٌق المطار الطوٌل، أرقب األضواء‬ ‫على جانبً الطرٌق، أرقب أضواء مدٌنتً تقترب، ألتفت إلى رجل األمن الجالس إلى جواري، أساله:‬ ‫- خٌر إن شاء هللا ؟ .. لماذا هذه اإلجراءات ؟!‬ ‫ٌصالب سبابته على شفتٌه، ال ٌنطق بؤي حرؾ، ٌطلب منً السكوت، فؤسكت!‬ ‫رحلة من المطار إلى ذلك المبنى الكبٌب وسط العاصمة. رحلة فً المكان.‬ ‫ومنذ تلك اللحظة ولى ثبلثة عشر عام اًا قادمة! رحلة فً الزمان.‬ ‫"عرفت فٌما بعد أن أحدهم، وكان طالبا معنا فً بارٌس، قد كتب تقرٌرا رفعه إلى الجهة األمنٌة التً ٌرتبط بها،‬ ‫ٌقول هذا التقرٌر إننً قد تفوهت بعبارات معادٌة للنظام القابم، وإننً تلفظت بعبارات جارحة بحق ربٌس‬ ‫الدولة، وهذا الفعل ٌعتبر من اكبر الجرابم، ٌعادل فعل الخٌانة الوطنٌة إن لم ٌكن أقسى.‬ ‫وهذا جرى قبل ثبلث سنوات على عودتً من بارٌس".‬ ‫ذلك التقرٌر قادنً إلى هذا المبنى الذي ٌتوسط العاصمة – قرٌبا ًا من بٌتنا هذا المبنى الذي أعرفه جٌداًا ، فلطالما‬ ‫مررت من أمامه. كنت حٌنها م ثاراًا بالؽموض الذي ه، الحراسة الشدٌدة حوله .‬ ‫ٌلؾ وب‬ ‫ُم‬ ‫3‬
  • 4. ‫. فً آخر الممر‬ ‫رجبل األمن ٌخفرانً، اشتدت قبضاتهما على ساعديّم عندما ولجنا الباب إلى الممر الطوٌل‬ ‫شاب، صاح عندما رآنا:‬ ‫- أهلٌن موسى ..شو ؟! أخضر وال أحمر؟‬ ‫- ك و أخرى من بعض.‬ ‫ل‬ ‫ّم‬ ‫ن... قرع الباب... صوت من الداخل: أدخل.‬ ‫من الممر إلى ممر آخر، درج داخلً، ممر علوي، ؼرفة إلى الٌمً‬ ‫فتن مرافقً الباب بهدوء، ثم خبط األرض بقدمٌه بقوة:‬ ‫- احترامً سٌدي .. هذا مطلوب جبناه من المطار .. سٌدي.‬ ‫انسلت إلى أنفً رابحة ممٌزة، ال ٌوجد مثٌلها إال فً مكاتب ضباط األمن، هً خلٌط روابن، العطور المختلفة،‬ ‫السجابر الفاخرة، رابحة العرق اإلنسانً، رابحة األرجل.‬ ‫كل ذلك ممزوج برابحة التعذ ب. العذاب اإلنسانً. رابحة القسوة.‬ ‫ي‬ ‫ما أن تصل الرابحة إلى أنؾ اإلنسان حتى ٌشعر بالرهبة والخوؾ، وقد شعرت به م ا رؼم اعتقادي أن التباسا ًا ما‬ ‫وراء كل هذا.‬ ‫التفت إلٌنا شخص عمبلق، أبٌض الشعر ذو وجه أحم ر، لمحت عند قدمٌه شابا ًا مقرفصا ًا معصوب العٌنٌن، قال‬ ‫العمبلق:‬ ‫- خذه لعند أبو رمزت.‬ ‫جذبنً المرافقان، هذه المرة بعنؾ ظاهر . ممرات وأدراج، كم ٌبدو البناء صؽٌر اًا من الخارج، بٌنما هو بكل هذا‬ ‫منا أكثر تزداد هذه‬ ‫االتساع من الداخل، خبلل سٌرنا تصلنً أصوات صراخ إنسانً واستؽاثات، كلما تقد‬ ‫األصوات ارتفاعا ًا ووضوحا ًا، نزلنا – على ما أعتقد - إلى القبو، فتن أحد مرافقًّم الباب، رأٌت مصدر الصراخ‬ ‫واالستؽاثة، فاجؤتنً صرخة ألم عالٌة إثر ضربة كابل على قدمً الشخص الممدد أرضا ًا والمحشور فً دوالب‬ ‫سٌارة خارجً، رجبله مرتفعتان فً الهواء.‬ ‫"أحسست أن شٌبً بٌن فخدي قد ارتجؾ".‬ ‫بٌنما كنت مذهوالًا من رإٌة الكابل األسود ٌرتفع ثم ٌهوي على قدمً الشاب المحشور فً دوالب السٌارة األسود‬ ‫ثم ٌرتفع ناثراًا معه نقاط الدم ونتؾ اللحم اآلدمً ، جم دنً صوت زاعق. التفت مرؼما ًا إلى مصدره، فً زاوٌة‬ ‫ّم‬ ‫الؽرفة رجل محتقن الوجه، محمرّم ه، والزبد ٌرؼً على زاوٌتً فمه:‬ ‫- طمّمش عٌونه ..وال حمار!!‬ ‫قفز أحد مرافقًّم قفزتٌن، واحدة إلى األمام، وأخرى إلى الوراء، وإذ ا بشًء ٌوضع على عٌنًّم ويُم ربط بمطاط‬ ‫خلؾ رأسً، ولم أعد أرى شٌبا.‬ ‫- وقفوه على الحابط.‬ ‫دفعة على ظهري، صفعة على رقبتً، ٌداي إلى الخلؾ، أسٌر مرؼما، ٌرتطم رأسً بالجدار، أقؾ.‬ ‫- إرفع ٌدٌك لفوق ..ولك كلب ...‬ ‫أرفعُم هما.‬ ‫4‬
  • 5. ‫- إرفع رجلك الٌمٌن ووقؾ على رجلك الٌسار ..ٌا ابن الشرموطة.‬ ‫أرفع رجلً، أقؾ.‬ ‫فً الخلؾ ٌستمر ما كان ٌجري، أسمع صوت الكابل، صوت ارتطامه بالقدمٌن، صوت الشاب المتؤلم، صوت‬ ‫لهاث الجبلد، أكاد اسمع صوت نتؾ اللحم التً رأٌتها تتطاٌر قبل قلٌل.. أصوات.. أصوات.‬ ‫عند األعمى الصوت هو السٌد.‬ ‫ًا‬ ‫الكرسً المرٌن فً مطار اورلً، سوزان ، مرطبات، بٌرة، المقعد الوثٌر فً الطابرة، المضٌفة التً تفٌض رقة‬ ‫وجماالًا، العصٌر.. الشاي !!‬ ‫تتعب رجلً الٌسرى التً تحمل كام ل جسدي." لو بدلت الٌمنى بالٌسرى، هل سٌنتبه الرجل ذو الوجه المحتقن؟!‬ ‫وإذا انتبه ماذا سٌفعل ؟!" .‬ ‫تتخدر الٌسرى، لم أعد أستط ع االحتمال، أؼامر ..أبدل !!.. لم ٌحصل شًء، لم ٌنتبه أحد، أشعر باالنتصار !..‬ ‫ي‬ ‫"بعد سنٌن طوٌلة من السجن مستقببلًا، سؤكتشؾ أنه فً الصراع األ بدي بٌن السجٌن والسجان، كل انتصارات‬ ‫السجٌن ستكون من هذا العٌار!!".‬ ‫الزمن ثقٌل .. ثقٌل .. حالة من البلتصدٌق تنتابنً !! ما الذي ٌجري؟ ! ولم أنا هنا ؟ ! آالؾ األسبلة، أحاول أن‬ ‫أستند بٌدي إلى الحابط، ألمسه برإوس أصابعً .... فجؤة ٌصٌن الشاب المحشور فً دوالب السٌار ة الخارجً‬ ‫األسود:‬ ‫- بس ٌا سٌدي ..بس، مشان هللا، ما عاد فٌنً أتحمل! رح أحكً كل شً.‬ ‫ر، ٌقول الرجل ذو الوجه المحتقن:‬ ‫بهدوء وبلهجة المنتص‬ ‫- بس إبراهٌم .. كافً، اتركه، طالعه من الدوالب وخذه لعند الرابد.‬ ‫اسمعه ٌتكلم بالهاتؾ مع الرابد. فكرت: جاء اآلن دوري !!؟ .‬ ‫عبلًا، سمعت صوت سماعة الهاتؾ تعاد إلى مكانها، صح المحتقن:‬ ‫ا‬ ‫ؾ‬ ‫- ولك أٌوب ..أٌوب.‬ ‫- نعم سٌدي.‬ ‫- تعال شوؾ ه ذا الزبون.‬ ‫أحس بؤٌوب خلفً .‬ ‫- دخله عـ الدوالب ..ٌا هلل بسرعة.‬ ‫شعرت بؤن أكثر من خمسة رجال قد جذبونً وأوقعونً أرضا ًا. " الى اآلن، بعد أربعة عشر عاما ًا مضت على‬ ‫تلك اللحظة، لم أستطع أن أفهم أو أتصور كٌؾ أن أٌوب قد حشرنً فً ذلك الدوالب الخارجً للسٌارة ، بحٌث‬ ‫أصبحت رجبلي مشرعتن فً الهواء، ال أستطٌع الفكاك مهما حاولت، وال كٌؾ انتزع حذابً وجواربً !!".‬ ‫ي‬ ‫- سٌدي ..كابل والّم خٌزرانة؟‬ ‫- خٌزرانه .. خٌزرانه، ٌظهر األستاذ نعنوع!‬ ‫5‬
  • 6. ‫سٌخ من النار لسع باطن قدمً، صرخت . قبل انتهاء الصرخة كانت الخٌزرانه قد لسعت مرة أخرى .. الضرب‬ ‫متواصل، الصراخ متواصل. رؼم ذلك سمعت صوت الرجل المحتقن:‬ ‫- أٌوب.. بس استوى نادٌلً.‬ ‫ال أعرؾ لماذا ٌضربوني! ال أعرؾ ماذا ٌر دون منً، تجرأت وصرخت:‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫- لك ٌا أخي شو بترٌد منً؟.‬ ‫- كول خرى.. والم نٌك.‬ ‫َم‬ ‫هذا كان رد أٌوب الذي لم أر وجهه أبداًا . وبدأت أعد الضربات وأنا أصرخ ألما. "بعد ذلك بزمن طوٌل، أخبرنً‬ ‫َّد‬ ‫المتمرسون: إن عد الضربات أول عبلمات الضعؾ، و إن هذا ٌدل على أن المجاهد أو المناضل سٌنهار أمام‬ ‫المحقق!!..وقتها قلت فً نفسً: ولكننً لست مناضبلًا وال مجاهداًا. وأخبرونً أن من األفضل فً هذه الحاالت‬ ‫أن كون لدٌك قدرة كبٌرة على التركٌز النفسً بحٌث تركز على مسؤلة محببة لك، وتحاول أن تنسى قدمٌك !!".‬ ‫ت‬ ‫عند الرقم أربعٌن أخطؤت العد، وبدأت أفقد إحساسً بجسدي، صراخً خفتت حدته، حالة من عد م التوازن و‬ ‫الدوار، الؽمام – رؼم الطماشة – بدأ ٌطفو أمام عٌنً "هل بدأت أفقد وعًٌ ؟ " ؼمام ..دوار .. مطار أورلً ..‬ ‫العصٌر البٌرة ..الطابرة والمضٌفة اللطٌفة ...‬ ‫إحساس مبهم بؤن كل شًء قد توقؾ.. استعدت استٌعاب الموقؾ.. نعم حتى الضرب توقؾ! خدر... خدر ..‬ ‫دقابق د تكون طوٌلة ... قد تكون قصٌرة ..لست أدري !! صحوت!.‬ ‫ق‬ ‫صوت الرجل ذو الوجه المحتقن ثانٌة:‬ ‫- شو ٌا أٌوب .. صحً والّم أل؟‬ ‫- صحً .. سٌدي.. صحً ، بس .. شخ تحت!!‬ ‫و‬ ‫- العمى بـ عٌونه ..الظاهر إنو األستاذ كتٌر خروق!!‬ ‫أحسست بلكزة فً خاصرتً، وصوت المحقق:‬ ‫- ولك شو ؟ .. مانك رجّم ال ؟! العمى بعٌونك ما بتستحً تشخ تحتك ؟! شو اسمك وال ؟‬ ‫قلت له اسمً.‬ ‫- وال كلب .. شوؾ ، لسه ما بلشنا معك، صار فٌك هٌك، لسه ه ذا كله مزح وما بلشنا الجد، األفضل من البداٌة‬ ‫ترٌن حالك وترٌحنا ... بدك تحكً ... ٌعنً بدك تحكً!! هون عندنا الكل بٌحكوا ... وبدك تحكً كل شً .. من‬ ‫طق طق ..لـ السبلم علٌكم ! هاه ..؟ مستعد تحكً ؟‬ ‫- ٌا سٌدي بحكً شو ما بترٌد .. بس قولولً شو بدي أحكً!‬ ‫- طٌب ..هات لنشوؾ ..شو أسماء أسرتك وال؟‬ ‫بدأت أعد له أسماء أهلً، بدءاًا ًا من والدي ووالدتً، لكنه قاطعنً صارخا ًا مهتاجا ًا:‬ ‫- وال جحش ..عم تجدبها علً ؟ أنا بدي أسماء أهلك !! خراي علٌك وعلى أهلك، قل لً أسماء أسرتك بالتنظٌم‬ ‫وال ... كرّم .‬ ‫- أي تنظٌم ٌا سٌدي؟ أي تنظٌم؟‬ ‫6‬
  • 7. ‫- ٌا أٌوب .. ٌبدو ه ـ التٌس عم ٌؽشم حال !! بدو ٌعذبنا و ٌعذب حال !!‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫- ٌا سٌدي ..وحٌاة الرب..وحٌاة الرب ..ما بعرؾ عن شو عم تسؤلنً! أي تنظٌم هذا ٌللً عم تحكً عنه؟‬ ‫صوت خطوات. شعرت أنه اقترب منً، أنفاسه لفحت وجهً، وبهدوء شدٌد قال:‬ ‫- تنظٌم المناٌك أمثالك .. تنظٌم اإلخوان المسلمٌن ..شو ما بتعرؾ تنظٌمك ؟!.‬ ‫"الحظت أن رابحة فمه كرٌهة جداًا".‬ ‫لم أدر. هل علً أن أفرح ألن االلتباس بدا واضحا ًا جلٌا ًا ؟ ..أم ألعن حظً العاثر الذي أوقعنً فً هذا االلتباس‬ ‫؟.. أم ألعن الصدؾ التً قدرت أن أصل مباشرة إلى أبو رمزت ؟ .. لو أنهم فتشونً وأخذوا أؼراضً كما‬ ‫ٌفعلون مع الجمٌع.. لتبٌن ألحد ما من أكون وما هً جرٌمتً، ولكن أن أدخل فرع المخابرات فً اللحظة التً‬ ‫كان ٌؤتً فٌها إل ى الفرع ٌومٌا ًا مبات المعتقلٌن من اإل خوان المسلمٌن، وأن أ ُم حشر بٌنهم، وأن ٌعمل الضباط‬ ‫َم‬ ‫والعناصر على مدار األربع وعشرٌن ساعة ٌومٌا ًا، وأن تكون الفوضى داخل الفرع عارمة لهذه الدرجة، فمن‬ ‫المستحٌل عندها أن أستطٌع إزالة وتوضٌن هذا االلتباس . وفوق كل هذا اسمً الذي ال ٌوحً بؤننً لست‬ ‫مسلما ًا.‬ ‫ولكن رؼم ذلك، صرخت:‬ ‫- بس سٌدي أنا مسٌحً.. أنا مسٌحً!!‬ ‫- شو وال !! عم تقول مسٌحً ؟! العمى بعٌونك وال ..لٌش ما حكٌت ؟ ! لٌش جاٌبٌنك لكان؟ ..أكٌد ..أكٌد عامل‬ ‫شؽلة كبٌرة!..مسٌحً؟!‬ ‫- أنتو ما سؤلتونً ٌا سٌدي ..ومو بس مسٌحً .. أنا رجل ملحد ..أنا ما بآمن باهلل !!‬ ‫"الى اآلن لم أجد تفسٌراًا لفذلكتً هذه، فما الؽاٌة من إعبلن إلحادي أمام هذا المحقق ؟.. ال أعرؾ !".‬ ‫- وملحد كمان؟!‬ ‫سؤلها بصوت علٌه مسحة من تفكٌر.‬ ‫- نعم سٌدي ..نعم . وهللا العظٌم..وشوؾ جواز سفري.‬ ‫سكت الرجل المحتقن لحظات بدت لً طوٌلة جداًا. سمعت صوت أقدامه تبتعد، وبصوت واضن قال:‬ ‫- قال ملحد... قال !! إي.. بس نحن دولة إسبلمٌة !!..أٌوب..كمل شؽلك!!‬ ‫وعادت خٌزرانة أٌوب تواصل عملها.‬ ‫" منذ اللحظات األولى الحتكاكً بهإالء، استخدمت كلمة _ ٌاأخً _ عند اإلجابة على سإال ما، لكن أٌوب‬ ‫صفعنً قاببلًا:‬ ‫_ وال لب.. أنا أخوك؟.. أخوك بالخان.‬ ‫ك‬ ‫تداركت األمر وخاطبته ب "ٌا أستاذ" وصفعة أخرى:‬ ‫- أستاذ؟.. أستاذ ببٌت أهلك..بٌن فخاذ أمك.‬ ‫منذ تلك اللحظات علمونً أن أقول: " ٌاسٌدي".‬ ‫ُم‬ ‫هذه الكلمة التستخدم هنا كما بٌن رجلٌن مهذبٌن، هذه الكلمة تنطق هنا وهً تحمل كل معانً الذل والعبودٌة.‬ ‫ّم‬ ‫7‬
  • 8. ‫12 نيسان‬ ‫فتحت عٌنً ببطء، أكاد اختنق من نتانة الروابن المحٌطة بً، حولً ؼابة من األقدام واألرجل، ملقى على‬ ‫األرض بٌن هذه األقدام المكتظة، رابحة األقدام القذرة، رابحة الدم، رابحة الجروح المتقٌحة، رابحة األرض‬ ‫التً لم تنظؾ منذ زمن طوٌل ... األنفاس الثقٌل ألناس ٌقفون متبلصقٌن "علمت بعد قلٌل من خبلل عملٌة التفقد‬ ‫ة‬ ‫والعد، أننا كنا ستة وثمانن رجبلًا، عاٌنت سقؾ الؽرفة وقدرت أن مساحتها ال تزٌد عن خمسة وعشرٌن متراًا‬ ‫ي‬ ‫مربعا.!!".‬ ‫الحدٌث بٌن الناس ٌجري همساًا، األمر الذي ٌولد أزٌزاًا متواصبل ٌخٌم فوق الجمٌع . أردت الوقو ؾ الستنشاق‬ ‫بعض الهواء.آالم فظٌعة فً كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقؾ على قدمً صرخت ألما ًا.‬ ‫انتبه الناس من حولً، عدة أٌاد امتدت، أمسكت بً من تحت إبطً وأنهضتنً، وقفت مستندا إلى األٌادي، قال‬ ‫شاب ٌقؾ إلى جانبً:‬ ‫- اصبر ٌا أخً.. اصبر، إنها شدة وتزول!!‬ ‫قال آخر:‬ ‫- من ٌكن مع هللا فإن هللا سٌكون معه..ال تٌؤس ٌا أخً.‬ ‫والثالثة عشر‬ ‫مع الحركة خفت اآلالم قلٌبلًا ، نظرت حولً، رجال .. شباب .. وٌوجد أطفال فً الثانٌة عشر‬ ‫..كهول.. شٌوخ!!‬ ‫ّم‬ ‫التفت إلى الرجل الذي حاول أن ٌشد من عزٌمتً قبل قلٌل، سؤلته :‬ ‫- مٌن هدول الناس؟ .. لٌش نحن هون؟ لٌش الناس واقفٌن؟!‬ ‫نظر الرجل إلًّم بحٌرة تقرب من الببلهة وكؤنه ٌقول: كٌؾ ٌمكن شرح ما هو بدٌهً؟!! ورد بسإال:‬ ‫- أنت ..ما بتعرؾ شو صاٌر بالبلد ؟!‬ ‫ٌدعى اإل خوان‬ ‫"كنت، وأنا فً فرنسا، قد سمعت أنباء عن اضطرابات سٌاسٌة تحصل هنا، وأن هناك حزبا ًا‬ ‫ًا‬ ‫ي لم أعر هذه األنباء أٌة أهمٌة، وبقٌت مبهمة، فلم أعرؾ‬‫لمٌن ٌقوم ببعض حوادث العنؾ هنا وهناك . ولكن‬ ‫المس‬ ‫التفاصٌل، ولم أكن ٌوما من هواة نشرات األخبار، أو العمل السٌاسً المنظم، رؼم أننً كنت فً المرحلة‬ ‫الثانوٌة وما تبلها قرٌبا ًا من بعض الماركسٌٌن ومتؤثراًا بؤفكارهم، خاصة أفكار خالً الذي كان على ما ٌبدو ٌحتل‬ ‫مركزاًا قٌادٌا ًا مهما ًا فً الحزب الشٌوعي".‬ ‫أجبته:‬ ‫- ال وهللا .. ما بعرؾ! .. لٌش شو صاٌر؟‬ ‫- لٌش مانك عاٌش بالبلد؟!‬ ‫و أردت أن اقطع كل دابر أسبلته، أجبته دفعة واحدة عن كل ما ٌمكن أن ٌسؤله :‬ ‫ؾ‬ ‫- أل .. كنت عاٌش بفرنسا.. والٌوم أنا جٌت، ٌعنً من.. "نظرت الى ساعتً" أربع عشرة ساعة بس.‬ ‫- العمى معك ساعة ؟!! ..خبٌها ٌا أخً خبٌها، شاٌؾ كل الناس هون، هدول كلهم من خٌرة المإمنٌن والمدافعٌن‬ ‫عن اإلسبلم بها البلد، امتحان ٌا أخً امتحان، امتحان من هللا عز وجل.‬ ‫8‬
  • 9. ‫قاطعته وقد بلػ بً اإلحساس بؽرابة وضعً و الؽبن والضٌق حداًا كبٌراًا، قلت محتداًا:‬ ‫ّم‬ ‫ب‬ ‫- طٌب .. العمى أنا شو دخلنً؟! أنا مسٌحً مانً مسلم، وأنا ملحد مانً مإمن!!‬ ‫" هذه هً المرة الثانٌة التً أعلن فٌها أننً ملحد - وكانت فذلكة أٌضا - . فً المرة األولى كلفتنً وجبة من‬ ‫خٌزرانة أٌوب، بؤمر من أبو رمزت الذي ذبن المسلمٌن ألننا نعٌش فً دولة إسبلمٌة !!! أما فً المرة الثانٌة‬ ‫فإنها ستكلفنً سنوات طوٌلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات، ال بل أسوأ منها".‬ ‫رأٌت محدثً وكؤنه قفز إلى الخلؾ . ولكوننا محشورٌن، لم ٌتحرك منه إال جزإه العلوي فقط، وبشكل عفوي‬ ‫قال:‬ ‫- أعوذ باهلل من الشٌطان الرجٌم .. - ثم بصوت أعلى - .. ٌا شباب فً واحد نصرانً كافر !.. فً عندنا واحد‬ ‫جاسوس.‬ ‫صُموّم بت نحوي مجموعة من العٌون، فً نفس الوقت الذي سمعت فٌه صوتا ًا آتٌا ًا من خلفً، صوتا ًا آمراًا:‬ ‫ـ مٌن هذا ٌللً عم ٌرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! ٌا هلل .. ار وقت التبدٌل .‬ ‫ص‬ ‫لم استطع استٌعاب األمر !! فً الجزء األبعد من الؽرفة ت هناك مجموعة من الناس مستلقٌن على األرض،‬ ‫ال‬ ‫كان‬ ‫وقد اصطفوا بطرٌقة ؼرٌبة ولكن منتظمة . "كما لو كانوا مجموعة من لفابؾ التبػ قد اصطفت فً علبة ". وبٌن‬ ‫المستلقٌن وبٌننا نحن الواقفٌن، وجد المجموعة الثالثة، مجموعة المقرفصٌن على األرض.‬ ‫ت‬ ‫بعد كبلم الرجل الضخم ـ علمت أنه ربٌس المهجع ـ تحركت المجموعات الثبلث . خبلل لحظات كان النٌام‬ ‫جمٌعا ًا قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فٌه تدرٌجٌا ًا. نحن قرفصنا. المجموعة الثالثة اتجهت الى مكان النوم‬ ‫ـ ٌا هلل سٌّمؾ.. سٌّمؾ، كل الناٌمٌن ٌسٌّمفو.‬ ‫"وتبٌن أن التسٌٌؾ هو النوم على الجنب".‬ ‫األول استلقى لصق الحابط على جنبه، ظهره إلى الحابط، الثانً استلقى أمامه واضعا ًا البطن على البطن، رأس‬ ‫كل واحد منهما عند أقدام اآلخر.‬ ‫الثالث سٌّمؾ ووضع ظهره لصق الظهر الثانً، الرابع بطنه على بطن الثالث، ودابما ًا الرإوس عند األقدام.‬ ‫تتابع المستلقون إلى أن وصل الصؾ إلى الحابط الثانً من الؽرفة والزال هناك ستة أو سبعة أشخاص لم ٌبق‬ ‫لهم مكان. هنا صاح ربٌس المهجع:‬ ‫ـ ٌا هلل ..ٌا كبّمٌس .. أجا شؽلك!‬ ‫قام الرجل الضخم الثانً بهدوء ـ ٌبدو مصارعا ًا ـ . ذهب إلى أول رجل مس تلق عند الحابط ، وبهدوء وضع‬ ‫ٍل‬ ‫قدمٌه بٌن الحابط وبٌن الرجل المستلقً، استند بظهره إلى الحابط، ثم أخذ ٌدفع المستلقً بباطن قدمٌه، دفع أكثر،‬ ‫أنضؽط المستلقون قلٌبل، أصبن هناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقٌن: ٌا هلل .. إنزل هون.‬ ‫نزل الرجل مستلقٌا ًا على جنبه بٌن أقدام ٌس والرجل األول، ثم بدأ ٌس بالضؽط على الرجل الجدٌد، ومرة‬ ‫الكبّم‬ ‫الكبّم‬ ‫أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. ٌا هلل .. إ نزل هون، ثم الضؽط من جدٌد ورجل جدٌد، فً النهاٌة تم استٌعاب‬ ‫جمٌع الذٌن لم ٌبق لهم مكان سابقا، عاد الكبٌس إلى مكانه بنفس الهدوء، وهو ٌنفض ٌدٌه!.‬ ‫راقبت المستلقٌن، بعضهم استؽرق فً النوم فوراًا!!.‬ ‫9‬
  • 10. ‫ثبلثة أٌام قضٌتها فً تلك الؽرفة . "سمعت أن بعضهم سابقا ًا والحقا ًا ، قضى فٌها شهوراًا عدٌدة، وفً بعض‬ ‫الحاالت كان العدد ٌزٌد على عددنا". خبلل هذه األٌام تعرفت على الؽرفة جٌداًا.‬ ‫صاء، أحسست أننً أرٌد قضاء حاجة، التفت إلى جاري وسؤلته:‬ ‫بعد قلٌل من جلوسنا القرؾ‬ ‫ـ أٌن ٌقضً اإلنسان حاجته ؟‬ ‫أشاح بوجهه عنً ولم ٌجب، سؤلت الجار اآلخر، أٌضا ًا لم ٌجب. تذكرت أننً نصرانً، كافر، جاسوس، وستظل‬ ‫تبلحقنً هذه التهم.‬ ‫موقعً قرٌب من ربٌس المهجع، سؤلته فدلنً على المرحاض . "إذن فً الؽرفة مرحاض!". اضررت لبلنتظار‬ ‫أكثر من ساعة. مرحاض واحد، حنفٌة ماء واحدة، وستة وثمانون شخصا ًا.‬ ‫عدت إلى موقعً. حركة ما فوق، نظرت. أنبوب الصرؾ الصحً، وٌبدو أنه للبناء كله، ٌقطع الؽرفة من أولها‬ ‫إلى آخرها. بٌن األنبوب وبٌن سقؾ الؽرفة حوالً النصؾ متر . فوق هذا األنبوب ٌنام اثنان من الفتٌة عمر كل‬ ‫منهما حوالً خمسة عشر عاما ًا، احتضن الواحد منهما األنبوب بٌدٌه وصدره وتدلت األرجل إلى األسفل، بٌنما‬ ‫الرأس مرتاح على صوت خرٌر الماء داخل األنبوب.‬ ‫ـ بحٌاتً ما نمت أحلى من هـ النومة!!‬ ‫قال أحدهما فً الٌوم الثانً.‬ ‫22 نيسان‬ ‫ظت!‬ ‫استٌق‬ ‫بعد ي ساعات من القرفصة جاء دورنا فً االستلقاء . بعض المقرفصٌن ممن لهم خبرة نبهوا بعضهم إلى‬ ‫ثمان‬ ‫ومهما كان السبب‬ ‫ضرورة الذهاب إلى المرحاض قبل االستلقاء، ألنك إذا استلقٌت وانتهى الكبٌس من عمله،‬ ‫ك سٌذهب.‬‫الذي قمت من االستلقاء من أجله فإن مكان‬ ‫"تذكرت صدٌقتً التً تحب‬ ‫استلقٌت مضؽوطا ًا بظهر رج ل على ظهري، وبطن رجل آخر على بطنً،‬ ‫ُم‬ ‫الوضعٌة الفرنسٌة !!".‬ ‫خلؾ رأسً قدمان، وأمامه قدمان. كٌؾ ٌمكن لئلنسان أن ٌنام وهو ٌشم هذه الرابحة ؟!!‬ ‫ورؼم ذلك نمت نوما ًا عمٌقا ًا .. واآلن استٌقظت.. صحوت تماما .. كل شًء فً جسدي مضؽوط ..لكن الضؽط‬ ‫على أسفل بطنً شدٌد وٌكاد ٌكون مإلما . "ٌبدو أن لصٌقً األمامً قد امتؤلت مثانته، فتحجر عضوه، وطبٌعً‬ ‫أن ٌنؽرز فً بطنً أنا". وفً ظل هكذا ظروؾ من المعٌب أن تفكر باحتمال آخر!!‬ ‫حاولت زحزحته فلم أفلن، فمع كل حركة ٌنؽرز أكثر، سمعت شخٌره، فكرت أن أمد ٌدي على صعوب ة ذلك،‬ ‫ولكن خشٌت أن ٌستٌقظ لحظتها. "ماذا سٌقول إذا استٌقظ وعضوه فً ٌدي ؟!!".‬ ‫انسللت من وضعٌة االستلقاء بصعوبة، وذهبت إلى المرحاض.‬ ‫ثبلث لٌال.. وثبلث مرات ٌفتن الباب فً الٌوم وٌؽلق، وفً كل مرة ٌفتن الباب.. ٌدخل الطعام فً أوان ٌسمونها‬ ‫ٍل‬ ‫قصعات. صباحا ًا لكل واحد رؼٌؾ مرقد مع قطعة حبلوة، هذان الصنفان ٌوزعهما ربٌس المهجع، وخمس‬ ‫قصعات من سابل أسود "تبٌن انه شاي". وفً المساء كذلك. تدور القصعة من شخص آلخر .. ٌرفعها، ٌرشؾ‬ ‫01‬
  • 11. ‫ًا‬ ‫منها، ٌناولها لمن بجانبه . أما الظهر، فتكون القصعات ملٌبة بالبرؼل، مع قصعة رب البندورة تحتوي بعض‬ ‫الخضار.‬ ‫" لن أنسى أبدا الطرٌقة التً تخاطؾ بها الناس قطع اللحم فً المرة الوحٌدة التً جلبوا فٌها لحما ًا . فكرت، حتى‬ ‫ن الصباحٌة والمسابٌة، لوال ربٌس المهجع لتحول المهجع إلى ؼابة".‬ ‫ي‬‫الوجبت‬ ‫خبلل هذه الساعات التً بدت لً بطول دهر، كنت كمن ٌطفو فً الزمان والمكان. رؼبة بدت لً كاعتقاد راسخ‬ ‫بؤن كل هذا ماهو إال خطؤ سخٌؾ سٌنتهً بعد قلٌل.‬ ‫حسً المهنً والفنً قابع فً زاوٌة بعٌدة ٌراقب والٌتدخل، هذا الحس الذي ٌبقى خارج حٌز األلم والقلق، ٌبقى‬ ‫متٌقظا ًا ومحاٌداًا مهما كانت درجة آالمً النفسٌة أو الجسدٌة، هو ٌراقب وٌسجل.‬ ‫أتذكر قوالًا ألحد أساتذتً المرموقٌن: إن الحدث مهما كان صؽٌراًا، فإن المخرج الجٌد ٌستطٌع أن ٌصنع منه‬ ‫فٌلما ًا جٌداًا، الحدث هو الهٌكل العظمً وعلى المخرج إكساإه باللحم والثٌاب.‬ ‫هذا الحس التقط مشهد تخاطؾ قطع اللحم، وأحس المفارقة الصارخة بٌن مجموعة من األشٌاء المحٌطة التً‬ ‫تدعو إلقٌاء _ أو على األقل_ العزوؾ عن كل شًء، وبٌن الفعل المادي الممارس من قبل خاطفً قطع اللحم.‬ ‫ل‬ ‫ما الذي ٌفقد هإالء الناس الحس باللٌاقة والذوق؟! وبالتالً بالكرامة والعزة البشرٌة، هل هو الصراع من أجل‬ ‫البقاء؟.. قد ٌكون.‬ ‫ثبلثة أٌام بلٌالٌها، أكلت نصؾ رؼٌؾ مع قطعة حالوة .‬ ‫32 نيسان‬ ‫استٌقظت!.‬ ‫ي ساعات، لم أشعر برؼبة‬‫كان االستلقاء الثانً " النوم على الببلط " أفضل قلٌبلًا، استٌقظت قبل انتهاء مدة الثمان‬ ‫فً النهوض. حلمت أنً قد شبعت نوما ًا ولكنً أتابع استرخاء وترفا ًا.‬ ‫ًا‬ ‫"تمنٌت لو أنً أستطٌع المطمطة قلٌبلًا!. تمنٌت فنجان قهوة وسٌجارة ".‬ ‫مكانً قرٌب من ربٌس المهجع . أسمع حدٌثه والكبّمٌس، فتن السجان طبلّمقة الباب وهً النافذة الصؽٌرة فً أعلى‬ ‫.‬ ‫. عاد ربس المهجع‬ ‫مطوالًا مع السجان الذي فتن الطبلّمقة‬ ‫الباب . قفز ربٌس المهجع، تبادل حدٌثا ًا‬ ‫قال لكبّمٌس همسا:‬ ‫ل‬ ‫افظات .. وجماعتنا هدول .. الٌوم أو بكرة راح ٌترحلوا عـ السجن‬ ‫- جاي دفعات كبٌرة من المن‬ ‫الصحراوي.‬ ‫رد الكبّمٌس متساببلًا باستؽراب:‬ ‫ّم‬ ‫- العمى.. شو راح ٌحطوا الناس كلها بالسجن !؟ ... إي .. ما ضل حدا برات السجن !!.‬ ‫- ولك سكوت .. اوعا حدا ٌسمعك ... ما دخلنا نحن ٌا عم ي!!.‬ ‫ّم‬ ‫"ربٌس المهجع والكبّمٌس مسجونان بجرم التهرٌب".‬ ‫11‬
  • 12. ‫.‬ ‫عند المساء، وعندما انتقلت مجموعتنا من الوقوؾ إلى القرفصة، تعمدت أن أقرفص قرب ربٌس المهجع‬ ‫انتظرت حتى قبٌل وجبة الطعام الثالثة، وبوجه حاولت أن ٌكون بشوشا ًا، قلت له:‬ ‫- ٌا أستاذ .. عفواًا .. ممكن احكً معك شؽلة ؟.‬ ‫- أستاذ ؟! .. من وٌن لوٌن ساوٌتنً أستاذ ؟ .. نعم شو بدك ؟! .‬ ‫- ٌا سٌد .. أكٌد فً ؼلط!.‬ ‫- وٌن الؽلط ؟.. ٌا أستاذ.‬ ‫- ٌا أخً أنا مانً مسلم .. حتى أكون إخوان مسلمٌن.. أنا مسٌحً ولٌش حطونً هون، لٌش جابونً أصبلًا،‬ ‫ما بعرؾ!! .‬ ‫- لك ٌا أخً الطاسة ضاٌعة .. ما فً حدا لحدا .! .؟‬ ‫- طٌب ممكن تقول لربٌس جن .. لشً حدا مسإول هالحكً ؟‬ ‫الس‬ ‫- وٌن أنا بدي شوؾ مدٌر السجن ؟.. خلص .. خلص.. هلق بٌجً السجان وراح أنقل له هـ الحكً.‬ ‫سمعت طقطقة القفل، وقؾ ربٌس المهجع، أمسكت ٌده:‬ ‫- أرجو أال تنسى أن تقول له.‬ ‫ّم‬ ‫هز رأسه، تن الباب، "ٌا هلل دخلوا األكل". دخل األكل. خاطب ربٌس المهجع السجان:‬ ‫ؾُم‬ ‫- ٌا سٌدي ... فً عنا واحد هون .. عم ٌقول ..‬ ‫قاطعه السجان مسرعا ًا:‬ ‫- عم ٌقول ما عم ٌقول ! أنا ما بعرؾ شً ... هلق ببعتلك ربٌس النوبة .‬ ‫بعدما ٌقرب من نصؾ ساعة، طقطقة الباب مجددا، ظهر شخص وسٌم، هجة جبلٌة ثقٌلة:‬ ‫ل‬ ‫وب‬ ‫ال‬ ‫- شو فً عندك ٌا ربٌس المهجع؟‬ ‫جذبنً ربٌس المهجع من كتفً، وقفت. قال:‬ ‫- احكً له... احكً له، لسٌدنا أبو رامً!‬ ‫متلعثما ًا.. متؤتبا ًا .. شرحت له األمر، وبنفس اللهجة الجبلٌة رد علً :‬ ‫ّم‬ ‫- طٌب أنا شو بدي ساوي لك ؟ ... مسٌحً ؟ .. إٌه وإذا مسٌحً !... بلكً عاونت األخوان المسلمٌن مثبلًا‬ ‫... ٌعنً بلكً بعتهم الح مثبل ... إي هٌك بتكون أضرط منهم مثبل ...‬ ‫س‬ ‫ثم التفت إلى السجان، أمره :‬ ‫- سكّمر ... وال سكّمر الباب .‬ ‫وقبل أن ٌؽلق السجان الباب، التفت أبو رامً إلى الناس فً المهجع، وبصوت عال قال :‬ ‫- وال .. عرصات ... وال انتو مانكن إخوان مسلمٌن ... انتو إخوان شٌاطٌن ... فرجونا شطارتكم لشوؾ‬ ‫.... هاي عندكم واحد مسٌحً ... انشطوا معه .... اهدوه للدٌن الحنٌؾ ... بس شاطرٌن تقتلوا وتخربوا بـ‬ ‫هالبلد !!‬ ‫21‬
  • 13. ‫أؼلق الباب الحدٌدي بٌده بقوة، ومالبث أن فتحه فوراًا وعلى وجهه ابتسامة عرٌضة، تعلقت كل األنظار به،‬ ‫تابع ٌقول :‬ ‫ؾ‬ ‫- وال كبلب ... عرصات ... إذا حسنتوا تساووه مسلم، ال تنسوا تنظموه باإلخوان المسلمٌن، مشان تصٌر‬ ‫حبسته محرزة.‬ ‫وأؼلق الباب بقوة.‬ ‫االستلقاء الثالث:‬ ‫لصٌقً الخلفً كان ذا مإخرة عرٌضة وكبٌرة ، ضاٌقنً وأراحنً، إنه أفضل من ذوي العظام الناتبة التً‬ ‫تنؽرز فً جسدك ببل رحمة عند الكبس. صٌقً األمامً شاب فً العشرٌنات ال تبدو علٌه عبلبم التدٌن.‬ ‫ل‬ ‫عاصانً النوم بعد حدٌث أبو رامً . كان هناك أمل كبٌر ٌعٌش داخلً بؤن أحد اًا ما سٌكتشؾ الخطؤ، وفوراًا‬ ‫... والطاسة ضاٌعة ... والترحٌل إلى السجن‬ ‫صار الى تصحٌن هذا الخطؤ، ولكن بعد هذا الحدٌث‬‫يُم‬ ‫الصحراوي !!... خالطنً الٌؤس والخوؾ من المصٌر المجهول .‬ ‫ساعتان أو ثبلث... لست أدري ... وأخٌرا بدأت أهوم ، التعب ، اإلرهاق ، النوم ... ثم ... أصحو تدرٌجٌا ًا.‬ ‫تان ، كانت قدماي قد تورمت ا من خٌزرانة‬ ‫إحساس بالضٌق. أقترب من الصحو أكثر، أشعر أن قدمًّم مكبل‬ ‫... حركة ما ...‬ ‫أٌوب، أصحو أكثر ... شعور بالدؾء والرطوبة ٌصعد من قدمً، قلٌل من األلم أٌضا ًا‬ ‫أنتفض... أصحو تماما ًا... أرفع رأسً وأنظر إلى قدمً العلوٌة:‬ ‫لصٌقً األمامً، الشاب، ٌقبض على قدمً العلوٌة بكلتا ٌدٌه، وقد وضع أصبع قدمً الكبٌر فً فمه وأخذ‬ ‫ٌمصه !! لكزته ... ثم لكزته، تراخت ٌد اه ، سحب رأسه ! تابعت اللكز، استٌقظ الشاب تماما ًا ، نظر إلً‬ ‫بؽضب واستنكار!!. وبحدة قال :‬ ‫- لٌش فٌقتنً؟ !‬ ‫- شو لٌش فٌقتك ؟ مانك شاٌؾ شو عم تساوي ؟‬ ‫- ٌلعن سماك!! قطعت علً أحلى منام !!‬ ‫- شوكنت شاٌؾ منام ؟‬ ‫" حضرتك‬ ‫... وبلشنا ... بـ "‬ ‫- نعم .... كنا أنا ومٌسون ... وباللحظة ٌلً مسكتها ومسكتنً‬ ‫فٌقتنً!!‬ ‫- ومٌن هً مٌسون .... دخلك ؟‬ ‫- مٌسون؟ .... مٌسون خطٌبتً.‬ ‫- عفواًا ال تواخذنً ... ارجع نام .. لكن ال تخربط بٌن إصبع رجلً وشفاٌؾ مٌسون .‬ ‫لم أستطع النوم بعدها ... أسبلة وأسبلة، أي عالم هذاالذي حشرت فٌه؟! هل هذه هً داٌة؟ ولكن إلى أٌن؟.‬ ‫الب‬ ‫هل إ مكان أي كاتب أو سٌنارست أو مخرج تخٌل هكذا عوالم؟! أسبلة تطارد أسبلة !! ...‬ ‫ب‬ ‫31‬
  • 14. ‫} طوال ثبلثة عشر عاما ، لم أسمع مرة قرقعة المفتاح فً الٌاب الحدٌدي إال وأحسست أن قلبً ٌكاد ٌنخلع!!‬ ‫لم أستطع االعتٌاد علٌها{‬ ‫قرقع المفتاح فً ؼٌر وقته، قفز ربٌس المهجع فً اللحظة التً انفتن فٌها الباب، أبو رامً والى جانبه‬ ‫شخص طوٌل فً الخمسٌنات ٌضع نظارات طبٌة بٌضاء، خلفهما حوالً العشرٌن عنصرا، قال ذو‬ ‫النظارات:‬ ‫- وٌن ربٌس المهجع ؟‬ ‫- حاضر سٌدي !‬ ‫ال أنت والمهرب الثانً ...وٌن‬ ‫- بهدوء ونظام، طالعلً هدول كلهن لبره، اتنٌن اتنٌن، ما ٌبقى هون إ‬ ‫المهرب التانً؟‬ ‫- حاضر سٌدي.‬ ‫- خلٌك هون أنت كمان... ٌا هلل .‬ ‫وخرجنا ... اثنن ... اثنن ... وكان فجر 42 نٌسان.‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫42 نيسان‬ ‫الٌدان مقٌدتان بالقٌد الحدٌدي إلى الخلؾ، كاحل القدم مربوط بجنزٌر حدٌدي إلى كاحل سجٌن آخر، نسٌر‬ ‫ُم‬ ‫بصعوبة، نتعثر، ممرات ... أدراج .... سجل أسماإنا ضمن لوابن.‬ ‫ت ّم‬ ‫ٌتركنا ذو النظا رات بضع دقابق واقفٌن و ٌذهب حامبلًا اللوابن االسمٌة، ٌعود، من المإكد انه ذو أهمٌة، لم‬ ‫ال أشرح له األمر، ٌقترب منً، أعاجله:‬ ‫- ٌا سٌدي كلمة واحدة.‬ ‫- كول خرى ..... وال.‬ ‫وصفعة مدوٌة.‬ ‫تنبثق آالؾ النجوم البراقة أمام ي، الفجر ربٌعي، أترنن.... أسكت.‬ ‫عٌن‬ ‫ٌسحبوننا إلى خارج البناء، أرى أربع سٌارات شحن ذات أقفاص معدنٌة، السجناء ٌسمون هذه السٌارات بـ "‬ ‫سٌارات اللحمة ". قد تكون سمٌت كذلك ألنها تشبه السٌارات التً ٌوزعون بها األؼنام المذبوحة من المسالخ‬ ‫إلى الجزارٌن ، أو ألن السجناء ٌصطفون بداخلها كما تصؾ الذبابن داخل سٌارات اللحمة الحقٌقٌة.‬ ‫،‬ ‫سلم معدنً ذو ثبلث عوارض، نصعد بصعوبة بسبب األرجل المقٌدة وعدم إمكانٌة االستعانة بالٌدٌن‬ ‫ٌجلسوننا على أرضٌة السٌارة، تمتلىء السٌارة، ٌؽلق الباب بقفل كبٌر، ٌجلس عنصران من األ من أمام الباب‬ ‫من الخارج. انتظار .... انتظار، ثم تنطلق السٌارات سوٌة.‬ ‫ءنا، شٌبا ًا فشٌبا ًا تلوح أولى خٌوط الفجر‬ ‫نصبن خارج المدٌنة، تزداد سرعة السٌارات، نترك الظبلم ورا‬ ‫الفضٌة.‬ ‫} هل هً رحلة من الظبلم إلى النور ؟ ... آمل ذلك. {‬ ‫سمعت أحدهم ٌسؤل آخر:‬ ‫41‬
  • 15. ‫- قدٌش بدنا وقت حتى نوصل ؟‬ ‫- تٌسٌر هللا... شً أربع أو خمس ساعات.‬ ‫- ٌا أخً... وهللا ما فٌنً أتحمل كل هالوقت !!... كنت ناٌم .. فٌقونً من النوم وفوراًا لبرّم ه... وهلق أنا كتٌر‬ ‫محصور.... شو بدي ساوي ؟!.. مثانتً راح تطق !!‬ ‫- إذا مافٌك تصبر... أنا بفكلك سحاب البنطلون، وساوٌها هون بالسٌارة.‬ ‫- هٌك معقول ؟!!! قدام كل هالناس؟‬ ‫- إي ... إي .. مافٌها شً، والحمد هلل مافً نسوان بٌناتنا.‬ ‫ثم وبصوت مرتفع متوجها بالحدٌث إلى الجمٌع:‬ ‫ٍل‬ ‫ٍل‬ ‫- ٌا شباب... ٌا شباب اسمعونً.‬ ‫هم همهم، و هم سكت، البعض وافق، فؤدار المتكلم ظهره إلى‬ ‫بعض‬ ‫توجهت إلٌه األنظار، شرح لهم األمر، بعض‬ ‫المحصور، وبٌدٌه المقٌدتٌن خلفا ًا، تلمس السحاب، فكّمه، أخرجـ "ـه " له، وابتعد.‬ ‫- ٌا هلل ... ح حالك ٌا أخً .‬ ‫ريّم‬ ‫بعدها وحتى وصولنا السجن الصحراوي تكررت هذه العملٌة أربع مرات، خمسة رجال آخرون تقٌؤوا فوق بركة‬ ‫البول. "القًء كله ذو لون واحد".‬ ‫أما جاري، مقٌدة رجلً إلى رجله، فٌبدو أ نه كان ٌعانً من تعفن األمعاء، لفنً بؽبللة من روابن بطنه !‬ ‫ال‬ ‫فً الثامنة صباحا ًا وصلنا أمام السجن الصحراوي . " فً الطرٌق كنت أنظر كثٌرا إلى ساعتً، وأكثر من‬ ‫شخص نصحنً أن أخبؤها، ولكن أٌن ؟... تركتها على معصمً".‬ ‫أمام السجن.‬ ‫عشرات م ن عناصر الشرطة العسكرٌة، الباب صؽٌر، تصدم العٌن لوحة حجرٌة فوق الباب مخططة باألسود‬ ‫النافر:‬ ‫"ولكم فً الحٌاة قصاص ٌا أولً األلباب".‬ ‫فتن لنا رجال األمن أبواب السٌارات، هم أنفسهم اللذٌن كانوا ٌعاملوننا بفظاظة وقسوة، أنزلونا من السٌارات‬ ‫برفق مشوب بالشفقة، حتى أن أحدهم قال : " هللا ٌفرج عنكم ! ". وفٌما بٌنهم ك انوا ٌتحدثون همسا ًا وبصوت‬ ‫خافت، ٌتحاشون النظر إلى عناصر الشرطة العسكرٌة الذٌن اصطفوا حولنا بما ٌشبه الدابرة، الحظت أن لهم‬ ‫ان قلٌبلًا، الصدر مشدود إلى الوراء، الٌد الٌسرى تتكىء على الخصر،‬ ‫جمٌعا ًا نفس الوقفة تقرٌبا، الساقن منفرجت‬ ‫ا‬ ‫الٌد الٌمنى تحمل إما عصا ًا ؼلٌظة أو كببلًا مجدوالًا من أشرطة الكهرباء أو ش ٌبا ًا مطاطٌا أسودَم ٌشبه الحزام . "‬ ‫عرفت فٌما بعد أنه قشاط مروحة محرك الدبابة ". ٌنظرون إلٌنا والى عناصر األمن نظرة فوقٌة تحمل استخفافا ًا‬ ‫بعناصر األمن ووعٌداًا مبطنا لنا. حركاتهم تدل على نفاذ الصبر من بطء إجراءات التسلٌم واالستبلم، ٌنقلون ثقل‬ ‫جسدهم من رجل إلى رجل، ٌه ز ون ٌدهم الٌمنى بما تحمل هزات تبرم وؼٌظ، لباسهم جمٌعا عسكري أنٌق،‬ ‫أعلى رتبة بٌنهم مساعد أول، وهو الذي كان ٌوقع على لوابن استبلمنا .‬ ‫51‬
  • 16. ‫} قرأت فً مكان ما أن رجال إحد ى القبابل اإلفرٌقٌة عندما التقوا باإلنسان األوربً األبٌض ألول مرة نظروا‬ ‫إلى بعضهم البعض بدهشة، وتساءلوا: هذا الرجل، لماذا قام بسلخ وجهه ؟! {‬ ‫وتخٌلت أن عناصر الشرطة العسكرٌة ، هإالء الذٌن أراهم امامً ، ذوو وجوه مسلوخة، أٌة قوة سلخت هذه‬ ‫الوجوه ؟ ... كٌؾ سلخت ؟... لماذا ؟... أٌن ؟... لست أدري لكن ما أراه أن الوجوه البدٌلة ال تشبه وجوه باقً‬ ‫البشر، وجوه أهلنا وأصدقابنا !!... مسنة ؼٌر بشرٌة ... هً ؼٌر مربٌة، صحٌن، ولكنها قطعا ًا موجودة!.‬ ‫م.‬ ‫كم العافٌة ... خلص انتو تٌسروا، خلصت مهمتك‬ ‫- هللا ٌعطً‬ ‫هكذا قال مساعد الشرطة العسكرٌة للرجل ذي النظارات. كانوا قد فكوا قٌودنا، السجناء ؼرٌزٌا ًا التصقوا بعضهم‬ ‫ببعض. ذهب رجال األمن.‬ ‫بدأت الدابرة تضٌق .... صمت مطبق!!‬ ‫- ٌا هلل ... صفوهم تنٌن تنٌن ... دخلوهم.‬ ‫وأدخلونا من هذا الباب الصؽٌر، وفوقنا منحوتة "ولكم فً القصاص حٌاة ٌا أولً باب". اثنن اثنن، فً رتل‬ ‫ي ي‬ ‫األل‬ ‫طوٌل داخل ساحة فً وسطها وعلى جنباتها بعض األشجار والورود الرٌفٌة، وهً محاطة من جمٌع الجهات‬ ‫بؽرؾ تشرؾ علٌها. وقؾ الرتل أمام مساعد آخر، جلس خلؾ طاولة أخرى، ولوابن اسمٌة أخرى ، أكثر من‬ ‫جمٌع السجناء ٌتحاشون النظر مباشرة إلى أي‬ ‫م ا بة عنصر من عناصر الشرطة العسكرٌة ٌحومون حولنا،‬ ‫عنصر. رأسنا منخفض قلٌبل، أكتافنا متهدلة . وقفة فٌها خشوع ، وقفة تصاؼر وذل، كٌؾ اتفق جمٌع السجناء‬ ‫على هذه الوضعٌة وكؤننا تدربنا علٌها سابقا؟! لست ادري.‬ ‫ك ن كل واحد منا ٌحاول االختباء داخل ذاته !!!‬ ‫أ‬ ‫حكنً رأسً من ا، وكما ٌفعل كل إنسان ٌحكه رأسه، مددت ٌدي عفوٌا ًا وحككت !! وسمعت صوتا ًا راعداًا:‬ ‫القؾ‬ ‫- ولك ٌا جماعة ... شوفوا الكلب شوفوا !! عم ٌحك راس كمان ...!!‬ ‫ه‬ ‫- شــــوووو .... ! عم ٌحك راس ؟!‬ ‫ه‬ ‫وسحبتنً األٌدي خارج الرتل، تقاذفتنً صفعا ًا ولكما ًا، لكمة تقذفنً، صفعة توقفنً، النار فً الرقبة والوجه ....‬ ‫رسمٌا ًا فً هذا‬ ‫تمنٌت لو أبكً قلٌبلًا ... طلبنً المساعد لتسجٌلً فلم ٌبق ؼٌري، سجلنً وأصبحت نزٌبلًا‬ ‫السجن.‬ ‫مرة أخرى قادونا، بٌن ؼرفتٌن باب حدٌدي صؽٌر، أصؽر من الباب األول، " لم األبواب تصؽر كلما تقدمنا‬ ‫؟! " ومن هذا الباب ولجنا إلى ساحة كبٌرة، إ نها الساحة األولى، ساحة مفروشة باإلسفلت، كل الطرقات‬ ‫:‬ ‫والساحات مفروشة باإلسفلت الخشن، ٌحٌط بالساحة أبنٌة من طابق واحد مكتوب علٌها أرقام متسلسلة‬ ‫المهجع الثالث ، المهجع الرابع ... المهجع السابع.‬ ‫} األبواب تصؽر ولكن فً الساحة األولى فتحت جهنم أوسع أبوابها، وكنا وقودها !! {.‬ ‫بهدوء ودقة أوقفونا بعضنا إلى جانب بعض، ٌفصل بٌن الواحد واآلخر متران أو ثبلثة، صاح المساعد:‬ ‫- هلق ... كل واحد منكن ٌشلن كل تٌابه .... حط تٌابك على ٌمٌنك .... خلٌك بالسروال الداخلً فقط.‬ ‫61‬
  • 17. ‫ثٌابهم ووقفوا ٌنتظرون،‬ ‫" سلٌب " بعد ان خلع الجمٌع‬ ‫الحظت أننً الوحٌد الذي ٌلبس‬ ‫وانتابنً إحساس بالؽربة !..‬ ‫كان صوت المساعد فً البداٌة هادبا ًا، ومع مرور الوقت أخذ ٌتصاعد شٌبا ًا فشٌبا ًا ، حدة وشدة، وكلما تصاعد‬ ‫ًا‬ ‫صوت المساعد كنت أحس أن التوتر والعصبٌة ٌزدادان فً حركات الشرطة ... والخوؾ والهلع ٌزدا دان فً‬ ‫نفوس السجناء، ٌؽضون أبصارهم وتتهدل أكتافهم أكثر فؤكثر!.‬ ‫اقترب منً شرطٌان ٌحمبلن الكرابٌج، قال أحدهم:‬ ‫ّم‬ ‫- نزل الكٌلوت وال ...واعمل حركتٌن أمان!!‬ ‫أنزلت الكٌلوت حتى الركبة، نظرت إلى الشرطٌٌن مستفهما ًا ...‬ ‫- اعمل حركتٌن أمان وال...‬ ‫- شلون ٌا سٌدي بدي اعم ل.. شلون حركتٌن األمان؟‬ ‫- قرفص وقوم مرتٌن وال... صحٌن انك جنش!‬ ‫"حركات األمان عمل خشٌة أن ٌكون السجناء قد خبؤوا شٌبا ًا ممنوعا ًا فً شرجهم!"‬ ‫ُم‬ ‫ت‬ ‫نظر أحد الشرطٌٌن الى اآلخر مبتسما ًا، وبصوت خفٌض:‬ ‫- العمى ... شو تبعو صؽٌر!!‬ ‫راًا جداًا !! حتى هو أحس بالذعر الشدٌد والهلع، فا ختبؤ داخل كٌسه،‬ ‫نظرت الٌـ"ـه"، إلى تبعً، نعم لقد كان صؽً‬ ‫أنا لم أستطع االختباء!‬ ‫خلفً مهجع كبٌر كتب على بابه / المهجع 5 -6 /. تخرج من جانب الباب بالوعة "صرؾ صحً " على وجه‬ ‫األرض، سٌل فً هذه البالوعة مٌاه سوداء قذرة.‬ ‫ت‬ ‫انتهى التفتٌش . جرى بدقة محترفٌن، ح تى ثناٌا الثٌاب، جمٌع النقود واألوراق، أي شًء معدنً، األحزمة‬ ‫وأربطة األحذٌة ... جمٌعها صودرت، "أنا كنت حافٌا". ورؼم كل هذه الدقة بالتفتٌش فإن ساعة ٌدي مرت ، لم‬ ‫أتعمد إخفاءها، فقط لم ٌنتبه لها احد، وعندما صاح المساعد:‬ ‫- وال كبلب ... كل واحد ٌحمل تٌابه.‬ ‫حملت ثٌابً ووضعتها على ٌدي الٌسرى، وفورا فككت الساعة ودسستها فً الجٌب الداخلً لسترتً، وشعور‬ ‫آخر باالنتصار.!‬ ‫البلديــــــــات :‬ ‫كلمة خاصة بالسجون هنا، هم جنود سجناء ... الفارون من الخدمة العسكرٌة، الجنود الذٌن ٌرتكبون جرابم‬ ‫القتل، االؼتصاب، السرقة، مدمنو المخدرات... كل الجنود المجرم ن، حثالة الجٌش، ٌقضون فترة عقوبتهم فً‬ ‫ي‬ ‫السجون العسكرٌة، فً مثل هذا السجن، مهمتهم التنظٌؾ وتوزٌع الطعام وؼٌره من األعمال... من هنا جاء اسم‬ ‫البلدٌات، هإالء فً السجن الصحراوي لهم مهمات أخرى.‬ ‫71‬
  • 18. ‫جمعونا فً أحد أطراؾ الساحة، تكومنا ونحن نحمل ثٌابنا، صوت المساعد ارتفع كثٌراًا ، البلدٌات ٌقفون فً‬ ‫ًا‬ ‫الطرؾ اآلخر من الساحة. كثٌر من البلدٌات، البعض منهم ٌحمل عصا ًا ؼلٌظة مربوط بها حبل متدل ٌصل بٌن‬ ‫طرفٌها، حبل سمٌك ٌتدلى من العص "الفلقة". صاح المساعد بصوت مشحون موجها ًا حدٌثه للسجناء :‬ ‫ا‬ ‫- مٌن م ضابط ؟.. الضباط تعو لهون.‬ ‫فٌك‬ ‫خرج اثنان من بٌن السجناء، أحدهما فً منتصؾ العمر، اآلخر شاب.‬ ‫- شو رتبتك ؟‬ ‫- عمٌد.‬ ‫- عمٌد؟!!.‬ ‫- نعم.‬ ‫- وأنت شو رتبتك؟‬ ‫- مبلزم أول.‬ ‫- هـممم.‬ ‫التفت المساعد إلى السجناء، وبصوت أقوى:‬ ‫- مٌن م طبٌب .. أو مهندس أو محامً.. ٌطلع لبره.‬ ‫فٌك‬ ‫خرج من بٌننا أكثر من رة أشخاص.‬ ‫عش‬ ‫- وقفوا هون.. ثم متوجها ًا للسجناء:‬ ‫- كل واحد معه شهادة جامعة ... ٌطلع لبرّم ات الصؾ.‬ ‫خرج أكثر من ثبلثٌن شخصا ًا، كنت أنا بٌنهم.‬ ‫مشى المساعد مبتعداًا، وقؾ بجوار البالوعة، صاح بالشرطة:‬ ‫- جٌبولً سٌادة العمٌد!!‬ ‫انقض أكثر من عشرة عناصر على العمٌد، وبلحظات كان أمام المساعد!!‬ ‫- كٌفك سٌادة العمٌد؟‬ ‫- الحمد هلل ... الذي ال ٌحمد على مكروه سواه.‬ ‫- شو سٌادة العمٌد ... مانك عطشان؟‬ ‫- ال .. شكراًا.‬ ‫- بس الزم نشربك.. ٌعنً نحن عرب، والعرب مشهورٌن بالكرم، ٌعنً الزم نقدم لك ضٌافة... مو من شان‬ ‫شً ... منشان واجبك!!‬ ‫بعد لهجة االستهزاء والسخرٌة صمت االثنان قلٌبلًا، ثم انتفض المساعد، وقال بصوت زاعق:‬ ‫- شاٌؾ البالوعة ؟ .. انبطن واشرب منها حتى ترتوي ... ٌاهلل وال كلب!!‬ ‫- ال ... ما راح اشرب.‬ ‫وكؤن مسا ًا كهربابٌا ًا أصاب المساعد، وباستؽراب صادق صرخ:‬ ‫81‬
  • 19. ‫- شـو ..شـو ...شـو ؟؟!!! ما بتشرب!!!‬ ‫عندها التفت إلى عناصر الشرطة العسكرٌة وال زال وجهه ٌنطق بالدهشة:‬ ‫- شربوه .... شربوه على طرٌقتكن و ال كبلب.... تحركوا لشوؾ.‬ ‫العمٌد عار إال من السروال الداخلً، حاؾٍل ، وبلحظات قلٌلة اصطبػ جسده بالخطوط الحمراء والزرقاء، أكثر‬ ‫ٍل‬ ‫من عشرة عناصر انقضوا علٌه، تناوشوه، عصً ؼلٌظة، كوابل مجدولة، أقشطة مراوح الدبابات .... كلها‬ ‫تنهال علٌه من جمٌع الجهات، من أول لحظة بدأ العمٌد ٌقاوم، ٌضرب بٌدٌه العنصر الذي ٌراه أمامه، أصاب‬ ‫بعضهم بضربات ٌدٌه .... كان ٌلكم ... ٌصفع ... ٌحاول جاهداًا أن ٌمسك بواحد منهم، ولكن‬ ‫هم كانوا ٌضربونه‬ ‫وبشدة على ٌدٌه ا ٌن ٌمدهما لئلمساك بهم... تزداد ضراوتهم، خٌوط الدم تسٌل من مختلؾ أنحاء جسده ....‬ ‫للت‬ ‫تمزق السروال وانقطع المطاط، أضحى العمٌد عارٌا ًا تماما ًا، إ اه أكثر بٌاضا ًا من سابر أنحاء جسده، خٌوط‬ ‫لٌت‬ ‫الدم أكثر وضوحا ًا علٌهما، خصٌتاه تتؤرجحان مع كل ضربة أو حركة، بعد قلٌل تدلت ٌداه الى جانبٌه وأخذتا‬ ‫تتؤرجحان أٌضا ًا، سمعت صوت هامسا ًا خلفً:‬ ‫اًا‬ ‫-تكسروا إٌدٌه !! ٌا لطٌؾ ... هالعمٌد ٌا رجال كتٌر .. ٌا مجنون!!‬ ‫لم ألتفت إلى مصدر الكبلم. كنت مؤخوذاًا بما ٌجري أمامً، مع الضرب بدأ العناصر ٌحاولون أن ٌبطحوه‬ ‫أرضا ًا، العمٌد ٌقاوم، ٌملص من بٌن أٌدٌهم... تساعده دماإه التً جعلت جسده لزجا ًا. تكاثروا علٌه، كلما نجحوا‬ ‫فً إحنابه قلٌبل ... ٌنتفض وٌتملص من قبضاتهم وبعد كل حركة تزداد ضراوة الضرب ...‬ ‫!!.. سمعت صوت ارتطامها برأس‬ ‫رأٌت هراوة ؼلٌظة ترتفع من خلؾ العمٌد وتهوي بسرعة البرق‬ ‫العمٌد....! صوت ال ٌشب أي صوت آخر ....! حتى عناصر الشرطة العسكرٌة توقفوا عن الضرب، شُملوا لدى‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫سماعهم الصوت لثوان....صاحب الهراوة تراجع خطوتٌن إلى الوراء .. جامدَم العٌنٌن ...!! العمٌد دار بجذعه‬ ‫ًا‬ ‫ربع دورة وكؤنه ٌرٌد أن ٌلتفت الى الخلؾ لرإٌة ضاربه !! خطا خطوة واحدة، وعندما هم برفع رجله الثانٌة‬ ‫.... انهار متكوما ًا على اإلسفلت الخشن !!‬ ‫الصمت صفحة بٌضاء صقٌلة تمتد فً فضاءات الساحة األولى ... شقها صوت المساعد القوي:‬ ‫- ٌا هلل وال حمٌر ... اسحبوه وخلوه ٌشرب!!‬ ‫سحب عناصر الشرطة العمٌد، واحد منهم التفت الى المساعد وقال:‬ ‫- ٌا سٌدي .. ه ذا ؼاٌب عن الوعً، شلون بدو ٌشرب؟!‬ ‫- حطوا رأسه بالبالوعة .. بٌصحى .. بعدٌن شربوه.‬ ‫وضعوا رأس العمٌد بمٌاه البالوعة، ولكنه لم ٌصن.‬ ‫- ٌا سٌدي .. ٌمكن أعطاك عمره!‬ ‫- هللا ال ٌرحمه ... اسحبوه لنص الساحة وزتوه هونٌك.‬ ‫من ٌدٌه جروه على ظهره، رأسه ٌتؤرجن، اختلطت الدماء بؤشٌاء بٌض اء وسوداء لزجة على وجهه !! مسار‬ ‫من خطوط حمراء قاتمة تمتد على اإلسفلت الخشن من البالوعة الى منتصؾ الساحة حٌث تمددت جثة العمٌد.‬ ‫صاح المساعد وقد توترت وبرزت حبال رقبته:‬ ‫91‬
  • 20. ‫- جٌبولً .. هالكرّم الحقٌر ... المبلزم لهون.‬ ‫وبعد أن أصبن المبلزم أمامه:‬ ‫- شو ٌا حقٌر ؟ .. بدك شرب وال أل؟‬ ‫ت‬ ‫- حاضر سٌدي .. حاضر .. بشرب.‬ ‫انبطن المبلزم على اإلسفلت أمام البالوعة، ؼطس فكٌه فً مٌاه البالوعة، وضع المساعد حذاءه العسكري على‬ ‫رأس المبلزم المنبطن وضؽطه إلى األسفل قاببلًا:‬ ‫- ما بٌكفً هٌك. الزم تشرب وتبلع!!‬ ‫ثم تابع المساعد موجها ًا حدٌثه للشرطة:‬ ‫- وهلق .. خدوا هالكلب عا التشرٌفة ... بدي ٌكون االستقبال تمام .!‬ ‫ألقً على ظهره‬ ‫المبلزم الذي شرب وبلع المٌاه القذرة بما فٌها من بصاق ومخاط وبول وقاذورات أخرى،‬ ‫بسرعة مذهلة، ووضع اثنان من البلدٌات قدمٌه فً حبل الفلقة، لفوا الحبل على كاحلٌه ورفعوا القدمٌن إلى‬ ‫أعلى.‬ ‫القدمان مشرعتان فً الهواء، ثبلثة عناصر من الشرطة توزعوا أمام القدمٌن وحولهما بطرٌقة مدروسة بحٌث‬ ‫كانت كرابٌجهم تهوي على القدمٌن بتناؼم عجٌب دون أن تعٌق إحدى الكرابٌج األخرى، ارتفع صراخ‬ ‫المبلزم عالٌا ًا، تلوى جسده ٌحاول خبلصا ًا، ولكن دون جدوى.‬ ‫استفز صراخ المبلزم واستؽاثات العالٌة المساعد، مشى باتجاهه مسرعا ًا ، وكبلعب كرة قدم وجه مقدمة بوطه‬ ‫هًا‬ ‫ُم‬ ‫إلى رأس المبلزم وقذؾ الكرة.‬ ‫ُم‬ ‫ًا‬ ‫صرخ المبلزم صرخة حٌوانٌة، صرخة كالعواء... فز المساعد أكثر فؤكثر، سحق فم المبلزم بؤسفل البوط،‬ ‫است‬ ‫لمساعد ٌواصل عمله سحقا ًا ، الرأس، الصدر،‬ ‫عناصر الشرطة ٌواصلون عملهم على قدمً المبلزم، ا‬ ‫البطن... رفسات على الخاصرة ... حركات هستٌرٌة للمساعد وهو ٌصرخ صراخا ًا بالكاد ٌفهم:‬ ‫- والك عرصات ... والك حقٌرٌن .... عم تشتؽلوا ضد الربٌس !!... والك سوّم اك زلمة ... سواك مبلزم‬ ‫بالجٌش ... وبتشتؽل ضده ؟ !!... والك ٌا عمبلء ... ٌا جواسٌس !.. والك الربٌس خبلنا نشبع خبز ...‬ ‫!... ٌا عمبلء أمرٌكا .... ٌا عمبلء اسرابٌل ... ٌا والد‬ ‫وهلق جاٌٌن أنتو ٌا كبلب تشتؽلوا ضده ؟‬ ‫الشرموطة ... هلق عم تترجوا ؟ !!... بره كنتوا عاملٌن حالكن رجال ... ٌا جبناء ... هلق عم تصرخ‬ ‫والك حقٌر !!...‬ ‫ًا‬ ‫على إٌقاع رخات المساعد و"دبٌكه" فوق المبلزم، كانت ضربات الشرطة تزداد عنفا ًا وشراسة، وصرخات‬ ‫ص‬ ‫واستؽاثات المبلزم تخفت شٌبا ًا فشٌبا ًا.‬ ‫بعد قلٌل تمدد المبلزم أول إلى جانب العمٌد !!. "ال أدري حتى اآلن ماذا حل به ؟ هل مات أم ال ؟ ...هل كان‬ ‫لدى إدارة السجن أوامر بقتل الضباط ناء االستقبال أو التشرٌفة ؟".‬ ‫أث‬ ‫واآلن جاء دورنا. " إجاك الموت ٌا تارك الصبلة !" عبارة سمعتها فٌما بعد من اإلسبلمٌٌن حتى مللتها، ولكن‬ ‫فعبل جاء دورنا، حملة الشهادات الجامعٌة، لٌسانس ، بكالورٌوس ، دبلوم ، ماجستٌر .. دكتوراه ..‬ ‫02‬