‫كذبة بيع الفلسطينين‬
                     ‫لرضهم‬
                  ‫المؤلف : الحاج أمين الحسيني مفتي القدس‬
                      ‫) ٥٩٨١- ٤٧٩١( م رحمه ا تعالى .‬


                                                   ‫كذبة بيع الفلسطينيين لرضهم‬
                                                                           ‫بقلم‬
                                               ‫الحاج أمين الحسيني مفتي القدس‬
                                              ‫) ٥٩٨١- ٤٧٩١( م رحمه ا تعالى .‬
                   ‫) الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع‬
                     ‫العداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين (‬


                                                           ‫من أقوال اليهود عنه :‬
       ‫" يجب أن يموت أمين الحسيني حتى نجد من الفلسطينيين من يتفاوض معنا ".‬
 ‫" قد كان مقدرا أن تنشأ دولة إسرائيل خلل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من‬
           ‫بدء المشروع ، ولكن أمين الحسيني جعل المر يحتاج إلى عشرات السنين ".‬

‫) ١ / ١(‬


                   ‫) الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع‬
                     ‫العداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين (‬


                                                                ‫* السؤال الول :‬
                       ‫اتهم بعض الناس أهل فلسطين بالتفريط في حقوق وطنهم .‬
                                      ‫وتتلخص التهم المعزوّة إليهم في ثلثة أمور:‬
  ‫أ- إن كثيرا منهم باعوا أراضيهم لليهود، وأن بعض البائعين استصدر عفوا من بعض‬
‫المنظمات الوطنية لقاء دفع مبلغ من المال؟‬
           ‫ب- إن عرب فلسطين لم يدافعوا عن وطنهم أثناء حرب فلسطين، وخلل عهد‬
                                                               ‫النتداب البريطاني؟‬
   ‫ج- إن أهل فلسطين كانوا يشتغلون لحساب اليهود ويبيعون ضباط وجنود الجيوش‬
                                                               ‫العربية للصهيونيين .‬
                                                          ‫فماذا تقولون في ذلك ؟‬


                                                                        ‫* الجواب :‬
     ‫قبل الجابة على أسئلتكم لبد لي من مقدمة وجيزة تساعد على توضيح الوضاع‬
                                                                         ‫الحقيقية .‬
                        ‫كانت فلسطين قبل حرب عام ٤١٩١جزءا من الدولة العثمانية .‬
 ‫وهي رقعة صغيرة من الرض مساحتها نحو ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، فلما‬
      ‫انهارت هذه الدولة في نهاية الحرب العالمية الولى وقعت فلسطين بين مخالب‬
     ‫الستعمار البريطاني من ناحية وجشع اليهودية العالمية من ناحية أخرى، وجعلت‬
      ‫تتخبط بين هاتين القوتين العظيمتين وليس لها أي ساعد أو نصير، ولم يكن لدى‬
             ‫أهلها من وسائل المقاومة والدفاع ما يستطيعون به دفع أذى أو رد عادية .‬
       ‫وبالرغم من ذلك قامت جماعة من أبناء فلسطين المخلصين ، يبذلون جهودهم‬
           ‫الضئيلة ، وينظمون صفوفهم القليلة ، ويؤلفون جبهة متواضعة أمام تلك القوى‬
                            ‫الدولية العاتية ، وكان سلحهم الوحيد اليمان والخلص .‬
     ‫وبالرغم من عدم التكافؤ بين القوتين والجبهتين ، فقد نشبت معركة هائلة طويلة‬
     ‫المدى لم تلن فيها لعرب فلسطين قناة ولم تهن لهم عزيمة في كل أدوار الكفاح‬
    ‫والنضال ، مدة ثلثين عاما حاول خللها الستعمار البريطاني - متآمرا مع اليهودية‬
                       ‫العالمية - بلوغ أغراضه ومقاصده في فلسطين بالوسائل التية :‬

‫) ٢ / ١(‬


                                                             ‫من الناحية السياسية :‬
            ‫أ- لقد حاولوا بادئ ذي بدء أن يحمّلوا عرب فلسطين على الرضوخ والذعان‬
   ‫لخطتهم الغاشمة، والموافقة على سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، فتوسلوا‬
 ‫بجميع وسائل الغراء السياسية والمالية، وأساليب الدهاء والخداع، والوعد والوعيد،‬
‫لحملهم على الموافقة، وليتخذوا من موافقتهم حجة يبررون بها أمام العالم‬
       ‫جريمتهم الفظيعة في تحويل هذه البلد العربية المقدسة إلى وطن يهودي بعد‬
 ‫إجلء أهلها عنها، ويكسبون جريمتهم المنكرة صفة شرعية، ولكنهم فشلوا في هذه‬
                                                                 ‫المحاولة فشل ً تاما .‬
                                                          ‫من ناحية امتلك الراضي :‬
  ‫ب- فلما سقط في أيديهم جعلوا أكبر همهم اشتراء أرض فلسطين بالمال وامتلك‬
            ‫البلد عمليا بهذه الوسيلة، فألقوا بمئات المليين من لجنيهات، فارتفعت أسعار‬
            ‫الرض إلى عشرات الضعاف، بل إلى مئاتها في بعض الحيان . ولكن عرب‬
‫فلسطين صمدوا أمام هذه التجربة أيضا. مستهينين بالمال الذي لم يستطع أعداؤهم‬
           ‫إغراءهم به، واحتفظوا بأراضيهم بوسائل سيأتي ذكر بعضها عند الجواب على‬
      ‫سؤالكم الخاص بهذا الموضوع. وقد انتهى النتداب البريطاني في ٥١ مايو ٨٤٩١‬
       ‫ولم يستطع اليهود بالرغم مما حصلوا عليه من مساعدات وهبات وتسهيلت من‬
   ‫حكومة النتداب البريطاني أن يمتلكوا إل نحو سبعة في المائة من مجموع أراضي‬
       ‫فلسطين. وكانت خيبة آمالهم في هذه الناحية ل تقل عن فشلهم في محاولتهم‬
                                                                   ‫الولى السياسية .‬

‫) ٣ / ١(‬


                                                              ‫من الناحية العسكرية :‬
     ‫ج - ما انفك النجليز - منذ احتللهم لفلسطين - يساعدون اليهود بمختلف الوسائل‬
   ‫على التسلح والتدرب والتنظيم العسكري، في الحين الذي كانوا يحرمون فيه جميع‬
‫ذلك على عرب فلسطين، بل يحكمون بالعدام على من يحوز أي نوع من السلح أو‬
 ‫العتاد، حتى أن وزير المستعمرات البريطانية مستر كريتش جونز اعترف في تصريح‬
             ‫له في مجلس العموم البريطاني أن الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية‬
‫البريطانية بالعدام شنقا من العرب لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة كانوا )٨٤١( شخصا" .‬
                       ‫هذا عدا بضعة ألوف فتك فيهم النجليز خلل ثورات ٦٣٩١- ٩٣٩١.‬
           ‫فلما اشتد ساعد اليهود بالسلح والتدريب والتعضيد البريطاني، قاموا بمحاولتهم‬
   ‫الثالثة وهي الوصول إلى أهدافهم عن طريق القوة وظهرت هذه المحاولة بجلء‬
  ‫في اعتداءات اليهود عام ٩٢٩١ و ٦٣٩١ و ٧٤٩١ وغيرها . ولكن عرب فلسطين على‬
            ‫قلة وسائلهم صدوهم ببسالة وهزموهم شر هزيمة في جميع المعارك رغم‬
‫مساعدة النجليز لهم وحشدهم القوات العسكرية البريطانية بقيادة مشاهير‬
 ‫قوادهم كالجنرال دل والمارشال ويفل وغيرهما لخضد شوكة عرب فلسطين. ولما‬
  ‫سقط في أيدي النجليز واليهود معا ويئسوا من ترويض عرب فلسطين وإخضاعهم‬
   ‫بالوسائل آنفة الذكر، عمدوا إلى أساليب أخرى كان سلحهم فيها الخداع والدهاء،‬
            ‫وقد سخروا فيها أنصارهم وأذنابهم خارج فلسطين لتنفيذ خططهم الخطيرة‬
‫بوسائلهم الشيطانية، مما أدى إلى وقوع كارثة فلسطين . وستجدون إيضاح ذلك في‬
                                                            ‫الجوبة على أسئلتكم .‬

‫) ٤ / ١(‬


                                             ‫الفلسطينيون لم يفرطوا في أراضيهم :‬
  ‫١- ل صحة لهذه التهم التي يروجها العداء من يهود ومستعمرين فإن العطف الذي‬
      ‫بدأ من مصر وسائر القطار العربية على قضية فلسطين والحماسة الشديدة لها،‬
      ‫والتنادي لنصرتها والستماتة في سبيل الذود عنها، أقلق هؤلء العداء، فشرعوا‬
  ‫ينشرون الراجيف ويذيعون الشاعات الباطلة عن أهل فلسطين، ويرونهم بمختلف‬
    ‫التهم، تشويها لسمعتهم وتنفيرا لخوانهم العرب منهم، وصرفا لهم عن مناصرتهم.‬
       ‫وكانت التهمة الولى أن أهل فلسطين باعوا أراضيهم وتمتعوا بأثمانها ثم جاءوا‬
                    ‫اليوم يدعون ويل وثبورا، فهم أحق باللوم لما فرطوا في أوطانهم.‬
   ‫والحقيقة تخالف ذلك كل المخالفة، فإن الفلسطينيين قد حرصوا على أراضيهم كل‬
       ‫الحرص، وحافظوا عليها رغم الغراءات المالية الخطيرة من قبل اليهود، ورغم‬
  ‫الضغط القتصادي عليهم بمختلف الوسائل من قبل النجليز. ومنذ تأسس المجلس‬
           ‫السلمي العلى الذي انتخبه الفلسطينيون لدارة المحاكم الشرعية والوقاف‬
     ‫والشؤون السلمية في فلسطين عام ٢٢٩١ قام بأعمال عظيمة لصيانة الراضي‬
     ‫من الغزو اليهودي. فمنع بواسطة المحاكم الشرعية التي كان يشرف عليها بيع أو‬
           ‫قسمة أي أرض كان للقاصرين نصيب فيها، وكذلك اشترى المجلس من أموال‬
     ‫الوقاف السلمية كثيرا من الراضي التي كانت عرضة للبيع، وأقرض كثيرين من‬
    ‫أصحاب الراضي المحتاجين قروضا من صناديق اليتام ليصرفهم عن البيع. وكان‬
            ‫يعقد مؤتمرا سنويا من العلماء ورجال الدين لتنظيم وسائل المقاومة لليهود‬
‫الطامعين في الراضي، وقد تعرضت أنا شخصيا لحملت شديدة من النجليز واليهود‬
‫عندما كنت رئيسا لهذا المجلس بسبب ما كان يقوم به من نشاط في منع بيع‬
                                                                   ‫الراضي لليهود .‬

‫) ٥ / ١(‬


   ‫وقد بذل المجلس السلمي العلى مبالغ طائلة في سبيل إنقاذ الراضي، واشترى‬
 ‫بعض القرى برمتها، كقرية دير عمرو وقرية زيتا التي بذل في سبيل إنقاذها وحدها‬
‫نحو ٠٠٠٤٥ جنيه، وكالراضي المشاعة في قرى الطيبة وعتيل والطيرة، وبذل جهودا‬
 ‫عظيمة وأقام قضايا في المحاكم في هذه السبيل، ووفق في إقناع كثير من القرى‬
                   ‫ببيع أراضيها إلى المجلس السلمي العلى، وجعلها وقفا على أهلها .‬
      ‫وكذلك قام بعض المؤسسات والمنظمات العربية كصندوق المة الذي بذل جهدا‬
            ‫كبيرا في سبيل إنقاذ كثير من أراضي البلد اشترى بعضها بالمال وأنقذ بعضها‬
  ‫بإجراءات إدارية وقضائية كأراضي البطيحة لعرقلة البيع وحماية حقوق المزارعين،‬
                                                 ‫وبعقد الجتماعات وتوزيع النشرات .‬
 ‫ومما يزيد ذلك أن تقارير حكومة النتداب البريطاني التي كانت ترفع سنويا إلى لجنة‬
  ‫النتداب في عصبة المم بجنيف كانت تذكر دائما أن السبب في قلة انتقال الراضي‬
               ‫إلى اليهود هو المجلس السلمي العلى وغيره من المؤسسات العربية .‬
             ‫وتدل الحصاءات الرسمية على أن مساحة أراضي فلسطين هي نحو سبعة‬
‫وعشرين مليون دونم )والدونم ألف متر مربع( . ويبلغ مجموع ما استولى عليه اليهود‬
           ‫إلى يوم انتهاء النتداب البريطاني في ٥١ مايو ٨٤٩١، نحو مليوني دونم أي نحو‬
     ‫سبعة في المائة من مجموع أراضي فلسطين، على أن ما تسرب من أيدي عرب‬
  ‫فلسطين من هذين المليونين ل يزيد عن ٠٠٠.٠٥٢ )مائتين وخمسين ألف دونم( أي‬
    ‫الثمن، وكان وقوع الكثير منها في ظروف قاهرة، وبعضها ذهب نتيجة لنزع ملكية‬
      ‫الراضي العربية، وهو ما كانت تقوم به حكومة النتداب البريطاني لصالح اليهود‬
  ‫وفقا للمادة الثانية من صك النتداب أما باقي المليونين فقد تسرب إلى أيدي اليهود‬
                                                                          ‫كما يلي :‬
   ‫٠٠٠.٠٥٦ دونم استولى عليها اليهود في عهد الحكومة العثمانية خلل حقبة طويلة،‬
                    ‫من الراضي الميرية بحجة إنعاش الزراعة وإنشاء مدارس زراعية .‬

‫) ٦ / ١(‬
‫٠٠٠.٠٠٣ دونم منحتها حكومة النتداب البريطانية لليهود دون مقابل )وهي من أملك‬
                                                                            ‫الدولة(‬
 ‫٠٠٠.٠٠٢ دونم منحتها حكومة النتداب البريطانية لليهود لقاء أجرة اسمية )وهي من‬
                                                                    ‫أملك الدولة( .‬
     ‫٠٠٠.٠٠٦ دونم اشتراها اليهود من بعض اللبنانيين والسوريين الذين كانوا يملكون‬
              ‫أراضي في فلسطين )كمرج ابن عامر ووادي الحوارث، والحولة وغيرها( .‬
                                                                        ‫٠٠٠.٠٥٧.١‬
    ‫يتبين من ذلك أن نحو سبعة أثمان ما استولى عليه اليهود من الراضي إنما تسرب‬
           ‫إليهم عن غير طريق الفلسطينيين ، وأن ما تسرب من الفلسطينيين هو مائتان‬
       ‫وخمسون ألف دونم أي نحو "٢٦" ألف فدان مصري . على أن الكثير ممن باعوا‬
  ‫أراضيهم أو كانوا سماسرة للبيع قد فتك فيهم الشعب الفلسطيني، ولم ينج منهم إل‬
                                           ‫من فر من البلد ولجأ إلى أقطار أخرى .‬
     ‫أما ما ذكرتم من إصدار العفو عمن كان يدفع مبلغا من المال، فل صحة له البتة،‬
‫ولم يقع أي حادث من هذا القبيل، بل كان المر على العكس، فإن مؤتمرات العلماء‬
     ‫التي كنا نعقدها سنويا وكذلك الهيئات الدينية ، كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع‬
      ‫الرض أو يسمسر على بيعها، وتعتبره مرتدا ل يدفن في مقابر المسلمين وتجب‬
‫مقاطعته وعدم التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر كهنة الرثوذكس العرب في فلسطين‬
                                                                   ‫قرارات مماثلة .‬

‫) ٧ / ١(‬


                                                    ‫دفاع الفلسطينيين عن بلدهم :‬
 ‫٢- وكانت التهمة الثانية أن عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلدهم وهي فرية ل ظل‬
   ‫لها من الحقيقة، فالناس جميعا يعلمون كيف كافح أهل فلسطين، اليهود والنجليز‬
      ‫معا، مدة ثلثين عاما لم يقهروا خللها أبدا ، رغم كثرة القوات البريطانية وقوات‬
‫الشرطة المحتلة وقوى اليهود المنظمة . وليس يخاف على أحد استبسال المجاهدين‬
       ‫الفلسطينيين في الذود عن وطنهم وإقدامهم على التضحية وبيعهم نفوسهم بيع‬
 ‫السماح في سبيل ا، حتى شهد لهم بذلك العدو والصديق، ورفعوا بجهادهم اسم‬
   ‫العرب عاليا في العالم . فمن ذلك ما ذكره المرحوم محمد رستم حيدر وزير مالية‬
‫العراق السبق لبعض زائريه في لبنان عندما كان راجعا من أوربا صيف ٩٣٩١ بقوله‬
‫: لقد كنا في زياراتنا الماضية لوربا نتحاشى التظاهر بأننا عرب . ولكننا هذه المرة،‬
           ‫بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي طبق ذكرها آفاق أوربا، أصبحنا نفخر‬
                                 ‫بعروبتنا وصرنا نلقى من الوربيين كل إجلل واحترام .‬
                                                   ‫هتلر يستشهد بجهاد عرب فلسطين :‬
           ‫ومن ذلك ما قاله هتلر للسيد خالد القرقني مستشار المرحوم جللة الملك عبد‬
 ‫العزيز آل سعود في مقابلة رسمية له عام ٨٣٩١ من أنه معجب كل العجاب بكفاح‬
  ‫عرب فلسطين وبسالتهم . وكذلك جاء في بيان رسمي وجهه هتلر إلى اللمان في‬
             ‫السوديت حينما كانوا يحاولون الخلص من حكم تشيكوسلوفاكيا عام ٨٣٩١‬
 ‫والنضمام إلى ألمانيا ما معناه: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة‬
           ‫لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معا،‬
      ‫ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإني أمدكم بالمال‬
                                                ‫والسلح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم" .‬

‫) ٨ / ١(‬


                                       ‫ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :‬
‫وقد جاء في كتاب ألفه الجنرال هنري ميتلند ولسون الذي اشترك في المعارك ضد‬
 ‫عرب فلسطين قبل أن يتولى قيادة القوات البريطانية في مصر ثم في منطقة البحر‬
 ‫البيض المتوسط. ذكر مستفيض لبطولة عرب فلسطين خلل المعارك الدامية التي‬
                                      ‫جاهدوا فيها القوات البريطانية إذ ذكر ما خلصته :‬
            ‫"إن خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال ويقومون بحرب‬
  ‫العصابات، ل يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلح )أي خمسة‬
                                                                    ‫عشر ألف جندي( .‬
                                               ‫الفلسطينيون في غزة يهزمون النجليز :‬
  ‫وفي الحرب العالمية الولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من‬
 ‫أقل من ثلثة آلف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما‬
‫خسائر فادحة وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام ٧١٩١م ، أصدر أحمد جمال‬
       ‫باشا القائد التركي الذي اشتهر بخصومته للعرب، بيانا رسميا أشاد فيه بالشجاعة‬
    ‫الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف أضعافهم من‬
  ‫جنود العداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبل عندما‬
‫حموا هذه البقاع المقدسة بقيادة صلح الدين اليوبي ... وكذلك اعترف كثيرون من‬
    ‫أقطاب العرب وزعمائهم بشجاعة الفلسطينيين . ومبلغ ما بذلوه من جهود ودماء،‬
               ‫ذودا عن حياتهم أثناء المعارك الخيرة التي وقعت عامي ٧٤٩١ و ٨٤٩١م.‬
   ‫وإني لسف إذا اضطر للستشهاد بمثل هذه القوال والتصريحات بالثناء على أهل‬
‫فلسطين في مجال الدفاع عنهم ببيان الحقائق التي حاولت الدعايات الجنبية ودوائر‬
  ‫المخابرات البريطانية واليهودية أن تطمسها بما سخرت لذلك من الصحف المأجورة‬
            ‫واللسنة الخراصة لتشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم على غير حقيقتهم .‬

‫) ٩ / ١(‬


                                              ‫براعة الفلسطينيين في حرب العصابات :‬
      ‫ولشك أن كل منصف يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يغلبوا على أمرهم ولم‬
    ‫يقهروا في ميدان الكفاح حينما كانوا يحاربون اليهود والنجليز معا حرب العصابات‬
 ‫التي خذقوها، والتي هي أجدى وأنجع في مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثرا،‬
       ‫وأقل نفقة . وبحرب العصابات القائمة على أسس التضحية والستماتة والبسالة‬
‫استطاع الفلسطينيون أن يفضوا مضاجع أعدائهم أمدا طويل ً، وأن ينزلوا بهم الخسائر‬
           ‫الفادحة، واستطاعت حركة الجهاد الفلسطيني في أعوام ٨٣،٧٣،٦٣، ٩٣٩١م أن‬
     ‫تسيطر على معظم الراضي الفلسطينية بل عليها كلها إذا استثنينا قليل ً من المدن‬
                   ‫التي انحصر الجنود النجليز داخلها وقتا غير قليل في انتظار النجدات .‬
                                                   ‫النجليز يسلحون اليهود ويدربونهم :‬
‫وفي الحوادث الخيرة ظن النجليز الذين جردوا أهل فلسطين خلل الحرب العالمية‬
     ‫الثانية من أسلحتهم ، وشردوا قادتهم وسجنوا اللوف من مجاهديهم وأرهقوهم‬
  ‫ظلما وعدوانا كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو في الوقت الذي‬
‫كانوا يسلحون فيه اليهود ويدربونهم وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية‬
   ‫إنجليزية كان يرأسها القائد )وينجت( المعروف - ظن النجليز أن كفة اليهود الحربية‬
       ‫أصبحت راجحة ، وأن في استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا‬
‫القديم لهم ، فأعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين. ولكن أهل فلسطين رغم‬
      ‫ضعف وسائلهم عامي ٧٤٩١- ٨٤٩١م قاموا بكفاح شديد أرغموا به يهود القدس،‬
    ‫وعددهم نحو )٥١١( ألفا، على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحاصروهم‬
      ‫وقطعوا عنهم الماء والزاد والعتاد . وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس‬
‫حينئذ وجاءت بعثة من بعض أعضائها إلى دمشق في مارس سنة ٨٤٩١م لمفاوضة‬
                               ‫الجامعة العربية والهيئة العربية العليا في هذا المر .‬

‫) ٠١/١(‬


                                            ‫تفوق العرب في المعارك على اليهود :‬
‫وفي غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود ففي مكان يعرف‬
  ‫بالدهيشة، بين القدس والخليل، نشبت معركة كبيرة في ٧١ مارس سنة ٨٤٩١ قتل‬
     ‫فيها بضع مئات من اليهود ووقع منهم )٠٥٣( أسيرا ، وغنم المجاهدون أسلحتهم‬
           ‫وذخائرهم ونحو مائة وخمسين سيارة كان قسم كبير منها من المصفحات‬
 ‫والمدرعات . ووقعت معارك صور يف وبيت سوريك وسلة ويافا ومعارك أخرى في‬
                ‫المنطقة الشمالية قهرت فيها العصابات الفلسطينية اليهود وهزمتهم .‬
  ‫ولما شرع اليهود في استعمال المتفجرات وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون‬
‫بما هو أدهى وأمر، فنسفوا عمارة الستين بوست والوكالة اليهودية وشارع بن يهودا‬
   ‫برمته ومحلة المنتفيوري وغيرها مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول‬
                                                            ‫عن حرب المتفجرات .‬
   ‫وقد أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمن لهم‬
          ‫التفوق ورجوح الكفة على اليهود، حتى أن الوليات المتحدة المريكية أعلنت‬
    ‫بواسطة مندوبها في المم المتحدة في ٣٢ مارس ٨٤٩١م عدولها عن تأييد قرار‬
   ‫تقسيم فلسطين، )وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل الجيوش العربية‬
                                                                       ‫فلسطين( .‬
                                                         ‫٢١ ألف شهيد فلسطيني :‬
‫وقد بلغ عدد الذين استشهدوا م أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو ٢١ ألف شهيد،‬
‫وبلغ عدد من أصيب منهم بجراحات وعاهات دائمة ضعف هذا العدد، وهذا بالضافة‬
 ‫إلى ألوف من السكان المدنيين ولسيما من الشيوخ والنساء والطفال الذين قتلهم‬
 ‫اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية‬
 ‫الثانية تقدر بعشرات المليين من الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقساما‬
    ‫برمتها من مدن يافا واللد وجنين وعشرات من القرى العربية وأتلفت من روعات‬
                                                     ‫أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم .‬
‫) ١١/١(‬


                           ‫المؤامرة النجليزية لبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال :‬
   ‫ولما رأي النجليز واليهود هذا الجد والتصميم والستماتة من عرب فلسطين، وأن‬
          ‫حرب العصابات تزداد توسعا واندلعا، وأن أمدها سيطول، وستكون لها نتائج‬
   ‫خطيرة في إثارة الشرق العربي والعالم السلمي، لجأوا إلى الحيلة لوقف حرب‬
  ‫العصابات وإبعاد المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة، لنهم بطبيعة الحال‬
 ‫أشد العناصر العربية تصميما على القتال، واستماتة في الذود عن وطنهم وأنفسهم‬
     ‫وممتلكاتهم، فعمد النجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في‬
‫اجتماع "عالية - لبنان" في السابع من أكتوبر عام ٨٤٩١م أن يكون المعول في حرب‬
   ‫فلسطين على أبنائها ، وأن تمدهم الدول العربية بالسلحة والموال وما إلى ذلك‬
     ‫من وسائل المساعدة، وأن ل تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطين. ولكني‬
  ‫عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في إدخال‬
   ‫الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجست في نفسي خيفة‬
   ‫وأبديت ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية وعارضت في هذا‬
    ‫معارضة شديدة ، ولم تكن جميع الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى‬
    ‫فلسطين ولكن تيار الضغط الجنبي على بعض الشخصيات المسئولة في الدول‬
     ‫العربية في ذلك الحين كان بدرجة من الشدة اجتاح معها كل معارضة ، ودخلت‬
‫الجيوش العربية وكانت مصر من أشد الدول معارضة لدخول جيشها في الحرب. ثم‬
    ‫دخلت بتأثير دوافع متعددة كما ظهر في المحاكمات الخيرة أمام محكمة الثورة،‬
 ‫فقد قيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين : "إن المرحوم النقراشي‬
          ‫أسر إلى أحد كبار المصريين وقتئذ - أيهدى" من روعه ومعارضته - أن النجليز‬
   ‫متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمد الجيش المصري بالسلحة والذخيرة‬
                                                               ‫التي يحتاج إليها..."‬

‫) ٢١/١(‬


                                       ‫الجيوش العربية تحت قيادة جنرال إنجليزي :‬
     ‫فلما دخلت الجيوش العربية فلسطين سلمت قيادتها العملية إلى الجنرال جلوب‬
      ‫النجليزي ، وصدر أمر الملك عبد ا بإلغاء منظمة الجهاد المقدس الفلسطينية‬
‫وجميع القوى والعصابات التابعة لها ، وإلغاء جيش النقاذ المؤلف من المتطوعين‬
            ‫وطلب إلغاء الهيئة العربية العليا لفلسطين ، ووضعت خطة محكمة لبعاد‬
   ‫الفلسطينيين عن ميدان الجهاد والسياسة ، وعن كل ما يتعلق ببلدهم ومستقبلهم‬
                                                                          ‫وحياتهم .‬

‫) ٣١/١(‬


                                     ‫دعايات مضللة وتهم باطلة تذاع عن فلسطين :‬
   ‫٣- ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة قامت دوائر المخابرات البريطانية‬
 ‫واليهودية ، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضللة وإشاعات مبطلة‬
 ‫عن الفلسطينيين تكيل لهم فيها جزافا أفظع التهم كتجسسهم على الجيوش العربية‬
          ‫وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو ذلك من الكاذيب التي ل ظل لها من‬
      ‫الحقيقة، ول يعقل أبدا أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة‬
‫باليهود والستعمار، وأشدهم حتقا عليهما. واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس‬
  ‫التي كان يقوم بها أفراد من اليهود فشأوا في البلد العربية وحذقوا لغتها وعاداتها،‬
    ‫وقد بثتهم دوائر الستخبارات اليهودية في كل الجهات وهم يرتدون الثياب العربية‬
  ‫حتى ظن أنهم من عرب فلسطين . وأذكر مثل ً لذلك حادثتين معروفتين في منطقة‬
 ‫غزة الولى أن القوات المصرية المسلحة قبضت على أثنين من اليهود يرتديان ثياب‬
‫البدو بينما كانا يقومان بإلقاء ميكروبات الكوليرا وغيرها من الجراثيم الوبائية في آبار‬
     ‫تلك المنطقة بقصد إبادة سكانها والقوات المصرية الموجودة فيها، والثانية قصة‬
 ‫طريفة قصها على كل من المير الي السيد مصطفى الصواف نائب الحاكم الداري‬
          ‫العام لقطاع غزة سابقا ، والسيد عبد الرحمن الفرّا رئيس بلدية خان يونس،‬
    ‫وخلصتها أن دورية مصرية قبضت على رجل يرتدي ثياب بدو فلسطين بينما كان‬
 ‫خارجا من مستعمرة " كفار داروم " ، ومتجها إلى " خان يونس " وعند سؤاله زعم‬
    ‫أنه ينتمي إلى عشيرة عربية مجاورة فلما سئل شيوخ العشيرة عنه أنكروه . ولما‬
      ‫ضيق المحققون عليه الخناق اعترف أنه جاسوس يهودي ، وأنه يتجه إلى خان‬
     ‫يونس ليقابل فيها زميل ً له ، فلما رافقوه ليدلهم على زميله كانت دهشتهم بالغة‬
    ‫عندما دلهم على شيخ معمم مقيم بجامع البلد ويلبس الملبس الفلسطينية وكان‬
 ‫هذا الشيخ يتظاهر بالورع ويصلي في الصف الول ، ويقيم في الجامع ، وفي نهاية‬
               ‫التحقيق الرسمي اعترف هذا الشيخ المعمم بأنه يهودي دينا وجنسية ،‬
‫) ٤١/١(‬


    ‫وأنه يقوم بالتجسس على حركات الجيش المصري، وأنه تظاهر بأنه مسلم فيما‬
   ‫مضى ، وانخرط في الجامع الزهر في سلك الطلب أمدا غير قصير درس خلله‬
                                                 ‫الدين السلمي واللغة العربية ..‬
          ‫ولقد وقع كثير من أمثال هذه الحادثة كان يقوم بها يهود يتزينون بزي العرب‬
          ‫الفلسطينيين ول يتسع المجال لسردها الن، مما ساعد على ترويج تلك التهم‬
‫الشنيعة والشاعات الكاذبة المضللة عن أهل فلسطين وهم منها براء. على أن أهل‬
 ‫فلسطين كغيرهم من الشعوب منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ول يبعد أن يكون‬
  ‫بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلئل من أمثال‬
 ‫هؤلء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني ل يدمغ هذا الشعب، ول ينقص‬
                                      ‫من كرامته، ول يمحو صفحة جهاده العظيم .‬

‫) ٥١/١(‬


                                                                  ‫كارثة فلسطين‬
                                 ‫وليدة مؤامرة الستعمار الجنبي واليهودية العالمية‬
                                 ‫وليست ناشئة عن خصومات حزبية وخلفات عائلية‬
                          ‫الحلول التي عرضتها بريطانيا كانت سلسلة من المخادعات‬
                                                                ‫* السؤال الثاني :‬
   ‫يتحدث بعض الناس عن خصومات حزبية واختلفات محلية وقعت في فلسطين ،‬
  ‫ويقولون : إنه لو ل معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية‬
                                     ‫فلسطين لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه .‬


                                                                      ‫* الجواب :‬
‫إن أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها ، ومن كافة نواحيها، لنهم لم‬
 ‫يتعمقوا في بحثها، ولم يسيروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملبساتها، شأنهم في‬
‫ذلك شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصا دقيقا، ودون‬
‫أن يعرف تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة ل تشفي سقما ول تضمن‬
                                                                           ‫برءا .‬
‫) ٦١/١(‬


‫ومنهم من يقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية وهذا قياس مع‬
          ‫الفارق، لن خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الستعمار‬
          ‫فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى خطيرة دينية وقومية واستراتيجية، هدفها‬
      ‫استبدال أمة بأمة أخرى وتقويض كيان هذه المة تقويضا كامل ً، بالقضاء على‬
          ‫قوميتها ودينها وتاريخها، والتعقبية على آثارها لتحل محلها تلك المة الخرى .‬
                                     ‫مؤامرة مبيتة بين الستعمار واليهودية العالمية :‬
  ‫وبعبارة أصرح إنها مؤامرة مبيتة - منذ عهد بعيد - بين اليهود والستعمار )كما صرح‬
     ‫بذلك حاييم وايزمن زعيم الصهيونية في مذكراته( ترمي إلى إجلء العرب، أهل‬
          ‫البلد الصليين، عن وطنهم، وإحلل اليهود المشردين في سائر أنحاء الرض‬
           ‫محلهم، والقضاء المبرم على عروبة هذه البلد ودينها ومقدساتها ومعابدها‬
   ‫واستئصال شأفة أهلها، لجعلها مركزا دينيا وسياسيا وعسكريا ليهود العالم قاطبة،‬
          ‫ولعادة بناء الهيكل اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد القصى‬
  ‫المبارك، وليكون هذا المركز اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة، للوثوب على‬
     ‫العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد بن غوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم‬
                                                                          ‫اليهودية .‬
  ‫وقد وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين إنجلترا واليهود، قبل الحرب‬
‫العالمية الولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الستعمارية الكبرى، وصمم المتآمرون‬
‫على تنفيذ مؤامرتهم دون أن يقيموا وزنا لي اعتبار من العتبارات النسانية، أو القيم‬
‫الخلقية أو الحقوق الدولية . وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ نظيرا من‬
    ‫قبل، وهي سابقة خطيرة في الستعمار، يجري تنفيذها للمرة الولى على هذه‬
‫الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من القطار‬
                ‫العربية المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والستعمارية .‬

‫) ٧١/١(‬


                                    ‫يريدون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية :‬
  ‫فمنذ نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود : أن "فلسطين‬
  ‫وطن بل سكان، فيجب أن يعطي لشعب بل وطن" )أي اليهود( . وقال : إن واجب‬
‫اليهود في المستقبل أن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى‬
                                                                   ‫الخروج منها .‬
 ‫وعلى أثر فرض النتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود‬
  ‫العالم مثل سوكولوف، ووايزمن، وجابوتنسكي وإيدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم -‬
 ‫أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود و"أن تكون فلسطين يهودية كما أن‬
    ‫إنجلترا إنجليزية" . وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد‬
     ‫أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رسل ً من أنصارهم عرضوا على عرب‬
           ‫فلسطين الرحيل عن وطنهم مقابل مبالغ من الموال يدفعها إليهم اليهود! .‬
      ‫وفي عام ٤٣٩١ اتصل رسل من البريطانيين بي شخصيا وبآخرين من الوطنيين‬
     ‫الفلسطينيين وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الردن على أن يعطوا‬
‫ضعف مساحة الراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم اليهود جميع الموال المطلوبة‬
            ‫لتنفيذ ذلك القتراح، وكان طبيعيا أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .‬
          ‫وما انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف‬
  ‫الملئمة لجلء عرب فلسطين عن بلدهم وتسليمها لليهود، وفي مذكرات الدكتور‬
   ‫حايم وايزمن المطبوعة منذ ثلث سنوات ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية‬
                              ‫على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب !‬
                         ‫قرار مؤتمر العمال البريطاني يجعل فلسطين دولة يهودية :‬
‫وفي شهر مارس ٣٤٩١م خطب الزعيم اليهودي بن غوريون في تل أبيب قائل ً : "إن‬
  ‫الصهيونية قد انتهت من وضع خطتها النهائية وهي أن تصبح فلسطين دولة يهودية،‬
          ‫وإن اليهود ل يستغنون عن أي قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق‬
                                                                        ‫البحار".‬

‫) ٨١/١(‬


   ‫وفي ديسمبر ٤٤٩١ عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمرا‬
          ‫كان من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية‬
   ‫فلسطين اتخذ المؤتمر قرارا بالجماع "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وإخراج‬
   ‫سكانها العرب منها إلى القطار المجاورة، وقد اشترك ممثلو الحزب في الحكومة‬
      ‫الئتلفية القائمة بالحكم حينذاك )مثل إتلي وبيقن ودالتون وموريسوان وبيقان‬
      ‫وجونز( في مؤتمر الحزب ووافقوا على قراره بشأن فلسطين كما اشترك في‬
‫المؤتمر هارولد لسكي أحد كبار رجال العمال، وهو يهودي، وكان له أثر كبير في‬
     ‫توجيه المؤتمر . ولم تعترض الحكومة البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد‬
‫اتفاق جميع الحزاب البريطانية على ذلك المبدأ الثيم . ورحبت الصحافتان البريطانية‬
                     ‫والمريكية بقرار المؤتمر واعتبرتاه خير حل لقضية فلسطين ! .‬

‫) ٩١/١(‬


                                                ‫مطامع اليهود في البلد العربية :‬
      ‫هذا ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلد العربية المجاورة لفلسطين‬
   ‫خافية، فإن زعماء اليهود المسؤولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين ل تكفيهم،‬
    ‫وأنها ليست إل "مركز وثوب" لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الستيلء على‬
          ‫بقية فلسطين والردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الراضي‬
    ‫المصرية، ومناطق خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الراضي الحجازية‬
  ‫المجاورة للمدينة المنورة بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها‬
 ‫كانت مواطنهم في القرون الماضية، وقدموا طلبا باستعمارها إلى الملك عبد العزيز‬
‫آل سعود مقابل عشرين مليون جنيه ذهبا، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في‬
‫فندق الفيوم القائم على بحيرة قارون بمصر عام ٥٤٩١ وبوسائط أخرى أيضا، ولكن‬
  ‫الملك عبد العزيز - رحمه ا - رفض ذلك بكل شدة وإباء ول يحاول اليهود إخفاء‬
     ‫مطامعهم بل يتحدون المة العربية كلها بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على‬
  ‫واجهة مجلس نوابهم العبارة التية: "من النيل إلى الفرات" . ول يتسع المجال الن‬
  ‫لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة في الراضي المصرية ول سيما في سيناء التي‬
‫يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفي الدلتا والبحر الحمر، وسائر البلد العربية فإن ذلك‬
                                                        ‫يحتاج إلى رسالة خاصة .‬

‫) ٠٢/١(‬


      ‫ذكرت لكم مطامع اليهود في صدد الجابة على سؤالكم للتدليل على أن قضية‬
   ‫الصهيونية ليست قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جدا، ول‬
   ‫ينحصر شرها بفلسطين بل يعم سائر البلد العربية، ول يقتصر ضررها على ناحية‬
      ‫الحتلل والستيلء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق‬
‫الوسط بأجمعه، في استقلله وسيادته، وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر‬
     ‫مقومات حياته . فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها‬
 ‫الستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جدا، وعلينا أن نوقن بأنها معركة‬
‫حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين ل تستطيع إحداهما أن تعيش إل على‬
    ‫أنقاض الخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا،‬
      ‫وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم هازلين‬
                                                               ‫مترددين خائرين ؟‬
          ‫على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية‬
                                                                       ‫فلسطين .‬
   ‫وسنرى بعد قليل هل كان صوابا أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية‬
   ‫الخادعة التي عرضها النجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص‬
                                            ‫ولم يكن رفضهم لها اعتباطا أو تعنتا! .‬
                                                      ‫الحزبية والخلفات المحلية :‬
  ‫فأما من ناحية الخلفات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلفات حزبية‬
  ‫أو طبقية أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف القطار: فلم يكن لدى الشعب‬
 ‫الفلسطيني ما يختلف عليه رجاله وجماعاته، فل حكومة ول مجلس نواب ول سلطة‬
 ‫من السلطات الرسمية ول مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين‬
                                                          ‫محرومين من كل ذلك .‬
‫أما الخلف الذي وقع في بعض الحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا‬
     ‫بعض أتباعهم إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقا لمصلحة الستعمار والصهيونية .‬

‫) ١٢/١(‬


                                                      ‫الميثاق القومي لفلسطين :‬
   ‫لقد قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل‬
 ‫على "استقلل فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض النتداب البريطاني والوطن‬
   ‫القومي اليهودي، . وقد سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية‬
           ‫حتى هذه الساعة، ولم يكن الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك السس‬
 ‫والهداف الوطنية . والذي وقع في فلسطين لم يكن اختلفات حزبية أو محلية، بل‬
‫كان في الحقيقة اختلفا بين الوطنيين وبين خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين‬
‫والصهيونيين وأتباعهم.‬
‫وقد امتحنت القطار العربية التي كانت تقاوم الستعمار والحتلل بمثل ما امتحن به‬
‫عرب فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين‬
‫واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزابا لمقاومة‬
                                                                ‫الحركات الوطنية.‬
‫بل لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الستعمار‬
  ‫لتلم الصفوف وصدع الوحدة . فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهودا جبارة‬
      ‫لثارة روح الطائفية والخلف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين،‬
   ‫لدرجة أن بعض رجال الستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض‬
  ‫المجرمين وألفوا منهم عصابات زودوها بالسلح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات،‬
     ‫وأطلقوها للعتداء على القرى المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة‬
          ‫ولليقاع بين أبناء الوطن والواحد . ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد،‬
                                           ‫فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم .‬

‫) ٢٢/١(‬


                                                            ‫الدعاية ضد الوطنيين :‬
‫ولم يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من العمال، بل قاموا أيضا‬
   ‫ببث دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في‬
     ‫إخلصهم وحملهم على النفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب‬
          ‫فلسطين يشكونه من ظلم السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق‬
 ‫السياسية والمدنية وغيرها . ولما اتسع نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لها‬
‫صدى بعيد في سائر القطار العربية، ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها‬
          ‫في سائر القطار العربية، للدس على الفلسطينيين وتشويه سمعة المخلصين‬
   ‫العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة‬
‫على الدعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية ورفضوا جميع‬
 ‫ما تقدم به النجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين )ومنها التقسيم( خلل عهد‬
      ‫النتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا : أنه لو قبل المفتي والزعماء‬
     ‫الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما‬
  ‫وقعت نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند‬
‫بعض العرب، بل بعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية‬
     ‫ويعتقدون صحتها، وكان عدم معرفة هؤلء - بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية‬
   ‫وعدم اطلعهم على تلك العروض والحلول البريطانية، من العوامل التي جعلتهم‬
                                                ‫يصدقون تلك الضاليل بحسن نية .‬

‫) ٣٢/١(‬


                                               ‫المؤامرة النجليزية اليهودية قديمة :‬
 ‫وقبل أن أتحدث عن موضوع )العروض والحلول(، أود أن أنبه مرة أخرى إلى أن ما‬
 ‫تم في فلسطين منذ احتلل النجليز لها في عامي ٨١٩١/٧١٩١، حتى يومنا هذا كان‬
  ‫نتيجة لخطة إنجليزية صهيونية اتفق عليها المستعمرون والصهيونيون، خلل الحرب‬
          ‫العالمية الولى )٤١٩١- ٨١٩١( وقبلها، وعمد الفريقان، ومن ورائهما فيما بعد‬
 ‫المريكيون، إلى تنفيذها خطة خطوة، وحلقة حلقة، فكل ما كان يدعيه النجليز من‬
      ‫تقديم عروض وحلول، وما قاموا به من إرسال لجان التحقيق التي أتخمت بها‬
      ‫فلسطين، إنما هو خداع ونفاق، وتخدير للعصاب، وصرف للنظار عن حقيقة‬
          ‫المؤامرة الستعمارية اليهودية المبيتة ضد فلسطين، التي كانوا مصممين على‬
 ‫تنفيذها عن طريق سياسة الوطن القومي اليهودي والنتداب البريطاني الذي فرض‬
 ‫على عرب فلسطين فرضا، ذلك النتداب الذي نصت المادة الثانية من صكه على أن‬
      ‫مهمة الحكومة المنتدبة )أي بريطانيا( في فلسطين هي وضع البلد في حالت‬
  ‫سياسية وإدارية واقتصادية من شأنها أن تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي في‬
  ‫فلسطين، ثم صار هذا الصك وثيقة دولية على بريطانيا واجبة التنفيذ، بعد ما أقرته‬
                                 ‫عصبة المم السابقة، والوليات المتحدة المريكية .‬
                                           ‫النتداب وصك النتداب من وضع اليهود :‬
      ‫قررت عصبة المم في ٤٢ يوليو ٢٢٩١ وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني،‬
‫وأقرت له صكا، يفرض على الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة إنشاء الوطن القومي‬
                                                   ‫اليهودي، وقد أشرنا إليه سابقا .‬
‫وفي شهر مايو ٠٣٩١، اجتمع الوفد الفلسطيني في لندن )وكنت مشتركا فيه( بالمستر‬
      ‫رامزي ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية حينئذ فناقشته في موضوع النتداب‬
‫وصكه وتحيزه لليهود ول سيما المادة الثانية منه ، فأجاب ما كدونالد بأن عصبة المم‬
                                                   ‫هي التي وضعت صك النتداب.‬
‫) ٤٢/١(‬


   ‫وفي شهر يونيو ٠٣٩١ سافرت إلى جنيف وقابلت في مقر عصبة المم سكرتيرها‬
‫العام )السير أريك دراموند( ، وهو بريطاني، فبحثت معه الموضوع بحضور المرحوم‬
           ‫المير شكيب أرسلن والسيد احسان الجابري، وذكرت له ما تقوله الحكومة‬
   ‫البريطانية من أن صك النتداب الجائر وضعته عصبة المم ! فقال : إن العصبة لم‬
‫تضع مشروع صك النتداب، بل أن الحكومة البريطانية هي التي وضعته بالتفاهم مع‬
                                                                          ‫اليهود !‬
    ‫وقد تبين أخيرا أن الحكومة البريطانية وضعت صك النتداب بالتفاق مع الجمعية‬
          ‫الصهيونية وزعماء اليهود . ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته : إن اليهودي‬
     ‫المريكي بنجامين كوهين كان يتولى مع سكرتير اللورد كيرزون )وزير الخارجية‬
                        ‫البريطانية حينئذ( وضع صك النتداب والتفاق على نصوصه !‬
                                                        ‫الثورة الفلسطينية الولى :‬
  ‫ولما تسلم النجليز حكم فلسطين فور احتللهم لها، كانت باكورة أعمالهم فيها فتح‬
      ‫أبوابها للهجرة اليهودية، والسماح لليهود بتملك الراضي، ومساعدتهم على ذلك،‬
          ‫وأدركوا أن العرب غير راضين بالنتداب وتصريح بلفور، وأنهم مصممون على‬
                                                     ‫مقاومتهما مهما كلفهم المر .‬
    ‫وكانت الثورة الولى الفلسطينية التي وقعت في ٤ أبريل ٠٢٩١ أكبر نذير للنجليز‬
   ‫بمقاومة عرب فلسطين. ولذلك جعل النجليز أكبر همهم حمل الفلسطينيين على‬
     ‫العتراف بالنتداب وتصريح بلفور، وإكراههم على العدول عن المطالبة بإنشاء‬
                                                          ‫حكومة وطنية مستقلة .‬
 ‫وقد لجأت الحكومة البريطانية - لجل تخدير العرب، وانتزاع موافقتهم على النتداب‬
                 ‫ولتصريح بلفور - إلى عدة أساليب استعمارية خادعة نبينها فيما يلي :‬
                                               ‫العروض والحلول أسطورة وخداع :‬
          ‫أول ً - أصدرت الحكومة البريطانية في ٢٢ يونيو ٢٣٩١ كتابا أبيض اشتمل على‬
   ‫)دستور( لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها،‬
                                     ‫وقد بنتها على أساس النتداب وتصريح بلفور .‬

‫) ٥٢/١(‬
‫ونص ذلك الكتاب على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من ٢٢ عضوا، منهم ٠١‬
            ‫من الموظفين النجليز يعينهم المندوب السامي، و ٨ من المسلمين و ٢ من‬
   ‫المسيحيين و ٢ من اليهود ينتخبهم الهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس‬
  ‫للمجلس، وله حق النقض )الفيتو( وأن ل يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ‬
          ‫النتداب أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون‬
                                                               ‫فلسطين المالية !‬
  ‫واجتمع المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس ٢٢٩١ في نابلس واشترك فيه‬
      ‫ممثلو الشعب الفلسطيني، وبعد بحث دقيق للوضاع السياسية ودراسة عميقة‬
    ‫للكتاب البيض، قرر المؤتمر بالجماع عدم التعاون مع الحكومة البريطانية، على‬
            ‫أساس الكتاب البيض المذكور والدستور الجديد، ورفض مشروع المجلس‬
                                                                    ‫التشريعي .‬
      ‫وكان من السباب الرئيسية التي حملت المؤتمر على اتخاذ ذلك القرار ما يلي :‬
    ‫أ- أن عرب فلسطين كانوا يطالبون باستقلل بلدهم كسائر القطار العربية، لن‬
 ‫الستقلل حق لكل شعب، وقد اعترفت بذلك الحق مبادئ الرئيس ولسون والمادة‬
    ‫٢٢ من ميثاق عصبة المم، والعهود المعروفة التي قطعها النجليز والحلفاء سنة‬
           ‫٦١٩١ للبلد العربية، ومنها فلسطين، بالستقلل الكامل وليس في المشروع‬
                                                ‫المعروض شيء من الستقلل .‬
‫ب- أن الدستور ومشروع المجلس بنيا على أساس النتداب وتصريح بلفور، فقبولهما‬
                      ‫يعني القبول بالنتداب وإنشاء الوطن اليهودي والعتراف بهما .‬
          ‫ج- ليس للمجلس التشريعي سلطات واسعة، ول يجوز له بحث مسألة الهجرة‬
                                                             ‫اليهودية والنتداب .‬
 ‫د- أن ذلك المجلس ل يمثل البلد تمثيل ً صحيحا، حيث يعطي العرب )وكانوا يؤلفون‬
  ‫١٩% من مجموع السكان( عشرة أعضاء من أثنين وعشرين، بينما يعطي النجليز‬
                                                 ‫وحدهم ٠١ عدا العضاء اليهود .‬
          ‫هـ- أن المشروع أعطى المندوب السامي البريطاني حق )الفيتو( على جميع‬
                                                                      ‫مقرراته .‬

‫) ٦٢/١(‬
‫وعلى الرغم من قرار العرب الجماعي دعت حكومة النتداب إلى إجراء انتخابات‬
                    ‫للمجلس في فبراير سنة ٣٢٩١ فقاطعها العرب مقاطعة تامة .‬
      ‫ثانيا : ثم قدمت الحكومة البريطانية )عرضا( آخر، في مارس ٣٢٩١ وهو تعيين‬
‫مجلس استشاري من ٠١ أعضاء بريطانيين و ٨ من المسلمين و ٢ من المسيحيين و ٢‬
                                                                     ‫من اليهود .‬
           ‫ورفض العرب هذا المشروع الهزيل الجديد، ورفض العضاء المسلمون‬
                 ‫والمسيحيون الذين عينتهم الحكومة البريطانية قبول ذلك التعيين .‬
     ‫ثالثا : وفي ٣١ أكتوبر ٣٢٩١ عرض المندوب السامي السير هربرت صمويل على‬
   ‫العرب تأليف وكالة عربية فرفض العرب هذا العرض أيضا لن قبوله ينطوي على‬
     ‫اعترافهم بالنتداب وتصريح بلفور، ولنها ليس لها من السلطة ما يحقق مطالب‬
                                                             ‫العرب الستقللية .‬
           ‫هذه هي )العروض( أو الحلول التي عرضها النجليز على عرب فلسطين‬
                                                                     ‫ورفضوها .‬
    ‫أما وقد بينا حقيقة تلك العروض، فهل كان يجوز لي عربي أن يقبل بها ويرضى‬
                                                         ‫بالتعاون على أساسها؟‬
   ‫وفي دورتين لعصبة المم )٤٢٩١ - ٥٢٩١( نوقشت الحكومة البريطانية بشأن عدم‬
 ‫تأسيس مجلس تشريعي في فلسطين، فأجاب بمثلها بصراحة وجل - بأنه "ل يمكن‬
  ‫إنشاء مجلس تشريعي في فلسطين يكون العرب فيه ممثلين حسب عددهم، لن‬
   ‫ذلك يحول بين الحكومة المنتدبة وتنفيذ الواجبات المتعلقة بإنشاء الوطن القومي‬
                                                                       ‫اليهودي .‬
 ‫ومما هو جدير بالذكر أن الذي وضع ذلك الكتاب البيض لعام ٢٢٩١ والسياسة التي‬
   ‫انطوى عليها ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الستشاري والوكالة العربية‬
     ‫كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ . وتشرشل هذا يعرفه‬
   ‫العالم العربي حق المعرفة، وقد أعلن مرارا أنه يعتبر نفسه صهيونية أصيل ً ، وأنه‬
                            ‫يصلي بحرارة لجل تحقيق أماني الصهيونية العظيمة .‬

‫) ٧٢/١(‬


  ‫وقد ساعده في خططه المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير هربرت‬
‫صمويل ، وهو يهودي . وفي الوقت نفسه كان يشغل وظيفة السكرتير القضائي في‬
‫حكومة النتداب )وفي بدء سلطة التشريع وسن القوانين( يهودي آخر هو المستر‬
                                                                  ‫نورمان بنتويش .‬
             ‫وهكذا كان ذلك الكتاب البيض، ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس‬
   ‫الستشاري، من أخبث ما أنتجه الستعمار والصهيونية ، فقد أصدره مثلث صهيوني‬
                          ‫رأسه تشرشل وقاعدته هربرت صمويل ونورمان بنتويش .‬
                                    ‫وقد ذكر الدكتور وايزمان في مذكراته ما نصه :‬
 ‫"إن هربرت صوئيل، المندوب السامي )اليهودي( البريطاني على فلسطين، هو الذي‬
      ‫وضع مشروع الكتاب البيض لعام ٢٢٩١، وأن الحكومة البريطانية عرضته على‬
   ‫اللجنة الصهيونية قبل إصداره للطلع عليه وإبداء وجهات النظر التي يراها اليهود،‬
                                                     ‫وقد وافق عليه زعماء اليهود .‬
                                             ‫تقسيم الوطن ل تقبله أمة حية شريفة‬
                               ‫اليجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول العربية‬
                                     ‫لم ترد النجليز إل عنادا، واليهود إل صلفا وعتوا‬
                                                                    ‫السؤال الثالث:‬
      ‫يقول بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب البيض، والتزام السلبية، من‬
           ‫السباب التي أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟‬
                                                                          ‫الجواب :‬
          ‫إن لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية‬
          ‫فلسطين : أن لو قبل بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي‬
 ‫والمبادئ الوطنية السامية، فهل هناك ما يضمن أن النجليز سينفذونها ويعملون بها،‬
    ‫بعد أن يكونوا قد انتزعوا من العرب اعترافا بالنتداب والوطن القومي اليهودي؟‬
  ‫إن لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائما إلى‬
  ‫حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع‬
                                                              ‫اليهود في فلسطين .‬
                                                         ‫لجان التحقيق البريطانية :‬

‫) ٨٢/١(‬


      ‫فقد شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفا وعشرين لجنة من‬
‫"لجان التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على‬
‫أساس بحث شكاوي الهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك‬
‫اللجان لجنة السر ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس‬
                                                                         ‫فرنش.‬
          ‫وقد اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم،‬
   ‫وأوصت الحكومة البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه‬
      ‫الحكومة لم تنفذ أية توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا‬
          ‫استبان العرب أن القصد من تشكيل تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .‬
                                                     ‫الكتاب البيض لعام ٠٣٩١م :‬
    ‫وعلى أثر اندلع ثورة ٩٢٩١ ووضوح ظلمة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور‬
    ‫تقرير )لجنة شو( ، أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر ٠٣٩١ كتابا أبيض عرف‬
     ‫باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات حينئذ، وكان هذا الكتاب قائما على‬
  ‫أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الراضي‬
     ‫لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت‬
   ‫الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون الراضي برئاسة السر جون‬
 ‫هوب سمبسون، وكنت مع الوفد الفلسطيني الذي كان في لندن حينئذ، فقلت لمستر‬
   ‫ما كدونالد رئيس الوزارة : "لقد دلت التجارب على أن كل تقرير يكون في صالحنا‬
 ‫ول يريده اليهود ل ينفذ، وأن كان التقرير في صالح اليهود نفذ فورا، وإنا لنخشى أن‬
   ‫يكون مصير هذا التقرير كذلك، والدليل على هذا إزماعكم إرسال لجنة سمبسون‬
     ‫ولما يجف مداد تقرير لجنة شو، ونخشى أن يؤثر اليهود على أعضائها . فقال ما‬
   ‫كدونالد : "إن هذه اللجنة هي لجنة فنية لبحث شؤون الراضي ومقدار استيعابها.‬
   ‫واد مازحا: ل يستطيع اليهود أن يؤثروا على السر سمبسون مطلقا، فهو اسكتلندي‬
                                                                 ‫أصيل مثلي .." .‬

‫) ٩٢/١(‬


    ‫وبعد عودة هذه اللجنة الفنية صدر كتاب باسفيلد البيض المذكور آنفا، فلم يقف‬
    ‫العرب حياله سلبيين رغم أنه لم يحقق آمالهم وكانوا إيجابيين ، ولكن اليهود هم‬
          ‫الذين كانوا سلبيين، فاستنكروه ورفضوه وأثاروا حوله الضجة، فنقض النجليز‬
   ‫غزلهم، وسحبوا الكتاب البيض المذكور، وبنتيجة ذلك استقال اللورد باسفيلد الذي‬
                                                             ‫تبنى ذلك المشروع .‬
‫المجلس التشريعي لعام ٥٣٩١:‬
     ‫وفي عام ٥٣٩١ فوضت الحكومة البريطانية المندوب السامي السر أرثروا كهوب‬
      ‫فعرض في ١٢ ديسمبر مشروعا جديدا لتشكيل مجلس تشريعي مؤلف من ٨٢‬
          ‫عضوا نصفهم من العرب والنصف الخر من اليهود والنجليز، وأعلن المندوب‬
‫السامي أن الحكومة مصممة على تشكيل المجلس رغم كل معارضة، ولو اضطرت‬
  ‫إلى تعيين العضاء عن الفريق الذي يرفض الشتراك فيه . ورغم هزال المشروع‬
‫أبدى العرب استعدادهم لبحثه، ولكن اليهود رفضوه معلنين أنهم ل يقبلون الشتراك‬
    ‫في أي مجلس تشريعي ل يكون لهم فيه نصف العضاء على القل . ولما جرى‬
‫بحث المشروع في البرلمان البريطاني قرر مجلس اللوردات ومجلس العموم رفضه،‬
    ‫فطوته الحكومة البريطانية ، ولو رغبت فيه لما عجزت عن الحصول على موافقة‬
                                                                    ‫البرلمان عليه .‬
                                                 ‫لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين :‬
   ‫ولما وقع إضراب فلسطين العظيم عام ٦٣٩١ الذي صحبته ثورة فلسطين الكبرى‬
   ‫ودام ستة أشهر كاملة ولم ينته إل بتدخل ملوك العرب وأمرائهم ، أوفدت الحكومة‬
          ‫البريطانية لجنة التحقيق الملكية )لجنة اللورد بيل( إلى فلسطين ، وأوصت في‬
      ‫تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والنجليز، وكان طبيعيا أن يرفض‬
                                                            ‫العرب تقسيم بلدهم .‬
                                                   ‫مؤتمر مائدة مستديرة في لندن :‬

‫) ٠٣/١(‬


          ‫فاستأنفت الثورة واشتدت ، واتسع نطاقها اتساعا خطيرا جدا اضطر السلطات‬
  ‫البريطانية للعدول عن التقسيم في عام ٨٣٩١، ورأت بريطانيا لمعالجة الموقف أن‬
    ‫تدعو كل من حكومات مصر والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق‬
          ‫الردن واللجنة العربية العليا بصفتها الممثلة لعرب فلسطين، إلى مؤتمر مائدة‬
    ‫مستديرة في لندن، ولكن المؤتمر فشل في الوصول إلى حل لقضية فلسطين ،‬
                        ‫لتعنت الستعمار واليهود ، وتدخل الوليات المتحدة المريكية .‬
                                                        ‫الكتاب البيض لسنة ٩٣٩١:‬
           ‫وفيما بعد أصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض عن سياستها الجديدة في‬
          ‫فلسطين اعترفت فيه بمبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة خلل عشر سنين،‬
‫وتشكيل مجلس تشريعي ، ولكنها علقت ذلك على ملءمة الظروف وقبول كل من‬
   ‫العرب واليهود به ، وقد حددت الهجرة اليهودية فيه ، ومنع بيع الراضي لليهود في‬
                                                         ‫بعض مناطق فلسطين .‬
 ‫ففي بادئ المر قابلت الدول العربية هذا الكتاب البيض بتحفظ وتجهم لما فيه من‬
 ‫تناقض، إل أنها قبلته في النتيجة كما قبلته الكثرية الكبرى من أعضاء اللجنة العربية‬
    ‫العليا لفلسطين ، وأخيرا قبلته أيضا جامعة الدول العربية وطالبت - في اجتماعها‬
‫عام ٥٤٩١ - الحكومة البريطانية بتنفيذه ، وبذلك لم يكن العرب سلبيين . ولكن اليهود‬
‫رفضوه وأصروا على رفضه، فلم تنفذه بريطانيا ، رغم أنها تعهدت حين أصدرته عام‬
  ‫٩٣٩١ بشرفها وشرف المبراطورية بأن تنفذه سواء أرضى به العرب واليهود أم لم‬
                                                                         ‫يرضوا .‬
                                                              ‫السلبية واليجابية :‬
‫هذا وليست السلبية أو اليجابية مبدأ أو عقيدة . والمرء ل يجنح لحداهما إل لسباب‬
‫يتعلق بها صالحه أو يكون فيها ضرره ، فإذا رأى المرء صالحه في أمر أقبل عليه بل‬
    ‫تردد وكان إيجابيا وإذا أوجس من أمر خيفة أو حمل على ضيم ، ابتعد عنه ونفر‬
‫وكان سلبيا ، وكل ذلك بسائق الفطرة . وقديما قال أحد حكماء العرب : يعجبني من‬
                              ‫المرء إذا سيم خطة الضيم أن يقول "ل" بملء فيه .‬

‫) ١٣/١(‬


      ‫وما يصح في الفراد في هذا الشأن يصح في المم . ولم يكن أهل فلسطين‬
‫سلبيين بادئ المر ، فقد طالبوا النجليز - بالحسنى - بحقوقهم ، وشكوا إليهم الظلم‬
      ‫الذي أوقعوه فيهم ، ثم بعثوا بوفودهم العديدة إل لندن ، وأنشأوا فيها مكاتب‬
   ‫للدعاية ، والتمسوا من الدول العربية والسلمية المتصلة بإنجلترا أن تتوسط لديها‬
 ‫لتعاملهم بالحق والعدل ، فلم يجدهم ذلك نفعا ، ولم يزد النجليز إل صلفا وغرورا،‬
      ‫واندفاعا في سياسة البغي والعدوان ، لتهويد بلدهم ونقض بنيانهم وتقويض‬
                                                                         ‫كيانهم .‬
‫فلما أيقن العرب بسوء نية النجليز وتآمرهم واليهود عليهم ، وذلك بعد تجارب كثيرة‬
‫لم تدع مجال ً للثقة والطمأنينة ، كان من الطبيعي أن يحذروا دسائسهم ويعملوا على‬
 ‫اتقاء مكايدهم . فلما عرض عليهم مشروع المجلس التشريعي الذي طبخه المثلث‬
  ‫الصهيوني المؤلف من تشرشل وصموئيل وبنتويتش، تلقوه بحذر ، وفحصوه ، فلما‬
‫وجدوه طعاما قد دس فيه السم بالدسم عافوه وكذلك المجلس الستشاري الذي ل‬
  ‫يضمن لهم إل الستشارة )كما هو ظاهر من اسمه( التي قد يطلبها منهم المندوب‬
    ‫السامي البريطاني متى رغب فيها، وهو غير ملزم أن يعمل بها . وكذلك مشروع‬
‫"الوكالة العربية " . فهل إذا رفض عرب فلسطين مثل هذه العروض الواهية التافهة‬
                                                               ‫يسمون "سلبيين" ؟‬
                                                    ‫تقسيم الوطن ل تقبله أمة حية :‬
     ‫أما التقسيم - وهو التمزيق لجسم الوطن - فأية أمة من أمم الرض قبلته حتى‬
 ‫يقبله شعب فلسطين ؟ فهذه مصر العزيزة المجاهدة لم تقبل ولن تقبل بقاء جنود‬
          ‫الحتلل النجليز في القناة، ول بفصل السودان كما يشتهي النجليز ، ول تزال‬
           ‫قصيدة شاعر مصر الكبر شوقي رحمه ا عن السودان تدوي في الذان :‬
                                  ‫فلن نرتضي أن تقد القناة ويبتر من مصر سودانها .‬

‫) ٢٣/١(‬


  ‫وهؤلء إخواننا السودانيين لم يقبلوا بتقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، وهذه‬
     ‫سورية لم تقبل بفصل لواء السكندرونة الذي ضمته تركيا إليها بالقوة في زمن‬
‫النتداب الفرنسي على سورية، وما زالت سورية تطالب باسترجاعه. وهذه اليمن لم‬
 ‫تعترف مطلقا بفصل المارات المحمية عنها وتستنكر في كل مناسبة فرض بريطانيا‬
‫سلطانها عليها، رغم قذائف طائراتها التي تنهال حينا بعد حين على أهل اليمن إرهابا‬
             ‫لهم وتهديدا . وهذه أيرلندة الحرة لم تعترف أبدا بتقسيم بلدها ، وما زال‬
 ‫اليرلنديون يقضون مضاجع النجليز في كل مناسبة لستعادة هذا القسم الشمالي‬
   ‫المغصوب من جزيرتهم . وهذه أسبانيا تطالب في كل حين باسترداد جبل طارق‬
‫الذي فصلته إنجلترا عنها عام ٤٠٧١ رغم مضي ٠٥٢ عاما على ذلك . وهذه إندونيسيا‬
   ‫المجاهدة لم تقبل باغتصاب الهولنديين لقسم من جزيرة غينيا الجديدة، وما زالت‬
    ‫تتوسل بكل ما لديها من وسائل لرجاعه إلى حظيرة الوطن الندونيسي . وهذه‬
 ‫مشكلة كوريا وتقسيمها إلى شمالية وجنوبية أثارت هذه الحرب الطاحنة . ولو أردت‬
‫أن أعدد لكم كثيرا من هذه المثال التي تناضل فيها المم عن كيانها ووحدة أوطانها‬
                                                                   ‫لضاق المجال .‬
     ‫وإني لذكر برقية أرسلتها باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين إلى رؤساء وفود‬
    ‫الدول المجتمعة في عصبة المم بجنيف في سبتمبر ٧٣٩١ - وكان مستر ديفاليرا‬
‫رئيس وزراء ايرلندا بينهم - باستنكار قرار الحكومة البريطانية بتقسيم فلسطين وفقا‬
‫لتقرير لجنة اللورد بيل، فتلقيت منه جوابا برقيا يقول فيه : إن التقسيم أفظع الوسائل‬
                  ‫وأشنع السلحة التي يمزق بها الستعمار قلوب الشعوب المظلومة .‬
                                                   ‫الدول العربية نرفض التقسيم :‬

‫) ٣٣/١(‬


‫ولقد رفض أهل فلسطين التقسيم الذي قررته المم المتحدة في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١،‬
 ‫كما رفضته الدول العربية جميعها، وأصدرت بيانا إجماعيا باستنكاره في ٧١ ديسمبر‬
  ‫٧٤٩١م جاء فيه : "لقد تنكرت المم المتحدة مع السف الشديد لذات المبادئ التي‬
  ‫تضمنها ميثاقها ، فأوصت بتقسيم فلسطين ، وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب‬
 ‫في تقرير مصيره، وأخلت بمبادئ الحق والعدل جميعا .. وقد قررت رؤساء وممثلو‬
 ‫الدول العربية في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه ، وقرروا كذلك‬
      ‫- عمل ً بإرادة شعوبهم - أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل - بعون ا -‬
                                              ‫إحباط مشروع التقسيم الظالم ..." .‬
      ‫فلماذا يلم عرب فلسطين لرفضهم التقسيم ، وهذه الدول العربية كلها رفضته‬
‫بالنسبة لفلسطين ، ورفضته بالنسبة لبلده أيضا ، وكذلك سائر الدول والشعوب التي‬
‫كانت عرضة لكارثة التقسيم؟ أردت بسرد هذه الوقائع أن أبرهن لكم على أن عرب‬
  ‫فلسطين لم يكونوا سلبيين، ولم يتخذوا السلبية ديدنا لهم في كل المواقف . ولكن‬
      ‫بريطانيا كانت دائما ضالعة مع اليهود، ومتآمرة معهم تعمل لصالحهم وصالحها‬
    ‫المشترك، دون أن تبالي بسلبية أو إيجابية ، ولكنها تستغل كل ظرف لبث الدعاية‬
‫وفق أهوائها ومقاصدها الستعمارية عاملة على قلب الحقائق وتضليل الفهام بقوة‬
    ‫جبروتها وبراعة دوائر إستخباراتها ، وبما تسخر لدعايتها من أتباع وأعوان وأبواق‬
                                                 ‫تغدق عليهم المال بغير حساب .‬
          ‫لقد كان المستعمرون يطلبون من الفلسطينيين الرضوخ لخطتهم الستعمارية‬
      ‫الصهيونية والتعاون معهم على أساسها ، ويسمون ذلك "إيجابية" ، فلما رفض‬
          ‫الوطنيون الذعان لرغباتهم ورغبات الصهيونيين وأبوا التعاون معهم على ذلك‬
                                            ‫الساس ، وصفوا أعمالهم "بالسلبية" .‬

‫) ٤٣/١(‬
‫لقد رأينا بعض العناصر العربية الرسمية يجنح لليجابية مع الجانب البريطاني،‬
     ‫وبعضها يتجاوز ذلك إلى حد التساهل مع الجانب الصهيوني على حساب الوطن‬
  ‫العربي ، على أمل أن يرضى ذلك البريطانيين فيستجيبوا لبعض مطالب العرب، أو‬
 ‫على أمل أن يرضى ذلك الصهيونيين فيخففوا من غلوائهم ويقنعوا بغنيمتهم الباردة‬
     ‫وبما اقتطعوه من فلسطين، بموجب معاهدة رودس، بل بما انتزعوه بعد هذه‬
‫المعاهدة من السلطات الردنية التي منحتهم وسلت إليهم من أراضي فلسطين نحو‬
‫خمس وعشرين قرية عربية برمتها تبلغ مساحتها أكثر من نصف مليون دونم )٠٠.٥٢٥‬
      ‫٠( من أراضي المثلث العربي )نابلس، جنين، طولكرم( وكلها مغروسة بأشجار‬
 ‫الزيتون والبرتقال، وبمليون دونم فوق ذلك في المنطقة الجنوبية من فلسطين فيما‬
  ‫بين الخليل والبحر الميت ، عدا التنازل الذي تم لهم عن خط سكة الحديد بين حيفا‬
                                   ‫والقدس، وعن طريق السيارات المجاور له أيضا .‬
‫ولكن هذه اليجابية السمحة ، والكرم الحاتمي، والتساهل الذي بلغ أقصى حد ، لم‬
‫يفد شيئا في إشباع نهم اليهود وجشعهم لبتلع الوطن العربي، ولم يعقهم بعد أيام‬
      ‫قلئل من تاريخ التسليم لهم بتلك المساحات الشاسعة، عن الوثوب على شرق‬
   ‫الردن نفسها وعبور النهر إلى ضفته الشرقية ، والستيلء على المنطقة المحيطة‬
  ‫بمشروع كهرباء روتنبرع بقوات عسكرية مسلحة ما تزال مرابطة فيها، كما أن هذه‬
    ‫اليجابية لم تردع اليهود عن نقض الهدنة ومهاجمة البلد كلها يوم وانتقاصها من‬
           ‫أطرافها، والعتداء عليها اعتداء منكرا وترويع أهلها، وما حادث مذبحة "قبية"‬
                                                               ‫وتدميرها عنا ببعيد .‬

‫) ٥٣/١(‬


          ‫وهناك عبرة أخرى ، وهي أن بعض الفلسطينيين الذي خدعهم دعاية العداء‬
‫وأغرتهم باليجابية ونفرتهم من السلبية ، وكذلك بعض المسؤولين في الدول العربية‬
‫، قد طالبوا منذ بضع سنين بتنفيذ مقررات المم المتحدة بشأن فلسطين بما فيها من‬
    ‫خير وشر، ومنها التقسيم، وما زالوا يلحون في الطلب . فهل استجابت لهم المم‬
  ‫المتحدة في تنفيذ مقرراتها نفسها !؟ أن منظمة المم المتحدة تسيطر عليها الدول‬
  ‫الستعمارية الكبرى الضالعة مع اليهود الذين كانوا ول يزالون سلبيين في كل ما ل‬
                               ‫يوافق أهواءهم ، وإن في ذلك لعبرة لولي البصار .‬
‫والحقيقة التي ينبغي لنا أن نوقن بها ، هي أنه ل قيمة للسلبية ول لليجابية، ول وزن‬
‫إل للقوة، فلنكن أقوياء : في أنفسنا ، وتنظيمنا ، ووسائلنا ، وأقوياء في جميع‬
                                                                    ‫مقومات حياتنا .‬
 ‫وإذا كانت المة العربية خسرت هذه المعركة مع الستعمار واليهود، فلم يكن سبب‬
      ‫الفشل السلبية ول الخطأ في الخطة والتقدير ولكن السبب الرئيسي هو الفرق‬
           ‫الواسع والبون الشاسع بينها وبين خصومها في الجد والتصميم ، والستعداد‬
                                                                          ‫والتنظيم .‬
                                                               ‫سعي النجليز واليهود‬
                                            ‫لتحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية‬
                                                ‫كيف شكلت بريطانيا الفيلق اليهودي؟‬
                           ‫الهيئة العربية العليا عارضت في خروج العرب من فلسطين‬
                                                                     ‫السؤال الرابع :‬
‫أ- يتحدث الناس عن مشكلة اللجئين ، ولماذا خرجوا من بلدهم . فما هي السباب‬
  ‫الساسية لخروج الفلسطينيين من وطنهم، وهل للنجليز واليهود ، وخاصة العمال‬
                                                     ‫الرهابية اليهودية علقة بذلك ؟‬
           ‫ب- ويقول بعض الناس بأن سماحتكم والهيئة العربية العليا طلبتم من أهل‬
 ‫فلسطين الخروج من البلد على أثر صدور قرار التقسيم في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١ وقيام‬
                                                         ‫الضطرابات في فلسطين .‬
                                                            ‫فماذا تقولون في ذلك ؟‬
                                                                           ‫الجواب :‬
                                          ‫المؤامرة الستعمارية اليهودية على العرب :‬

‫) ٦٣/١(‬


‫ترجع السباب الحقيقية لخروج أهل فلسطين من بلدهم إلى المؤامرة الستعمارية‬
‫اليهودية المبيتة ضدهم ، وقد سبقت الشارة إلى بعض البراهين القاطعة على هذه‬
                                                                          ‫المؤامرة .‬
‫وقبل أن أسرد هذه السباب ، أرى أن أعرض بالذكر لبعض مقدمات هذه المسألة :‬
  ‫لقد كان هدف النجليز واليهود منذ البداية العمل على تحويل فلسطين العربية إلى‬
    ‫دولة يهودية ، ولم يكن تصريح بلفور وعبارة "الوطن القومي اليهودي" إل تمهيدا‬
            ‫لهذه الغاية، وتمويها على الرأي العام العربي والسلمي، حتى يتم للسلبية‬
‫البريطانية تحقيق الوسائل المقررة وفق الخطة المرسومة . وكان في مقدمة هذه‬
 ‫الوسائل فتح أبواب فلسطين على مصاريعها لهجرة يهودية واسعة النطاق ، إلى أن‬
 ‫يكاثر اليهود العرب، ومن ثم يأخذون بالضغط عليهم لخراجهم من البلد . كما ظهر‬
   ‫من أقوال القاضي "برانديز" الزعيم اليهودي المريكي الذي كان مستشارا للرئيس‬
 ‫ولسون في الشؤون اليهودية . فقد أعلن هذا في عام ٦١٩١م "أن القصد من طلب‬
  ‫اليهود تسهيل الهجرة إلى فلسطين أن يصبح اليهود أكثرية السكان فيها، وأن يرحل‬
      ‫العرب عنها إلى الصحراء" . وكذلك كتب الكاتب اليهودي "بن آفي" تعليقا على‬
     ‫الشهادات التي قدمت أمام لجنة التحقيق المؤلفة في عام ١٣٩١م برئاسة السر‬
 ‫توماس هيكرافت : "إن على اليهود أ يطهروا وطنهم )فلسطين( من الغاصبين، وأن‬
          ‫أمام المسلمين الصحراء والحجاز، وأمام المسيحيين لبنان ، فليرحلوا إلى تلك‬
                                                                        ‫القطار .‬

‫) ٧٣/١(‬


 ‫وفي أكتوبر ٠٣٩١م نشرت صحيفة المانشستر غارديان البريطانية المعروفة بصبغتها‬
    ‫الصهيونية، بيانا وقعه عدد من أقطاب النجليز ورجال الكومنولث البريطاني ومن‬
 ‫بينهم لويد جورج ، وستانلي بولدوين، وأوستن تشامبرلن ، وليوبولدايمري، وونستون‬
‫تشرشل وهيو دالتون، وهارولد لسكي، والمرشال سمطس، وآرثر غرينوود، واللورد‬
      ‫سنل وغيرهم وقالوا فيه أنه كان واضحا ومفهوما لدى الحكومة البريطانية عند‬
‫إصدارها لتصريح بلفور عام ٧١٩١م أن يصبح اليهود أكثرية ساحقة في فلسطين ....‬
                                                                              ‫".‬
     ‫ولما وقعت الحرب العالمية الثانية سنحت الفرصة لليهود لتقوية أنفسهم وتعزيز‬
    ‫أسلحتهم ولمضاعفة قواتهم العسكرية وإنشاء جيش يهودي بمساعدة السلطات‬
  ‫البريطانية التي عينت واستخدمت خلل تلك الحرب عددا كبيرا من اليهود في ورش‬
     ‫الجيش البريطاني وثكناته ومستودعاته وفي الوظائف الرئيسية والفنية ، وجندت‬
 ‫ألوفا من شبان اليهود في سلك الجيش فدربتهم وسلحتهم وأشركتهم في العمليات‬
  ‫الحربية، واعتمدت بعض المصانع اليهودية لنتاج الذخائر والمتفجرات وما إلى ذلك‬
          ‫من اللوازم العسكرية . وبلغ عدد الذين دربهم النجليز وجندوهم في الجيش‬
 ‫البريطاني حسب ما ورد في التقويم السنوي اليهودي )هاشانا( )لعام ٣٤-٤٤٩١( ٣٣‬
‫ألفا وهذا الرقم ل يشمل عدد المجندين منهم في البوليس والدفاع السلبي والهاجانا‬
‫وغيرها .‬
          ‫واستطاع اليهود بمساعدة النجليز نقل كميات هائلة من السلح إلى فلسطين‬
                                ‫وزعوها على مستعمراتهم ومنظماتهم العسكرية .‬
                                                 ‫تشرشل يؤلف الفيلق اليهودي :‬

‫) ٨٣/١(‬


      ‫وفي عام ٣٤٩١ طالب اليهود الحكومة البريطانية بتأليف "فيلق يهودي" وإلحاقه‬
‫كوحدة مستقلة بالجيش البريطاني، وساعدهم تشرشل مساعدة فعالة على تحقيق‬
‫هذا الطلب، ولما اعترض المرشال ويفل - قائد القوات البريطانية في مصر والشرق‬
    ‫الوسط - على هذا الطلب خوفا من إثارة العرب ، تحداه تشرشل وسمح بتأليف‬
‫الفيلق وجعلته القيادة البريطانية قسما من الجيش البريطاني في حملته على إيطاليا‬
   ‫عام ٤٤٩١م ، وبعد انتهاء الحرب عاد أفراد ذلك الفيلق إلى فلسطين ومع أكثرهم‬
                                                            ‫أسلحتهم الخفيفة .‬
‫وفي ذلك يقول تشرشل في مذكراته التي نشرها عن الحرب العالمية الثانية ما نصه‬
          ‫: ولقد نصحني ويفل بعدم تشكيل ذلك الفيلق اليهودي خوفا من إثارة شعور‬
  ‫العرب . ولكني تحديت ويفل، وكتبت إلى الدكتور وايزمن بالسماح بتشكيل الفيلق ،‬
                                 ‫ولم يتحرك كلب عربي واحد بالحتجاج على ذلك .‬
  ‫وقد تم لليهود تنظيم قواتهم وتسليحها قبل أن تضع الحرب أوزارها، فأرادوا اغتنام‬
‫الفرصة وأن ل تنتهي الحرب إل وقد تحولت فلسطين إلى بلد يهودية ، مدفوعين إلى‬
                                                         ‫ذلك بالعتبارات التية :‬
 ‫١-خشيتهم من قيام حركة عربية واسعة النطاق بعد الحرب تضطر بريطانيا وأمريكا‬
                                   ‫إلى عدم تشكيل الدولة اليهودية في فلسطين .‬
    ‫٢-رغبتهم في قيام الدولة اليهودية قبل أن يزول أثر عطف العالم الغربي عليهم،‬
   ‫وهو ما استطاعوا الحصول عليه بدعايتهم الواسعة ضد ألمانيا النازية واضطهادها‬
                                                                        ‫لليهود.‬
 ‫٣-خشيتهم من أن يقوم من البريطانيين من يعارض في تحويل فلسطين إلى دولة‬
                                   ‫يهودية، لعتبارات تتعلق بمصلحة المبراطورية .‬

‫) ٩٣/١(‬
‫ثم شرع اليهود بحملة إرهابية منظمة لستعجال السلطات البريطانية بالتسليم لهم‬
    ‫بفلسطين، وشكلوا عصابات إرهابية أشهرها )١( عصابة أرغون زفاي ليومي )٢(‬
  ‫عصابة شترن، فقامت بأعمال إرهابية عديدة واستمر الرهاب اليهودي إلى ما بعد‬
    ‫انتهاء الحرب، وتجاوز النجليز إلى العرب لرهابهم وترويعهم وحملهم على ترك‬
    ‫ممتلكاتهم والنزوح عن فلسطين، ومع أن النجليز لم يشكلوا الدولة اليهودية في‬
  ‫فلسطين خلل الحرب، لعتبارات سياسية وعسكرية، إل أنهم سارعوا إلى تشكيلها‬
          ‫بعد انتهائها متوسلين إلى ذلك بوسائل سياسية وغيرها ، إلى أن قدموا قضية‬
      ‫فلسطين إلى المم المتحدة التي قررت في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١ تقسيم فلسطين‬
                                  ‫باتفاق بين بريطانيا والوليات المتحدة المريكية .‬
  ‫وتبع صدور قرار التقسيم قيام اضطرابات وتطورات خطيرة في فلسطين ، وحدثت‬
    ‫المحاولت المعروفة لبعاد عرب فلسطين عن تولي زمام قضيتهم من الوجهتين‬
      ‫السياسية والعسكرية، وحرمان مجاهديهم من المال والسلح، وقد وجد اليهود‬
‫والنجليز والمريكيون أن ظروف عام ٨٤٩١ مواتية لتنفيذ خطتهم المبيتة لخراج عرب‬
 ‫فلسطين منها، وتحويلها إلى دولة يهودية ، ولم تعد ثمة ضرورة لنتظار الوقت الذي‬
 ‫يصبح فيه اليهود أكثرية في فلسطين ، وتوسلوا إلى ذلك بوسائل متعددة بنيت على‬
           ‫ثلث قواعد رئيسية هي : )١( الضغط السياسي )٢( الدعاية والرجاف، )٣(‬
                                                                       ‫الرهاب .‬
                                                              ‫الضغط السياسي :‬
   ‫عرضت سابقا، بوجه عام ، الضغط الشديد الذي قام به المستعمرون على بعض‬
  ‫المسئولين العرب لنتزاع زمام قضية فلسطين من أيدي أهلها، مما أدى إلى تبديل‬
‫الخطة الساسية الموضوعة من قبل مجلس جامعة الدول العربية في عاليه )أكتوبر‬
      ‫٧٤٩١( للدفاع عن فلسطين، وما تل ذلك من عدم تقديم المساعدات الضرورية‬
   ‫لعرب فلسطين، مما أدى إلى إضعافهم، وعرقلة جهودهم ، ومنع مجاهديهم من‬
‫الستمرار في جهادهم العظيم الذي كاد يقضي على قرار التقسيم في مارس ٨٤٩١‬
                                                                                ‫.‬
                                                              ‫الدعاية والرجاف :‬

‫) ٠٤/١(‬
‫ضاعف المستعمرون واليهود دعايتهم المضللة ضد الفلسطينيين ورجال الحركة‬
  ‫الوطنية في داخل فلسطين وخارجها، ول سيما في القطار العربية، فقد أنشأ قلم‬
      ‫المخابرات البريطانية - بالتعاون مع اليهود - عدة مراكز دعاية ضد الفلسطينيين‬
‫لتشويه سمعتهم وتشكيك الشعوب العربية في إخلصهم وجهادهم فتكف عن مد يد‬
    ‫المساعدة إليهم ، ولقناع العرب بأن إنقاذ فلسطين لن يتم إل عن طريق إدخال‬
      ‫الجيوش النظامية إليها . ومما هو جدير بالذكر أن النجليز أنشأوا ، من جملة ما‬
     ‫أنشأوه من مراكز الستخبارات والدعاية في القطار العربية، مركزا للدعاية في‬
     ‫القاهرة في شارع قصر النيل، ووضعوا على رأسه رجل ً بريطانيا انتحل السلم‬
 ‫واتخذ له أسما إسلميا، وملوه بالموظفين والعملء والجواسيس الذين بثوهم في‬
‫مختلف المدن والوساط المصرية . وكان من مهام هذا المركز بث الدعاية المعروفة‬
                   ‫بدعاية الهمس ‪ Whispring‬بالضافة إلى نواحي الدعاية الخرى .‬
     ‫أما في داخل فلسطين فقد بذلوا جهودا واسعة لتثبيت الهمم وإضعاف النفوس‬
    ‫وإدخال روح الوهن والهزيمة بين المجاهدين، والكيد للرجال العاملين، ومحاولة‬
      ‫إقناع الفلسطينيين بقلة جدوى المقاومة وضرورة القلع عن سياسة التطرف،‬
   ‫والدعوة إلى التعاون مع النجليز، وقد ركزوا الدعاية وتشويه السمعة على صفوة‬
  ‫الوطنيين والمجاهدين الذين عرفوا بصلبتهم وشدة إخلصهم ول سيما على الهيئة‬
            ‫العربية العليا ورئيسها حيث اختلقوا أنواع الكاذيب والمفتريات والراجيف .‬
    ‫لما شرع أهل المدن الكبرى - كالقدس ويافا وحيفا وعكا - بالعمل على تحصين‬
‫مدنهم وتسليح أنفسهم، تدخل النجليز للحيلولة دون ذلك بإقناع الهلين بأن بريطانيا‬
          ‫لن تسمح لليهود باحتلل المدن الكبرى، ول سيما المدن والقرى العربية التي‬
                                            ‫خصصت للعرب بموجب قرار التقسيم .‬

‫) ١٤/١(‬


‫وإني لذكر بهذه المناسبة أني ألححت بمطالبة المختصين بجامعة الدول العربية في‬
     ‫ديسمبر ٧٤٩١ بضرورة تحصين المدن الرئيسية، وتسليح المجاهدين للدفاع عنها‬
‫تسليحا وافيا . فأجابني أحد المسئولين بقوله : ل ضرورة لتسليح يافا البتة ، لن قرار‬
  ‫التقسيم جعل يافا في المنطقة العربية، فل خوف عليها مطلقا من اعتداء اليهود .‬
 ‫أما حيفا فإن النجليز لن يسمحوا لليهود باحتللها أبدا . لنهم يريدون أن يجعلوا منها‬
                       ‫مرفأ حرا، وإن لدينا من التأكيدات ما يجعلنا نطمئن إلى ذلك !!‬
‫الرهاب اليهودي :‬
‫وارتبطت أعمال الدعاية والرجاف ارتباطا وثيقا بأعمال الرهاب اليهودي الثيم الذي‬
     ‫قام به اليهود لتوزيع العرب المدنيين وذلك بنسف المنازل وإلقاء المتفجرات في‬
          ‫السواق ومراكز تجمع الهلين، مما أودى بحياة الكثيرين من الشيوخ والنساء‬
  ‫والطفال وأخذ دعاة العداء يزينون للهلين الهجرة إلى القطار العربية محافظة‬
    ‫على سلمة أرواحهم وأطفالهم، وفي الوقت نفسه أخذت تظهر دعوة من بعض‬
  ‫البلد العربية تنادي بضرورة نقل الطفال والنساء والشيوخ العاجزين من فلسطين‬
          ‫ريثما يبت في مصيرها. كما ظهرت دعاية أخرى بأن الجيوش العربية ستدخل‬
    ‫فلسطين قريبا لتحريرها فل داعي للقتال وتحمل الخسائر في الموال والرواح .‬
                                                              ‫تحيز النجليز لليهود :‬

‫) ٢٤/١(‬


      ‫فلما نشب القتال بين العرب واليهود في أواخر عام ٧٤٩١ أثر صدور قرار المم‬
‫المتحدة بتقسيم فلسطين، كان موقف حكومة النتداب البريطاني موقف المتحيز إلى‬
  ‫اليهود، التآمر معهم شأنها طول عهد انتدابها مدة ثلثين عاما ، فكانت تتدخل - في‬
          ‫كل معركة يفوز بها العرب - لحماية اليهود والحيلولة دون استيلء العرب على‬
             ‫ممتلكاتهم ومستعمراتهم ، بحجة أنها ل تزال صاحبة السلطة في فلسطين‬
     ‫والمسئولة عن حماية أرواح السكان وممتلكاتهم . غير أنها ل تتذرع بهذه الحجة‬
‫عندما تكون أرواح العرب وممتلكاتهم عرضة للهلك والدمار. والمثلة على هذا كثيرة‬
     ‫ل مجال لتعدادها الن . غير أن من الحوادث ماله صلة وثقي بكارثة فلسطين ،‬
                                             ‫وأدى إلى هجرة عدد كبير من العرب .‬
                                             ‫النجليز يمهدون السبل لخروج العرب :‬
    ‫أضرب لذلك مثل ً حادث هجرة أهل طبرية . فقد تم طبقا لخطة مرسومة لتسليم‬
     ‫هذه المدينة لليهود ، فإن طبرية تقطنها أكثرية من اليهود وأقلية من العرب. وقد‬
 ‫كانت القوات البريطانية خلل المعارك الناشبة بين العرب واليهود تغض طرفها عما‬
 ‫يقترفه اليهودي في الحياء العربية العزلى من السلح ، وتسهل سبيل وصول المدد‬
  ‫والنجدات إلى اليهود ، وتحول دون وصول المدد والنجدات إلى العرب، مما هيأ لها‬
  ‫أن تتدخل وتصل على إجلء العرب عن المدينة تاركين وراءهم جميع ما يملكون ،‬
                                  ‫بحجة أنهم أقلية يخشى عليها من الكثرية اليهودية!‬
‫والمؤامرة في هذا الحادث مفضوحة ، والتحيز ظاهر. فقد كان في وسع القوات‬
          ‫البريطانية أن ل تحول دون وصول النجدات إلى العرب كما تحل دون وصول‬
  ‫النجدات إلى اليهود ، أو على القل أن تحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم كما حافظت‬
   ‫على اليهود في مدينة القدس القديمة وغيرها. فقد كان هؤلء في وضع أضعف‬
  ‫بكثير من وضع العرب في طبرية ، وظلت القوات البريطانية باسطة حمايتها عليهم،‬
      ‫توصل إليهم الطعام والماء والسلح والنجدات إلى أن انسحبت من فلسطين .‬

‫) ٣٤/١(‬


    ‫ومثل ذلك حدث في المذابح التي اقترفها اليهود في القرى العربية الضعيفة بين‬
           ‫سمع القوات البريطانية وبصرها . كمذابح قرى "دير ياسين" و"ناصر الدين"‬
                              ‫و"حواسه" و"عليوط" و"سكرير" و" الدوايمة وغيرها .‬
     ‫ومن الجدير بالذكر أن معظم الفظائع الوحشية في هذه القرى ارتكبتها عصابتا‬
      ‫أرغون زفاي ليومي وشترن، وأكثر أفرادهما من اليهود المتدينين ورجال الدين‬
   ‫الربانيين والحاخامين، المعروفين بفرط تعصبهم وشدة أحقادهم ، فكانوا يقتلون‬
   ‫الطفال والنساء والشيوخ دون رحمة . ويبقرون بطون الحوامل ويخرجون الجنة‬
‫منها برؤوس حرابهم ، زاعمين أن هذا أمر إله إسرائيل الذي أمر شعب إسرائيل حين‬
      ‫فتح أريحا "أن يقتل بحد السيف كل ما في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل‬
    ‫وشيخ ، حتى البقر والغنم والحمير، وأن يحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها ، كما‬
                           ‫جاء في الصحاحين السادس والسابع من سفر يشوع .‬
                                      ‫المؤامرة النجليزية على تسليم حيفا لليهود :‬

‫) ٤٤/١(‬


‫أما حيفا فقد كانت كارثتها من أبرز مظاهر تحيز النجليز لليهود وتآمرهم معهم ، فقد‬
‫أعلنت سلطة النتداب البريطاني أن لبريطانيا مصالح حيوية في حيفا، وأنها لن تتخلى‬
 ‫إل بعد شهر أغسطس ٨٤٩١ أي بعد انتهاء النتداب بثلثة أشهر ونصف شهر ، وعلى‬
          ‫هذا منعت العرب من إقامة المراكز المحصنة داخل المدينة ، وحظرت عليهم‬
      ‫الوصول إلى أماكن معينة، في الحين الذي كان اليهود فيه يتحصنون ويتركزون‬
   ‫ويجوبون كافة المواقع دون حظر، حتى إذا أتموا تسلحهم واستكملوا استعدادهم‬
‫أعلنت سلطة النتداب فجأة عدولها عن التمسك بحيفا واضطرارها لخلئها ! وحينئذ‬
 ‫ظهر أن اليهود قد تسلموا ما كان بيد النجليز من المعسكرات ذات الشأن، والماكن‬
   ‫المحصنة، والمواقع المشرفة على أحياء حيفا كلها، مما سبب كارثة استيلء قوات‬
  ‫اليهود المسلحة عليها، واضطرار أهلها العرب للجلء عنها بعد وقائع دامية، وبعد ما‬
    ‫متع النجليز وصول النجدات إليهم، تاركين وراءهم كل ما يملكون أيضا . وعندئذ‬
‫فقط ظهرت رقة شعور القوات البريطانية، ففتحت أبواب ميناء حيفا وجمعت ما فيها‬
     ‫من السفن وجعلت تدعو العرب إلى الرحيل وتحملهم عليها.. وكذلك أخذ الفيلق‬
    ‫العربي - أي جيش الجنرال جلوب - ينقل العرب في سياراته كما فعل في طيرة‬
   ‫حيفا وجبع وغيرها ، وكما نقل قبل ذلك أهالي طبرية وبيسان بسياراته إلى شرق‬
                 ‫الردن . فعل كل ذلك تسهيل ً لهجرة العرب وتمكينا لحتلل اليهود .‬
‫واشتركت دائرة المخابرات البريطانية واليهودية في هذه المهمة بنصيب وافر وأخذت‬
     ‫على عاتقها إشاعة الحوادث المثيرة والخبار المضللة، ونشر الذعر بين الهالي‬
                   ‫المنين من العرب، وخاصة على أثر المذابح التي اقترفها اليهود .‬
     ‫وكان المخابرات البريطانية وأعوانها من موظفي حكومة النتداب أكبر الثر فيما‬
          ‫حدث في مدينة )يافا( من هذا القبيل أيضا مما أدى إلى خروج أهلها العزل،‬
          ‫والتجائهم إلى أماكن أخرى من فلسطين أو إلى القطار العربية المجاورة .‬

‫) ٥٤/١(‬


  ‫أما في القدس الجديدة فقد منعت القوات البريطانية المجاهدين الفلسطينيين من‬
   ‫المرور عبر مناطق السلمة التي كان جنودهم يحتلونها ثم لم يلبثوا أن سلموا تلك‬
     ‫المناطق - مع معسكر العلمين الكبير الواقع جنوب القدس - إلى قوات الهاجانا‬
‫اليهودية في ٣١و ٤١ مايو ٨٤٩١م وبذلك أصبح اليهود يسيطرون على القدس الجديدة‬
                                          ‫، ويتحكمون في القدس القديمة أيضا .‬
                                                             ‫كارثة اللد والرملة :‬
  ‫وأما كارثة اللد والرملة فقد نشأت من أن الجنرال جلوب سحب فجأة قوات الجيش‬
      ‫الردني التي كانت مرابطة فيهما، بعد ما جرد قوات الجهاد المقدس التي كانت‬
  ‫مرابطة في مطار اللد ومحطة السكة الحديد وغيرهما، من سلحها ، بحجة الهدنة‬
      ‫الولى، واعدا بإرجاعها بمجرد انتهاء الهدنة . ولكنه أخلف وعده عندما استأنف‬
   ‫القتال في ٩ يوليو ٨٤٩١، فسقطت اللد والرملة وعشرات القرى المحيطة بهما في‬
‫أيدي اليهود واضطر نحو مائة ألف من أهلها للنزوح، يضاف إليهم من لجأ إلى‬
  ‫المدينتين المذكورتين من أهل مدينة يافا وقراها، وهم ل يقلون عن خمسين ألف‬
‫نسمة أيضا، وقد روي لي أحد رجال الدين المسيحي المحترمين أنه سمع من سيادة‬
      ‫المونسنيور وكيل بطريرك اللتين في فلسطين ن جلوب بعث ببرقية تهنئة لقائد‬
  ‫الجيش اليهودي على احتلله اللد والرملة ، ولما صادفه المونسنيور المذكور وعاتبه‬
                              ‫على برقيته، أجابه جلوب بقوله : هذه هي السياسة .‬

‫) ٦٤/١(‬


‫ونحن حين نعرض لذكر الجنرال جلوب باشا النجليزي ل نرمي إلى تجريحه شخصيا‬
‫فهو يعمل لصالح أمته ويقدم لها الخدمات الجلي، ولكن اللوم يقع على بعض العرب‬
    ‫الذين ولوه القيادة العامة الفعلية أثناء حرب فلسطين . وبعد الهدنة الثانية توالت‬
  ‫اعتداءات اليهود على المناطق العربية ، وانسحبت قوات الدول العربية من مناطق‬
 ‫الجليل الغربي وجنين وبعض مناطق القدس وبيت لحم والخليل والنقب والمجدل،‬
‫فجل أهلها منها تبعا لذلك بالضرورة، ثم وقعت اتفاقية رودس، وأعقبها تسليم جيش‬
  ‫الجنرال جلوب لليهود أراضي المثلث العربي ومساحات واسعة من مناطق القدس‬
  ‫وبيت لحم والخليل والبحر الميت كما ذكرناه آنفا ، فنزح عنها أهلها بعد ما عاث فيها‬
                                        ‫المجرمون اليهود قتل ً وتدميرا ونهبا وسلبا .‬
     ‫وهكذا لم يحل ربيع عام ٩٤٩١ حتى أصبح ما يقرب من مليون عربي فلسطيني‬
                                ‫مشردين من بلدهم ولجئين إلى القطار العربية .‬
                             ‫الهيئة العربية عارضت في خروج العرب من فلسطين :‬
  ‫أما فيما يتعلق بالجواب على الشق الخير من سؤالكم، فقد كان رأيي الذي أعلنته‬
‫مرارا ، وأبلغت الجهات العربية ذات الشأن، أن يبقى عرب فلسطين في بلدهم، وأن‬
                ‫يدافعوا عنها حتى النفس الخير، وأن ل يجلوا لي سبب من السباب .‬
   ‫وأذكر مثل ً على ذلك أن سيادة المطران جورج حكيم مطران الروم الكاثوليك في‬
     ‫حيفا وعكا وسائر الجليل رغب في نقل الطفال من حيفا إلي لبنان عند اشتداد‬
    ‫المعارك إشفاقا عليهم، فلما بلغ الهيئة العربية العليا ذلك عارضت في نقلهم إلى‬
 ‫لبنان، وأبلغته أنه إن كان ول بد من النقل فليكن إلى المدن الداخلية في فلسطين .‬

‫) ٧٤/١(‬
‫هذا وقد تنبهت الهيئة العربية العليا إلى ما يقصده النجليز من موقفهم، واليهود من‬
  ‫عدوانهم، فأذاعت في شهر فبراير ٨٤٩١بيانا على الشعب الفلسطيني دعته فيه إلى‬
   ‫البقاء في بلده، وأن ل يجلو عنها بأي حال من الحوال، وفي الوقت نفسه طلبت‬
 ‫الهيئة العربية من اللجان القومية - وهي الهيئات الوطنية الممثلة للشعب الفلسطيني‬
          ‫في كافة المدن والمراكز الكبرى من فلسطين - ومن قيادة الجهاد الوطني‬
‫المقدس، وقواد المناطق، العمل على منع الهلين من مغادرة البلد، وفوضتهم في‬
   ‫اتخاذ الجراءات الكفيلة بذلك ، وطاف أعضاء من الهيئة العربية بمختلف المناطق‬
                     ‫الفلسطينية ينبهون الناس ويحذرونهم من الخروج وترك البلد .‬
‫وفي اليوم الثامن من شهر مارس عام ٨٤٩١ قدمت الهيئة العربية العليا مذكرات إلى‬
    ‫الحكومات العربية التمست فيها أن ل تعطي تأشيرات سفر لي فلسطيني إل في‬
    ‫حالة الضرورة القصوى كأن يكون الراغب في السفر مريضا يخرج للستشفاء أو‬
               ‫تلميذا يسافر للدراسة ، بعد التثبت من ذلك بواسطة اللجان القومية .‬
      ‫وقد حمل مندوبون من الهيئة العربية العليا تلك المذكرات إلى العواصم العربية‬
   ‫وسلموها إلى المسئولين من رجالها ، شارحين لهم السباب الموجبة لذلك . ومن‬
                     ‫دواعي السف أنه لم يؤخذ برأي الهيئة العربية في هذا المر .‬
                                  ‫خلفي مع الملك عبد ا لم يكن خلفا شخصيا‬
                                   ‫بل كان خلفا سياسيا يتناول المبادئ والوسائل‬
                                                              ‫السؤال الخامس :‬
 ‫يقول بعض الناس إن خلفا شخصيا كان قائما بين الملك عبد ا وبينكم، وأن هذا‬
                        ‫الخلف أساء إلى قضية فلسطين . فما تقولون في ذلك ؟‬
                                                                      ‫الجواب :‬
   ‫ما كنت أحب أن أتحدث عن الخلف السياسي مع المغفور له الملك عبد ا ، لول‬
     ‫أن بعض الصحف ومصادر الدعاية الجنبية حاولت استغلل هذا الخلف لصالح‬
   ‫الستعمار، وبالغت فيه، كما أن بعض الناس فهموه على غير حقيقته وذهبوا فيه‬
          ‫مذاهب شتى، وزعم بعضهم أنه كان خلفا شخصيا أضر بقضية فلسطين .‬

‫) ٨٤/١(‬


    ‫والواقع أن الخلف مع المغفور له الملك عبد ا لم يكن شخصيا قط طول أيام‬
    ‫معرفتي به التي يرجع عهدها إلى عام ١٣٩١ عندما جاء إلى شرق الردن، فهي‬
‫معرفة وثيقة مدة ثلثين عاما تقريبا بل بالعكس كانت علقتي الشخصية به علقة‬
   ‫صداقة ومودة لما عرف عنه رحمه ا من حسن المودة وأدب المعاشرة وطيب‬
  ‫الحديث، وكنت ألقى منه - عند كل اجتماع - من حسن المقابلة ولطف المعاملة ما‬
   ‫يعرفه كثير من الناس، كما كنت ل أدخر وسعا في استبقاء الصلة الحسنة به وفقا‬
   ‫لخطتي مع جميع الذين لهم علقة بالقضايا العربية، وذلك حرصا مني على صالح‬
  ‫القضايا العربية عامة وصالح فلسطين خاصة ، لخطورة قضيتها وشدة الحاجة في‬
          ‫دفع العادية عنها إلى تضافر العرب جميعا على تعدد دولهم وأقطارهم .‬
 ‫ولكن الخلف الذي وقع كان سياسيا يتناول المبادئ والوسائل التي ينبغي أن تعالج‬
                            ‫بها قضية فلسطين خاصة ، والقضايا العربية الخرى .‬
‫فعندما وصل المرحوم الملك عبد ا من الحجاز إلى شرق الردن عام ١٢٩١، بقصد‬
    ‫تحرير سورية من الفرنسيين الذين احتلوها حينئذ وأخرجوا منها شقيقه المرحوم‬
    ‫الملك فيصل، التف حوله صفوة من أحرار العرب ومجاهديهم من سورية ولبنان‬
  ‫والعراق وفلسطين ، للتعاون معه على إنقاذ سورية خاصة ، والعمل لصالح البلد‬
‫العربية عامة . ولكن الرياح جرت بما ل تشتهي السفن، وتغلبت السياسة الستعمارية‬
      ‫على الجهود العربية التي بذلت حينئذ ، وخاب الرجاء بإنقاذ سورية . ولم يسفر‬
 ‫الجتماع الذي عقد في ٨٢ مارس عام ١٢٩١م على جبل الزيتون بالقدس بين سمو‬
     ‫المير عبد ا من ناحية ، والمستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ ،‬
     ‫والسر هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني اليهودي ومستر لورنس من‬
      ‫ناحية أخرى عن نتيجة لصالح العرب، بل أصبحت منطقة شرق الردن مشمولة‬
‫بالنتداب البريطاني، وأصبح المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين مندوبا ساميا لها‬
                                                        ‫في شرق الردن أيضا .‬

‫) ٩٤/١(‬


     ‫ولم يلبث الستعمار البريطاني أن ضيق الخناق على منطقة شرق الردن وكبلها‬
     ‫بالقيود، كما هو ديدنه في كل بلدنا عليها بكلكلة، فأخذ من كان فيها من أحرار‬
  ‫العرب يهجرونها واحدا إثر واحد . ثم تمكن النجليز من فرض معاهدة استعمارية‬
   ‫على إمارة شرق الردن استولوا بموجبها على مرافق البلد، وسيطر على الجيش‬
                    ‫الردني الضابط البريطاني )بيك( باشا ثم الجنرال جلوب باشا .‬
      ‫ولما صدر تقرير لجنة اللورد بيل في ٧ يوليو سنة ٧٣٩١ بتقسيم فلسطين، اتخذ‬
‫المغفور له الملك عبد ا موقفا مؤيدا للتقسيم على أمل أن يتمكن من ضم القسم‬
‫الباقي للعرب من فلسطين، إلى شرق الردن، وكان طبيعيا أن ل يقر عرب فلسطين‬
      ‫تقسيم بلدهم وتقطيع أوصالها كما أسلفت في حديثي السابق . وأخيرا عندما‬
‫وقعت حرب فلسطين على إثر صدور قرار المم المتحدة بتقسيمها ثم تدخلت الدول‬
 ‫العربية وقررت أن تدخل جيوشها فلسطين، أصر المغفور له الملك عبد ا على أن‬
   ‫تكون له قيادة الجيوش العربية ، فعارضت أكثرية الدول العربية في هذا، ثم عاد‬
  ‫بعضها فوافق تحت تأثير الضغط البريطاني الشديد ، وتسلم الجنرال جلوب القيادة‬
          ‫الفعلية للجيوش العربية ، ووقعت كارثة فلسطين على الشكل المعروف.‬
‫وكنت بطبيعة الحال معارضا لهذه القيادة الغريبة الشاذة . ل مخالفة للمرحوم الملك‬
  ‫عبد ا ، بل خوفا من أن تسلم القيادة العسكرية الفعلية في حرب فلسطين إلى‬
‫قائد إنجليزي، ليقيني أن الستعمار النجليزي هو الخصم اللد الذي كن أساس البلء‬
                                  ‫في هذه القضية وفي معظم القضايا العربية .‬

‫) ٠٥/١(‬


‫فالخلف الذي وقع بين المغفور له الملك عبد ا وبيني لم يكن - كما ذكرت - خلفا‬
  ‫شخصيا مطلقا ، بل كان خلفا على المبادئ والوسائل التي كان ينبغي التوسل بها‬
  ‫لمعالجة قضية فلسطين والقضايا العربية الخرى، ولم أكن المعارض الوحيد لهذه‬
   ‫المبادئ والوسائل، بل عارضها أيضا كثير من رجال المة العربية وذوي الرأي فيها‬
    ‫عن السوريين واللبنانيين والعراقيين والمصريين والسعوديين والفلسطينيين ومن‬
     ‫الردنيين كما هو معروف، ول أرى حاجة للسهاب والتفصيل في هذه الناحية ،‬
  ‫ولكني أرى أن استشهد هنا بحادثين للتدليل على كذب المزاعم القائلة بأن الخلف‬
                              ‫كان شخصيا وأنه عاد بالضرر على قضية فلسطين :‬
                                                              ‫الحادثة الولى :‬
    ‫قبيل صدور قرار لجنة اللورد بيل قابلني في القدس أحد رجال الستعمار مقابلة‬
      ‫خاصة سألني خللها عما أتوقع أن يحتوي عليه تقرير لجنة بيل ، فأجبته بأني ل‬
    ‫أستطيع التهكن به، وأنكم معشر الموظفين الكبار أدرى بذلك لما لكم من صلت‬
‫رسمية تسهل لكم الطلع على مثل هذه الشؤون قبل كل أحد، ولكن الصحف تنشر‬
     ‫أن هذا التقرير يستهدف التقسيم ، ثم ذكرت له ما سيلقاه التقسيم من معارضة‬
                                ‫الشعب العربي الفلسطيني ومعارضتي شخصيا .‬
‫فقال رجال الستعمار - تهوينا لمر التقسيم على وترغيبا لي فيه : وماذا في التقسيم‬
‫من ضرر؟ إنه يرمي إلى تكوين دولة عربية من القسم العربي من فلسطين وشرق‬
   ‫الردن معا . ولعلكم تحسبون أن المير عبد ا سيكون رأس هذه الدولة، فأحب‬
  ‫أن أحيطكم علما أن انتخابات حرة ستجري في البلد، وأن الذي يفوز بالكثرية هو‬
                                                   ‫الذي سيتولى رئاسة الدولة .‬
     ‫وزاد محدثي على هذا بقوله : ونحن نعرف من هو رجل الشعب الذي يستطيع‬
                                    ‫الفوز بالكثرية الساحقة . ونظر إلى متبسما .‬
                                         ‫فأدركت ما يعنيه الرجل ، وأجبته فورا :‬

‫) ١٥/١(‬


 ‫- إذا كنتم تظنون أني أعارض التقسيم لئل يصبح المير عبد ا ملكا على فلسطين‬
 ‫وشرق الردن فأنتم واهمون، فالحقيقة أني إنما أعارض مبدأ التقسيم لضرره على‬
           ‫البلد وتهديمه لكيانها وتمزيقه لوحدتها ، ول أعارض شخص المير أبدا .‬
 ‫وأؤكد لكم أنني مستعد أن أكون تابعا لي عربي يعمل بإخلص لصالح الوطن ولو‬
‫كان هذا العربي تابعا من أتباع المير، فكيف أرفض رئاسة سيد عربي كالمير نفسه‬
‫الذي هو من أشرف بيت في العرب، فأنا إنما أعارض الفكرة ول أعارض الشخص .‬
‫فدهش محدثي عندما سمع هذا الجواب الحاسم ، واعتذر عن حديثه معي بأنه إنما‬
                                                       ‫كان حديثا خاصا محضا .‬
 ‫ولقد كنت أبلغت بحمل هذا الحديث في أول فرصة إلى المغفور له الملك عبد ا ،‬
                          ‫وأكدت له أن الخلف ل يتعدى المبادئ ووجهات النظر .‬
                                                               ‫الحادثة الثانية :‬
   ‫وقد حدثت هذه أثناء جلسة اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في دار وزارة‬
    ‫الخارجية السورية بدمشق في شهر مارس سنة ٨٤٩١ وكنت عضوا فيها في ذلك‬
 ‫الحين، فقد كان الحديث يتناول قضية فلسطين وموقف المغفور له الملك عبد ا ،‬
                                 ‫وعندئذ قال مندوب إحدى الدول العربية مازحا :‬
   ‫- لو تفاهمتم مع الملك عبد ا ونزلتم على رغباته لحلت المشكلة فقلت له : إنك‬
 ‫تقول هذا مازحا يا صاحب الدولة ، ولكن المر جد ، والقول فصل وما هو بالهزل .‬
   ‫وأني أرجو من اللجنة السياسية أن تسجل على في الجلسة التاريخية "إنني أعاهد‬
     ‫ا وأعاهدكم ، أنا وكل من يسير معي من أهل فلسطين ، على أن نكون في‬
‫ركاب الملك عبد ا ومن أخلص جنده وأتباعه عندما يسير قدما على رأس جيشه‬
  ‫لكفاح العداء كفاحا صادقا جديا، ويومئذ يعتز عرب فلسطين جميعا بعرشه وتاجه‬
                                         ‫ويكونون من أصدق رعاياه المخلصين" .‬

‫) ٢٥/١(‬


 ‫وطلبت تسجيل كلمي وإبلغه إلى المغفور له الملك عبد ا . من هاتين الحادثتين‬
  ‫يتضح لكم أنه لم يكن يباعد بين المغفور له الملك عبد ا وبيني خلف شخصي،‬
          ‫بل كان اختلفا في وجهات النظر والمبادئ السياسية، وما عدا ذلك فقد كانت‬
 ‫علقتي الخاصة به علقة مودة وصداقة . وأذكر أنني لما رجعت من أوربا بعد نهاية‬
‫الحرب العالمية الثانية - وكان ذلك في صيف عام ٦٤٩١- تفضل جللته بالترحيب بي ،‬
  ‫فشكرته على ذلك وتبادلنا البرقيات والرسائل الخطية والشفوية وأحيانا التليفونية ،‬
 ‫وإني أحتفظ بمجموعة من هذه الرسائل سيأتي ذكر قسم منها عندما يتاح لي نشر‬
 ‫مذكراتي ، لما اشتمل عليه بعضها من الهمية والطرافة وأكتفي الن بالشارة إلى‬
          ‫إحداها، وهي رسالة خطية بعث بها إلى مع أحد أقاربي في أواخر عام ٨٤٩١‬
    ‫اشتملت على كثير من عبارات المودة والعواطف الكريمة وكانت آخر رسائله إلى‬
  ‫قبيل وفاته، وقد أعرب فيها عن رغبته في عودتي إلى البلد، وعن استعداده لتلبية‬
  ‫رغبتي في المركز الذي أبتغيه . وقد أجبته بالشكر الوافر على هذا العطف السابغ،‬
      ‫وبالتأكيد له أنني غير راغب في أي منصب، وليس لي أي طلب خاص ، وكل ما‬
    ‫أرجوه أن يعمل جللته على تحصين المناطق الجبلية من فلسطين التي تسلمت‬
    ‫إدارتها الحكومة الردنية من جبل الخليل جنوبا إلى جنين شمال ً ، وأن يكون ذلك‬
  ‫تحصينا عسكريا فينا ، وأن يعمل أيضا على تجنيد أهل البلد للمرابطة فيها ، وعلى‬
  ‫تدريبهم وتسليحهم للدفاع عنها عند العداء الطامعين، وحينئذ أعود إلى البلد كفرد‬
                                            ‫عادي لشارك في هذا العمل المفيد .‬

‫) ٣٥/١(‬


    ‫ول شك في أن الدعاية المضللة التي روجها المستعمرون ، والراجيف التي كان‬
     ‫يرجف بها اتباعهم وأبواقهم ، من أنني أقف حجر عثرة في سبيل تحقيق غاياته‬
‫ومقاصده، قد انطبعت في نفسه إلى حد ما . ولم يكن في استطاعتي أن أزيل هذا‬
‫النطباع تماما، لنني بقيت بضع عشرة سنة بعيدا عن الوطن الحبيب لم تكتحل‬
 ‫عيناي بإجتلء ربوعه، ولم يتح لي لقاء الملك عبد ا منذ خروجي من فلسطين إل‬
   ‫عند زيارته الخيرة لمصر ونزوله ضيفا على الحكومة المصرية في قصر الزعفران‬
                                                                   ‫عام ٨٤٩١.‬
‫هذا وقد كنت أرغب حقا في تلبية دعوته الكريمة التي وجهها إلى الذهاب إلى عمان‬
   ‫في مارس سنة ٨٤٩١ لول خشيتي من غدر رجال الستعمار الذين كانوا يحرسون‬
‫خلل الديار، والذين ل تؤمن مغبتهم ول يجمد عند الصباح سراهم ، وكنت موقنا أنهم‬
                                                         ‫يتربصون بي الدوائر .‬
  ‫ولم تكن خطتي في وقت من الوقات أن أناوئ أية شخصية أو حكومة عربية ، بل‬
   ‫كانت ول تزال الخطة التي أعتنقها هي بذل أقصى الجهود والتضحية بأعز ما أملك‬
  ‫في سبيل جمع شمل المة العربية وتوحيد كلمتها ، وقد نصحت بعض الفلسطينيين‬
  ‫الذين صادفتهم في زيارتي الخيرة لدمشق في أكتوبر الماضي ٣٥٩١ بأن يقاوموا‬
‫فكرة الشقاق بين الفلسطينيين والردنيين، والضفة الغربية والضفة الشرقية . وقلت‬
   ‫لهم : إن التفرقة بين القطار العربية ليست إل من عمل الستعمار الذي هو عدو‬
  ‫للجميع ، فأحذروا كيده ، ول تخاصموا أحدا من العرب ول دولة من الدول العربية .‬
          ‫فإن كابوس الستعمار يجثم فوق صدور الردنيين، كما يجثم فوق صدور‬
‫الفلسطينيين ، وكلكم في البلء سواء ، فعليكم أن تتقوا الخلف بينكم ، وأن توحدوا‬
                                                ‫جهودكم ضد الستعمار وحده .‬
                                                                        ‫... ...‬
                                                                            ‫...‬

‫) ٤٥/١(‬

كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني

  • 1.
    ‫كذبة بيع الفلسطينين‬ ‫لرضهم‬ ‫المؤلف : الحاج أمين الحسيني مفتي القدس‬ ‫) ٥٩٨١- ٤٧٩١( م رحمه ا تعالى .‬ ‫كذبة بيع الفلسطينيين لرضهم‬ ‫بقلم‬ ‫الحاج أمين الحسيني مفتي القدس‬ ‫) ٥٩٨١- ٤٧٩١( م رحمه ا تعالى .‬ ‫) الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع‬ ‫العداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين (‬ ‫من أقوال اليهود عنه :‬ ‫" يجب أن يموت أمين الحسيني حتى نجد من الفلسطينيين من يتفاوض معنا ".‬ ‫" قد كان مقدرا أن تنشأ دولة إسرائيل خلل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من‬ ‫بدء المشروع ، ولكن أمين الحسيني جعل المر يحتاج إلى عشرات السنين ".‬ ‫) ١ / ١(‬ ‫) الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع‬ ‫العداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين (‬ ‫* السؤال الول :‬ ‫اتهم بعض الناس أهل فلسطين بالتفريط في حقوق وطنهم .‬ ‫وتتلخص التهم المعزوّة إليهم في ثلثة أمور:‬ ‫أ- إن كثيرا منهم باعوا أراضيهم لليهود، وأن بعض البائعين استصدر عفوا من بعض‬
  • 2.
    ‫المنظمات الوطنية لقاءدفع مبلغ من المال؟‬ ‫ب- إن عرب فلسطين لم يدافعوا عن وطنهم أثناء حرب فلسطين، وخلل عهد‬ ‫النتداب البريطاني؟‬ ‫ج- إن أهل فلسطين كانوا يشتغلون لحساب اليهود ويبيعون ضباط وجنود الجيوش‬ ‫العربية للصهيونيين .‬ ‫فماذا تقولون في ذلك ؟‬ ‫* الجواب :‬ ‫قبل الجابة على أسئلتكم لبد لي من مقدمة وجيزة تساعد على توضيح الوضاع‬ ‫الحقيقية .‬ ‫كانت فلسطين قبل حرب عام ٤١٩١جزءا من الدولة العثمانية .‬ ‫وهي رقعة صغيرة من الرض مساحتها نحو ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، فلما‬ ‫انهارت هذه الدولة في نهاية الحرب العالمية الولى وقعت فلسطين بين مخالب‬ ‫الستعمار البريطاني من ناحية وجشع اليهودية العالمية من ناحية أخرى، وجعلت‬ ‫تتخبط بين هاتين القوتين العظيمتين وليس لها أي ساعد أو نصير، ولم يكن لدى‬ ‫أهلها من وسائل المقاومة والدفاع ما يستطيعون به دفع أذى أو رد عادية .‬ ‫وبالرغم من ذلك قامت جماعة من أبناء فلسطين المخلصين ، يبذلون جهودهم‬ ‫الضئيلة ، وينظمون صفوفهم القليلة ، ويؤلفون جبهة متواضعة أمام تلك القوى‬ ‫الدولية العاتية ، وكان سلحهم الوحيد اليمان والخلص .‬ ‫وبالرغم من عدم التكافؤ بين القوتين والجبهتين ، فقد نشبت معركة هائلة طويلة‬ ‫المدى لم تلن فيها لعرب فلسطين قناة ولم تهن لهم عزيمة في كل أدوار الكفاح‬ ‫والنضال ، مدة ثلثين عاما حاول خللها الستعمار البريطاني - متآمرا مع اليهودية‬ ‫العالمية - بلوغ أغراضه ومقاصده في فلسطين بالوسائل التية :‬ ‫) ٢ / ١(‬ ‫من الناحية السياسية :‬ ‫أ- لقد حاولوا بادئ ذي بدء أن يحمّلوا عرب فلسطين على الرضوخ والذعان‬ ‫لخطتهم الغاشمة، والموافقة على سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، فتوسلوا‬ ‫بجميع وسائل الغراء السياسية والمالية، وأساليب الدهاء والخداع، والوعد والوعيد،‬
  • 3.
    ‫لحملهم على الموافقة،وليتخذوا من موافقتهم حجة يبررون بها أمام العالم‬ ‫جريمتهم الفظيعة في تحويل هذه البلد العربية المقدسة إلى وطن يهودي بعد‬ ‫إجلء أهلها عنها، ويكسبون جريمتهم المنكرة صفة شرعية، ولكنهم فشلوا في هذه‬ ‫المحاولة فشل ً تاما .‬ ‫من ناحية امتلك الراضي :‬ ‫ب- فلما سقط في أيديهم جعلوا أكبر همهم اشتراء أرض فلسطين بالمال وامتلك‬ ‫البلد عمليا بهذه الوسيلة، فألقوا بمئات المليين من لجنيهات، فارتفعت أسعار‬ ‫الرض إلى عشرات الضعاف، بل إلى مئاتها في بعض الحيان . ولكن عرب‬ ‫فلسطين صمدوا أمام هذه التجربة أيضا. مستهينين بالمال الذي لم يستطع أعداؤهم‬ ‫إغراءهم به، واحتفظوا بأراضيهم بوسائل سيأتي ذكر بعضها عند الجواب على‬ ‫سؤالكم الخاص بهذا الموضوع. وقد انتهى النتداب البريطاني في ٥١ مايو ٨٤٩١‬ ‫ولم يستطع اليهود بالرغم مما حصلوا عليه من مساعدات وهبات وتسهيلت من‬ ‫حكومة النتداب البريطاني أن يمتلكوا إل نحو سبعة في المائة من مجموع أراضي‬ ‫فلسطين. وكانت خيبة آمالهم في هذه الناحية ل تقل عن فشلهم في محاولتهم‬ ‫الولى السياسية .‬ ‫) ٣ / ١(‬ ‫من الناحية العسكرية :‬ ‫ج - ما انفك النجليز - منذ احتللهم لفلسطين - يساعدون اليهود بمختلف الوسائل‬ ‫على التسلح والتدرب والتنظيم العسكري، في الحين الذي كانوا يحرمون فيه جميع‬ ‫ذلك على عرب فلسطين، بل يحكمون بالعدام على من يحوز أي نوع من السلح أو‬ ‫العتاد، حتى أن وزير المستعمرات البريطانية مستر كريتش جونز اعترف في تصريح‬ ‫له في مجلس العموم البريطاني أن الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية‬ ‫البريطانية بالعدام شنقا من العرب لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة كانوا )٨٤١( شخصا" .‬ ‫هذا عدا بضعة ألوف فتك فيهم النجليز خلل ثورات ٦٣٩١- ٩٣٩١.‬ ‫فلما اشتد ساعد اليهود بالسلح والتدريب والتعضيد البريطاني، قاموا بمحاولتهم‬ ‫الثالثة وهي الوصول إلى أهدافهم عن طريق القوة وظهرت هذه المحاولة بجلء‬ ‫في اعتداءات اليهود عام ٩٢٩١ و ٦٣٩١ و ٧٤٩١ وغيرها . ولكن عرب فلسطين على‬ ‫قلة وسائلهم صدوهم ببسالة وهزموهم شر هزيمة في جميع المعارك رغم‬
  • 4.
    ‫مساعدة النجليز لهموحشدهم القوات العسكرية البريطانية بقيادة مشاهير‬ ‫قوادهم كالجنرال دل والمارشال ويفل وغيرهما لخضد شوكة عرب فلسطين. ولما‬ ‫سقط في أيدي النجليز واليهود معا ويئسوا من ترويض عرب فلسطين وإخضاعهم‬ ‫بالوسائل آنفة الذكر، عمدوا إلى أساليب أخرى كان سلحهم فيها الخداع والدهاء،‬ ‫وقد سخروا فيها أنصارهم وأذنابهم خارج فلسطين لتنفيذ خططهم الخطيرة‬ ‫بوسائلهم الشيطانية، مما أدى إلى وقوع كارثة فلسطين . وستجدون إيضاح ذلك في‬ ‫الجوبة على أسئلتكم .‬ ‫) ٤ / ١(‬ ‫الفلسطينيون لم يفرطوا في أراضيهم :‬ ‫١- ل صحة لهذه التهم التي يروجها العداء من يهود ومستعمرين فإن العطف الذي‬ ‫بدأ من مصر وسائر القطار العربية على قضية فلسطين والحماسة الشديدة لها،‬ ‫والتنادي لنصرتها والستماتة في سبيل الذود عنها، أقلق هؤلء العداء، فشرعوا‬ ‫ينشرون الراجيف ويذيعون الشاعات الباطلة عن أهل فلسطين، ويرونهم بمختلف‬ ‫التهم، تشويها لسمعتهم وتنفيرا لخوانهم العرب منهم، وصرفا لهم عن مناصرتهم.‬ ‫وكانت التهمة الولى أن أهل فلسطين باعوا أراضيهم وتمتعوا بأثمانها ثم جاءوا‬ ‫اليوم يدعون ويل وثبورا، فهم أحق باللوم لما فرطوا في أوطانهم.‬ ‫والحقيقة تخالف ذلك كل المخالفة، فإن الفلسطينيين قد حرصوا على أراضيهم كل‬ ‫الحرص، وحافظوا عليها رغم الغراءات المالية الخطيرة من قبل اليهود، ورغم‬ ‫الضغط القتصادي عليهم بمختلف الوسائل من قبل النجليز. ومنذ تأسس المجلس‬ ‫السلمي العلى الذي انتخبه الفلسطينيون لدارة المحاكم الشرعية والوقاف‬ ‫والشؤون السلمية في فلسطين عام ٢٢٩١ قام بأعمال عظيمة لصيانة الراضي‬ ‫من الغزو اليهودي. فمنع بواسطة المحاكم الشرعية التي كان يشرف عليها بيع أو‬ ‫قسمة أي أرض كان للقاصرين نصيب فيها، وكذلك اشترى المجلس من أموال‬ ‫الوقاف السلمية كثيرا من الراضي التي كانت عرضة للبيع، وأقرض كثيرين من‬ ‫أصحاب الراضي المحتاجين قروضا من صناديق اليتام ليصرفهم عن البيع. وكان‬ ‫يعقد مؤتمرا سنويا من العلماء ورجال الدين لتنظيم وسائل المقاومة لليهود‬ ‫الطامعين في الراضي، وقد تعرضت أنا شخصيا لحملت شديدة من النجليز واليهود‬
  • 5.
    ‫عندما كنت رئيسالهذا المجلس بسبب ما كان يقوم به من نشاط في منع بيع‬ ‫الراضي لليهود .‬ ‫) ٥ / ١(‬ ‫وقد بذل المجلس السلمي العلى مبالغ طائلة في سبيل إنقاذ الراضي، واشترى‬ ‫بعض القرى برمتها، كقرية دير عمرو وقرية زيتا التي بذل في سبيل إنقاذها وحدها‬ ‫نحو ٠٠٠٤٥ جنيه، وكالراضي المشاعة في قرى الطيبة وعتيل والطيرة، وبذل جهودا‬ ‫عظيمة وأقام قضايا في المحاكم في هذه السبيل، ووفق في إقناع كثير من القرى‬ ‫ببيع أراضيها إلى المجلس السلمي العلى، وجعلها وقفا على أهلها .‬ ‫وكذلك قام بعض المؤسسات والمنظمات العربية كصندوق المة الذي بذل جهدا‬ ‫كبيرا في سبيل إنقاذ كثير من أراضي البلد اشترى بعضها بالمال وأنقذ بعضها‬ ‫بإجراءات إدارية وقضائية كأراضي البطيحة لعرقلة البيع وحماية حقوق المزارعين،‬ ‫وبعقد الجتماعات وتوزيع النشرات .‬ ‫ومما يزيد ذلك أن تقارير حكومة النتداب البريطاني التي كانت ترفع سنويا إلى لجنة‬ ‫النتداب في عصبة المم بجنيف كانت تذكر دائما أن السبب في قلة انتقال الراضي‬ ‫إلى اليهود هو المجلس السلمي العلى وغيره من المؤسسات العربية .‬ ‫وتدل الحصاءات الرسمية على أن مساحة أراضي فلسطين هي نحو سبعة‬ ‫وعشرين مليون دونم )والدونم ألف متر مربع( . ويبلغ مجموع ما استولى عليه اليهود‬ ‫إلى يوم انتهاء النتداب البريطاني في ٥١ مايو ٨٤٩١، نحو مليوني دونم أي نحو‬ ‫سبعة في المائة من مجموع أراضي فلسطين، على أن ما تسرب من أيدي عرب‬ ‫فلسطين من هذين المليونين ل يزيد عن ٠٠٠.٠٥٢ )مائتين وخمسين ألف دونم( أي‬ ‫الثمن، وكان وقوع الكثير منها في ظروف قاهرة، وبعضها ذهب نتيجة لنزع ملكية‬ ‫الراضي العربية، وهو ما كانت تقوم به حكومة النتداب البريطاني لصالح اليهود‬ ‫وفقا للمادة الثانية من صك النتداب أما باقي المليونين فقد تسرب إلى أيدي اليهود‬ ‫كما يلي :‬ ‫٠٠٠.٠٥٦ دونم استولى عليها اليهود في عهد الحكومة العثمانية خلل حقبة طويلة،‬ ‫من الراضي الميرية بحجة إنعاش الزراعة وإنشاء مدارس زراعية .‬ ‫) ٦ / ١(‬
  • 6.
    ‫٠٠٠.٠٠٣ دونم منحتهاحكومة النتداب البريطانية لليهود دون مقابل )وهي من أملك‬ ‫الدولة(‬ ‫٠٠٠.٠٠٢ دونم منحتها حكومة النتداب البريطانية لليهود لقاء أجرة اسمية )وهي من‬ ‫أملك الدولة( .‬ ‫٠٠٠.٠٠٦ دونم اشتراها اليهود من بعض اللبنانيين والسوريين الذين كانوا يملكون‬ ‫أراضي في فلسطين )كمرج ابن عامر ووادي الحوارث، والحولة وغيرها( .‬ ‫٠٠٠.٠٥٧.١‬ ‫يتبين من ذلك أن نحو سبعة أثمان ما استولى عليه اليهود من الراضي إنما تسرب‬ ‫إليهم عن غير طريق الفلسطينيين ، وأن ما تسرب من الفلسطينيين هو مائتان‬ ‫وخمسون ألف دونم أي نحو "٢٦" ألف فدان مصري . على أن الكثير ممن باعوا‬ ‫أراضيهم أو كانوا سماسرة للبيع قد فتك فيهم الشعب الفلسطيني، ولم ينج منهم إل‬ ‫من فر من البلد ولجأ إلى أقطار أخرى .‬ ‫أما ما ذكرتم من إصدار العفو عمن كان يدفع مبلغا من المال، فل صحة له البتة،‬ ‫ولم يقع أي حادث من هذا القبيل، بل كان المر على العكس، فإن مؤتمرات العلماء‬ ‫التي كنا نعقدها سنويا وكذلك الهيئات الدينية ، كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع‬ ‫الرض أو يسمسر على بيعها، وتعتبره مرتدا ل يدفن في مقابر المسلمين وتجب‬ ‫مقاطعته وعدم التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر كهنة الرثوذكس العرب في فلسطين‬ ‫قرارات مماثلة .‬ ‫) ٧ / ١(‬ ‫دفاع الفلسطينيين عن بلدهم :‬ ‫٢- وكانت التهمة الثانية أن عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلدهم وهي فرية ل ظل‬ ‫لها من الحقيقة، فالناس جميعا يعلمون كيف كافح أهل فلسطين، اليهود والنجليز‬ ‫معا، مدة ثلثين عاما لم يقهروا خللها أبدا ، رغم كثرة القوات البريطانية وقوات‬ ‫الشرطة المحتلة وقوى اليهود المنظمة . وليس يخاف على أحد استبسال المجاهدين‬ ‫الفلسطينيين في الذود عن وطنهم وإقدامهم على التضحية وبيعهم نفوسهم بيع‬ ‫السماح في سبيل ا، حتى شهد لهم بذلك العدو والصديق، ورفعوا بجهادهم اسم‬ ‫العرب عاليا في العالم . فمن ذلك ما ذكره المرحوم محمد رستم حيدر وزير مالية‬ ‫العراق السبق لبعض زائريه في لبنان عندما كان راجعا من أوربا صيف ٩٣٩١ بقوله‬
  • 7.
    ‫: لقد كنافي زياراتنا الماضية لوربا نتحاشى التظاهر بأننا عرب . ولكننا هذه المرة،‬ ‫بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي طبق ذكرها آفاق أوربا، أصبحنا نفخر‬ ‫بعروبتنا وصرنا نلقى من الوربيين كل إجلل واحترام .‬ ‫هتلر يستشهد بجهاد عرب فلسطين :‬ ‫ومن ذلك ما قاله هتلر للسيد خالد القرقني مستشار المرحوم جللة الملك عبد‬ ‫العزيز آل سعود في مقابلة رسمية له عام ٨٣٩١ من أنه معجب كل العجاب بكفاح‬ ‫عرب فلسطين وبسالتهم . وكذلك جاء في بيان رسمي وجهه هتلر إلى اللمان في‬ ‫السوديت حينما كانوا يحاولون الخلص من حكم تشيكوسلوفاكيا عام ٨٣٩١‬ ‫والنضمام إلى ألمانيا ما معناه: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة‬ ‫لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معا،‬ ‫ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإني أمدكم بالمال‬ ‫والسلح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم" .‬ ‫) ٨ / ١(‬ ‫ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :‬ ‫وقد جاء في كتاب ألفه الجنرال هنري ميتلند ولسون الذي اشترك في المعارك ضد‬ ‫عرب فلسطين قبل أن يتولى قيادة القوات البريطانية في مصر ثم في منطقة البحر‬ ‫البيض المتوسط. ذكر مستفيض لبطولة عرب فلسطين خلل المعارك الدامية التي‬ ‫جاهدوا فيها القوات البريطانية إذ ذكر ما خلصته :‬ ‫"إن خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال ويقومون بحرب‬ ‫العصابات، ل يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلح )أي خمسة‬ ‫عشر ألف جندي( .‬ ‫الفلسطينيون في غزة يهزمون النجليز :‬ ‫وفي الحرب العالمية الولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من‬ ‫أقل من ثلثة آلف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما‬ ‫خسائر فادحة وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام ٧١٩١م ، أصدر أحمد جمال‬ ‫باشا القائد التركي الذي اشتهر بخصومته للعرب، بيانا رسميا أشاد فيه بالشجاعة‬ ‫الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف أضعافهم من‬ ‫جنود العداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبل عندما‬
  • 8.
    ‫حموا هذه البقاعالمقدسة بقيادة صلح الدين اليوبي ... وكذلك اعترف كثيرون من‬ ‫أقطاب العرب وزعمائهم بشجاعة الفلسطينيين . ومبلغ ما بذلوه من جهود ودماء،‬ ‫ذودا عن حياتهم أثناء المعارك الخيرة التي وقعت عامي ٧٤٩١ و ٨٤٩١م.‬ ‫وإني لسف إذا اضطر للستشهاد بمثل هذه القوال والتصريحات بالثناء على أهل‬ ‫فلسطين في مجال الدفاع عنهم ببيان الحقائق التي حاولت الدعايات الجنبية ودوائر‬ ‫المخابرات البريطانية واليهودية أن تطمسها بما سخرت لذلك من الصحف المأجورة‬ ‫واللسنة الخراصة لتشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم على غير حقيقتهم .‬ ‫) ٩ / ١(‬ ‫براعة الفلسطينيين في حرب العصابات :‬ ‫ولشك أن كل منصف يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يغلبوا على أمرهم ولم‬ ‫يقهروا في ميدان الكفاح حينما كانوا يحاربون اليهود والنجليز معا حرب العصابات‬ ‫التي خذقوها، والتي هي أجدى وأنجع في مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثرا،‬ ‫وأقل نفقة . وبحرب العصابات القائمة على أسس التضحية والستماتة والبسالة‬ ‫استطاع الفلسطينيون أن يفضوا مضاجع أعدائهم أمدا طويل ً، وأن ينزلوا بهم الخسائر‬ ‫الفادحة، واستطاعت حركة الجهاد الفلسطيني في أعوام ٨٣،٧٣،٦٣، ٩٣٩١م أن‬ ‫تسيطر على معظم الراضي الفلسطينية بل عليها كلها إذا استثنينا قليل ً من المدن‬ ‫التي انحصر الجنود النجليز داخلها وقتا غير قليل في انتظار النجدات .‬ ‫النجليز يسلحون اليهود ويدربونهم :‬ ‫وفي الحوادث الخيرة ظن النجليز الذين جردوا أهل فلسطين خلل الحرب العالمية‬ ‫الثانية من أسلحتهم ، وشردوا قادتهم وسجنوا اللوف من مجاهديهم وأرهقوهم‬ ‫ظلما وعدوانا كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو في الوقت الذي‬ ‫كانوا يسلحون فيه اليهود ويدربونهم وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية‬ ‫إنجليزية كان يرأسها القائد )وينجت( المعروف - ظن النجليز أن كفة اليهود الحربية‬ ‫أصبحت راجحة ، وأن في استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا‬ ‫القديم لهم ، فأعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين. ولكن أهل فلسطين رغم‬ ‫ضعف وسائلهم عامي ٧٤٩١- ٨٤٩١م قاموا بكفاح شديد أرغموا به يهود القدس،‬ ‫وعددهم نحو )٥١١( ألفا، على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحاصروهم‬ ‫وقطعوا عنهم الماء والزاد والعتاد . وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس‬
  • 9.
    ‫حينئذ وجاءت بعثةمن بعض أعضائها إلى دمشق في مارس سنة ٨٤٩١م لمفاوضة‬ ‫الجامعة العربية والهيئة العربية العليا في هذا المر .‬ ‫) ٠١/١(‬ ‫تفوق العرب في المعارك على اليهود :‬ ‫وفي غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود ففي مكان يعرف‬ ‫بالدهيشة، بين القدس والخليل، نشبت معركة كبيرة في ٧١ مارس سنة ٨٤٩١ قتل‬ ‫فيها بضع مئات من اليهود ووقع منهم )٠٥٣( أسيرا ، وغنم المجاهدون أسلحتهم‬ ‫وذخائرهم ونحو مائة وخمسين سيارة كان قسم كبير منها من المصفحات‬ ‫والمدرعات . ووقعت معارك صور يف وبيت سوريك وسلة ويافا ومعارك أخرى في‬ ‫المنطقة الشمالية قهرت فيها العصابات الفلسطينية اليهود وهزمتهم .‬ ‫ولما شرع اليهود في استعمال المتفجرات وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون‬ ‫بما هو أدهى وأمر، فنسفوا عمارة الستين بوست والوكالة اليهودية وشارع بن يهودا‬ ‫برمته ومحلة المنتفيوري وغيرها مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول‬ ‫عن حرب المتفجرات .‬ ‫وقد أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمن لهم‬ ‫التفوق ورجوح الكفة على اليهود، حتى أن الوليات المتحدة المريكية أعلنت‬ ‫بواسطة مندوبها في المم المتحدة في ٣٢ مارس ٨٤٩١م عدولها عن تأييد قرار‬ ‫تقسيم فلسطين، )وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل الجيوش العربية‬ ‫فلسطين( .‬ ‫٢١ ألف شهيد فلسطيني :‬ ‫وقد بلغ عدد الذين استشهدوا م أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو ٢١ ألف شهيد،‬ ‫وبلغ عدد من أصيب منهم بجراحات وعاهات دائمة ضعف هذا العدد، وهذا بالضافة‬ ‫إلى ألوف من السكان المدنيين ولسيما من الشيوخ والنساء والطفال الذين قتلهم‬ ‫اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية‬ ‫الثانية تقدر بعشرات المليين من الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقساما‬ ‫برمتها من مدن يافا واللد وجنين وعشرات من القرى العربية وأتلفت من روعات‬ ‫أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم .‬
  • 10.
    ‫) ١١/١(‬ ‫المؤامرة النجليزية لبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال :‬ ‫ولما رأي النجليز واليهود هذا الجد والتصميم والستماتة من عرب فلسطين، وأن‬ ‫حرب العصابات تزداد توسعا واندلعا، وأن أمدها سيطول، وستكون لها نتائج‬ ‫خطيرة في إثارة الشرق العربي والعالم السلمي، لجأوا إلى الحيلة لوقف حرب‬ ‫العصابات وإبعاد المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة، لنهم بطبيعة الحال‬ ‫أشد العناصر العربية تصميما على القتال، واستماتة في الذود عن وطنهم وأنفسهم‬ ‫وممتلكاتهم، فعمد النجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في‬ ‫اجتماع "عالية - لبنان" في السابع من أكتوبر عام ٨٤٩١م أن يكون المعول في حرب‬ ‫فلسطين على أبنائها ، وأن تمدهم الدول العربية بالسلحة والموال وما إلى ذلك‬ ‫من وسائل المساعدة، وأن ل تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطين. ولكني‬ ‫عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في إدخال‬ ‫الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجست في نفسي خيفة‬ ‫وأبديت ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية وعارضت في هذا‬ ‫معارضة شديدة ، ولم تكن جميع الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى‬ ‫فلسطين ولكن تيار الضغط الجنبي على بعض الشخصيات المسئولة في الدول‬ ‫العربية في ذلك الحين كان بدرجة من الشدة اجتاح معها كل معارضة ، ودخلت‬ ‫الجيوش العربية وكانت مصر من أشد الدول معارضة لدخول جيشها في الحرب. ثم‬ ‫دخلت بتأثير دوافع متعددة كما ظهر في المحاكمات الخيرة أمام محكمة الثورة،‬ ‫فقد قيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين : "إن المرحوم النقراشي‬ ‫أسر إلى أحد كبار المصريين وقتئذ - أيهدى" من روعه ومعارضته - أن النجليز‬ ‫متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمد الجيش المصري بالسلحة والذخيرة‬ ‫التي يحتاج إليها..."‬ ‫) ٢١/١(‬ ‫الجيوش العربية تحت قيادة جنرال إنجليزي :‬ ‫فلما دخلت الجيوش العربية فلسطين سلمت قيادتها العملية إلى الجنرال جلوب‬ ‫النجليزي ، وصدر أمر الملك عبد ا بإلغاء منظمة الجهاد المقدس الفلسطينية‬
  • 11.
    ‫وجميع القوى والعصاباتالتابعة لها ، وإلغاء جيش النقاذ المؤلف من المتطوعين‬ ‫وطلب إلغاء الهيئة العربية العليا لفلسطين ، ووضعت خطة محكمة لبعاد‬ ‫الفلسطينيين عن ميدان الجهاد والسياسة ، وعن كل ما يتعلق ببلدهم ومستقبلهم‬ ‫وحياتهم .‬ ‫) ٣١/١(‬ ‫دعايات مضللة وتهم باطلة تذاع عن فلسطين :‬ ‫٣- ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة قامت دوائر المخابرات البريطانية‬ ‫واليهودية ، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضللة وإشاعات مبطلة‬ ‫عن الفلسطينيين تكيل لهم فيها جزافا أفظع التهم كتجسسهم على الجيوش العربية‬ ‫وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو ذلك من الكاذيب التي ل ظل لها من‬ ‫الحقيقة، ول يعقل أبدا أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة‬ ‫باليهود والستعمار، وأشدهم حتقا عليهما. واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس‬ ‫التي كان يقوم بها أفراد من اليهود فشأوا في البلد العربية وحذقوا لغتها وعاداتها،‬ ‫وقد بثتهم دوائر الستخبارات اليهودية في كل الجهات وهم يرتدون الثياب العربية‬ ‫حتى ظن أنهم من عرب فلسطين . وأذكر مثل ً لذلك حادثتين معروفتين في منطقة‬ ‫غزة الولى أن القوات المصرية المسلحة قبضت على أثنين من اليهود يرتديان ثياب‬ ‫البدو بينما كانا يقومان بإلقاء ميكروبات الكوليرا وغيرها من الجراثيم الوبائية في آبار‬ ‫تلك المنطقة بقصد إبادة سكانها والقوات المصرية الموجودة فيها، والثانية قصة‬ ‫طريفة قصها على كل من المير الي السيد مصطفى الصواف نائب الحاكم الداري‬ ‫العام لقطاع غزة سابقا ، والسيد عبد الرحمن الفرّا رئيس بلدية خان يونس،‬ ‫وخلصتها أن دورية مصرية قبضت على رجل يرتدي ثياب بدو فلسطين بينما كان‬ ‫خارجا من مستعمرة " كفار داروم " ، ومتجها إلى " خان يونس " وعند سؤاله زعم‬ ‫أنه ينتمي إلى عشيرة عربية مجاورة فلما سئل شيوخ العشيرة عنه أنكروه . ولما‬ ‫ضيق المحققون عليه الخناق اعترف أنه جاسوس يهودي ، وأنه يتجه إلى خان‬ ‫يونس ليقابل فيها زميل ً له ، فلما رافقوه ليدلهم على زميله كانت دهشتهم بالغة‬ ‫عندما دلهم على شيخ معمم مقيم بجامع البلد ويلبس الملبس الفلسطينية وكان‬ ‫هذا الشيخ يتظاهر بالورع ويصلي في الصف الول ، ويقيم في الجامع ، وفي نهاية‬ ‫التحقيق الرسمي اعترف هذا الشيخ المعمم بأنه يهودي دينا وجنسية ،‬
  • 12.
    ‫) ٤١/١(‬ ‫وأنه يقوم بالتجسس على حركات الجيش المصري، وأنه تظاهر بأنه مسلم فيما‬ ‫مضى ، وانخرط في الجامع الزهر في سلك الطلب أمدا غير قصير درس خلله‬ ‫الدين السلمي واللغة العربية ..‬ ‫ولقد وقع كثير من أمثال هذه الحادثة كان يقوم بها يهود يتزينون بزي العرب‬ ‫الفلسطينيين ول يتسع المجال لسردها الن، مما ساعد على ترويج تلك التهم‬ ‫الشنيعة والشاعات الكاذبة المضللة عن أهل فلسطين وهم منها براء. على أن أهل‬ ‫فلسطين كغيرهم من الشعوب منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ول يبعد أن يكون‬ ‫بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلئل من أمثال‬ ‫هؤلء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني ل يدمغ هذا الشعب، ول ينقص‬ ‫من كرامته، ول يمحو صفحة جهاده العظيم .‬ ‫) ٥١/١(‬ ‫كارثة فلسطين‬ ‫وليدة مؤامرة الستعمار الجنبي واليهودية العالمية‬ ‫وليست ناشئة عن خصومات حزبية وخلفات عائلية‬ ‫الحلول التي عرضتها بريطانيا كانت سلسلة من المخادعات‬ ‫* السؤال الثاني :‬ ‫يتحدث بعض الناس عن خصومات حزبية واختلفات محلية وقعت في فلسطين ،‬ ‫ويقولون : إنه لو ل معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية‬ ‫فلسطين لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه .‬ ‫* الجواب :‬ ‫إن أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها ، ومن كافة نواحيها، لنهم لم‬ ‫يتعمقوا في بحثها، ولم يسيروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملبساتها، شأنهم في‬ ‫ذلك شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصا دقيقا، ودون‬ ‫أن يعرف تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة ل تشفي سقما ول تضمن‬ ‫برءا .‬
  • 13.
    ‫) ٦١/١(‬ ‫ومنهم منيقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية وهذا قياس مع‬ ‫الفارق، لن خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الستعمار‬ ‫فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى خطيرة دينية وقومية واستراتيجية، هدفها‬ ‫استبدال أمة بأمة أخرى وتقويض كيان هذه المة تقويضا كامل ً، بالقضاء على‬ ‫قوميتها ودينها وتاريخها، والتعقبية على آثارها لتحل محلها تلك المة الخرى .‬ ‫مؤامرة مبيتة بين الستعمار واليهودية العالمية :‬ ‫وبعبارة أصرح إنها مؤامرة مبيتة - منذ عهد بعيد - بين اليهود والستعمار )كما صرح‬ ‫بذلك حاييم وايزمن زعيم الصهيونية في مذكراته( ترمي إلى إجلء العرب، أهل‬ ‫البلد الصليين، عن وطنهم، وإحلل اليهود المشردين في سائر أنحاء الرض‬ ‫محلهم، والقضاء المبرم على عروبة هذه البلد ودينها ومقدساتها ومعابدها‬ ‫واستئصال شأفة أهلها، لجعلها مركزا دينيا وسياسيا وعسكريا ليهود العالم قاطبة،‬ ‫ولعادة بناء الهيكل اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد القصى‬ ‫المبارك، وليكون هذا المركز اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة، للوثوب على‬ ‫العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد بن غوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم‬ ‫اليهودية .‬ ‫وقد وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين إنجلترا واليهود، قبل الحرب‬ ‫العالمية الولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الستعمارية الكبرى، وصمم المتآمرون‬ ‫على تنفيذ مؤامرتهم دون أن يقيموا وزنا لي اعتبار من العتبارات النسانية، أو القيم‬ ‫الخلقية أو الحقوق الدولية . وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ نظيرا من‬ ‫قبل، وهي سابقة خطيرة في الستعمار، يجري تنفيذها للمرة الولى على هذه‬ ‫الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من القطار‬ ‫العربية المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والستعمارية .‬ ‫) ٧١/١(‬ ‫يريدون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية :‬ ‫فمنذ نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود : أن "فلسطين‬ ‫وطن بل سكان، فيجب أن يعطي لشعب بل وطن" )أي اليهود( . وقال : إن واجب‬
  • 14.
    ‫اليهود في المستقبلأن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى‬ ‫الخروج منها .‬ ‫وعلى أثر فرض النتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود‬ ‫العالم مثل سوكولوف، ووايزمن، وجابوتنسكي وإيدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم -‬ ‫أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود و"أن تكون فلسطين يهودية كما أن‬ ‫إنجلترا إنجليزية" . وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد‬ ‫أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رسل ً من أنصارهم عرضوا على عرب‬ ‫فلسطين الرحيل عن وطنهم مقابل مبالغ من الموال يدفعها إليهم اليهود! .‬ ‫وفي عام ٤٣٩١ اتصل رسل من البريطانيين بي شخصيا وبآخرين من الوطنيين‬ ‫الفلسطينيين وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الردن على أن يعطوا‬ ‫ضعف مساحة الراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم اليهود جميع الموال المطلوبة‬ ‫لتنفيذ ذلك القتراح، وكان طبيعيا أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .‬ ‫وما انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف‬ ‫الملئمة لجلء عرب فلسطين عن بلدهم وتسليمها لليهود، وفي مذكرات الدكتور‬ ‫حايم وايزمن المطبوعة منذ ثلث سنوات ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية‬ ‫على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب !‬ ‫قرار مؤتمر العمال البريطاني يجعل فلسطين دولة يهودية :‬ ‫وفي شهر مارس ٣٤٩١م خطب الزعيم اليهودي بن غوريون في تل أبيب قائل ً : "إن‬ ‫الصهيونية قد انتهت من وضع خطتها النهائية وهي أن تصبح فلسطين دولة يهودية،‬ ‫وإن اليهود ل يستغنون عن أي قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق‬ ‫البحار".‬ ‫) ٨١/١(‬ ‫وفي ديسمبر ٤٤٩١ عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمرا‬ ‫كان من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية‬ ‫فلسطين اتخذ المؤتمر قرارا بالجماع "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وإخراج‬ ‫سكانها العرب منها إلى القطار المجاورة، وقد اشترك ممثلو الحزب في الحكومة‬ ‫الئتلفية القائمة بالحكم حينذاك )مثل إتلي وبيقن ودالتون وموريسوان وبيقان‬ ‫وجونز( في مؤتمر الحزب ووافقوا على قراره بشأن فلسطين كما اشترك في‬
  • 15.
    ‫المؤتمر هارولد لسكيأحد كبار رجال العمال، وهو يهودي، وكان له أثر كبير في‬ ‫توجيه المؤتمر . ولم تعترض الحكومة البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد‬ ‫اتفاق جميع الحزاب البريطانية على ذلك المبدأ الثيم . ورحبت الصحافتان البريطانية‬ ‫والمريكية بقرار المؤتمر واعتبرتاه خير حل لقضية فلسطين ! .‬ ‫) ٩١/١(‬ ‫مطامع اليهود في البلد العربية :‬ ‫هذا ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلد العربية المجاورة لفلسطين‬ ‫خافية، فإن زعماء اليهود المسؤولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين ل تكفيهم،‬ ‫وأنها ليست إل "مركز وثوب" لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الستيلء على‬ ‫بقية فلسطين والردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الراضي‬ ‫المصرية، ومناطق خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الراضي الحجازية‬ ‫المجاورة للمدينة المنورة بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها‬ ‫كانت مواطنهم في القرون الماضية، وقدموا طلبا باستعمارها إلى الملك عبد العزيز‬ ‫آل سعود مقابل عشرين مليون جنيه ذهبا، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في‬ ‫فندق الفيوم القائم على بحيرة قارون بمصر عام ٥٤٩١ وبوسائط أخرى أيضا، ولكن‬ ‫الملك عبد العزيز - رحمه ا - رفض ذلك بكل شدة وإباء ول يحاول اليهود إخفاء‬ ‫مطامعهم بل يتحدون المة العربية كلها بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على‬ ‫واجهة مجلس نوابهم العبارة التية: "من النيل إلى الفرات" . ول يتسع المجال الن‬ ‫لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة في الراضي المصرية ول سيما في سيناء التي‬ ‫يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفي الدلتا والبحر الحمر، وسائر البلد العربية فإن ذلك‬ ‫يحتاج إلى رسالة خاصة .‬ ‫) ٠٢/١(‬ ‫ذكرت لكم مطامع اليهود في صدد الجابة على سؤالكم للتدليل على أن قضية‬ ‫الصهيونية ليست قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جدا، ول‬ ‫ينحصر شرها بفلسطين بل يعم سائر البلد العربية، ول يقتصر ضررها على ناحية‬ ‫الحتلل والستيلء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق‬
  • 16.
    ‫الوسط بأجمعه، فياستقلله وسيادته، وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر‬ ‫مقومات حياته . فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها‬ ‫الستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جدا، وعلينا أن نوقن بأنها معركة‬ ‫حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين ل تستطيع إحداهما أن تعيش إل على‬ ‫أنقاض الخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا،‬ ‫وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم هازلين‬ ‫مترددين خائرين ؟‬ ‫على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية‬ ‫فلسطين .‬ ‫وسنرى بعد قليل هل كان صوابا أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية‬ ‫الخادعة التي عرضها النجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص‬ ‫ولم يكن رفضهم لها اعتباطا أو تعنتا! .‬ ‫الحزبية والخلفات المحلية :‬ ‫فأما من ناحية الخلفات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلفات حزبية‬ ‫أو طبقية أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف القطار: فلم يكن لدى الشعب‬ ‫الفلسطيني ما يختلف عليه رجاله وجماعاته، فل حكومة ول مجلس نواب ول سلطة‬ ‫من السلطات الرسمية ول مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين‬ ‫محرومين من كل ذلك .‬ ‫أما الخلف الذي وقع في بعض الحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا‬ ‫بعض أتباعهم إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقا لمصلحة الستعمار والصهيونية .‬ ‫) ١٢/١(‬ ‫الميثاق القومي لفلسطين :‬ ‫لقد قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل‬ ‫على "استقلل فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض النتداب البريطاني والوطن‬ ‫القومي اليهودي، . وقد سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية‬ ‫حتى هذه الساعة، ولم يكن الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك السس‬ ‫والهداف الوطنية . والذي وقع في فلسطين لم يكن اختلفات حزبية أو محلية، بل‬ ‫كان في الحقيقة اختلفا بين الوطنيين وبين خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين‬
  • 17.
    ‫والصهيونيين وأتباعهم.‬ ‫وقد امتحنتالقطار العربية التي كانت تقاوم الستعمار والحتلل بمثل ما امتحن به‬ ‫عرب فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين‬ ‫واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزابا لمقاومة‬ ‫الحركات الوطنية.‬ ‫بل لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الستعمار‬ ‫لتلم الصفوف وصدع الوحدة . فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهودا جبارة‬ ‫لثارة روح الطائفية والخلف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين،‬ ‫لدرجة أن بعض رجال الستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض‬ ‫المجرمين وألفوا منهم عصابات زودوها بالسلح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات،‬ ‫وأطلقوها للعتداء على القرى المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة‬ ‫ولليقاع بين أبناء الوطن والواحد . ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد،‬ ‫فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم .‬ ‫) ٢٢/١(‬ ‫الدعاية ضد الوطنيين :‬ ‫ولم يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من العمال، بل قاموا أيضا‬ ‫ببث دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في‬ ‫إخلصهم وحملهم على النفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب‬ ‫فلسطين يشكونه من ظلم السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق‬ ‫السياسية والمدنية وغيرها . ولما اتسع نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لها‬ ‫صدى بعيد في سائر القطار العربية، ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها‬ ‫في سائر القطار العربية، للدس على الفلسطينيين وتشويه سمعة المخلصين‬ ‫العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة‬ ‫على الدعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية ورفضوا جميع‬ ‫ما تقدم به النجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين )ومنها التقسيم( خلل عهد‬ ‫النتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا : أنه لو قبل المفتي والزعماء‬ ‫الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما‬ ‫وقعت نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند‬
  • 18.
    ‫بعض العرب، بلبعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية‬ ‫ويعتقدون صحتها، وكان عدم معرفة هؤلء - بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية‬ ‫وعدم اطلعهم على تلك العروض والحلول البريطانية، من العوامل التي جعلتهم‬ ‫يصدقون تلك الضاليل بحسن نية .‬ ‫) ٣٢/١(‬ ‫المؤامرة النجليزية اليهودية قديمة :‬ ‫وقبل أن أتحدث عن موضوع )العروض والحلول(، أود أن أنبه مرة أخرى إلى أن ما‬ ‫تم في فلسطين منذ احتلل النجليز لها في عامي ٨١٩١/٧١٩١، حتى يومنا هذا كان‬ ‫نتيجة لخطة إنجليزية صهيونية اتفق عليها المستعمرون والصهيونيون، خلل الحرب‬ ‫العالمية الولى )٤١٩١- ٨١٩١( وقبلها، وعمد الفريقان، ومن ورائهما فيما بعد‬ ‫المريكيون، إلى تنفيذها خطة خطوة، وحلقة حلقة، فكل ما كان يدعيه النجليز من‬ ‫تقديم عروض وحلول، وما قاموا به من إرسال لجان التحقيق التي أتخمت بها‬ ‫فلسطين، إنما هو خداع ونفاق، وتخدير للعصاب، وصرف للنظار عن حقيقة‬ ‫المؤامرة الستعمارية اليهودية المبيتة ضد فلسطين، التي كانوا مصممين على‬ ‫تنفيذها عن طريق سياسة الوطن القومي اليهودي والنتداب البريطاني الذي فرض‬ ‫على عرب فلسطين فرضا، ذلك النتداب الذي نصت المادة الثانية من صكه على أن‬ ‫مهمة الحكومة المنتدبة )أي بريطانيا( في فلسطين هي وضع البلد في حالت‬ ‫سياسية وإدارية واقتصادية من شأنها أن تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي في‬ ‫فلسطين، ثم صار هذا الصك وثيقة دولية على بريطانيا واجبة التنفيذ، بعد ما أقرته‬ ‫عصبة المم السابقة، والوليات المتحدة المريكية .‬ ‫النتداب وصك النتداب من وضع اليهود :‬ ‫قررت عصبة المم في ٤٢ يوليو ٢٢٩١ وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني،‬ ‫وأقرت له صكا، يفرض على الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة إنشاء الوطن القومي‬ ‫اليهودي، وقد أشرنا إليه سابقا .‬ ‫وفي شهر مايو ٠٣٩١، اجتمع الوفد الفلسطيني في لندن )وكنت مشتركا فيه( بالمستر‬ ‫رامزي ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية حينئذ فناقشته في موضوع النتداب‬ ‫وصكه وتحيزه لليهود ول سيما المادة الثانية منه ، فأجاب ما كدونالد بأن عصبة المم‬ ‫هي التي وضعت صك النتداب.‬
  • 19.
    ‫) ٤٢/١(‬ ‫وفي شهر يونيو ٠٣٩١ سافرت إلى جنيف وقابلت في مقر عصبة المم سكرتيرها‬ ‫العام )السير أريك دراموند( ، وهو بريطاني، فبحثت معه الموضوع بحضور المرحوم‬ ‫المير شكيب أرسلن والسيد احسان الجابري، وذكرت له ما تقوله الحكومة‬ ‫البريطانية من أن صك النتداب الجائر وضعته عصبة المم ! فقال : إن العصبة لم‬ ‫تضع مشروع صك النتداب، بل أن الحكومة البريطانية هي التي وضعته بالتفاهم مع‬ ‫اليهود !‬ ‫وقد تبين أخيرا أن الحكومة البريطانية وضعت صك النتداب بالتفاق مع الجمعية‬ ‫الصهيونية وزعماء اليهود . ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته : إن اليهودي‬ ‫المريكي بنجامين كوهين كان يتولى مع سكرتير اللورد كيرزون )وزير الخارجية‬ ‫البريطانية حينئذ( وضع صك النتداب والتفاق على نصوصه !‬ ‫الثورة الفلسطينية الولى :‬ ‫ولما تسلم النجليز حكم فلسطين فور احتللهم لها، كانت باكورة أعمالهم فيها فتح‬ ‫أبوابها للهجرة اليهودية، والسماح لليهود بتملك الراضي، ومساعدتهم على ذلك،‬ ‫وأدركوا أن العرب غير راضين بالنتداب وتصريح بلفور، وأنهم مصممون على‬ ‫مقاومتهما مهما كلفهم المر .‬ ‫وكانت الثورة الولى الفلسطينية التي وقعت في ٤ أبريل ٠٢٩١ أكبر نذير للنجليز‬ ‫بمقاومة عرب فلسطين. ولذلك جعل النجليز أكبر همهم حمل الفلسطينيين على‬ ‫العتراف بالنتداب وتصريح بلفور، وإكراههم على العدول عن المطالبة بإنشاء‬ ‫حكومة وطنية مستقلة .‬ ‫وقد لجأت الحكومة البريطانية - لجل تخدير العرب، وانتزاع موافقتهم على النتداب‬ ‫ولتصريح بلفور - إلى عدة أساليب استعمارية خادعة نبينها فيما يلي :‬ ‫العروض والحلول أسطورة وخداع :‬ ‫أول ً - أصدرت الحكومة البريطانية في ٢٢ يونيو ٢٣٩١ كتابا أبيض اشتمل على‬ ‫)دستور( لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها،‬ ‫وقد بنتها على أساس النتداب وتصريح بلفور .‬ ‫) ٥٢/١(‬
  • 20.
    ‫ونص ذلك الكتابعلى تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من ٢٢ عضوا، منهم ٠١‬ ‫من الموظفين النجليز يعينهم المندوب السامي، و ٨ من المسلمين و ٢ من‬ ‫المسيحيين و ٢ من اليهود ينتخبهم الهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس‬ ‫للمجلس، وله حق النقض )الفيتو( وأن ل يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ‬ ‫النتداب أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون‬ ‫فلسطين المالية !‬ ‫واجتمع المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس ٢٢٩١ في نابلس واشترك فيه‬ ‫ممثلو الشعب الفلسطيني، وبعد بحث دقيق للوضاع السياسية ودراسة عميقة‬ ‫للكتاب البيض، قرر المؤتمر بالجماع عدم التعاون مع الحكومة البريطانية، على‬ ‫أساس الكتاب البيض المذكور والدستور الجديد، ورفض مشروع المجلس‬ ‫التشريعي .‬ ‫وكان من السباب الرئيسية التي حملت المؤتمر على اتخاذ ذلك القرار ما يلي :‬ ‫أ- أن عرب فلسطين كانوا يطالبون باستقلل بلدهم كسائر القطار العربية، لن‬ ‫الستقلل حق لكل شعب، وقد اعترفت بذلك الحق مبادئ الرئيس ولسون والمادة‬ ‫٢٢ من ميثاق عصبة المم، والعهود المعروفة التي قطعها النجليز والحلفاء سنة‬ ‫٦١٩١ للبلد العربية، ومنها فلسطين، بالستقلل الكامل وليس في المشروع‬ ‫المعروض شيء من الستقلل .‬ ‫ب- أن الدستور ومشروع المجلس بنيا على أساس النتداب وتصريح بلفور، فقبولهما‬ ‫يعني القبول بالنتداب وإنشاء الوطن اليهودي والعتراف بهما .‬ ‫ج- ليس للمجلس التشريعي سلطات واسعة، ول يجوز له بحث مسألة الهجرة‬ ‫اليهودية والنتداب .‬ ‫د- أن ذلك المجلس ل يمثل البلد تمثيل ً صحيحا، حيث يعطي العرب )وكانوا يؤلفون‬ ‫١٩% من مجموع السكان( عشرة أعضاء من أثنين وعشرين، بينما يعطي النجليز‬ ‫وحدهم ٠١ عدا العضاء اليهود .‬ ‫هـ- أن المشروع أعطى المندوب السامي البريطاني حق )الفيتو( على جميع‬ ‫مقرراته .‬ ‫) ٦٢/١(‬
  • 21.
    ‫وعلى الرغم منقرار العرب الجماعي دعت حكومة النتداب إلى إجراء انتخابات‬ ‫للمجلس في فبراير سنة ٣٢٩١ فقاطعها العرب مقاطعة تامة .‬ ‫ثانيا : ثم قدمت الحكومة البريطانية )عرضا( آخر، في مارس ٣٢٩١ وهو تعيين‬ ‫مجلس استشاري من ٠١ أعضاء بريطانيين و ٨ من المسلمين و ٢ من المسيحيين و ٢‬ ‫من اليهود .‬ ‫ورفض العرب هذا المشروع الهزيل الجديد، ورفض العضاء المسلمون‬ ‫والمسيحيون الذين عينتهم الحكومة البريطانية قبول ذلك التعيين .‬ ‫ثالثا : وفي ٣١ أكتوبر ٣٢٩١ عرض المندوب السامي السير هربرت صمويل على‬ ‫العرب تأليف وكالة عربية فرفض العرب هذا العرض أيضا لن قبوله ينطوي على‬ ‫اعترافهم بالنتداب وتصريح بلفور، ولنها ليس لها من السلطة ما يحقق مطالب‬ ‫العرب الستقللية .‬ ‫هذه هي )العروض( أو الحلول التي عرضها النجليز على عرب فلسطين‬ ‫ورفضوها .‬ ‫أما وقد بينا حقيقة تلك العروض، فهل كان يجوز لي عربي أن يقبل بها ويرضى‬ ‫بالتعاون على أساسها؟‬ ‫وفي دورتين لعصبة المم )٤٢٩١ - ٥٢٩١( نوقشت الحكومة البريطانية بشأن عدم‬ ‫تأسيس مجلس تشريعي في فلسطين، فأجاب بمثلها بصراحة وجل - بأنه "ل يمكن‬ ‫إنشاء مجلس تشريعي في فلسطين يكون العرب فيه ممثلين حسب عددهم، لن‬ ‫ذلك يحول بين الحكومة المنتدبة وتنفيذ الواجبات المتعلقة بإنشاء الوطن القومي‬ ‫اليهودي .‬ ‫ومما هو جدير بالذكر أن الذي وضع ذلك الكتاب البيض لعام ٢٢٩١ والسياسة التي‬ ‫انطوى عليها ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الستشاري والوكالة العربية‬ ‫كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ . وتشرشل هذا يعرفه‬ ‫العالم العربي حق المعرفة، وقد أعلن مرارا أنه يعتبر نفسه صهيونية أصيل ً ، وأنه‬ ‫يصلي بحرارة لجل تحقيق أماني الصهيونية العظيمة .‬ ‫) ٧٢/١(‬ ‫وقد ساعده في خططه المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير هربرت‬ ‫صمويل ، وهو يهودي . وفي الوقت نفسه كان يشغل وظيفة السكرتير القضائي في‬
  • 22.
    ‫حكومة النتداب )وفيبدء سلطة التشريع وسن القوانين( يهودي آخر هو المستر‬ ‫نورمان بنتويش .‬ ‫وهكذا كان ذلك الكتاب البيض، ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس‬ ‫الستشاري، من أخبث ما أنتجه الستعمار والصهيونية ، فقد أصدره مثلث صهيوني‬ ‫رأسه تشرشل وقاعدته هربرت صمويل ونورمان بنتويش .‬ ‫وقد ذكر الدكتور وايزمان في مذكراته ما نصه :‬ ‫"إن هربرت صوئيل، المندوب السامي )اليهودي( البريطاني على فلسطين، هو الذي‬ ‫وضع مشروع الكتاب البيض لعام ٢٢٩١، وأن الحكومة البريطانية عرضته على‬ ‫اللجنة الصهيونية قبل إصداره للطلع عليه وإبداء وجهات النظر التي يراها اليهود،‬ ‫وقد وافق عليه زعماء اليهود .‬ ‫تقسيم الوطن ل تقبله أمة حية شريفة‬ ‫اليجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول العربية‬ ‫لم ترد النجليز إل عنادا، واليهود إل صلفا وعتوا‬ ‫السؤال الثالث:‬ ‫يقول بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب البيض، والتزام السلبية، من‬ ‫السباب التي أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟‬ ‫الجواب :‬ ‫إن لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية‬ ‫فلسطين : أن لو قبل بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي‬ ‫والمبادئ الوطنية السامية، فهل هناك ما يضمن أن النجليز سينفذونها ويعملون بها،‬ ‫بعد أن يكونوا قد انتزعوا من العرب اعترافا بالنتداب والوطن القومي اليهودي؟‬ ‫إن لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائما إلى‬ ‫حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع‬ ‫اليهود في فلسطين .‬ ‫لجان التحقيق البريطانية :‬ ‫) ٨٢/١(‬ ‫فقد شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفا وعشرين لجنة من‬ ‫"لجان التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على‬
  • 23.
    ‫أساس بحث شكاويالهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك‬ ‫اللجان لجنة السر ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس‬ ‫فرنش.‬ ‫وقد اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم،‬ ‫وأوصت الحكومة البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه‬ ‫الحكومة لم تنفذ أية توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا‬ ‫استبان العرب أن القصد من تشكيل تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .‬ ‫الكتاب البيض لعام ٠٣٩١م :‬ ‫وعلى أثر اندلع ثورة ٩٢٩١ ووضوح ظلمة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور‬ ‫تقرير )لجنة شو( ، أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر ٠٣٩١ كتابا أبيض عرف‬ ‫باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات حينئذ، وكان هذا الكتاب قائما على‬ ‫أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الراضي‬ ‫لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت‬ ‫الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون الراضي برئاسة السر جون‬ ‫هوب سمبسون، وكنت مع الوفد الفلسطيني الذي كان في لندن حينئذ، فقلت لمستر‬ ‫ما كدونالد رئيس الوزارة : "لقد دلت التجارب على أن كل تقرير يكون في صالحنا‬ ‫ول يريده اليهود ل ينفذ، وأن كان التقرير في صالح اليهود نفذ فورا، وإنا لنخشى أن‬ ‫يكون مصير هذا التقرير كذلك، والدليل على هذا إزماعكم إرسال لجنة سمبسون‬ ‫ولما يجف مداد تقرير لجنة شو، ونخشى أن يؤثر اليهود على أعضائها . فقال ما‬ ‫كدونالد : "إن هذه اللجنة هي لجنة فنية لبحث شؤون الراضي ومقدار استيعابها.‬ ‫واد مازحا: ل يستطيع اليهود أن يؤثروا على السر سمبسون مطلقا، فهو اسكتلندي‬ ‫أصيل مثلي .." .‬ ‫) ٩٢/١(‬ ‫وبعد عودة هذه اللجنة الفنية صدر كتاب باسفيلد البيض المذكور آنفا، فلم يقف‬ ‫العرب حياله سلبيين رغم أنه لم يحقق آمالهم وكانوا إيجابيين ، ولكن اليهود هم‬ ‫الذين كانوا سلبيين، فاستنكروه ورفضوه وأثاروا حوله الضجة، فنقض النجليز‬ ‫غزلهم، وسحبوا الكتاب البيض المذكور، وبنتيجة ذلك استقال اللورد باسفيلد الذي‬ ‫تبنى ذلك المشروع .‬
  • 24.
    ‫المجلس التشريعي لعام٥٣٩١:‬ ‫وفي عام ٥٣٩١ فوضت الحكومة البريطانية المندوب السامي السر أرثروا كهوب‬ ‫فعرض في ١٢ ديسمبر مشروعا جديدا لتشكيل مجلس تشريعي مؤلف من ٨٢‬ ‫عضوا نصفهم من العرب والنصف الخر من اليهود والنجليز، وأعلن المندوب‬ ‫السامي أن الحكومة مصممة على تشكيل المجلس رغم كل معارضة، ولو اضطرت‬ ‫إلى تعيين العضاء عن الفريق الذي يرفض الشتراك فيه . ورغم هزال المشروع‬ ‫أبدى العرب استعدادهم لبحثه، ولكن اليهود رفضوه معلنين أنهم ل يقبلون الشتراك‬ ‫في أي مجلس تشريعي ل يكون لهم فيه نصف العضاء على القل . ولما جرى‬ ‫بحث المشروع في البرلمان البريطاني قرر مجلس اللوردات ومجلس العموم رفضه،‬ ‫فطوته الحكومة البريطانية ، ولو رغبت فيه لما عجزت عن الحصول على موافقة‬ ‫البرلمان عليه .‬ ‫لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين :‬ ‫ولما وقع إضراب فلسطين العظيم عام ٦٣٩١ الذي صحبته ثورة فلسطين الكبرى‬ ‫ودام ستة أشهر كاملة ولم ينته إل بتدخل ملوك العرب وأمرائهم ، أوفدت الحكومة‬ ‫البريطانية لجنة التحقيق الملكية )لجنة اللورد بيل( إلى فلسطين ، وأوصت في‬ ‫تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والنجليز، وكان طبيعيا أن يرفض‬ ‫العرب تقسيم بلدهم .‬ ‫مؤتمر مائدة مستديرة في لندن :‬ ‫) ٠٣/١(‬ ‫فاستأنفت الثورة واشتدت ، واتسع نطاقها اتساعا خطيرا جدا اضطر السلطات‬ ‫البريطانية للعدول عن التقسيم في عام ٨٣٩١، ورأت بريطانيا لمعالجة الموقف أن‬ ‫تدعو كل من حكومات مصر والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق‬ ‫الردن واللجنة العربية العليا بصفتها الممثلة لعرب فلسطين، إلى مؤتمر مائدة‬ ‫مستديرة في لندن، ولكن المؤتمر فشل في الوصول إلى حل لقضية فلسطين ،‬ ‫لتعنت الستعمار واليهود ، وتدخل الوليات المتحدة المريكية .‬ ‫الكتاب البيض لسنة ٩٣٩١:‬ ‫وفيما بعد أصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض عن سياستها الجديدة في‬ ‫فلسطين اعترفت فيه بمبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة خلل عشر سنين،‬
  • 25.
    ‫وتشكيل مجلس تشريعي، ولكنها علقت ذلك على ملءمة الظروف وقبول كل من‬ ‫العرب واليهود به ، وقد حددت الهجرة اليهودية فيه ، ومنع بيع الراضي لليهود في‬ ‫بعض مناطق فلسطين .‬ ‫ففي بادئ المر قابلت الدول العربية هذا الكتاب البيض بتحفظ وتجهم لما فيه من‬ ‫تناقض، إل أنها قبلته في النتيجة كما قبلته الكثرية الكبرى من أعضاء اللجنة العربية‬ ‫العليا لفلسطين ، وأخيرا قبلته أيضا جامعة الدول العربية وطالبت - في اجتماعها‬ ‫عام ٥٤٩١ - الحكومة البريطانية بتنفيذه ، وبذلك لم يكن العرب سلبيين . ولكن اليهود‬ ‫رفضوه وأصروا على رفضه، فلم تنفذه بريطانيا ، رغم أنها تعهدت حين أصدرته عام‬ ‫٩٣٩١ بشرفها وشرف المبراطورية بأن تنفذه سواء أرضى به العرب واليهود أم لم‬ ‫يرضوا .‬ ‫السلبية واليجابية :‬ ‫هذا وليست السلبية أو اليجابية مبدأ أو عقيدة . والمرء ل يجنح لحداهما إل لسباب‬ ‫يتعلق بها صالحه أو يكون فيها ضرره ، فإذا رأى المرء صالحه في أمر أقبل عليه بل‬ ‫تردد وكان إيجابيا وإذا أوجس من أمر خيفة أو حمل على ضيم ، ابتعد عنه ونفر‬ ‫وكان سلبيا ، وكل ذلك بسائق الفطرة . وقديما قال أحد حكماء العرب : يعجبني من‬ ‫المرء إذا سيم خطة الضيم أن يقول "ل" بملء فيه .‬ ‫) ١٣/١(‬ ‫وما يصح في الفراد في هذا الشأن يصح في المم . ولم يكن أهل فلسطين‬ ‫سلبيين بادئ المر ، فقد طالبوا النجليز - بالحسنى - بحقوقهم ، وشكوا إليهم الظلم‬ ‫الذي أوقعوه فيهم ، ثم بعثوا بوفودهم العديدة إل لندن ، وأنشأوا فيها مكاتب‬ ‫للدعاية ، والتمسوا من الدول العربية والسلمية المتصلة بإنجلترا أن تتوسط لديها‬ ‫لتعاملهم بالحق والعدل ، فلم يجدهم ذلك نفعا ، ولم يزد النجليز إل صلفا وغرورا،‬ ‫واندفاعا في سياسة البغي والعدوان ، لتهويد بلدهم ونقض بنيانهم وتقويض‬ ‫كيانهم .‬ ‫فلما أيقن العرب بسوء نية النجليز وتآمرهم واليهود عليهم ، وذلك بعد تجارب كثيرة‬ ‫لم تدع مجال ً للثقة والطمأنينة ، كان من الطبيعي أن يحذروا دسائسهم ويعملوا على‬ ‫اتقاء مكايدهم . فلما عرض عليهم مشروع المجلس التشريعي الذي طبخه المثلث‬ ‫الصهيوني المؤلف من تشرشل وصموئيل وبنتويتش، تلقوه بحذر ، وفحصوه ، فلما‬
  • 26.
    ‫وجدوه طعاما قددس فيه السم بالدسم عافوه وكذلك المجلس الستشاري الذي ل‬ ‫يضمن لهم إل الستشارة )كما هو ظاهر من اسمه( التي قد يطلبها منهم المندوب‬ ‫السامي البريطاني متى رغب فيها، وهو غير ملزم أن يعمل بها . وكذلك مشروع‬ ‫"الوكالة العربية " . فهل إذا رفض عرب فلسطين مثل هذه العروض الواهية التافهة‬ ‫يسمون "سلبيين" ؟‬ ‫تقسيم الوطن ل تقبله أمة حية :‬ ‫أما التقسيم - وهو التمزيق لجسم الوطن - فأية أمة من أمم الرض قبلته حتى‬ ‫يقبله شعب فلسطين ؟ فهذه مصر العزيزة المجاهدة لم تقبل ولن تقبل بقاء جنود‬ ‫الحتلل النجليز في القناة، ول بفصل السودان كما يشتهي النجليز ، ول تزال‬ ‫قصيدة شاعر مصر الكبر شوقي رحمه ا عن السودان تدوي في الذان :‬ ‫فلن نرتضي أن تقد القناة ويبتر من مصر سودانها .‬ ‫) ٢٣/١(‬ ‫وهؤلء إخواننا السودانيين لم يقبلوا بتقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، وهذه‬ ‫سورية لم تقبل بفصل لواء السكندرونة الذي ضمته تركيا إليها بالقوة في زمن‬ ‫النتداب الفرنسي على سورية، وما زالت سورية تطالب باسترجاعه. وهذه اليمن لم‬ ‫تعترف مطلقا بفصل المارات المحمية عنها وتستنكر في كل مناسبة فرض بريطانيا‬ ‫سلطانها عليها، رغم قذائف طائراتها التي تنهال حينا بعد حين على أهل اليمن إرهابا‬ ‫لهم وتهديدا . وهذه أيرلندة الحرة لم تعترف أبدا بتقسيم بلدها ، وما زال‬ ‫اليرلنديون يقضون مضاجع النجليز في كل مناسبة لستعادة هذا القسم الشمالي‬ ‫المغصوب من جزيرتهم . وهذه أسبانيا تطالب في كل حين باسترداد جبل طارق‬ ‫الذي فصلته إنجلترا عنها عام ٤٠٧١ رغم مضي ٠٥٢ عاما على ذلك . وهذه إندونيسيا‬ ‫المجاهدة لم تقبل باغتصاب الهولنديين لقسم من جزيرة غينيا الجديدة، وما زالت‬ ‫تتوسل بكل ما لديها من وسائل لرجاعه إلى حظيرة الوطن الندونيسي . وهذه‬ ‫مشكلة كوريا وتقسيمها إلى شمالية وجنوبية أثارت هذه الحرب الطاحنة . ولو أردت‬ ‫أن أعدد لكم كثيرا من هذه المثال التي تناضل فيها المم عن كيانها ووحدة أوطانها‬ ‫لضاق المجال .‬ ‫وإني لذكر برقية أرسلتها باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين إلى رؤساء وفود‬ ‫الدول المجتمعة في عصبة المم بجنيف في سبتمبر ٧٣٩١ - وكان مستر ديفاليرا‬
  • 27.
    ‫رئيس وزراء ايرلندابينهم - باستنكار قرار الحكومة البريطانية بتقسيم فلسطين وفقا‬ ‫لتقرير لجنة اللورد بيل، فتلقيت منه جوابا برقيا يقول فيه : إن التقسيم أفظع الوسائل‬ ‫وأشنع السلحة التي يمزق بها الستعمار قلوب الشعوب المظلومة .‬ ‫الدول العربية نرفض التقسيم :‬ ‫) ٣٣/١(‬ ‫ولقد رفض أهل فلسطين التقسيم الذي قررته المم المتحدة في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١،‬ ‫كما رفضته الدول العربية جميعها، وأصدرت بيانا إجماعيا باستنكاره في ٧١ ديسمبر‬ ‫٧٤٩١م جاء فيه : "لقد تنكرت المم المتحدة مع السف الشديد لذات المبادئ التي‬ ‫تضمنها ميثاقها ، فأوصت بتقسيم فلسطين ، وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب‬ ‫في تقرير مصيره، وأخلت بمبادئ الحق والعدل جميعا .. وقد قررت رؤساء وممثلو‬ ‫الدول العربية في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه ، وقرروا كذلك‬ ‫- عمل ً بإرادة شعوبهم - أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل - بعون ا -‬ ‫إحباط مشروع التقسيم الظالم ..." .‬ ‫فلماذا يلم عرب فلسطين لرفضهم التقسيم ، وهذه الدول العربية كلها رفضته‬ ‫بالنسبة لفلسطين ، ورفضته بالنسبة لبلده أيضا ، وكذلك سائر الدول والشعوب التي‬ ‫كانت عرضة لكارثة التقسيم؟ أردت بسرد هذه الوقائع أن أبرهن لكم على أن عرب‬ ‫فلسطين لم يكونوا سلبيين، ولم يتخذوا السلبية ديدنا لهم في كل المواقف . ولكن‬ ‫بريطانيا كانت دائما ضالعة مع اليهود، ومتآمرة معهم تعمل لصالحهم وصالحها‬ ‫المشترك، دون أن تبالي بسلبية أو إيجابية ، ولكنها تستغل كل ظرف لبث الدعاية‬ ‫وفق أهوائها ومقاصدها الستعمارية عاملة على قلب الحقائق وتضليل الفهام بقوة‬ ‫جبروتها وبراعة دوائر إستخباراتها ، وبما تسخر لدعايتها من أتباع وأعوان وأبواق‬ ‫تغدق عليهم المال بغير حساب .‬ ‫لقد كان المستعمرون يطلبون من الفلسطينيين الرضوخ لخطتهم الستعمارية‬ ‫الصهيونية والتعاون معهم على أساسها ، ويسمون ذلك "إيجابية" ، فلما رفض‬ ‫الوطنيون الذعان لرغباتهم ورغبات الصهيونيين وأبوا التعاون معهم على ذلك‬ ‫الساس ، وصفوا أعمالهم "بالسلبية" .‬ ‫) ٤٣/١(‬
  • 28.
    ‫لقد رأينا بعضالعناصر العربية الرسمية يجنح لليجابية مع الجانب البريطاني،‬ ‫وبعضها يتجاوز ذلك إلى حد التساهل مع الجانب الصهيوني على حساب الوطن‬ ‫العربي ، على أمل أن يرضى ذلك البريطانيين فيستجيبوا لبعض مطالب العرب، أو‬ ‫على أمل أن يرضى ذلك الصهيونيين فيخففوا من غلوائهم ويقنعوا بغنيمتهم الباردة‬ ‫وبما اقتطعوه من فلسطين، بموجب معاهدة رودس، بل بما انتزعوه بعد هذه‬ ‫المعاهدة من السلطات الردنية التي منحتهم وسلت إليهم من أراضي فلسطين نحو‬ ‫خمس وعشرين قرية عربية برمتها تبلغ مساحتها أكثر من نصف مليون دونم )٠٠.٥٢٥‬ ‫٠( من أراضي المثلث العربي )نابلس، جنين، طولكرم( وكلها مغروسة بأشجار‬ ‫الزيتون والبرتقال، وبمليون دونم فوق ذلك في المنطقة الجنوبية من فلسطين فيما‬ ‫بين الخليل والبحر الميت ، عدا التنازل الذي تم لهم عن خط سكة الحديد بين حيفا‬ ‫والقدس، وعن طريق السيارات المجاور له أيضا .‬ ‫ولكن هذه اليجابية السمحة ، والكرم الحاتمي، والتساهل الذي بلغ أقصى حد ، لم‬ ‫يفد شيئا في إشباع نهم اليهود وجشعهم لبتلع الوطن العربي، ولم يعقهم بعد أيام‬ ‫قلئل من تاريخ التسليم لهم بتلك المساحات الشاسعة، عن الوثوب على شرق‬ ‫الردن نفسها وعبور النهر إلى ضفته الشرقية ، والستيلء على المنطقة المحيطة‬ ‫بمشروع كهرباء روتنبرع بقوات عسكرية مسلحة ما تزال مرابطة فيها، كما أن هذه‬ ‫اليجابية لم تردع اليهود عن نقض الهدنة ومهاجمة البلد كلها يوم وانتقاصها من‬ ‫أطرافها، والعتداء عليها اعتداء منكرا وترويع أهلها، وما حادث مذبحة "قبية"‬ ‫وتدميرها عنا ببعيد .‬ ‫) ٥٣/١(‬ ‫وهناك عبرة أخرى ، وهي أن بعض الفلسطينيين الذي خدعهم دعاية العداء‬ ‫وأغرتهم باليجابية ونفرتهم من السلبية ، وكذلك بعض المسؤولين في الدول العربية‬ ‫، قد طالبوا منذ بضع سنين بتنفيذ مقررات المم المتحدة بشأن فلسطين بما فيها من‬ ‫خير وشر، ومنها التقسيم، وما زالوا يلحون في الطلب . فهل استجابت لهم المم‬ ‫المتحدة في تنفيذ مقرراتها نفسها !؟ أن منظمة المم المتحدة تسيطر عليها الدول‬ ‫الستعمارية الكبرى الضالعة مع اليهود الذين كانوا ول يزالون سلبيين في كل ما ل‬ ‫يوافق أهواءهم ، وإن في ذلك لعبرة لولي البصار .‬ ‫والحقيقة التي ينبغي لنا أن نوقن بها ، هي أنه ل قيمة للسلبية ول لليجابية، ول وزن‬
  • 29.
    ‫إل للقوة، فلنكنأقوياء : في أنفسنا ، وتنظيمنا ، ووسائلنا ، وأقوياء في جميع‬ ‫مقومات حياتنا .‬ ‫وإذا كانت المة العربية خسرت هذه المعركة مع الستعمار واليهود، فلم يكن سبب‬ ‫الفشل السلبية ول الخطأ في الخطة والتقدير ولكن السبب الرئيسي هو الفرق‬ ‫الواسع والبون الشاسع بينها وبين خصومها في الجد والتصميم ، والستعداد‬ ‫والتنظيم .‬ ‫سعي النجليز واليهود‬ ‫لتحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية‬ ‫كيف شكلت بريطانيا الفيلق اليهودي؟‬ ‫الهيئة العربية العليا عارضت في خروج العرب من فلسطين‬ ‫السؤال الرابع :‬ ‫أ- يتحدث الناس عن مشكلة اللجئين ، ولماذا خرجوا من بلدهم . فما هي السباب‬ ‫الساسية لخروج الفلسطينيين من وطنهم، وهل للنجليز واليهود ، وخاصة العمال‬ ‫الرهابية اليهودية علقة بذلك ؟‬ ‫ب- ويقول بعض الناس بأن سماحتكم والهيئة العربية العليا طلبتم من أهل‬ ‫فلسطين الخروج من البلد على أثر صدور قرار التقسيم في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١ وقيام‬ ‫الضطرابات في فلسطين .‬ ‫فماذا تقولون في ذلك ؟‬ ‫الجواب :‬ ‫المؤامرة الستعمارية اليهودية على العرب :‬ ‫) ٦٣/١(‬ ‫ترجع السباب الحقيقية لخروج أهل فلسطين من بلدهم إلى المؤامرة الستعمارية‬ ‫اليهودية المبيتة ضدهم ، وقد سبقت الشارة إلى بعض البراهين القاطعة على هذه‬ ‫المؤامرة .‬ ‫وقبل أن أسرد هذه السباب ، أرى أن أعرض بالذكر لبعض مقدمات هذه المسألة :‬ ‫لقد كان هدف النجليز واليهود منذ البداية العمل على تحويل فلسطين العربية إلى‬ ‫دولة يهودية ، ولم يكن تصريح بلفور وعبارة "الوطن القومي اليهودي" إل تمهيدا‬ ‫لهذه الغاية، وتمويها على الرأي العام العربي والسلمي، حتى يتم للسلبية‬
  • 30.
    ‫البريطانية تحقيق الوسائلالمقررة وفق الخطة المرسومة . وكان في مقدمة هذه‬ ‫الوسائل فتح أبواب فلسطين على مصاريعها لهجرة يهودية واسعة النطاق ، إلى أن‬ ‫يكاثر اليهود العرب، ومن ثم يأخذون بالضغط عليهم لخراجهم من البلد . كما ظهر‬ ‫من أقوال القاضي "برانديز" الزعيم اليهودي المريكي الذي كان مستشارا للرئيس‬ ‫ولسون في الشؤون اليهودية . فقد أعلن هذا في عام ٦١٩١م "أن القصد من طلب‬ ‫اليهود تسهيل الهجرة إلى فلسطين أن يصبح اليهود أكثرية السكان فيها، وأن يرحل‬ ‫العرب عنها إلى الصحراء" . وكذلك كتب الكاتب اليهودي "بن آفي" تعليقا على‬ ‫الشهادات التي قدمت أمام لجنة التحقيق المؤلفة في عام ١٣٩١م برئاسة السر‬ ‫توماس هيكرافت : "إن على اليهود أ يطهروا وطنهم )فلسطين( من الغاصبين، وأن‬ ‫أمام المسلمين الصحراء والحجاز، وأمام المسيحيين لبنان ، فليرحلوا إلى تلك‬ ‫القطار .‬ ‫) ٧٣/١(‬ ‫وفي أكتوبر ٠٣٩١م نشرت صحيفة المانشستر غارديان البريطانية المعروفة بصبغتها‬ ‫الصهيونية، بيانا وقعه عدد من أقطاب النجليز ورجال الكومنولث البريطاني ومن‬ ‫بينهم لويد جورج ، وستانلي بولدوين، وأوستن تشامبرلن ، وليوبولدايمري، وونستون‬ ‫تشرشل وهيو دالتون، وهارولد لسكي، والمرشال سمطس، وآرثر غرينوود، واللورد‬ ‫سنل وغيرهم وقالوا فيه أنه كان واضحا ومفهوما لدى الحكومة البريطانية عند‬ ‫إصدارها لتصريح بلفور عام ٧١٩١م أن يصبح اليهود أكثرية ساحقة في فلسطين ....‬ ‫".‬ ‫ولما وقعت الحرب العالمية الثانية سنحت الفرصة لليهود لتقوية أنفسهم وتعزيز‬ ‫أسلحتهم ولمضاعفة قواتهم العسكرية وإنشاء جيش يهودي بمساعدة السلطات‬ ‫البريطانية التي عينت واستخدمت خلل تلك الحرب عددا كبيرا من اليهود في ورش‬ ‫الجيش البريطاني وثكناته ومستودعاته وفي الوظائف الرئيسية والفنية ، وجندت‬ ‫ألوفا من شبان اليهود في سلك الجيش فدربتهم وسلحتهم وأشركتهم في العمليات‬ ‫الحربية، واعتمدت بعض المصانع اليهودية لنتاج الذخائر والمتفجرات وما إلى ذلك‬ ‫من اللوازم العسكرية . وبلغ عدد الذين دربهم النجليز وجندوهم في الجيش‬ ‫البريطاني حسب ما ورد في التقويم السنوي اليهودي )هاشانا( )لعام ٣٤-٤٤٩١( ٣٣‬ ‫ألفا وهذا الرقم ل يشمل عدد المجندين منهم في البوليس والدفاع السلبي والهاجانا‬
  • 31.
    ‫وغيرها .‬ ‫واستطاع اليهود بمساعدة النجليز نقل كميات هائلة من السلح إلى فلسطين‬ ‫وزعوها على مستعمراتهم ومنظماتهم العسكرية .‬ ‫تشرشل يؤلف الفيلق اليهودي :‬ ‫) ٨٣/١(‬ ‫وفي عام ٣٤٩١ طالب اليهود الحكومة البريطانية بتأليف "فيلق يهودي" وإلحاقه‬ ‫كوحدة مستقلة بالجيش البريطاني، وساعدهم تشرشل مساعدة فعالة على تحقيق‬ ‫هذا الطلب، ولما اعترض المرشال ويفل - قائد القوات البريطانية في مصر والشرق‬ ‫الوسط - على هذا الطلب خوفا من إثارة العرب ، تحداه تشرشل وسمح بتأليف‬ ‫الفيلق وجعلته القيادة البريطانية قسما من الجيش البريطاني في حملته على إيطاليا‬ ‫عام ٤٤٩١م ، وبعد انتهاء الحرب عاد أفراد ذلك الفيلق إلى فلسطين ومع أكثرهم‬ ‫أسلحتهم الخفيفة .‬ ‫وفي ذلك يقول تشرشل في مذكراته التي نشرها عن الحرب العالمية الثانية ما نصه‬ ‫: ولقد نصحني ويفل بعدم تشكيل ذلك الفيلق اليهودي خوفا من إثارة شعور‬ ‫العرب . ولكني تحديت ويفل، وكتبت إلى الدكتور وايزمن بالسماح بتشكيل الفيلق ،‬ ‫ولم يتحرك كلب عربي واحد بالحتجاج على ذلك .‬ ‫وقد تم لليهود تنظيم قواتهم وتسليحها قبل أن تضع الحرب أوزارها، فأرادوا اغتنام‬ ‫الفرصة وأن ل تنتهي الحرب إل وقد تحولت فلسطين إلى بلد يهودية ، مدفوعين إلى‬ ‫ذلك بالعتبارات التية :‬ ‫١-خشيتهم من قيام حركة عربية واسعة النطاق بعد الحرب تضطر بريطانيا وأمريكا‬ ‫إلى عدم تشكيل الدولة اليهودية في فلسطين .‬ ‫٢-رغبتهم في قيام الدولة اليهودية قبل أن يزول أثر عطف العالم الغربي عليهم،‬ ‫وهو ما استطاعوا الحصول عليه بدعايتهم الواسعة ضد ألمانيا النازية واضطهادها‬ ‫لليهود.‬ ‫٣-خشيتهم من أن يقوم من البريطانيين من يعارض في تحويل فلسطين إلى دولة‬ ‫يهودية، لعتبارات تتعلق بمصلحة المبراطورية .‬ ‫) ٩٣/١(‬
  • 32.
    ‫ثم شرع اليهودبحملة إرهابية منظمة لستعجال السلطات البريطانية بالتسليم لهم‬ ‫بفلسطين، وشكلوا عصابات إرهابية أشهرها )١( عصابة أرغون زفاي ليومي )٢(‬ ‫عصابة شترن، فقامت بأعمال إرهابية عديدة واستمر الرهاب اليهودي إلى ما بعد‬ ‫انتهاء الحرب، وتجاوز النجليز إلى العرب لرهابهم وترويعهم وحملهم على ترك‬ ‫ممتلكاتهم والنزوح عن فلسطين، ومع أن النجليز لم يشكلوا الدولة اليهودية في‬ ‫فلسطين خلل الحرب، لعتبارات سياسية وعسكرية، إل أنهم سارعوا إلى تشكيلها‬ ‫بعد انتهائها متوسلين إلى ذلك بوسائل سياسية وغيرها ، إلى أن قدموا قضية‬ ‫فلسطين إلى المم المتحدة التي قررت في ٩٢ نوفمبر ٧٤٩١ تقسيم فلسطين‬ ‫باتفاق بين بريطانيا والوليات المتحدة المريكية .‬ ‫وتبع صدور قرار التقسيم قيام اضطرابات وتطورات خطيرة في فلسطين ، وحدثت‬ ‫المحاولت المعروفة لبعاد عرب فلسطين عن تولي زمام قضيتهم من الوجهتين‬ ‫السياسية والعسكرية، وحرمان مجاهديهم من المال والسلح، وقد وجد اليهود‬ ‫والنجليز والمريكيون أن ظروف عام ٨٤٩١ مواتية لتنفيذ خطتهم المبيتة لخراج عرب‬ ‫فلسطين منها، وتحويلها إلى دولة يهودية ، ولم تعد ثمة ضرورة لنتظار الوقت الذي‬ ‫يصبح فيه اليهود أكثرية في فلسطين ، وتوسلوا إلى ذلك بوسائل متعددة بنيت على‬ ‫ثلث قواعد رئيسية هي : )١( الضغط السياسي )٢( الدعاية والرجاف، )٣(‬ ‫الرهاب .‬ ‫الضغط السياسي :‬ ‫عرضت سابقا، بوجه عام ، الضغط الشديد الذي قام به المستعمرون على بعض‬ ‫المسئولين العرب لنتزاع زمام قضية فلسطين من أيدي أهلها، مما أدى إلى تبديل‬ ‫الخطة الساسية الموضوعة من قبل مجلس جامعة الدول العربية في عاليه )أكتوبر‬ ‫٧٤٩١( للدفاع عن فلسطين، وما تل ذلك من عدم تقديم المساعدات الضرورية‬ ‫لعرب فلسطين، مما أدى إلى إضعافهم، وعرقلة جهودهم ، ومنع مجاهديهم من‬ ‫الستمرار في جهادهم العظيم الذي كاد يقضي على قرار التقسيم في مارس ٨٤٩١‬ ‫.‬ ‫الدعاية والرجاف :‬ ‫) ٠٤/١(‬
  • 33.
    ‫ضاعف المستعمرون واليهوددعايتهم المضللة ضد الفلسطينيين ورجال الحركة‬ ‫الوطنية في داخل فلسطين وخارجها، ول سيما في القطار العربية، فقد أنشأ قلم‬ ‫المخابرات البريطانية - بالتعاون مع اليهود - عدة مراكز دعاية ضد الفلسطينيين‬ ‫لتشويه سمعتهم وتشكيك الشعوب العربية في إخلصهم وجهادهم فتكف عن مد يد‬ ‫المساعدة إليهم ، ولقناع العرب بأن إنقاذ فلسطين لن يتم إل عن طريق إدخال‬ ‫الجيوش النظامية إليها . ومما هو جدير بالذكر أن النجليز أنشأوا ، من جملة ما‬ ‫أنشأوه من مراكز الستخبارات والدعاية في القطار العربية، مركزا للدعاية في‬ ‫القاهرة في شارع قصر النيل، ووضعوا على رأسه رجل ً بريطانيا انتحل السلم‬ ‫واتخذ له أسما إسلميا، وملوه بالموظفين والعملء والجواسيس الذين بثوهم في‬ ‫مختلف المدن والوساط المصرية . وكان من مهام هذا المركز بث الدعاية المعروفة‬ ‫بدعاية الهمس ‪ Whispring‬بالضافة إلى نواحي الدعاية الخرى .‬ ‫أما في داخل فلسطين فقد بذلوا جهودا واسعة لتثبيت الهمم وإضعاف النفوس‬ ‫وإدخال روح الوهن والهزيمة بين المجاهدين، والكيد للرجال العاملين، ومحاولة‬ ‫إقناع الفلسطينيين بقلة جدوى المقاومة وضرورة القلع عن سياسة التطرف،‬ ‫والدعوة إلى التعاون مع النجليز، وقد ركزوا الدعاية وتشويه السمعة على صفوة‬ ‫الوطنيين والمجاهدين الذين عرفوا بصلبتهم وشدة إخلصهم ول سيما على الهيئة‬ ‫العربية العليا ورئيسها حيث اختلقوا أنواع الكاذيب والمفتريات والراجيف .‬ ‫لما شرع أهل المدن الكبرى - كالقدس ويافا وحيفا وعكا - بالعمل على تحصين‬ ‫مدنهم وتسليح أنفسهم، تدخل النجليز للحيلولة دون ذلك بإقناع الهلين بأن بريطانيا‬ ‫لن تسمح لليهود باحتلل المدن الكبرى، ول سيما المدن والقرى العربية التي‬ ‫خصصت للعرب بموجب قرار التقسيم .‬ ‫) ١٤/١(‬ ‫وإني لذكر بهذه المناسبة أني ألححت بمطالبة المختصين بجامعة الدول العربية في‬ ‫ديسمبر ٧٤٩١ بضرورة تحصين المدن الرئيسية، وتسليح المجاهدين للدفاع عنها‬ ‫تسليحا وافيا . فأجابني أحد المسئولين بقوله : ل ضرورة لتسليح يافا البتة ، لن قرار‬ ‫التقسيم جعل يافا في المنطقة العربية، فل خوف عليها مطلقا من اعتداء اليهود .‬ ‫أما حيفا فإن النجليز لن يسمحوا لليهود باحتللها أبدا . لنهم يريدون أن يجعلوا منها‬ ‫مرفأ حرا، وإن لدينا من التأكيدات ما يجعلنا نطمئن إلى ذلك !!‬
  • 34.
    ‫الرهاب اليهودي :‬ ‫وارتبطتأعمال الدعاية والرجاف ارتباطا وثيقا بأعمال الرهاب اليهودي الثيم الذي‬ ‫قام به اليهود لتوزيع العرب المدنيين وذلك بنسف المنازل وإلقاء المتفجرات في‬ ‫السواق ومراكز تجمع الهلين، مما أودى بحياة الكثيرين من الشيوخ والنساء‬ ‫والطفال وأخذ دعاة العداء يزينون للهلين الهجرة إلى القطار العربية محافظة‬ ‫على سلمة أرواحهم وأطفالهم، وفي الوقت نفسه أخذت تظهر دعوة من بعض‬ ‫البلد العربية تنادي بضرورة نقل الطفال والنساء والشيوخ العاجزين من فلسطين‬ ‫ريثما يبت في مصيرها. كما ظهرت دعاية أخرى بأن الجيوش العربية ستدخل‬ ‫فلسطين قريبا لتحريرها فل داعي للقتال وتحمل الخسائر في الموال والرواح .‬ ‫تحيز النجليز لليهود :‬ ‫) ٢٤/١(‬ ‫فلما نشب القتال بين العرب واليهود في أواخر عام ٧٤٩١ أثر صدور قرار المم‬ ‫المتحدة بتقسيم فلسطين، كان موقف حكومة النتداب البريطاني موقف المتحيز إلى‬ ‫اليهود، التآمر معهم شأنها طول عهد انتدابها مدة ثلثين عاما ، فكانت تتدخل - في‬ ‫كل معركة يفوز بها العرب - لحماية اليهود والحيلولة دون استيلء العرب على‬ ‫ممتلكاتهم ومستعمراتهم ، بحجة أنها ل تزال صاحبة السلطة في فلسطين‬ ‫والمسئولة عن حماية أرواح السكان وممتلكاتهم . غير أنها ل تتذرع بهذه الحجة‬ ‫عندما تكون أرواح العرب وممتلكاتهم عرضة للهلك والدمار. والمثلة على هذا كثيرة‬ ‫ل مجال لتعدادها الن . غير أن من الحوادث ماله صلة وثقي بكارثة فلسطين ،‬ ‫وأدى إلى هجرة عدد كبير من العرب .‬ ‫النجليز يمهدون السبل لخروج العرب :‬ ‫أضرب لذلك مثل ً حادث هجرة أهل طبرية . فقد تم طبقا لخطة مرسومة لتسليم‬ ‫هذه المدينة لليهود ، فإن طبرية تقطنها أكثرية من اليهود وأقلية من العرب. وقد‬ ‫كانت القوات البريطانية خلل المعارك الناشبة بين العرب واليهود تغض طرفها عما‬ ‫يقترفه اليهودي في الحياء العربية العزلى من السلح ، وتسهل سبيل وصول المدد‬ ‫والنجدات إلى اليهود ، وتحول دون وصول المدد والنجدات إلى العرب، مما هيأ لها‬ ‫أن تتدخل وتصل على إجلء العرب عن المدينة تاركين وراءهم جميع ما يملكون ،‬ ‫بحجة أنهم أقلية يخشى عليها من الكثرية اليهودية!‬
  • 35.
    ‫والمؤامرة في هذاالحادث مفضوحة ، والتحيز ظاهر. فقد كان في وسع القوات‬ ‫البريطانية أن ل تحول دون وصول النجدات إلى العرب كما تحل دون وصول‬ ‫النجدات إلى اليهود ، أو على القل أن تحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم كما حافظت‬ ‫على اليهود في مدينة القدس القديمة وغيرها. فقد كان هؤلء في وضع أضعف‬ ‫بكثير من وضع العرب في طبرية ، وظلت القوات البريطانية باسطة حمايتها عليهم،‬ ‫توصل إليهم الطعام والماء والسلح والنجدات إلى أن انسحبت من فلسطين .‬ ‫) ٣٤/١(‬ ‫ومثل ذلك حدث في المذابح التي اقترفها اليهود في القرى العربية الضعيفة بين‬ ‫سمع القوات البريطانية وبصرها . كمذابح قرى "دير ياسين" و"ناصر الدين"‬ ‫و"حواسه" و"عليوط" و"سكرير" و" الدوايمة وغيرها .‬ ‫ومن الجدير بالذكر أن معظم الفظائع الوحشية في هذه القرى ارتكبتها عصابتا‬ ‫أرغون زفاي ليومي وشترن، وأكثر أفرادهما من اليهود المتدينين ورجال الدين‬ ‫الربانيين والحاخامين، المعروفين بفرط تعصبهم وشدة أحقادهم ، فكانوا يقتلون‬ ‫الطفال والنساء والشيوخ دون رحمة . ويبقرون بطون الحوامل ويخرجون الجنة‬ ‫منها برؤوس حرابهم ، زاعمين أن هذا أمر إله إسرائيل الذي أمر شعب إسرائيل حين‬ ‫فتح أريحا "أن يقتل بحد السيف كل ما في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل‬ ‫وشيخ ، حتى البقر والغنم والحمير، وأن يحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها ، كما‬ ‫جاء في الصحاحين السادس والسابع من سفر يشوع .‬ ‫المؤامرة النجليزية على تسليم حيفا لليهود :‬ ‫) ٤٤/١(‬ ‫أما حيفا فقد كانت كارثتها من أبرز مظاهر تحيز النجليز لليهود وتآمرهم معهم ، فقد‬ ‫أعلنت سلطة النتداب البريطاني أن لبريطانيا مصالح حيوية في حيفا، وأنها لن تتخلى‬ ‫إل بعد شهر أغسطس ٨٤٩١ أي بعد انتهاء النتداب بثلثة أشهر ونصف شهر ، وعلى‬ ‫هذا منعت العرب من إقامة المراكز المحصنة داخل المدينة ، وحظرت عليهم‬ ‫الوصول إلى أماكن معينة، في الحين الذي كان اليهود فيه يتحصنون ويتركزون‬ ‫ويجوبون كافة المواقع دون حظر، حتى إذا أتموا تسلحهم واستكملوا استعدادهم‬
  • 36.
    ‫أعلنت سلطة النتدابفجأة عدولها عن التمسك بحيفا واضطرارها لخلئها ! وحينئذ‬ ‫ظهر أن اليهود قد تسلموا ما كان بيد النجليز من المعسكرات ذات الشأن، والماكن‬ ‫المحصنة، والمواقع المشرفة على أحياء حيفا كلها، مما سبب كارثة استيلء قوات‬ ‫اليهود المسلحة عليها، واضطرار أهلها العرب للجلء عنها بعد وقائع دامية، وبعد ما‬ ‫متع النجليز وصول النجدات إليهم، تاركين وراءهم كل ما يملكون أيضا . وعندئذ‬ ‫فقط ظهرت رقة شعور القوات البريطانية، ففتحت أبواب ميناء حيفا وجمعت ما فيها‬ ‫من السفن وجعلت تدعو العرب إلى الرحيل وتحملهم عليها.. وكذلك أخذ الفيلق‬ ‫العربي - أي جيش الجنرال جلوب - ينقل العرب في سياراته كما فعل في طيرة‬ ‫حيفا وجبع وغيرها ، وكما نقل قبل ذلك أهالي طبرية وبيسان بسياراته إلى شرق‬ ‫الردن . فعل كل ذلك تسهيل ً لهجرة العرب وتمكينا لحتلل اليهود .‬ ‫واشتركت دائرة المخابرات البريطانية واليهودية في هذه المهمة بنصيب وافر وأخذت‬ ‫على عاتقها إشاعة الحوادث المثيرة والخبار المضللة، ونشر الذعر بين الهالي‬ ‫المنين من العرب، وخاصة على أثر المذابح التي اقترفها اليهود .‬ ‫وكان المخابرات البريطانية وأعوانها من موظفي حكومة النتداب أكبر الثر فيما‬ ‫حدث في مدينة )يافا( من هذا القبيل أيضا مما أدى إلى خروج أهلها العزل،‬ ‫والتجائهم إلى أماكن أخرى من فلسطين أو إلى القطار العربية المجاورة .‬ ‫) ٥٤/١(‬ ‫أما في القدس الجديدة فقد منعت القوات البريطانية المجاهدين الفلسطينيين من‬ ‫المرور عبر مناطق السلمة التي كان جنودهم يحتلونها ثم لم يلبثوا أن سلموا تلك‬ ‫المناطق - مع معسكر العلمين الكبير الواقع جنوب القدس - إلى قوات الهاجانا‬ ‫اليهودية في ٣١و ٤١ مايو ٨٤٩١م وبذلك أصبح اليهود يسيطرون على القدس الجديدة‬ ‫، ويتحكمون في القدس القديمة أيضا .‬ ‫كارثة اللد والرملة :‬ ‫وأما كارثة اللد والرملة فقد نشأت من أن الجنرال جلوب سحب فجأة قوات الجيش‬ ‫الردني التي كانت مرابطة فيهما، بعد ما جرد قوات الجهاد المقدس التي كانت‬ ‫مرابطة في مطار اللد ومحطة السكة الحديد وغيرهما، من سلحها ، بحجة الهدنة‬ ‫الولى، واعدا بإرجاعها بمجرد انتهاء الهدنة . ولكنه أخلف وعده عندما استأنف‬ ‫القتال في ٩ يوليو ٨٤٩١، فسقطت اللد والرملة وعشرات القرى المحيطة بهما في‬
  • 37.
    ‫أيدي اليهود واضطرنحو مائة ألف من أهلها للنزوح، يضاف إليهم من لجأ إلى‬ ‫المدينتين المذكورتين من أهل مدينة يافا وقراها، وهم ل يقلون عن خمسين ألف‬ ‫نسمة أيضا، وقد روي لي أحد رجال الدين المسيحي المحترمين أنه سمع من سيادة‬ ‫المونسنيور وكيل بطريرك اللتين في فلسطين ن جلوب بعث ببرقية تهنئة لقائد‬ ‫الجيش اليهودي على احتلله اللد والرملة ، ولما صادفه المونسنيور المذكور وعاتبه‬ ‫على برقيته، أجابه جلوب بقوله : هذه هي السياسة .‬ ‫) ٦٤/١(‬ ‫ونحن حين نعرض لذكر الجنرال جلوب باشا النجليزي ل نرمي إلى تجريحه شخصيا‬ ‫فهو يعمل لصالح أمته ويقدم لها الخدمات الجلي، ولكن اللوم يقع على بعض العرب‬ ‫الذين ولوه القيادة العامة الفعلية أثناء حرب فلسطين . وبعد الهدنة الثانية توالت‬ ‫اعتداءات اليهود على المناطق العربية ، وانسحبت قوات الدول العربية من مناطق‬ ‫الجليل الغربي وجنين وبعض مناطق القدس وبيت لحم والخليل والنقب والمجدل،‬ ‫فجل أهلها منها تبعا لذلك بالضرورة، ثم وقعت اتفاقية رودس، وأعقبها تسليم جيش‬ ‫الجنرال جلوب لليهود أراضي المثلث العربي ومساحات واسعة من مناطق القدس‬ ‫وبيت لحم والخليل والبحر الميت كما ذكرناه آنفا ، فنزح عنها أهلها بعد ما عاث فيها‬ ‫المجرمون اليهود قتل ً وتدميرا ونهبا وسلبا .‬ ‫وهكذا لم يحل ربيع عام ٩٤٩١ حتى أصبح ما يقرب من مليون عربي فلسطيني‬ ‫مشردين من بلدهم ولجئين إلى القطار العربية .‬ ‫الهيئة العربية عارضت في خروج العرب من فلسطين :‬ ‫أما فيما يتعلق بالجواب على الشق الخير من سؤالكم، فقد كان رأيي الذي أعلنته‬ ‫مرارا ، وأبلغت الجهات العربية ذات الشأن، أن يبقى عرب فلسطين في بلدهم، وأن‬ ‫يدافعوا عنها حتى النفس الخير، وأن ل يجلوا لي سبب من السباب .‬ ‫وأذكر مثل ً على ذلك أن سيادة المطران جورج حكيم مطران الروم الكاثوليك في‬ ‫حيفا وعكا وسائر الجليل رغب في نقل الطفال من حيفا إلي لبنان عند اشتداد‬ ‫المعارك إشفاقا عليهم، فلما بلغ الهيئة العربية العليا ذلك عارضت في نقلهم إلى‬ ‫لبنان، وأبلغته أنه إن كان ول بد من النقل فليكن إلى المدن الداخلية في فلسطين .‬ ‫) ٧٤/١(‬
  • 38.
    ‫هذا وقد تنبهتالهيئة العربية العليا إلى ما يقصده النجليز من موقفهم، واليهود من‬ ‫عدوانهم، فأذاعت في شهر فبراير ٨٤٩١بيانا على الشعب الفلسطيني دعته فيه إلى‬ ‫البقاء في بلده، وأن ل يجلو عنها بأي حال من الحوال، وفي الوقت نفسه طلبت‬ ‫الهيئة العربية من اللجان القومية - وهي الهيئات الوطنية الممثلة للشعب الفلسطيني‬ ‫في كافة المدن والمراكز الكبرى من فلسطين - ومن قيادة الجهاد الوطني‬ ‫المقدس، وقواد المناطق، العمل على منع الهلين من مغادرة البلد، وفوضتهم في‬ ‫اتخاذ الجراءات الكفيلة بذلك ، وطاف أعضاء من الهيئة العربية بمختلف المناطق‬ ‫الفلسطينية ينبهون الناس ويحذرونهم من الخروج وترك البلد .‬ ‫وفي اليوم الثامن من شهر مارس عام ٨٤٩١ قدمت الهيئة العربية العليا مذكرات إلى‬ ‫الحكومات العربية التمست فيها أن ل تعطي تأشيرات سفر لي فلسطيني إل في‬ ‫حالة الضرورة القصوى كأن يكون الراغب في السفر مريضا يخرج للستشفاء أو‬ ‫تلميذا يسافر للدراسة ، بعد التثبت من ذلك بواسطة اللجان القومية .‬ ‫وقد حمل مندوبون من الهيئة العربية العليا تلك المذكرات إلى العواصم العربية‬ ‫وسلموها إلى المسئولين من رجالها ، شارحين لهم السباب الموجبة لذلك . ومن‬ ‫دواعي السف أنه لم يؤخذ برأي الهيئة العربية في هذا المر .‬ ‫خلفي مع الملك عبد ا لم يكن خلفا شخصيا‬ ‫بل كان خلفا سياسيا يتناول المبادئ والوسائل‬ ‫السؤال الخامس :‬ ‫يقول بعض الناس إن خلفا شخصيا كان قائما بين الملك عبد ا وبينكم، وأن هذا‬ ‫الخلف أساء إلى قضية فلسطين . فما تقولون في ذلك ؟‬ ‫الجواب :‬ ‫ما كنت أحب أن أتحدث عن الخلف السياسي مع المغفور له الملك عبد ا ، لول‬ ‫أن بعض الصحف ومصادر الدعاية الجنبية حاولت استغلل هذا الخلف لصالح‬ ‫الستعمار، وبالغت فيه، كما أن بعض الناس فهموه على غير حقيقته وذهبوا فيه‬ ‫مذاهب شتى، وزعم بعضهم أنه كان خلفا شخصيا أضر بقضية فلسطين .‬ ‫) ٨٤/١(‬ ‫والواقع أن الخلف مع المغفور له الملك عبد ا لم يكن شخصيا قط طول أيام‬ ‫معرفتي به التي يرجع عهدها إلى عام ١٣٩١ عندما جاء إلى شرق الردن، فهي‬
  • 39.
    ‫معرفة وثيقة مدةثلثين عاما تقريبا بل بالعكس كانت علقتي الشخصية به علقة‬ ‫صداقة ومودة لما عرف عنه رحمه ا من حسن المودة وأدب المعاشرة وطيب‬ ‫الحديث، وكنت ألقى منه - عند كل اجتماع - من حسن المقابلة ولطف المعاملة ما‬ ‫يعرفه كثير من الناس، كما كنت ل أدخر وسعا في استبقاء الصلة الحسنة به وفقا‬ ‫لخطتي مع جميع الذين لهم علقة بالقضايا العربية، وذلك حرصا مني على صالح‬ ‫القضايا العربية عامة وصالح فلسطين خاصة ، لخطورة قضيتها وشدة الحاجة في‬ ‫دفع العادية عنها إلى تضافر العرب جميعا على تعدد دولهم وأقطارهم .‬ ‫ولكن الخلف الذي وقع كان سياسيا يتناول المبادئ والوسائل التي ينبغي أن تعالج‬ ‫بها قضية فلسطين خاصة ، والقضايا العربية الخرى .‬ ‫فعندما وصل المرحوم الملك عبد ا من الحجاز إلى شرق الردن عام ١٢٩١، بقصد‬ ‫تحرير سورية من الفرنسيين الذين احتلوها حينئذ وأخرجوا منها شقيقه المرحوم‬ ‫الملك فيصل، التف حوله صفوة من أحرار العرب ومجاهديهم من سورية ولبنان‬ ‫والعراق وفلسطين ، للتعاون معه على إنقاذ سورية خاصة ، والعمل لصالح البلد‬ ‫العربية عامة . ولكن الرياح جرت بما ل تشتهي السفن، وتغلبت السياسة الستعمارية‬ ‫على الجهود العربية التي بذلت حينئذ ، وخاب الرجاء بإنقاذ سورية . ولم يسفر‬ ‫الجتماع الذي عقد في ٨٢ مارس عام ١٢٩١م على جبل الزيتون بالقدس بين سمو‬ ‫المير عبد ا من ناحية ، والمستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ ،‬ ‫والسر هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني اليهودي ومستر لورنس من‬ ‫ناحية أخرى عن نتيجة لصالح العرب، بل أصبحت منطقة شرق الردن مشمولة‬ ‫بالنتداب البريطاني، وأصبح المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين مندوبا ساميا لها‬ ‫في شرق الردن أيضا .‬ ‫) ٩٤/١(‬ ‫ولم يلبث الستعمار البريطاني أن ضيق الخناق على منطقة شرق الردن وكبلها‬ ‫بالقيود، كما هو ديدنه في كل بلدنا عليها بكلكلة، فأخذ من كان فيها من أحرار‬ ‫العرب يهجرونها واحدا إثر واحد . ثم تمكن النجليز من فرض معاهدة استعمارية‬ ‫على إمارة شرق الردن استولوا بموجبها على مرافق البلد، وسيطر على الجيش‬ ‫الردني الضابط البريطاني )بيك( باشا ثم الجنرال جلوب باشا .‬ ‫ولما صدر تقرير لجنة اللورد بيل في ٧ يوليو سنة ٧٣٩١ بتقسيم فلسطين، اتخذ‬
  • 40.
    ‫المغفور له الملكعبد ا موقفا مؤيدا للتقسيم على أمل أن يتمكن من ضم القسم‬ ‫الباقي للعرب من فلسطين، إلى شرق الردن، وكان طبيعيا أن ل يقر عرب فلسطين‬ ‫تقسيم بلدهم وتقطيع أوصالها كما أسلفت في حديثي السابق . وأخيرا عندما‬ ‫وقعت حرب فلسطين على إثر صدور قرار المم المتحدة بتقسيمها ثم تدخلت الدول‬ ‫العربية وقررت أن تدخل جيوشها فلسطين، أصر المغفور له الملك عبد ا على أن‬ ‫تكون له قيادة الجيوش العربية ، فعارضت أكثرية الدول العربية في هذا، ثم عاد‬ ‫بعضها فوافق تحت تأثير الضغط البريطاني الشديد ، وتسلم الجنرال جلوب القيادة‬ ‫الفعلية للجيوش العربية ، ووقعت كارثة فلسطين على الشكل المعروف.‬ ‫وكنت بطبيعة الحال معارضا لهذه القيادة الغريبة الشاذة . ل مخالفة للمرحوم الملك‬ ‫عبد ا ، بل خوفا من أن تسلم القيادة العسكرية الفعلية في حرب فلسطين إلى‬ ‫قائد إنجليزي، ليقيني أن الستعمار النجليزي هو الخصم اللد الذي كن أساس البلء‬ ‫في هذه القضية وفي معظم القضايا العربية .‬ ‫) ٠٥/١(‬ ‫فالخلف الذي وقع بين المغفور له الملك عبد ا وبيني لم يكن - كما ذكرت - خلفا‬ ‫شخصيا مطلقا ، بل كان خلفا على المبادئ والوسائل التي كان ينبغي التوسل بها‬ ‫لمعالجة قضية فلسطين والقضايا العربية الخرى، ولم أكن المعارض الوحيد لهذه‬ ‫المبادئ والوسائل، بل عارضها أيضا كثير من رجال المة العربية وذوي الرأي فيها‬ ‫عن السوريين واللبنانيين والعراقيين والمصريين والسعوديين والفلسطينيين ومن‬ ‫الردنيين كما هو معروف، ول أرى حاجة للسهاب والتفصيل في هذه الناحية ،‬ ‫ولكني أرى أن استشهد هنا بحادثين للتدليل على كذب المزاعم القائلة بأن الخلف‬ ‫كان شخصيا وأنه عاد بالضرر على قضية فلسطين :‬ ‫الحادثة الولى :‬ ‫قبيل صدور قرار لجنة اللورد بيل قابلني في القدس أحد رجال الستعمار مقابلة‬ ‫خاصة سألني خللها عما أتوقع أن يحتوي عليه تقرير لجنة بيل ، فأجبته بأني ل‬ ‫أستطيع التهكن به، وأنكم معشر الموظفين الكبار أدرى بذلك لما لكم من صلت‬ ‫رسمية تسهل لكم الطلع على مثل هذه الشؤون قبل كل أحد، ولكن الصحف تنشر‬ ‫أن هذا التقرير يستهدف التقسيم ، ثم ذكرت له ما سيلقاه التقسيم من معارضة‬ ‫الشعب العربي الفلسطيني ومعارضتي شخصيا .‬
  • 41.
    ‫فقال رجال الستعمار- تهوينا لمر التقسيم على وترغيبا لي فيه : وماذا في التقسيم‬ ‫من ضرر؟ إنه يرمي إلى تكوين دولة عربية من القسم العربي من فلسطين وشرق‬ ‫الردن معا . ولعلكم تحسبون أن المير عبد ا سيكون رأس هذه الدولة، فأحب‬ ‫أن أحيطكم علما أن انتخابات حرة ستجري في البلد، وأن الذي يفوز بالكثرية هو‬ ‫الذي سيتولى رئاسة الدولة .‬ ‫وزاد محدثي على هذا بقوله : ونحن نعرف من هو رجل الشعب الذي يستطيع‬ ‫الفوز بالكثرية الساحقة . ونظر إلى متبسما .‬ ‫فأدركت ما يعنيه الرجل ، وأجبته فورا :‬ ‫) ١٥/١(‬ ‫- إذا كنتم تظنون أني أعارض التقسيم لئل يصبح المير عبد ا ملكا على فلسطين‬ ‫وشرق الردن فأنتم واهمون، فالحقيقة أني إنما أعارض مبدأ التقسيم لضرره على‬ ‫البلد وتهديمه لكيانها وتمزيقه لوحدتها ، ول أعارض شخص المير أبدا .‬ ‫وأؤكد لكم أنني مستعد أن أكون تابعا لي عربي يعمل بإخلص لصالح الوطن ولو‬ ‫كان هذا العربي تابعا من أتباع المير، فكيف أرفض رئاسة سيد عربي كالمير نفسه‬ ‫الذي هو من أشرف بيت في العرب، فأنا إنما أعارض الفكرة ول أعارض الشخص .‬ ‫فدهش محدثي عندما سمع هذا الجواب الحاسم ، واعتذر عن حديثه معي بأنه إنما‬ ‫كان حديثا خاصا محضا .‬ ‫ولقد كنت أبلغت بحمل هذا الحديث في أول فرصة إلى المغفور له الملك عبد ا ،‬ ‫وأكدت له أن الخلف ل يتعدى المبادئ ووجهات النظر .‬ ‫الحادثة الثانية :‬ ‫وقد حدثت هذه أثناء جلسة اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في دار وزارة‬ ‫الخارجية السورية بدمشق في شهر مارس سنة ٨٤٩١ وكنت عضوا فيها في ذلك‬ ‫الحين، فقد كان الحديث يتناول قضية فلسطين وموقف المغفور له الملك عبد ا ،‬ ‫وعندئذ قال مندوب إحدى الدول العربية مازحا :‬ ‫- لو تفاهمتم مع الملك عبد ا ونزلتم على رغباته لحلت المشكلة فقلت له : إنك‬ ‫تقول هذا مازحا يا صاحب الدولة ، ولكن المر جد ، والقول فصل وما هو بالهزل .‬ ‫وأني أرجو من اللجنة السياسية أن تسجل على في الجلسة التاريخية "إنني أعاهد‬ ‫ا وأعاهدكم ، أنا وكل من يسير معي من أهل فلسطين ، على أن نكون في‬
  • 42.
    ‫ركاب الملك عبدا ومن أخلص جنده وأتباعه عندما يسير قدما على رأس جيشه‬ ‫لكفاح العداء كفاحا صادقا جديا، ويومئذ يعتز عرب فلسطين جميعا بعرشه وتاجه‬ ‫ويكونون من أصدق رعاياه المخلصين" .‬ ‫) ٢٥/١(‬ ‫وطلبت تسجيل كلمي وإبلغه إلى المغفور له الملك عبد ا . من هاتين الحادثتين‬ ‫يتضح لكم أنه لم يكن يباعد بين المغفور له الملك عبد ا وبيني خلف شخصي،‬ ‫بل كان اختلفا في وجهات النظر والمبادئ السياسية، وما عدا ذلك فقد كانت‬ ‫علقتي الخاصة به علقة مودة وصداقة . وأذكر أنني لما رجعت من أوربا بعد نهاية‬ ‫الحرب العالمية الثانية - وكان ذلك في صيف عام ٦٤٩١- تفضل جللته بالترحيب بي ،‬ ‫فشكرته على ذلك وتبادلنا البرقيات والرسائل الخطية والشفوية وأحيانا التليفونية ،‬ ‫وإني أحتفظ بمجموعة من هذه الرسائل سيأتي ذكر قسم منها عندما يتاح لي نشر‬ ‫مذكراتي ، لما اشتمل عليه بعضها من الهمية والطرافة وأكتفي الن بالشارة إلى‬ ‫إحداها، وهي رسالة خطية بعث بها إلى مع أحد أقاربي في أواخر عام ٨٤٩١‬ ‫اشتملت على كثير من عبارات المودة والعواطف الكريمة وكانت آخر رسائله إلى‬ ‫قبيل وفاته، وقد أعرب فيها عن رغبته في عودتي إلى البلد، وعن استعداده لتلبية‬ ‫رغبتي في المركز الذي أبتغيه . وقد أجبته بالشكر الوافر على هذا العطف السابغ،‬ ‫وبالتأكيد له أنني غير راغب في أي منصب، وليس لي أي طلب خاص ، وكل ما‬ ‫أرجوه أن يعمل جللته على تحصين المناطق الجبلية من فلسطين التي تسلمت‬ ‫إدارتها الحكومة الردنية من جبل الخليل جنوبا إلى جنين شمال ً ، وأن يكون ذلك‬ ‫تحصينا عسكريا فينا ، وأن يعمل أيضا على تجنيد أهل البلد للمرابطة فيها ، وعلى‬ ‫تدريبهم وتسليحهم للدفاع عنها عند العداء الطامعين، وحينئذ أعود إلى البلد كفرد‬ ‫عادي لشارك في هذا العمل المفيد .‬ ‫) ٣٥/١(‬ ‫ول شك في أن الدعاية المضللة التي روجها المستعمرون ، والراجيف التي كان‬ ‫يرجف بها اتباعهم وأبواقهم ، من أنني أقف حجر عثرة في سبيل تحقيق غاياته‬ ‫ومقاصده، قد انطبعت في نفسه إلى حد ما . ولم يكن في استطاعتي أن أزيل هذا‬
  • 43.
    ‫النطباع تماما، لننيبقيت بضع عشرة سنة بعيدا عن الوطن الحبيب لم تكتحل‬ ‫عيناي بإجتلء ربوعه، ولم يتح لي لقاء الملك عبد ا منذ خروجي من فلسطين إل‬ ‫عند زيارته الخيرة لمصر ونزوله ضيفا على الحكومة المصرية في قصر الزعفران‬ ‫عام ٨٤٩١.‬ ‫هذا وقد كنت أرغب حقا في تلبية دعوته الكريمة التي وجهها إلى الذهاب إلى عمان‬ ‫في مارس سنة ٨٤٩١ لول خشيتي من غدر رجال الستعمار الذين كانوا يحرسون‬ ‫خلل الديار، والذين ل تؤمن مغبتهم ول يجمد عند الصباح سراهم ، وكنت موقنا أنهم‬ ‫يتربصون بي الدوائر .‬ ‫ولم تكن خطتي في وقت من الوقات أن أناوئ أية شخصية أو حكومة عربية ، بل‬ ‫كانت ول تزال الخطة التي أعتنقها هي بذل أقصى الجهود والتضحية بأعز ما أملك‬ ‫في سبيل جمع شمل المة العربية وتوحيد كلمتها ، وقد نصحت بعض الفلسطينيين‬ ‫الذين صادفتهم في زيارتي الخيرة لدمشق في أكتوبر الماضي ٣٥٩١ بأن يقاوموا‬ ‫فكرة الشقاق بين الفلسطينيين والردنيين، والضفة الغربية والضفة الشرقية . وقلت‬ ‫لهم : إن التفرقة بين القطار العربية ليست إل من عمل الستعمار الذي هو عدو‬ ‫للجميع ، فأحذروا كيده ، ول تخاصموا أحدا من العرب ول دولة من الدول العربية .‬ ‫فإن كابوس الستعمار يجثم فوق صدور الردنيين، كما يجثم فوق صدور‬ ‫الفلسطينيين ، وكلكم في البلء سواء ، فعليكم أن تتقوا الخلف بينكم ، وأن توحدوا‬ ‫جهودكم ضد الستعمار وحده .‬ ‫... ...‬ ‫...‬ ‫) ٤٥/١(‬