رذاذ مطر، قهوة وبعض الضجر، أجلس فوق كرسي معدني غير مريح كل ما أردت تغيير حركتي أزعجني صوت احتكاكه بالأرض، صعبة أنا أعلم ذلك، أبحث دائما عن مصدر إلهام ينبعث من فوضى المرور، ما الذي أفعله في مدينة لا يجذبني إليها إلا الثّقافة والفنون؟ باريس مدينة الجن والملائكة أعجز عن حبها لأنّها تعجز أن تهديني شعاع شمس أتّكئ عليه هذا المساء، أطيل النظر بالمارة، عرب يعشقون أخذ الصور، حمل أكياس الملابس والهدايا، بعضهم متعجرف حدّ الكِبر لا يستطيع أن يخفض رأسه ليطعم الحمام والآخر أثقلته العقد، يريد أن يرقص على موسيقى الشوارع ولكن لا يستطيع، تخرج حركته ثقيلة مصطنعة ولا تلبث أن تختفي وسط الجموع، في هذا الوقت بالذات أشتهي أنا كذلك أن أتنصّل من جلدي، أن أفكّ الأغلال عن يدي وأفك لجام الكلمات، أشتهي ورقا أبيضا أبعثر فوقه كل الحروف ومنبر عال تنبعث منه سمفونيات الروح، كم يلزمنا من الجرأة لنكون نحن؟ كم من الحواجز المادية والمعنوية نعبرها لنلتقي بأنفسنا؟
أمدّ يدي إلى حقيبتي، أخرج قلما وكراسة وأهرع لاحقة موج الصّور التي يمدني بها الخيال، أركبها بقارب من شجن أجذّف بالحب وأبارز الريح بشراع من أمل، أتنقل ما بين ورقة وأخرى كبحار يكتشف الجزر، تبهرني الحياة التي اهتزت وربت فوق الورق، عالم مضيء تنيره الروح، عالم مريح يحميه الخيال، لاعقل يوقفك ولا منطق يهزمك.