2. بسم ال الرحمن الرحيم
مقدمة الجزء الخامس
فى مقدمة الجزء الرابع كتبت ما يفهم منه أنه قد ل يوجد جزء خامس، تصورا منى أنى قد ل
أعيش لكتبه، ومع ذلك فهاأنذا بعد ليلة ليلء أمضيتها بين الحياة والموت، حيث بلغت حرارتي
على ما يقول البطباء) فقد كنت فى غيبوبة( 14 درجة، واستيقظت لرى الموقف أشبه ما يكون
بالحريقة، ورجال البطفاء يحاولون إبطفاءها بأي ثمن، فقد كنت غارقا فى الثلج والماء المثلج
ومروحة ضخمة تدور بكل قوة وهى مركزة على وجسدي شبه عاري تماما.
ومع ذلك فهاأنذا اجلس لكتب. حقا اكتب بصعوبة بالغة، والمهم أنني اكتب.
وفى مقدمة الجزء الرابع تحدثت عن عجزي للرجوع إلى المرجع الول لتلك الفترة، وهى
الصحف والمجلت فقد كانت تنشر كل شيء، الرأي وضده والتعليق على الحداث من أوجه
النظر المختلفة) فقد كانت الحزاب المتصارعة على الحكم تحت رعاية النجليز وجدت( ولكن
يعوض هذا النقص عاملن، أولهما أنى قد كبرت فى السن والدراك، أى أنني كنت معاصرا
للحداث، وثانيهما، هو أن المرجعين الساسيين لهذه الفترة وهما كتب عبد الرحمن الرافعي)فى
أعقاب الثورة( لم يغفل الشارة إلى المهم منهما، أما المرجع الثاني)) حوليات احمد شفيق باشا((
فهو يقوم ابتداء على نصوص الخطب والمقالت والوثائق، وعلى هذا فقد شرح ال صدري لن
اشرع فى الكتابة ولست اعرف بطبيعة الحال، إذا كنت سأتم هذا الجزء أم ل، فالمر كله منوط
بإرادة ال.
دراتسة الدكتور عبد العظيم رمضان:على انه من حسن الحظ، أن وجد عن هذه الفترة، مرجع
ثالث وهو رسالة الدكتور عبد العظيم رمضان لنيل درجة الماجستير، وهى دراسة جامعية
جامعة، وبالرغم من أن لصاحبها) أفكار خاصة( فالرسالة مفيدة فى أنها تنقل نصوصا باستطاعة
أى قارئ أن يقيمها، وان يفهم ما يشاء منها، وعلى ذلك فقد قررت أن اشرع فى كتابة جزء
خامس وبال التوفيق ، ، ،
مدينة الوفاء والمل
فى 9791/4/91
أحمد حسين
2
3. صورة مصر فى طفولتي
وشخصية مصر
تمهيد
أشرت فى الجزء الرابع بمناسبة أحداث 1191 الذى ولدت فيه على ما تقول شهادة الميلد كيف
أننى ولدت فى بطولون فيما يسمى ))حارة الجمالية(( وأضيف هنا ونحن بصدد ذكر أحداث عام
1291 صورة مصر كما كنت قد بدأت أن أعيها فعمري فى هذا التاريخ قد ناهز العشر سنوات،
وقد كنت قد صرت بطالبا فى السنة الثانية البتدائية بمدرسة الجمعية الخيرية السلمية، وأنا اعلم
الن أن الشيخ محمد عبده هو مؤسس هذه الجمعية لنشر التعليم، وقد التحقت بها وكان مقر
المدرسة البتدائية، فى احد قصور ))الميرة بهية البرهانية(( ويبدو أن الجمعية قامت فى
الدرجة الولى على أموالها، فقد سميت مدرسة البنات البتدائية باسمها مباشرة، وكان النشيد
الذى نترنم به نحن بطلب المدرسة البتدائية للبنين فى حفلة الجمعية التى كانت تقيمه سنويا فى
حديقة البزبكية، وقد كانت هذه الحفلة تمثل)) حدثا قوميا(( )1( فكنا نرتل نشيدا مطلعه:
أنا بنت البر أم الفقراء
ليس دوني ملجأ للقاصدين
وفى هذا إشارة واضحة لهذه المحسنة الكبيرة التى قامت مدارس الجمعية بأموالها.
وقد قدمت أنني أول ما التحقت بالمدرسة كانت فى احد قصور الميرة فى شارع درب الجماميز)
بالقرب من المدرسة الخديوية الن( ولبد أن تكون أحداث ثورة 9191 )راجع الجزء الرابع( قد
وقعت وأنا فى هذه المدرسة، أما الن، فى مطلع عام 1291، فقد كان مبنى المدرسة قد أصيب
بتصدع، فنقلنا إلى مبنى آخر للجمعية فى ))حى القربية(( وهكذا كنت اقطع يوميا الطريق من
حارة الجمالة بطولون، حتى القربية فى القاهرة ))المعزية(( إلى قاهرة الفابطميين، وقد كان هذا
يفرض على أن اجتابز قاهرة المماليك، بما يدخل فى نطاقه قلعة صلح الدين اليوبي ) فوق جبل
المقطم( وميدان )) الرملية(( الذى كان يعرف فى هذا الوقت باسم)) المنشية(( والجلل الرائع
الذى يحيط بالميدان، ويصل إلى ذروته فى مسجد)) السلطان حسن(( ولما كنت فى هذه الفترة
من حياتي لم أتجاوبز هذا النطاق)) تقريبا( فإنني اقصر حديثي على مصر وأحوالها على هذه
الزاوية، تاركا بقية الحديث إلى أعوام قادمة، أكون فيها قد انتقلت إلى مسكن جديد فى بيئة جديدة.
)1( راجع الجزء الرابع
كيف كنا نخرج )) على)وش( الدنيا((:
3
4. حارة الجمالة ) حيث ولدت( هى صميم بطولون، فليس من وراءها إل الجبل، وهى حارة ))سد((
على ما قدمت، ول نكاد نبرحها، حتى نرى أنفسنا فى شوارع عمومية، بمعنى أنها متصلة من
بطرفيها، بما يخرجنا من أحشاء بطولون، لنتصل بباقي أجزاء المدينة، ولست اعرف ماذا جرى
لهذا التخطيط الذى سوف اسرده، ولست اعرف بطبيعة الحال السماء الجديدة التى أصبحت
تطلق على ما سوف ارويه.
فقد كنا إذ نصل إلى نهاية)) حارة الجمالة(( نكون قد أصبحنا فى شارع )) العمري(( نسبة إلى
ضريح الشيخ العمري الذى يتصل بمسجد صغير يقع فى الشارع، وكان بالستطاعة دائما أن
نتصل بالدنيا، عن بطريق أى بطرف من بطرفي الشارع، ولكن الطريق المعتاد والقصر، هو
الذى كان يؤدى بنا إلى ما يسمى بـ))الدحدورة(( وهو منحدر من الرض كان يوصل إلى
الشارع الرئيسي القادم من السيدة بزينب إلى ميدان القلعة)المنشية( أما بطرف الشارع )العمري(
الخر، فكان يوصل إلى نفس الطريق، ولكن عن بطريق أكثر بطول وابزدحاما بالحركة والحياة،
وبه محلت عامة ومقاهي وتقع به المدرسة الولية التى كنت اذهب إليها، وأشرت إليها فيما
سبق) مدرسة ضرغتمش( على أن أهم ما كان يقع فى هذا الشارع هو ))الحمام العام(( وهو احد
مظاهر حضارة القاهرة السلمية، حيث كان باستطاعة أى فرد من الشعب، مهما كانت درجته،
أن ينعم فى مقابل قرش واحد، بقضاء ساعات من النعيم، ليخرج نظيفا نشيطا بطاهرا، وليس
باستطاعة إل أغنى الغنياء فى أيامنا الحاضرة، أن يحصل على مثل هذه الفرصة، فى أعظم
الفنادق على ما قيل لي، ولطالما كنت أتردد فى بطفولتي مع إخوتي الكبار على هذا الحمام، على
أنني قلما كنت استعمل هذا الشارع فى رحلتي اليومية نحو المدرسة، والتي كان على قبل أن
أصل إليها، أن اجتابز منابطق من أمثال: السيوفية، والخيمية، والسروجية، والركبية.. إلى آخره
)هكذا شاء النجليز أن يعلمونا( أما الن وأنا اخط هذه السطور، فإني أدرى كيف تشير هذه
السماء إلى ما كنا عليه من اكتفاء ذاتي من مختلف فروع الصناعات اللبزمة للحرب والسلم
على أن هذا الطريق اليومي نحو المدرسة، لم يكن يطلعنا على القاهرة المتفرنجة، وليس فل غير
عربات)سوارس( أى عربات )المنوبيس التى تجرها البغال( ما كان يعتبر شيئا وافدا.
حقا كان قد تأسس فى مصر شركات للترام والمياه والكهرباء وغابز الستصباح ولكن ذلك كله
كان بعيدا عن هذه المنطقة، فيما خل غابز الستصباح حيث كانت الفوانيس بالليلي تضاء به،
وكان يشعلها رجال كنا نطلق عليهم اسم ))عفريت الليل(( ولم تستطع شركة المياه أن تلغى حرفة
))السقايين (( والتغيير الذى حدث فى هذه الحرفة، هو انه بدل من أن يستجلب السقايين الماء من
النيل، فقد أقامت شركة المياه ))حنفيات(( ماء عمومية، كان السقايون يأخذون منها الماء ثم
يوبزعنه على عملئهم، ولكن الذى ل شك فيه، أن حرفة السقايين، كانت فى عهدها الخير، تماما
كحرفة ))الحمارين(( أى نقل الناس على ظهور الحمير، فحقا كان ل يزال للحرفة صولتها
وجولتها، وحيث ترى الن ))محطات البنزين(( فقد كنت ترى أماكن ))شرب الحمير((.
المســمط:
وقد بقى لتكامل صورة قاهرة هذه، أن أشير إلى مؤسسة أخرى لها شهرتها، وفاعليتها فى الحياة
الحضارية لمصر كما هو الشأن بالنسبة ))للحمامات العمومية(( وهذه المؤسسة هو ما كان
يعرف )) بالمسمط(( حيث يستطيع أفقر إنسان فى الشعب أن يحصل فى مقابل نصف قرش على
أفخم وجبة ساخنة متصورة وذلك هو الثريد الفاخر، والمسمط هو المطعم التى تسلق فيه رءوس
الغنم واكارعها وأحشاء الغنم )كبد وبطحال وقلب، وكرشة وممبار( ويسلق ذلك كله فى إناء واحد
4
5. ضخم، فينشأ عن ذلك افخر حساء متصور، وهذا الحساء ))المرق(( هو الذى يصب على الخبز
ويوضع فوقها الربز، ويضاف إلى الجميع ))صلصة(( أعدت لهذا الغرض فيصبح الثريد من
أشهى وافخر ما يؤكل وكل هذا فى مقابل نصف قرش، وكثيرا ما يصحب البعض الخبز معه،
فل يعود باقي صنع الثريد يكلفه أكثر من مليمين أما إذا أراد أن ينعم بباقي البطياب مما عددناه
سابقا، فما عليه إل أن يبذل نصف قرش آخر.
والذي يهمنى أن اذكره لتصوير القاهرة هو أن هذا النوع من المطاعم كان منتشرا فى ربوع
القاهرة، فى متناول كل أفراد الشعب، حيث انقرض تقريبا هذا النوع من المطاعم، فان وجد
واحدا، لم يعد يقدر على استعماله سوى الغنياء.
محل ت بيع السمك المقلي:
وعلى ذكر البطعمة، فقد كان يوجد فى كل حي تقريبا أكثر من محل بيع السمك المقلي، وكان يعد
من بطعام الفقراء، لن القل فقرا كانوا يقلون السمك فى منابزلهم، وبطالما أرسلت فى بطفولتي
لشترى السمك المقلي من السماك، وبالرغم من أنني كنت أحبه بأكثر من هذا الذى نصنعه فى
بيتنا فقد كنت اشعر بالخجل وأنا فى بطريقي لشرائه، فقد كان ل يفعل هذا سوى الفقراء، الفقراء
جدا، قارن ذلك بما هو حاصل الن )9791( حيث ل يشترى السمك المقلي من السوق سوى
الغنياء
5
6. ثورة 9191
أين تكمن ذروتها
تحدثنا فى الجزء الرابع من هذا الموسوعة عن ثورة الشعب المصري فى سنة 9191 وكيف أنها
شيء رهيب لم يسبق له مثيل، حيث استطاع شعب اعزل ) إل من حقه( أن تحدى أقوى قوة فى
الدنيا )المبرابطورية النجليزية( والتي كان لها فى مصر بالذات بضع مئات من ألوف الجند
الذين جعلتهم الحرب اقرب إلى الهمج والوحوش، منهم إلى البشر المتمدينين، ومع ذلك فلم
يرهب الشعب المصري ذلك كله، وعندما بزادته انجلترا تقتيل وإرهابا، لم يزده ذلك، إل ثباتا
وإصرارا، ورأينا كيف تصورت انجلترا أن سوف تخلع قلب الشعب المصري بان تبعث إلى
مصر الجنرال اللينبي، الذى ل يعرف سوى البطش والتنكيل، فإذا بالشعب المصري يحصل
على أول انتصاراته بينما تمنى انجلترا بأول هزائمها )الفراج عن سعد(.
كل ذلك فصلناه فى الجزء الرابع، وانتهى هذا الجزء بما اعتبرناه الثمرة الناضجة لثورة سنة
9191 وهو إعلن انجلترا وانفها راغم، إلغاء الحماية النجليزية على مصر، وهى الحماية التى
حصلت على موافقة الدنيا كلها عليها، بما في ذلك رئيس أمريكا)) ويلسون(( الذى وصف فى
ذلك الوقت بأنه نبي لدفاعه عن حق الشعوب فى الحرية وتقرير المصير، ومع ذلك فقد دفعته
انجلترا دفعا للعتراف بالحماية على مصر.
وكانت انجلترا تعتبر مجرد المناقشة فى مشروعية الحماية على مصر جريمة مغلظة، هذه
الحماية، هى التى أعلنت انجلترا أنها لم تعد صالحة لتنظيم العلقة بين مصر وبريطانيا )راجع
الجزء الرابع( وتألفت وبزارة برئاسة عدلي يكن باشا للتفاوض مع النجليز لنيل استقلل مصر،
وعاد سعد بزغلول إلى مصر فاستقبل بأعظم ما يستقبل الغزاة والفاتحون، وكانت الحكومة
والشعب صفا واحدا، حقا أن نذر الخلف بين أعضاء الوفد كانت قد بدأت تلوح على الفق،
ولكننا وقفنا فى الجزء الرابع والصف ل يزال مؤتلفا والمة كتلة واحدة، وسوف نرى فى مستهل
هذا الجزء، وقبل أن ينصرم عام 1291 على وجه التحقيق، أن النشقاق بين صفوف الوفد لن
يلبث أن يصبح حقيقة واقعة، ويتبع ذلك خلف بين الشعب بزعامة سعد بزغلول وبين الحكومة
بزعامة عدلي يكن، وسوف نستعرض الحداث وفقا لمنهجنا، شهرا بشهر، وأحيانا أسبوعا
بأسبوع، ويوما بيوم، وسنرى كيف أن المور قد وصلت إلى حد نفى سعد بزغلول مرة أخرى،
ولكن من الناحية المقابلة، فقد صدر فى 82 فبراير من سنة 2291 ذلك التصريح النجليزي
الشهير بإعلن استقلل مصر وصيرورتها دولة مستقلة ذات سيادة، ويكون السؤال، ما هى
السنة التى وصلت فيها ثورة 9191 إلى ذروتها، بحيث شرعت بعدها فى التدهور.
إلغاء الحماية أم إعلن التستقل:ل:
كرسنا الجزء الرابع كله لظهار عظمة الشعب المصري كما كشفت عنه ثورة 9191 ولم تزد
فيما فعلناه عن تسجيل وقائع هذه الثورة يوما بعد يوم، مما كان محل ذهول العالم )وليس انجلترا
فقط( فكيف يستطيع شعب اعزل أن يتحدى المبرابطورية البريطانية التى خرجت منتصرة فى
أعظم حرب عرفها التاريخ، ومع ذلك فهذا الذى كان.
وشهد العالم انتصار إرادة الشعب المصري على المبرابطورية النجليزية، فحيث اعتقلت
انجلترا سعدا وأبعدته إلى مالطة وأنكرت عليه حق التحدث باسم الشعب المصري، فقد اضطرت
6
7. أن تنحني أمام إرادة الشعب المصري فتفرج عنه، بل وتتفاوض معه باعتباره ممثل الشعب
المصري.
وبعد أن كانت تعتبر الحديث فى حماية انجلترا لمصر هو كبرى الجرائم، فقد تقدمت ببل غ
لسلطان مصر تعلن فيه أن الحماية لم تعد علقة مرغوبا فيها.
وعاد سعد إلى مصر واستقبل استقبال لم يظفر به احد من قبله فهل يمكن أن يكون ذلك هو ذروة
ما وصلت إليه ثورة 9191 من نجاح؟ من الممكن أن يقال ذلك، فحتى هذا التاريخ ظلت مصر
متحدة متماسكة، وقد كانت هذه الوحدة هى الصخرة التى تحطمت عليها إرادة انجلترا، حيث ظل
موقفا فى مصر من الناحية الفعلية، كما لو كان شيئا لم يقع، وليس إل بعد ظهور الخلف والفرقة
على امتداد عام 1291، بل وعودة انجلترا إلى نفى سعد بزغلول أن صدر فى مطلع عام 2291
تصريح 82 فبراير والذي قرر لول مرة على لسان النجليز أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
إنني أرى أن ادع لكل قارئ أن يفصل فى هذه القضية، لنتابع نحن أسلوبنا ومنهاجنا فى هذه
الموسوعة، فنذكر أول الوقائع المتفق عليها، تاركين للقارئ أن يستخلص لنفسه ما يشاء أول، ثم
نبدى رأينا ثانيا، وبعد هذا التمهيد نقول وبال التوفيق.
7
8. 1291
انشقاق الوفد
مطلع السنة:
فصلنا فى ختام الجزء الرابع من هذه الموسوعة مجريات الحداث فى مطلع عام 1291 وكيف
أبلغت انجلترا عظمة السلطان))أحمد فؤاد(( على لسان )) الجنرال اللينبي(( ممثلها فى مصر
)) أن الحماية البريطانية ل تكون علقة مرضية للعلقات بين مصر وانجلترا((.
ودعيت مصر ليفاد وفد للتفاوض فى تنظيم العلقات الجديدة.
وقد حاول السلطان أن يقنع انجلترا بأن يحتفظ برجله محمد توفيق نسيم فى الوبزارة، ولكن
انجلترا رفضت ذلك لتعارضه مع خططها، التى كانت تقضى بأن يتولى عدلي باشا يكن
الوبزارة، وعلى ذلك فقد قدمت وبزارة محمد توفيق نسيم استقالتها فى 51 مارس فقبلها السلطان
على الفور كما أعلن فى 61 مارس وكلف عدلي باشا يكن فى نفس اليوم بتشكيل الوبزارة
الجديدة، وكان من أبربز وبزرائها، دولة حسين باشا رشدي فى منصب نائب رئيس مجلس
الوبزراء، وعبد الخالق باشا ثروت وبزيرا للداخلية، وإسماعيل باشا صدقي وبزيرا للمالية.
ولما كان برنامج هذه الوبزارة كما أعلنه عدلي باشا يكن فى خطابه للسلطان، هو ذات برنامج
الوفد المصري: الوصول إلى اتفاق ل يجعل مجال للشك فى استقلل مصر، وتعهد عدلي باشا
فى خطابه: أن يسترشد بإرادة المة و أن يدعو الوفد المصري الذى يرأسه سعد بزغلول باشا إلى
الشتراك فى العمل لتحقيق هذا الغرض.
وبزاد برنامج الحكومة على ذلك إلغاء الحكام العرفية، ورفع الرقابة على الصحف، ووضع
دستور للبلد.
وزارة الثقة:
فل عجب وهذا برنامج الوبزارة، أن اعتبر الشعب مجرد قيامها هو انتصار كامل لمانيه، فانفجر
فى مظاهرات غامرة من البتهاج مطلقا على الوبزارة تسمية كان سعد بزغلول قد أبطلقها عليها
من قبل، عندما دعا اللورد ملنر لتأليف وبزارة من عدلي باشا يكن يكون برنامجها هو ذات
البرنامج المعلن، ووصف هذه الوبزارة بأنها ستكون ))وبزارة الثقة(( وهى ذات التسمية التى
أبطلقها الشعب على الوبزارة الجديدة وكان أول ما فعله عدلي باشا يكن أن ابرق لسعد باشا بزغلول
الذى كان ل يزال فى باريس يطلب منه العودة، ولم يكن سعد بزغلول ينتظر إل ذلك فقد كانت
عودته فى هذه الظروف تعنى انتصارا كامل للمة وبالتالي لشخصه باعتباره وكيل للمة،
وانتصارا لما جاهد هو شخصيا من اجله، وعلى هذا فقد استجاب على الفور لدعوة عدلي باشا
يكن، وأنبأه عن بطريق برقية تسلمها عدلي يكن يوم)91 مارس( وأنهى سعد بزغلول أعماله
وارتبابطاته فى فرنسا، وغادر مرسيليا فى يوم 92 مارس، فوصل إلى القاهرة فى يوم 4 ابريل
وفى ختام الجزء الرابع تحدثنا عن هذا الستقبال ))الخرافي(( أو فلنقل السطوري الذى استقبلت
به مصر سعدا حكومة وشعبا، ول غرابة فى ذلك، فقد كان إبرابز هذه المشاعر واتخاذها سعد
بزغلول رمزا لها كان هو أسلوب المة فى التعبير عن إرادتها، وقد استمرت الحتفالت بعودة
سعد بزغلول تنجلي لعديد من اليام فى الوفود التى هرعت من أنحاء البلد لتحية سعد وكان إلى
8
9. جوار بيت المة ارض فضاء) المقام فيها ضريح سعد( وفى هذه الرض أقيم سرادق ضخم
لجلوس هذه الوفود وكان سعد بزغلول من حين لخر، يطلع على المحتشدين ويخطب فيهم.
رد فعل اتستقبا:ل المة لسعد زغلو:ل:
وإذ كان من نواميس الطبيعة، أن يكون لكل فعل رد فعل، فلبد أن كان لهذا
الستقبال))الخرافي(( رد فعل فى مختلف الوساط المعادية للشعب، وفى الشعب وفى نفس سعد
بزغلول على السواء، فأما أعداء الشعب وعلى رأسهم انجلترا فلبد أن يكون الستقبال قد
أفزعها، ورعت ما ينطوي عليه من معان، حيث تضامن الشعب وتكتل خلف الرجل الذى
أصبحت انجلترا تعتبره خصما لدودا لها ولبد أن يكون السلطان أحمد فؤاد قد أفزعه بدوره أن
يصبح فى مصر إنسان بكل هذه القوة، وهؤلء الرجال من أعضاء الوفد الذين أعجبتهم كثرتهم،
وبدأوا يختلفون مع سعد وهم فى باريس، لبد أن يكون قد اسقط فى أيديهم، لهذا التأييد الكاسح
لسعد بزغلول، ولبد أن يكون الحسد) وهو بطبيعة بشرية( قد داخلهم ووجدوا انه لم يعد أمامهم
خيار، إما أن يستسلموا لسعد بزغلول تماما فلم يعودوا قادرين على مناقشته فضل عن مخالفته،
أو أن يخرجوا عليه، ولما كانوا جميعا من الشخصيات التى تعتز بنفسها، وتعتبر نفسها لطول
مزاملتها لسعد بزغلول أنهم أنداد له فقد قرروا، أن يخرجوا على سعد بزغلول، كما سوف نرى.
وقد فاتهم فى ذلك أمران، الول هو تغير الظروف تماما وتغير سعد بزغلول بمقدار هذا التغير،
والمر الثاني هو انعكاس هذا الستقبال عليه، فقد رأى فيه أن أسلوبه الذى اعتبره
الخرون))تطرفا(( هو السلوب الوحيد الذى يمكنه من الحتفاظ بثقة الشعب، وهو ما لم يعد
يرتضى به بديل، خاصة وقد رأى فى وعى الشعب ويقظته ما بهره هو شخصيا وفاق كل تقدير
وحساب.
التفاف العناصر المناوئة حو:ل عدلي يكن:
والمر الذى ل يمكن أن يكون محل شك هو أن جميع العناصر المناوئة التى فزعت من قوة سعد
بزغلول) النجليز والسراي ورصفاء سعد بزغلول( قد تكتلوا خلف عدلي يكن وراحوا يحرضونه
للوقوف فى وجه سعد بزغلول وعلى ذلك فقد رأينا شهر العسل بين وبزارة الثقة وبين سعد بزغلول
ل يكاد يكمل أسبوعين بعد عودة سعد بزغلول إلى مصر.
22 ابريل- تسعد زغلو:ل يحتكم إلى الشعب:
انتقلت الحتفالت بعودة سعد بزغلول إلى مختلف أحياء القاهرة، فأقيم له فى السيدة بزينب احتفال
وهنا نرى سعد بزغلول يخرج من سرية مفاوضاته مع الوبزارة إلى العلن فنراه يعلن شروبطه
للتعاون معها فى موضوع المفاوضات وغنى عن البيان، انه أراد بإعلن شروبطه على الشعب
أن يضغط بذلك على الحكومة التى لبد أن تكون قد رفضت بعض هذه الشروط وهى:
أول: أن تكون الغاية فى المفاوضات، الوصول إلى إلغاء الحماية بوجه عام، أى فيما يختص
بعلقة مصر بالدول جميعا ل بعلقتها مع الدولة النجليزية فقط.
ثانيا: الوصول إلى العتراف بالستقلل التام الدولي الداخلي والخارجي مع ملحظة إرادة
المة التى أبدتها فى التحفظات التى قدمها الوفد للجنة ملنر.
ثالثا: إلغاء الحكام العرفية والرقابة على الصحافة قبل الدخول فى المفاوضات.
9
10. رابعا: أن تكون للوفد أغلبية المفاوضين وان تكون له الرئاسة و أن يصدر بتحديد مأمورية
المفاوضين على هذا الوجه وهذه الكيفية مرسوم سلطاني يبين ويحدد هذه المأمورية.
ومن الواضح أن سعد بزغلول لم يجهر بهذه الشروط ويجعلها علنية، إل بعد أن فشل فى
الحصول على موافقة حكومة عدلي يكن عليها، فرأى أن يلجأ إلى السهم الخير وهو عرض
الموضوع على الشعب.
52 ابريل- عدلي يكن يتحدى تسعد زغلو:ل:
فى هذا اليوم نشرت جريدة الهرام حديثا مع عدلي يكن أعلن فيه تمسكه برئاسة الوفد وانه
سيمضى فى المفاوضة بسعد وبغير سعد.
خطبة تسعد زغلو:ل:
قال سعد عن تمسكه برئاسة المفاوضات ردا على ما قاله عدلي يكن فى حديثه من أن التقاليد
جرت بأن رئيس الحكومة تكون له رئاسة بعثة المفاوضات.
))هذه دعوى منهم لم يقيموا عليها دليل فل اعتبار لها، على أنه إذا صح فى البلد الوربية أن
رئيس الحكومة يجب أن تكون له الرئاسة دائما فل يصح ذلك فى مصر مطلقا بالنسبة للمهمة
السياسية التى نحن بصددها، فان مصر ليست بلدا دستوريا، ووبزارته لم ينتخبها الشعب، بل هى
معينة من بطرف الحاكم، فل يمكنها أن تدعى أنها وبزارة دستورية نائبة عن المة فهى معينة من
عظمة السلطان، بل أجاهز بالحقيقة التالية : المندوب السامي أيضا.
ومتى كان المرسوم السلطاني ممضى من رئيس الوبزراء والوبزراء فإنهم يكونون هم المسئولين
عنه لن عظمة السلطان يمثل سلطة الحماية المفروضة عليكم رغم أنوفكم، ليس لمصر وبزارة
خارجية الن وسياستها الخارجية بيد الدولة الحامية، فل يمكن لرئيس الوبزارة أن يدعى انه يدير
سياسة مصر الخارجية حتى يكون له وجه أن يكون رئيسا لمأمورية سياسية متعلقة بسياسية
المة وعلقتها مع الحكومة النجليزية ورئيس الوبزارة ليس إل موظفا من موظفي الحكومة
النجليزية، يسقط ويرتفع بإشارة من المندوب السامي، وهو بهذه الصفة ل يمكنه أن يكون بإبزاء
رئيسه وبزير خارجية انجلترا حرا فى الكلم، لنه مدين له بمركزه، فإذا بطلبنا الرئاسة فإننا
نطلبها ليكون الرئيس حرا مرتكزا على قوة ل تهاب شيئا مطلقا فى المطالبة بحقوقها وهى قوة
المة، ل أن يكون مرتكزا على قوة مستمدة من الحكومة النجليزية، لن ذلك يجعل المفاوضة
بين الصل وفرعه، أى بين الحكومة النجليزية والحكومة النجليزية أيضا.
ليست هذه أول مرة ذكرت فيها هذا المعنى الذى تشرفت بعرضه عليكم الن ولكنى رفعت
الصوت به فى وبزارة المستعمرات النجليزية، فقلت للجنة ملنر فى جلسة 52 أكتوبر سنة
0291: من الذى يعين المفاوضين المصريين فأجاب:
الحكومة المصرية، فقلت: إذن جورج الخامس يتفاوض مع جورج الخامس.
إن الوبزارة تريد أن تظهر أمام المة فى بيانها بأنها تريد أن تسير بإرادتها وتشترك مع الوفد فى
المفاوضات، ولكن المحيطين بها ورجال الصحافة الموالين لها يعملون ليل نهار، على منع الوفد
من الشتراك فى المفاوضة، هذا أمر ل نقبله مطلقا، إن الوبزارة التى قالت أنها تتمشى مع إرادة
المة وتشترك مع الوفد فى المفاوضات وفرحت بها المة، هى التى تأتى فى الوقت نفسه وتعمل
01
11. على إبعاد الوفد عن المفاوضة، ويشتغل أتباعها بطرق شتى لهذه الغاية، ل يمكنني أن اقبله،
وأقول أن مهمتي فيكم هى أن افضح كل ما يحصل من خديعة أو غش لكم و أن يسير كل أمر
بطبق إرادتكم، إذ تمكنت من ذلك فحسبي وإل فقد قمت بواجبي، والسلم((.
وأعلن سعد فى هذه الخطبة عدم ثقته بالوبزارة.
انفجار الموقف وانشقاق الوفد:
وهكذا أعلن عدلي باشا يكن تحديه لسعد بزغلول بقوله انه سيمضى فى المفاوضات بسعد أو بغير
سعد، ولم يضيع سعد بزغلول وقتا فى الرد على التحدي بالتحدي وكان مقررا أن يخطب فى نفس
الوقت، فأعلن بعد أن شرح لماذا يتمسك برئاسة الوفد انه لم يعد يثق بوبزارة عدلي فانفجر
الموقف وبدا انفجاره من داخل الوفد ذاته.
82 ابريل- اتستقالة أغلبية الوفد:
كان مقررا عقد اجتماع للوفد فى هذا اليوم لبحث موقف الوفد من المفاوضات والوبزارة، وكان
من رأى الغلبية مخالفة سعد بزغلول فى إعلنه عدم الثقة بالوبزارة، كما لم يروا رأيه فى وجوب
تمسكه بالرئاسة، فلما أصر سعد بزغلول على رأيه وأغلظ القول لمخالفيه، بادروا فاستقالوا من
الوفد، ونشروا نص استقالتهم فى الصحف وهذا نصها وهو صريح كل الصراحة فى تحديد
الموقف:
)) قضت مصلحة البلد التى أخذنا أنفسنا بالقيام عليها، أن نصارحكم القول أننا ل نستطيع أن
نقركم على جعل القضية المصرية قضية شخصية يصح أن يكون للميول الذاتية فى أمرها محل
من العتبار.
نقول والسف يمل قلوبنا أنكم بغير إجابزة من الوفد بل خلفا لقراراته الصريحة قد أعلنتم عدم
الثقة بالوبزارة بعد أن أجابت كل بطلباتكم ما عدا شرط الرئاسة الذى ل نراه يقدم أو يؤخر شيئا فى
حسن سير المفاوضات فعلتم ذلك فلما عرض المر اليوم على الوفد ولم تقركم أكثريته على هذه
الخطة الضارة صممتم عليها واستهنتم برأي الكثرية مرة أخرى، وجئتم بمثال من ذلك فى
معاملتكم لحدنا عبد اللطيف بك المكباتى.
تلقاء هذا الستئثار بالرأي والنفراد بالعمل ل يسعنا حقا وعدل إل أن نبرا إلى ال والى المة من
تبعة ))الشقاق(( الذى نجم عن انتحاء هذا النحو والذي بطالما سعينا فى اتقائه إلى حد مجاراة
بعضنا إياكم على دخول الوفد فى المفاوضات خلفا لخطته.
والن نرى أن الواجب الوبطني يقضى علينا أن نعلن ثقتنا بوبزارة نزلت على إرادة المة ووافقن
الوفد على كل ما اشترط من حيث مهمة المفوضين الرسميين والغراض التى يجب عليهم
السعي لبلوغها فان الوبزارة ل تستطيع أن تصل إلى تحقيق آمال البلد إل إذا كانت متينة المركز
فى المة معضدة الخطة من أولى الرأي فيها، ول نخال خذلنها إل خذلنا للغرض السمى الذى
عاهدت المة على الوصول إليه.
11
12. نعلن رأينا هذا ونصرح تلقاء الخلف القائم فى الرأي العام بان الخطة المثلى هى عدم دخول
الوفد فى المفاوضات الرسمية إتباعا لخطة الوفد الولى منبهين الوبزارة إلى أن كل اتفاق ليس
شامل للتحفظات التى أبدتها المة والتي تتمسك بها كل التمسك ل يقابل من الجمعية الوبطنية إل
بالرفض الصريح.
ولقد نشعر أن الذين صبروا إلى اليوم حقيق بهم أن يصبروا ويقدموا قربانا جديدا على مذبح
التحاد فى هذا الموقف، ولكن المر أجل من أن يحتمل تساهل، وأعجل من أن يقبل أناة،
والتحاد أوشك أن يكون مقصورا لذاته ل لثمراته، وال نسأل أهدى الفريقين منا سبيل إلى
تحقيق آمال البلد.
وتقبلوا فائق احترامنا.
المضاءات: حمد الباسل. عبد اللطيف المكباتى. محمد محمود. أحمد لطفي السيد. محمد على
علوبة.
وكان على باشا شعراوي قد سبق هؤلء فى الستقالة، ولكنه لم يوقع على البيان.
92 ابريل- تسعد زغلو:ل يرد ويفصل الغلبية:
وقد رد سعد بزغلول على هذا البيان ردا سريعا حاسما فى يوم 92 ابريل واليك النص:
)) استحسن بعض حضرات أعضاء الوفد أن ينشروا فى الجرائد خلفهم وان يقولوا فينا غير
الحق وقد أفرغت جميع الوسائل فى تلفى هذا الخلف وحسمه ابتعادا عن النقسام واستبقاء
للوحدة، فلم انجح وأبوا أل الستمرار فيه وإظهاره على بطريقة تبين منها جليا عدم وجود تضامن
فى العمل، وهو المبدأ الذى وضعه الوفد واقسم العضاء اليمان على احترامه، ويرى الوفد أن
مخالفة هذا المبدأ تعد بطبعها خروجا عنه، وانفصال منه، لنه يستحيل انتظام العمل فى هيئة لم
تربط أعضاءها رابطة من ثقة ول من اتحاد فى غرض، ول ارتباط بقاعدة، لهذا فإننا اعتمادا
على الثقة التى شرفتنا المة بها وأبدتها عند كل مناسبة، وعلى الخص فى المظاهرات التى
قابلتنا بها، وعلى التشجيعات التى ل تزال تبديها والتأكيدات الوثيقة التى تأتينا من كل الجهات
مؤيدة لتوكيلنا ومحبذة لخطتنا، نؤكد بأن الوفد الممثل للمة بعد انفصال المخالفين عنه يستمر فى
العمل رئيسه وأعضاؤه المتفقون فى المبدأ والغاية، وفى تبادل الثقة والخلص واحترام القواعد
التى وضعوها واليمان التى اقسموها، ويسعون بكل ما فى وسعهم للقيام بما عاهدوا المة عليه
حتى بلو غ الغاية، فل تهنوا ول تحزنوا فان قضيتكم عادلة ومصركم خالدة وال معكم.
تسعد زغلو:ل
المنشقون ورأينا الخاص:
لبد أن القارئ الكريم قد تبين أن خطاب من أبطلقت عليهم المة فيما بعد اسم المنشقين قد خل من
التحدث عن الستقالة من الوفد ولكن موضوعه فضل عن عباراته لم تدع مجال للشك فى أنهم
يخرجون على الوفد، فهم لم يكتفوا بإعلن مخالفتهم فى الرأي لما يقوله سعد بزغلول ويتبرأون
منه، بل أنهم هاجموا سعد بزغلول شخصيا واتهموه بما اتهموه به مما يفيد تعذر التعاون معه،
وهو ما لم يفت سعد بزغلول بدوره، فاعتبر ما فعلوه يهدم الثقة فى إمكان التعاون،ولذلك أشار لما
فعلوه بأنه انفصال منهم عن الوفد والشيء المحقق، أن المر كله كان معروفا ومتفقا عليه أو
21
13. شبه متفق بين كافة البطراف، فعدلي يكن ما كان ليخاصم سعد بزغلول فضل عن أن يتحداه إل
بعد أن يطمئن لتصور مساندة أغلبية الوفد له، وما كانت هذه الغلبية لتسارع بإعلن هذا التحدي
لسعد بزغلول إل تنفيذا لتفاق سابق تم بينهم وبين عدلي يكن، ومن رأى عبد الرحمن الرافعي
الذى كان معاصرا لهذا الفترة، وأرخ لها، أن هذا النفر من أعضاء الوفد هم الذين كانوا
يحرضون عدلي يكن للوقوف فى وجه سعد ولم يكد هذا النفر يجهر بالخصومة لسعد بزغلول
حتى نزعت عنهم جماهير الشعب ثقتها وأبطلقت عليهم اسم ))المنشقون(( واللطيف أن مادة
))الشقاق(( الذى استقت منها كلمة المنشقين، وردت فى بيان أعضاء الوفد الذين هاجموا فيه
سعد بزغلول حيث تبرأوا إلى ال والمة من تبعة ))الشقاق(( فكانوا هم المنشقون.
وقد انضم إليهم عبد العزيز بك فهمي والدكتور حافظ عفيفي وعبد الخالق باشا مدكور واستقال
رسميا من الوفد جورج بك خياط فاعتبروا بطريقة آلية من المنشقين، وإني لذكر الن يف كانت
هذه الكلمة تتردد فى بيتنا دون كبير سخط عليهم فبحكم كون والدي كان قريب عهد بوظيفته فى
))المعية(( فلم يكن فى يوم من اليام ))بزغلوليا(( وعلى هذا فلم أكن اسمع لعنات تصب عليهم،
فضل عن أن تصب على الحكومة ولكنى بعد هذا العمر الطويل )ستون سنة منذ هذه الحداث(
فأنى أتبين بوضوح حقيقة ما كان يجرى فقد حاول المنشقون وحاولت الحكومة قبلهم أن يظهروا
سعدا بمظهر المتعنت المستبد برأيه، حيث لم تكن هذه هى القضية، إذ ل جديد فيها، فمنذ كان
سعد بزغلول وهو سعد بزغلول اعتدادا بنفسه وبرأيه وكرامته، إلى درجة لم يسبقها مثيل، وإنما
الشيء الذى جهله المنشقون وعلى رأسهم حكومة عدلي يكن، أو ربما علموه ولم يستطيعوا أن
يطوروا أنفسهم للتلؤم معه، هو التطور الذى بلغه الشعب إلى هذه الدرجة ))المذهلة(( التى
جعلته ل يرضى بغير ))الستقلل التام(( ويرى فى سعد بزغلول رمزا على هذا الستقلل ،
وتتخلص عظمة سعد بزغلول فى انه وعى هذا التطور ووصل إلى مستواه فتحول من رجل أثنى
عليه كرومر فى خطبة الوداع بعد أن سب المصريين جميعا )راجع الجزء الثالث( إلى رجل
يناصب النجليز العداء ول يقيم لمبرابطوريتهم وبزنا، بإبزاء إرادة الشعب المصري وبدا يجد فى
التساهل مع النجليز خروجا عن توكيل الشعب له، حيث كان سعد بزغلول يتطور هذا التطور
كان بزملء المس يجمدون عند نظرتهم القديمة بالمس وهو الرضاء بما تجود به انجلترا إيمانا
منهم بقوتها التى ل تغلب.
92 ابريل- انفجار عدائي فى طنطا ضد الحكومة:
وسرعان ما تلقت الوبزارة نذيرا أنها ل تستطيع المضي فى الحكم فى هدوء واستقرار فضل عن
أن تفاوض النجليز باسم مصر، بعد أن أعلن سعد بزغلول انه ينزع الثقة من الوبزارة.
وقد جاء النذار والتحذير من بطنطا، إذ حدث اشتباك بين جموع المتظاهرين الذين انطلقوا
يهتفون الهتافات العدائية ضد الوبزارة بينهم وبين البوليس، وكان التحدي الحتكاك، واستعمل
البوليس العيرة النارية، فجرح أربعون وقتل أربعة ولك أن تتصور ما الذى يحدثه هذا الخبر
فى جماهير الشعب الغاضب على الوبزارة، الذى رأى فى هذه الفعلة محاولة لستمرار حكم
البلد بالحديد والنار، وقد حاول عدلي باشا يكن أن يهدئ من غضب الشعب فأعلن أن الوبزارة لم
تأمر بإبطلق النار واستنكر تصرف البوليس وان الحكومة ستجرى تحقيقا لمعرفة المتسبب فى
هذا العمل وإحالته إلى مجلس عسكري وانه أوقف حكمدار البوليس الذى اصدر أمر إبطلق النار
وأحاله إلى المحاكمة العسكرية، كل ذلك بطبيعة الحال لم يكن له أى اثر فى تهدئة الحالة التى
31
14. بزادت اضطرابا ونحن بعد هذا العمر الطويل وما تكشف من أحوال عدلي ومن كانوا معه ندرك
بطيبة قلبه التى تصل إلى حد السذاجة التى يتصور انه المر الوحيد الذى يسير الحكومة، غير
مدخل فى حسابه أن النجليز من ناحية والسلطان فؤاد من الناحية الثانية كانوا يسبقونه فى إدارة
الحكومة ول سيما فيما يتصل بالمن العام، بل أن من بين بزملئه فى الوبزارة من ينظرون نظرة
عدائية للشعب، وربما كانوا يسعون لتوسيع شقة الخلف بين الحكومة والشعب.
ماذا جاء فى مذكرا ت الدكتور حسين هيكل:
وللدكتور محمد حسين هيكل الذى سيصبح فيما بعد رئيسا لحزب الحرار الدستوريين الذى
أسسه عدلي باشا مذكرات قيمة تلقى ضوءا كاشفا على أفكار بعض بزملء عدلي باشا فى
الوبزارة )ثروت وإسماعيل صدقي( فأما ثروت فقد اخذ مكانته وشهرته من كونه نائبا عاما دائما
تحت سلطان النجليز.
أما الثاني وهو إسماعيل، فسنراه بطوال العشر سنوات القادمة، خلف أى عمل قمعي ضد الشعب،
ولنر الن ماذا قا:ل هيكل:
وسرعان ما اندلع لهب الخلف وانطلقت المظاهرات فى الشوارع منادية بحياة سعد. ورأت
الوبزارة أن من الواجب عليها أن تعيد المن إلى نصابه وان تقمع الفوضى فنشأ عن ذلك اشتباك
متكرر بين البوليس و))بولك الخفر(( وبين المتظاهرين كثيرا ما كان ينجلي عن جرحى من
الفريقين وقتل فى أثنائه بعض الفراد. وكان سعد بطبيعة الحال يشجع هذه المظاهرات علنا
ويتخذها عنوانا صادقا على تأييد المة له ونبذها من ل يسلمون بزعامته.
بل لقد ذهب فى التشجيع مرة إلى أن ذهب إلى حيث قتل احد المتظاهرين وغمس منديله فى دمه،
ونادى بأن عدلي هو الذى يحمل وبزر هذا الدم. وامتدت الفوضى من القاهرة إلى القاليم وذهبت
ضحيتها فى السكندرية مصالح للجانب جعلت النجليز يفكرون فى التدخل لعادة النظام
بوصفهم المسئولين عن مصالح الجانب وأرواحهم. ترى أتترك هذه المآسي تسير فى بطريقها
إلى نهايته؟ أم يجب أن يعالج المر علجا سياسيا يخفف من حدة الحوال ويعيد الطمأنينة إلى
النفوس؟
تحدثت فى هذا المر إلى بعض أصدقائي الشبان فى الحزب الديمقرابطي وكان لصديقي محمود
عزمي صلة خاصة بعدلي باشا. فلما قلبت معه وجوه الرأي اتجهنا إلى استقالة الوبزارة. وتكليف
سعد بتأليف وبزارة جديدة قد يعالج الموقف. وعاد إلى عزمي فى اليوم التالي لحديثنا يخبرني بأنه
بطالع به عدلي باشا بحضرة ثروت باشا وصدقي باشا فرأى من الرجلين معارضة أساسها أن
قبوله معناه ترك حكم البلد فى أيدي الغوغاء، وانه إذا لم تتمكن الحكومة من القضاء على
الفوضى وافلت الزمام من يدها كانت الطامة الكبرى وليس فى مقدور أحد أن يعرف ما يترتب
على ذلك من نتائج.
هذا رأى له من غير شك قيمته. وقيمته حاسمة فى ظروف الحياة العادية لكنى ترددت مع ذلك
فى قبوله. فحكومة عدلي باشا إنما تألفت لتتولى المفاوضة، ولتتولى هذه المفاوضة مع دولة قوية
أقرتها الدول الكبرى على الحماية التى فرضتها على مصر.
وإنما اعترفت انجلترا بأن الحماية علقة مرضية بين البلدين حين وقفت مصر كلها صفا واحدا
تصدر فى رأيها عن كلمة واحدة هى أنها ل تريد الحماية ول تريد بالستقلل بديل.
41
15. فإذا شغلت البلد عن مطالبها هذا بالخلفات الداخلية ثم ترتب على هذه الخلفات انتشار
الفوضى وإخلل الغوغاء بالنظام كان ذلك حجة لنجلترا تجعلها تبالغ فيما تطلبه من مصر مقابل
اعترافها لمصر باستقللها وسيادتها.
فإذا كان فى تولى سعد باشا الحكومة وقيامه بالمفاوضة ما يعيد إلى البلد كلمتها موحدة فذلك
خير من أن تبقى الفوضى تسود والضطراب يسرى ثم ل يعرف أحدا ما يكون من اثر ذلك كله
فى مطالب البلد.
03 ابريل- المير طوتسون ودعوته:
ونعود إلى سرد الحداث بترتيبها الزمني فبمجرد حدوث ما حدث فى بطنطا أدرك المير
بطوسون ما سوف يكون له من آثار، ولقد رأينا فى الجزء الرابع كيف كانت له مشاركة فعالة فى
الحداث الوبطنية، ولذلك فقد أذاع بيانا فى 03 ابريل اقترح فيه ما تصور انه يرأب الصدع
ويوحد الصف مرة أخرى.
فاقترح أن تقوم فى البلد جمعية وبطنية، عن بطريق النتخاب العام لتقرر باسم مصر المور
التية:
1- هل تدخل مصر المفاوضات أم ل.
2- إذا قررت دخول المفاوضات فعليها أن تضع قواعدها وتعين من يقومون بها.
3- إلغاء الرقابة على الصحف فورا ورفع الحكام العرفية.
4- أن تجرى المفاوضات فى مصر وليس فى انجلترا ليكون فى قدرة المفاوض التصال
المستمر بالمة.
ومرة أخرى نستشعر بعد هذا العمر الطويل مدى القوة التى كان عليها الشعب المصري، بحيث
كان قادة الرأي قد اسقطوا نهائيا النجليز من حسابهم، و أن لهم أى دور صغر أو كبر فى تسيير
المور.. ولذلك فل عجب، أن ذهب اقتراح عمر بطوسون مع الريح.
51مايو- رفع الرقابة عن الصحف:
غير أن عدلي باشا يكن كان لبد له أن يفعل شيئا وكان على النجليز أن يؤابزروه إذا أرادوا أن
يستمر فى الحكومة، فوافقوا على رفع الرقابة عن الصحف ابتداء من 51 مايو وصدر بذلك
إعلن من ))اللورد اللينبى(( بوصفه قائد القوات البريطانية فى مصر وكانت الوبزارة من ناحيتها
قد أذاعت بيانا بهذا المعنى وأضافت على سبيل العتذار أنها إذا كانت لم تلغ الحكام العرفية،
فليس ذلك إل لن النجليز هم الذين أعلنوها فى نوفمبر سنة 4191 ووعدت الحكومة بأنها
ستواصل سعيها للغائها.
وحدث الثر الذى هدف إليه النجليز من وراء موافقتهم على إلغاء الرقابة إذا اشتدت حملت
الصحف الوبطنية على عدلي باشا يكن وحكومته.
91 مايو- تشكيل الوفد الرتسمي:
من المحقق أن عدلي باشا يكن، كان يخضع لضغوط ليمضى فى سبيله على غير إرادته، ولسنا
نستبعد بطبيعة الحال، أن يكون قد رأى أن مصلحته الشخصية هى فى أن يمضى، ولذلك ترى
51
16. فى 91 مايو صدور المر السلطاني بتشكيل الوفد الرسمي للمفاوضات برئاسة عدلي باشا يكن
وعضوية حسين باشا رشدي وإسماعيل صدقي باشا ومحمد شفيق باشا وهؤلء من أعضاء
الوبزارة وأحمد بطلعت باشا وكان رئيسا لمحكمة الستئناف ويوسف سليمان باشا من الوبزراء
السابقين واصطحب الوفد مجموعة من المستشارين الفنيين من الموظفين أمثال عبد الحميد بدوي
وتوفيق دوس وشريف صبري وعبد الحميد سليمان وعبد المجيد عمر ويوسف نحاس واللواء
محمود عزمي والستاذ إبراهيم دسوقي أباظة والستاذ محمد خطاب والستاذ حامد العل يلي،
والستاذ أحمد محمد حسنين، والمهندس عبد القوى أحمد والستاذ عباس سيد أحمد وقد حرصت
على ذكر هذا النفر لننا سنقابلهم فى مقتبل اليام وبزراء وقادة.
صب الزيت على النار:
وقد كان هذا الجراء بمثابة صب الزيت على النار، فقد رأى فيه سعد بزغلول ومن ورائه
الغلبية الساحقة للشعب تحديا لرادتهم، فاندلعت المظاهرات فى عنف وشدة، وإذا كان سعد
بزغلول قد وصف يوما فى إحدى خطبه من يفاوض النجليز بدون إذنه وبعيدا عن رئاسته بأنهم
))برادع النجليز(( فان تحديد المفاوضين بالفعل قد جسد هذه البرادع فراح الشعب يهتف
بسقوبطهم واحدا واحدا بل ويهتف بسقوط كل من يخالف سعد بزغلول وتطور الموقف إلى
استعمال العنف، فهاجمت الجماهير الغاضبة بيوت المخالفين لسعد ورجمتها بالحجار.
12مايو- نداء من المير عمر طوتسون:
وليس هناك ما يصور الحالة العامة التى سادت البلد من هذا النداء الذى وجهه المير عمر
بطوسون للمة فى يوم 12 مايو سنة 1291 حيث قال:
)) يا أبناء بلدي العزاء بلغني من اشد السف ما حدث من بعض أشخاص غير المسئولين فى
أثناء المظاهرات السلمية مثل مهاجمة بيوت بعض المخالفين لكم فى الرأي والتقاذف بالحجار
فى الشوارع المر الذى ما كنا ننتظر صدوره من أى مصري ونحن قوم نريد الستقلل ونطلب
الحرية وأساس هذا المبدأ احترام كل فريق رأى الخر وعدم الحظر على أحد و إن شذ فى رأيه
وإذا لم نحترم هذا المبدأ فلماذا نشكو من ضغط النجليز على حريتنا ومصادرتهم لنا فى آرائنا
وكيف بعد هذا تريد بطائفة منا إرغام مخالفيها على إتباع رأيها بالقوة فأرجوكم اشد الرجاء
القلع عن هذه الخطة التى تضر قضيتنا المقدسة اكبر ضرر وتشين سمعتنا وتحط من كرامتنا،
وأناشد كل مخلص لوبطنه محب لبلده أن يجتهد فى منع ما يثير شبه الجانب فينا ويبعد عطفهم
ويخلق التهم البابطلة لنا لقول هذا وأنني ل انحيابزا إلى جانب الوبزارة لني غير موافق على
خطتها كما أظهرت فى اقتراحي ولكن الواجب هو الذى دفعني أن أبين لكم الخطر الذى ينجم عن
سلوك بطائفة منا غير المسلك القويم، هدانا ال جميعا إلى الصواب((.
22 مايو- اضطرابا ت التسكندرية الخطيرة:
وكما ذهب اقتراح عمر بطوسون لتأليف جمعية وبطنية فى الهواء، فان هذا النداء الجديد كان
بمثابة دعوة لمزيد من العنف والضطراب فى نفس المدينة التى اتخذها موبطنا له ونعنى بها
مدينة السكندرية ففى يوم 22 مايو أى اليوم التالي لندائه، اندلعت المظاهرات فى السكندرية،
61
17. اشد ما تكون عنفا وبزاد فى خطورتها أن وقع اشتباك بين المتظاهرين والجانب فى حي
))الهماميل(( وهو ذات الحي الذى وقع فيه فى يونيه سنة 2881 ما يعرف باسم مذبحة
السكندرية، وهو ما اتخذته انجلترا ذريعة احتلل مصر. وبلغ العنف منتهاه فنبهت المتاجر
وأحرقت بعض الدور وقتل كثير من الشخاص وفشل البوليس المصري والجيش المصري فى
السيطرة على الموقف، وفى خاتمة المطاف تدخل الجيش النجليزي وفرض قائده على المدينة
منع التجول.
وقد أسفرت هذه الحوادث عن قتل 34 مصريا وجرح 921 كما قتل من الوربيين 51 شخصا
وجرح 17.
تشرشل يستغل الموقف:
وقد أسرع ونستون تشرشل وبزير المستعمرات )وعهدنا به من غلة المستعمرين( ينتهز هذه
الفرصة ليعلن بأنه ل يرى أن الوقت قد حان لجلء الجيوش النجليزية عن مصر: ))خشية أن
يقضى الرعاع فى القاهرة والسكندرية على حياة الجاليات الجنبية وينهار صرح الصلحات
التى تمت على يد الدارة البريطانية(( وقد أثار هذا التصريح استنكار الكافة فى مصر: الحكومة
قبل الوفد، ولم يكن قد فات سعد بزغلول ما سوف تسببه هذه المظاهرات من خطر على مصر
فوجه إلى الشعب نداءين، دعا فى ثانيهما إلى إيقاف المظاهرات جملة.
بيان تسعد زغلو:ل:
لم يتردد سعد بزغلول فى استنكار ما حدث وتوالت بياناته ودعا فى ختام بيان أصدره فى 42
مايو مخابطبا الشعب: ))أيها المصريون أناشدكم الوبطنية الصادقة والخلص الصحيح لبلدكم
أن تقابلوا هذه الحادثة بما عهد فيكم من الربزانة والسكينة وان تستمروا فى إكرام ضيوفكم من
الوربيين وفى حسن الرعاية لهم ولو اعتدوا عليكم فذلك أبقى لمودتهم وأليق بكرم أخلقكم
وأحفظ لقضيتكم العادلة من أن يعوق سيرها عوامل الضطراب((.
ثم نشر فى اليوم التالي نداء إلى الشعب بوقف المظاهرات: ))و أن يقف إظهار سخطه على
الوبزارة عن بطريق التظاهر اتقاء لما يرتكبه القساة فيها من الفظائع المفزعة واكتفاء بما أظهره
لغاية الن من شدة سخط المة على الوبزارة.
اتستغل:ل النجليز للحادث:
على أن انجلترا التى كانت تقف متفرجة على تحول المصريين إلى الحرب فيما بينهم، ومتربصة
للنقضاض فى كل لحظة، ما كان ليفوتها استغلل هذا الحادث، وقد رأينا كيف أسرع تشرشل
بتصريحه، ولكن الخطر من ذلك كله أنها راحت فى الداخل، من وراء الستار، تؤلب الجاليات
الجنبية ضد الشعب المصري، وكانت الجالية اليطالية أكثر الجاليات استجابة، فكتبت تقريرا
مطول تحدثت فيه عن وحشية المصريين واعتداءاتهم البربرية على غير المسلمين من قبيل
التعصب العمى، بحيث شغل هذا الموضوع وعلجه بحمل الجانب المنصفين باستنكار هذا
التهجم على الشعب المصري الذين يعيشون فى ظله فى أمان ودعه وكانت الجالية اليونانية على
71
18. رأس المدافعين عن الشعب المصري ولكننا قبل أن ننهى شهر مايو سنة 1291 الحافل بالحداث
المؤسفة لتحول الصراع بين المصريين وبعضه، ينبغي أن نشير إلى موقف الحكومة من
الموظفين الذين أيدوا سعدا.
إجراءا ت ضد الموظفين الذين أيدوا تسعد زغلو:ل:
أقام الموظفون حفل تكريم لسعد بزغلول بعد أن هاجم الوبزارة ونزع منها الثقة ووصل فى
هجومه إلى حد نعت الوبزراء بأنهم ))برادع النجليز(( فذهبت كما يقولون مثل، وأصبح ل
يتحدث عن الوبزراء إل بهذا الوصف بأنهم ))برادع النجليز(( وما كنت لثبت هذا النص لول
أنني كنت ممن يلوكونه أيام صباي، فل عجب أن غضبت الحكومة على من أقاموا لسعد بزغلول
حفل تكريم فقدموهم إلى مجالس التأديب فصدرت عليهم أحكام خفيفة إن لم تكن تافهة، مما يدل
على تعابطف مجالس التأديب نفسها، ولما كان هؤلء الموظفون ممن سيلعبون دورا فى حياة
البلد فل مناص من ذكر أسمائهم: مكرم عبيد واحمد محمد خشبة: وبزارة الحقانية صادق حنين
ومحمود فهمي النقراشي: وبزارة الزراعة فؤاد شيرين وحسين فتوح ووبزارة المعارف نجيب
اسكندر بمصلحة الصحة ولم تزد العقوبة على النذار وكان من بينهم قاض وهو سلمة ميخائيل
فبرأته الجمعية العمومية بمحكمة الستئناف، وقد حاول بعض الزغلوليين استغلل الحادث
باعتباره بمثابة حكم بعدم الثقة بالوبزارة، فكان أن تقدم قضاة محكمة الستئناف بعريضة إلى
رئيس المحكمة يعلنون فيها ثقتهم بالحكومة ورئيسها عدلي باشا يكن.
7 يونيه- برقية تسعد زغلو:ل احتجاجا على تشرشل:
أرسل سعد بزغلول برقية إلى المستر لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية هذا نصها:
))باسم الشعب المصري انهض محتجا بكل قوة على ما جاء فى خطبة المستر تشرشل وبزير
المستعمرات النجليزية من انه ل يرى الوقت قد حان لجلء الجنود البريطانية عن مصر إذ ليس
من الكرم ول من العدل أن تتخذ حوادث السكندرية حتى قبل ظهور نتائج التحقيق فيها، فرصة
للقضاء على شعب بتمامه تبريرا للغراض الستعمارية فقد وقعت هذه الحوادث بغتة ولم
تتجاوبز بعض الحياء فى المدينة، فى حين أن الجانب فى سائر جهات القطر لم ينقطعوا لحظة
واحدة عن التمتع بلطف جميع المصريين وحسن مودتهم.
ومضى شهر يونيه 1291:
وانقضى شهر يونيه، بين محاولة استنكار ما قاله تشرشل من جميع الجبهات، وأذاعت الحكومة
بيانا من أن رئيسها عدلي يكن قابل المندوب السامي وتلقى منه التأكيدات عن انه ل تأثير لهذه
التصريحات على سير المفاوضات المقبلة على أن شغل البلد شاغل، أصبح يتلخص فى محاولة
سعد بزغلول إظهار الوبزارة أنها ل تؤتمن على قضية البلد، وأنها ل تمثل شيئا فى مصر بينما
مضت الحكومة تستقبل الوفود ممن شتى الجهات والهيئات، وأصلى سعد من ناحيته هذه الوفود
نارا حامية وأنها تساق سوقا لظهار هذا التأييد، والى جوار الوفود كانت عرائض الثقة تتوالى
على سعد بزغلول من ناحية وعلى الحكومة من الناحية الخرى، بحيث تهكم وبزير بريطاني على
81
19. المصريين فى مجلس النواب النجليزي، فقال: حيث ل يزيد تعداد مصر عن 41 مليونا، فان
عدد من وقعوا على عرائض الثقة سواء لهذا الجانب أو ذاك سبعة عشر مليون توقيع.
وقد كان المر كله مأساة، فبعد أن كانت المة صفا واحدا كالبنيان المرصوص مما أذهل الدنيا
كلها، وجعل المبرابطورية البريطانية كلها ممثلة فى اللورد ملنر ولجنته، تنحني أمام إرادة
الشعب المصري، أما الن فقد انتهى ذلك كله وانقسمت البلد.
أو:ل يوليو تسنة 1291- تسفر الوفد الرتسمي:
وسافر الوفد الرسمي أخيرا برئاسة عدلي يكن فى أول يوليو من هذه السنة من مدينة السكندرية
على ظهر إحدى البواخر )لم يكن السفر بالطائرات قد عرف بعد( ليظهر ويظهر النجليز معه
مدى تصميمهما على الوصول إلى اتفاق وكان من سيتولى المفاوضات من الجانب النجليزي
هو اللورد كيربزون وكان النقسام الذى حدث فى صفوف المة ينذر بان الطرفين لن يصل إلى
اتفاق، ولكن الشيء المحقق، انه ل عدلي يكن ول بزميله حسين رشدي كانا يتصوران أن اللورد
كيربزون أو بالحرى النجليز سيخذلنهما إلى هذه الدرجة.
وليس هناك ما يقال عن مجريات المور فى بقية شهر يوليو وشهر أغسطس، فقد
كانت المفاوضات تجرى فى سرية تامة، ولم تلبث أن توقفت فى شهر أغسطس إبان عطلة
البرلمان النجليزي. وفى مصر استمرت حملة الصحف الوفدية على وفد المفاوضات بكل
ضراوة وعنف، وأرسل سعد بزغلول الستاذ وليم مكرم عبيد وانضم إليه فى لندن الدكتور حامد
محمود، ليعرضا وجهة نظر سعد بزغلول فى هجومه العنيف على عدلي يكن وإظهاره أمام
النجليز بأنه الرجل الخارج على إرادة المة، المقيد لحرياتها.
وكان عبد الخالق باشا ثروت هو الذى يدير الحكومة والبلد نيابة عن عدلي باشا يكن.
وقد استطاع فيما يبدو وكما سوف يتضح من الحداث القادمة أن يثبت انه الرجل الوحيد الذى ل
رجل غيره الذى يستطيع أن تتعاون معه انجلترا، وكان اللورد اللنبى هو صاحب هذا العتقاد.
بقية شهر يوليو وكل أغسطس عام 1291:
ومضى شهرا يوليو وأغسطس فيما ل يخرج عن حدود المفاوضات فى لندن وكانت تجرى فى
سرية تامة كما قدمنا، ولم تلبث أن تبابطأت فى شهر أغسطس، ثم توقفت تماما فى شهر سبتمبر،
حيث كانت الوبزارة النجليزية والبرلمان فى عطلة.
وكانت الحوال هادئة فى مصر شأنها فى هذه اليام كل صيف، حتى سعد باشا بزغلول كان فيما
يشبه الجابزة فقصد عزبته فى مسجد))مسجد وصيف(( ولم يعد منها إل فى ختام الشهر)92
أغسطس( حيث ألقى خطابا عاما ندد فيه ما كان شأنه فى هذه الفترة بحكومة عدلي يكن بفرعيها،
سواء المفاوضات التى كانت تجرى فى لندن، أو فرعها فى مصر والذي كان يقوده عبد الخالق
باشا ثروت، فكان ذلك إشارة، بعودة النشاط إلى الحركة السياسية.
91 تسبتمبر 1291- وصو:ل لجنة تسوان:
قدمنا أن سعد باشا بزغلول أوفد الستاذ مكرم عبيد إلى لندن، ليهاجم عدلي باشا وإظهاره بمظهر
الخارج على المة، الذى ل يثق به أحد، وبالتالى فليس له أن يتفاوض باسم مصر، حيث وكلت
91
20. المة لهذا الغرض سعد بزغلول، وانضم لمكرم عبيد الدكتور حامد محمود، فكان أن اتصل
بنواب من حزب العمال وعلى رأسهم ))مستر سوان((.
وهكذا انتقل الخلف الذى يجرى فى مصر إلى صفحات الصحف النجليزية وأمطر المستر
سوان وصحبه الوبزراء النجليز بوابل من السئلة التى تحوى أدق التفاصيل عن مجريات
الشئون فى مصر، وقد اشرنا فيما سبق، إلى واحد من هذه السئلة الخاصة بعرائض الثقة والتي
بلغ عد الموقعين عليها أكثر من الشعب المصري. ولم يدخر سعد بزغلول وسعا فى إظهار
رضائه على هذا النفر من النواب النجليز، وأخيرا أرسل للمستر سوان دعوة للحضور إلى
مصر هو ومن يريد من بزملئه، للبطلع بنفسه على مدى التفاف الشعب المصري حوله، وعدم
ثقته بالوبزارة التى تتفاوض باسمه مع النجليز تحت رئاسة عدلي باشا يكن، وقد لبى المستر
سوان وثلثة من النواب العمال ورابع من حزب الحرار أى أن البعثة كانت تتألف من خمسة
نواب وقد أقاموا فى لندن احتفال قبل مغادرتهم لها، ليفصحوا عن الغرض من هذه الرحلة،
ويقول الدكتور عبد العظيم رمضان فى كتابه) تطور الحركة الوبطنية فى مصر( أن عبد الخالق
باشا ثروت: القائم بأعمال رئيس الوبزراء فى مصر، أدرك ما سوف يكون لهذه الزيارة من
عواقب ضارة فسعى لدى النجليز للحيلولة دون حصولها، ولكن الحكومة النجليزية رفضت
ذلك إل أن يطلب منها رسميا، ولم يشأ عدلي باشا يكن رئيس الحكومة أن يتحمل هذه المسئولية
فلم يطلب ذلك رسميا، وعلى هذا فقد سافرت البعثة إلى مصر، فوصلت إلى السكندرية فى 91
سبتمبر 1291 وبمجرد دخول الباخرة إلى الميناء كانوا محل حفاوة تكريم من الشعب المصري
الذى أراد أن يظهر مدى التفافه حول سعد بزغلول الذى لم يدخر وسعا فى إكرامهم وفى مجلت
هذا الوقت)اللطائف المصورة( سترى صورة سعد بزغلول والنواب النجليز يمتطون الجمال
أثناء بزيارتهم لمنطقة الهرام، ولكنهم لما كانوا قد جاءوا لمصر لهدف سياسي، فقد راح سعد
بزغلول يطوف بهم بعض الحياء فكانوا يستقبلون بأعظم مظاهر الحفاوة التى تظهر مدى التفاف
الجماهير حول سعد بزغلول.
وقد شاء سعد بزغلول بعد ذلك، أن يستغل وجودهم فى مصر وعدم تعرض السلطة البريطانية
لهم لكى يطوف بهم البلد، فتلقى هو والضيوف دعوة من شعب مدينة بطنطا ممثل فى بعض
أعيانه، وقبلت الدعوة على الفور، ولكن السلطة المصرية )بالتفاق بطبعا مع السلطة البريطانية(
قررت منع هذه الزيارة، وتبادل سعد بزغلول وأحمد باشا على وكيل وبزارة الداخلية آنذاك رسائل
حول هذا المنع وقد حاول سعد بزغلول أن يوعز من بطرف خفي لشعب بطنطا، أن يخلو بالمن
من جراء هذا المنع: ))وربما ترتب على هذا المنع إحراج صدور الناس وإخراجهم عن حالة
السكينة التى هم متلبسون بها الن وعلى كل حال فإني أتخلى عن كل مسئولية تنجم عن هذا
المنع((.
وعلى الرغم من هذا اليعابز بإحداث القلئل فانه لم يقع أى شيء على البطلق بالرغم من حب
الشعب لسعد، وانه رهن إشارته. وعمد سعد بزغلول بعد ذلك، إلى الطواف مع ضيوفه بدون
ترتيبات سابقة يعلن عنها، فسافر مع ضيوفه إلى بورسعيد حيث قوبلوا بمظاهرات عارمة من
الحفاوة، ثم كانت بزيارة للمنصورة ولكن يبدو أن المر كان قد عرف مسبقا فإذا ببعض الهتافات
العدائية ترتفع ضد سعد وضيوفه، وكتب الدكتور محمد حسنين هيكل مقال فى جريدة الهرام يند
بهذه الزيارة وختمه بقوله: ))أل يصح لنا بعد ذلك كله أن نقول أن لجنة المستر سوان قد مثلت
فى مصر رواية مضحكة )انجليزية مصرية( تذكرنا بقول أبى الطيب.
02
21. وكم ذا بمصر من المضحكا
ت ولكنه ضحك كالبكاء
7 أكتوبر 1291- رجوع بعثة تسوان إلى انجلترا:
وفى السابع من أكتوبر قفلت بعثة سوان عائدة إلى لندن، وودعت فى محطة مصر، وفى سائر
المحطات حتى السكندرية بما يليق ويتفق مع مكانة سعد بزغلول، وأرسلت البعثة فى اليوم التالي
من السكندرية أى قبيل مغادرتهم لها سعد بزغلول البرقية التالية:
حضرة صاحب المعا:ل تسعد زغلو:ل باشا
فى لحظة قيامنا إلى انجلترا نريد أن نعبر لمعاليكم وللمة المصرية بواسطتكم، عن شكرنا الفائق
على ما أظهرتم وأظهرت لنا مدة إقامتنا القصيرة من حسن الضيافة وجميل الحفاوة ونسأل ال أن
يحفظ لكم صحتكم حتى تواصلوا جهادكم إلى أن تروا مصر متمتعة بحريتها واستقللها التام وهو
ما يبتهج له فى يقيننا كل من يغار على مصلحة أمته الحقيقية من النكليز والمصريين على
السواء.
توقيعــــا ت
بعثة تسوان فى الميزان:
ولقد حدث اختلف كبير بين جمهور المثقفين وقتها حول صواب هذه البعثة وجدواها، وقد
ترامت إلى سمعي إبان صباي المبكر، أصداء هذا الخلف ولكنى ككل من حولي لم نكن نحفل
به، واليوم وبعد نصف قرن إذ أدون هذا الحادث فل استطيع أن اعلق عليه إل بأنه صفحة من
صفحات جهاد سعد بزغلول آنذاك.
11 أكتوبر 1291- رحلة تسعد زغلو:ل فى صعيد مصر على ظهر باخرة نيلية:
عندما ننظر إلى الحداث وتعاقبها بعد هذا العمر الطويل نستطيع أن نستنتج أن أعضاء بعثة
سوان لبد أن يكونوا قد نصحوا بتقصير إقامتهم فى مصر والعودة إلى انجلترا، ولما كان
الناصح لهم هم انجليز مثلهم فقد تقبلوا النصيحة وسافروا ولما كان الوفد قد سبق واستأجر باخرة
نيلية للضيوف النجليز ليصلوا على ظهرها إلى القصر، على أن يلبوا دعوة شعب أسيوط وهم
فى الطريق، كما يلبوا دعوة فخري عبد النور فى جرجا، ولذلك فلم يكد يغادر الضيوف مصر
فى 8 أكتوبر حتى أقلعت الباخرة النيلية بسعد بزغلول بمفرده للقيام بالرحلة وكانت هذه فرصة
الدارة، فعملت بأسلوبين الول أن تمكن لخصوم سعد بالحتشاد على بعض الشوابطئ)ديروط
مساء 31 أكتوبر وقبلها فى ملوي( أن يهتفوا بحياة عدلي وسقوط سعد.
12
22. أما السلوب الثاني الذى لجأت إليه الدارة فهى أن تحول بين سعد وبين أن ينزل إلى الشابطئ،
حيث أراد سعد بزغلول أن يلبى دعوة من دعوه وأقاموا لذلك سرادقا ضخما، وبزينات، ولكن
الدارة تذرعت بأن فريقا آخر يعارض فى دعوة سعد وان فتنة توشك أن تقع فى البلد، وعلى هذا
فقد حيل بين سعد وبين النزول إلى البر، وبالرغم من ذلك فقد وقعت الفتنة، ومات ثلثة نفر
وجرح خمسة وثلثون، وتكرر مثل ذلك فى سوهاج، وفى غيرها من بلد الصعيد وأخيرا قررت
الحكومة منع الستمرار فى الرحلة بهذا السلوب، وعاد سعد بزغلول إلى القاهرة فى آخر
أكتوبر، وقد ترك ما حدث جرحا عميقا فى نفسه ضد عبد الخالق ثروت باشا بخاصة حيث
اعتبره مسئول عن كل ما حدث.
31 نوفمبر- احتفال ت بعيد الجهاد:
وأخيرا تكرس الخلف وأصبح كما لو كان شيئا مقدسا فأقيم لول مرة احتفالن فى ذكرى عيد
الجهاد )31 نوفمبر( وهكذا تحدد بصورة قابطعة نواة الحزب الخر، الذى كان يطلق عليه، حتى
هذه الساعة ))العدليون(( ولكنه لن يلبث أن يطلق على نفسه ))الحرار الدستوريون((.
91 نوفمبر 1291- فشل المفاوضا ت رتسميا:
فى هذا التاريخ صدر فى لندن بل غ رسمي من وفد المفاوضات المصري يفاجئ المصريين
بفشل المفاوضات واليك نصه:
))سلم اللورد كيربزون الوفد المصري مشروع معاهدة وضعتها الوبزارة البريطانية وقد أجاب
الوفد عليها بمذكرة صرح فيها بان المشروع ل يسمح بالوصول إلى اتفاق وعلى ذلك قرر الوفد
العودة إلى مصر وسيغادر لندرة غدا صباحا وقد قابل دولة الرئيس اليوم اللورد كيربزون لخر
مرة مودعا. وقد غادر الوفد بالفعل لندن إلى باريس، ولكن عودته إلى مصر قد تأخرت بعض
الشيء لعدم وجود أماكن خالية فى السفن.
وأرسلت الحكومة البريطانية النصوص إلى اللورد اللينبي ليذيعها فى مصر فأعلنت يوم 3
ديسمبر ولكننا نرى أن نثبت نص المعاهدة التى عرضتها انجلترا على مصر، وقد نشأنا ودرجنا
على ))تسميتها(( مفاوضات عدلي وكيربزون، ولما كانت الوثيقة الثالثة ل تعدو أن تكون حديثا
من انجلترا توجهه إلى الشعب المصري، فنحن نرجئ التعرض لها حتى يأتي أوان نشرها.
الوثيقة الولى
))مشروع اتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر((
وهو الذى قدمه كيرزون إلى الوفد الرتسمي المصري
انتهــاء الحماية
1- فى مقابل إبرام المعاهدة الحالية والتصديق عليها تقبل حكومة جللة ملك بريطانيا
العظمى رفع الحماية المعلنة على مصر فى 91 ديسمبر سنة 4191والعتراف بمصر
من ذلك الحين دولة متمتعة بحقوق السيادة تحت أمرة ملوكية دستورية فبمقتضى هذا قد
22
