1. مغربية الصحراء
جذور تاريخية وقانونية وسياسية
لا شك أن المنطق والتاريخ يؤكدان مغربية الصحراء، وارتباطها به جغرافيا
ولغويا وثقافيا ودينيا وعرقيا، وهذا ما تؤكده بالفعل العديد من الحجج التاريخية
والقانونية والسياسية.
لجرد مختلف الحجج التي يمكن أن نستشف منها مغربية الصحراء، يجب الإحاطة
1
بثلاث ركائز أساسية:
1( الحجج التاريخية
2( الحجج القانونية
3( الحجج السياسية
1( الحجج التاريخية:
إن أحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج
التاريخية، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن 11 إلى القرن 22 لها
أصول صحراوية، وخير دليل على ذلك هي مبايعة كبار شيوخ الصحراء لسلاطين
المغرب، بل إن المنطقة الجنوبية كان لابد لها من حاكم ينشر فيها الأمن والسلم ويعنى
بتنظيمها، وذلك لأن الصحراء كانت دائما نقطة تواصل مع حلفاء المغرب من دول
جنوب الصحراء، وتعد المنفذ الإستراتيجي لمرور القوافل، وخصوصا إبان فترة
2. السعديين في القرن 11 ، حيث كانت الصحراء ممر عبور الهدايا والتحف المتبادلة بين
المغرب والسودان، وفي هذا الصدد تذكر المصادر أن ملوك المغرب كانوا - دوما -
يدافعون عن الصحراء ويكبتون مطامع الأعداء فيها، كما كانوا يزودون أهلها
بالأسلحة والعتاد بواسطة ممثليهم هناك كلما ظهر تهديد خارجي، وكمثال على ذلك
يكفي أن نستحضر هنا مساندة السلاطين المغاربة لكفاح الشيخ ماء العينين ضد
الاحتلال الفرنسي الإسباني. )المصدر: إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، دار
.)313- النشر الحديثة، الدار البيضاء 1891 ، الطبعة الأولى، ج 3، ص 329
بل حتى المظاهر الدينية شهدت على ارتباط الصحراء بمغربها، إذ كان يختم
الصحراويون أدعيتهم وصلواتهم بالدعاء للسلطان لاسيما في صلاة الجمعة، والتوحد
المذهبي للصحراء مع باقي المناطق المغربية تحت لواء المالكية والأشعرية
والتصوف الجنيدي، وهو أمر أكدته البحوث، وأقرت أنه كان من البديهيات في
الصحراء. )المصدر: أحمد السالمي الإدريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية
.) بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراوية قبل 1812 م، ص 111
وبناء على هذه المعطيات، تشكل الصحراء العمق الاستراتيجي للدولة المغربية
منذ القدم، ويعود تاريخ ارتباط الصحراء بالمغرب إلى حوالي سنة 1212 عندما بسط
الموحدون المنحدرون من قبائل صنهاجة سيطرتهم على مختلف مناطق المغرب
الحالي. وقد وصلت سيادة المغرب في عهد السلطان المنصور سنة 1159 إلى حدود
نهر السنغال، ومع تولي العلويين المنحدرين من تافيلالت السلطة تواصل ارتباط
المناطق الصحراوية بالحياة السياسية والاقتصادية للمغرب، خصوصا من خلال
الروابط الاقتصادية القوية التي شكلتها التجارة في المناطق الواقعة ما وراء
الصحراء.
وهذه بعض الخرائط لحقب مختلفة في تاريخ المغرب )المرابطون – الأدارسة –
2
السعديون(:
4. defense-arab.com : مصادر الخرائط
www.maroc.us
وتبعا لعلاقات البيعة التي ربطت على مر التاريخ قبائل الصحراء بسلاطين
المغرب، كانت هناك العديد من المراسلات التي بعثها سلاطين المغرب لولاتهم
وخلفائهم في الصحراء، شكلت دليلا إضافيا على عمق الأواصر والوحدة التاريخية
والسياسية التي كانت تربط المغرب بأجزائه الجنوبية. وفيما يلي نستعرض البعض من
هذه الرسائل:
-1 رسالة السلطان المولى عبد العزيز إلى الشيخ ماء العينين سنة 1821 ، في
موضوع الحالة المرتبكة التي أوجدها في الصحراء المغربية الاعتداء المسلح الذي
قامت به الجيوش الفرنسية.
-2 رسالة السلطان سيدي محمد بن مولاي عبد الرحمان بن هشام إلى الشيخ
الحبيب بيروك، يأمره فيها بتوجيه أسير إسباني قبض الصحراويون عليه إلى
تارودانت أو إلى الصويرة، ويلح عليه في وجوب احترام السفن التي تتحطم على
سواحل الصحراء وتوجيه ما يوجد بها إلى سلطات المخزن بالعاصمة.
-3 رسالة الحسن الأول إلى الحبيب ابن الشيخ مبارك الوادنوني الجلمي، عن
موضوع القبض على الخارجين من الإسبان في سواحل مدينة الصويرة.
4
5. -4 رسالة المولى الحسن الأول إلى إبراهيم بن مبارك الزركي، تفيد أن السلطان
أضفى عليه حلل التوقير والاحترام والتعظيم وحرره من جميع التكاليف المخزنية
والوظائف السلطانية، عدا الزكوات فهو فيها كغيره.
-1 رسالة مولاي عبد العزيز إلى القائد إبراهيم الشتوكي التكني، يسند له النظر
في مراقبة السواحل من طرفاية إلى رأس بوجدور. )المصدر: سعيد بوركبة، أضواء
على عمق الروابط بين قبائل الصحراء المغربية وملوك الدولة العلوية، مجلة دعوة
.) الحق، العدد 341 ، السنة الأربعون، مارس 1888 م، ص 85
هذه بعض صور الرسائل الموثقة بين السلاطين المغاربة وعمال وشيوخ
5
الصحراء:
9. http://sahara-question.com : مصدر الوثائق
2( الحجج القانونية:
إن الإعتراف بمغربية الصحراء من طرف "القوى العظمى الأوربية" ظل قائما وثابتا
حتى قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث تؤكد الإتفاقية السرية الفرنسية البريطانية في
خامس غشت 1982 مغربية منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب بدون لبس. كما
أن إسبانيا اعترفت دوما في الماضي بأن سيادة المغرب على الصحراء تمتد إلى ما
وراء وادي درعة، وكانت تصرح في مطلع القرن العشرين بأن هذه الأراضي تابعة
للسلطة المركزية المغربية وكانت تؤمن بذلك دبلوماسيا.
كما أنه منذ القدم لا نجد هناك ما يسمى ب "الشعب الصحراوي"، )المصدر:
Bernard Lugan, Histoire du Maroc des origines à nos jours,
ويؤكد هذا الطرح الاتفاقية السرية الفرنسية – البريطانية ،)Perrin, avril 2000.
المؤرخة في 1 غشت 1982 التي تنص على الاعتراف بالحماية البريطانية على جزر
"زنجبار" و"بومبا" في المحيط الهندي، مقابل الاعتراف لفرنسا بإمكانية احتلال
الصحراء الوسطى الغربية للحصول على ممر في اتجاه الجنوب، أي نحو النيجر
وبحيرة تشاد، وكان يتحتم على فرنسا أن تحترم الحدود المغربية الممتدة من فكيك
إلى الرأس الأبيض )نواديبو في موريطانيا(، وهذا يعني أن الصحراء "الإسبانية
سابقا" كانت حكما أرضا مغربية.
9
10. كما أن التأكيد على مغربية الصحراء جاء باعتراف الدول الأجنبية وفقا لعدة
معاهدات، على اختلاف مواضيعها وظروف وملابسات إبرامها، حيث تؤكد صراحة
اعتراف المجتمع الدولي بالروابط القانونية للمغرب مع الصحراء المغربية. وسنكتفي
بعرض نماذج لهذه الاتفاقيات الدولية نظرا لكثرتها وغزارة مواضيعها، بداية نشير
إلى بعض المعاهدات الدولية التي كان المغرب موضوعا لها، ويتعلق الأمر بمعاهدتين
من القرن 14 وهما معاهدة: "الكوسوماس" ومعاهدة "سنترا" المبرمتين بين إسبانيا
والبرتغال، حيث حددت المعاهدة الأولى اتفاق الطرفين على حدود مملكة مراكش في
جنوب رأس بوجدور، كما تنص المعاهدة الثانية على نفس الشيء الذي تسميه مملكة
فاس )المغرب حاليا(، ولم تكتف المعاهدتان بإبراز البيعة للسلطان، ولكنهما تعترفان
أيضا بان السلطة المغربية كانت تمتد إلى ما وراء رأس بوجدور. )المصدر: شبيهنا
ماء العينين، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، مطبوعات الجمعية المغربية
10
.) للتضامن الإسلامي، الرباط، 1881
وتنص المعاهدة المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مارس 1535 في المادة
19 على أن السيادة المغربية تمتد إلى ما وراء وادي نون، أي أنها تمتد إلى جنوب
المنطقة المجاورة للساقية الحمراء، ذلك أن هذه المادة تنص على: "إن جلالة الملك
يحذر سكان جزر الكاناري ضد أية محاولة للصيد في شواطئ وادي نون وما وراء
ذلك، وهو لا يتحمل أية مسؤولية فيما سيقع لهم من طرف العرب سكان المنطقة الذين
من الصعب تطبيق القرارات عليهم، إذ ليس لهم محل قار للسكنى وينتقلون كيفما
يشاءون ويقيمون خيامهم حيث ما يطيب لهم..."، وهذا ما يستنتج معه وجود السلطة
الشريفة على وادي نون وما بعده في الصحراء بالإضافة إلى البيعة للسلطان.
)المصدر: أحمد السالمي الإدريسي، الأقاليم الصحراوية في الاتفاقيات الدولية المغربية
.) ما قبل الحماية، مجلة أبحاث، العدد الثامن، السنة الثانية خريف 1891 ، ص 23
وقد تعززت مضامين هذه الاتفاقية بعدة معاهدات وأوفاق دولية لاحقة، كرست
سيادة المغرب فيما وراء وادي نون، وهذه المعاهدات هي على الخصوص الاتفاقية
المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مـارس 1588 )الفصل 22 (، وتـلك المبرمة
بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في 1933 )الفصل 12 (، والاتفاقيتان اللتان
11. أبرمهما المغرب مع بريطانيا في 8 دجنبر 1913 ، بالإضافة إلى المعاهدة الإسبانية
.) المغربية المبرمة يوم 22 نونبر 1931 )الفصل 39
أما المعاهدات التي نظمت العلاقات المغربية البريطانية، فقد شملت أوفاقا تنصب
على الإقليم الصحراوي ابتداء من أواخر القرن 19 وطيلة القرن 18 . وكانت أول
معاهدة أبرمها المغرب مع الإنجليز في هذا المضمار هي معاهدة الصلح والمهادنة بين
المولى سليمان وملك إنجلترا جورج الثالث سنة 1921 ، وبالنسبة إلى إنقاذ السفن
الإنجليزية جاء في الشرط 33 مايلي : "... وإذا حصل تحريك للمركز الإنكليزي
بوادي نون أو بناحية من سواحله فإن سلطان مراكش يستعمل جهده في تحصيل
بحريته حتى يركبوا إلى بلادهم وحتى قنصل الإنكليز أو نائبه يؤذن له في البحث
والوقوف ما أمكنه في تحصيل مركب حرك في تلك الناحية، ويعينه على ذلك ولاة
سلطان مراكش بما يوافق المحبة...". ولقد ظل الشرط 33 محتفظا بنفس المضمون
سواء مع المعاهدة التجديدية التي أبرمت بين المولى عبد الرحمان بن هشام والملك
جورج الرابع في 1924 ، أو التي جاءت لتنظيم العلاقات المغربية البريطانية ابتداء
11
. من سنة 1913
12. 3( الحجج الس ياس ية:
ونكتفي بما أوردناه في الحقبة السابقة، لننتقل إلى المغرب المعاصر، وبالضبط
في أكتوبر 1851 م حيث أعلنت محكمة العدل الدولية رأيها في موضوع التحكيم حول
الصحراء، وانتهت إلى أن الصحراء لم تكن أرضا غير مملوكة وقت الاحتلال الإسباني
واعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقات ولاء )البيعة( بين زعماء بعض القبائل
الصحراوية وسلاطين المغرب وموريتانيا.
واستند المغرب على رأي المحكمة الدولية وأعلن الملك الحسن الثاني في 3
نونبر تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 312 ألف مواطن ساروا إلى منطقة الصحراء.
ولم يكن أمام النظام الإسباني من خيار سوى الدخول في مفاوضات مع المغرب
وموريتانيا لإنهاء الوجود الاستعماري الإسباني في الصحراء المغربية.
من جهة أخرى، قد ورثت شعوب المغرب العربي من الإستعمار حدودا متفجرة،
ذلك بأن فرنسا كانت تعتبر الجزائر قطعة من ترابها الكلي، فأخذت تقضم أراض من
شرق المغرب وغرب تونس لتضمها إلى الجزائر، وتركت الصحراء الغربية مجرد
مراع مفتوحة في وجه البلدين دون أن تحدد تبعيتها لإحداهما )أي المغرب أو
الجزائر( مع أن الحقيقة أن سكان هذه المناطق يدينون بالولاء لسلطان المغرب.
وقبيل استقلال المغرب، كانت فرنسا قد أبرمت اتفاقية "لالة مغنية" حول الحدود
مع المغرب بتاريخ 19 مارس 1941 ، حيث تضمنت 5 نقاط أهمها: "... قامت
المفوضات بترسيم الحدود بواسطة الأماكن التي تعبر من خلالها كما لو أنها خط
مرسوم عبر البحر والجبال والوديان حتى الصحراء جنوبا والمتوسط شمالا، فكل ما
هو جهة الشرق تابع لفرنسا وكل ما هو جهة الغرب تابع للمغرب...".
12
13. وعندما لاحت في الأفق بوادر استقلال المغرب، تقدمت فرنسا بعرض لهذا الأخير
مفاذه أن تعيد إليه الأراضي التي اقتطعتها منه وتضمها للجزائر، مقابل أن يتخلى
المغرب عن مساندته ودعمه لنضال الجزائر من أجل نيل استقلالها. ولكن الملك محمد
الخامس رفض هذا العرض مرتئيا تأجيل قضية البث في الحدود ريثما تستقل الجزائر،
وكان إثبات هذا الإتفاق مكتوبا بين الملك والرئيس المؤقت لحكومة الجزائر آنذاك
فرحات عباس حيث جاء في هذا التعهد: "... إن الحكومة الجزائرية المؤقتة تعترف
من جهتها أن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيتوصل إلى
حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومتي المغرب والجزائر عندما تحصل
الجزائر على استقلالها".
كما وقع نفس الوثيقة على شكل بروتوكول )وجد بالأرشيف الفرنسي بخصوص
. الوثائق المغربية( كل من الحسن الثاني وفرحات عباس سنة 1831
وبعد الإتفاق وعند صعود الرئيس بن بلة لسدة الحكم في الجزائر، لم تستطع
قيادات التحرير الوفاء بالتزاماتها مع المغرب في تسوية قضية الحدود التي أبرمت
فيما سبق مع فرحات عباس، ليقدم المغرب على التصعيد واللجوء للقوة حيث اقتحم
. الأراضي الجزائرية فيما يسمى بحرب الرمال سنة 1833
كما يمكننا هنا في زمرة هذه الأدلة أن ندرج عدد الدول التي تعترف "بالجمهورية
الصحراوية الوهمية"، وكان عددها 93 حيث بدأ يتقلص عدد الدول المعترفة بهذا
الكيان المزعوم، عن طريق سحب الإعتراف من سنة 1853 إلى سنة 2213 ليصل
إلى 33 دولة فقط، وجلها دول تحتاج إلى من يعترف بها ودول مجهرية في الكاريبي
والمعسكر الشرقي سابقا.
بقلم: نور أوعلي
طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام بتطوان
13