قراءة سيميولوجية لمنحوتة حنين للدكتور أم البنين سلاوي
1. قراءة سيميولوجية عن منحوتة "حنين" للنحات فهد الأزوري
بقلم الدكتورة أم البنين السلاوي
تطوان- المغرب
1222-21-21
الفنان ابن بيئته من حيث الالتزام ولا وطن له من حيث الشكل أو النوع. مقولة تجعل علاقة
الفنان مع بيئته الاجتماعية تظل هي أحد المكونات الجوهرية للنشاط الإبداعي في حقله الفني،
حيث يحرز الفنان على كمية كبيرة من المعلومات من بيئته ومن خلال تمازجها مع الذات المبدعة
يتم صوغها في أشكال فنية جديدة، وبالاستمرارية والامتداد يمنح العمل أبعادا تعبيرية ودلالية
تتناغم مع إبصاره للعالم من حوله فيصبح يعبر عن حالات إنسانية مستمدة من محيطه ينتج عنها
إبداع جميل مأهول بالإلهام... وعلى حد تعبير برجسون : *إن الشيء لا يكون عامرا بالإيحاء لأنه
يتصف بالجمال، بل هو يتصف بالجمال لأنه عامر بالإيحاء*
من هذا المنطلق نجد الفنان السعودي فهد الأزوري يحيي المناخ التشكيلي ويمنحه أعماقا وأبعادا
أكثر سماكة تعكس لحظة انفعاله الوجداني أثناء التكوين أو الخلق الإبداعي، فتزدري جمالية العمل
في ما يوحي نصه البصري للمتلقي من خلال الدلائل البصرية التي تجتذبه كلما نظر إليه و كأن
شيئا من عالم الملكوت يسكن العمل، يجعله ينغمس في التأمل الذي يتعدى أطوار الكشف العادي،
لعله يجد في وعاء فضاء التطلعات الكثيفة ما يهديه للوصول لتأويل شفرة مضمون الرسالة.
نستنبط مما قدمنا أن الفنان النحات فهد الأزوري كعادته يخاطب الذهن والوجدان من خلال
منحوتاته المميزة ببساطة الأداء الظاهر والمشحونة بالعمق الكمين لفحوى الباطن، يوحي بالتزامه
الأكيد لنضاله من أجل وطنه الذي أشار إليه بشكل واضح وبعزم وإصرار في هذه المنحوتة التي
نستشف فيها حلمه بجزيرة عربية خصبة كسابق عهدها تمتاز بطبيعة خلابة و جريان أنهار دافقة
تروي بسيلها كل الأراضي لتكسيها عشبا و حبا و ريحانا، و تملأها بينابيع تطل من جوانبها
أشجار تعطي ثمارها في كل حين، تجيد على أهلها بخير ثمين من الأنعام و الطيور... و كأنها
جنة على الأرض، هكذا يرفعنا فهد الأزوري في رحلة الارتقاء الخيالي المتأمل للتشوق لماض
سجلته الكتب التاريخية عن الجزيرة العربية فيعيد كتابته بضربات الإزميل والمطرقة على حجر
الجرينيت في الجزء العلوي من المنحوتة ليرسم خريطة تتكلم عن ماض سحيق جدا جفت أنهاره
من قلة المطر وأصابه القحط بعد صراع مستمر من أجل الحياة خربه تخريبا.
2.
3. وهذا ما جسده الفنان فهد الأزوري في الكتلة السفلى من العمل ببساطة التكوين وتركيز الهجس،
لكننا نلمح بعض ملامح الاخضرار اللوني في أدنى الكتلة المصابة وكأنها بصيص الأمل، نابع من
جهد وإمكان بتحدي الضرر، أو ربما لدعاء إبراهيم عليه السلام تستكن استجابة الرحمن ببريق
البقاء.
نعود من رحلتنا التضمينية إلى وصف تعييني لمعالجة المنحوتة فنجد أنها عبارة عن رأس إنسان
استطاع الفنان فهد الأزوري ببراعته التقنية والفكرية أن يمزج في إبداعه بين التمثيلي المشخص
والتجريدي العامر بإيحاءاته القوية للمضامين المخفية، السابقة الذكر، فنستخلص من النتائج
التحليلية لهذا الخطاب البصري للمنحوتة أن الكتلة المصقولة التي هي قوام الرأس والعنق اشتغل
عليها الفنان بطريقة جد متقنة وكأنه يريد إبراز الجهود الظافرة والمبذولة في صعود البناء لسمو
وطنه. بينما نرى الوجه كعلامة عرفية، ترمز للعز والشرف، أبدع فيه الفنان بأسلوب تجريدي
محض اعتمد فيه على الإحالة الدلالية لما حل بوطنه من ضر الجفاف و التغيرات الطبيعية، مشيرا
بتعبير حزين لملامح الوجه الغامضة لما يبقى لديه من حنين لماض يرجو من العلي استرجاعه.