SlideShare a Scribd company logo
1 of 97
Download to read offline
1
‫يتضمن هذا الكتيب مجموعة المقاالت التي نشرتها بعد ثورة‬
‫14 جانفي 4411 ..حاولت خالل رصد أداء األحزاب‬
          ‫السياسية والحكومات التي تعاقبت على قيادة البالد .‬

‫إن ما حدث ويحدث في تونس بعد الثورة ال عالقة له بمسار‬
‫الثورة وال بمبادئها وال قيمها. هو تنافس على الفوز بأكبر نصيب‬
‫من "كعكة" صنعها شباب القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها‬
‫من المناطق الداخلية. صنعها الشباب العاطل عن العمل وأبناء‬
‫األحياء الفقيرة لكنها سرقت منهم ووضعت على طاولة األحزاب‬
‫والحقوقيين وغيرهم كل يقول إنه ساهم في صنعها أو هيأ‬
                               ‫و‬
                                          ‫الظروف لصناعتها.‬




                             ‫2‬
‫الحكومة المؤقتة تقود البالد بوعود النظام السابق‬


‫صباح يوم الجمعة 14 جانفي كان الرئيس المخلوع زين‬
                   ‫ّ‬
‫العابدين بن علي متفائال، ويعتقد أن األزمة التي ضربت‬
‫نظامه بداية من يوم 14 ديسمبر 2420 في طريقها إلى‬
                                           ‫الحل....‬
‫لم يكن يتصور أنّه بعد ساعات سيجد نفسه مضطرا‬
         ‫للهروب خارج تونس التي حكمها نحو 20 سنة.‬

                                              ‫*****‬
‫كان بن علي متفائال صباح ذلك اليوم باالستناد إلى ردود‬
‫الفعل األولية التي بلغته حول الكلمة التي ألقاها مساء 24‬
‫جانفي والتي أصبحت معروفة شعبيا بـ"فهمتكم"... كان‬
                                               ‫ّ‬
‫يعتقد أن الوعود التي أطلقها بمنح الحريات كاملة وبعث‬
‫لجنة للبحث في الفساد والرشوة ومحاسبة المسؤولين‬
‫على "األحداث"... في سيدي بوزيد وتالة والقصرين...‬
‫كافية ليعود الشباب إلى منازله ويُخلي الشوارع من‬
                            ‫المظاهرات واالعتصامات.‬

                                               ‫*****‬

                          ‫3‬
‫لكن فيما بن علي متفائل ووكاالت األنباء تنشر‬
‫تصريحات احمد نجيب الشابي واحمد إبراهيم (الحزب‬
‫الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد) االيجابية تجاه‬
‫وعود بن علي، وتأكيدات كمال مرجان (وزير الخارجية‬
      ‫ّ‬
‫األسبق) لتشكيل حكومة ائتالفية... كان الشعب حدد سقفه‬
‫السياسي وهو "ارحل يا بن علي"... أي أنّه رفض‬
‫وعود بن علي متجاوزا بذلك كافة السياسيين‬
                                        ‫واألحزاب...‬

                                            ‫*****‬
    ‫ّ‬
‫يوم 24 جانفي وصباح يوم 14 جانفي يمكن القول أن بن‬
‫علي ومن معه حددوا المالمح الكبرى ألدائهم في‬
‫المستقبل وهي: حكومة ائتالفية وفتح المجال أمام‬
‫الحريات ومقاومة الفساد والرشوة... الخ استجابة لضغط‬
‫الشارع... لكن هروب بن علي جعل هذا المشروع يسقط‬
‫ليتلقفه السيد محمد الغنوشي ويواصل العمل به بعد 14‬
       ‫جانفي، باعتباره مشروع الثورة وأحد إفرازاتها.‬

                                                   ‫*****‬
‫وبدا واضحا منذ يوم 14 جانفي تاريخ اإلعالن عن أول‬
‫تشكيلة حكومية بعد الثورة أنّه ال نيّة حقيقية لتفكيك البنية‬
‫األساسية لنظام بن علي وأن مهمة الحكومة التي أُطلق‬
                        ‫ّ‬     ‫ّ‬
‫عليها اسم "الحكومة الوطنية" ستكون تنفيذ مشروع يوم‬
                            ‫4‬
‫24 جانفي الذي س1طر في قصر قرطاج وقصر‬
                                   ‫الحكومة بالقصبة.‬
‫كل اإلجراءات التي أعلنت عنها حكومة 14 جانفي كانت‬
‫عناصرها موجودة في كلمة بن علي يوم 24 جانفي‬
‫(الحريات – اإلصالح السياسي – مقاومة الفساد... الخ)‬
‫لم تأت هذه الحكومة بأي جديد... لذلك تم رفضها وتحول‬
  ‫ّ‬             ‫ّ‬
‫الشعار الذي يرفعه الشعب إلى شعار "الشعب يُريد‬
                                    ‫إسقاط الحكومة."‬

                                               ‫*****‬
‫ومثّل اعتصام القصبة الذي ضم اآلالف من أبناء الجهات‬
‫الداخلية ممن كانوا وقود الثورة درسا جديدا في الوعي‬
‫السياسي للشعب التونسي الذي رفض االلتفاف على‬
‫ثورته وتمسّك بمطلبه في إسقاط حكومة 14 جانفي‬
                     ‫والتخلّص من رموز النظام السابق.‬
‫أسقط المعتصمون الحكومة، واستقال منها من استقال‬
‫وتم التخلي عن عدد من الوزراء الذين ارتبطت أسماؤهم‬   ‫ّ‬
‫بالتجمع الدستوري الديمقراطي... لكن دون أن يعني أنّها‬
‫استفادت من درس االعتصام... فقد واصلت الحكومة‬
        ‫إتباع األساليب ذاتها المتبعة قبل يوم 14 جانفي...‬

                                               ‫*****‬

                           ‫5‬
‫أول هذه األساليب كانت الطريقة التي فرقت بها‬
‫الحكومة المعتصمين فقد اعتمدت على العنف والقنابل‬
‫المسيّلة للدموع والكالب المدرّبة وغيرها من األدوات‬
   ‫التي اعتقد الشعب أنّها ذهبت مع سقوط رمز النظام...‬
                                       ‫ّ‬
‫لكن كان واضحا أن هناك نيّة حقيقية لاللتفاف على ثورة‬
                                                 ‫الشعب.‬
‫لم تستوعب الحكومة الدرس من اعتصام القصبة وغيره‬
‫من االعتصامات في المدن الداخلية... بل إنّها لم تفهم أن‬
‫الشعب كان يطمح للتغيير الشامل وال يقبل بااللتفاف‬
‫والدليل على ذلك مرة أخرى الطريقة التي عينت بها‬
‫الوالة، نحو 14 واليا كانت لهم انتماءات للتجمع‬
‫الدستوري الديمقراطي وعديد منهم كان متورطا في‬
                                           ‫قضايا فساد...‬

                                                ‫*****‬
‫األمر ال يقف عند هذا الحد، فاللّجان الثالث التي شكلت‬
                            ‫ّ‬
‫للبحث في قضايا الفساد والتجاوزات واإلصالح السياسي‬
‫ّ‬
‫لم تخل بدورها من عناصر النظام السابق ومن ذلك أن‬
‫لجنة الفساد تضم بين صفوفها أحد المحاميين المعروفين‬
                                       ‫ّ‬
           ‫بتعامله مع العائلة التي عاثت فسادا في البالد.‬
‫إن هذه العناصر وغيرها تبيّن أن الحكومة التي جاءت‬
  ‫بعد ثورة 14 جانفي لم تكن تتصرف بالصدفة بل كانت‬
                    ‫ّ‬
‫واعية بما تقوم به... كانت تعرف أن دورها هو استمرار‬
                           ‫6‬
‫النظام القديم وإدخال اإلصالحات عليه، وهي‬
‫اإلصالحات التي تم اإلعالن عنها يوم 24 جانفي‬
                                  ‫ّ‬
‫وصباح 14 جانفي... لم تكن تتعامل مع ما أنجزه الشعب‬
‫يوم 14 جانفي على أنّه ثورة حقيقية... بل على أساس أنّه‬
                     ‫انتفاضة فرضت بعض التغييرات.‬
‫والدليل على ذلك... أوال أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء‬
‫أو قرار جديد غير التي تم اإلعالن عنها يوم 24‬
                         ‫ّ‬
‫جانفي. وثانيا... التصريح الذي أدلى به احمد اونيس‬
‫(وزير الخارجية السابق) إلحدى القنوات التلفزية حين‬
 ‫أكد أن ما حصل يوم 14 جانفي ليس ثورة، بل انتفاضة.‬  ‫ّ‬
‫احمد اونيس (وزير الخارجية األسبق )الوحيد الذي كان‬
                            ‫واضحا فدفع ثمن وضوحه.‬

                                            ‫*****‬
‫من هنا نفهم لماذا هذه المسافة الواسعة بين الحكومة‬
‫المؤقتة والشعب بين الحكومة المؤقتة وكافة مكونات‬
                          ‫المجتمع السياسي والمدني.‬
‫الحكومة المؤقتة تحرص على االلتفاف على ثورة‬
‫الشعب وحصرها في انتفاضة تتطلب فقط بعض‬
‫اإلصالحات على النظام القديم والشعب مقتنع أن ما‬
‫أنجزه يوم 14 جانفي هو ثورة حقيقية تتطلب تغييرا‬
                                     ‫شامال وحقيقيا.‬

                          ‫7‬
‫وزارة الداخلية تقيل وزير الداخلية !!!‬

‫كان يمكن أن يكون خروج السيد فرحات الراجحي من‬
‫وزارة الداخلية حدثا عاديا شأنه إقالة أو استقالة أي وزير‬
‫، خاصة أن البالد عرفت منذ يوم 14 جانفي ثالث‬
‫حكومات ، لكن ربّما ثالثة عناصر جعلت من هذا‬
‫الخروج حدثا غير عادي على األقل في الشارع‬
                                              ‫السياسي.‬

‫العامل األول تكتّم الرئاسة المؤقتة وحكومة الباجي قائد‬
‫السبسي على أسباب ودوافع هذه اإلقالة واكتفائها بإصدار‬
‫بالغ قصير ال تختلف صياغته عن البالغات التي كانت‬
                                  ‫تصدر قبل 14 جانفي.‬

‫أما العامل الثاني فإنّه حجم الوزارة التي كان يشرف‬
‫عليها فرحات الراجحي وخاصة الملفات المطروحة‬
‫عليها والمهام المنوطة لها خالل هذه الفترة الدقيقة التي‬
‫تمر بها البالد ، أما العامل الثالث فإنه ما يحاول "شباب‬
‫الفيس بوك" اقحامه وهو شخصية فرحات الراجحي‬
‫المرحة والمقبولة التي قطعت حسب رايهم مع "البرودة‬
  ‫" و "الصرامة" التي كانت تميز دائما وزراء الداخلية.‬


                           ‫8‬
‫ونعتقد أن البحث في هذه العوامل الثالثة على أهميته ال‬
‫يجب أن يبعدنا عن طرح السؤال الجوهري وهو هل أن‬
‫إقالة السيد فرحات الراجحي ستساهم في تحقيق المطلب‬
‫األول للتونسيين وهو األمن الذي مازال يعرف انفالتا‬
‫وهل أنها ستساهم في مزيد التقدم بمسار اإلنتقال‬
‫الديمقراطي ؟ وبعبارة أخرى هل أن هذه اإلقالة هي‬
              ‫خطوة إلى األمام أم خطوتان إلى الوراء؟‬

‫يدرك كافة المراقبين للشأن السياسي أن السيد فرحات‬
‫الراجحي تقلد المسؤولية األولى في وزارة الداخلية في‬
                             ‫ّ‬
‫مرحلة دقيقة وحساسة تمر بها البالد يمكن توصيفها كمن‬
‫رميت بيديه جمرة وطلب منه أن يقبض عليها حتى‬
‫تطفأ وهي الوقت ذاته هناك من ينفخ في هذه الجمرة‬
‫حتى ال تطفأ وهناك من ينصحه بالصبر وهناك من يرفع‬
           ‫معنوياته بالتأكيد أن الوقت كفيل بهذه الجمرة.‬
‫ويبدو أن السيد فرحات اراجحي كان " ضائعا" بين‬
‫هؤالء وال يعرف لمن يدير وجهه حتى قيل له : لقد‬
                    ‫فشلت في التجربة ويجب أن ترحل.‬

‫ومن خالل تتبع الوضع األمني في البالد وما عرفته‬
‫وزارة الداخلية منذ يوم 14 جانفي يمكن القول بأن اقالة‬
‫السيد فرحات الراجحي مصدرها وزارة الداخلية ذاتها‬
     ‫أي أن وزارة الداخلية هي من أقالت وزير الداخلية!!‬
                           ‫9‬
‫عندما استلم السيد فرحات الراجحي الداخلية خاض‬
‫معركة" مه من سماهم فلول النظام البائد في الوزارة‬
‫تجلّى ذلك اقالة عديد اإلطارات والكوادر ويبدو أنه قطع‬
‫شوطا في هذه الصدد مستعينا في ذلك بدعم الجيش‬
                  ‫الوطني وهذه الحقيقة أكدها هو بذاته.‬

‫غير أن "الصراع" داخل الوزارة تحول بعد ذلك من‬
               ‫ّ‬
‫"معركة" مع فلول النظام البائد إلى "معركة" التقليل من‬
‫تأثير الجيش الوطني داخل وزارة الداخلية وثمة في هذا‬
‫الصدد عديد المعطيات التي تؤكد ذلك ، بدأت هذه‬
‫المعركة بإقالة مدير األمن الوطني السيد أحمد شابير‬
     ‫وانتهت برأس الوزير ذاته السيد فرحات الراجحي.‬

‫وربما هذا ما يفسّر حكومة السيد الباجي قائد السبسي‬
‫على تقديم أي تفسير أو تبرير لهذه اإلقالة ( على األقل‬
                                              ‫ّ‬
                 ‫إلى حد اللحظة – األربعاء 22 مارس.)‬
‫إن اقالة السيد فرحات الراجحي ال تقلل من شيء من‬
‫اإلنجازات التي تحققت خالل تحمله المسؤولية وخاصة‬
‫حل جهاز البوليس السياسي ورفع الدعوى لحل التجمع‬    ‫ّ‬
‫الدستوري الديمقراطي لكنها أيضا ال تخف أنه عجز عن‬
‫تقديم ملف القناصة الذين سقطت األرواح على أيديهم ولم‬
‫يتمكن من وضع حد لإلنفالت األمني الذي تعرفه البالد‬
                         ‫01‬
‫لذلك نقول إن هذه اإلقالة قد تكون خطوة إلى األمام إن‬
‫كانت ستضع البالد على سكة اإلستقرار األمني لكنها‬
‫تبقى خطوة إلى الوراء إن كانت ثمار "صراعات" داخل‬
                                      ‫وزارة الداخلية.‬




                         ‫11‬
‫العمليّة السياسيّة في تونس : عقليّة الغنيمة والتسلّط‬
                 ‫وجهان لعملة واحدة‬


‫اليبدو أن العملية السياسية في تونس تسير على قدمين‬
‫سليمتين رغم وضوح الهدف وهو الذهاب إلى انتخابات‬
         ‫المجلس التأسيسي منتصف شهر جويلية المقبل.‬

‫وقد نبّه المراقبون للشأن السياسي في أكثر من مناسبة أن‬
‫وضوح الهدف ال يعني طي ملف العناصر الرئيسية‬
‫لعملية االنتقال الديمقراطي واالنغماس في المسائل التقنية‬
‫والتفاصيل الجزئية .ثبت هذا منذ 14 جانفي 4420 حين‬
‫حاول البعض حصر مسار العملية السياسية في تونس‬
‫في "حكومة وطنية" لكن الوقائع الميدانية وحجم الملفات‬
‫المطروحة أسقطت هذا الخيار في مناسبتين ثم تم ضبط‬
‫"خريطة طريق" هدفها واضح لكنها دون مفاتيح‬
                                     ‫وبوصلتها مفقودة.‬

‫العنصر الرئيسي في خريطة الطريق هو الهيئة العليا‬
‫لتحقيق أهداف الثورة واالنتقال الديمقراطي واإلصالح‬
‫السياسي وحسب الفاعلين في هذه الهيئة فإن مهامها‬
‫ستكون السهر على العملية السياسية إلى غاية انتخاب‬
                                  ‫المجلس التأسيسي.‬
                          ‫21‬
‫غير أن هذه الهيئة اصطدمت منذ انطالقها بمعارضة‬
‫وانتقادات حول تركيبتها ودورها مما جعلها إلى حد‬
‫اللحظة غير قادرة حتى على االجتماع في ظروف عادية‬
‫. والبد من القول أن اغلب االنتقادات الموجهة إلى‬
 ‫الهيئة هي انتقادات موضوعية لها ما يبررها في الواقع‬
‫ويمكن توصيفها أنها وفاق مغشوش بين من يسعى‬
‫لاللتفاف على ثورة الشباب والفئات االجتماعية الفقيرة‬
‫وبين من سعى منذ يوم 14 جانفي إلى احتكار الحديث‬
‫باسم الثورة وكأنه هو من صنعها وهو أمر يدرك الجميع‬
                                      ‫انه غير واقعي.‬

‫إن كل وفاق مغشوش مآله الفشل لكن الفشل في هذا‬
‫الصدد ستتضرر منه تونس ومستقبل أجيالها التي‬
‫صنعت التغيير ورسمت النقطة األولى نحو مستقبل‬
‫أفضل . الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واالنتقال‬
‫الديمقراطي واإلصالح السياسي التي قُدمت على أنها‬
              ‫ّ‬
‫العنصر الرئيسي في هذه المرحلة االنتقالية يجب أن‬
‫نعترف أنها المشكل ألنها كانت مسقطة ونتيجة ترتيبات‬
‫عديد جوانبها تمت في الخفاء بعيدا عن أعين صناع‬
                                     ‫الثورة الحقيقيين.‬


                          ‫31‬
‫في عهد الرئيس المخلوع يدرك كافة التونسيين خاصة‬
‫النخب واألحزاب السياسية والمنظمات الوطنية المهنية‬
‫أن البالد كانت محرومة من حوار وطني حقيقي حول‬
‫أمهات القضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية وان‬
‫نظام بن علي حرص على إجهاض أي حوار حقيقي‬
‫مقدما خياراته ورؤاه على الجميع ووحده من يحدد‬
                             ‫مصير تونس ومستقبلها.‬

‫سلك نظام بن علي هذا الخيار في إطار سياسة التهميش‬
‫واإلقصاء والتدجين التي كان يعتمدها مع الجميع دون‬
                                          ‫استثناء.‬

‫لكن بعد 14 جانفي هل ما زال ما يمنع تنظيم هذا الحوار‬
‫الوطني ؟ هل ما زال ما يمنع أن تجلس كفاءات تونس‬
‫ونخبها وقادتها السياسيين على طاولة واحدة تطرح‬
                                   ‫برامجها ورؤاها ؟‬

‫ثورة الشباب رفعت كل العراقيل عن تنظيم هذا الحوار‬
‫وهيأت واقعيا كل الظروف لذلك .غير أن هناك من ما‬
‫زال يضع العصا في العجلة وبوضوح ما زال من له‬
‫مصلحة في أن ال يُنظم أي حوار وطني ألنه ببساطة ال‬
‫يملك البدائل وال تهمه في المرحلة االنتقالية الحالية إال‬
              ‫المكاسب التي يمكن أن يغنمها في المستقبل.‬
                          ‫41‬
‫لهذه األسباب قلنا في البداية إن العملية السياسية في‬
‫تونس ال تسير على قدمين سليمتين ألن األطراف الفاعلة‬
‫في هذه العملية لم تتخلص من عقلية " الغنيمة " التي ال‬
    ‫تختلف عن عقلية التسلط ، إنهما وجهان لعملة واحدة.‬




                         ‫51‬
‫عوائق الطريق.... في "خريطة طريق" حكومة الباجي‬
                 ‫قائد السبسي‬
‫"فلول النظام البائد" ، "الثورة المضادة" "ميليشيات‬
‫التجمع" عناصر تُسند إليها في كل مرة أسباب التوتر في‬
‫عدد من جهات البالد خاصة الجهات الداخلية التي ما‬
‫زال أبناؤها ينتظرون نصيبهم من ثمار الثورة على األقل‬
‫في مستوى اإلستماع إلى شواغلهم وما تحتاجه هذه‬
                           ‫الجهات من مشاريع تنموية.‬

‫دون شك إن فلول النظام البائد وكافّة العناصر التي كانت‬
‫مرتبطة بهذا النظام والتي فقدت مصالحها وامتيازاتها‬
‫وسقطت بسقوط النظام تعمل على خلق التوتّر و"تجتهد"‬
‫حتى ال يتفرّغ أبناء الشعب الذين أنجزوا الثورة للبناء‬
‫ولرسم مستقبل جديد لتونس بل ويحرصون على عرقلة‬
‫كل خطوة إيجابية إلى األمام باإلشاعات وإثارة النعرات‬
‫المتخلفة من نعرات جهوية وقبلية وغيرها هدفهم الوحيد‬
                        ‫أن ال تنهض البالد على قدميها.‬

‫هذا أمر مفهوم ومعلوم و كل تجارب الثورات في العالم‬
‫عرفت الثورات المضادة وميليشيات الحرس القديم ولن‬
‫تكون تونس استثناء في هذا الصدد ألن ثورة 14 جانفي‬
‫ليست استثناء في تاريخ اإلنسانية وإن كانت استثناء في‬
                         ‫61‬
‫القرن الواحد والعشرين وفتحت األبواب أمام الشعوب‬
‫العربية لتنتفض وترفع ذلك الشعار العظيم " الشعب‬
                             ‫يريد إسقاط النظام."‬

‫لكن ما هو غير مفهوم أن تصبح "الثورة المضادة"‬
 ‫الشماعة التي تعلق عليها الحكومة المؤقتة أخطاءها‬
‫وعدم قدرتها على المسك "برأس الخيط" في هذه‬
                  ‫ّ‬
‫المرحلة االنتقالية والدقيقة التي تمر بها البالد. حكومة‬
‫السيد محمد الغنوشي (األولى والثانية) ارتكبت أخطاء‬
‫قاتلة في تعاطيها مع الواقع اإلنتقالي فكانت النتيجة أن‬
‫اضطر لإلستقالة محمال " أطرافا خفيّة " تقويض‬
                               ‫ّ‬                ‫ّ‬
‫مجهوداته والحال أن الجميع يدرك أن السيد محمد‬
‫الغنوشي سعى منذ مساء 14 جانفي (عندما استند إلى‬
‫الفصل 51 من الدستور) إلى تحويل وجهة الثورة في‬
‫اتجاه " مأسسة الديكتاتورية" والحفاظ على مكونات‬
                                        ‫النظام السابق.‬

‫حكومة السيد محمد الغنوشي لم تسقطها الثورة المضادة‬
‫التي ندرك ويدرك الجميع أنها ما زالت ناشطة وفاعلة ،‬
‫إنما أسقطتها أخطاؤها وخاصة أن السيد محمد الغنوشي‬
‫أعطى ظهره للحائط في مواجهة المطالب الرئيسية‬
                                            ‫للثورة.‬

                          ‫71‬
‫أما حكومة السيد الباجي قائد السبسي التي ما زال عمرها‬
‫بضعة أيام والقت ترحيبا ومساندة ألنها استجابت ألهم‬
‫مطالب وشعارات الثورة خاصة الذهاب إلى انتخاب‬
‫المجلس التأسيسي ومحاسبة عدد من رموز النظام‬
‫السابق ، فإن الطريق ما زال أمامها غير آمن للوصول‬
                                       ‫ّ‬
                             ‫بالبالد إلى "بر األمان. "‬

‫عوائق الطريق هي دون شك " فلول النظام البائد" التي‬
‫مازالت تتحرك وتجمع ما أمكن تجميعه من إمكانات‬
‫وعناصر للعرقلة وظهر هذا ببروز النعرات الجهوية (‬
‫في بعض جهات الساحل) والقبلية ( في منطقة الحوض‬
‫المنجمي) وربما قريحة هؤالء تتفتّق في المستقبل على‬
‫أشكال جديدة تُثيرها وترفعها في مواجهة أي خطوة جدية‬
                         ‫نحو تحقيق اإلنتقال الديمقراطي.‬

‫وعوائق الطريق أيضا عدم القدرة على إدارة العملية‬
‫السياسية في هذه المرحلة الدقيقة بما تتطلبه من انفتاح‬
‫وتشاور وتفاوض بين كل األطراف على قاعدة الوفاء‬
                              ‫للثورة وأهدافها ومطالبها.‬
‫ثورة 14 جانفي أنجزها الشعب والشعب هو من يحمي‬
‫الثورة أما األطراف السياسية التي كان سقفها السياسي‬
‫إلى غاية يوم 14 جانفي 4420 أقل بكثير من السقف‬
‫السياسي فمهمتها الوفاء للثورة وشعاراتها. من غير‬
                                         ‫ّ‬
                          ‫81‬
‫المقبول أن يسمح أي طرف سياسي لنفسه بالحديث عن‬
‫حماية الثورة وخاصة أن يتم الفرز على قاعدة "حماة"‬
                                  ‫الثورة وغيرهم.‬

‫إن المتمعّن في تركيبة هيئة دعم الثورة واإلصالح‬
‫السياسي واإلنتقال الديمقراطي " يقف دون عناء أن‬
‫عملية الفرز تمت على قاعدة غير سليمة أقصت العديد‬
‫دون وجه حق واشركت العديد أيضا دون وجه حق‬
‫..وهذا سلوك في جوهره اقصائي ونتائجه ال يمكن‬
‫تحميلها فقط إلى " فلول النظام البائد" أو إلى الثورة‬
                                           ‫المضادة.‬

‫الحكومة المؤقتة للسيد الباجي القائد السبسي ما زالت‬
‫أيضا لم تلتفت إلى أخطر الملفات وأكثرها دقة وهو ملف‬
‫الجهات الداخلية التي انطلقت منها الثورة . أبناء هذه‬
‫الجهات ما زالوا ينتظرون أن يتوجّه إليهم أعضاء‬
‫الحكومة و يستمعون إلى شواغلهم ويلتقطون مطالبهم‬
                       ‫اآلنية منها والمتوسطة والبعيدة.‬
‫مازال أبناء هذه الجهات يشعرون بالغبن والتهميش (‬
‫نقول هذا ألنه بلغنا وورد علينا ) ويصفون الحكومة بــ "‬
                                    ‫حكومة المكاتب."‬


                          ‫91‬
‫ألم يكن من الممكن أن يتحول أعضاء الحكومة إلى‬
                        ‫ّ‬
               ‫الجهات؟؟ليجلسوا مع من منحهم الثورة.‬
‫عوائق الطريق عديدة وتخطيها أمر ممكن لكن في الوقت‬
‫ذاته من المهم التنبيه أن األخطاء في األداء الحكومي هي‬
‫التي يستفيد منها "فلول النظام البائد" ونحن أمام خيارين‬
‫ّ‬                                           ‫ّ‬
‫إما أن نقدم لهؤالء األخطاء ليستفيدوا منها أو أن نسد‬‫ّ‬
             ‫امامهم الطريق بأداء وفي لمبادئ الثورة .‬
                              ‫ّ‬




                          ‫02‬
‫إلى حكومة الباجي قائد السبسي : للثورة حراسها ...‬
         ‫ّ‬
     ‫ومن يفقد البوصلة عند التأسيس يفقد كل شيء‬
‫ربما من حق رئيس الحكومة المؤقتة السيد الباجي قائد‬
‫السبسي أن يشعر بقليل من االرتياح بالنظر إلى قدرته‬
‫من خالل خطابه األول والثاني على بث وزرع الطمأنينة‬
‫في نفوس التونسيين لكن عليه أن يدرك أيضا أن الملفات‬
‫التي فتحتها ثورة 14 جانفي تحتاج إلى أكثر من ورشة‬
‫وحضيرة وتتطلب عمال جبارا وخالقا لتنمو هذه‬
‫الطمأنينة وتزدهر ويتمكن الشعب التونسي من قطف‬
                                        ‫ثمار ثورته.‬

‫ثمار ثورة 14 جانفي هي دولة القانون والمؤسسات‬
‫والحريات العامة والفردية والحق في االختالف‬
‫والتوزيع العادل للثروة وتنمية جهوية ومحلية تقفز‬
‫بالجهات الداخلية المحرومة إلى وضع جديد يقطع مع‬
               ‫الفقر والخصاصة والحرمان والبطالة.‬

‫ندرك أن المدة المحددة لحكومة السيد الباجي قائد‬
‫السبسي ال تسمح لها بمتابعة كل الملفات إلى نهايتها لكنها‬
‫مع ذلك تبقى مسؤولة على وضع األسس السليمة وعلى‬
‫وضع القطار على السكة وهي مهمة ال تقل أهمية‬
                  ‫وخطورة عن عملية البناء في حد ذاتها..‬
                          ‫12‬
‫لقد بينت تجربة الحكومة األولى والثانية للسيد محمد‬
‫الغنوشي أن من يفقد البوصلة في عملية التأسيس يفقد كل‬
‫شيء وهو درس نعتقد انه على السيد الباجي قائد السبسي‬
‫أن يستوعبه جيّدا دون أن يعني ذلك أننا نعطي الدروس‬
                              ‫ألي كان ونحن فقط ننبه.‬

‫إن الحلقة الضعيفة في نظام الرئيس المخلوع زين‬
‫العابدين بن علي انه حول تونس إلى ما يشبه "الملكية‬
                            ‫ّ‬
‫الفردية "مصيرها ومصير شعبها بين يديه وبين أيدي‬
‫عائلته والمقربين منه وكان الرئيس المخلوع يعتقد انه‬
‫وحده القادر على "ضمان مستقبل تونس " أما البقية‬
                          ‫فغير مؤهلين أوال يفهمون.‬

‫وكان من نتائج هذا التسلط أن قال له الشعب "ارحل "‬
‫فرحل غير مأسوف عليه أما محمد الغنوشي ومنذ يوم‬
‫14 جانفي تاريخ إعالن تشكيلة حكومته األولى فقد‬
‫أغمض عينيه عن مطالب الشعب في ضرورة القطع مع‬
‫النظام السابق ورموزه ومؤسساته واعتقد انه بالخطابات‬
‫العاطفية يمكن أن ينتقل بالبالد إلى مرحلة جديدة تتالءم‬
                         ‫ومتطلبات الثورة وشعاراتها.‬


                         ‫22‬
‫الحلقة الضعيفة في حكومتي السيد محمد الغنوشي انّه‬
‫حاول مع من معه االلتفاف على الثورة وتحويلها إلى‬
‫مجرد انتفاضة مهمتها ترميم النّظام السابق برموز جديدة‬
                                    ‫ّ‬
               ‫سعت الستثمار الثورة ألهدافها الحزبية.‬
‫لم يحرص السيد محمد الغنوشي للتشاور والتفاوض مع‬
‫كافة األطراف ولم يحرص على فهم احتجاجات صنّاع‬
‫الثورة من الشباب العاطل عن العمل وأبناء الجهات‬
                                              ‫الداخلية.‬

‫واعتقد أن عامل الوقت ربّما سيساعده على تمرير ما‬
‫كان يخطّط له لكن حرص الشعب على حماية ثورته‬
‫والذهاب بها إلى أهدافها الحقيقية أسقط حكومته األولى‬
‫ثم الثانية " والطريف " انه منذ سقوط حكومته الثانية‬
‫وصلته أقوى واشد االنتقادات ممن كانوا معه في‬
               ‫الحكومة وحملوه مسؤولية تذبذب أدائها.‬

‫هذه من وجهة نظرنا بعض الدروس الجوهرية التي من‬
‫المفروض أن ينتبه إليها السيد الباجي قائد السبسي‬
‫وحكومته المؤقتة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها‬
                                               ‫تونس.‬

‫إن الذهاب إلى انتخاب المجلس التأسيسي على أهميته‬
‫وضرورته قد يفقد معناه إذا لم تتم تهيئة الظروف‬
                          ‫32‬
‫المناسبة لذلك واهم هذه الظروف التشاور والتفاوض‬
‫والحوار مع كافة األطراف و ليس هناك ما يبرر استثناء‬
‫هذه الجهة أو تلك فتونس بعد 14 جانفي هي لكل أبنائها‬
‫الذين يرغبون في بناء وتشييد مستقبل البالد وليدرك‬
‫السيد الباجي قائد السبسي أن الملفات المطروحة فوق‬
‫الطاولة تتطلب مشاركة الجميع باألفكار والخبرات‬
                                    ‫واإلرادة الصادقة.‬
‫ملفات سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية‬
                     ‫ومشروع تونس ونخبها الصادقين.‬

‫أما الدرس األساسي فهو أن لهذه الثورة حراس يراقبون‬    ‫ّ‬
‫ويتابعون واثبتوا أنهم بقدر ما يثمنون الخطوات االيجابية‬
‫ويدعمونها بقدر ما يستبسلون في التصدي لكل من يسعى‬
                             ‫لاللتفاف على ثورتهم....‬
‫الشعب التونسي أسقط بن علي وأسقط حكومتي الغنوشي‬
‫وال نعتقد انه سيصمت في المستقبل إن حاد القطار عن‬
                                                ‫السكة.‬




                          ‫42‬
‫مسار انتقال ديمقراطي أم مسار أحزاب للوصول إلى‬
                   ‫السلطة؟‬

‫قبل أيام أتيحت لي فرصة تبادل اآلراء مع أحد الوجوه‬
‫السياسية التي عايشت كبرى المحطات التي عرفتها‬
‫تونس من موقع الفاعل والناشط السياسي. عايش أحداث‬
‫50 جانفي 1114 بأدق تفاصيلها. وتابع أحداث قفصة‬
‫2114 وانتفاضة الخبز 1114 ولم يتخل عن النشاط‬
                     ‫الحقوقي طيلة التسعينات وبعدها.‬

‫الرجل عندما يتحدث ال يلقي التهم جزافا، وال يترك‬
‫مجاال لالنطباعية أو اإلجابات السهلة على األسئلة‬
‫الحقيقية مما يجعل احترام آرائه واالستئناس بها أمرا ال‬
                                          ‫مناص منه.‬

‫سألته عن قراءته للمشهد العام في البالد بعد ثورة 14‬
‫جانفي وعن مستقبل االنتقال الديمقراطي وهل يمكن أن‬
‫يسير في المسار ذاته الذي أراده الشباب الذي فجر‬
                                            ‫الثورة؟‬

‫قال ما يهمني اآلن ليس تتبع تفاصيل المشهد العام الذي‬
‫يبدو أن هناك من يعمل على إغراقه بالتفاصيل الصغيرة‬
‫عن قصد ووعي. أنظر المتابعات اإلعالمية والصحفية‬
                         ‫52‬
‫وتصريحات بعض األحزاب السياسية ستجد أنها تركز‬
‫على الجزئيات، فيما األسئلة الجوهرية أو الحلقة‬
                          ‫الرئيسية تكاد تكون غائبة.‬
‫وقال أن الحلقة الرئيسية اليوم هي وضع آليات لحماية‬
‫المسار االنتقالي من االنتكاس. حمايته من االرتداد ليس‬
‫فقط على ما أنجزه الشعب يوم 14 جانفي 4420. بل‬
‫أيضا على ما حققته البالد من مكاسب حداثة وتقدم‬
                                    ‫وتسامح وانفتاح.‬

‫وأضاف أن ما يحدث اليوم في تونس ال عالقة له بمسار‬
‫الثورة وال بمبادئها وال قيمها. هو تنافس على الفوز‬
‫بأكبر نصيب من "كعكة" صنعها شباب القصرين‬
‫وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها من المناطق الداخلية.‬
‫صنعها الشباب العاطل عن العمل وأبناء األحياء الفقيرة‬
‫لكنها سرقت منهم ووضعت على طاولة األحزاب‬
‫والحقوقيين وغيرهم وكل يقول إنه ساهم في صنعها أو‬
                               ‫هيأ الظروف لصناعتها.‬
‫قلت له: لكن من حق األحزاب والنخب أن تساهم في‬
‫رسم النظام السياسي الجديد وهي مهمة ليست في متناول‬
                                            ‫أي كان؟‬

‫أجاب : ما يحدث اآلن ال عالقة له برسم نظام سياسي‬
‫جديد، هو تنافس محموم من أجل الفوز بنظام سياسي‬
                         ‫62‬
‫يتوافق وخلفيات كل حزب، ثمة من يستند إلى المال‬
‫السياسي. وثمة من يستند إلى شرعية نضالية قبل 14‬
‫جانفي 4420 وثمة من يقول إنه "شتم بن علي" وهو في‬
                                              ‫السلطة!‬
‫وأضاف: أنظر إلى الهوة بين المشهد السياسي والفاعلين‬
‫فيه من أحزاب ومنظمات وجمعيات والمشهد االجتماعي‬
‫والفاعلين فيه من أبناء الجهات الداخلية والعاطلين عن‬
‫العمل والفقراء، ستكتشف كم هي شاسعة هذه الهوة، مما‬
‫يدفع للسؤال هل يمثل هؤالء الفاعلين السياسيين أبناء‬
                    ‫الثورة أم يمثلون أجنداتهم الحزبية؟‬

                                   ‫سألته: ما العمل إذا؟‬

‫أجاب: تخليص المشهد العام في البالد مما آل إليه بعد‬
‫الثورة وهي ليست مسألة هينة خاصة أن بعض األجندات‬
                 ‫الخارجية أصبحت ال تخفي حضورها.‬

‫لكن الوقت مازال سانحا لمراجعة التجاوزات وأولى هذه‬
‫الخطوات ترشيد الخطاب، أن تعمل األحزاب على‬
‫ترشيد خطابها في اتجاه التركيز على حماية مسار‬
‫االنتقال وتبتعد عن المزايدات ودغدغة العواطف‬
‫والمشاعر وأن تعمل الحكومة المؤقتة على ترشيد‬
‫خطابها وتسد الثغرات التي تفتحها من حين آلخر‬
                          ‫72‬
‫لاللتفاف على أهداف الثورة وأن يعمل اإلعالم على‬
    ‫ترشيد خطابه ويبتعد عن اإلثارة تحت عنوان الثورة.‬
‫ترشيد الخطاب هو المدخل الرئيسي لحماية مسار‬
‫االنتقال والوصول به إلى تحقيق أهداف الثورة. إن ما‬
‫يحدث اآلن هو مسار أحزاب سياسية للوصول إلى‬
‫السلطة وليس مسارا انتقاليّا في اتجاه نظام سياسي جديد‬
                                        ‫للبالد والعباد .‬




                           ‫82‬
‫إنهم يُحيون "نظريات النظام السابق" في تحييد‬
                    ‫المجتمع‬


‫هل حان الوقت لنتجاوز الخوف من الماضي ونبدأ عمليا‬
‫في بناء مستقبل تونس الجديد كما أراده شعبها حين اسقط‬
                      ‫بن علي يوم 14 جانفي 4420 ؟‬

‫في الحقيقة ثمة سببين اثنين خلف طرح هذا السؤال الذي‬
‫قد يبدو للبعض في غير محله باعتبار ( حسب رأيهم )‬
                                                   ‫ّ‬
                  ‫أن عملية البناء للمستقبل بدأت فعال.‬

‫السبب األول مصدره المواطن العادي الذي مازال‬
‫يطرح األسئلة مثل " البالد موش راكحة " و" األمور‬
‫وين ماشية؟ " أو " هللا يقدر الخير " أسئلة تكثف موقفا "‬
‫صافيا " جوهره يكفي مما يحصل ولنتوجه إلى بناء‬
                                                ‫تونس.‬

‫أما السبب الثاني فهو هذا التركيز المبالغ فيه أحيانا في‬
                                                    ‫ّ‬
‫الخطاب اإلعالمي و السياسي على تفاصيل الوضع في‬
‫البالد ما قبل 14 جانفي ... مما ال يعطي المساحة الكافية‬
‫للتفكير في مستقبل وآليات بنائه وتشييده. وهذه مسالة‬

                          ‫92‬
‫يدرك المختصون في االتصال واالتصال السياسي أنّها‬
                                ‫عادة ال تكون بريئة.‬

‫نظام بن علي سقط , وعديد المؤسسات المحيطة به تم‬
‫تفكيكها أو هي بصدد التفكيك , هذه حقيقة نعتقد انه ال‬
‫احد يجادل فيها , كما نعتقد أنها ليست الورشة الوحيدة‬
‫المفتوحة في البالد , ثمة عدة ورشات أخرى من‬
‫المفروض أن تعمل بالتوازي مع ورشة تفكيك النظام‬
‫السابق ونقصد ورشات البناء ورسم مستقبل تونس‬
‫الجديد لكن هذه الورشات ما زالت تسير ببطء وال يبدو‬
‫أنّها تعمل بكافة طاقاتها والسبب أن عديد األطراف عن‬
‫وعي ودراية تدفع في اتجاه أن يبقى الرأي العام مشدودا‬
   ‫إلى الوراء وال ينظر إلى المستقبل حتى ال يشارك فيه.‬

‫إن هذه األطراف هي ذاتها التي فتحت ورشات خاصة‬
‫بها لضمان تأثيرها في النظام السياسي والدولة مستقبال ,‬
‫تفعل ذلك استنادا إلى نظريات كان اعتمدها بن علي ذاته‬
‫عندما استلم السلطة سنة 1114 ( تحييد المجتمع إلعادة‬
                     ‫بناء مؤسسات الدولة كما يريدها. )‬

‫اليوم هذه األطراف تحيّد المجتمع بجعله حبيسا لتفاصيل‬
‫مرحلة ما قبل 14 جانفي أو طرح قضايا مسقطة وفي‬
‫الوقت ذاته تستأثر هي بمناقشة ورسم مستقبل البالد بما‬
                         ‫03‬
‫يضمن لها الموقع المتقدم في المستقبل أو ما يضمن لها‬
                 ‫نسبة في المحاصصة وتقسيم الغنيمة.‬

‫إن ما كشف عنه السيد "عبد العزيز المزوغي" والسيد‬
‫"حميد النيفر" حين استقاال من هيئة تحقيق أهداف الثورة‬
‫وكذلك ما أشار إليه عديد من المختصين في القانون‬
‫الدستوري والمراقبين يؤكد أن عديد تفاصيل المشهد‬
‫العام في البالد ليست وليدة الصدفة وإنما هي مركبة‬
‫بإتقان : الشعب الذي أنجز الثورة ودفع الشهداء يجب أن‬
‫يبقى في حالة "التخميرة " ال يخرج من دائرة 14 جانفي‬
‫, واألطراف السياسية التي نصبت نفسها وصيا على‬
‫الثورة ترسم لوحدها المستقبل وتقتسم الغنيمة نقول هذا‬
‫ليس من باب التقليل من مخاطر الثورة المضادة التي‬
‫ندرك كما يدرك المواطن العادي الذي لم يدرس العلوم‬
‫السياسية أنّها من االخطار التي تهدد الثورة , نقول هذا‬
‫من باب تفاصيل المسار الذي تسير عليه البالد منذ مدة‬
                            ‫ومن باب الوقائع الميدانية.‬

       ‫ّ‬                                  ‫ّ‬
‫إن الشعب الذي أنجز الثورة قادر على صد أعداء‬
‫الثورة لكن من حقه أيضا أن يشارك في ورشة بناء‬
                          ‫تونس ورسم مستقبلها.‬


                          ‫13‬
‫هل غيّرت "سطوة األحزاب " مسار الثورة؟‬

‫بعد ثالثة أشهر من ثورة 14 جانفي ال يبدو المشهد العام‬
‫في البالد واضحا أو على األقل يدفع لالطمئنان‬
‫فالضبابية والخوف من االنزالق نحو المجهول عناصر‬
‫مازالت تلقي بظاللها ويرددها المواطن العادي كما‬
                                    ‫المراقب السياسي.‬

‫السؤال الذي يتردد : " البالد وين ماشية ؟" وهو مستمد‬
‫من الوقائع الميدانية وما يحدث على األرض ، اقتصاد‬
‫تكاد تالمس نسبة نموه صفر بالمائة ، شباب يلقي بنفسه‬
                                ‫ّ‬
‫إلى البحر للوصول إلى الضفة األخرى من المتوسط ،‬
        ‫ّ‬
‫ارتفاع في نسبة البطالة ، موسم سياحي مهدد بالفشل‬
‫وخالل األيام األخيرة أكوام الفضالت والروائح الكريهة‬
                            ‫أخذت نصيبها في المشهد.‬

‫األكيد أن ثورة 14 جانفي 4420 لم تنجز إلحداث هذا‬
‫"االنقالب السلبي" في البالد . انما أنجزها الشباب وأبناء‬
‫الجهات الداخلية المعدمون من أجل الحرية والتشغيل‬
           ‫والتنمية العادلة ، من أجل وجه جديد لتونس.‬



                          ‫23‬
‫ماذا حدث؟‬
‫في السياسة التبرير وتركيب الجمل لرسم صورة معينة‬
‫مسألة سهلة ويمكن ألي ناشط سياسي أن يجد بدل‬
‫التبرير الواحد عشرات التبريرات . كالقول إن المرحلة‬
‫الحالية استثنائية، أو أن تونس مازالت تعيش المرحلة‬
‫االنتقالية ، أو أن قوى الثورة المضادة مازالت تتحرك‬
                                   ‫إلفشال الثورة...‬

‫قد ال يختلف عاقالن حول هذه العوائق وأهمية تأثيرها‬
‫في الواقع . لكنها وحدها ال تفسر ما يحدث عن األرض‬
‫ثمة عناصر أخرى ال تقل أهمية وخطورة أهمها أن‬
‫العملية السياسية ما زالت تحتل النصيب األكبر في‬
‫اهتمامات الفاعلين السياسيين مما جعل مسارها ( مسار‬
‫العملية السياسية) يسير في طريق عكسي لمسار التنمية‬
‫واإلصالح االجتماعي. وهو ما يذكر بإحدى مفارقات‬
‫نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان‬
‫يفتخر بتقدم نسبة النمو وسالمة االقتصاد وفي الوقت‬
‫ذاته كان منغلقا سياسيا وال يسمح بالحريات ويقمع الرأي‬
                                             ‫اآلخر.‬

‫أما اليوم فإن الصورة أصبحت مقلوبة فالفاعلون‬
‫السياسيون يشيدون بفضاءات الحرية والديمقراطية وتقدم‬

                         ‫33‬
‫العملية السياسية وفي الوقت ذاته هناك صعوبات‬
      ‫اقتصادية واجتماعية خطيرة تنذر بأزمة حقيقية.‬

‫بعد 14 جانفي اكتشف الجميع أن الرفاه االجتماعي‬
‫والتقدم االقتصادي لنظام بن علي كانت أكذوبة فهل‬
‫نكتشف بعد مدة أن كل ما يقال حول الحرية‬
                    ‫والديمقراطية هو أيضا أكذوبة!!!‬

                                   ‫لماذا يحصل هذا ؟‬

‫ليس سهال اإلجابة عن هذا السؤال لكن بعض الدالئل‬
‫والمؤشرات تشير إلى أن " سطو " عدد من األحزاب‬
‫على ثورة الشعب هي التي حولت مسار الثورة وجعلته‬
‫يعيش هذه التناقضات وهي أحزاب تدرك جيدا ما تفعل‬
‫وتعرف أن تأثيرها في النظام السياسي المقبل يمر عبر‬
                       ‫التركيز على المسار السياسي.‬

‫تفعل ذلك ليس من أجل المزيد من الديمقراطية واالنفتاح‬
‫والحريات وأنها من أجل أن يكون لها التأثير األقوى في‬
                             ‫الخريطة السياسية المقبلة.‬



                          ‫43‬
‫وليس صدفة أن هذه األحزاب رغم إدراكها أن ثورة 14‬
‫جانفي ليست ثورتها ، سمحت لنفسها أن تتحدث باسمها‬
                           ‫وتمنح لنفسها شرعية الثورة.‬
‫هذه األحزاب فعليا آخر اهتماماتها أوضاع الشباب‬
‫العاطل عن العمل ، والعائالت الفقيرة والجهات الداخلية‬
‫، لم نتابع "خالفات" كبيرة حول مشروع الحكومة‬
‫المؤقتة للتنمية أو حول خطتها للنهوض بالوضع‬
‫االقتصادي أو حول مساعدتها للشباب العاطل عن‬
‫العمل.. وفي الوقت ذاته تقوم الدنيا وال تقعد من أجل من‬
‫يكون ممثال في ما يسمى بهيئة تحقيق أهداف الثورة تقوم‬
‫الدنيا وال تقعد من أجل أحد فصول القانون المنظم‬
                          ‫النتخابات المجلس التأسيسي.‬

‫ال أحد يقلل من أهمية العملية السياسية في مستقبل البالد‬
‫وإنما المشاركة فيها بعقلية ضمان الهيمنة في المستقبل‬
‫على حساب االستحقاقات الحقيقية لمن أنجز الثورة ودفع‬
   ‫من أجلها الشهداء يصبح األمر " سطوا على الثورة."‬
‫كل "وفاق" بعيدا عن تطلعات الشعب هو "وفاق"‬

‫يتأكد كل يوم أن العملية السياسية في تونس مازالت‬
‫تبحث عن مسارها الصحيح، رغم تأكيد الجهات‬
‫واألطراف التي تعتبر نفسها محددة في هذه العملية أن‬

                          ‫53‬
‫كافة عناصر "خريطة الطريق" أضحت واضحة منذ‬
                                    ‫مدة.‬

                                  ‫ّ‬
‫قد ال يتيح المجال لنعدد كافة مظاهر الخلل في العملية‬
‫السياسية منذ انطالقها وما سبّبته وتسبّبه من آثار ميدانية‬
‫اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لكن تكفي اإلشارة إلى‬
‫المأزق السياسي الذي يهدد البالد على خلفية عدم التوافق‬
‫على موعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، رغم أن‬
‫الوفاق مثل منذ 14 جانفي الشعار "المركزي"‬
   ‫للحكومات المؤقتة المتعاقبة ولكافة األحزاب السياسية.‬

‫رفع الجميع شعار الوفاق، لكن ال أحد بحث عن الوفاق‬
‫الحقيقي مع أهم طرف في المعادلة الجديدة أي الشعب‬
                                      ‫بكافة فئاته.‬

‫الحكومات المؤقتة المتعاقبة بحثت عن الوفاق مع‬
‫األحزاب السياسية وبعض المنظمات والهيئات‬
‫.واألحزاب السياسية بحثت عن الوفاق بينها ، وهو ما‬
‫جعل العملية السياسية تجري بعيدا عن اهتمامات الشعب‬
‫وهذا ما يفسر أيضا أن "التفاؤل السياسي" الذي يبديه‬
            ‫البعض يقابله تشاؤم ميداني عند المواطنين.‬


                           ‫63‬
‫إن الوفاق مع الشعب يعني الوفاق حول مطالبه وتطلعاته‬
                     ‫ّ‬
‫التي يبدو أنها وضعت على الرف في انتظار أن تنتهي‬
          ‫األحزاب السياسية من اقتسام الغنيمة السياسية.‬

‫منذ 14 جانفي 4420 لم تحرص حكومتي السد محمد‬
‫الغنوشي وحكومة الباجي قائد السبسي على توفير‬
‫فضاءات حقيقية للحوار مع أبناء تونس ..ال يوجد اليوم‬
‫أي إطار فعلي من خالله يمكن االستماع إلى صوت‬
‫المواطن، كل اهتماماتها توجهت إلى األحزاب السياسية‬
‫باسم التشاور، وهو تشاور لم يختلف عن تلك التي كانت‬
‫تتم في العهد السابق... مشاورات أطرها غير واضحة‬
                                ‫ومضمونها ال يكشف.‬

‫أما األحزاب السياسية فإنها وضعت جانبا المطالب‬
‫الحقيقية والشعارات الرئاسية للشعب التونسي واكتفت‬
       ‫بالبحث عما يمكن أن تغنمه في المرحلة القادمة.‬

‫إن المخرج من المأزق الذي يهدد البالد يكون بالرجوع‬
‫إلى الشعب باعتباره العنصر الرئيسي في المعادلة‬
‫والتوافق حول مطالبه الحقيقية ويكون ذلك ببعث أطر‬
‫وهياكل معيّنة للحوار معه واالستماع إليه، مما يجعل‬
‫العملية السياسية تسير على أسس متينة وتتجاوز مظاهر‬

                          ‫73‬
‫الخلل التي تعيقها اآلن على التقدم وتتقدم في مسارها‬
                                         ‫الصحيح.‬




                        ‫83‬
‫ال تخذلوا هذا الشعب !‬

‫من يوم 14 ديسمبر 2420 إلى يوم 14 جانفي 4420‬
‫كان الحفاة العراة أبناء سيدي بوزيد والمكناسي والمزونة‬
‫وتالة والقصرين وسليانة وجندوبة واألحياء الفقيرة في‬
‫العاصمة وغيرها من المدن يواجهون رصاص الرئيس‬
‫مخلوع بحناجر لم تكل من رفع الشعارات التي تنادي‬
‫بالحق في التشغيل والتنمية العادلة والتوزيع العادل‬
                             ‫للثورة والحرية والكرامة.‬
‫ملؤوا الشوارع بالمظاهرات وفرضوا على القنوات‬
‫التلفزية والفضائيات أن تكون أخبارهم على رأس‬
‫النشرات اإلخبارية ليعطوا للعالم كله دراسا جديدا في‬
                            ‫إرادة الشعوب في التغيير.‬
‫لم ينتفض أحفاد علي بن غذاهم وبشير بن سديرة‬
‫والطاهر الحداد وفرحات حشاد بإشارة من احد القيادات‬
‫الحزبية في المنازه أو المنارات أو حي النصر أو في‬
‫باريس أو لندن أو واشنطن انتفضوا ألنهم "رادو الحياة‬
                              ‫فالبد أن يستجيب القدر."‬
‫من يوم 14 ديسمبر 2420 إلى يوم 14 جانفي 4420‬
‫والشعب بعفويته وإرادته يقود األحزاب والنخب يجرها‬
‫أن تساير إرادته يجرها نحو التغيير الحقيقي، يجرها نحو‬
‫الثورة، في مشهد من المفروض أن ينكب في‬

                         ‫93‬
‫األخصائيون في دراسته واستخالص الدروس النظرية‬
                                        ‫منه.‬

                                                 ‫****‬
‫صباح يوم 14 جانفي وفيما اغلب األحزاب السياسية‬
           ‫ّ‬
‫وعديد النخب تنتقي العبارات المالئمة لتبشر بالمرحلة‬
‫الجديدة التي ستدخلها تونس بعد خطاب الرئيس المخلوع‬
             ‫ّ‬
‫مساء 24 جانفي ؛ وفيما البعض اآلخر يعد نفسه لمنصب‬
‫جديد وعد به . كان أبناء الشعب وفئاته الذين عانوا‬
                                               ‫ُ‬
‫الحرمان والخصاصة والكبت مصرون على المضي‬
‫قُدما بثورتهم حتى تحقيق أهدافها في إسقاط بن علي ؛‬
‫ولسان حالهم يقول إن دم الشهداء الذي سكب على‬
               ‫الشوارع ثمنه ليس اقل من سقوط النظام.‬
                                                 ‫****‬
‫سقط رأس النظام مساء اليوم ذاته في مشهد ربما يكون‬
‫مستقبال سيناريو ألحد األفالم ... الرجل الذي حكم البالد‬
‫نحو ربع قرن يفر مستترا ؛ تحت ضغط قوة الحناجر‬
‫التي ما كلّت لحظة من ترديد " ديقاج " اسقط الشعب بن‬
‫علي دون أن يبحث في قاموس عن العبارات المنمقة‬
  ‫ّ‬
‫ودون أن يفكر في أن "السياسة هي فن الممكن " وقدم‬
‫لألحزاب و النخب هدية من السماء . قدم لهم الثورة‬
‫والتغيير قدم لهم المفتاح لتونس الجديدة وكأنه يقول لهم‬

                          ‫04‬
‫اآلن جاء دوركم إلعادة ترتيب البيت كما نريده إنها أمانة‬
 ‫بين أيديكم فال تخذلونا . ال تضيعوا الثورة وال تسرقوها.‬
‫الثورة يمكن أن تضيع إذا لم يحسن المؤمنون بها حمايتها‬
‫وإذا لم تحسن النخب التقدم بها سياسيا واقتصاديا‬
‫واجتماعيا ... الثورة ليست فقط سقوط بن علي إنها أيضا‬
‫بناء مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة ؛‬
‫إنها مسار كامل لألحزاب والنخب المسؤولية الكبرى‬
                                                    ‫فيه.‬
                                                ‫****‬
‫الثورة يمكن أن تسرق في غفلة من الجميع وتحول وجهة‬
‫أهدافها وقيمها لخدمة طرف بعينيه وكم من شعب سرقت‬
                                                ‫ثورته.‬
‫غير أن محاوالت خذالن الشعب وسرقة ثورته بدأت‬
‫ساعات قليلة بعد سقوط رأس النظام من خالل تلك‬
‫المسرحية المعروفة بالفصل 15 و11 من الدستور وما‬
‫تالها من محاوالت لاللتفاف على ثورته تحت شعار‬
‫ويافطات مختلفة، وبدأت أيضا عندما نصبت أحزاب‬
‫ونخب نفسها وصيا على الثورة تتكلم باسمها وتوزع‬
‫صكوك الوالء لها وتقسم أبناء الشعب كما تريد، إنها‬
‫ذات األحزاب والنخب التي ارتبطت سرا وعلنا بالنظام‬
                                      ‫السابق وبأجهزته.‬
‫من هنا بدا مسار خذالن الشعب وسرقة ثورته. اسقط‬
‫شباب القصبة 4 و0 حكومتي السيد محمد الغنوشي‬
                          ‫14‬
‫ألنهما لم تستجيبا لمتطلبات الثورة وخذلتا دم الشهداء‬
‫وفي نفس الوقت وجه رسالة قوية إلى األحزاب وغيرها‬
‫عندما دوى في ساحة القصبة شعار "ال أحزاب وال‬     ‫ّ‬
‫نقابات، ثورتنا ثورة الشباب"، رسالة يبدو أن عديد‬
‫األطراف لم تفهمها جيدا، لم تفهم أن من كنس بن علي‬
             ‫يمكن أن يكنس أي كان ،حكومات وأحزاب.‬
                                                  ‫****‬
‫نحو أربعة أشهر هو عمر الثورة اآلن، هي أشهر قصيرة‬
‫لكن كل عوامل خذالن الشعب وتضييع ثورته مازالت‬
‫قائمة واهم عناصرها حكومة ال تتعامل بشفافية ووضوح‬
‫وشبقه فاقدة للبوصلة، أحزاب أثبتت أن أولوياتها الحزبية‬
‫الضيقة فوق الجميع، ووضع اجتماعي وامني منفلت‬
                 ‫يمثل التربة المالئمة لعودة الديكتاتورية.‬
‫إنها مرحلة دقيقة وخطيرة في عمر الثورة... فال تخذلوا‬
                               ‫الشعب... وتضيعوا ثورة!‬




                           ‫24‬
‫من الحزب "المؤتمن على التغيير "إلى األحزاب‬
      ‫"المؤتمنة على الثورة ".... ما الفرق ؟‬

‫ربّما ال نبالغ في شيء حين نقول إن المرحلة الراهنة‬
‫التي تمر بها تونس هي مرحلة خطيرة وحرجة، ال‬
‫تختلف في خطوطها العريضة عن األيام األخيرة في‬
‫عمرنظام الرئيس السابق، حين كان الوضع في البالد‬
‫مفتوحا على كافة االحتماالت وال أحد يعرف أين تسير‬
                                         ‫األمور.‬

‫ضبابية المشهد وعدم وضوح بعض األطراف الفاعلة‬
‫فيه وغياب المعلومات الدقيقة حول ما يحدث وما يطبخ‬
‫فضال عن كونها تدفع لالرتباك فإنها ال تسمح بالسير في‬
‫خط مستقيم في اتجاه تحقيق أهداف الثورة وتبقى إمكانية‬
        ‫االرتداد والعودة إلى المربع األول احتماال واردا.‬

‫هذا ال تثبته فقط تجارب الثورات األخرى إنما يدفع إليه‬
‫أيضا مسار ثورة 14 جانفي الذي ما زال يسير على قدم‬
                                             ‫واحدة.‬

‫بعد أكثر من ثالثة أشهر من الثورة واقل من ثالثة أشهر‬
‫من انتخابات المجلس التأسيسي (النقطة الرئيسية في‬
‫"خريطة طريق حكومة الباجي قايد السبسي"). ال يبدو‬
                          ‫34‬
‫أن األمور تسير في االتجاه الصحيح: العملية السياسية‬
‫تحكمها الصراعات والتناقضات وإلقاء التهم يمينا‬
‫ويسارا والوضع االجتماعي في حالة توتر حقيقية بعد‬
‫بروز نزعات العروشية والجهوية واستهداف المحالت‬
‫العمومية بالحرق والتخريب، والوضع االقتصادي سيء‬
                    ‫للغاية وفق األرقام الرسمية المقدمة.‬

‫األكيد أن هذا المشهد المشوه لم يكن يحلم به أبناء الشعب‬
                            ‫ّ‬
‫الذين بدأوا انتفاضتهم منذ يوم 14 ديسمبر من اجل‬
‫التشغيل والتنمية العادلة وانتهوا بها إلى ثورة حقيقية يوم‬
‫14 جانفي حين تجاوزوا بسقفهم كافة األحزاب السياسية‬
                               ‫وقالوا لبن علي "ارحل."‬

‫الجميع يدرك أن قوى الثورة المضادة ما زالت في أكثر‬
‫من مفصل من مفاصل الحياة السياسية واالقتصادية‬
                                ‫ّ‬
‫واالجتماعية، ويدرك أن مسار أي عملية انتقالية ال يسير‬
‫دائما وفق خط مستقيم، هذه حقائق ال بد ّ من التعامل‬
‫معها في الواقع، لكنها وحدها ال يمكن أن تفسر كل ما‬
‫يجري. لقد سبق أن تعرضنا (كما تعرض غيرنا) إلى‬
‫مخاطر قوى الثورة المضادة وإلى العوائق الموضوعية‬
‫للمسار االنتقالي، ونعتقد اليوم أنه من المهم االلتفات إلى‬
‫الجانب اآلخر ، أي العوائق الذاتية للثورة ونقصد‬
‫األطراف التي وضعت نفسها وصيّا على الثورة‬
                           ‫44‬
‫واالنتقال بها إلى تحقيق أهدافها وهي عوائق من وجهة‬
            ‫نظرنا ال تقل أهمية عن العوائق األخرى.‬

‫لن ندخل في هذه الورقة في التفاصيل (سنترك ذلك‬
‫لورقات أخرى) وسنكتفي باإلشارة إلى العناصر الكبرى‬
                                             ‫التالية:‬
‫-تحول شعار "حماية الثورة" إلى مجرد كلمة‬ ‫ّ‬
‫يلقى بها في مكانها وغير مكانها. مما يذكرنا بشعارات‬
‫النظام السابق مثل "تونس فوق الجميع" و"تونس‬
                                           ‫للجميع."‬
                                           ‫-‬
‫النظام السابق كان يرفع هذه الشعارات وفي الوقت ذاته‬
‫يمارس عكسها بأن حول تونس ملكا لعائالت بعينها‬
                            ‫ّ‬
‫تستأثر بكافة خيراتها والذين يرفعون صباحا مساء شعار‬
‫"حماية الثورة" يمارسون عكس ذلك يبحثون عن أكبر‬
 ‫نصيب من "الغنيمة" وان كان على حساب الثورة ذاتها.‬

‫-بعض الفاعلين السياسيين ال يفصلون بين‬
‫مستقبل تونس وبين مستقبل احزابهم وهيئاتهم مما يحيلنا‬
‫الى ممارسات النظام السابق وشعار "التجمع هو الحزب‬
‫المؤتمن على التغيير"الذي تحول اليوم إلى أحزاب‬
                           ‫بعينها "مؤتمنة على الثورة."‬
                                             ‫-‬
                          ‫54‬
‫نعتقد انه إذا تواصل األمر على هذه الصورة فان وأد‬
‫الثورة سيكون على يد الذين نصبوا انفسهم وصاة عليها.‬
                                         ‫ولنا عودة‬




                        ‫64‬
‫هيئة تحقيق أهداف الثورة هل هي "بروفة" المجلس‬
                 ‫التأسيسي؟‬
 ‫.‬
‫االستنتاجات األولى التي يمكن الخروج بها من متابعة ما‬
‫يحدث داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة من تجاذبات و‬
                                  ‫اتهامات متبادلة أن:‬
‫أوال: الوفاق يتطلب أرضية ومناخا وخاصة وعيا حقيقيا‬
‫ليكون حلقة متينة تدفع إلى التقدم وانجاز المهام‬
                                       ‫المشتركة.‬
‫ثانيا: كل إرادة مسقطة ال يمكن أن تستمر وتتواصل‬
                                  ‫ُ‬
            ‫مهما كانت حُججها ومبرراتنها وأدواتها.‬
‫ثالثا: "الجملة الثورية" ال تصنع بالضرورة موقفا سليما.‬
‫والسؤال المقلق هو: هل أن أداء األحزاب السياسية و‬
‫الشخصيات المستقلة وغيرها في المجلس التأسيسي‬
‫المقبل سيكون كما هو عليه اآلن داخل هيئة تحقيق‬
‫أهداف الثورة ؟ وبصورة أوضح ما " الضمانات" التي‬
‫يمكن أن تقدمها األحزاب السياسية التي سيتم انتخابها‬

                         ‫74‬
‫ليكون الجدل والنقاش حول دستور البالد غير ما نتابعه‬
                                       ‫داخل الهيئة؟‬
‫تطالب األحزاب السياسية بضمانات الحترام موعد 20‬
‫أكتوبر و لتكون االنتخابات نزيهة وشفافة ، وهذا من‬
‫حقها وهو أمر مشروع ..لكن في الوقت ذاته أليس من‬
‫حق الشعب أن يطلب من األحزاب السياسية الضمانات‬
‫الالزمة لتعبّر عن إرادته و أن ال تحول المجلس‬
       ‫التأسيسي إلى ميدان للتجاذبات الحزبية الضيقة؟‬
‫الجدل و النقاش داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة يمكن‬
‫اعتباره "بروفة" أو تجربة لما سيكون عليه داخل‬
‫المجلس التأسيسي المقبل، ألن األحزاب هي ذاتها و‬
‫التباينات هي ذاته و المناخ السياسي هو ذاته.ونعتقد أن‬
‫من عجزوا على تحقيق الوفاق في لحظة حرجة من‬
‫تاريخ البالد تتطلب أكثر من غيرها الوفاق ، لن‬
‫يستطيعوا تحقيقه عندما تصبح لهم شرعية صناديق‬
                                           ‫االقتراع.‬




                         ‫84‬
‫محاكمة بن علي فصل آخر من االلتفاف على الثورة‬
‫إذا كان علينا أن نشبّه محاكمة الرئيس المخلوع أول‬
‫أمس االثنين فإننا سنشبّهها بما حصل مساء 14 جانفي‬
‫4420 حين ظهر السيد محمد الغنوشي على شاشة‬
‫التلفزة يُعلن توليه رئاسة الدولة استنادا إلى الفصل 51‬
                                 ‫من دستور 1114.‬
                                        ‫ّ‬
‫جوهر ما فكر فيه السيد محمد الغنوشي و المجموعة‬
‫المحيطة به وقتها أن الثورة التي انطلقت يوم 14 ديسمبر‬
‫2420 هدفها إسقاط بن علي فقط أما المنظومة السياسية‬
‫و االقتصادية و االجتماعية التي حكمت البالد نحو ربع‬
‫قرن فيجب أن تتواصل مع إدخال بعض التعديالت و‬
                                  ‫اإلصالحات عليها.‬
‫ذلك وصفت تلك الخطوة أنها التفاف على الثورة‬‫ُ‬
  ‫ومحاولة إلجهاض مسار ثوري تشكل ميدانيا وسياسيا.‬
‫كذلك الشأن بالنسبة لمحاكمة الرئيس المخلوع التي‬
‫انتظر أبناء الشعب في سيدي بوزيد والقصرين‬
‫والحوض المنجمي و األحياء الفقيرة في المدن الكبرى‬
‫أن تكون محاكمة تستهدف باألساس منظومة سياسية و‬
                         ‫94‬
‫اقتصادية واجتماعية وثقافية تم من خاللها تسيير البالد‬
‫ولم تخلّف إال التفقير والتفاوت الجهوي والفساد وكبت‬
‫الحريات العامة والفردية ..لكنها تحولت إلى محاكمة في‬
‫قضية حق عام ال تختلف عن محاكمة أي مسؤول إداري‬
‫.وكأن هناك من مازال يدفع للمحافظة على المنظومة‬
                        ‫ذاتها ويحميها من أي محاكمة.‬
‫إن محاكمة الرئيس المخلوع ال يمكن أن تكون مفصولة‬
‫عن الشعارات التي رفعها الشعب أيام الثورة وال يمكن‬
‫أن تكون في مسار غير مسار التغيير الذي انطلقت فيه‬
                                               ‫البالد.‬
‫من الشعارات المركزية التي رُفعت في الثورة شعار "‬
‫التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" وهو شعار بمثابة‬
‫اتهام صريح لنظام الرئيس المخلوع في خياراته التنموية‬
‫واالقتصادية وما بلغه من فساد .وكان من المفروض أن‬
‫يمثل قاعدة محاكمة الرئيس المخلوع استجابة لتلك‬
‫الحناجر التي رفعته طويال .لكن محاكمة أول أمس‬
                                   ‫حادت عنه وأهملته‬
‫ومن الشعارات التي رفعت أيام الثورة أيضا " الشعب‬
‫يريد إسقاط النظام" وليس "الشعب يريد إسقاط بن علي‬
                          ‫05‬
‫".إسقاط النظام السياسي واالقتصادي و االجتماعي و‬
‫الثقافي الذي حكم به بن علي .وهو شعار كان أيضا من‬
‫المفروض أن يكون قاعدة أساسية في المحاكمة ..غير أن‬
                      ‫هناك من يريد أن ال يسقط النظام‬
‫ومن المفارقات انه في الوقت الذي يُحاكم فيه بن علي في‬
‫قضايا حق عام ..كان هو يدافع عن نظامه و عن‬
‫"المكاسب التي حققها للبالد " في فترة حكمه .كان يدافع‬
‫عن خياراته .ظهر ذلك من خالل الرسالة التي نشرها‬
‫محاميه اللبناني و التي خصص جزء هاما منها لما أنجز‬
‫في عهده..ألنه كان يعتقد انه سيحاكم في ذلك االتجاه.‬
‫إن محاكمة الرئيس بن علي بالطريقة التي تمت بها أول‬
‫أمس ال يمكن أن تكون إال محاولة جديدة لاللتفاف على‬
‫الثورة شأنها شأن محاولة السيد محمد الغنوشي تولي‬
                                 ‫منصب رئاسة الدولة.‬




                         ‫15‬
‫مسار الثورة تهدده هشاشة مؤسسات حماية الثورة‬
‫ثمة حقيقة ال بد أن نعترف بها،هي أن ثورة 14 جانفي‬
‫مازالت هشة وأن األشهر الخمسة األولى من عمرها لم‬
‫تمنحها المناعة األساسية لتستمر و تنجز أهدافها كاملة‬
‫في التغيير واالنتقال من منظومة االستبداد إلى‬
                                       ‫الديمقراطية.‬

‫مرت الثورة التونسية منذ انطالقها يوم 14 ديسمبر‬
‫2420 بمسارات نوعية من حركة احتجاجية تطالب‬
‫بالحق في التشغيل و التنمية العادبة الى حركة تطالب‬
‫بتغيير النظام تم ذلك وفق نسق تصاعدي ومتسارع فاجأ‬
‫الجميع، األحزاب السياسية و النخب و استخبارات أكبر‬
                                            ‫الدول.‬

‫أقل من شهر كانت كافية لسقوط النظام الذي حكم 20‬
‫سنة و للمنظومة التي سادت نحو نصف قرن، سقط‬
‫النظام دون أن يتبلور البديل و دون أن يكون هناك أي‬
                         ‫سيناريو للمرحلة االنتقالية.‬


                         ‫25‬
‫ربما هذا ما دفع أحد الصحفيين في صحيفة "لوفيغارو"‬
‫الفرنسية يكتب بعد يومين من سقوط بن علي إن ثورة‬
                          ‫تونس هي ثورة "هشة".‬

‫هشاشة الثورة تعني ضعف مؤسساتها و هياكلها القادرة‬
‫على حمايتها و االرتقاء بها في نسق تصاعدي نحو‬
‫انجاز كافة مهامها أي القطع مع منظومة االستبداد و بناء‬
‫المنظومة الجديدة القائمة على الديمقراطية و الحريات‬
       ‫العامة و التوزيع العادل للثروة و التنمية المتوازنة.‬

‫المؤسسات الحالية التي تتحدث باسم الثورة لم تقم على‬
‫شرعية الثورة إنما على شرعية الوفاق الذي تتطلبه‬
‫المرحلة غير أن هذا الوفاق ثبت في أكثر من محطة أنه‬
‫وفاق هش و مغشوش ألنه وفاق بين من سعى لاللتفاف‬
‫على الثورة في مطالبها الرئيسية وبين من نصب نفسه‬
                                  ‫وصيا على الثورة.‬

‫إن أحداث مدينة المتلوي وغيرها من حاالت اإلرباك‬
‫التي تقف وراءها أطراف و جهات ال تريد أن تتقدم‬
‫الثورة نحو مهامها كاملة تكشف أن هشاشة مؤسسات‬
                           ‫35‬
‫الثورة تجعلها قادرة على فعلها التخريبي إلجهاض مسار‬
                                           ‫التغيير‬




                        ‫45‬
‫على هامش اجتماعات هيئة تحقيق أهداف‬
‫الثورة:مسار انتقال ديمقراطي أم مسار أحزاب للوصول‬
                 ‫إلى السلطة؟‬

‫ما حصل أمس وقبله في اجتماعات هيئة تحقيق أهداف‬
‫الثورة واإلصالح السياسي ال يجب أن يمر دون الوقوف‬
‫عند األسباب الحقيقية التي تجعل اجتماعات هذه الهيئة‬
‫بذلك الشكل الذي يسئ إلى اسمها و دورها و مهمتها‬
                        ‫والى مبادئ وقيم الثورة أصال.‬
‫إن تحقيق أهداف الثورة ال يمكن أن تكون بذلك األداء و‬
‫تلك االتهامات المتبادلة و التلويح باالستقاالت‬
                                         ‫واالنسحاب.‬
‫ويجب أن نكون واضحين إن ما حدث ال عالقة له‬
‫بتحقيق أهداف الثورة أو برسم نظام سياسي جديد، إنما‬
‫هو تنافس محموم من أجل الفوز بنظام سياسي يتوافق‬
‫وخلفيات كل حزب، ثمة من يستند إلى المال السياسي.‬
    ‫وثمة من يستند إلى "شرعية نضالية قبل 14 جانفي."‬
‫ما حدث ال عالقة له بمسار الثورة وال بمبادئها وال‬
‫قيمها. هو تنافس على الفوز بأكبر نصيب من "كعكة"‬
‫صنعها شباب القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها‬
‫من المناطق الداخلية. صنعها الشباب العاطل عن العمل‬
‫وأبناء األحياء الفقيرة لكنها سرقت منهم ووضعت على‬
                         ‫55‬
‫طاولة األحزاب وغيرها وكل يقول إنه ساهم في صنعها‬
                             ‫أو هيأ الظروف لصناعتها.‬
‫وهذا ما يدفعنا للسؤال: هل يمثل هؤالء مبادئ الثورة أم‬
                               ‫يمثلون أجنداتهم الحزبية؟‬
‫سبق أن نبهنا و نبّه غيرنا في أكثر من مرة أن هيئة‬
‫تحقيق أهداف الثورة بتركيبتها وظروف بعثها هي وفاق‬
‫مغشوش بين من يسعى لاللتفاف على ثورة الشباب‬
‫والفئات االجتماعية الفقيرة وبين من سعى منذ يوم 14‬
‫جانفي إلى احتكار الحديث باسم الثورة وكأنه هو من‬
           ‫صنعها وهو أمر يدرك الجميع انه غير واقعي.‬
‫وقلنا إن إن كل وفاق مغشوش مآله الفشل لكن الفشل في‬
‫هذا الصدد ستتضرر منه تونس ومستقبل أجيالها التي‬
‫صنعت التغيير ورسمت النقطة األولى نحو مستقبل‬
‫أفضل.وبيدو أن األمر يسير بوضوح في اتجاه الفشل‬
‫،نقول هذا دون التضخيم فيما يحصل و أيضا دون التقليل‬
                                          ‫من خطورته.‬
‫إن متابعة أداء الفاعلين في هيئة تحقيق الثورة التي قُدمت‬
    ‫ّ‬
‫على أنها العنصر الرئيسي في هذه المرحلة االنتقالية‬
‫يدفعنا للقول إنها أصبحت المشكل ألنها أوال كانت‬
‫مسقطة ونتيجة ترتيبات عديد جوانبها تمت في الخفاء‬
‫بعيدا عن أعين صناع الثورة الحقيقيين وثانيا غير ممثلة‬
‫لكافة مكونات المشهد السياسي و المدني وثالثا أصبحت‬
               ‫عائقا أمام تقدم العملية السياسية في تونس.‬
                          ‫65‬
‫ربما الوقت مازال الوقت سانحا لتجاوز هذه المعوقات‬
‫في أداء الهيئة لكن شرط ، أن تعمل األحزاب على‬
‫ترشيد خطابها في اتجاه التركيز على حماية مسار‬
‫االنتقال وتبتعد عن المزايدات ودغدغة العواطف‬
‫والمشاعر وعلى وضع آليات لحماية المسار االنتقالي‬
‫من االنتكاس. حمايته من االرتداد ليس فقط على ما‬
‫أنجزه الشعب يوم 14 جانفي 4420. بل أيضا على ما‬
   ‫حققته البالد من مكاسب حداثة وتقدم وتسامح وانفتاح.‬
‫ترشيد الخطاب هو المدخل الرئيسي لحماية مسار‬
‫االنتقال والوصول به إلى تحقيق أهداف الثورة. أما‬
‫يحدث اآلن فهو مسار أحزاب سياسية للوصول إلى‬
‫السلطة وليس مسارا انتقاليّا في اتجاه نظام سياسي جديد‬
                                         ‫للبالد والعباد.‬




                           ‫75‬
‫الشعب الذي كان سقفه أعلى من كافة األحزاب‬
  ‫السياسية يوم 14 جانفي هو القوة الثورية الوحيدة‬

‫إن التناقض الرئيسي الذي يحكم هذه المرحلة من تاريخ‬
‫الثورة التونسية هو بين القوى التي تدفع في اتجاه أن‬
‫تنجز الثورة كافة مهامها السياسية و االقتصادية‬
‫واالجتماعية ، وبين القوى التي تعمل من أجل إجهاض‬
‫كل تقدم إلى األمام وكل منجز من شأنه يدعم مكاسب‬
                            ‫ُ‬
                                               ‫الثورة.‬
‫هذا التناقض حكم كل الثورات في العالم وكل حركات‬
‫التغيير ونتائجه حُسمت إما لقوى التغيير أو لقوى الثورة‬
‫المضادة بحسب استعدادات كل طرف ودرجة تنظيمه‬
              ‫وخاصة إرادة كل طرف في تحقيق أهدافه.‬
‫وتونس ليست استثناء ، فما تعيشه البالد منذ يوم 14‬
‫جانفي 4420 هو صراع على قاعدة التناقض بين قوى‬
                              ‫الثورة و الثورة المضادة.‬
‫ولكن خصوصية الثورة التونسية التي تفجرت بمعزل‬
‫عن األحزاب السياسية وعن قياداتها، تدفع لطرح السؤال‬
                         ‫التالي: من هي القوى الثورية ؟‬
‫القوة الثورية الوحيدة التي لها مصلحة حقيقية في التغيير‬
‫هو الشعب الذي كان سقفه أعلى من كافة األحزاب‬
                  ‫السياسية يومي 24 و14 جانفي 4420.‬
                          ‫85‬
‫كل "وفاق" بعيدا عن تطلعات الشعب هو‬
                 ‫"وفاق"فاشل.‬

‫يتأكد كل يوم أن العملية السياسية في تونس مازالت‬
‫تبحث عن مسارها الصحيح، رغم تأكيد الجهات‬
‫واألطراف التي تعتبر نفسها محددة في هذه العملية أن‬
‫كافة عناصر "خريطة الطريق" أضحت واضحة منذ‬
                                                    ‫مدة.‬
                                 ‫ّ‬
‫قد ال يتيح المجال لنعدد كافة مظاهر الخلل في العملية‬
‫السياسية منذ انطالقها وما سبّبته وتسبّبه من آثار ميدانية‬
‫اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لكن تكفي اإلشارة إلى‬
‫المأزق السياسي الذي يهدد البالد على خلفية عدم التوافق‬
‫على موعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، رغم أن‬
‫الوفاق مثل منذ 14 جانفي الشعار "المركزي"‬
   ‫للحكومات المؤقتة المتعاقبة ولكافة األحزاب السياسية.‬

‫رفع الجميع شعار الوفاق، لكن ال أحد بحث عن الوفاق‬
‫الحقيقي مع أهم طرف في المعادلة الجديدة أي الشعب‬
                                       ‫بكافة فئاته.‬
‫الحكومات المؤقتة المتعاقبة بحثت عن الوفاق مع‬
‫األحزاب السياسية وبعض المنظمات والهيئات‬
‫.واألحزاب السياسية بحثت عن الوفاق بينها ، وهو ما‬
‫جعل العملية السياسية تجري بعيدا عن اهتمامات الشعب‬
                          ‫95‬
‫وهذا ما يفسر أيضا أن "التفاؤل السياسي" الذي يبديه‬
             ‫البعض يقابله تشاؤم ميداني عند المواطنين.‬
‫إن الوفاق مع الشعب يعني الوفاق حول مطالبه وتطلعاته‬
                     ‫ّ‬
‫التي يبدو أنها وضعت على الرف في انتظار أن تنتهي‬
          ‫األحزاب السياسية من اقتسام الغنيمة السياسية.‬

‫منذ 14 جانفي 4420 لم تحرص حكومتي السد محمد‬
‫الغنوشي وحكومة الباجي قائد السبسي على توفير‬
‫فضاءات حقيقية للحوار مع أبناء تونس ..ال يوجد اليوم‬
‫أي إطار فعلي من خالله يمكن االستماع إلى صوت‬
‫المواطن، كل اهتماماتها توجهت إلى األحزاب السياسية‬
‫باسم التشاور، وهو تشاور لم يختلف عن تلك التي كانت‬
‫تتم في العهد السابق... مشاورات أطرها غير واضحة‬
                                  ‫ومضمونها ال يكشف.‬
‫أما األحزاب السياسية فإنها وضعت جانبا المطالب‬
‫الحقيقية والشعارات الرئاسية للشعب التونسي واكتفت‬
         ‫بالبحث عما يمكن أن تغنمه في المرحلة القادمة.‬
‫إن المخرج من المأزق الذي يهدد البالد يكون بالرجوع‬
‫إلى الشعب باعتباره العنصر الرئيسي في المعادلة‬
‫والتوافق حول مطالبه الحقيقية ويكون ذلك ببعث أطر‬
‫وهياكل معيّنة للحوار معه واالستماع إليه، مما يجعل‬
‫العملية السياسية تسير على أسس متينة وتتجاوز مظاهر‬

                          ‫06‬
‫الخلل التي تعيقها اآلن على التقدم وتتقدم في مسارها‬
                                         ‫الصحيح.‬




                        ‫16‬
‫أوقفوا هذا المسار‬
‫ثمة مسار يجب أن يتوقّف، ألن في استمراره وتواصله‬
                                ‫ْ‬               ‫ّ‬
‫خطورة ليس فقط على ثورة 14 جانفي وما جاءت به من‬
‫قيم ومبادئ وإنما أيضا على وحدة التونسيين والمشترك‬
                                            ‫بينهم.‬
‫هذا المسار الذي يسعى البعض للنفخ فيه وتضخيمه‬
‫ليكون من األولويات المطروحة ليس أمام النخب‬
‫والناشطين السياسيين فحسب بل أيضا أمام "المواطن‬
‫العادي"، هو تحويل قاعدة الفرز بين من يدفع لتنجز‬
‫الثورة مهامها السياسية واالقتصادية واالجتماعية وبين‬
‫من يبحث بكافة الوسائل لاللتفاف عليها وحصرها في‬
‫أفق محدود، إلى قاعدة فرز جديدة بين المؤمنين‬
‫والعلمانيين، بين "الغيورين على المقدسات" وبين‬
                                   ‫"المشككين فيها".‬
‫قاعدة الفرز هذه التي يحرص البعض إليجاد المبررات‬
‫الميدانية والواقعية لها، تبقى مسقطة ومفتعلة ألنها تمس‬
‫من وحدة التونسيين حول دينهم وعروبتهم، وتشكك في‬
                          ‫المشترك بينهم منذ قرون.‬

                         ‫26‬
‫الموقف من المسالة الدينية لم يكن في يوم من األيام‬
‫عنصر خالف بين التونسيين وعامل صراع بينهم، فلماذا‬
‫النفخ في هذه النقطة وتحويلها إلى واجهة رئيسية في هذه‬
               ‫المرحلة الدقيقة والحرجة من عمر الثورة؟‬
‫ثورة 14 جانفي مازالت تترصد بها المخاطر الداخلية‬
‫والخارجية .وتوجيه بوصلة الشعب الذي أنجز هذه‬
‫الثورة إلى وجهة غير حماية ثورته ودفعها النجاز كافة‬
‫مهامها نعتقد انه أمر مشبوه، وال يخدم إال أغراض‬
                                    ‫المتربصين بها.‬




                         ‫36‬
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية

More Related Content

More from Mbarki Noureddine

تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014Mbarki Noureddine
 
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونسملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونسMbarki Noureddine
 
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانيةحول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانيةMbarki Noureddine
 
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارتالديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارتMbarki Noureddine
 
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارقصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارMbarki Noureddine
 
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي Mbarki Noureddine
 
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...Mbarki Noureddine
 
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬Mbarki Noureddine
 
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014Mbarki Noureddine
 
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...Mbarki Noureddine
 
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)Mbarki Noureddine
 
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسيةالسيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسيةMbarki Noureddine
 
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروباتجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروباMbarki Noureddine
 
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي Mbarki Noureddine
 
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابيةدليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابيةMbarki Noureddine
 
بيانات حركة النهضة حول الارهاب
بيانات  حركة النهضة حول الارهاببيانات  حركة النهضة حول الارهاب
بيانات حركة النهضة حول الارهابMbarki Noureddine
 
نصوص حول الارهاب في تونس
نصوص حول الارهاب في تونسنصوص حول الارهاب في تونس
نصوص حول الارهاب في تونسMbarki Noureddine
 
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014Mbarki Noureddine
 
تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال
تحريض المجاهدين الأبطال       على إحياء سنة الاغتيالتحريض المجاهدين الأبطال       على إحياء سنة الاغتيال
تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيالMbarki Noureddine
 
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )Mbarki Noureddine
 

More from Mbarki Noureddine (20)

تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
 
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونسملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
 
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانيةحول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
 
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارتالديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارت
 
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارقصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
 
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
 
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
 
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
 
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
 
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
 
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)
 
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسيةالسيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
 
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروباتجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
 
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
 
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابيةدليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
 
بيانات حركة النهضة حول الارهاب
بيانات  حركة النهضة حول الارهاببيانات  حركة النهضة حول الارهاب
بيانات حركة النهضة حول الارهاب
 
نصوص حول الارهاب في تونس
نصوص حول الارهاب في تونسنصوص حول الارهاب في تونس
نصوص حول الارهاب في تونس
 
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014
الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014
 
تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال
تحريض المجاهدين الأبطال       على إحياء سنة الاغتيالتحريض المجاهدين الأبطال       على إحياء سنة الاغتيال
تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال
 
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
ملف إجازة النحر لما هو واقع من الإثخان والقهر )
 

هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية

  • 1. 1
  • 2. ‫يتضمن هذا الكتيب مجموعة المقاالت التي نشرتها بعد ثورة‬ ‫14 جانفي 4411 ..حاولت خالل رصد أداء األحزاب‬ ‫السياسية والحكومات التي تعاقبت على قيادة البالد .‬ ‫إن ما حدث ويحدث في تونس بعد الثورة ال عالقة له بمسار‬ ‫الثورة وال بمبادئها وال قيمها. هو تنافس على الفوز بأكبر نصيب‬ ‫من "كعكة" صنعها شباب القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها‬ ‫من المناطق الداخلية. صنعها الشباب العاطل عن العمل وأبناء‬ ‫األحياء الفقيرة لكنها سرقت منهم ووضعت على طاولة األحزاب‬ ‫والحقوقيين وغيرهم كل يقول إنه ساهم في صنعها أو هيأ‬ ‫و‬ ‫الظروف لصناعتها.‬ ‫2‬
  • 3. ‫الحكومة المؤقتة تقود البالد بوعود النظام السابق‬ ‫صباح يوم الجمعة 14 جانفي كان الرئيس المخلوع زين‬ ‫ّ‬ ‫العابدين بن علي متفائال، ويعتقد أن األزمة التي ضربت‬ ‫نظامه بداية من يوم 14 ديسمبر 2420 في طريقها إلى‬ ‫الحل....‬ ‫لم يكن يتصور أنّه بعد ساعات سيجد نفسه مضطرا‬ ‫للهروب خارج تونس التي حكمها نحو 20 سنة.‬ ‫*****‬ ‫كان بن علي متفائال صباح ذلك اليوم باالستناد إلى ردود‬ ‫الفعل األولية التي بلغته حول الكلمة التي ألقاها مساء 24‬ ‫جانفي والتي أصبحت معروفة شعبيا بـ"فهمتكم"... كان‬ ‫ّ‬ ‫يعتقد أن الوعود التي أطلقها بمنح الحريات كاملة وبعث‬ ‫لجنة للبحث في الفساد والرشوة ومحاسبة المسؤولين‬ ‫على "األحداث"... في سيدي بوزيد وتالة والقصرين...‬ ‫كافية ليعود الشباب إلى منازله ويُخلي الشوارع من‬ ‫المظاهرات واالعتصامات.‬ ‫*****‬ ‫3‬
  • 4. ‫لكن فيما بن علي متفائل ووكاالت األنباء تنشر‬ ‫تصريحات احمد نجيب الشابي واحمد إبراهيم (الحزب‬ ‫الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد) االيجابية تجاه‬ ‫وعود بن علي، وتأكيدات كمال مرجان (وزير الخارجية‬ ‫ّ‬ ‫األسبق) لتشكيل حكومة ائتالفية... كان الشعب حدد سقفه‬ ‫السياسي وهو "ارحل يا بن علي"... أي أنّه رفض‬ ‫وعود بن علي متجاوزا بذلك كافة السياسيين‬ ‫واألحزاب...‬ ‫*****‬ ‫ّ‬ ‫يوم 24 جانفي وصباح يوم 14 جانفي يمكن القول أن بن‬ ‫علي ومن معه حددوا المالمح الكبرى ألدائهم في‬ ‫المستقبل وهي: حكومة ائتالفية وفتح المجال أمام‬ ‫الحريات ومقاومة الفساد والرشوة... الخ استجابة لضغط‬ ‫الشارع... لكن هروب بن علي جعل هذا المشروع يسقط‬ ‫ليتلقفه السيد محمد الغنوشي ويواصل العمل به بعد 14‬ ‫جانفي، باعتباره مشروع الثورة وأحد إفرازاتها.‬ ‫*****‬ ‫وبدا واضحا منذ يوم 14 جانفي تاريخ اإلعالن عن أول‬ ‫تشكيلة حكومية بعد الثورة أنّه ال نيّة حقيقية لتفكيك البنية‬ ‫األساسية لنظام بن علي وأن مهمة الحكومة التي أُطلق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عليها اسم "الحكومة الوطنية" ستكون تنفيذ مشروع يوم‬ ‫4‬
  • 5. ‫24 جانفي الذي س1طر في قصر قرطاج وقصر‬ ‫الحكومة بالقصبة.‬ ‫كل اإلجراءات التي أعلنت عنها حكومة 14 جانفي كانت‬ ‫عناصرها موجودة في كلمة بن علي يوم 24 جانفي‬ ‫(الحريات – اإلصالح السياسي – مقاومة الفساد... الخ)‬ ‫لم تأت هذه الحكومة بأي جديد... لذلك تم رفضها وتحول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعار الذي يرفعه الشعب إلى شعار "الشعب يُريد‬ ‫إسقاط الحكومة."‬ ‫*****‬ ‫ومثّل اعتصام القصبة الذي ضم اآلالف من أبناء الجهات‬ ‫الداخلية ممن كانوا وقود الثورة درسا جديدا في الوعي‬ ‫السياسي للشعب التونسي الذي رفض االلتفاف على‬ ‫ثورته وتمسّك بمطلبه في إسقاط حكومة 14 جانفي‬ ‫والتخلّص من رموز النظام السابق.‬ ‫أسقط المعتصمون الحكومة، واستقال منها من استقال‬ ‫وتم التخلي عن عدد من الوزراء الذين ارتبطت أسماؤهم‬ ‫ّ‬ ‫بالتجمع الدستوري الديمقراطي... لكن دون أن يعني أنّها‬ ‫استفادت من درس االعتصام... فقد واصلت الحكومة‬ ‫إتباع األساليب ذاتها المتبعة قبل يوم 14 جانفي...‬ ‫*****‬ ‫5‬
  • 6. ‫أول هذه األساليب كانت الطريقة التي فرقت بها‬ ‫الحكومة المعتصمين فقد اعتمدت على العنف والقنابل‬ ‫المسيّلة للدموع والكالب المدرّبة وغيرها من األدوات‬ ‫التي اعتقد الشعب أنّها ذهبت مع سقوط رمز النظام...‬ ‫ّ‬ ‫لكن كان واضحا أن هناك نيّة حقيقية لاللتفاف على ثورة‬ ‫الشعب.‬ ‫لم تستوعب الحكومة الدرس من اعتصام القصبة وغيره‬ ‫من االعتصامات في المدن الداخلية... بل إنّها لم تفهم أن‬ ‫الشعب كان يطمح للتغيير الشامل وال يقبل بااللتفاف‬ ‫والدليل على ذلك مرة أخرى الطريقة التي عينت بها‬ ‫الوالة، نحو 14 واليا كانت لهم انتماءات للتجمع‬ ‫الدستوري الديمقراطي وعديد منهم كان متورطا في‬ ‫قضايا فساد...‬ ‫*****‬ ‫األمر ال يقف عند هذا الحد، فاللّجان الثالث التي شكلت‬ ‫ّ‬ ‫للبحث في قضايا الفساد والتجاوزات واإلصالح السياسي‬ ‫ّ‬ ‫لم تخل بدورها من عناصر النظام السابق ومن ذلك أن‬ ‫لجنة الفساد تضم بين صفوفها أحد المحاميين المعروفين‬ ‫ّ‬ ‫بتعامله مع العائلة التي عاثت فسادا في البالد.‬ ‫إن هذه العناصر وغيرها تبيّن أن الحكومة التي جاءت‬ ‫بعد ثورة 14 جانفي لم تكن تتصرف بالصدفة بل كانت‬ ‫ّ‬ ‫واعية بما تقوم به... كانت تعرف أن دورها هو استمرار‬ ‫6‬
  • 7. ‫النظام القديم وإدخال اإلصالحات عليه، وهي‬ ‫اإلصالحات التي تم اإلعالن عنها يوم 24 جانفي‬ ‫ّ‬ ‫وصباح 14 جانفي... لم تكن تتعامل مع ما أنجزه الشعب‬ ‫يوم 14 جانفي على أنّه ثورة حقيقية... بل على أساس أنّه‬ ‫انتفاضة فرضت بعض التغييرات.‬ ‫والدليل على ذلك... أوال أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء‬ ‫أو قرار جديد غير التي تم اإلعالن عنها يوم 24‬ ‫ّ‬ ‫جانفي. وثانيا... التصريح الذي أدلى به احمد اونيس‬ ‫(وزير الخارجية السابق) إلحدى القنوات التلفزية حين‬ ‫أكد أن ما حصل يوم 14 جانفي ليس ثورة، بل انتفاضة.‬ ‫ّ‬ ‫احمد اونيس (وزير الخارجية األسبق )الوحيد الذي كان‬ ‫واضحا فدفع ثمن وضوحه.‬ ‫*****‬ ‫من هنا نفهم لماذا هذه المسافة الواسعة بين الحكومة‬ ‫المؤقتة والشعب بين الحكومة المؤقتة وكافة مكونات‬ ‫المجتمع السياسي والمدني.‬ ‫الحكومة المؤقتة تحرص على االلتفاف على ثورة‬ ‫الشعب وحصرها في انتفاضة تتطلب فقط بعض‬ ‫اإلصالحات على النظام القديم والشعب مقتنع أن ما‬ ‫أنجزه يوم 14 جانفي هو ثورة حقيقية تتطلب تغييرا‬ ‫شامال وحقيقيا.‬ ‫7‬
  • 8. ‫وزارة الداخلية تقيل وزير الداخلية !!!‬ ‫كان يمكن أن يكون خروج السيد فرحات الراجحي من‬ ‫وزارة الداخلية حدثا عاديا شأنه إقالة أو استقالة أي وزير‬ ‫، خاصة أن البالد عرفت منذ يوم 14 جانفي ثالث‬ ‫حكومات ، لكن ربّما ثالثة عناصر جعلت من هذا‬ ‫الخروج حدثا غير عادي على األقل في الشارع‬ ‫السياسي.‬ ‫العامل األول تكتّم الرئاسة المؤقتة وحكومة الباجي قائد‬ ‫السبسي على أسباب ودوافع هذه اإلقالة واكتفائها بإصدار‬ ‫بالغ قصير ال تختلف صياغته عن البالغات التي كانت‬ ‫تصدر قبل 14 جانفي.‬ ‫أما العامل الثاني فإنّه حجم الوزارة التي كان يشرف‬ ‫عليها فرحات الراجحي وخاصة الملفات المطروحة‬ ‫عليها والمهام المنوطة لها خالل هذه الفترة الدقيقة التي‬ ‫تمر بها البالد ، أما العامل الثالث فإنه ما يحاول "شباب‬ ‫الفيس بوك" اقحامه وهو شخصية فرحات الراجحي‬ ‫المرحة والمقبولة التي قطعت حسب رايهم مع "البرودة‬ ‫" و "الصرامة" التي كانت تميز دائما وزراء الداخلية.‬ ‫8‬
  • 9. ‫ونعتقد أن البحث في هذه العوامل الثالثة على أهميته ال‬ ‫يجب أن يبعدنا عن طرح السؤال الجوهري وهو هل أن‬ ‫إقالة السيد فرحات الراجحي ستساهم في تحقيق المطلب‬ ‫األول للتونسيين وهو األمن الذي مازال يعرف انفالتا‬ ‫وهل أنها ستساهم في مزيد التقدم بمسار اإلنتقال‬ ‫الديمقراطي ؟ وبعبارة أخرى هل أن هذه اإلقالة هي‬ ‫خطوة إلى األمام أم خطوتان إلى الوراء؟‬ ‫يدرك كافة المراقبين للشأن السياسي أن السيد فرحات‬ ‫الراجحي تقلد المسؤولية األولى في وزارة الداخلية في‬ ‫ّ‬ ‫مرحلة دقيقة وحساسة تمر بها البالد يمكن توصيفها كمن‬ ‫رميت بيديه جمرة وطلب منه أن يقبض عليها حتى‬ ‫تطفأ وهي الوقت ذاته هناك من ينفخ في هذه الجمرة‬ ‫حتى ال تطفأ وهناك من ينصحه بالصبر وهناك من يرفع‬ ‫معنوياته بالتأكيد أن الوقت كفيل بهذه الجمرة.‬ ‫ويبدو أن السيد فرحات اراجحي كان " ضائعا" بين‬ ‫هؤالء وال يعرف لمن يدير وجهه حتى قيل له : لقد‬ ‫فشلت في التجربة ويجب أن ترحل.‬ ‫ومن خالل تتبع الوضع األمني في البالد وما عرفته‬ ‫وزارة الداخلية منذ يوم 14 جانفي يمكن القول بأن اقالة‬ ‫السيد فرحات الراجحي مصدرها وزارة الداخلية ذاتها‬ ‫أي أن وزارة الداخلية هي من أقالت وزير الداخلية!!‬ ‫9‬
  • 10. ‫عندما استلم السيد فرحات الراجحي الداخلية خاض‬ ‫معركة" مه من سماهم فلول النظام البائد في الوزارة‬ ‫تجلّى ذلك اقالة عديد اإلطارات والكوادر ويبدو أنه قطع‬ ‫شوطا في هذه الصدد مستعينا في ذلك بدعم الجيش‬ ‫الوطني وهذه الحقيقة أكدها هو بذاته.‬ ‫غير أن "الصراع" داخل الوزارة تحول بعد ذلك من‬ ‫ّ‬ ‫"معركة" مع فلول النظام البائد إلى "معركة" التقليل من‬ ‫تأثير الجيش الوطني داخل وزارة الداخلية وثمة في هذا‬ ‫الصدد عديد المعطيات التي تؤكد ذلك ، بدأت هذه‬ ‫المعركة بإقالة مدير األمن الوطني السيد أحمد شابير‬ ‫وانتهت برأس الوزير ذاته السيد فرحات الراجحي.‬ ‫وربما هذا ما يفسّر حكومة السيد الباجي قائد السبسي‬ ‫على تقديم أي تفسير أو تبرير لهذه اإلقالة ( على األقل‬ ‫ّ‬ ‫إلى حد اللحظة – األربعاء 22 مارس.)‬ ‫إن اقالة السيد فرحات الراجحي ال تقلل من شيء من‬ ‫اإلنجازات التي تحققت خالل تحمله المسؤولية وخاصة‬ ‫حل جهاز البوليس السياسي ورفع الدعوى لحل التجمع‬ ‫ّ‬ ‫الدستوري الديمقراطي لكنها أيضا ال تخف أنه عجز عن‬ ‫تقديم ملف القناصة الذين سقطت األرواح على أيديهم ولم‬ ‫يتمكن من وضع حد لإلنفالت األمني الذي تعرفه البالد‬ ‫01‬
  • 11. ‫لذلك نقول إن هذه اإلقالة قد تكون خطوة إلى األمام إن‬ ‫كانت ستضع البالد على سكة اإلستقرار األمني لكنها‬ ‫تبقى خطوة إلى الوراء إن كانت ثمار "صراعات" داخل‬ ‫وزارة الداخلية.‬ ‫11‬
  • 12. ‫العمليّة السياسيّة في تونس : عقليّة الغنيمة والتسلّط‬ ‫وجهان لعملة واحدة‬ ‫اليبدو أن العملية السياسية في تونس تسير على قدمين‬ ‫سليمتين رغم وضوح الهدف وهو الذهاب إلى انتخابات‬ ‫المجلس التأسيسي منتصف شهر جويلية المقبل.‬ ‫وقد نبّه المراقبون للشأن السياسي في أكثر من مناسبة أن‬ ‫وضوح الهدف ال يعني طي ملف العناصر الرئيسية‬ ‫لعملية االنتقال الديمقراطي واالنغماس في المسائل التقنية‬ ‫والتفاصيل الجزئية .ثبت هذا منذ 14 جانفي 4420 حين‬ ‫حاول البعض حصر مسار العملية السياسية في تونس‬ ‫في "حكومة وطنية" لكن الوقائع الميدانية وحجم الملفات‬ ‫المطروحة أسقطت هذا الخيار في مناسبتين ثم تم ضبط‬ ‫"خريطة طريق" هدفها واضح لكنها دون مفاتيح‬ ‫وبوصلتها مفقودة.‬ ‫العنصر الرئيسي في خريطة الطريق هو الهيئة العليا‬ ‫لتحقيق أهداف الثورة واالنتقال الديمقراطي واإلصالح‬ ‫السياسي وحسب الفاعلين في هذه الهيئة فإن مهامها‬ ‫ستكون السهر على العملية السياسية إلى غاية انتخاب‬ ‫المجلس التأسيسي.‬ ‫21‬
  • 13. ‫غير أن هذه الهيئة اصطدمت منذ انطالقها بمعارضة‬ ‫وانتقادات حول تركيبتها ودورها مما جعلها إلى حد‬ ‫اللحظة غير قادرة حتى على االجتماع في ظروف عادية‬ ‫. والبد من القول أن اغلب االنتقادات الموجهة إلى‬ ‫الهيئة هي انتقادات موضوعية لها ما يبررها في الواقع‬ ‫ويمكن توصيفها أنها وفاق مغشوش بين من يسعى‬ ‫لاللتفاف على ثورة الشباب والفئات االجتماعية الفقيرة‬ ‫وبين من سعى منذ يوم 14 جانفي إلى احتكار الحديث‬ ‫باسم الثورة وكأنه هو من صنعها وهو أمر يدرك الجميع‬ ‫انه غير واقعي.‬ ‫إن كل وفاق مغشوش مآله الفشل لكن الفشل في هذا‬ ‫الصدد ستتضرر منه تونس ومستقبل أجيالها التي‬ ‫صنعت التغيير ورسمت النقطة األولى نحو مستقبل‬ ‫أفضل . الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واالنتقال‬ ‫الديمقراطي واإلصالح السياسي التي قُدمت على أنها‬ ‫ّ‬ ‫العنصر الرئيسي في هذه المرحلة االنتقالية يجب أن‬ ‫نعترف أنها المشكل ألنها كانت مسقطة ونتيجة ترتيبات‬ ‫عديد جوانبها تمت في الخفاء بعيدا عن أعين صناع‬ ‫الثورة الحقيقيين.‬ ‫31‬
  • 14. ‫في عهد الرئيس المخلوع يدرك كافة التونسيين خاصة‬ ‫النخب واألحزاب السياسية والمنظمات الوطنية المهنية‬ ‫أن البالد كانت محرومة من حوار وطني حقيقي حول‬ ‫أمهات القضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية وان‬ ‫نظام بن علي حرص على إجهاض أي حوار حقيقي‬ ‫مقدما خياراته ورؤاه على الجميع ووحده من يحدد‬ ‫مصير تونس ومستقبلها.‬ ‫سلك نظام بن علي هذا الخيار في إطار سياسة التهميش‬ ‫واإلقصاء والتدجين التي كان يعتمدها مع الجميع دون‬ ‫استثناء.‬ ‫لكن بعد 14 جانفي هل ما زال ما يمنع تنظيم هذا الحوار‬ ‫الوطني ؟ هل ما زال ما يمنع أن تجلس كفاءات تونس‬ ‫ونخبها وقادتها السياسيين على طاولة واحدة تطرح‬ ‫برامجها ورؤاها ؟‬ ‫ثورة الشباب رفعت كل العراقيل عن تنظيم هذا الحوار‬ ‫وهيأت واقعيا كل الظروف لذلك .غير أن هناك من ما‬ ‫زال يضع العصا في العجلة وبوضوح ما زال من له‬ ‫مصلحة في أن ال يُنظم أي حوار وطني ألنه ببساطة ال‬ ‫يملك البدائل وال تهمه في المرحلة االنتقالية الحالية إال‬ ‫المكاسب التي يمكن أن يغنمها في المستقبل.‬ ‫41‬
  • 15. ‫لهذه األسباب قلنا في البداية إن العملية السياسية في‬ ‫تونس ال تسير على قدمين سليمتين ألن األطراف الفاعلة‬ ‫في هذه العملية لم تتخلص من عقلية " الغنيمة " التي ال‬ ‫تختلف عن عقلية التسلط ، إنهما وجهان لعملة واحدة.‬ ‫51‬
  • 16. ‫عوائق الطريق.... في "خريطة طريق" حكومة الباجي‬ ‫قائد السبسي‬ ‫"فلول النظام البائد" ، "الثورة المضادة" "ميليشيات‬ ‫التجمع" عناصر تُسند إليها في كل مرة أسباب التوتر في‬ ‫عدد من جهات البالد خاصة الجهات الداخلية التي ما‬ ‫زال أبناؤها ينتظرون نصيبهم من ثمار الثورة على األقل‬ ‫في مستوى اإلستماع إلى شواغلهم وما تحتاجه هذه‬ ‫الجهات من مشاريع تنموية.‬ ‫دون شك إن فلول النظام البائد وكافّة العناصر التي كانت‬ ‫مرتبطة بهذا النظام والتي فقدت مصالحها وامتيازاتها‬ ‫وسقطت بسقوط النظام تعمل على خلق التوتّر و"تجتهد"‬ ‫حتى ال يتفرّغ أبناء الشعب الذين أنجزوا الثورة للبناء‬ ‫ولرسم مستقبل جديد لتونس بل ويحرصون على عرقلة‬ ‫كل خطوة إيجابية إلى األمام باإلشاعات وإثارة النعرات‬ ‫المتخلفة من نعرات جهوية وقبلية وغيرها هدفهم الوحيد‬ ‫أن ال تنهض البالد على قدميها.‬ ‫هذا أمر مفهوم ومعلوم و كل تجارب الثورات في العالم‬ ‫عرفت الثورات المضادة وميليشيات الحرس القديم ولن‬ ‫تكون تونس استثناء في هذا الصدد ألن ثورة 14 جانفي‬ ‫ليست استثناء في تاريخ اإلنسانية وإن كانت استثناء في‬ ‫61‬
  • 17. ‫القرن الواحد والعشرين وفتحت األبواب أمام الشعوب‬ ‫العربية لتنتفض وترفع ذلك الشعار العظيم " الشعب‬ ‫يريد إسقاط النظام."‬ ‫لكن ما هو غير مفهوم أن تصبح "الثورة المضادة"‬ ‫الشماعة التي تعلق عليها الحكومة المؤقتة أخطاءها‬ ‫وعدم قدرتها على المسك "برأس الخيط" في هذه‬ ‫ّ‬ ‫المرحلة االنتقالية والدقيقة التي تمر بها البالد. حكومة‬ ‫السيد محمد الغنوشي (األولى والثانية) ارتكبت أخطاء‬ ‫قاتلة في تعاطيها مع الواقع اإلنتقالي فكانت النتيجة أن‬ ‫اضطر لإلستقالة محمال " أطرافا خفيّة " تقويض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجهوداته والحال أن الجميع يدرك أن السيد محمد‬ ‫الغنوشي سعى منذ مساء 14 جانفي (عندما استند إلى‬ ‫الفصل 51 من الدستور) إلى تحويل وجهة الثورة في‬ ‫اتجاه " مأسسة الديكتاتورية" والحفاظ على مكونات‬ ‫النظام السابق.‬ ‫حكومة السيد محمد الغنوشي لم تسقطها الثورة المضادة‬ ‫التي ندرك ويدرك الجميع أنها ما زالت ناشطة وفاعلة ،‬ ‫إنما أسقطتها أخطاؤها وخاصة أن السيد محمد الغنوشي‬ ‫أعطى ظهره للحائط في مواجهة المطالب الرئيسية‬ ‫للثورة.‬ ‫71‬
  • 18. ‫أما حكومة السيد الباجي قائد السبسي التي ما زال عمرها‬ ‫بضعة أيام والقت ترحيبا ومساندة ألنها استجابت ألهم‬ ‫مطالب وشعارات الثورة خاصة الذهاب إلى انتخاب‬ ‫المجلس التأسيسي ومحاسبة عدد من رموز النظام‬ ‫السابق ، فإن الطريق ما زال أمامها غير آمن للوصول‬ ‫ّ‬ ‫بالبالد إلى "بر األمان. "‬ ‫عوائق الطريق هي دون شك " فلول النظام البائد" التي‬ ‫مازالت تتحرك وتجمع ما أمكن تجميعه من إمكانات‬ ‫وعناصر للعرقلة وظهر هذا ببروز النعرات الجهوية (‬ ‫في بعض جهات الساحل) والقبلية ( في منطقة الحوض‬ ‫المنجمي) وربما قريحة هؤالء تتفتّق في المستقبل على‬ ‫أشكال جديدة تُثيرها وترفعها في مواجهة أي خطوة جدية‬ ‫نحو تحقيق اإلنتقال الديمقراطي.‬ ‫وعوائق الطريق أيضا عدم القدرة على إدارة العملية‬ ‫السياسية في هذه المرحلة الدقيقة بما تتطلبه من انفتاح‬ ‫وتشاور وتفاوض بين كل األطراف على قاعدة الوفاء‬ ‫للثورة وأهدافها ومطالبها.‬ ‫ثورة 14 جانفي أنجزها الشعب والشعب هو من يحمي‬ ‫الثورة أما األطراف السياسية التي كان سقفها السياسي‬ ‫إلى غاية يوم 14 جانفي 4420 أقل بكثير من السقف‬ ‫السياسي فمهمتها الوفاء للثورة وشعاراتها. من غير‬ ‫ّ‬ ‫81‬
  • 19. ‫المقبول أن يسمح أي طرف سياسي لنفسه بالحديث عن‬ ‫حماية الثورة وخاصة أن يتم الفرز على قاعدة "حماة"‬ ‫الثورة وغيرهم.‬ ‫إن المتمعّن في تركيبة هيئة دعم الثورة واإلصالح‬ ‫السياسي واإلنتقال الديمقراطي " يقف دون عناء أن‬ ‫عملية الفرز تمت على قاعدة غير سليمة أقصت العديد‬ ‫دون وجه حق واشركت العديد أيضا دون وجه حق‬ ‫..وهذا سلوك في جوهره اقصائي ونتائجه ال يمكن‬ ‫تحميلها فقط إلى " فلول النظام البائد" أو إلى الثورة‬ ‫المضادة.‬ ‫الحكومة المؤقتة للسيد الباجي القائد السبسي ما زالت‬ ‫أيضا لم تلتفت إلى أخطر الملفات وأكثرها دقة وهو ملف‬ ‫الجهات الداخلية التي انطلقت منها الثورة . أبناء هذه‬ ‫الجهات ما زالوا ينتظرون أن يتوجّه إليهم أعضاء‬ ‫الحكومة و يستمعون إلى شواغلهم ويلتقطون مطالبهم‬ ‫اآلنية منها والمتوسطة والبعيدة.‬ ‫مازال أبناء هذه الجهات يشعرون بالغبن والتهميش (‬ ‫نقول هذا ألنه بلغنا وورد علينا ) ويصفون الحكومة بــ "‬ ‫حكومة المكاتب."‬ ‫91‬
  • 20. ‫ألم يكن من الممكن أن يتحول أعضاء الحكومة إلى‬ ‫ّ‬ ‫الجهات؟؟ليجلسوا مع من منحهم الثورة.‬ ‫عوائق الطريق عديدة وتخطيها أمر ممكن لكن في الوقت‬ ‫ذاته من المهم التنبيه أن األخطاء في األداء الحكومي هي‬ ‫التي يستفيد منها "فلول النظام البائد" ونحن أمام خيارين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إما أن نقدم لهؤالء األخطاء ليستفيدوا منها أو أن نسد‬‫ّ‬ ‫امامهم الطريق بأداء وفي لمبادئ الثورة .‬ ‫ّ‬ ‫02‬
  • 21. ‫إلى حكومة الباجي قائد السبسي : للثورة حراسها ...‬ ‫ّ‬ ‫ومن يفقد البوصلة عند التأسيس يفقد كل شيء‬ ‫ربما من حق رئيس الحكومة المؤقتة السيد الباجي قائد‬ ‫السبسي أن يشعر بقليل من االرتياح بالنظر إلى قدرته‬ ‫من خالل خطابه األول والثاني على بث وزرع الطمأنينة‬ ‫في نفوس التونسيين لكن عليه أن يدرك أيضا أن الملفات‬ ‫التي فتحتها ثورة 14 جانفي تحتاج إلى أكثر من ورشة‬ ‫وحضيرة وتتطلب عمال جبارا وخالقا لتنمو هذه‬ ‫الطمأنينة وتزدهر ويتمكن الشعب التونسي من قطف‬ ‫ثمار ثورته.‬ ‫ثمار ثورة 14 جانفي هي دولة القانون والمؤسسات‬ ‫والحريات العامة والفردية والحق في االختالف‬ ‫والتوزيع العادل للثروة وتنمية جهوية ومحلية تقفز‬ ‫بالجهات الداخلية المحرومة إلى وضع جديد يقطع مع‬ ‫الفقر والخصاصة والحرمان والبطالة.‬ ‫ندرك أن المدة المحددة لحكومة السيد الباجي قائد‬ ‫السبسي ال تسمح لها بمتابعة كل الملفات إلى نهايتها لكنها‬ ‫مع ذلك تبقى مسؤولة على وضع األسس السليمة وعلى‬ ‫وضع القطار على السكة وهي مهمة ال تقل أهمية‬ ‫وخطورة عن عملية البناء في حد ذاتها..‬ ‫12‬
  • 22. ‫لقد بينت تجربة الحكومة األولى والثانية للسيد محمد‬ ‫الغنوشي أن من يفقد البوصلة في عملية التأسيس يفقد كل‬ ‫شيء وهو درس نعتقد انه على السيد الباجي قائد السبسي‬ ‫أن يستوعبه جيّدا دون أن يعني ذلك أننا نعطي الدروس‬ ‫ألي كان ونحن فقط ننبه.‬ ‫إن الحلقة الضعيفة في نظام الرئيس المخلوع زين‬ ‫العابدين بن علي انه حول تونس إلى ما يشبه "الملكية‬ ‫ّ‬ ‫الفردية "مصيرها ومصير شعبها بين يديه وبين أيدي‬ ‫عائلته والمقربين منه وكان الرئيس المخلوع يعتقد انه‬ ‫وحده القادر على "ضمان مستقبل تونس " أما البقية‬ ‫فغير مؤهلين أوال يفهمون.‬ ‫وكان من نتائج هذا التسلط أن قال له الشعب "ارحل "‬ ‫فرحل غير مأسوف عليه أما محمد الغنوشي ومنذ يوم‬ ‫14 جانفي تاريخ إعالن تشكيلة حكومته األولى فقد‬ ‫أغمض عينيه عن مطالب الشعب في ضرورة القطع مع‬ ‫النظام السابق ورموزه ومؤسساته واعتقد انه بالخطابات‬ ‫العاطفية يمكن أن ينتقل بالبالد إلى مرحلة جديدة تتالءم‬ ‫ومتطلبات الثورة وشعاراتها.‬ ‫22‬
  • 23. ‫الحلقة الضعيفة في حكومتي السيد محمد الغنوشي انّه‬ ‫حاول مع من معه االلتفاف على الثورة وتحويلها إلى‬ ‫مجرد انتفاضة مهمتها ترميم النّظام السابق برموز جديدة‬ ‫ّ‬ ‫سعت الستثمار الثورة ألهدافها الحزبية.‬ ‫لم يحرص السيد محمد الغنوشي للتشاور والتفاوض مع‬ ‫كافة األطراف ولم يحرص على فهم احتجاجات صنّاع‬ ‫الثورة من الشباب العاطل عن العمل وأبناء الجهات‬ ‫الداخلية.‬ ‫واعتقد أن عامل الوقت ربّما سيساعده على تمرير ما‬ ‫كان يخطّط له لكن حرص الشعب على حماية ثورته‬ ‫والذهاب بها إلى أهدافها الحقيقية أسقط حكومته األولى‬ ‫ثم الثانية " والطريف " انه منذ سقوط حكومته الثانية‬ ‫وصلته أقوى واشد االنتقادات ممن كانوا معه في‬ ‫الحكومة وحملوه مسؤولية تذبذب أدائها.‬ ‫هذه من وجهة نظرنا بعض الدروس الجوهرية التي من‬ ‫المفروض أن ينتبه إليها السيد الباجي قائد السبسي‬ ‫وحكومته المؤقتة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها‬ ‫تونس.‬ ‫إن الذهاب إلى انتخاب المجلس التأسيسي على أهميته‬ ‫وضرورته قد يفقد معناه إذا لم تتم تهيئة الظروف‬ ‫32‬
  • 24. ‫المناسبة لذلك واهم هذه الظروف التشاور والتفاوض‬ ‫والحوار مع كافة األطراف و ليس هناك ما يبرر استثناء‬ ‫هذه الجهة أو تلك فتونس بعد 14 جانفي هي لكل أبنائها‬ ‫الذين يرغبون في بناء وتشييد مستقبل البالد وليدرك‬ ‫السيد الباجي قائد السبسي أن الملفات المطروحة فوق‬ ‫الطاولة تتطلب مشاركة الجميع باألفكار والخبرات‬ ‫واإلرادة الصادقة.‬ ‫ملفات سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية‬ ‫ومشروع تونس ونخبها الصادقين.‬ ‫أما الدرس األساسي فهو أن لهذه الثورة حراس يراقبون‬ ‫ّ‬ ‫ويتابعون واثبتوا أنهم بقدر ما يثمنون الخطوات االيجابية‬ ‫ويدعمونها بقدر ما يستبسلون في التصدي لكل من يسعى‬ ‫لاللتفاف على ثورتهم....‬ ‫الشعب التونسي أسقط بن علي وأسقط حكومتي الغنوشي‬ ‫وال نعتقد انه سيصمت في المستقبل إن حاد القطار عن‬ ‫السكة.‬ ‫42‬
  • 25. ‫مسار انتقال ديمقراطي أم مسار أحزاب للوصول إلى‬ ‫السلطة؟‬ ‫قبل أيام أتيحت لي فرصة تبادل اآلراء مع أحد الوجوه‬ ‫السياسية التي عايشت كبرى المحطات التي عرفتها‬ ‫تونس من موقع الفاعل والناشط السياسي. عايش أحداث‬ ‫50 جانفي 1114 بأدق تفاصيلها. وتابع أحداث قفصة‬ ‫2114 وانتفاضة الخبز 1114 ولم يتخل عن النشاط‬ ‫الحقوقي طيلة التسعينات وبعدها.‬ ‫الرجل عندما يتحدث ال يلقي التهم جزافا، وال يترك‬ ‫مجاال لالنطباعية أو اإلجابات السهلة على األسئلة‬ ‫الحقيقية مما يجعل احترام آرائه واالستئناس بها أمرا ال‬ ‫مناص منه.‬ ‫سألته عن قراءته للمشهد العام في البالد بعد ثورة 14‬ ‫جانفي وعن مستقبل االنتقال الديمقراطي وهل يمكن أن‬ ‫يسير في المسار ذاته الذي أراده الشباب الذي فجر‬ ‫الثورة؟‬ ‫قال ما يهمني اآلن ليس تتبع تفاصيل المشهد العام الذي‬ ‫يبدو أن هناك من يعمل على إغراقه بالتفاصيل الصغيرة‬ ‫عن قصد ووعي. أنظر المتابعات اإلعالمية والصحفية‬ ‫52‬
  • 26. ‫وتصريحات بعض األحزاب السياسية ستجد أنها تركز‬ ‫على الجزئيات، فيما األسئلة الجوهرية أو الحلقة‬ ‫الرئيسية تكاد تكون غائبة.‬ ‫وقال أن الحلقة الرئيسية اليوم هي وضع آليات لحماية‬ ‫المسار االنتقالي من االنتكاس. حمايته من االرتداد ليس‬ ‫فقط على ما أنجزه الشعب يوم 14 جانفي 4420. بل‬ ‫أيضا على ما حققته البالد من مكاسب حداثة وتقدم‬ ‫وتسامح وانفتاح.‬ ‫وأضاف أن ما يحدث اليوم في تونس ال عالقة له بمسار‬ ‫الثورة وال بمبادئها وال قيمها. هو تنافس على الفوز‬ ‫بأكبر نصيب من "كعكة" صنعها شباب القصرين‬ ‫وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها من المناطق الداخلية.‬ ‫صنعها الشباب العاطل عن العمل وأبناء األحياء الفقيرة‬ ‫لكنها سرقت منهم ووضعت على طاولة األحزاب‬ ‫والحقوقيين وغيرهم وكل يقول إنه ساهم في صنعها أو‬ ‫هيأ الظروف لصناعتها.‬ ‫قلت له: لكن من حق األحزاب والنخب أن تساهم في‬ ‫رسم النظام السياسي الجديد وهي مهمة ليست في متناول‬ ‫أي كان؟‬ ‫أجاب : ما يحدث اآلن ال عالقة له برسم نظام سياسي‬ ‫جديد، هو تنافس محموم من أجل الفوز بنظام سياسي‬ ‫62‬
  • 27. ‫يتوافق وخلفيات كل حزب، ثمة من يستند إلى المال‬ ‫السياسي. وثمة من يستند إلى شرعية نضالية قبل 14‬ ‫جانفي 4420 وثمة من يقول إنه "شتم بن علي" وهو في‬ ‫السلطة!‬ ‫وأضاف: أنظر إلى الهوة بين المشهد السياسي والفاعلين‬ ‫فيه من أحزاب ومنظمات وجمعيات والمشهد االجتماعي‬ ‫والفاعلين فيه من أبناء الجهات الداخلية والعاطلين عن‬ ‫العمل والفقراء، ستكتشف كم هي شاسعة هذه الهوة، مما‬ ‫يدفع للسؤال هل يمثل هؤالء الفاعلين السياسيين أبناء‬ ‫الثورة أم يمثلون أجنداتهم الحزبية؟‬ ‫سألته: ما العمل إذا؟‬ ‫أجاب: تخليص المشهد العام في البالد مما آل إليه بعد‬ ‫الثورة وهي ليست مسألة هينة خاصة أن بعض األجندات‬ ‫الخارجية أصبحت ال تخفي حضورها.‬ ‫لكن الوقت مازال سانحا لمراجعة التجاوزات وأولى هذه‬ ‫الخطوات ترشيد الخطاب، أن تعمل األحزاب على‬ ‫ترشيد خطابها في اتجاه التركيز على حماية مسار‬ ‫االنتقال وتبتعد عن المزايدات ودغدغة العواطف‬ ‫والمشاعر وأن تعمل الحكومة المؤقتة على ترشيد‬ ‫خطابها وتسد الثغرات التي تفتحها من حين آلخر‬ ‫72‬
  • 28. ‫لاللتفاف على أهداف الثورة وأن يعمل اإلعالم على‬ ‫ترشيد خطابه ويبتعد عن اإلثارة تحت عنوان الثورة.‬ ‫ترشيد الخطاب هو المدخل الرئيسي لحماية مسار‬ ‫االنتقال والوصول به إلى تحقيق أهداف الثورة. إن ما‬ ‫يحدث اآلن هو مسار أحزاب سياسية للوصول إلى‬ ‫السلطة وليس مسارا انتقاليّا في اتجاه نظام سياسي جديد‬ ‫للبالد والعباد .‬ ‫82‬
  • 29. ‫إنهم يُحيون "نظريات النظام السابق" في تحييد‬ ‫المجتمع‬ ‫هل حان الوقت لنتجاوز الخوف من الماضي ونبدأ عمليا‬ ‫في بناء مستقبل تونس الجديد كما أراده شعبها حين اسقط‬ ‫بن علي يوم 14 جانفي 4420 ؟‬ ‫في الحقيقة ثمة سببين اثنين خلف طرح هذا السؤال الذي‬ ‫قد يبدو للبعض في غير محله باعتبار ( حسب رأيهم )‬ ‫ّ‬ ‫أن عملية البناء للمستقبل بدأت فعال.‬ ‫السبب األول مصدره المواطن العادي الذي مازال‬ ‫يطرح األسئلة مثل " البالد موش راكحة " و" األمور‬ ‫وين ماشية؟ " أو " هللا يقدر الخير " أسئلة تكثف موقفا "‬ ‫صافيا " جوهره يكفي مما يحصل ولنتوجه إلى بناء‬ ‫تونس.‬ ‫أما السبب الثاني فهو هذا التركيز المبالغ فيه أحيانا في‬ ‫ّ‬ ‫الخطاب اإلعالمي و السياسي على تفاصيل الوضع في‬ ‫البالد ما قبل 14 جانفي ... مما ال يعطي المساحة الكافية‬ ‫للتفكير في مستقبل وآليات بنائه وتشييده. وهذه مسالة‬ ‫92‬
  • 30. ‫يدرك المختصون في االتصال واالتصال السياسي أنّها‬ ‫عادة ال تكون بريئة.‬ ‫نظام بن علي سقط , وعديد المؤسسات المحيطة به تم‬ ‫تفكيكها أو هي بصدد التفكيك , هذه حقيقة نعتقد انه ال‬ ‫احد يجادل فيها , كما نعتقد أنها ليست الورشة الوحيدة‬ ‫المفتوحة في البالد , ثمة عدة ورشات أخرى من‬ ‫المفروض أن تعمل بالتوازي مع ورشة تفكيك النظام‬ ‫السابق ونقصد ورشات البناء ورسم مستقبل تونس‬ ‫الجديد لكن هذه الورشات ما زالت تسير ببطء وال يبدو‬ ‫أنّها تعمل بكافة طاقاتها والسبب أن عديد األطراف عن‬ ‫وعي ودراية تدفع في اتجاه أن يبقى الرأي العام مشدودا‬ ‫إلى الوراء وال ينظر إلى المستقبل حتى ال يشارك فيه.‬ ‫إن هذه األطراف هي ذاتها التي فتحت ورشات خاصة‬ ‫بها لضمان تأثيرها في النظام السياسي والدولة مستقبال ,‬ ‫تفعل ذلك استنادا إلى نظريات كان اعتمدها بن علي ذاته‬ ‫عندما استلم السلطة سنة 1114 ( تحييد المجتمع إلعادة‬ ‫بناء مؤسسات الدولة كما يريدها. )‬ ‫اليوم هذه األطراف تحيّد المجتمع بجعله حبيسا لتفاصيل‬ ‫مرحلة ما قبل 14 جانفي أو طرح قضايا مسقطة وفي‬ ‫الوقت ذاته تستأثر هي بمناقشة ورسم مستقبل البالد بما‬ ‫03‬
  • 31. ‫يضمن لها الموقع المتقدم في المستقبل أو ما يضمن لها‬ ‫نسبة في المحاصصة وتقسيم الغنيمة.‬ ‫إن ما كشف عنه السيد "عبد العزيز المزوغي" والسيد‬ ‫"حميد النيفر" حين استقاال من هيئة تحقيق أهداف الثورة‬ ‫وكذلك ما أشار إليه عديد من المختصين في القانون‬ ‫الدستوري والمراقبين يؤكد أن عديد تفاصيل المشهد‬ ‫العام في البالد ليست وليدة الصدفة وإنما هي مركبة‬ ‫بإتقان : الشعب الذي أنجز الثورة ودفع الشهداء يجب أن‬ ‫يبقى في حالة "التخميرة " ال يخرج من دائرة 14 جانفي‬ ‫, واألطراف السياسية التي نصبت نفسها وصيا على‬ ‫الثورة ترسم لوحدها المستقبل وتقتسم الغنيمة نقول هذا‬ ‫ليس من باب التقليل من مخاطر الثورة المضادة التي‬ ‫ندرك كما يدرك المواطن العادي الذي لم يدرس العلوم‬ ‫السياسية أنّها من االخطار التي تهدد الثورة , نقول هذا‬ ‫من باب تفاصيل المسار الذي تسير عليه البالد منذ مدة‬ ‫ومن باب الوقائع الميدانية.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن الشعب الذي أنجز الثورة قادر على صد أعداء‬ ‫الثورة لكن من حقه أيضا أن يشارك في ورشة بناء‬ ‫تونس ورسم مستقبلها.‬ ‫13‬
  • 32. ‫هل غيّرت "سطوة األحزاب " مسار الثورة؟‬ ‫بعد ثالثة أشهر من ثورة 14 جانفي ال يبدو المشهد العام‬ ‫في البالد واضحا أو على األقل يدفع لالطمئنان‬ ‫فالضبابية والخوف من االنزالق نحو المجهول عناصر‬ ‫مازالت تلقي بظاللها ويرددها المواطن العادي كما‬ ‫المراقب السياسي.‬ ‫السؤال الذي يتردد : " البالد وين ماشية ؟" وهو مستمد‬ ‫من الوقائع الميدانية وما يحدث على األرض ، اقتصاد‬ ‫تكاد تالمس نسبة نموه صفر بالمائة ، شباب يلقي بنفسه‬ ‫ّ‬ ‫إلى البحر للوصول إلى الضفة األخرى من المتوسط ،‬ ‫ّ‬ ‫ارتفاع في نسبة البطالة ، موسم سياحي مهدد بالفشل‬ ‫وخالل األيام األخيرة أكوام الفضالت والروائح الكريهة‬ ‫أخذت نصيبها في المشهد.‬ ‫األكيد أن ثورة 14 جانفي 4420 لم تنجز إلحداث هذا‬ ‫"االنقالب السلبي" في البالد . انما أنجزها الشباب وأبناء‬ ‫الجهات الداخلية المعدمون من أجل الحرية والتشغيل‬ ‫والتنمية العادلة ، من أجل وجه جديد لتونس.‬ ‫23‬
  • 33. ‫ماذا حدث؟‬ ‫في السياسة التبرير وتركيب الجمل لرسم صورة معينة‬ ‫مسألة سهلة ويمكن ألي ناشط سياسي أن يجد بدل‬ ‫التبرير الواحد عشرات التبريرات . كالقول إن المرحلة‬ ‫الحالية استثنائية، أو أن تونس مازالت تعيش المرحلة‬ ‫االنتقالية ، أو أن قوى الثورة المضادة مازالت تتحرك‬ ‫إلفشال الثورة...‬ ‫قد ال يختلف عاقالن حول هذه العوائق وأهمية تأثيرها‬ ‫في الواقع . لكنها وحدها ال تفسر ما يحدث عن األرض‬ ‫ثمة عناصر أخرى ال تقل أهمية وخطورة أهمها أن‬ ‫العملية السياسية ما زالت تحتل النصيب األكبر في‬ ‫اهتمامات الفاعلين السياسيين مما جعل مسارها ( مسار‬ ‫العملية السياسية) يسير في طريق عكسي لمسار التنمية‬ ‫واإلصالح االجتماعي. وهو ما يذكر بإحدى مفارقات‬ ‫نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان‬ ‫يفتخر بتقدم نسبة النمو وسالمة االقتصاد وفي الوقت‬ ‫ذاته كان منغلقا سياسيا وال يسمح بالحريات ويقمع الرأي‬ ‫اآلخر.‬ ‫أما اليوم فإن الصورة أصبحت مقلوبة فالفاعلون‬ ‫السياسيون يشيدون بفضاءات الحرية والديمقراطية وتقدم‬ ‫33‬
  • 34. ‫العملية السياسية وفي الوقت ذاته هناك صعوبات‬ ‫اقتصادية واجتماعية خطيرة تنذر بأزمة حقيقية.‬ ‫بعد 14 جانفي اكتشف الجميع أن الرفاه االجتماعي‬ ‫والتقدم االقتصادي لنظام بن علي كانت أكذوبة فهل‬ ‫نكتشف بعد مدة أن كل ما يقال حول الحرية‬ ‫والديمقراطية هو أيضا أكذوبة!!!‬ ‫لماذا يحصل هذا ؟‬ ‫ليس سهال اإلجابة عن هذا السؤال لكن بعض الدالئل‬ ‫والمؤشرات تشير إلى أن " سطو " عدد من األحزاب‬ ‫على ثورة الشعب هي التي حولت مسار الثورة وجعلته‬ ‫يعيش هذه التناقضات وهي أحزاب تدرك جيدا ما تفعل‬ ‫وتعرف أن تأثيرها في النظام السياسي المقبل يمر عبر‬ ‫التركيز على المسار السياسي.‬ ‫تفعل ذلك ليس من أجل المزيد من الديمقراطية واالنفتاح‬ ‫والحريات وأنها من أجل أن يكون لها التأثير األقوى في‬ ‫الخريطة السياسية المقبلة.‬ ‫43‬
  • 35. ‫وليس صدفة أن هذه األحزاب رغم إدراكها أن ثورة 14‬ ‫جانفي ليست ثورتها ، سمحت لنفسها أن تتحدث باسمها‬ ‫وتمنح لنفسها شرعية الثورة.‬ ‫هذه األحزاب فعليا آخر اهتماماتها أوضاع الشباب‬ ‫العاطل عن العمل ، والعائالت الفقيرة والجهات الداخلية‬ ‫، لم نتابع "خالفات" كبيرة حول مشروع الحكومة‬ ‫المؤقتة للتنمية أو حول خطتها للنهوض بالوضع‬ ‫االقتصادي أو حول مساعدتها للشباب العاطل عن‬ ‫العمل.. وفي الوقت ذاته تقوم الدنيا وال تقعد من أجل من‬ ‫يكون ممثال في ما يسمى بهيئة تحقيق أهداف الثورة تقوم‬ ‫الدنيا وال تقعد من أجل أحد فصول القانون المنظم‬ ‫النتخابات المجلس التأسيسي.‬ ‫ال أحد يقلل من أهمية العملية السياسية في مستقبل البالد‬ ‫وإنما المشاركة فيها بعقلية ضمان الهيمنة في المستقبل‬ ‫على حساب االستحقاقات الحقيقية لمن أنجز الثورة ودفع‬ ‫من أجلها الشهداء يصبح األمر " سطوا على الثورة."‬ ‫كل "وفاق" بعيدا عن تطلعات الشعب هو "وفاق"‬ ‫يتأكد كل يوم أن العملية السياسية في تونس مازالت‬ ‫تبحث عن مسارها الصحيح، رغم تأكيد الجهات‬ ‫واألطراف التي تعتبر نفسها محددة في هذه العملية أن‬ ‫53‬
  • 36. ‫كافة عناصر "خريطة الطريق" أضحت واضحة منذ‬ ‫مدة.‬ ‫ّ‬ ‫قد ال يتيح المجال لنعدد كافة مظاهر الخلل في العملية‬ ‫السياسية منذ انطالقها وما سبّبته وتسبّبه من آثار ميدانية‬ ‫اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لكن تكفي اإلشارة إلى‬ ‫المأزق السياسي الذي يهدد البالد على خلفية عدم التوافق‬ ‫على موعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، رغم أن‬ ‫الوفاق مثل منذ 14 جانفي الشعار "المركزي"‬ ‫للحكومات المؤقتة المتعاقبة ولكافة األحزاب السياسية.‬ ‫رفع الجميع شعار الوفاق، لكن ال أحد بحث عن الوفاق‬ ‫الحقيقي مع أهم طرف في المعادلة الجديدة أي الشعب‬ ‫بكافة فئاته.‬ ‫الحكومات المؤقتة المتعاقبة بحثت عن الوفاق مع‬ ‫األحزاب السياسية وبعض المنظمات والهيئات‬ ‫.واألحزاب السياسية بحثت عن الوفاق بينها ، وهو ما‬ ‫جعل العملية السياسية تجري بعيدا عن اهتمامات الشعب‬ ‫وهذا ما يفسر أيضا أن "التفاؤل السياسي" الذي يبديه‬ ‫البعض يقابله تشاؤم ميداني عند المواطنين.‬ ‫63‬
  • 37. ‫إن الوفاق مع الشعب يعني الوفاق حول مطالبه وتطلعاته‬ ‫ّ‬ ‫التي يبدو أنها وضعت على الرف في انتظار أن تنتهي‬ ‫األحزاب السياسية من اقتسام الغنيمة السياسية.‬ ‫منذ 14 جانفي 4420 لم تحرص حكومتي السد محمد‬ ‫الغنوشي وحكومة الباجي قائد السبسي على توفير‬ ‫فضاءات حقيقية للحوار مع أبناء تونس ..ال يوجد اليوم‬ ‫أي إطار فعلي من خالله يمكن االستماع إلى صوت‬ ‫المواطن، كل اهتماماتها توجهت إلى األحزاب السياسية‬ ‫باسم التشاور، وهو تشاور لم يختلف عن تلك التي كانت‬ ‫تتم في العهد السابق... مشاورات أطرها غير واضحة‬ ‫ومضمونها ال يكشف.‬ ‫أما األحزاب السياسية فإنها وضعت جانبا المطالب‬ ‫الحقيقية والشعارات الرئاسية للشعب التونسي واكتفت‬ ‫بالبحث عما يمكن أن تغنمه في المرحلة القادمة.‬ ‫إن المخرج من المأزق الذي يهدد البالد يكون بالرجوع‬ ‫إلى الشعب باعتباره العنصر الرئيسي في المعادلة‬ ‫والتوافق حول مطالبه الحقيقية ويكون ذلك ببعث أطر‬ ‫وهياكل معيّنة للحوار معه واالستماع إليه، مما يجعل‬ ‫العملية السياسية تسير على أسس متينة وتتجاوز مظاهر‬ ‫73‬
  • 38. ‫الخلل التي تعيقها اآلن على التقدم وتتقدم في مسارها‬ ‫الصحيح.‬ ‫83‬
  • 39. ‫ال تخذلوا هذا الشعب !‬ ‫من يوم 14 ديسمبر 2420 إلى يوم 14 جانفي 4420‬ ‫كان الحفاة العراة أبناء سيدي بوزيد والمكناسي والمزونة‬ ‫وتالة والقصرين وسليانة وجندوبة واألحياء الفقيرة في‬ ‫العاصمة وغيرها من المدن يواجهون رصاص الرئيس‬ ‫مخلوع بحناجر لم تكل من رفع الشعارات التي تنادي‬ ‫بالحق في التشغيل والتنمية العادلة والتوزيع العادل‬ ‫للثورة والحرية والكرامة.‬ ‫ملؤوا الشوارع بالمظاهرات وفرضوا على القنوات‬ ‫التلفزية والفضائيات أن تكون أخبارهم على رأس‬ ‫النشرات اإلخبارية ليعطوا للعالم كله دراسا جديدا في‬ ‫إرادة الشعوب في التغيير.‬ ‫لم ينتفض أحفاد علي بن غذاهم وبشير بن سديرة‬ ‫والطاهر الحداد وفرحات حشاد بإشارة من احد القيادات‬ ‫الحزبية في المنازه أو المنارات أو حي النصر أو في‬ ‫باريس أو لندن أو واشنطن انتفضوا ألنهم "رادو الحياة‬ ‫فالبد أن يستجيب القدر."‬ ‫من يوم 14 ديسمبر 2420 إلى يوم 14 جانفي 4420‬ ‫والشعب بعفويته وإرادته يقود األحزاب والنخب يجرها‬ ‫أن تساير إرادته يجرها نحو التغيير الحقيقي، يجرها نحو‬ ‫الثورة، في مشهد من المفروض أن ينكب في‬ ‫93‬
  • 40. ‫األخصائيون في دراسته واستخالص الدروس النظرية‬ ‫منه.‬ ‫****‬ ‫صباح يوم 14 جانفي وفيما اغلب األحزاب السياسية‬ ‫ّ‬ ‫وعديد النخب تنتقي العبارات المالئمة لتبشر بالمرحلة‬ ‫الجديدة التي ستدخلها تونس بعد خطاب الرئيس المخلوع‬ ‫ّ‬ ‫مساء 24 جانفي ؛ وفيما البعض اآلخر يعد نفسه لمنصب‬ ‫جديد وعد به . كان أبناء الشعب وفئاته الذين عانوا‬ ‫ُ‬ ‫الحرمان والخصاصة والكبت مصرون على المضي‬ ‫قُدما بثورتهم حتى تحقيق أهدافها في إسقاط بن علي ؛‬ ‫ولسان حالهم يقول إن دم الشهداء الذي سكب على‬ ‫الشوارع ثمنه ليس اقل من سقوط النظام.‬ ‫****‬ ‫سقط رأس النظام مساء اليوم ذاته في مشهد ربما يكون‬ ‫مستقبال سيناريو ألحد األفالم ... الرجل الذي حكم البالد‬ ‫نحو ربع قرن يفر مستترا ؛ تحت ضغط قوة الحناجر‬ ‫التي ما كلّت لحظة من ترديد " ديقاج " اسقط الشعب بن‬ ‫علي دون أن يبحث في قاموس عن العبارات المنمقة‬ ‫ّ‬ ‫ودون أن يفكر في أن "السياسة هي فن الممكن " وقدم‬ ‫لألحزاب و النخب هدية من السماء . قدم لهم الثورة‬ ‫والتغيير قدم لهم المفتاح لتونس الجديدة وكأنه يقول لهم‬ ‫04‬
  • 41. ‫اآلن جاء دوركم إلعادة ترتيب البيت كما نريده إنها أمانة‬ ‫بين أيديكم فال تخذلونا . ال تضيعوا الثورة وال تسرقوها.‬ ‫الثورة يمكن أن تضيع إذا لم يحسن المؤمنون بها حمايتها‬ ‫وإذا لم تحسن النخب التقدم بها سياسيا واقتصاديا‬ ‫واجتماعيا ... الثورة ليست فقط سقوط بن علي إنها أيضا‬ ‫بناء مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة ؛‬ ‫إنها مسار كامل لألحزاب والنخب المسؤولية الكبرى‬ ‫فيه.‬ ‫****‬ ‫الثورة يمكن أن تسرق في غفلة من الجميع وتحول وجهة‬ ‫أهدافها وقيمها لخدمة طرف بعينيه وكم من شعب سرقت‬ ‫ثورته.‬ ‫غير أن محاوالت خذالن الشعب وسرقة ثورته بدأت‬ ‫ساعات قليلة بعد سقوط رأس النظام من خالل تلك‬ ‫المسرحية المعروفة بالفصل 15 و11 من الدستور وما‬ ‫تالها من محاوالت لاللتفاف على ثورته تحت شعار‬ ‫ويافطات مختلفة، وبدأت أيضا عندما نصبت أحزاب‬ ‫ونخب نفسها وصيا على الثورة تتكلم باسمها وتوزع‬ ‫صكوك الوالء لها وتقسم أبناء الشعب كما تريد، إنها‬ ‫ذات األحزاب والنخب التي ارتبطت سرا وعلنا بالنظام‬ ‫السابق وبأجهزته.‬ ‫من هنا بدا مسار خذالن الشعب وسرقة ثورته. اسقط‬ ‫شباب القصبة 4 و0 حكومتي السيد محمد الغنوشي‬ ‫14‬
  • 42. ‫ألنهما لم تستجيبا لمتطلبات الثورة وخذلتا دم الشهداء‬ ‫وفي نفس الوقت وجه رسالة قوية إلى األحزاب وغيرها‬ ‫عندما دوى في ساحة القصبة شعار "ال أحزاب وال‬ ‫ّ‬ ‫نقابات، ثورتنا ثورة الشباب"، رسالة يبدو أن عديد‬ ‫األطراف لم تفهمها جيدا، لم تفهم أن من كنس بن علي‬ ‫يمكن أن يكنس أي كان ،حكومات وأحزاب.‬ ‫****‬ ‫نحو أربعة أشهر هو عمر الثورة اآلن، هي أشهر قصيرة‬ ‫لكن كل عوامل خذالن الشعب وتضييع ثورته مازالت‬ ‫قائمة واهم عناصرها حكومة ال تتعامل بشفافية ووضوح‬ ‫وشبقه فاقدة للبوصلة، أحزاب أثبتت أن أولوياتها الحزبية‬ ‫الضيقة فوق الجميع، ووضع اجتماعي وامني منفلت‬ ‫يمثل التربة المالئمة لعودة الديكتاتورية.‬ ‫إنها مرحلة دقيقة وخطيرة في عمر الثورة... فال تخذلوا‬ ‫الشعب... وتضيعوا ثورة!‬ ‫24‬
  • 43. ‫من الحزب "المؤتمن على التغيير "إلى األحزاب‬ ‫"المؤتمنة على الثورة ".... ما الفرق ؟‬ ‫ربّما ال نبالغ في شيء حين نقول إن المرحلة الراهنة‬ ‫التي تمر بها تونس هي مرحلة خطيرة وحرجة، ال‬ ‫تختلف في خطوطها العريضة عن األيام األخيرة في‬ ‫عمرنظام الرئيس السابق، حين كان الوضع في البالد‬ ‫مفتوحا على كافة االحتماالت وال أحد يعرف أين تسير‬ ‫األمور.‬ ‫ضبابية المشهد وعدم وضوح بعض األطراف الفاعلة‬ ‫فيه وغياب المعلومات الدقيقة حول ما يحدث وما يطبخ‬ ‫فضال عن كونها تدفع لالرتباك فإنها ال تسمح بالسير في‬ ‫خط مستقيم في اتجاه تحقيق أهداف الثورة وتبقى إمكانية‬ ‫االرتداد والعودة إلى المربع األول احتماال واردا.‬ ‫هذا ال تثبته فقط تجارب الثورات األخرى إنما يدفع إليه‬ ‫أيضا مسار ثورة 14 جانفي الذي ما زال يسير على قدم‬ ‫واحدة.‬ ‫بعد أكثر من ثالثة أشهر من الثورة واقل من ثالثة أشهر‬ ‫من انتخابات المجلس التأسيسي (النقطة الرئيسية في‬ ‫"خريطة طريق حكومة الباجي قايد السبسي"). ال يبدو‬ ‫34‬
  • 44. ‫أن األمور تسير في االتجاه الصحيح: العملية السياسية‬ ‫تحكمها الصراعات والتناقضات وإلقاء التهم يمينا‬ ‫ويسارا والوضع االجتماعي في حالة توتر حقيقية بعد‬ ‫بروز نزعات العروشية والجهوية واستهداف المحالت‬ ‫العمومية بالحرق والتخريب، والوضع االقتصادي سيء‬ ‫للغاية وفق األرقام الرسمية المقدمة.‬ ‫األكيد أن هذا المشهد المشوه لم يكن يحلم به أبناء الشعب‬ ‫ّ‬ ‫الذين بدأوا انتفاضتهم منذ يوم 14 ديسمبر من اجل‬ ‫التشغيل والتنمية العادلة وانتهوا بها إلى ثورة حقيقية يوم‬ ‫14 جانفي حين تجاوزوا بسقفهم كافة األحزاب السياسية‬ ‫وقالوا لبن علي "ارحل."‬ ‫الجميع يدرك أن قوى الثورة المضادة ما زالت في أكثر‬ ‫من مفصل من مفاصل الحياة السياسية واالقتصادية‬ ‫ّ‬ ‫واالجتماعية، ويدرك أن مسار أي عملية انتقالية ال يسير‬ ‫دائما وفق خط مستقيم، هذه حقائق ال بد ّ من التعامل‬ ‫معها في الواقع، لكنها وحدها ال يمكن أن تفسر كل ما‬ ‫يجري. لقد سبق أن تعرضنا (كما تعرض غيرنا) إلى‬ ‫مخاطر قوى الثورة المضادة وإلى العوائق الموضوعية‬ ‫للمسار االنتقالي، ونعتقد اليوم أنه من المهم االلتفات إلى‬ ‫الجانب اآلخر ، أي العوائق الذاتية للثورة ونقصد‬ ‫األطراف التي وضعت نفسها وصيّا على الثورة‬ ‫44‬
  • 45. ‫واالنتقال بها إلى تحقيق أهدافها وهي عوائق من وجهة‬ ‫نظرنا ال تقل أهمية عن العوائق األخرى.‬ ‫لن ندخل في هذه الورقة في التفاصيل (سنترك ذلك‬ ‫لورقات أخرى) وسنكتفي باإلشارة إلى العناصر الكبرى‬ ‫التالية:‬ ‫-تحول شعار "حماية الثورة" إلى مجرد كلمة‬ ‫ّ‬ ‫يلقى بها في مكانها وغير مكانها. مما يذكرنا بشعارات‬ ‫النظام السابق مثل "تونس فوق الجميع" و"تونس‬ ‫للجميع."‬ ‫-‬ ‫النظام السابق كان يرفع هذه الشعارات وفي الوقت ذاته‬ ‫يمارس عكسها بأن حول تونس ملكا لعائالت بعينها‬ ‫ّ‬ ‫تستأثر بكافة خيراتها والذين يرفعون صباحا مساء شعار‬ ‫"حماية الثورة" يمارسون عكس ذلك يبحثون عن أكبر‬ ‫نصيب من "الغنيمة" وان كان على حساب الثورة ذاتها.‬ ‫-بعض الفاعلين السياسيين ال يفصلون بين‬ ‫مستقبل تونس وبين مستقبل احزابهم وهيئاتهم مما يحيلنا‬ ‫الى ممارسات النظام السابق وشعار "التجمع هو الحزب‬ ‫المؤتمن على التغيير"الذي تحول اليوم إلى أحزاب‬ ‫بعينها "مؤتمنة على الثورة."‬ ‫-‬ ‫54‬
  • 46. ‫نعتقد انه إذا تواصل األمر على هذه الصورة فان وأد‬ ‫الثورة سيكون على يد الذين نصبوا انفسهم وصاة عليها.‬ ‫ولنا عودة‬ ‫64‬
  • 47. ‫هيئة تحقيق أهداف الثورة هل هي "بروفة" المجلس‬ ‫التأسيسي؟‬ ‫.‬ ‫االستنتاجات األولى التي يمكن الخروج بها من متابعة ما‬ ‫يحدث داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة من تجاذبات و‬ ‫اتهامات متبادلة أن:‬ ‫أوال: الوفاق يتطلب أرضية ومناخا وخاصة وعيا حقيقيا‬ ‫ليكون حلقة متينة تدفع إلى التقدم وانجاز المهام‬ ‫المشتركة.‬ ‫ثانيا: كل إرادة مسقطة ال يمكن أن تستمر وتتواصل‬ ‫ُ‬ ‫مهما كانت حُججها ومبرراتنها وأدواتها.‬ ‫ثالثا: "الجملة الثورية" ال تصنع بالضرورة موقفا سليما.‬ ‫والسؤال المقلق هو: هل أن أداء األحزاب السياسية و‬ ‫الشخصيات المستقلة وغيرها في المجلس التأسيسي‬ ‫المقبل سيكون كما هو عليه اآلن داخل هيئة تحقيق‬ ‫أهداف الثورة ؟ وبصورة أوضح ما " الضمانات" التي‬ ‫يمكن أن تقدمها األحزاب السياسية التي سيتم انتخابها‬ ‫74‬
  • 48. ‫ليكون الجدل والنقاش حول دستور البالد غير ما نتابعه‬ ‫داخل الهيئة؟‬ ‫تطالب األحزاب السياسية بضمانات الحترام موعد 20‬ ‫أكتوبر و لتكون االنتخابات نزيهة وشفافة ، وهذا من‬ ‫حقها وهو أمر مشروع ..لكن في الوقت ذاته أليس من‬ ‫حق الشعب أن يطلب من األحزاب السياسية الضمانات‬ ‫الالزمة لتعبّر عن إرادته و أن ال تحول المجلس‬ ‫التأسيسي إلى ميدان للتجاذبات الحزبية الضيقة؟‬ ‫الجدل و النقاش داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة يمكن‬ ‫اعتباره "بروفة" أو تجربة لما سيكون عليه داخل‬ ‫المجلس التأسيسي المقبل، ألن األحزاب هي ذاتها و‬ ‫التباينات هي ذاته و المناخ السياسي هو ذاته.ونعتقد أن‬ ‫من عجزوا على تحقيق الوفاق في لحظة حرجة من‬ ‫تاريخ البالد تتطلب أكثر من غيرها الوفاق ، لن‬ ‫يستطيعوا تحقيقه عندما تصبح لهم شرعية صناديق‬ ‫االقتراع.‬ ‫84‬
  • 49. ‫محاكمة بن علي فصل آخر من االلتفاف على الثورة‬ ‫إذا كان علينا أن نشبّه محاكمة الرئيس المخلوع أول‬ ‫أمس االثنين فإننا سنشبّهها بما حصل مساء 14 جانفي‬ ‫4420 حين ظهر السيد محمد الغنوشي على شاشة‬ ‫التلفزة يُعلن توليه رئاسة الدولة استنادا إلى الفصل 51‬ ‫من دستور 1114.‬ ‫ّ‬ ‫جوهر ما فكر فيه السيد محمد الغنوشي و المجموعة‬ ‫المحيطة به وقتها أن الثورة التي انطلقت يوم 14 ديسمبر‬ ‫2420 هدفها إسقاط بن علي فقط أما المنظومة السياسية‬ ‫و االقتصادية و االجتماعية التي حكمت البالد نحو ربع‬ ‫قرن فيجب أن تتواصل مع إدخال بعض التعديالت و‬ ‫اإلصالحات عليها.‬ ‫ذلك وصفت تلك الخطوة أنها التفاف على الثورة‬‫ُ‬ ‫ومحاولة إلجهاض مسار ثوري تشكل ميدانيا وسياسيا.‬ ‫كذلك الشأن بالنسبة لمحاكمة الرئيس المخلوع التي‬ ‫انتظر أبناء الشعب في سيدي بوزيد والقصرين‬ ‫والحوض المنجمي و األحياء الفقيرة في المدن الكبرى‬ ‫أن تكون محاكمة تستهدف باألساس منظومة سياسية و‬ ‫94‬
  • 50. ‫اقتصادية واجتماعية وثقافية تم من خاللها تسيير البالد‬ ‫ولم تخلّف إال التفقير والتفاوت الجهوي والفساد وكبت‬ ‫الحريات العامة والفردية ..لكنها تحولت إلى محاكمة في‬ ‫قضية حق عام ال تختلف عن محاكمة أي مسؤول إداري‬ ‫.وكأن هناك من مازال يدفع للمحافظة على المنظومة‬ ‫ذاتها ويحميها من أي محاكمة.‬ ‫إن محاكمة الرئيس المخلوع ال يمكن أن تكون مفصولة‬ ‫عن الشعارات التي رفعها الشعب أيام الثورة وال يمكن‬ ‫أن تكون في مسار غير مسار التغيير الذي انطلقت فيه‬ ‫البالد.‬ ‫من الشعارات المركزية التي رُفعت في الثورة شعار "‬ ‫التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" وهو شعار بمثابة‬ ‫اتهام صريح لنظام الرئيس المخلوع في خياراته التنموية‬ ‫واالقتصادية وما بلغه من فساد .وكان من المفروض أن‬ ‫يمثل قاعدة محاكمة الرئيس المخلوع استجابة لتلك‬ ‫الحناجر التي رفعته طويال .لكن محاكمة أول أمس‬ ‫حادت عنه وأهملته‬ ‫ومن الشعارات التي رفعت أيام الثورة أيضا " الشعب‬ ‫يريد إسقاط النظام" وليس "الشعب يريد إسقاط بن علي‬ ‫05‬
  • 51. ‫".إسقاط النظام السياسي واالقتصادي و االجتماعي و‬ ‫الثقافي الذي حكم به بن علي .وهو شعار كان أيضا من‬ ‫المفروض أن يكون قاعدة أساسية في المحاكمة ..غير أن‬ ‫هناك من يريد أن ال يسقط النظام‬ ‫ومن المفارقات انه في الوقت الذي يُحاكم فيه بن علي في‬ ‫قضايا حق عام ..كان هو يدافع عن نظامه و عن‬ ‫"المكاسب التي حققها للبالد " في فترة حكمه .كان يدافع‬ ‫عن خياراته .ظهر ذلك من خالل الرسالة التي نشرها‬ ‫محاميه اللبناني و التي خصص جزء هاما منها لما أنجز‬ ‫في عهده..ألنه كان يعتقد انه سيحاكم في ذلك االتجاه.‬ ‫إن محاكمة الرئيس بن علي بالطريقة التي تمت بها أول‬ ‫أمس ال يمكن أن تكون إال محاولة جديدة لاللتفاف على‬ ‫الثورة شأنها شأن محاولة السيد محمد الغنوشي تولي‬ ‫منصب رئاسة الدولة.‬ ‫15‬
  • 52. ‫مسار الثورة تهدده هشاشة مؤسسات حماية الثورة‬ ‫ثمة حقيقة ال بد أن نعترف بها،هي أن ثورة 14 جانفي‬ ‫مازالت هشة وأن األشهر الخمسة األولى من عمرها لم‬ ‫تمنحها المناعة األساسية لتستمر و تنجز أهدافها كاملة‬ ‫في التغيير واالنتقال من منظومة االستبداد إلى‬ ‫الديمقراطية.‬ ‫مرت الثورة التونسية منذ انطالقها يوم 14 ديسمبر‬ ‫2420 بمسارات نوعية من حركة احتجاجية تطالب‬ ‫بالحق في التشغيل و التنمية العادبة الى حركة تطالب‬ ‫بتغيير النظام تم ذلك وفق نسق تصاعدي ومتسارع فاجأ‬ ‫الجميع، األحزاب السياسية و النخب و استخبارات أكبر‬ ‫الدول.‬ ‫أقل من شهر كانت كافية لسقوط النظام الذي حكم 20‬ ‫سنة و للمنظومة التي سادت نحو نصف قرن، سقط‬ ‫النظام دون أن يتبلور البديل و دون أن يكون هناك أي‬ ‫سيناريو للمرحلة االنتقالية.‬ ‫25‬
  • 53. ‫ربما هذا ما دفع أحد الصحفيين في صحيفة "لوفيغارو"‬ ‫الفرنسية يكتب بعد يومين من سقوط بن علي إن ثورة‬ ‫تونس هي ثورة "هشة".‬ ‫هشاشة الثورة تعني ضعف مؤسساتها و هياكلها القادرة‬ ‫على حمايتها و االرتقاء بها في نسق تصاعدي نحو‬ ‫انجاز كافة مهامها أي القطع مع منظومة االستبداد و بناء‬ ‫المنظومة الجديدة القائمة على الديمقراطية و الحريات‬ ‫العامة و التوزيع العادل للثروة و التنمية المتوازنة.‬ ‫المؤسسات الحالية التي تتحدث باسم الثورة لم تقم على‬ ‫شرعية الثورة إنما على شرعية الوفاق الذي تتطلبه‬ ‫المرحلة غير أن هذا الوفاق ثبت في أكثر من محطة أنه‬ ‫وفاق هش و مغشوش ألنه وفاق بين من سعى لاللتفاف‬ ‫على الثورة في مطالبها الرئيسية وبين من نصب نفسه‬ ‫وصيا على الثورة.‬ ‫إن أحداث مدينة المتلوي وغيرها من حاالت اإلرباك‬ ‫التي تقف وراءها أطراف و جهات ال تريد أن تتقدم‬ ‫الثورة نحو مهامها كاملة تكشف أن هشاشة مؤسسات‬ ‫35‬
  • 54. ‫الثورة تجعلها قادرة على فعلها التخريبي إلجهاض مسار‬ ‫التغيير‬ ‫45‬
  • 55. ‫على هامش اجتماعات هيئة تحقيق أهداف‬ ‫الثورة:مسار انتقال ديمقراطي أم مسار أحزاب للوصول‬ ‫إلى السلطة؟‬ ‫ما حصل أمس وقبله في اجتماعات هيئة تحقيق أهداف‬ ‫الثورة واإلصالح السياسي ال يجب أن يمر دون الوقوف‬ ‫عند األسباب الحقيقية التي تجعل اجتماعات هذه الهيئة‬ ‫بذلك الشكل الذي يسئ إلى اسمها و دورها و مهمتها‬ ‫والى مبادئ وقيم الثورة أصال.‬ ‫إن تحقيق أهداف الثورة ال يمكن أن تكون بذلك األداء و‬ ‫تلك االتهامات المتبادلة و التلويح باالستقاالت‬ ‫واالنسحاب.‬ ‫ويجب أن نكون واضحين إن ما حدث ال عالقة له‬ ‫بتحقيق أهداف الثورة أو برسم نظام سياسي جديد، إنما‬ ‫هو تنافس محموم من أجل الفوز بنظام سياسي يتوافق‬ ‫وخلفيات كل حزب، ثمة من يستند إلى المال السياسي.‬ ‫وثمة من يستند إلى "شرعية نضالية قبل 14 جانفي."‬ ‫ما حدث ال عالقة له بمسار الثورة وال بمبادئها وال‬ ‫قيمها. هو تنافس على الفوز بأكبر نصيب من "كعكة"‬ ‫صنعها شباب القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها‬ ‫من المناطق الداخلية. صنعها الشباب العاطل عن العمل‬ ‫وأبناء األحياء الفقيرة لكنها سرقت منهم ووضعت على‬ ‫55‬
  • 56. ‫طاولة األحزاب وغيرها وكل يقول إنه ساهم في صنعها‬ ‫أو هيأ الظروف لصناعتها.‬ ‫وهذا ما يدفعنا للسؤال: هل يمثل هؤالء مبادئ الثورة أم‬ ‫يمثلون أجنداتهم الحزبية؟‬ ‫سبق أن نبهنا و نبّه غيرنا في أكثر من مرة أن هيئة‬ ‫تحقيق أهداف الثورة بتركيبتها وظروف بعثها هي وفاق‬ ‫مغشوش بين من يسعى لاللتفاف على ثورة الشباب‬ ‫والفئات االجتماعية الفقيرة وبين من سعى منذ يوم 14‬ ‫جانفي إلى احتكار الحديث باسم الثورة وكأنه هو من‬ ‫صنعها وهو أمر يدرك الجميع انه غير واقعي.‬ ‫وقلنا إن إن كل وفاق مغشوش مآله الفشل لكن الفشل في‬ ‫هذا الصدد ستتضرر منه تونس ومستقبل أجيالها التي‬ ‫صنعت التغيير ورسمت النقطة األولى نحو مستقبل‬ ‫أفضل.وبيدو أن األمر يسير بوضوح في اتجاه الفشل‬ ‫،نقول هذا دون التضخيم فيما يحصل و أيضا دون التقليل‬ ‫من خطورته.‬ ‫إن متابعة أداء الفاعلين في هيئة تحقيق الثورة التي قُدمت‬ ‫ّ‬ ‫على أنها العنصر الرئيسي في هذه المرحلة االنتقالية‬ ‫يدفعنا للقول إنها أصبحت المشكل ألنها أوال كانت‬ ‫مسقطة ونتيجة ترتيبات عديد جوانبها تمت في الخفاء‬ ‫بعيدا عن أعين صناع الثورة الحقيقيين وثانيا غير ممثلة‬ ‫لكافة مكونات المشهد السياسي و المدني وثالثا أصبحت‬ ‫عائقا أمام تقدم العملية السياسية في تونس.‬ ‫65‬
  • 57. ‫ربما الوقت مازال الوقت سانحا لتجاوز هذه المعوقات‬ ‫في أداء الهيئة لكن شرط ، أن تعمل األحزاب على‬ ‫ترشيد خطابها في اتجاه التركيز على حماية مسار‬ ‫االنتقال وتبتعد عن المزايدات ودغدغة العواطف‬ ‫والمشاعر وعلى وضع آليات لحماية المسار االنتقالي‬ ‫من االنتكاس. حمايته من االرتداد ليس فقط على ما‬ ‫أنجزه الشعب يوم 14 جانفي 4420. بل أيضا على ما‬ ‫حققته البالد من مكاسب حداثة وتقدم وتسامح وانفتاح.‬ ‫ترشيد الخطاب هو المدخل الرئيسي لحماية مسار‬ ‫االنتقال والوصول به إلى تحقيق أهداف الثورة. أما‬ ‫يحدث اآلن فهو مسار أحزاب سياسية للوصول إلى‬ ‫السلطة وليس مسارا انتقاليّا في اتجاه نظام سياسي جديد‬ ‫للبالد والعباد.‬ ‫75‬
  • 58. ‫الشعب الذي كان سقفه أعلى من كافة األحزاب‬ ‫السياسية يوم 14 جانفي هو القوة الثورية الوحيدة‬ ‫إن التناقض الرئيسي الذي يحكم هذه المرحلة من تاريخ‬ ‫الثورة التونسية هو بين القوى التي تدفع في اتجاه أن‬ ‫تنجز الثورة كافة مهامها السياسية و االقتصادية‬ ‫واالجتماعية ، وبين القوى التي تعمل من أجل إجهاض‬ ‫كل تقدم إلى األمام وكل منجز من شأنه يدعم مكاسب‬ ‫ُ‬ ‫الثورة.‬ ‫هذا التناقض حكم كل الثورات في العالم وكل حركات‬ ‫التغيير ونتائجه حُسمت إما لقوى التغيير أو لقوى الثورة‬ ‫المضادة بحسب استعدادات كل طرف ودرجة تنظيمه‬ ‫وخاصة إرادة كل طرف في تحقيق أهدافه.‬ ‫وتونس ليست استثناء ، فما تعيشه البالد منذ يوم 14‬ ‫جانفي 4420 هو صراع على قاعدة التناقض بين قوى‬ ‫الثورة و الثورة المضادة.‬ ‫ولكن خصوصية الثورة التونسية التي تفجرت بمعزل‬ ‫عن األحزاب السياسية وعن قياداتها، تدفع لطرح السؤال‬ ‫التالي: من هي القوى الثورية ؟‬ ‫القوة الثورية الوحيدة التي لها مصلحة حقيقية في التغيير‬ ‫هو الشعب الذي كان سقفه أعلى من كافة األحزاب‬ ‫السياسية يومي 24 و14 جانفي 4420.‬ ‫85‬
  • 59. ‫كل "وفاق" بعيدا عن تطلعات الشعب هو‬ ‫"وفاق"فاشل.‬ ‫يتأكد كل يوم أن العملية السياسية في تونس مازالت‬ ‫تبحث عن مسارها الصحيح، رغم تأكيد الجهات‬ ‫واألطراف التي تعتبر نفسها محددة في هذه العملية أن‬ ‫كافة عناصر "خريطة الطريق" أضحت واضحة منذ‬ ‫مدة.‬ ‫ّ‬ ‫قد ال يتيح المجال لنعدد كافة مظاهر الخلل في العملية‬ ‫السياسية منذ انطالقها وما سبّبته وتسبّبه من آثار ميدانية‬ ‫اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لكن تكفي اإلشارة إلى‬ ‫المأزق السياسي الذي يهدد البالد على خلفية عدم التوافق‬ ‫على موعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، رغم أن‬ ‫الوفاق مثل منذ 14 جانفي الشعار "المركزي"‬ ‫للحكومات المؤقتة المتعاقبة ولكافة األحزاب السياسية.‬ ‫رفع الجميع شعار الوفاق، لكن ال أحد بحث عن الوفاق‬ ‫الحقيقي مع أهم طرف في المعادلة الجديدة أي الشعب‬ ‫بكافة فئاته.‬ ‫الحكومات المؤقتة المتعاقبة بحثت عن الوفاق مع‬ ‫األحزاب السياسية وبعض المنظمات والهيئات‬ ‫.واألحزاب السياسية بحثت عن الوفاق بينها ، وهو ما‬ ‫جعل العملية السياسية تجري بعيدا عن اهتمامات الشعب‬ ‫95‬
  • 60. ‫وهذا ما يفسر أيضا أن "التفاؤل السياسي" الذي يبديه‬ ‫البعض يقابله تشاؤم ميداني عند المواطنين.‬ ‫إن الوفاق مع الشعب يعني الوفاق حول مطالبه وتطلعاته‬ ‫ّ‬ ‫التي يبدو أنها وضعت على الرف في انتظار أن تنتهي‬ ‫األحزاب السياسية من اقتسام الغنيمة السياسية.‬ ‫منذ 14 جانفي 4420 لم تحرص حكومتي السد محمد‬ ‫الغنوشي وحكومة الباجي قائد السبسي على توفير‬ ‫فضاءات حقيقية للحوار مع أبناء تونس ..ال يوجد اليوم‬ ‫أي إطار فعلي من خالله يمكن االستماع إلى صوت‬ ‫المواطن، كل اهتماماتها توجهت إلى األحزاب السياسية‬ ‫باسم التشاور، وهو تشاور لم يختلف عن تلك التي كانت‬ ‫تتم في العهد السابق... مشاورات أطرها غير واضحة‬ ‫ومضمونها ال يكشف.‬ ‫أما األحزاب السياسية فإنها وضعت جانبا المطالب‬ ‫الحقيقية والشعارات الرئاسية للشعب التونسي واكتفت‬ ‫بالبحث عما يمكن أن تغنمه في المرحلة القادمة.‬ ‫إن المخرج من المأزق الذي يهدد البالد يكون بالرجوع‬ ‫إلى الشعب باعتباره العنصر الرئيسي في المعادلة‬ ‫والتوافق حول مطالبه الحقيقية ويكون ذلك ببعث أطر‬ ‫وهياكل معيّنة للحوار معه واالستماع إليه، مما يجعل‬ ‫العملية السياسية تسير على أسس متينة وتتجاوز مظاهر‬ ‫06‬
  • 61. ‫الخلل التي تعيقها اآلن على التقدم وتتقدم في مسارها‬ ‫الصحيح.‬ ‫16‬
  • 62. ‫أوقفوا هذا المسار‬ ‫ثمة مسار يجب أن يتوقّف، ألن في استمراره وتواصله‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫خطورة ليس فقط على ثورة 14 جانفي وما جاءت به من‬ ‫قيم ومبادئ وإنما أيضا على وحدة التونسيين والمشترك‬ ‫بينهم.‬ ‫هذا المسار الذي يسعى البعض للنفخ فيه وتضخيمه‬ ‫ليكون من األولويات المطروحة ليس أمام النخب‬ ‫والناشطين السياسيين فحسب بل أيضا أمام "المواطن‬ ‫العادي"، هو تحويل قاعدة الفرز بين من يدفع لتنجز‬ ‫الثورة مهامها السياسية واالقتصادية واالجتماعية وبين‬ ‫من يبحث بكافة الوسائل لاللتفاف عليها وحصرها في‬ ‫أفق محدود، إلى قاعدة فرز جديدة بين المؤمنين‬ ‫والعلمانيين، بين "الغيورين على المقدسات" وبين‬ ‫"المشككين فيها".‬ ‫قاعدة الفرز هذه التي يحرص البعض إليجاد المبررات‬ ‫الميدانية والواقعية لها، تبقى مسقطة ومفتعلة ألنها تمس‬ ‫من وحدة التونسيين حول دينهم وعروبتهم، وتشكك في‬ ‫المشترك بينهم منذ قرون.‬ ‫26‬
  • 63. ‫الموقف من المسالة الدينية لم يكن في يوم من األيام‬ ‫عنصر خالف بين التونسيين وعامل صراع بينهم، فلماذا‬ ‫النفخ في هذه النقطة وتحويلها إلى واجهة رئيسية في هذه‬ ‫المرحلة الدقيقة والحرجة من عمر الثورة؟‬ ‫ثورة 14 جانفي مازالت تترصد بها المخاطر الداخلية‬ ‫والخارجية .وتوجيه بوصلة الشعب الذي أنجز هذه‬ ‫الثورة إلى وجهة غير حماية ثورته ودفعها النجاز كافة‬ ‫مهامها نعتقد انه أمر مشبوه، وال يخدم إال أغراض‬ ‫المتربصين بها.‬ ‫36‬