لما كانت حيازة الأرض هي إطار النشاط الإنتاجي الزراعي سواء بعمل الفلاحين كمنتجين مباشرين، أو باستخدام العمل المأجور؛ فان دراسة الاقتصاد الزراعي يجب أن تقوم علي الحيازة وليس على الملكية، مع عدم إهمال ملكية الأرض على اعتبار أنها أساس الدخل الريعي للملاك. لذلك نحاول في هذه الدراسة إعادة بحث الموضوع انطلاقا من تلك الفكرة واستنادا إلي الوثائق والدراسات العلمية في محاولة للتعرف على تطور أشكال حيازة الأراضي الزراعية في مصر منذ نشأة الدولة المصرية القديمة إلى نهاية القرن التاسع عشر، بما في ذلك مجمل حقوق الملكية والتي تتضمن بالإضافة لحق الرقبة حق الانتفاع، وحق الإرث، وحق الرهن، وحق الوقف، وحق الهبة. وتستمر الدراسة وصولاً للإقرار القانوني للملكية الفردية للأرض الزراعية عند نهاية القرن التاسع عشر، مع التركيز على الأشكال الثلاث لحيازة الأرض الزراعية التي استمرت طوال التاريخ المصري المكتوب مع تغير نسبها، وهي: حيازة الدولة ، وحيازة المؤسسات الدينية "الأوقاف"، وحيازة الأفراد. وسنحاول هيكلة أنماط الحيازة في عرض جدولي لكل مرحلة بحيث يمكن تتبع أصول كل نمط في المرحلة السابقة عليه. أما التقدير النسبي لمساحة الحيازات فقد استند إلى استقراء الوقائع "الاقتصادية- الاجتماعية" لكل مرحلة حيث لا تتوفر بيانات إحصائية.
من المعروف أن هناك العديد من الدراسات التي اهتمت بموضوع ملكية الأرض الزراعية وحيازتها نظراً لأنه يُشكل إحدى القضايا المحورية عند دراسة علاقات الإنتاج في الريف المصري. إلا أن هذه الدراسات تميزت بظاهرتين أحدثتا ضررا بالغا بالموضوع: الظاهرة الأولى تمثلت في الانحياز الأيدلوجي المُسبق لغالبية الباحثين نحو فكرة انعدام الملكية الخاصة للأرض الزراعية استنادا إلي مقولة الحق الإلهي للفرعون في وراثة كل مصر، وامتداد آثار تلك المقولة إلى نهاية القرن الثامن عشر. ويمكن هنا التفرقة بين مدرستين، استندت الأولي لفكرة التطور التاريخي للمجتمعات و
يأتي تميز الإنسان عن الكائنات الأخرى على محورين: يتمثل الأول في أن الوعي الإنساني يتخطى بكثير الحاجات الغريزية، بالإضافة إلى قدرته على نقل وتركيم الخبرات من جيل الآباء إلى جيل الأبناء ثم إلى الأحفاد في عملية تصاعدية مكنته من بناء حضارة متطورة عبر التاريخ، وهو ما لم تنجح فيه باقي الكائنات. أما المحور الثاني فيتمثل في كون الجماعة الإنسانية جماعة اجتماعية، ولا تأتى (الاجتماعية) هنا من خلال العيش في جماعة حيث تعيش باقي الكائنات في جماعات أيضاً، كما لا تأتى من العمل المنظم لأفراد الجماعة فهناك العديد من جماعات الكائنات التي يمارس أفرادها قدراً عالياً من التنظيم عند تلبية الحاجات الغريزية ولعل جماعات النمل وجماعات النحل أبرز مثال على ذلك. إنما تأتى (الاجتماعية) من خلال تنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان أثناء عملية الإنتاج، تلك العملية الواعية التي تقع خارج نطاق الفعل الغريزي والتي تشكل في نفس الوقت أساس العملية الاقتصادية كلها. فوعى الإنسان بحاجاته الغريزية وغير الغريزية بالإضافة إلى قدرته المتفردة على نقل وتركيم الخبرات هي التي مكنته من تطوير إبداعاته في مختلف المجالات، ومكنته أيضاً من تطوير علاقاته بأقرانه الآخرين ليتبلور ذلك في التطور الدائم والمتصاعد للمجتمع الإنساني.
لما كانت حيازة الأرض هي إطار النشاط الإنتاجي الزراعي سواء بعمل الفلاحين كمنتجين مباشرين، أو باستخدام العمل المأجور؛ فان دراسة الاقتصاد الزراعي يجب أن تقوم علي الحيازة وليس على الملكية، مع عدم إهمال ملكية الأرض على اعتبار أنها أساس الدخل الريعي للملاك. لذلك نحاول في هذه الدراسة إعادة بحث الموضوع انطلاقا من تلك الفكرة واستنادا إلي الوثائق والدراسات العلمية في محاولة للتعرف على تطور أشكال حيازة الأراضي الزراعية في مصر منذ نشأة الدولة المصرية القديمة إلى نهاية القرن التاسع عشر، بما في ذلك مجمل حقوق الملكية والتي تتضمن بالإضافة لحق الرقبة حق الانتفاع، وحق الإرث، وحق الرهن، وحق الوقف، وحق الهبة. وتستمر الدراسة وصولاً للإقرار القانوني للملكية الفردية للأرض الزراعية عند نهاية القرن التاسع عشر، مع التركيز على الأشكال الثلاث لحيازة الأرض الزراعية التي استمرت طوال التاريخ المصري المكتوب مع تغير نسبها، وهي: حيازة الدولة ، وحيازة المؤسسات الدينية "الأوقاف"، وحيازة الأفراد. وسنحاول هيكلة أنماط الحيازة في عرض جدولي لكل مرحلة بحيث يمكن تتبع أصول كل نمط في المرحلة السابقة عليه. أما التقدير النسبي لمساحة الحيازات فقد استند إلى استقراء الوقائع "الاقتصادية- الاجتماعية" لكل مرحلة حيث لا تتوفر بيانات إحصائية.
من المعروف أن هناك العديد من الدراسات التي اهتمت بموضوع ملكية الأرض الزراعية وحيازتها نظراً لأنه يُشكل إحدى القضايا المحورية عند دراسة علاقات الإنتاج في الريف المصري. إلا أن هذه الدراسات تميزت بظاهرتين أحدثتا ضررا بالغا بالموضوع: الظاهرة الأولى تمثلت في الانحياز الأيدلوجي المُسبق لغالبية الباحثين نحو فكرة انعدام الملكية الخاصة للأرض الزراعية استنادا إلي مقولة الحق الإلهي للفرعون في وراثة كل مصر، وامتداد آثار تلك المقولة إلى نهاية القرن الثامن عشر. ويمكن هنا التفرقة بين مدرستين، استندت الأولي لفكرة التطور التاريخي للمجتمعات و
يأتي تميز الإنسان عن الكائنات الأخرى على محورين: يتمثل الأول في أن الوعي الإنساني يتخطى بكثير الحاجات الغريزية، بالإضافة إلى قدرته على نقل وتركيم الخبرات من جيل الآباء إلى جيل الأبناء ثم إلى الأحفاد في عملية تصاعدية مكنته من بناء حضارة متطورة عبر التاريخ، وهو ما لم تنجح فيه باقي الكائنات. أما المحور الثاني فيتمثل في كون الجماعة الإنسانية جماعة اجتماعية، ولا تأتى (الاجتماعية) هنا من خلال العيش في جماعة حيث تعيش باقي الكائنات في جماعات أيضاً، كما لا تأتى من العمل المنظم لأفراد الجماعة فهناك العديد من جماعات الكائنات التي يمارس أفرادها قدراً عالياً من التنظيم عند تلبية الحاجات الغريزية ولعل جماعات النمل وجماعات النحل أبرز مثال على ذلك. إنما تأتى (الاجتماعية) من خلال تنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان أثناء عملية الإنتاج، تلك العملية الواعية التي تقع خارج نطاق الفعل الغريزي والتي تشكل في نفس الوقت أساس العملية الاقتصادية كلها. فوعى الإنسان بحاجاته الغريزية وغير الغريزية بالإضافة إلى قدرته المتفردة على نقل وتركيم الخبرات هي التي مكنته من تطوير إبداعاته في مختلف المجالات، ومكنته أيضاً من تطوير علاقاته بأقرانه الآخرين ليتبلور ذلك في التطور الدائم والمتصاعد للمجتمع الإنساني.