SlideShare a Scribd company logo
1 of 80
‫رؤية استراتيجية‬

‫في القضية الفلسطينية‬
‫كتبها فضيلة الشيخ‬

‫أ.د ناصر بن ســليمان العمر‬




            ‫-2-‬
‫إن الحم ـد لله نحمده ونس ـتعينه ونس ـتغفره، ونعوذ بالله‬
                  ‫ـ‬          ‫ـ‬                ‫ـ‬
‫مــن شرور أنفســنا وســيئات أعمالنــا، مــن يهده ا فل‬
‫مضـل له، ومـن يضلل فل هادي له ، وأشهـد أن ل إله إل‬
‫ا وحده ل شريـك له، وأشهـد أن محمدا عبده ورسـوله‬
                   ‫وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.‬
‫يـا أيهـا الذيـن آمنوا اتقوا ا حـق تقاتـه ول تموتـن إل‬
‫ميــا أيهــا الناس اتقوا ربكــم الذي‬   ‫وأنتــم مســلمون‬
‫خلقكـم مـن نفـس واحدة وخلق منهـا زوجهـا وبـث منهمـا‬
‫رجال ً كثيرا ونســــاءا واتقوا ا الذي تســــاءلون بــــه‬
    ‫ـ‬          ‫ـ‬                       ‫ـ‬
‫ميــا أيهــا الذيــن‬   ‫والرحام إن ا كان عليكــم رقيبــا‬
‫آمنوا اتقوا ا وقولوا قول ً سـديدا، يصـلح لكـم أعمالكـم‬
‫ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع ا ورسوله فقد فاز فوزا‬
                                              ‫عظيما ا.‬
                                               ‫أمّا بعد :‬
‫يعيـش إخواننـا فـي فلسـطين هذه اليام مرحلة عصـيبة‬
‫مـن تاريخهـم ، فالسـتكبار اليهودي قـد بلغ أوجـه، وكشف‬
‫شارون عــن وجــه بنــي صــهيون الحقيقــي، فالقتــل ،‬
‫والتشريـد وهدم المنازل والحصـار القتصـادي الرهيـب ،‬



                             ‫-3-‬
‫وخامســها الخذلن المخزي مــن لدن المســلمين عامــة‬
‫والعرب خاصــة لخوانهــم فــي فلســطين ، كــل هذه‬
      ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬    ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫الحوال تطرح سـؤال ً مهما : هـل لهذا المـر مـن نهايـة ؟‬
‫وهل لهذه البلية من كاشفة ؟ ويتحدد السؤال أكثر : أين‬
‫المخرج ؟ وم ـا ه ـو الس ـبيل ؟ وبخاص ـة وق ـد بلغ اليأس‬
           ‫ـ‬     ‫ـ‬            ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬
‫مبلغـه فـي نفوس كثيـر مـن المسـلمين وبالخـص إخواننـا‬
‫فـي فلسـطين وأصـبح التشاؤم نظريـة يروج لهـا البعـض ،‬
                 ‫مما زاد النفوس إحباطا، والهمم فتورا .‬

‫وأقول : مــع مرارة الواقــع ، ووجهــه الســود الكالح ،‬
            ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬              ‫ـ‬
‫وامتداد هذا الليـل وتأخـر بزوغ الفجـر ، مـع مـا يحمله هذا‬
‫الليــل مــن فواجــع ومواجــع مصــحوبا بالرعود والبروق‬
‫والصـواعق والرياح العاتيـة ، كـل ذلك ل ينسـينا سـنن ا‬
‫في الكون وأن الظلم مهما طال فلن يستمر ، وأن تقدم‬
‫مدة الحمــل مؤذن بالولدة ، وســاعات الطلق الرهيبــة‬
‫تعلن نهايـة المــعاناة ن فإن مـع العسـر يسـرا . إن مـع‬
‫العسـر يسـرا ر و ) لن يغلب عسـر يسـرين ( حتـى إذا‬
‫اسـتيأس الرسـل وظنوا أنهـم قـد كذبوا جاءهـم نصـرنا‬
   ‫ـ‬    ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬
 ‫فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين ي .‬

‫وأقول بحـق : إن تلك الحداث المؤلمـة التـي يسـتخدمها‬
‫المتشائمون واليائســون دليل ً على تشاؤمهــم ويأســهم ؛‬
‫هــي نفســها مــن أقوى البراهيــن لديــّ على التفاؤل‬
                     ‫ـ‬               ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬


                           ‫-4-‬
‫والنظرة إلى المسـتقبل بأمـل مشرق ، وعزيمـة صـادقة ،‬
‫وثقة بوعد ا وقرب تحقق وقوعه ة أتى أمر ا فل‬
‫تس ـــتعجلوه س ـــبحانه وتعالى عمــــا يشركون ه وهذا‬
                                    ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫التفاؤل وتلك الثقـة لم تبـن على عاطفـة جياشـة مجردة‬
‫مـن الدليـل ، سـرعان مـا تهتـز أمام ريـح عاتيـة ، أو تذبـل‬
‫لطول الطريق وقلة الزاد وانفضاض المعين والرفيق بل‬
‫هي قناعة مبنية على أسس عميقة الجذور ، من السنن‬
‫الكونية التي ل تتخلف وآيات الكتاب الذي ل يأتيه الباطل‬
‫مـن بيـن يديـه ول مـن خلفـه تنــزيل مـن حكيـم حميـد ،‬
‫وكلم الصـادق المصـدوق الذي ل ينطـق عـن الهوى إن‬
‫هـو إل وحـي يوحـى ، ففـي ظروف مشابهـة مـن تسـلط‬
‫قريش وطغيانهم واستكبارهم مع ضعف المؤمنين وقلة‬
‫المعيــن والناصــر ، أتــى الصــحابة إلى رســول ا ن‬
‫يشكون حالهـــم ، ويطلبون منـــه الدعاء والســـتنصار ،‬
‫وتحس من كلمهم بمرارة المعاناة واستطالة الطريق ،‬
‫ا ينقلهـم نقلة أخرى ، نقلة الواثـق بربـه‬   ‫فإذا رسـول ا‬
‫المؤمن بصدق وعده ) وا ليسيرن الراكب من صنعاء‬
‫إلى حضرموت ل يخاف إل ا والذئب على غنمــــــــه ،‬
‫ولكنكم تستعجلون ( نعم لقد تحقق هذا الوعد وصدق‬
‫ا ورسـوله ، ولكـن ذلك لم يكـن بيـن عشيـة وضحاهـا ،‬
‫بـل احتاج إلى زمـن طويـل مـن الجهاد والبلء ، فليسـت‬



                            ‫-5-‬
‫العـبرة متـى يتحقـق النصـر وإنمـا المهـم كيـف يتحقـق ،‬
‫وبأى وسيلة يستجلب ؟ سواء طال الزمن أو قصر ، فلله‬
‫المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ا‬
                     ‫ينصر من يشاء وهوالعزيز الرحيم .‬

‫وفي ظل تلك الركان الصلبة ، سأقدم هذه الرؤية ، آملً‬
‫أن تكون مســاهمة فــي رفــع تلك المعاناة المعنويــة ،‬
‫المنبثقـة عـن المعاناة الحسـية التـي طال أمدهـا ، واسـود‬
                                                    ‫ليلها.‬

‫إنن ـا مـن أج ـل أن نعرف كي ـف يتحق ـق النص ـر ، لب ـد أن‬
    ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬             ‫ـ‬     ‫ـ ـ‬
‫ندرك كيـف وقعـت الهزيمـة، ومـن أجـل أن نرسـم طريـق‬
‫الخلص لبـد أن نعرف كيـف حدثـت المعاناة، ومـا بنـي‬
‫ف ـي عشرات الس ـنين ل تنتظ ـر زواله بي ـن غمض ـة عي ـن‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫وانتباهتها ؛ لن السنن الكونية تدل على غير ذلك ، فكما‬
‫أن هناك أركانا للهدم ، فهناك أسـس للبناء ، ومـا شيدتـه‬
‫الجاهليات المتعاقب ــة على مرور الزمان ، اقتض ــى وقتا‬
       ‫ـ‬                          ‫ـ‬
‫ليـس باليسـير حتـى هدمـه النـبياء والمصـلحون وأقاموا‬
‫مكانـه بناء راسـخا ل تهزه الرياح هفلبـث فيهـم ألف سـنة‬
‫لحتـى يقول الرسـول والذيـن آمنوا‬        ‫إل خمسـين عاما‬
‫هوقل جاء‬       ‫معه متى نصر ا أل إ نّ نصر ا قريب‬
‫الحـق وزهـق الباطـل إن الباطـل كان زهوقا ق ومتـى‬



                           ‫-6-‬
‫جاء الحـق وزهـق الباطـل ؟ بعـد جهاد وصـبر ومصـابرة‬
                                        ‫وطول معاناة.‬
‫وسـأسوق هذه الرؤيـة مسـلسلة بنقاط مسـتقلة ، تؤخـذ‬
‫النتيجة من مجموعها ل من آحادها ، حيث يكمل بعضها‬
‫بعضا، ويأخـذ بعضهـا برقاب بعـض، وأسـأل ا التوفيـق‬
‫والسداد ، وأن يجعل لي فرقانا ينير لي الطريق ويدلني‬
‫على مكامـن القوة والضعـف فيـه ، لدلّ قومـي إليـه فإن‬
                                  ‫الرائد ل يكذب أهله .‬
                          ‫أرض فلسطين أرض أسلمية :‬

‫فـي الحديـث الصـحيح الذى رواه أبـو ذر – رضـى ا عنـه‬
‫– قال : قلت : يا رسول ا أي مسجد وضع في الرض‬
‫أول ؟ فقال ل : ) المسجد الحرام ثم المسجد القصى‬
‫( قلت : كـم كان بينهمـا ؟ قال : ) أربعون سـنة ( . وهذا‬
                                ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫ول شـك قبـل بعثـة موسـى عليـه السـلم ، وإبراهيـم عليـه‬
‫السـلم الذي رفـع مـع إسـماعيل القواعـد مـن البيـت هـو‬
‫الذى عيّـن بأمـر ا مكان المسـجد القصـى وهـو الذي‬
‫قال ا فيـه : لمـا كان إبراهيـم يهوديا ول نصـرانيا ولكـن‬
            ‫كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ن.‬

‫فالمسـجد القصـى على مرّ التاريـخ كان مسـجدا إسـلميا‬
‫ومــن قبــل أن يوجــد اليهود ، ومــن بعــد مــا وجدوا ن‬



                          ‫-7-‬
‫سـبحان الذي أسـرى بعبده ليل ً مـن المسـجد الحرام إلى‬
‫المسـجد القصـى الذي باركنـا حوله د وفلسـطين أرض‬
‫النـبياء منهـم إبراهيـم وموسـى وعيسـى وزكريـا ويحـي‬
‫وغيرهـم – عليهـم وعلى نبينـا أفضـل الصـلة والسـلم-‬
‫نل‬       ‫وكلهـم مسـلمون مإن الديـن عنـد ا السـلم‬
‫نفرق بيـن أحدٍ منهـم ونحـن له مسـلمون ق إذا فلسـطين‬
‫أرض إسلمية ، ل حق لحد غير المسـلمين فيهاض إن‬
‫الرض لله يورثها من يشاء من عـباده والعاقبة للمتقين‬
                                                        ‫.‬

‫فعـن أبـي هريرة رضـي ا عنـه قال : بينمـا نحـن فـي‬
‫المســجد ، إذ خرج إلينــا رســول ا د فقال : )انطلقوا‬
‫إلى يهود( فخرجنا معه ، حتى جئناهم، فقام رسول ا‬
‫فناداهـم ، فقال : )يـا معشـر اليهود أسـْلموا تَـسْلَموا(‬
‫ا‬   ‫فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول ا‬
‫: )ذلك أريـد ، أسـلِموا تسـلَموا( فقالوا : قـد بلغـت يـا أبـا‬
                                  ‫ْ‬        ‫ْ‬
‫القاسـم ، فقال لهـم م : )ذلك أريـد( فقال لهـم الثالثـة :‬
‫)اعلموا أنمـا الرض لله ورسـوله ، وإنـي أريـد أن أجليكـم‬
‫مـن هذه الرض ، فمـن وجـد منكـم بمـا له شيئا فليبعـه ،‬
       ‫وإل ّ فاعلموا أن الرض لله ورسوله( رواه مسلم .‬




                             ‫-8-‬
‫وهذا منطلق مهـم ، وأرضيـة صـلبة يبنـى عليهـا مـا بعدهـا‬
‫مـن مواقـف وتضحيات فليسـت قضيـة فلسـطين خاصـة‬
‫بم ــن ولد على أرض فلس ــطين دون النظ ــر إلى دين ــه‬
  ‫ـ‬           ‫ـ‬              ‫ـ‬                   ‫ـ‬
‫وعقيدته ، بل هي قضية إسلمية تخص المسلمين أينما‬
‫ولدوا ، وحيثمــا وجدوا ول شــك أن مــن ولد على أرض‬
‫فلسطين من المسلمين تعنية القضية من باب أولى ومن‬
‫لم يكن مسلما فل حق له في فلسطين ولو ولد فيها أبا‬
                                               ‫عن جدّ .‬

‫فعندمــا لحــق أحــد المشركيــن – مــن أهــل المدينــة –‬
‫برسـول ا ل يريـد الدفاع عنهـا ، عندمـا جاءت قريـش‬
‫يوم بدر ، وكان صــــــــاحب نجدة وبأس ، قال له م :‬
‫) ارجــع فلن أســتعين بمشرك ( وعندمــا أعلن إســلمه‬
‫وإيمان ــه ، أذن له رس ــول ا ه بالمشاركـــة قائل ً له :‬
                                ‫ـ‬               ‫ـ‬
                                            ‫) فانطلق (.‬
                                ‫يهود المس ويهود اليوم :‬

‫بسـبب قوة الصـراع بيـن المسـلمين واليهود وبخاصـة على‬
‫أرض فلسطين ، وما نراه صباح مساء من جرائم ترتكب‬
‫فـي حـق إخواننـا فـي الداخـل ، ومـا يدّعيـه اليهود مـن‬
‫الحــق التاريخــي فــي الرض المباركــة ، كــل ذلك أفرز‬
‫بعـض الخطاء التـي وقـع فيهـا كثيـر مـن المسـلمين ، مـن‬



                          ‫-9-‬
‫الخلط بيــن يهود المــس الذيــن آمنوا بموســى – عليــه‬
‫الص ــلة والس ــلم – وبي ــن يهود اليوم ، وهذا الخلط له‬
                             ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫سـلبياته العقديـة والعمليـة ومـن هنـا كان لبـد مـن إيضاح‬
‫بعـض المسـائل المهمـة فـي هذا السـياق ، أوجزهـا بمـا‬
                                                      ‫يلى :‬

‫١ ـ ـ بن ـو إس ـرائيل الذي ـن آمنوا بموســى - عليــه الصــلة‬
                                ‫ـ‬           ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫والســــلم – غيــــر يهود اليوم فأولئك كانوا مســــلمين‬
‫مؤمنيـن ، وهؤلء كفار مشركون تبعا لمـن كفـر بموسـى‬
‫وخرج عـن شريعتـه ، وبنـو إسـرائيل هـم نسـل يعقوب –‬
‫عليــه الصــلة والســلم – الذي قال ا عنــه وعنهــم :‬
‫ووصــى بهــا إبراهيــم بنيــه ويعقوب يــا بنــي إن ا‬
‫اصـطفى لكـم الديـن فل تموتـن إل وأنتـم مسـلمون ى‬
      ‫ـ‬    ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫وانسـجاما مـع هذه الحقيقـة قال يوسـف – عليـه الصـلة‬
‫والســـلم - : م واتبعـــت ملة آبائي إبراهيـــم وإســـحاق‬
‫ويعقوب مـا كان لنـا أن نشرك بالله مـن شيـء ب والذيـن‬
‫آمنوا بموسـى – عليـه الصـلة والسـلم – قال ا فيهـم :‬
‫ولقـــد آتينـــا بنـــي إســـرائيل الكتاب والحكـــم والنبوة‬
‫ورزقناهــم مــن الطيبات وفضّلناهــم على العالميــن م‬
‫وقال فيهـم : لولقـد اخترناهـم على علم على العالميـن‬
‫وجلعنـا منهـم أئمـة يهدون بأمرنـا لماّ‬    ‫د وقال فيهـم :‬
‫كما‬     ‫صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ا وقال فيهم محمد‬


                            ‫-01-‬
‫فـي حديـث ابـن عباس الصـحيح : )عرضـت عليّـ المـم ،‬
‫فرأيــت النــبي ومعــه الرهيــط ، والنــبي ومعــه الرجــل‬
‫والرجلن ، والنـبي وليـس معـه أحـد ، إذ رفـع لي سـواد‬
‫عظيــم فظننــت أنهــم أمتــي ، فقيــل لي : هذا موســى‬
‫وقومـه( الحديـث. أمّـا الذيـن خرجوا عـن ملة موسـى فقـد‬
‫وقعوا ف ــي الشرك كم ــا قال س ــبحانه : اوقالت اليهود‬
                      ‫ـ‬         ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫عزير بن ا ر وقال فيهم : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أربابا من دون ا ا ثم قال : وما أمروا إل ّ ليعبدوا إلها‬
‫واحدا ل إله إل ّ ه ـــو س ـــبحانه عمّ ـــا يشركون ا وقال‬
                 ‫ـ‬            ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫عنهـم : موقالت اليهود يـد ا مغلولة غلّت أيديهـم ولعنوا‬
‫بمــا قالوا ا إذا فيهود اليوم ل علقــة لهــم بالذيــن آمنوا‬
‫بموسى ـ عليه الصلة والسلم ـ ومن كتب لهم الرض‬
‫المقدسـة وإنمـا هـم امتداد لمـن كفـر بموسـى والنـبياء‬
‫مـن بعده ممـن حرّف التــوراة ، وخرج عـن ديـن التوحيـد‬
                 ‫وشـريعة موسى عليه الصلة والسـلم.‬

‫٢ــ أغلب يهود اليوم ليسـوا مـن بنـي إسـرائيل ، بمعنـى أن‬
‫الذيــن يحتلون فلســطين اليوم ليســوا مــن نســل بنــي‬
‫إسرائيل الذين كانوا مع موسى عليه الصلة والسلم أو‬
‫سـللتهم حيـث إن اليهود الذيـن يعتـبرون مـن نسـل بنـي‬
‫إس ـرائيل وه ـم المعروفون بـ ـ) الس ـفاراديم ( ل يزيدون‬
                  ‫ـ‬      ‫ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫عن ٠٢% من عدد اليهود في العالم ، مع ما داخل هذا‬


                           ‫-11-‬
‫العدد مـن امتزاج وتزاوج مـع جنسـيات وسـللت أخرى ،‬
‫بمعنـى أن هذه النسـبة القليلة ليسـت نسـبة خالصـة مـن‬
‫نسـل بنـي إسـرائيل ، أمّـا النسـبة الكـبرى مـن يهود اليوم‬
‫والبالغة ٠٨% فليسوا من نسل اليهود الصليين ، بل هم‬
‫مـن أصـول أوروبيـة وشرقيـة ومـن مختلف بلدان العالم ،‬
‫وهـم المعروفون بــ )الشكنازيـم( حيـث دخلوا اليهوديـة‬
  ‫ومـن‬               ‫بالتحول من دياناتهم الوثنية وغيرها.‬
‫خلل هذه الحقيقــة التاريخيــة تســقط دعوى المحتليــن‬
‫لفلسـطين بــ )الحـق التاريخـي( ويتضـح أنهـم محتلون ل‬
‫عائدون ، وأن بلدهم وبلد آباءهـم هي تلك البلد التي‬
‫قدموا منهـا ل التـي جاؤا إليهـا ، أمّـا النسـبة القليلة التـي‬
 ‫ـ‬                     ‫ـ‬       ‫ـ‬                   ‫ـ‬
‫تعتبر من نسل بني إسرائيل فل حق لهم في فلسطين‬
                                               ‫من وجهين :‬

‫أو ً : أنه ـم خرجوا ع ـن دي ـن موس ـى الص ـحيح وحرّفوا‬
           ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ل‬
‫التوراة ، وفلسطين أرض إسلمية ل حق لغير المسلمين‬
                                                       ‫فيها .‬

‫ثاني ً : أن فلسـطين لم تكـن لبنـي إسـرائيل وإنمـا كانـت‬
                                                 ‫ا‬
‫للجبارين ، وهم أهلها قبل بني إسرائيل ، وكتبها ا لبني‬
‫إســرائيل وأذن لهــم بدخولهــا عندمــا كانوا على المنهــج‬
              ‫الصحيح ، فلما انحرفوا ، سقط حقهم فيها.‬



                            ‫-21-‬
‫ومـــن خلل مـــا ســـبق تســـقط دعوى الحقـــّ‬
   ‫التاريخي ، ويثبت بطلن هذه الدعوى جملة وتفصيل.‬

‫٣ــ أن صـفات اليهود التـي ذكرهـا ا في القرآن ، ممتدة‬
‫عـبر التاريـخ يتوارثونهـا جيل ً بعـد جيـل ، وأمـة بعـد أمـة ،‬
‫وهي صفات الغدر والخيانة ، والجبن والبخل والدسائس‬
‫والمؤامرات ، والعلو والســتكبار وغيرهــا مــن الصــفات‬
‫التـي بينهـا ا سـبحانه وتعالى فـي القرآن ، وقـد تجلّت‬
‫فـي اليهود الذيـن آذوا موسـى – عليـه الصـلة والسـلم –‬
‫وخرجوا عــن شريعتــه ، وهــي صــفات جبليّــة خلقيــة‬
‫ترسخت مع مرور الزمن وابتعادهم عن المنهج الصحيح‬
‫، حتـى أصـبحت جزءا مـن دينهـم المحرّف وخصـائصهم‬
‫الثابتــة ، يربّون عليهــا أبناءهــم يشبــّ عليهــا الصــغير ،‬
‫ويشيـب عليهـا الكـبير ، ويُعلّمُـها مـن يدخـل فـي هذا الديـن‬
‫من غيرهم ، ولم يسلم من تلك الصفات إل القليل منهم‬
‫وهم الذين آمنوا بموسى عليه الصلة والسلم والتزموا‬
‫بمـا جاء بـه ، قال سـبحانه : امنهـم أمـة مقتصـدة وكثيـر‬
‫منهـم سـاء مـا يعملون م ولذلك نجـد القرآن وهـو يذكـر‬
‫ص ـفات اليهود ل يعم ـم الحك ـم عليه ـم ، ب ـل يفرّق بي ـن‬
 ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬                 ‫ـ‬
‫المؤمنين وغيرهم نوجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا‬
‫اوترى كثيرا منه ـــم‬
   ‫ـ‬                       ‫ص ـــبروا وكانوا بآياتن ـــا يوقنون‬
                                     ‫ـ‬                     ‫ـ‬
‫يسـارعون فـي الثـم والعدوان وأكلهـم السـحت لبئس مـا‬


                             ‫-31-‬
‫اقل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّ‬       ‫كانوا يعملون‬
‫أن آمن ّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم‬
                                           ‫فاسقون ن .‬

‫إن فقــــه هذه الحقائق والتعامــــل معهــــا جزء مــــن‬
‫اسـتراتيجية التعامـل مـع اليهود والغفلة عـن ذلك سـتؤدي‬
‫إلى خلل فــي التصــور والعتقاد والعمــل ، ممــا يؤخــر‬
‫حسـم المعركـة ويطيـل أمدهـا ؛ لن مـا بنِـيَ على خطـأ‬
              ‫ُ‬
                                        ‫فمآله إلى بوار .‬
                         ‫الصراع في فلسطين صراع قديم :‬

‫الصـراع هناك لم يكـن وليـد اليوم ، وإنمـا له جذوره فـي‬
‫التاريـخ ، ولم يكـن ذلك الصـراع صـراعا عرقيا أو قوميا ،‬
‫وإنما هو صراع بين الحق والباطل ، بين صاحب الحق‬
‫وبين الدخيل ، بين الكفر والسلم ، وبيت المقدس كان‬
‫على مرّ التاريـخ ملكا للمسـلمين ، وهـم النـبياء وأتباعهـم‬
‫الموحدون ، وعندما تزيـغ طائفة عـن هذا الطريق يبعث‬
‫ا مـن المؤمنيـن مـن يعيـد الحـق إلى نصـابه والبيـت إلى‬
‫أهله ، بـل قـد يبعـث ا مـن يؤدب أولئك الذيـن خرجوا‬
‫عـــن دينـــه وانحرفوا عـــن ســـبيله وطغوا واســـتكبروا‬
‫وقضينـا إلى بنـي إسـرائيل فـي الكتاب لتفسـدن فـي‬
                                          ‫ـ‬
‫الرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا . فإذا جاء وعد أولهما‬



                          ‫-41-‬
‫بعثن ـا عليك ـم عبادا لن ـا أولي بأس شدي ـد فجاس ـوا خلل‬
      ‫ـ‬       ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫الديار وكان وعدا مفعول ر وهكذا كان عندم ـا خرج بن ـو‬
 ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫إسرائيل عن دينهم وبغوا وطغوا بعث ا عليهم بختنصر‬
             ‫، فقتلهم شرّ قتلة فكانوا عبرة في التاريخ .‬

‫وبعدمـا خرج الروم عن دينهم ، وحرّفوا النجيـل أذن ا‬
‫للمســلمين بفتــح بيــت المقدس ، فأصــبحت وليــة مــن‬
‫وليات المسـلمين ل حـق للروم فيهـا سـوى القامـة التـي‬
                 ‫شرعها ا لهل الذمة بعقود وعهود .‬

‫ولمـا ضعفـت الخلفـة السـلمية نقـض النصـارى العهود‬
‫واستنجدوا ببني جلدتهم في الغرب ، فكان الصراع الذي‬
‫طال أمده حتــى قيــض ا لهذه المــة نور الديــن الذي‬
‫وضـع السـس لعودة بيـت المقدس إلى أهله ، ثـم جاء‬
‫صلح الدين فكان الفتح على يديه ، بعد معركة حطّين ،‬
‫فدخـل بيـت المقدس صـلحا كمـا دخلــه عمـر – رضـي ا‬
‫عنـــه - فارتفعـــت رايات التوحيـــد على رايات الصـــليب‬
‫والنواقيــس ، واســتمر المســلمون يســيطرون على تلك‬
‫الرض المباركــة حتــى ضعفوا مرة أخرى وابتعدوا عــن‬
‫دينهـم ، ودب ّـ الخلف بينهـم ، فجرت عليهـم سـنة ا فـي‬
‫الم ـم مولو أن أه ـل القرى آمنوا واتقوا لفتحن ـا عليه ـم‬
 ‫ـ‬       ‫ـ‬                           ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫بركات مـن السـماء والرض ولكـن كذبوا فأخذناهـم بمـا‬



                          ‫-51-‬
‫كانوا يكسبون ا فتحالفت قوى الكفر في أقطار الرض‬
‫وجاؤوا بهذه الشرذمـة ، عقوبـة مـن ا للمسـلمين على‬
                                   ‫فعلهم ولعلهم يرجعون .‬

‫إن المتأمـل لهذا الصـراع فـي جميـع فتراتـه يدرك طبيعـة‬
‫المعركــة ، وأنهــا بيــن الحــق والباطــل ، بيــن التوحيــد‬
‫والشرك ، بين الكفر واليمان ، لم تكن المعركة – أبدا –‬
‫عرقية ، أو قومية ، أو وطنية ، لم تكن بين جنس وجنس‬
‫، وقـبيلة وقـبيلة مـن أجـل أرض أو تراب ، إن إدراك هذه‬
‫الحقيقة يبين لنا كيف حدثت الهزيمة ولماذا تأخر النصر ،‬
‫وكيـف يتحقـق النتصـار ف إنـا لننصـر رسـلنا والذيـن آمنوا‬
‫يأولم ّا أصابتكم‬     ‫في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد‬
‫مصـيبة قـد أصـبتم مثليهـا قلتـم أنـى هذا قـل هـو مـن عنـد‬
                                              ‫أنفسكم م .‬

‫إننا إنْ لم ندرك هذا المر ، ونعرف سرّه ، سنكون كمن‬
‫يبحـث عـن الماء فـي أعالي الرمال ، بـل أصـدق مـن ذلك‬
‫أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا‬
                                   ‫جاءه لم يجده شيئا ه .‬

‫إن فقه هذه الحقيقة التي ل جدال فيها ول ريب ، يجعلنا‬
‫نضـع المور فـي نصـابها ونعيدهـا إلى جذورهـا ، ومـن‬
‫ذلك أننا عندما ندعم إخواننا في فلسطين إنما ندعمهم‬


                            ‫-61-‬
‫لننا وهم مسلمون ، كلنا في خندق واحد ، ديننا واحد ،‬
‫وقضيتنـا واحدة ، أمـا مـن عداهـم فهـم واليهود سـواء ،‬
‫سـواء أكانوا عربا أم عجما ؟ ولدوا فـي أرض فلسـطين‬
                                   ‫أو كانوا دخلء غرباء ؟‬

‫ومن ذلك أننا بسبب قوة الصراع واختلط الحق بالباطل‬
‫، وكثرة اللبس والتزييف قد ننكر حقائق ثابته ، خوفا من‬
‫أن العتراف بها يسلب الحق من أيدينا ، وليس هذا هو‬
‫الطريـق ، فمـا كان إنكار الحقائق وسـيلة لعادة الحـق‬
 ‫ـ‬             ‫ـ‬                      ‫ـ‬      ‫ـ‬
                          ‫وردّ الباطل في يوم من اليام .‬

‫فنجــد أن اليهود يتمســكون لثبات أن لهــم حــق فــي‬
  ‫ـ‬    ‫ـ‬    ‫ـ‬                ‫ـ‬                 ‫ـ‬
‫فلسـطين بمـا أحدثـه بعـض النـبياء فـي القدس- عليهـم‬
‫وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم – فنأتي فننكر حدوث‬
‫هذا المــر ، خوفا مــن ضياع الحــق مــن أيدينــا ، وهذا‬
‫مسـلك وعـر وطريـق ل يوصـل إلى الحـق ، وكان الجدر‬
‫والولى ، أن نبين أن ما أحدثه النبياء من بناء أو إصلح‬
‫فـي بيـت المقدس أو المسـجد القصـى أيّـا كان نوعـه أو‬
‫تاريخـه فهـو حجـة لنـا ، ودليـل إثبات لقضيتنـا ، لن النـبياء‬
‫مسلمون ، ل علقة ليهود اليوم بهم ، ول حجة لهم فيما‬
‫فعلوه ، ول نق ـف عنــد اختلف الســم ، فمــا بنــي فــي‬
                                       ‫ـ‬
‫المسجد فهو من المسجد ، ما دام من بناه نبيا أو رسولً‬



                            ‫-71-‬
‫قولوا آمنـا بالله ومـا أنزل إلينـا ومـا أنزل إلى إبراهيـم‬
‫وإســماعيل وإســحاق ويعقوب والســباط ومــا أوتــي‬
‫موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين‬
‫ٍما كان إبراهيم يهوديا‬       ‫أحدٍ منهم ونحن له مسلمون‬
‫ول نصـــرانيا ولكـــن كان حنيفا مســـلما ومـــا كان مـــن‬
‫المشركيـن. إن أولى الناس بإبراهيـم للذيـن اتبعوه وهذا‬
               ‫النبي والذين آمنوا وا ولي المؤمنين ي .‬

‫وأشير هنا إلى مسألة وقع فيها اللبس والخطأ عند كثير‬
‫من المسلمين ، وهو اعتقادهم بأن مسجد قبة الصخرة‬
‫ليـس مـن المسـجد القصـى ، وإنمـا مسـجد عمـر هـو‬
 ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬    ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬   ‫ـ‬
‫القصـى ، وحقيقـة المـر أن كل المسـجدين مـن القصـى‬
‫حيــث إن المســجد القصــى شامــل للمســجدين ولمــا‬
‫بينهمـا ، وهـو بناء سـليمان عليـه السـلم- وكـل ذلك ملك‬
                    ‫للمسلمين ، ل حق لحد غيرهم فيه .‬




                            ‫-81-‬
‫فكرة الدولة اليهودية :‬

‫عندمـا انحرف اليهود عـن الديـن الصـحيح الذي جاء بـه‬
 ‫ـ‬              ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬                ‫ـ‬
‫موســى – عليــه الصــلة والســلم – لم يســتقروا فــي‬
‫أرض ، ولم يملكوا وطنا ملكا شرعيا ، وإنمــــــــــا كانوا‬
‫يتنقلون فــي أصــقاع الرض ، فالتشرد مــن طــبيعتهم‬
       ‫ـ‬    ‫ـ‬                     ‫ـ‬     ‫ـ‬
                                  ‫والتفرق من خصائصهم .‬

‫وكانوا يستغلون مـا معهـم مـن بقيـة ديـن ونصـوص توراة‬
‫يســتفتحون بهــا على الذيــن كفروا ، وبهذا دخلوا يثرب ،‬
‫وتمكنوا من السيادة عند الوس والخزرج افلما جاءهم‬
‫مـا عرفوا كفروا بـه فلعنـة ا على الكافريـن ا وهكذا‬
‫ديدنهم فالمكر والخديعة سفينتهم ، واستغفال الشعوب‬
‫مطيتهم ، وعندما تم إجلؤهم من المدينة أول ً ، ثم من‬
‫جزيرة العرب ثانيا ، لم يسـتقروا فـي أرض ولم يجتمعوا‬
‫فـــي بلد، بـــل تفرقوا أيادي ســـبأ يوظلموا أنفســـهم‬
‫فجعلناهـم أحاديـث ومزّقناهـم كـل ممزّق إن فـي ذلك‬
     ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬
                                  ‫لية لكل صبار شكور ة .‬

‫لقـــــد عاش اليهود أقليات مســـــتضعفة فـــــي أرجاء‬
‫المعمورة لم يدخلوا بلدا إل أحدثوا في ـــــــه فس ـــــــادا‬
         ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫ويسـعون فـي الرض فسـادا وا ل يحبـ المفسـدين‬
          ‫ّ‬
‫ن ولم يسـتوطنوا بلدا إل كانوا مصـدرا للقلقـل والفتـن ،‬



                           ‫-91-‬
‫يســتمدون أمنهــم مــن خوف الخريــن ولذلك كرهتهــم‬
‫الشعوب ، لكــن لديهــم قدرة عجيبــة مبنيــة على الخداع‬
‫والدســائس والمؤامرات فــي إقناع الخريــن بحاجتهــم‬
‫إليه ـم ، ولذلك س ـيطروا على كثي ـر م ـن مقدرات المـم ،‬
   ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫وبخاصة القتصادية منها ، لما جبلوا عليه من حب ّ المال‬
‫وعدم التورع عـن أي وسـيلة تحقـق أهدافهـم ومآربهـم ،‬
‫والذي يتأمل في تاريخ اليهود منذ قديم الزمان يصل إلى‬
‫حقيقــة ل مراء فيهــا بأنهــم : إمــا أن يكونوا مســتعلين‬
‫جباريــن ظالميــن ، أو أقليــة محتقريــن مســتضعفين ،‬
‫والخيرة هـي السـمة السـائدة فـي تأريخهـم إل عندمـا‬
 ‫ـ‬         ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫كانوا أه ـل ذم ـة ف ـي حم ـى الس ـلم ، فق ـد كف ـل له ـم‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬     ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬
‫حقوقهـم ، ومنـع الخريـن مـن ظلمهـم ، ولكنهـم يخربون‬
                ‫بيوتهم بأيديهم فاعتبروا يا أولي البصار.‬

‫ولقـد وطـن اليهود أنفسـهم على هذا المـر ، ولم يكونوا‬
‫يحلمون بأن يعودوا أمــة لهــا شأن ، أو دولة لهــا كيان ،‬
‫ولذا فإن فكرة الدولة اليهوديـة فكرة طارئة ، لم يجتمـع‬
‫اليهود على اليمان به ـا ، ب ـل هناك معارض ـة قويــة لدى‬
            ‫ـ‬             ‫ـ ـ‬
‫كثيــر منهــم ؛ لقامــة الدولة اليهوديــة ، وكان على رأس‬
‫المعارضي ـن اليهودي اللمان ـي إنشتاي ـن ص ـاحب نظري ـة‬
 ‫ـ‬         ‫ـ‬    ‫ـ‬         ‫ـ‬                 ‫ـ‬
‫النسـبية المشهور ، ويصـل الذي يعارضون فكرة الوطـن‬
‫القومـي لليهود إلى أكثـر مـن ثلثـة ملييـن يهودي ، حيـث‬


                          ‫-02-‬
‫يرون أنهـا وسـيلة لجتماعهـم ليقتلوا ، كمـا يعرفون مـن‬
‫نصوص التوراة ، ويرون أن بقاءهم أقليات تسيطر على‬
‫مراكـــز النفوذ وأصـــحاب القرار ، دون أن يكونوا هـــم‬
‫البارزيـن والظاهريـن للناس أولى وآمـن ، ممـا يمكنهـم‬
         ‫ـ‬      ‫ـ‬                ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫مـــن اللعـــب على المتناقضات ، دون أن يضعوا بيـــض‬
                                 ‫الثعبان في سلة واحدة .‬

‫إذا صــاحب فكرة الوطــن القومــي هــم الملحدة مــن‬
‫اليهود ، وعلى رأسهم الصهيوني المعروف "هرتزل" ولم‬
‫تكـن فلسـطين هـي الخيار الول لهـم وإنمـا كانـت هناك‬
‫عدة دول منها أوغندا ، ولكن بعد دراسات دعمها الغرب‬
‫النصــــراني وجدوا أن أرض فلســــطين هــــي الرض‬
‫المناسبة لقامة دولتهم ، وبخاصة أن هناك نصوصا من‬
‫التوراة تخدمهم ، كالنصوص الواردة في يهودا والسامرة‬
          ‫، وأرض الميعاد ، وهيكل سليمان وهلم جرّا .‬

‫ويكفي أن نعلم أن نسبة اليهود الذين في فلسطين بعد‬
‫الهجرات المتوالية التي نظمتها الوكالة اليهودية وتعاونت‬
‫معهـا الدول الكـبرى لم تتجاوز ٠٢% مـن عدد اليهود فـي‬
‫العالم ، ولول التعاون الدولي والعتماد على النصـــوص‬
‫التوراتيـة لترغيـب الهجرة إلى فلسـطين لمـا تحقـق نصـف‬
‫هذا العدد ، وممـا هـو جديـر بالذكـر أنـه إلى قبيـل نهايـة‬



                          ‫-12-‬
‫القرن التاسع عشر – أي قبل المؤتمر اليهودي الذي قرر‬
‫إقامة الدولة اليهودية في فلسطين – لم يكن يوجد في‬
     ‫فلسطين من اليهود ســوى )٤٢( ألف يهودي فقط .‬

                                       ‫وهنا سؤال مهم :‬

                    ‫هل إسرائيل دولة دينية أو علمانية ؟‬

‫والجواب باختص ـار : إن إس ـرائيل دولة علماني ـة عنص ـرية‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬                  ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫قامــــت على فكرة دينيــــة أي أن حكومات إســــرائيل‬
‫حكومات علمانيـــة اســـتغلت الديـــن اليهودي لتحقيـــق‬
‫أهدافهـا ، وهذا المـر ليـس بدعا فـي التاريـخ ، فكـم مـن‬
‫دولة قامــت معتمدة على الديــن ، وهــي عــن الديــن‬
‫بمعزل ، ولذلك نجد كثيرا من الدول العلمانية المعاصرة‬
‫إذا واجهته ــا الزمات وخاف ــت أن ينفض ــّ م ــن حوله ــا‬
  ‫ـ‬        ‫ـ‬                 ‫ـ‬               ‫ـ‬
‫الناس ، اسـتغلت الديـن ولوّـحت بنصـوصه س فإذا ركبوا‬
‫فـي الفلك دعوا ا مخلصـين له الديـن فلمّـا نجاهـم إلى‬
                                 ‫البر إذا هم يشركون ر .‬

     ‫والتاريخ يكرر نفسه ، ولكن أكثر الناس ل يعقلون .‬
                                  ‫مراحل قيـــام إســرائيل :‬

‫كان عدد اليهود فـي فلسـطين فـي نهايـة القرن التاسـع‬
‫عشـر ل يزيـد عـن خمسـين ألفا، بـل كانوا قبـل عشريـن‬



                          ‫-22-‬
‫سـنة مـن هذا التاريـخ ل يزيدون عـن ٤٢ ألف يهودي ممـا‬
‫يؤكـد أن اليهود زرعوا فـي فلسـطين شوكا وليسـوا مـن‬
 ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬     ‫ـ‬                   ‫ـ‬
         ‫نبتها ، ولقد قامت إسرائيل على ثلث دعائم : -‬

                         ‫1.التخطيط اليهودي الماكر .‬

                                    ‫2.التآمر الدولي .‬

  ‫3.الخيانات العربية الضالعة بالولء للشرق والغرب‬
                                                   ‫.‬

‫وهيأ لنجاح هذا الثالوث ضعف المسلمين وتفرقهم ، بل‬
‫وتناحرهم وبخاصة بعد سقوط الدولة العثمانية ، بل إن‬
‫القومييــن العرب ضالعون فــي مؤامرة إســقاط الدولة‬
                                               ‫العثمانية .‬

     ‫ويُمكن أن تختصر مراحل قيام إسرائيل بما يلي : -‬

  ‫1.المؤتمـر اليهودي فـي سـويسرا عام ٧٩٨١م الذي‬
             ‫أقرّ قيام وإنشاء وطن قومي لليهود .‬

  ‫2.وع ــد بلفور – وزي ــر خارجي ــة بريطانيـــا – عام‬
                      ‫ـ‬         ‫ـ‬               ‫ـ‬
  ‫٧١٩١م الذي وعــد اليهود بإنشاء وطــن قومــي‬
                                 ‫لهم في فلسطين .‬




                          ‫-32-‬
‫3.قرار عصـبة المـم عام ٢٢٩١م بوضـع فلسـطين‬
  ‫تحـت النتداب البريطانـي ممـا سـاعد بريطانيـا –‬
  ‫بدعم دولي – على الوفاء بوعدها بإنشاء وطن‬
                        ‫قومي لليهود في فلسطين .‬

  ‫4.مؤتمر سايكس بيكو وتقسيم الدول إلى مناطق‬
    ‫استعمارية للدول الكبرى بعد الحرب العالمية .‬

                   ‫5.قيام دولة إسرائيل عام ٨٤٩١م .‬

‫وبين تلك المراحل أحداث كبرى ل تخفى على من يعنى‬
                                             ‫بتلك القضية.‬
‫هــل كان هناك جهاد فــي فلســطين ؟ ونظريــة الدولة التــي ل‬
                                                      ‫تقهر‬

‫منذ دخل اليهود إلى فلسطين وبدأوا في تنفيذ مخططهم‬
‫لقامـة دولته ـم ، بدأ الجهاد هناك ، واتخ ـذ اشكال ً عدة ،‬
               ‫ـ‬                           ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫وعلى رأس ـها القتال المس ـلح وغالبا بص ـورة م ـا يس ـمى‬
  ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬             ‫ـ‬               ‫ـ‬
‫حرب العصــــابات وكان يقوى حينا ويضعــــف أحاييــــن‬
‫أخرى ، كـل هذا مـن داخـل فلسـطين ، أمـا مـن خارجهـا‬
‫فلم يكــن هناك أي مواجهــة مــع اليهود إل الجهاد الذي‬
‫قام بـه المسـلمون بعـد قيام إسـرائيل وهـو مـا يسـمى‬
‫بكتائب الخوان وهي مواجهة محدودة أحبطها القوميون‬
‫قبــل اليهود ، وكذلك كانــت هناك معارك خاطفــة كمــا‬


                           ‫-42-‬
‫حدث فـي الكرامـة ونحوهـا ، أمـا مـا عدا ذلك فلم تدخـل‬
‫إسـرائيل فـي أي حرب حقيقيـة مـع العرب – سـوى عام‬
‫٣٧٩١م – وهـــــي حرب ذات أهداف محددة ، ولذلك لم‬
  ‫يسمح بتجاوزها عندما تحققت تلك الهداف وأهمها :‬

  ‫1.تحري ـك الوض ـع الذي كان يس ـيطر علي ـه الجمود‬
          ‫ـ‬        ‫ـ‬              ‫ـ‬       ‫ـ‬
                                          ‫آنذاك .‬

  ‫2.إعادة سـيناء إلى مصـر عربونا لن تتزعـم مصـر‬
                                ‫محادثات السلم .‬

         ‫3.تهيئة المنطقة لمرحلة السلم مع اليهود .‬

‫أم ـا م ـا عدا ذلك فلم تك ـن هناك مواجهات حقيقي ـة م ـع‬
 ‫ـ ـ‬                        ‫ـ‬                 ‫ـ ـ‬
‫اليهود، يقول أمين الحافظ وهو رجل علماني كان رئيسا‬
‫لسـوريا فـي الخمسـينات : "لم يدخـل جيـش مـن الجيوش‬
‫العربيــــة الحرب مــــع إســــرائيل عام ٨٤٩١م إل كتائب‬
                                            ‫الخوان" .‬

‫وقـد شهـد مثـل هذه الشهادة بهجـت أبـو غربيـة وهـو مـن‬
‫المعاصرين للحداث المتخصصين في قضية فلسطين ،‬
‫والذي يرجـع إلى مراكـز البحوث المتخصـصة يدرك هذه‬
           ‫ـ‬               ‫ـ‬          ‫ـ‬
                            ‫الحقيقة بالدلة والبراهين .‬




                         ‫-52-‬
‫أمـا عام ٧٦٩١م فلم تكـن هناك أي مواجهـه بـل ضُربـت‬
‫الطائرات العربيـة وهـي جاثمـة على الرض وكثيـر مـن‬
 ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬      ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫قادتهــا فــي الملهــي والحانات ، وتــم احتلل ســيناء‬
‫والجولن والضفـــة الغربيـــة فـــي ســـاعات معدودة ،‬
                    ‫ومراجع التاريخ خير شاهد على ذلك .‬

‫إذا فنظريــة الدولة التــي ل تقهــر حدثــت مــع الهزيمــة‬
‫النفســية التــي حلّت بالعرب وهــي مــن صــنع العلم‬
‫العَربــي قبــل غيره ، وكانــت جزءا مــن الســتراتيجية‬
         ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬              ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫اليهوديــة فــي حرب المســلمين ، وإشاعــة الرعــب فــي‬
‫قلوبهـم ، نمّاهـا وقوّاهـا الخيانات العربيـة المتواليـة التـي‬
‫تزعمهــــــا القوميون والعلمانيون وحلفاء اليهود مــــــن‬
‫المنافقيـن ، انسـجاما مـع ولئهـم للشرق والغرب ، حيـث‬
‫كانوا ينفذون مـــا يمليـــه عليهـــم أســـيادهم حماة دولة‬
                                         ‫إسرائيل وصنّاعها.‬

‫وإل ّ فاليهود أذل وأحقر من أن تكون لهم دولتهم التي ل‬
‫تقهــر ، والقرآن الكريــم وصــف نفســية اليهود وجبنهــم‬
‫اضربت عليهم الذلة‬       ‫وصفا لم يصف به أحدا من البشر‬
‫أينمــا ثقفوا إل بحبــل مــن ا وحبــل مــن الناس وباؤا‬
‫بل‬        ‫بغضــب مــن ا وضربــت عليهــم المســكنة‬
‫يقاتلونكـم جميعا إل فـي قرى محصـنة أو مـن وراء جدر‬



                            ‫-62-‬
‫بأسـهم بينهـم شديـد تحسـبهم جميعا وقلوبهـم شتـى م‬
‫واليات فــي هذا الســياق كثيرة واضحــة ، فكيــف يكون‬
‫لليهود كيان ل يقهـر ، ولو أتيـح للمسـلمين أن يدخلوا حربا‬
‫حقيقية مع اليهود لما ثبتوا ساعة من نهار ةلن يضروكم‬
‫إل أذى وإن يقاتلوك ـم يولوك ـم الدبار ث ـم ل ينص ـرون ل‬
     ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫هذا كلم الحــق ســبحانه ، ومــن أصــدق مــن ا قيل ،‬
‫ومن أصدق من ا حديثا ، وتأمل قوله سبحانه : نلنتم‬
‫أشدّ رهبــة فــي صــدورهم مــن ا ذلك بأنهــم قوم ل‬
‫يفقهون ن لتعلم خرافــة دولة إســرائيل التــي ل تقهــر ،‬
‫ولتعلم أن واقعهــا الن مصــداق لقوله تعالى : موحبــل‬
‫مـــــن الناس ن فلول هذا الحبـــــل مـــــن الناس لكان‬
                                  ‫للمسلمين معها شأن آخر.‬

‫ومـا فعله ويفعله أطفال الحجارة مـع اليهود ، مـن أقوى‬
‫البراهيـن المعاصـرة على تعريـة تلك المزاعـم وسـقوط‬
                             ‫دعوى إسرائيل التي ل تقهر.‬
                                  ‫استراتيجية حماية إسرائيل :‬

‫إســرائيل دولة عنصــرية غريبــة غيــر مندمجــة مــع مــن‬
‫حولهـا ، فهـي خليـط مـن شعوب يهوديـة غيـر متجانسـة ،‬
‫متفاوت ـــة ف ـــي بيئته ـــا الجتماعي ـــة ، متعددة العراق‬
                   ‫ـ‬             ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫والديانات والمذاهــب ، تنخــر فيهــا الطبقيــة والحزبيــة‬
                              ‫ـ‬        ‫ـ‬



                           ‫-72-‬
‫ةتحســبهم جميعا‬     ‫مجتمعــة الجســام مختلفــة القلوب‬
‫وقلوبهم شتى م ومع ذلك فهي أقلية في وسط بيئة غير‬
‫بيئتهـا وأرض غيـر أرضهـا ، مـع مـا يحمله ذلك الشعـب –‬
‫صــاحب الرض – مــن عداء تاريخــي لهــا ، له أســبابه‬
‫ودواعيـه ، وتلك الدولة واقعـة بيـن دول تتوجـس منهـم‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬                       ‫ـ‬
‫ويتوجســـون منهـــا ، وهـــي تعلم أن شعوب تلك الدول‬
‫تنتظر اللحظة التاريخية للنقضاض عليها ، وإعادة الحق‬
‫إلى نصـابه ، وإسـرائيل تفقـه هذه الحقيقـة مهمـا حاول‬
  ‫بعض حكام المنطقة أن يشعروها بالحماية والمان .‬

‫وهي مع ذلك ل تملك مقومات الدولة المستقرة المنة ،‬
‫وإنمـا تعتمـد على الدعـم الخارجـي اللمحدود ، عسـكريا‬
                ‫واقتصاديا وسياسيا من الشرق والغرب .‬

‫وتعامل ً مـع هذه الحقيقـة ، وإدراكا لهذا الواقـع مـن قبـل‬
‫إســرائيل وحلفائهــا طرحــت عدة مشاريــع اســتراتيجية‬
‫لحمايـة إسـرائيل وترسـيخ أقدامهـا ، وتجنيبهـا المخاطـر‬
 ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬    ‫ـ‬
                                    ‫والمفاجآت أهمها : -‬

                                 ‫1.إســرائيل الكبرى .‬

              ‫2.تفتيت المنطقة )الدويلت والطائفية(.‬

                                 ‫3.مرحلة الســــلم .‬



                          ‫-82-‬
‫4.الشرق أوسطية .‬

‫أمـا النظريـة الولى فقـد ثبـت فشلهـا واسـتحالتها ، وذلك‬
‫أنهــا لم تســتطع أن تحافــظ على أمنهــا واســتقرارها‬
        ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫وسيطرتها على رقعة صغيرة ، ل تعادل إل نسبة صغيرة‬
‫من مخطط إسرائيل الكبرى ، فكيف تستطيع أن تحافظ‬
‫على أضعاف ذلك ، وقد أدرك زعماء إسرائيل فشل تلك‬
                     ‫الستراتيجية قبل حلفائها وخصومها.‬

‫أمـا النظريـة الثانيـة فمـع مـا تحقـق فيهـا مـن نجاح محدود‬
‫فقـد أدرك الجميـع صـعوبة العتماد عليهـا ، وبخاصـة بعـد‬
‫حرب لبنان التي كانت منطلقا لتحقيق تلك الستراتيجية ،‬
‫ثـم جاءت الحرب العراقيـة اليرانيـة ، ثـم حرب الخليـج،‬
  ‫ـ‬           ‫ـ‬     ‫ـ‬         ‫ـ‬                    ‫ـ‬
‫ومحاولة تفكيـك العراق، كـل تلك الحداث ونتائجهـا أثبتـت‬
‫فشل هذه الستراتيجية وصعوبة تحقيقها ، وأنها لم تكن‬
‫بالسهولة التي رسمها المخططون لها ، ولذلك فل يمكن‬
‫العتماد عليها لحماية أمن إسرائيل واستقرارها ، وأن ما‬
‫تحق ـق م ـن تلك النظري ـة كان له س ـلبياته على إس ـرائيل‬
     ‫ـ‬              ‫ـ‬           ‫ـ‬             ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫نفسـها ، حيـث إن إحاطتهـا بدول صـغيرة ضعيفـة يسـهل‬
‫اختراقها ويشكل هما لسرائيل نفسها ، وإسرائيل تدرك‬
‫قبــل غيرهــا أن مصــلحتها أن تحاط بدول قويــة حليفــة‬
            ‫تسهر على حمايتها وردع من يريد بها سوءا .‬



                           ‫-92-‬
‫أما مرحلة الســلم ، فسيأتي الحديث عنها لحقا .‬

‫بقيـت النظريـة الرابعـة )الشرق أوسـطية( وهـي نظريـة‬
‫سـياسية حديثـة ، جاءت مـن قبـل حلفاء إسـرائيل عندمـا‬
‫أدركوا صعوبة نجاح الستراتيجيات الخرى ، وقد تزعمها‬
 ‫"شمعون بيريـز" رئيـس وزراء إسـرائيل سـابقا ، ووزيـر‬
‫خارجيتهـا حاليا زعيـم حزب العمـل ، والمرشـح للعودة‬
        ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫لرئاســة حكومــة إســرائيل مســتقبل ً إذ إن شارون جاء‬
‫لمهمـة محدودة سـيرحل بعـد تنفيذهـا ، كمـا رحـل سـلفه‬
    ‫)نتــن ياهــو( حيــث إن هؤلء يشكلون حرجا لحلفاء‬
       ‫إسرائيل المدعين للديموقراطية وحرية الشعوب.‬

‫وقد بدأت هذه النظرية قبل عدة سنوات ، وكان من أبرز‬
‫ميادينهـا – المؤتمـر القتصـادي – الذي عقـد فـي المغرب‬
‫والقاهرة والدوحة ، مع عقد تحالفات اقتصادية مع عدد‬
                                    ‫من دول المنطقة .‬

‫والعولمـة القادمـة ، وبالخـص منظمـة التجارة العالميـة‬
     ‫قد تساهم في دفع هذه السترايتجية إلى المام .‬

‫وهـــــي تقوم على أن تندمـــــج دول المنطقـــــة على‬
‫اسـتراتيجية اقتصـادية وسـياسية ل ترتكـز على القوميـة أو‬
‫الديـــن ، بـــل على رقعـــة جغرافيـــة محدودة )الشرق‬
                                             ‫الوسط(.‬


                         ‫-03-‬
‫وهذه النظريــة ترعاهــا أمريكــا وتدعمهــا دول الغرب ،‬
‫ويصـعب الجزم بمسـتقبلها حيـث إن المؤتمرات السـابقة‬
‫لم تحقـق النجاح المنشود ، ونجاحهـا يعتمـد على شكـل‬
‫مـا سـتكون عليـه المنطقـة بعـد إعادة ترتيبهـا فـي ظـل‬
‫المتغيرات الدوليــة الجديدة واليام القادمــة حبلى بكــل‬
                      ‫جديد ، نسأل ا أن يكفينا شرها .‬
                              ‫هل اليهود والنصارى حلفاء ؟‬

‫الدارس للتاريخ يدرك شدة العداء بين اليهود والنصارى ،‬
‫فمنـذ محاولة قتـل عيسـى – عليـه الصـلة والسـلم – ثـم‬
‫رفعه بعد ذلك ، والعداء مستحكم بين الطرفين ، والتهم‬
‫تتوالى بينهما ، واستمر المر على ذلك منطلقا من عقيدة‬
‫صلبة ذكرها القرآن ةوقالت اليهود ليست النصارى على‬
‫شيـء وقالت النصـارى ليسـت اليهود على شيـء وهـم‬
 ‫ـ‬    ‫ـ‬               ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ‬
                                          ‫يتلون الكتاب ن.‬

‫وقـد شهـد التاريـخ صـورا مروعـة مـن بطـش النصـارى‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬    ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬   ‫ـ‬        ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫باليهود ، لن اليهود أقليــة والنصــارى أكثريــة ، وبخاصــة‬
‫العداء م ــع الكاثولي ــك ، وعندم ــا دخ ــل الرومان بي ــت‬
  ‫ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫المقدس جعلوه مقبرة لليهود ، وعندما سقطت الندلس‬
‫– وكان اليهود يعيشون بأمان في ظل الحكم السلمي‬
‫- بطــش بهــم النصــارى حتــى فروا إلى تركيــا ، وهــم‬



                           ‫-13-‬
‫المعروفون بيهود الدونمــة ، الذيــن ســاهموا مســاهمة‬
‫فعالة في سقوط الدولة العثمانية وليس خبر مصطفى‬
‫كمال عنــا ببعيــد ، وجزوا التراك جزاء ســنمار ، وفــي‬
‫أوروبا بطش بهم كثير من حكام الغرب ، وخاصة هتلر ،‬
‫وهذه حقيقة يجب العتراف بها ، لكن اليهود بالغوا فيها‬
‫وفــي وصــفها ، مــن أجــل اســتغلل الغرب واســتجلب‬
‫عطــف العالم ، ودفــع التاوات وبخاصــة مــن ألمانيــا ،‬
‫وإنكار هذه الحقيق ـة لي ـس منهجا علميا ، والعتدال ه ـو‬
 ‫ـ‬                           ‫ـ ـ‬
                                                 ‫الصحيح .‬

‫هذه صـورة موجزة عـن علقـة اليهود بالنصـارى ، ولكـن‬
‫ق ـد يس ـأل س ـائل فيقول : بماذا نفس ـر قوله تعالى ف ـي‬
 ‫ـ‬               ‫ـ‬                      ‫ـ‬     ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫ســورة المائدة : ة يــا أيهــا الذيــن آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
          ‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض... ى الية‬
                    ‫فالجواب من وجهين ذكرهما المفسرون :‬
                                              ‫الوجه الول :‬

‫ذكره البغوي وابـن أبـي حاتـم وغيرهمـا ، ومعناه أنهـم‬
 ‫ـ‬              ‫ـ‬        ‫ـ‬     ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫أولياء بعــض ف ـي العون والنص ـرة إذا كان المــر يتعلق‬
                       ‫ـ‬              ‫ـ‬
‫بالمسلمين فهم يد واحدة ضدهم وفي حربهم وخلفهم‬
                                                           ‫.‬
                                             ‫الوجه الثاني :‬


                            ‫-23-‬
‫وهـو أقوى - مـع أنـه ل يخالف الوجـه الول – وقـد ذكره‬
‫صــاحب المنار فقال : ومعناه : أن اليهود بعضهــم أولياء‬
‫وأنصار بعض ، والنصارى بعضهم أولياء وأنصار بعض ،‬
‫ل أن اليهود أولياء وحلفاء النص ــارى ، والنص ــارى أولياء‬
           ‫ـ‬             ‫ـ‬
                                             ‫وحلفاء اليهود .‬

‫وبهذا يسـتقيم تفسـير آيـة البقرة وآيـة المائدة ، وأحداث‬
                  ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬
                                                     ‫التاريخ .‬

‫إذا العداء متأصــل بيــن الفريقي ــن وهذا ل يمنــع مــن‬
  ‫ـ‬    ‫ـ‬             ‫ـ‬           ‫ـ‬     ‫ـ‬
                 ‫اتحادهم ضد المسلمين ماضيا وحاضرا .‬

‫وقد حدث التغي ّر الكبير في العلقة بين اليهود والنصارى‬
‫بعـد ظهور حركـة الصـلح الدينـي التـي قام بهـا "مارتـن‬
‫لوث ـر" و "كالف ـن" وأضرابهم ـا ض ـد الكنيس ـة الكاثوليكي ـة‬
 ‫ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫البابويـة التـي كانـت تفرض هيمنتهـا على الديـن والحياة ،‬
‫ومـن ذلك احتكار تفسـير النصـوص الدينيـة ، فقـد طالبـت‬
‫الحركــة الصــلحية البروتســتانتية بالرجوع المباشــر إلى‬
‫النصــوص وترجمــة التوراة والنجيــل إلى اللغات الحيــة‬
‫كاللماني ـــة والفرنس ـــية والنجليزي ـــة. وهن ـــا اعتق ـــد‬
   ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬               ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫البروتسـتانت حرفيـة تلك النصـوص ومنهـا مـا يتعلق بوعـد‬
‫ا لبراهيـم عليـه السـلم وذريتـه بأن يعطيهـم الرض‬
‫الواقعـة بيـن الفرات والنيـل ، وغيـر ذلك مـن النصـوص‬
  ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬              ‫ـ ـ‬


                             ‫-33-‬
‫الت ـي تفضّ ـل اليهود على غيره ـم وتعطيه ـم الح ـق فـي‬
 ‫ـ‬   ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬                  ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫العودة إلى فلســـطين حســـب مـــا هـــو فـــي التوراة‬
‫المحرفـة ، ومـن هنـا نشأت الحركـة الصـهيونية فـي أول‬
‫وقـد تفاقـم خطـر‬                 ‫أمرها نصرانية ل يهودية .‬
‫الصـهيونية النجيليـة فـي العقديـن الخيريـن مـن القرن‬
       ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬
‫العشريـن وأصـبحت مـن أكـبر قوى الضغـط فـي أمريكـا‬
‫وأصــبح لزعمائهــا مكانــة متميزة ل ســيما فــي الحزب‬
    ‫ول‬                                       ‫الجمهوري .‬
‫يزال اليهود غيــر الصــهاينة ومعهــم الكاثوليــك وغيرهــم‬
‫يعادون هذه الحركــة كمــا أن التجاه الليــبرالي يعاديهــا‬
‫بشدة لسـباب أخرى ، لكـن كثيرا مـن الزعماء يداهنونهـا‬
                                  ‫لمآرب سياسية وغيرها.‬
‫وعلى كـل حال ل يسـتطيع أي باحـث أن يتجاهـل البعـد‬
‫الدينـي فـي المواقـف السـياسية للدول البروتسـتانتية مثـل‬
‫أمريكـا وبريطانيـا وألمانيـا ، وقـد سـاعد على ذلك اختراق‬
‫الصــــهيونية للفاتيكان نفســــه الذي وصــــل إلى إعلن‬
‫المجمــع المســكوني الشهيــر عــن تــبرئة اليهود مــن دم‬
‫المســيح عليــه الســلم أي تكذيــب نصــوص أناجيلهــم‬
‫وإبطال عقيدتهـم التـى اعتقدوهـا نحـو ألفـي سـنة ، هذا‬
‫م ـع أن الدول الص ـليبية ف ـي الجملة تعت ـبر الس ـلم ه ـو‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬       ‫ـ‬             ‫ـ‬        ‫ـ‬               ‫ـ‬
‫العدو التاريخـي الدائم لهـا وترى فـي الحضارة السـلمية‬



                          ‫-43-‬
‫النـد والمقاب ـل للحضارة الغربيـة عام ـة بوجهيهـا الدينـي‬
 ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬                ‫ـ‬          ‫ـ‬
                                               ‫والعلماني .‬
                                        ‫لماذا لم ننتصر ؟ :‬

‫والنتصــار الذى نتحدث عنــه ، ونســعى إليــه هــو إخراج‬
‫اليهود مـــن فلســـطين وتخليـــص بيـــت المقدس مـــن‬
‫قبضتهــم ، وإقامــة دولة الس ـلم التــي تحكــم بشريعــة‬
                         ‫ـ‬
                          ‫محمد د في الرض المباركة .‬

‫والنتصـار بهذا المفهوم لم يتحقـق بعـد ، جريانا مـع سـنة‬
‫ا في المم، حيث إن عوامل النصر قد تخلفت فتخلفت‬
‫ا أو لمـا أصـابتكم مصـيبة قـد أصـبتم مثليهـا قلتـم‬   ‫آثارهـا‬
‫ى ومـا أصـابكم‬       ‫أنـى هذا قـل هـو مـن عنـد أنفسـكم‬
      ‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ن .‬

‫إنه من السهل جدا أن نعيد عوامل الهزيمة إلى عدونا ،‬
‫ولكـن ليـس هذا هـو الطريـق الذي يوصـل إلى تحقيـق‬
         ‫أهدافنا ، وإنما هو تسلية للذات وتبرير للهزيمة .‬

‫ل يسـتطيع أحدٌ أن ينكـر دور أعدائنـا فيمـا حـل بنـا ، ولكـن‬
‫هل ينتظر من العداء والخصوم إل ّ ذاك ، هل نتوقع من‬
‫خصـمنا أن يسـلّم لنـا فلسـطين على طبـق مـن ذهـب ، أو‬
                 ‫يمكننا من رقابه نتصرف بها كيف شئنا ؟‬



                            ‫-53-‬
‫إننـا مـن أجـل أن نحقـق النصـر الذي ننتظـر لبـد أن نكون‬
‫صـرحاء مـع أنفسـنا صـادقين مـع بعضنـا ، نشخّـص الداء‬
‫دون مجاملة أو مواربة أو تبعيض ، فعندما وقعت بعض‬
‫الهزائم – وهـــي محدودة – فـــي عهـــد النـــبي م نزل‬
‫الوحــي يحدد مكامــن الهزيمــة الداخليــة التــي أحدثــت‬
‫الهزيمة الخارجية ةويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم‬
‫تغـن عنكـم شيئا وضاقـت عليكـم الرض بمـا رحبـت ثـم‬
‫إذ تحسـونهم بإذنـه حتـى‬     ‫وليتـم مدبريـن م وفـي أحـد‬
‫إذا فشلتم وتنازعتم في المر وعصيتم من بعد ما أراكم‬
‫مـا تحبون منكـم مـن يريـد الدنيـا ومنكـم مـن يريـد الخرة‬
                          ‫ثم صرفكم عنهم ليبتليكم م .‬

‫أرأيتم هذا البيان وهذا التحديد لعوامل الهزيمة ليس فيه‬
‫إشارة واحدة إلى قوة العداء ومخططاتهــم وتربصــهم‬
‫بالمؤمنيــن لن هذا مــن المــر المســلم بــه الذى جرى‬
‫تقريره فـي مواضـع أخرى هودّ الذيـن كفروا لو تغفلون‬
‫عـن أسـلحتكم وأمتعتكـم فيميلون عليكـم ميلة واحدة ن‬
‫ل يرقبون فــــي مؤمــــن إل ً ول ذمــــة وأولئك هــــم‬
     ‫نعضوا عليكم النامل من الغيظ ا.‬            ‫المعتدون‬

‫وخلصـة المـر ، أننـا أضعنـا فلسـطين لضاعتنـا لمـر ا ،‬
‫اوما أصـابكم‬    ‫فما وقع بلء إل بذنب ول رفع إل بتوبة‬



                          ‫-63-‬
‫نأو‬      ‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‬
                   ‫يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ن .‬

‫وقال ل : ) إذا تبايعتــــم بالعينــــة ، ورضيتــــم بالزرع ،‬
‫وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد ، سلّط ا عليكم ذلً‬
               ‫ل ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم( الحديث.‬
      ‫أ ّا لماذا تأخر النصر فأسبابه كثيرة أهمها ما يلي : -‬
                                                       ‫م‬

  ‫1.أننــا لم نتلف أســباب ضياع فلســطين ، وبقينــا‬
  ‫على بعدنـــا عـــن ا وتفريطنـــا فـــي أوامره‬
  ‫ونواهيه ، سواء في داخل أنفسنا وبيوتنا وأسرنا‬
  ‫، أو فــي عموم حياتنــا ومجتمعنــا ، ومشركــو‬
    ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ـ‬
  ‫المــس أحســن حال ً مــن كفار زماننــا ، فأولئك‬
  ‫اإذا ركبوا فــي الفلك دعوا ا مخلصــين‬          ‫كانوا‬
  ‫له الديـن ه أمّـا هؤلء فزاد بلؤهـم وطغيانهـم‬
  ‫وحربهم لله ورسوله ، وتعقبهم للمجاهدين في‬
                   ‫سبيله ، وركنوا إلى الذين ظلموا.‬

  ‫2.تفرق المسلمين ، وبالخص الجماعات الجهادية‬
  ‫، وهذا الخلف والتفرق أذه ـب ريحـ ـها وأوه ـن‬
   ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬
  ‫مـــن عزيمتهـــا نول تنازعوا فتفشلوا وتذهـــب‬
                                          ‫ريحكم م .‬




                            ‫-73-‬
‫3.عدم وجود خطــة اســتراتيجية شاملة لمواجهــة‬
‫اليهود ، وإنمـــا هـــي ردود أفعال، أو اســـتجابة‬
‫لظروف معينــة ، أو اســتثمار لفرص محدودة ،‬
                    ‫ـ‬          ‫ـ‬
               ‫تنتهى بانتهاء أسبابها ، ودواعيها .‬

‫4.ضعـف المنهـج وعدم خلوصـه مـن الشوائب لدى‬
‫كثير من الدعاة والجماعات السلمية والجهادية‬
‫منهـا بالخـص ، وتفاوتهـا باللتزام بمنهـج أهـل‬
 ‫ـ‬    ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫السنّة والجماعة ، ولذلك تورط بعضها بتحالفات‬
‫واتفاقات مشبوه ـــة ، م ـــع بع ـــض المنظمات‬
            ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬
      ‫العلمانية وغيرها كالروافض والنصيريين .‬

‫5.عدم إدراكنـا لطبيعـة المعركـة مـع اليهود ، وأنهـا‬
‫معركـــــة عقيدة وديـــــن والنخداع ببعـــــض‬
‫الستراتيجيات الغربية ، والمساهمة في تنفيذها‬
‫كالســلم والتطــبيع والتعايــش الســلمي ، ممــا‬
                         ‫أضاع علينا زمنا طويل ً .‬

‫6.انشغال الشعوب المسلمة بقضايا أخرى صرفتها‬
‫ع ـن القضي ـة الس ـاس واشغلته ـا بنفس ـها ع ـن‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫عدوهـا ، ممـا زاد فـي ضعفهـا وتفرقهـا وهوانهـا‬
                               ‫وتناحرها فيما بينها .‬




                        ‫-83-‬
‫7.عدم الخ ـذ بأس ـباب القوة الحقيقي ـة ، والتخب ـط‬
   ‫ـ‬           ‫ـ‬                  ‫ـ‬      ‫ـ‬
  ‫فـي هذا المـر ، ممـا مكـن العدو مـن أن يحقـق‬
                             ‫أهدافه بيسر وسهولة .‬

  ‫8.الهزيمـة النفسـية ، والسـتجابة لمـا يبثـه العلم‬
  ‫الغربـي والعربـي مـن أن دولة إسـرائيل دولة ل‬
  ‫تقه ـر ، س ـاهم ف ـي ذلك الخيانات العربي ـة ف ـي‬
   ‫ـ ـ‬                         ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬
  ‫دخولها معارك مع إسرائيل ثم النسحاب أمامها‬
  ‫دون حرب حقيقيــــة ، وإل لو صــــدقت العزائم‬
  ‫لعرفنـا وأدركنـا خرافـة الدولة التـي ل تقهـر ، ومـا‬
  ‫تحطيم خط بارليف عنا ببعيد ، مع ما نسج حوله‬
  ‫مـــن خيالت وأوهام ، وإذا هـــو يتهاوى فـــي‬
     ‫ـ‬            ‫ـ‬                         ‫ـ‬
  ‫سـاعات معدودة ، ممـا يثبـت أن مفاتيـح النصـر‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬                    ‫ـ‬
  ‫ا وليـنصرنّ‬     ‫بأيدينا لو أردنا ذلك وأخذنا بأسبابه‬
                ‫ا من ينصره إن ا لقوى عزيزا.‬
         ‫في التجـــاه الصحيــح ]انتصارات على الطريق [ :‬

‫ومـع كـل مـا ذكـر مـن مآس وجراحات وآللم ، ومـع مـا‬
‫نعيشــه ويعيشــه إخواننــا فــي فلســطين – اليوم – مــن‬
‫مصـائب تدع الحليـم حيرانـا ، فإن هناك بشائرا أصـبحت‬
   ‫ـ‬                      ‫ـ‬       ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫تلوح فـي الفـق ، تبشـر بأن المة بدأت تسـير فـي التجاه‬
‫الصحيح وتحققت انتصارات ل يستهان بها هي من أهم‬



                            ‫-93-‬
‫الخطوات نحو النتصار الحقيقي بل ل يمكن أن يتحقق‬
‫ذلك النتصار بدونها ، وقد لحظت أن الكثير ممن يتطرق‬
‫لقضيـة فلسـطين لم ينتبـه أو ينبـه لهـا مـع أهميتهـا وآثارهـا‬
‫على المدى القريــــب والبعيــــد وهذه الحقائق التــــي‬
‫ســأذكرها ، ممــا يســاهم فــي إبعاد اليأس والقنوط ،‬
‫ويشيـع المـل والتفاؤل فـي النفوس ، حيـث إن النفوس‬
‫اليائسة والمتشائمة ل يمكن أن تنتصر على غيرها ، فإذا‬
‫كانـت عاجزة عـن النتصـار على ذاتهـا فهـي عـن النتصـار‬
   ‫على عدوّها أعجز. . وأهم هذه المكاسب ما يلي : -‬

‫أول ً : كانـت المنظمات الفلسـطينية قبـل ثلثيـن سـنة تمل‬
‫السـاحة ضجيجا وصـراخا بأنهـا سـتحرر فلسـطين ، وهذه‬
‫المنظمات خليـط عجي ـب مـن المنظمات المنحرف ـة ع ـن‬
 ‫ـ ـ‬                      ‫ـ‬   ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫الصـراط المسـتقيم فمنهـا القوميـة والبعثيـة والشيوعيـة‬
 ‫ـ‬          ‫ـ‬                  ‫ـ‬                  ‫ـ‬
‫والوطنيـة ، وقليـل منهـا السـلمية ، وكان كثيـر مـن الناس‬
‫يحسـن الظـن بهذه المنظمات ويرى أنهـا قـد تسـاهم فـي‬
‫تحريـر فلسـطين ، ولذلك وجدت الدعـم والتأييـد البشري‬
‫والمالي والسـياسي مـن قبـل بعـض المسـلمين ، وظلوا‬
‫ينتظرون تحرير بيت المقدس على أيدى تلك المنظمات ،‬
    ‫وقد وقع هؤلء الذين أحسنوا الظن بها في الخطأ .‬




                            ‫-04-‬
‫إن هذه المنظمات منظمات عميلة للشرق والغرب‬
‫ولي ـس لديه ـا أي برنام ـج جاد للحرب م ـع إس ـرائيل ، ب ـل‬
 ‫ـ‬          ‫ـ‬     ‫ـ‬              ‫ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫ليـس لديهـا أي برنامـج صـادق لتحريـر فلسـطين ، وإنمـا‬
‫هي منظمات ذات مصالح خاصة ، ومن ثم فإنه ل يمكن‬
‫لمثـل هذه المنظمات أن تحرر فلسـطين ، ول ينتظـر منهـا‬
‫ذلك ، ومــع ذلك فكان هناك مــن يحســن الظــن بهــا‬
  ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬                  ‫ـ‬
‫وينتظــر أن يكون الفرج على يديهــا ، فضاع علينــا زمــن‬
‫طويـل ، وأهدرت أنفـس وأموال ، وجعلت الثقـة فـي غيـر‬
                                                    ‫أهلها .‬

‫والنتص ــار الذي تحق ــق ه ــو س ــقوط تلك المنظمات ،‬
                   ‫ـ‬     ‫ـ‬     ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫وسـقوط برامجهـا الكاذبـة ومـن ثـم سـقوط الثقـة بهـا‬
 ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬   ‫ـ ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫وانكشافهــــا على حقيقتهــــا ، ولم يبــــق إل المنظمات‬
‫الجهاديـة التـي تعلن قديما وحديثا أن الجهاد فـي سـبيل‬
‫ا هـو الطريـق الصـحيح لتحريـر فلسـطين ومـا بقـي مـن‬
‫منظمات غيــر إســلمية فهــي فــي طريقهــا إلى الزوال‬
‫وســبب بقائهــا يعود لســباب ســياسية والناس يفقدون‬
‫ثقته ــم به ــا يوما بع ــد يوم ، وك ــل يوم تقدم دليل ً على‬
                      ‫ـ‬            ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬
                             ‫فشلها وضلوعها في الخيانة .‬

‫ويتب ـع هذا النتص ـار – حي ـث ه ـو قري ـب من ـه – س ـقوط‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬    ‫ـ‬        ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫دعوى الحكومات العربيـة – وبخاصـة الثوريـة منهـا – التـي‬



                            ‫-14-‬
‫كانـت تزعـم أنهـا سـتحرر فلسـطين ، بـل وترمـي إسـرائيل‬
‫فـي البحـر ، والمؤسـف أن الناس قـد صـدقوا ذلك حينهـا ،‬
‫ومـا علموا أنهـا شعارات كاذبـة ، ومزايدات مكشوفـة ثـم‬
‫تكشفـت اليام عـن مؤامرات هؤلء ومحادثاتهـم السـرية‬
‫مـع اليهود ، وولءهـم للشرق والغرب ، وأن مؤتمراتهـم‬
‫ليسـت إل لسـكات الشعوب ، وامتصـاص غضبهـا ، وهـي‬
‫بهذا تتواط ـأ م ـع العدو ف ـي تحقي ـق أهداف ـه ، وثب ـت أن‬
    ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬
‫أكثرهـــم صـــراخا ، وأعلهـــم صـــوتا أشدهـــم عمالة‬
‫وأعمقهـــم ولء ، وإل ّ فأيـــن نتائج وثمار تلك المؤتمرات‬
                                  ‫على مدى خمسين سنة .‬

‫إن الوصـــــول إلى هذه الحقيقـــــة فيمـــــا يتعلق بتلك‬
‫المنظمات وهذه الحكومات يع ــد انتص ــارا باهرا ، مم ــا‬
  ‫ـ‬                ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫يجعـل المـة تسـير فـي التجاه الصـحيح ، وتبحـث عـن‬
 ‫ـ‬   ‫ـ‬                       ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫طوق النجاة عنـد غيـر هؤلء ، وهذه مرحلة مهمـة مـن‬
 ‫ـ ـ‬                         ‫ـ‬    ‫ـ‬
  ‫مراحل الطريق الطويل المؤدي إلى النصر بإذن ا .‬

 ‫ثانيا : بعد سنوات طويلة من المعارك الوهمية والهزائم‬
    ‫المتوالية أمام إسرائيل وبعد الصراخ وبيانات الشجب‬
    ‫والستنكار التي تصدرها القمم العربية ترسخت ، بل‬
 ‫رسخت لدى الشعوب قناعة بأن إسرائيل دول ل تقهر ،‬
 ‫تولى كبرها العلم العربي الذي أوصل المة إلى هذه‬



                           ‫-24-‬
‫الهزيمة النفسية ، ومن هنا كثر الحديث بأنه يستحيل‬
       ‫إخراج إسرائيل من فلسطين ، وأن استمرارنا بهذا‬
 ‫الطريق يعني مزيدا من الخسائر والهزائم ، ولذلك بدأت‬
 ‫مرحلة خطيرة ، حيث طرحت استراتيجيات كبرى تطالب‬
      ‫بالسلم والتعايش مع العدو ، وتطبيع العلقات مع‬
   ‫الصهاينة ، وما كان أحد يستطيع أو يجرؤ على الحديث‬
  ‫عنها قبل ٠٣ سنة تقريبا ، ولو فعل لتهم بالخيانة وبيع‬
 ‫القضية ، وإن ننس فل ننسى مؤتمر الخرطوم المسمى‬
         ‫بمؤتمر اللءات الثلث "ل صلح ، ل اعتراف ، ل‬
                                             ‫مفاوضات" .‬

‫وبعـد حرب رمضان بدأت مرحلة السـلم )سـلم القوياء(‬
‫- زعموا – وكان الســـــــــــــادات عراب هذه المرحلة ،‬
‫والعجيب كيف كان موقف العرب من رحلة السادات ثـم‬
‫كيـف أصـبح ، فمـا هـي إل سـنوات وإذا العرب يسـيرون‬
‫بالطريق نفسه الذي سار به السادات ، وأن موقفهم بعد‬
‫رحلتــه المشؤمــة لم يكــن إل مشهدا ضمــن المســرحية‬
‫الطويلة ، مـن أجـل ترويـض الشعوب وامتصـاص غضبهـا‬
‫ثــــم تهيئتهــــا للمرحلة المقبلة ، وهكذا كان ، فبدأت تلك‬
‫المرحلة العصيبة من تاريخ المة ، وتسابق العرب وفي‬
‫مقدمتهـم قادة فلسـطين مـن العلمانييـن وأشباههـم لبيـع‬
‫فلســــطين وإنهاء القضيــــة إلى البــــد –زعموا – وإذا‬


                           ‫-34-‬
‫المؤتمرات تعقــد مــع زعماء اليهود ، والمفاوضات على‬
‫قدم وســـاق ، ثـــم تلهـــا توقيـــع المعاهدات ، وفتـــح‬
‫الســفارات فــي بعــض الدول العربيــة ، وبدأت الزيارات‬
‫الثنائيـــة ، والعقود التجاريـــة ، وأصـــبحت مصـــطلحات‬
‫الســلم ، والتطــبيع ، والتعايــش مــع اليهود مصــطلحات‬
‫تتكرر على مسـامعنا ، ويشدو بهـا العلم صـباح مسـاء ،‬
‫وتعقـد لهـا المؤتمرات – ول تزال – وكانـت هناك أصـوات‬
‫أخرى تـبين أن هذا ليـس هـو الطريـق لتحريـر فلسـطين ،‬
‫وإنهاء القضيـة ، ولم يسمع لتلك الصـوات في حينها وما‬
‫هــي إل ســنوات محدودة ، فإذا أركان الســلم تتهاوى ،‬
‫والعهود تنقـض – مـن قبـل اليهود أنفسـهم - ، ول عجـب‬
‫فـي ذلك فالذيـن نقضوا عهودهـم مـع ربهـم وأنـبيائهم ،‬
‫أينتظر منهم أن يفوا بعهودهم مع أعدائهم ؟ رأو كلما‬
‫عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ا ولكن العرب ل يعقلون‬
‫ول يتعلمون ، وما ذاك إل لبعدهم عن كتاب ربهم وسنة‬
‫نـبيهم ، وإل فالقرآن قـد كشـف عـن هذه الحقيقـة وركـز‬
                                 ‫عليها في مواضع عدة .‬

‫وفي السنّة قصة أسلف هؤلء من بني قريظة والنضير‬
‫وبني قينقاع ومعاهدتهم لرسول ا ي ثم نقضهم لتلك‬
‫العهود والمواثيــق ، وخياناتهــم المتكررة فــي التاريــخ‬




                          ‫-44-‬
‫ماضيا وحاضرا مــــن أقوى الدلئل على طبيعــــة هؤلء‬
                     ‫وسجيتهم ولكن قومي ل يفقهون .‬

‫والنتصــار الذي بدأ يتحقــق ، هــو الفشــل المبكــر لتلك‬
‫الستراتيجيات ، حيث لم يعد لها تلك القوة والزخم الذي‬
‫طرحــت بــه ، وتراجــع منظّروهــا إلى الخلف بعــد أن‬
     ‫ـ‬               ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫أوقعتهـم إسـرائيل فـي حرج شديـد أمام شعوبهـم ، ومـع‬
‫أن العرب لم يعلنوا هزيمتهـــم بعـــد ، ول يزالون يلهثون‬
‫خلف ســــــــراب الســــــــلم ، فإن هذه المرحلة وتلك‬
‫السـتراتيجيات قـد أعلنـت مبكرا عـن فشلهـا ، والمـر يسـير‬
‫في هذا التجاه ، ولو كابر المكابرون ، وأصر المعاندون‬
‫، فإن ذلك لن يغيـر مـن الحقيقـة شيئا ، وقـد تأسـف أميـن‬
‫جامعــة الدول العربيــة لفشــل مرحلة الســلم ، وطالب‬
‫بعـض النواب فـي الردن بوضـع خطـة للنسـحاب مـن‬
 ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬    ‫ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫معاهدة الس ــلم التـــي س ــبق أن وقعهـــا الردن مـــع‬
                           ‫ـ‬              ‫ـ‬
                                              ‫إسـرائيل.‬

‫إن الوصـول إلى هذه الحقيقـة على مسـتوى المـة أمـر‬
‫مهــم ، وانتصــار حقيقــي حيــث يصــعب الوصــول إلى‬
‫النتصــار الكــبر دون تحقيــق هذه النتيجــة ، وذلك أن‬
            ‫ـ‬             ‫ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫إفلس جميع النظريات والستراتيجيات التي ل تسير في‬
‫التجاه الصحيح يختصر الطريق ويوحّـد الجهود ، ويقربنـا‬



                          ‫-54-‬
‫م ــن الوص ــول إلى الغاي ــة المنشودة [ وا غالب على‬
                         ‫ـ‬              ‫ـ‬        ‫ـ‬
                    ‫أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون ه.‬
                                                   ‫ثالث ً :‬
                                                     ‫ا‬

‫مـن النجازات المهمـة التي تحققـت فـي معركتنـا الطويلة‬
‫مــع اليهود تهاوي دعوى "إســرائيل التــي ل تقهــر" على‬
‫أيدي أطفال الحجارة ، وتحقيقه ـــم لم ـــا عج ـــز عن ـــه‬
   ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫الجنرالت وأصحاب الوسمة والنياشين ، بل هدم ما بناه‬
‫أولئك الزعماء والقادة الذيـن على أكتافهـم قامـت نظريـة‬
‫"الدولة التـي ل تقهـر" إن سـقوط تلك الدعوى فـي غايـة‬
‫الهمية ، وذلك لن قيامها والترويج لها أدخل المة في‬
‫هزيمــة نفســية حرجــة ، اســتغلها المتآمرون مــع اليهود‬
‫لتقدي ــم تنازلت ضخم ــة ، بدعوى المحافظــة على م ــا‬
  ‫ـ‬         ‫ـ‬                  ‫ـ‬              ‫ـ‬
‫يمكـن الحفاظ عليـه ، وإنقاذ مـا يمكـن إنقاذه لننـا أمام‬
‫دولة ل تقهـر فمـن العبـث اسـتمرار الصـراع معهـا ، فجاء‬
‫هؤلء الطفال يحملون بأيديهـم الحجارة وعلى ألسـنتهم‬
‫كلم ــة )ا أك ــبر( تدوي ف ــي الفاق وتهت ــز له ــا قلوب‬
       ‫ـ‬      ‫ـ‬              ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫الظالمي ـن خوفا ورعبا [ وم ـا رمي ـت إذ رمي ـت ولك ـن ا‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬                  ‫ـ‬
                                                 ‫رمى ].‬

‫وأعجـب مـن ذلك وأقوى أثرا هذا الصـمود العجيـب مـن‬
‫قبــل أولئك الطفال بالرغ ــم مــن البطــش والتنكيــل‬
  ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬    ‫ـ‬                      ‫ـ‬



                          ‫-64-‬
‫والعذاب الذى يصــــبّه اليهود صــــبا على هؤلء الفتيــــة‬
‫وأسـرهم وبيوتهـم ولم يكـن القربون فضل ً عـن العداء‬
‫يتصـورون اسـتمرار تلك المواجهـة أكثـر مـن أيام أو بضعـة‬
‫أســابيع ، وإذا هــي وقــد مرّ عليهــا بضعــة أشهــر تزداد‬
‫اشتعال ً وقوة ، علما أن المواجهة الولى لم يمض عليها‬
‫إل عدة س ــنوات م ــع م ــا حدث فيه ــا م ــن مآس وآلم‬
           ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬     ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫وجراحات توقع المراقبون أل ّ تعود إل بعد سنوات طويلة‬
‫لقسـوة بطـش العدو وخذلن الصـديق ، ولكـن على قدر‬
                                  ‫أهل العزم تأتي العزائم .‬

‫إن فــي تلك المعركــة التــي خاضـــها ويخوضهــا أولئك‬
‫البطال من الدروس والعبر ما نحن بأمس الحاجة إليه‬
‫من أجل بناء رؤية شرعية متفائلة لمواجهتنا الطويلة مع‬
‫اليهود [ لقــد كان فــي قصــصهم عــبرة لولى اللباب [‬
                             ‫]فاعتـبروا يا أولي البصار ].‬
                                                   ‫رابع ً :‬
                                                     ‫ا‬

‫وأهم تلك النتصارات ، وأبعدها أثرا هو الوصول إلى أن‬
‫الطريـق الوحيد لتحريـر بيت المقدس وتخليـص فلسـطين‬
‫مــن اليهود هــو الجهاد فــي ســبيل ا ، نعــم الجهاد ل‬
‫غيــر ، وهذه القناعــة لم تكــن تحدث عنــد كثيــر مــن‬
‫المسـلمين إل بعـد فشـل جميـع النظريات والسـتراتيجيات‬



                           ‫-74-‬
‫الخرى ، ولن المــر لم يصــل إلى نهايتــه فــي فشــل‬
‫مرحلة السلم ، حيث ل يزال هناك فئات من الناس ترى‬
‫ف ــي الس ــلم مخرجا وعلجا ، لذلك فهناك م ــن ل يرى‬
        ‫ـ‬                               ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫الجهاد طريقا وســبيل ً . ولكننــي أتحدث عــن المبشرات‬
           ‫ـ‬
‫والنجازات ، حيــــث إن البدايات توصــــل إلى النهايات ،‬
‫وفرق ك ـبير بي ـن الذي ـن كانوا ل يرون الجهاد س ـبيل ً قب ـل‬
 ‫ـ‬         ‫ـ‬                        ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫عشـر سـنوات ، وبيـن مـن يطالب بـه الن. لقـد كثـر مـن‬
‫يطالب بالجهاد ، وأنـه هـو السـبيل لتحريـر فلسـطين حتـى‬
‫رأينــا ذلك مــن بعــض الكتاب الذيــن لم يعرف عنهــم‬
‫الحديـــث فـــي مثـــل هذه المور ، بـــل بعـــض الكتاب‬
‫المنحرفيــن ، والذيــن كانوا قبــل فترة يســيرة ينظّرون‬
‫لمرحلة الســلم والتعايــش مــع اليهود فإذا هــم اليوم‬
        ‫ـ‬                ‫ـ‬    ‫ـ‬           ‫ـ‬
    ‫يطالبون بقتال اليهود ، حيث ل يصلح معهم إل ذاك .‬

‫إنن ـي أدرك أن الوص ـول إلى هذه القناع ـة لي ـس بالم ـر‬
 ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                      ‫ـ‬               ‫ـ‬
‫السـهل ، حيـث يقـف ضدهـا الشرق والغرب ، وتبعا لذلك‬
‫يوحون إلى أوليائهــم بمحاربــة هذه النظريــة والوقوف‬
‫ضدها بكل سبيل ، وذلك أنهم يدركون خطورتها وأثرها‬
‫على مسـار القضيـة ، ومـن هنـا فإننـي أرى أن أي تجاوب‬
‫مـع تلك القناعـة – بأن الجهاد هـو الحـل – على مسـتوى‬
‫المـة يعدّ انتصـارا ولو كان يسـيرا ، كيـف وهـو أكـبر مـن‬




                            ‫-84-‬
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية
رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية

More Related Content

What's hot

مراقد ذرية الرسول في ايران
مراقد ذرية الرسول في ايرانمراقد ذرية الرسول في ايران
مراقد ذرية الرسول في ايرانmasjonjaw15
 
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)محاسن الإسلام لمحات من
 
قصص القران
قصص القرانقصص القران
قصص القرانAlbandry al
 
قصص القرآن
قصص القرآنقصص القرآن
قصص القرآنguest22de04
 
3 Stories From Quraan (Arabic)
3 Stories From Quraan (Arabic)3 Stories From Quraan (Arabic)
3 Stories From Quraan (Arabic)haithamo
 

What's hot (15)

مراقد ذرية الرسول في ايران
مراقد ذرية الرسول في ايرانمراقد ذرية الرسول في ايران
مراقد ذرية الرسول في ايران
 
Mohammed ppuh
Mohammed ppuhMohammed ppuh
Mohammed ppuh
 
وصايا للمسافر
وصايا للمسافروصايا للمسافر
وصايا للمسافر
 
من قصص الصالحين
من قصص الصالحينمن قصص الصالحين
من قصص الصالحين
 
آخر وصايا الرسول
آخر وصايا الرسولآخر وصايا الرسول
آخر وصايا الرسول
 
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
 
قصص القران
قصص القرانقصص القران
قصص القران
 
قصص القران
قصص القرانقصص القران
قصص القران
 
قصص القران
قصص القرانقصص القران
قصص القران
 
قصص+القرآ[1]
قصص+القرآ[1]قصص+القرآ[1]
قصص+القرآ[1]
 
قصص القرآن
قصص القرآنقصص القرآن
قصص القرآن
 
قصص القرآن
قصص القرآنقصص القرآن
قصص القرآن
 
3 Stories From Quraan (Arabic)
3 Stories From Quraan (Arabic)3 Stories From Quraan (Arabic)
3 Stories From Quraan (Arabic)
 
Quran Story
Quran StoryQuran Story
Quran Story
 
قصص القرآن
قصص القرآنقصص القرآن
قصص القرآن
 

Similar to رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية

غزة ..عبرات وعِبر
غزة ..عبرات وعِبرغزة ..عبرات وعِبر
غزة ..عبرات وعِبرbasheer777
 
الصراع الإسلامي الصهيوني بنو اسرائيل في القرآن الكريم
الصراع الإسلامي الصهيوني  بنو اسرائيل في القرآن الكريمالصراع الإسلامي الصهيوني  بنو اسرائيل في القرآن الكريم
الصراع الإسلامي الصهيوني بنو اسرائيل في القرآن الكريمbasheer777
 
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريالقرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريEissa Eldeeb
 
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...ربيع أحمد
 
د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةbasheer777
 
albtar: isis
albtar: isis albtar: isis
albtar: isis broadca
 
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أول
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أولمذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أول
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أولأمنية وجدى
 
التحذير من انتشار دين الروافض
التحذير من انتشار دين الروافضالتحذير من انتشار دين الروافض
التحذير من انتشار دين الروافضOm Muktar
 
18 اليوم الثامن عشر من هاتور
18 اليوم الثامن عشر من هاتور18 اليوم الثامن عشر من هاتور
18 اليوم الثامن عشر من هاتورAt Minacenter
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001asrujacxtup
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001srujacxtup
 
آخر وصايا الرسول للمسلمين
آخر وصايا الرسول  للمسلمينآخر وصايا الرسول  للمسلمين
آخر وصايا الرسول للمسلمينTaha Rabea
 
Copy (2) of آخر وصايا الرسول للمسلمين
Copy (2) of آخر وصايا الرسول  للمسلمينCopy (2) of آخر وصايا الرسول  للمسلمين
Copy (2) of آخر وصايا الرسول للمسلمينTaha Rabea
 

Similar to رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية (20)

1
11
1
 
غزة و حصار قريش
غزة و حصار قريشغزة و حصار قريش
غزة و حصار قريش
 
غزة ..عبرات وعِبر
غزة ..عبرات وعِبرغزة ..عبرات وعِبر
غزة ..عبرات وعِبر
 
الصراع الإسلامي الصهيوني بنو اسرائيل في القرآن الكريم
الصراع الإسلامي الصهيوني  بنو اسرائيل في القرآن الكريمالصراع الإسلامي الصهيوني  بنو اسرائيل في القرآن الكريم
الصراع الإسلامي الصهيوني بنو اسرائيل في القرآن الكريم
 
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجريالقرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجري
 
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...
نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن الكريم و دلالته على نبوة محمد صلى الله ...
 
الفتور
الفتورالفتور
الفتور
 
4987
49874987
4987
 
د راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعةد راغب السرجاني المقاطـعة
د راغب السرجاني المقاطـعة
 
albtar: isis
albtar: isis albtar: isis
albtar: isis
 
وحي من جهة مصر 1
وحي من جهة مصر 1وحي من جهة مصر 1
وحي من جهة مصر 1
 
غزوة الخندق
غزوة الخندقغزوة الخندق
غزوة الخندق
 
4300
43004300
4300
 
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أول
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أولمذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أول
مذكرة أ. علاء إمام تربية إسلاميةللصف السادس ترم أول
 
التحذير من انتشار دين الروافض
التحذير من انتشار دين الروافضالتحذير من انتشار دين الروافض
التحذير من انتشار دين الروافض
 
18 اليوم الثامن عشر من هاتور
18 اليوم الثامن عشر من هاتور18 اليوم الثامن عشر من هاتور
18 اليوم الثامن عشر من هاتور
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001aTafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001a
 
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
Tafsir ibnu katsir muhaqqoq 001
 
آخر وصايا الرسول للمسلمين
آخر وصايا الرسول  للمسلمينآخر وصايا الرسول  للمسلمين
آخر وصايا الرسول للمسلمين
 
Copy (2) of آخر وصايا الرسول للمسلمين
Copy (2) of آخر وصايا الرسول  للمسلمينCopy (2) of آخر وصايا الرسول  للمسلمين
Copy (2) of آخر وصايا الرسول للمسلمين
 

More from basheer777

أخي الطبيب قاطع
أخي الطبيب قاطعأخي الطبيب قاطع
أخي الطبيب قاطعbasheer777
 
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيكذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيbasheer777
 
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيكذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيbasheer777
 
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينbasheer777
 
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذليمذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذليbasheer777
 
الانسحاب من غزة
الانسحاب من غزةالانسحاب من غزة
الانسحاب من غزةbasheer777
 
الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون
الخطر اليهودي  بروتوكولات حكماء صهيونالخطر اليهودي  بروتوكولات حكماء صهيون
الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيونbasheer777
 
البعد الديني للقضية الفلسطينية
البعد الديني للقضية الفلسطينيةالبعد الديني للقضية الفلسطينية
البعد الديني للقضية الفلسطينيةbasheer777
 
اليهود يحكمون العالم 01
اليهود يحكمون العالم 01اليهود يحكمون العالم 01
اليهود يحكمون العالم 01basheer777
 
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداء
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداءسوف تبقى إسرائيل أول الأعداء
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداءbasheer777
 
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونى
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونىكيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونى
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونىbasheer777
 
قصتنا مع اليهود
قصتنا مع اليهودقصتنا مع اليهود
قصتنا مع اليهودbasheer777
 
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدسرسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدسbasheer777
 
ببليوجرافيا القضية الفلسطينية
ببليوجرافيا القضية الفلسطينيةببليوجرافيا القضية الفلسطينية
ببليوجرافيا القضية الفلسطينيةbasheer777
 
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطان
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطانالازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطان
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطانbasheer777
 
احاديث الشهادة والشهيد د نزار ريان
احاديث الشهادة والشهيد د نزار رياناحاديث الشهادة والشهيد د نزار ريان
احاديث الشهادة والشهيد د نزار ريانbasheer777
 
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى للشيخ سفر اب...
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى   للشيخ سفر اب...القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى   للشيخ سفر اب...
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى للشيخ سفر اب...basheer777
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرbasheer777
 
الاخوان المسلمون وحرب فلسطين
الاخوان المسلمون وحرب فلسطينالاخوان المسلمون وحرب فلسطين
الاخوان المسلمون وحرب فلسطينbasheer777
 
أنت وفلسطين
أنت وفلسطينأنت وفلسطين
أنت وفلسطينbasheer777
 

More from basheer777 (20)

أخي الطبيب قاطع
أخي الطبيب قاطعأخي الطبيب قاطع
أخي الطبيب قاطع
 
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيكذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
 
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسينيكذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
كذبة بيع الفلسطينين لأرضهم أمين الحسيني
 
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
 
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذليمذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
 
الانسحاب من غزة
الانسحاب من غزةالانسحاب من غزة
الانسحاب من غزة
 
الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون
الخطر اليهودي  بروتوكولات حكماء صهيونالخطر اليهودي  بروتوكولات حكماء صهيون
الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون
 
البعد الديني للقضية الفلسطينية
البعد الديني للقضية الفلسطينيةالبعد الديني للقضية الفلسطينية
البعد الديني للقضية الفلسطينية
 
اليهود يحكمون العالم 01
اليهود يحكمون العالم 01اليهود يحكمون العالم 01
اليهود يحكمون العالم 01
 
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداء
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداءسوف تبقى إسرائيل أول الأعداء
سوف تبقى إسرائيل أول الأعداء
 
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونى
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونىكيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونى
كيف تواجه الامة الاسلامية التحدى الصهيونى
 
قصتنا مع اليهود
قصتنا مع اليهودقصتنا مع اليهود
قصتنا مع اليهود
 
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدسرسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس
رسالة الى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس
 
ببليوجرافيا القضية الفلسطينية
ببليوجرافيا القضية الفلسطينيةببليوجرافيا القضية الفلسطينية
ببليوجرافيا القضية الفلسطينية
 
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطان
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطانالازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطان
الازهر بين الجدار والعار د صلاح سلطان
 
احاديث الشهادة والشهيد د نزار ريان
احاديث الشهادة والشهيد د نزار رياناحاديث الشهادة والشهيد د نزار ريان
احاديث الشهادة والشهيد د نزار ريان
 
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى للشيخ سفر اب...
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى   للشيخ سفر اب...القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى   للشيخ سفر اب...
القُدْسُ بَيْنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ .. وَالْوَعْدِ الْمُفْتَرَى للشيخ سفر اب...
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
 
الاخوان المسلمون وحرب فلسطين
الاخوان المسلمون وحرب فلسطينالاخوان المسلمون وحرب فلسطين
الاخوان المسلمون وحرب فلسطين
 
أنت وفلسطين
أنت وفلسطينأنت وفلسطين
أنت وفلسطين
 

رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية

  • 2. ‫كتبها فضيلة الشيخ‬ ‫أ.د ناصر بن ســليمان العمر‬ ‫-2-‬
  • 3. ‫إن الحم ـد لله نحمده ونس ـتعينه ونس ـتغفره، ونعوذ بالله‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مــن شرور أنفســنا وســيئات أعمالنــا، مــن يهده ا فل‬ ‫مضـل له، ومـن يضلل فل هادي له ، وأشهـد أن ل إله إل‬ ‫ا وحده ل شريـك له، وأشهـد أن محمدا عبده ورسـوله‬ ‫وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.‬ ‫يـا أيهـا الذيـن آمنوا اتقوا ا حـق تقاتـه ول تموتـن إل‬ ‫ميــا أيهــا الناس اتقوا ربكــم الذي‬ ‫وأنتــم مســلمون‬ ‫خلقكـم مـن نفـس واحدة وخلق منهـا زوجهـا وبـث منهمـا‬ ‫رجال ً كثيرا ونســــاءا واتقوا ا الذي تســــاءلون بــــه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ميــا أيهــا الذيــن‬ ‫والرحام إن ا كان عليكــم رقيبــا‬ ‫آمنوا اتقوا ا وقولوا قول ً سـديدا، يصـلح لكـم أعمالكـم‬ ‫ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع ا ورسوله فقد فاز فوزا‬ ‫عظيما ا.‬ ‫أمّا بعد :‬ ‫يعيـش إخواننـا فـي فلسـطين هذه اليام مرحلة عصـيبة‬ ‫مـن تاريخهـم ، فالسـتكبار اليهودي قـد بلغ أوجـه، وكشف‬ ‫شارون عــن وجــه بنــي صــهيون الحقيقــي، فالقتــل ،‬ ‫والتشريـد وهدم المنازل والحصـار القتصـادي الرهيـب ،‬ ‫-3-‬
  • 4. ‫وخامســها الخذلن المخزي مــن لدن المســلمين عامــة‬ ‫والعرب خاصــة لخوانهــم فــي فلســطين ، كــل هذه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الحوال تطرح سـؤال ً مهما : هـل لهذا المـر مـن نهايـة ؟‬ ‫وهل لهذه البلية من كاشفة ؟ ويتحدد السؤال أكثر : أين‬ ‫المخرج ؟ وم ـا ه ـو الس ـبيل ؟ وبخاص ـة وق ـد بلغ اليأس‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫مبلغـه فـي نفوس كثيـر مـن المسـلمين وبالخـص إخواننـا‬ ‫فـي فلسـطين وأصـبح التشاؤم نظريـة يروج لهـا البعـض ،‬ ‫مما زاد النفوس إحباطا، والهمم فتورا .‬ ‫وأقول : مــع مرارة الواقــع ، ووجهــه الســود الكالح ،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وامتداد هذا الليـل وتأخـر بزوغ الفجـر ، مـع مـا يحمله هذا‬ ‫الليــل مــن فواجــع ومواجــع مصــحوبا بالرعود والبروق‬ ‫والصـواعق والرياح العاتيـة ، كـل ذلك ل ينسـينا سـنن ا‬ ‫في الكون وأن الظلم مهما طال فلن يستمر ، وأن تقدم‬ ‫مدة الحمــل مؤذن بالولدة ، وســاعات الطلق الرهيبــة‬ ‫تعلن نهايـة المــعاناة ن فإن مـع العسـر يسـرا . إن مـع‬ ‫العسـر يسـرا ر و ) لن يغلب عسـر يسـرين ( حتـى إذا‬ ‫اسـتيأس الرسـل وظنوا أنهـم قـد كذبوا جاءهـم نصـرنا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين ي .‬ ‫وأقول بحـق : إن تلك الحداث المؤلمـة التـي يسـتخدمها‬ ‫المتشائمون واليائســون دليل ً على تشاؤمهــم ويأســهم ؛‬ ‫هــي نفســها مــن أقوى البراهيــن لديــّ على التفاؤل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫-4-‬
  • 5. ‫والنظرة إلى المسـتقبل بأمـل مشرق ، وعزيمـة صـادقة ،‬ ‫وثقة بوعد ا وقرب تحقق وقوعه ة أتى أمر ا فل‬ ‫تس ـــتعجلوه س ـــبحانه وتعالى عمــــا يشركون ه وهذا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫التفاؤل وتلك الثقـة لم تبـن على عاطفـة جياشـة مجردة‬ ‫مـن الدليـل ، سـرعان مـا تهتـز أمام ريـح عاتيـة ، أو تذبـل‬ ‫لطول الطريق وقلة الزاد وانفضاض المعين والرفيق بل‬ ‫هي قناعة مبنية على أسس عميقة الجذور ، من السنن‬ ‫الكونية التي ل تتخلف وآيات الكتاب الذي ل يأتيه الباطل‬ ‫مـن بيـن يديـه ول مـن خلفـه تنــزيل مـن حكيـم حميـد ،‬ ‫وكلم الصـادق المصـدوق الذي ل ينطـق عـن الهوى إن‬ ‫هـو إل وحـي يوحـى ، ففـي ظروف مشابهـة مـن تسـلط‬ ‫قريش وطغيانهم واستكبارهم مع ضعف المؤمنين وقلة‬ ‫المعيــن والناصــر ، أتــى الصــحابة إلى رســول ا ن‬ ‫يشكون حالهـــم ، ويطلبون منـــه الدعاء والســـتنصار ،‬ ‫وتحس من كلمهم بمرارة المعاناة واستطالة الطريق ،‬ ‫ا ينقلهـم نقلة أخرى ، نقلة الواثـق بربـه‬ ‫فإذا رسـول ا‬ ‫المؤمن بصدق وعده ) وا ليسيرن الراكب من صنعاء‬ ‫إلى حضرموت ل يخاف إل ا والذئب على غنمــــــــه ،‬ ‫ولكنكم تستعجلون ( نعم لقد تحقق هذا الوعد وصدق‬ ‫ا ورسـوله ، ولكـن ذلك لم يكـن بيـن عشيـة وضحاهـا ،‬ ‫بـل احتاج إلى زمـن طويـل مـن الجهاد والبلء ، فليسـت‬ ‫-5-‬
  • 6. ‫العـبرة متـى يتحقـق النصـر وإنمـا المهـم كيـف يتحقـق ،‬ ‫وبأى وسيلة يستجلب ؟ سواء طال الزمن أو قصر ، فلله‬ ‫المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ا‬ ‫ينصر من يشاء وهوالعزيز الرحيم .‬ ‫وفي ظل تلك الركان الصلبة ، سأقدم هذه الرؤية ، آملً‬ ‫أن تكون مســاهمة فــي رفــع تلك المعاناة المعنويــة ،‬ ‫المنبثقـة عـن المعاناة الحسـية التـي طال أمدهـا ، واسـود‬ ‫ليلها.‬ ‫إنن ـا مـن أج ـل أن نعرف كي ـف يتحق ـق النص ـر ، لب ـد أن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ندرك كيـف وقعـت الهزيمـة، ومـن أجـل أن نرسـم طريـق‬ ‫الخلص لبـد أن نعرف كيـف حدثـت المعاناة، ومـا بنـي‬ ‫ف ـي عشرات الس ـنين ل تنتظ ـر زواله بي ـن غمض ـة عي ـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وانتباهتها ؛ لن السنن الكونية تدل على غير ذلك ، فكما‬ ‫أن هناك أركانا للهدم ، فهناك أسـس للبناء ، ومـا شيدتـه‬ ‫الجاهليات المتعاقب ــة على مرور الزمان ، اقتض ــى وقتا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ليـس باليسـير حتـى هدمـه النـبياء والمصـلحون وأقاموا‬ ‫مكانـه بناء راسـخا ل تهزه الرياح هفلبـث فيهـم ألف سـنة‬ ‫لحتـى يقول الرسـول والذيـن آمنوا‬ ‫إل خمسـين عاما‬ ‫هوقل جاء‬ ‫معه متى نصر ا أل إ نّ نصر ا قريب‬ ‫الحـق وزهـق الباطـل إن الباطـل كان زهوقا ق ومتـى‬ ‫-6-‬
  • 7. ‫جاء الحـق وزهـق الباطـل ؟ بعـد جهاد وصـبر ومصـابرة‬ ‫وطول معاناة.‬ ‫وسـأسوق هذه الرؤيـة مسـلسلة بنقاط مسـتقلة ، تؤخـذ‬ ‫النتيجة من مجموعها ل من آحادها ، حيث يكمل بعضها‬ ‫بعضا، ويأخـذ بعضهـا برقاب بعـض، وأسـأل ا التوفيـق‬ ‫والسداد ، وأن يجعل لي فرقانا ينير لي الطريق ويدلني‬ ‫على مكامـن القوة والضعـف فيـه ، لدلّ قومـي إليـه فإن‬ ‫الرائد ل يكذب أهله .‬ ‫أرض فلسطين أرض أسلمية :‬ ‫فـي الحديـث الصـحيح الذى رواه أبـو ذر – رضـى ا عنـه‬ ‫– قال : قلت : يا رسول ا أي مسجد وضع في الرض‬ ‫أول ؟ فقال ل : ) المسجد الحرام ثم المسجد القصى‬ ‫( قلت : كـم كان بينهمـا ؟ قال : ) أربعون سـنة ( . وهذا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ول شـك قبـل بعثـة موسـى عليـه السـلم ، وإبراهيـم عليـه‬ ‫السـلم الذي رفـع مـع إسـماعيل القواعـد مـن البيـت هـو‬ ‫الذى عيّـن بأمـر ا مكان المسـجد القصـى وهـو الذي‬ ‫قال ا فيـه : لمـا كان إبراهيـم يهوديا ول نصـرانيا ولكـن‬ ‫كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ن.‬ ‫فالمسـجد القصـى على مرّ التاريـخ كان مسـجدا إسـلميا‬ ‫ومــن قبــل أن يوجــد اليهود ، ومــن بعــد مــا وجدوا ن‬ ‫-7-‬
  • 8. ‫سـبحان الذي أسـرى بعبده ليل ً مـن المسـجد الحرام إلى‬ ‫المسـجد القصـى الذي باركنـا حوله د وفلسـطين أرض‬ ‫النـبياء منهـم إبراهيـم وموسـى وعيسـى وزكريـا ويحـي‬ ‫وغيرهـم – عليهـم وعلى نبينـا أفضـل الصـلة والسـلم-‬ ‫نل‬ ‫وكلهـم مسـلمون مإن الديـن عنـد ا السـلم‬ ‫نفرق بيـن أحدٍ منهـم ونحـن له مسـلمون ق إذا فلسـطين‬ ‫أرض إسلمية ، ل حق لحد غير المسـلمين فيهاض إن‬ ‫الرض لله يورثها من يشاء من عـباده والعاقبة للمتقين‬ ‫.‬ ‫فعـن أبـي هريرة رضـي ا عنـه قال : بينمـا نحـن فـي‬ ‫المســجد ، إذ خرج إلينــا رســول ا د فقال : )انطلقوا‬ ‫إلى يهود( فخرجنا معه ، حتى جئناهم، فقام رسول ا‬ ‫فناداهـم ، فقال : )يـا معشـر اليهود أسـْلموا تَـسْلَموا(‬ ‫ا‬ ‫فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول ا‬ ‫: )ذلك أريـد ، أسـلِموا تسـلَموا( فقالوا : قـد بلغـت يـا أبـا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫القاسـم ، فقال لهـم م : )ذلك أريـد( فقال لهـم الثالثـة :‬ ‫)اعلموا أنمـا الرض لله ورسـوله ، وإنـي أريـد أن أجليكـم‬ ‫مـن هذه الرض ، فمـن وجـد منكـم بمـا له شيئا فليبعـه ،‬ ‫وإل ّ فاعلموا أن الرض لله ورسوله( رواه مسلم .‬ ‫-8-‬
  • 9. ‫وهذا منطلق مهـم ، وأرضيـة صـلبة يبنـى عليهـا مـا بعدهـا‬ ‫مـن مواقـف وتضحيات فليسـت قضيـة فلسـطين خاصـة‬ ‫بم ــن ولد على أرض فلس ــطين دون النظ ــر إلى دين ــه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وعقيدته ، بل هي قضية إسلمية تخص المسلمين أينما‬ ‫ولدوا ، وحيثمــا وجدوا ول شــك أن مــن ولد على أرض‬ ‫فلسطين من المسلمين تعنية القضية من باب أولى ومن‬ ‫لم يكن مسلما فل حق له في فلسطين ولو ولد فيها أبا‬ ‫عن جدّ .‬ ‫فعندمــا لحــق أحــد المشركيــن – مــن أهــل المدينــة –‬ ‫برسـول ا ل يريـد الدفاع عنهـا ، عندمـا جاءت قريـش‬ ‫يوم بدر ، وكان صــــــــاحب نجدة وبأس ، قال له م :‬ ‫) ارجــع فلن أســتعين بمشرك ( وعندمــا أعلن إســلمه‬ ‫وإيمان ــه ، أذن له رس ــول ا ه بالمشاركـــة قائل ً له :‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫) فانطلق (.‬ ‫يهود المس ويهود اليوم :‬ ‫بسـبب قوة الصـراع بيـن المسـلمين واليهود وبخاصـة على‬ ‫أرض فلسطين ، وما نراه صباح مساء من جرائم ترتكب‬ ‫فـي حـق إخواننـا فـي الداخـل ، ومـا يدّعيـه اليهود مـن‬ ‫الحــق التاريخــي فــي الرض المباركــة ، كــل ذلك أفرز‬ ‫بعـض الخطاء التـي وقـع فيهـا كثيـر مـن المسـلمين ، مـن‬ ‫-9-‬
  • 10. ‫الخلط بيــن يهود المــس الذيــن آمنوا بموســى – عليــه‬ ‫الص ــلة والس ــلم – وبي ــن يهود اليوم ، وهذا الخلط له‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫سـلبياته العقديـة والعمليـة ومـن هنـا كان لبـد مـن إيضاح‬ ‫بعـض المسـائل المهمـة فـي هذا السـياق ، أوجزهـا بمـا‬ ‫يلى :‬ ‫١ ـ ـ بن ـو إس ـرائيل الذي ـن آمنوا بموســى - عليــه الصــلة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والســــلم – غيــــر يهود اليوم فأولئك كانوا مســــلمين‬ ‫مؤمنيـن ، وهؤلء كفار مشركون تبعا لمـن كفـر بموسـى‬ ‫وخرج عـن شريعتـه ، وبنـو إسـرائيل هـم نسـل يعقوب –‬ ‫عليــه الصــلة والســلم – الذي قال ا عنــه وعنهــم :‬ ‫ووصــى بهــا إبراهيــم بنيــه ويعقوب يــا بنــي إن ا‬ ‫اصـطفى لكـم الديـن فل تموتـن إل وأنتـم مسـلمون ى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وانسـجاما مـع هذه الحقيقـة قال يوسـف – عليـه الصـلة‬ ‫والســـلم - : م واتبعـــت ملة آبائي إبراهيـــم وإســـحاق‬ ‫ويعقوب مـا كان لنـا أن نشرك بالله مـن شيـء ب والذيـن‬ ‫آمنوا بموسـى – عليـه الصـلة والسـلم – قال ا فيهـم :‬ ‫ولقـــد آتينـــا بنـــي إســـرائيل الكتاب والحكـــم والنبوة‬ ‫ورزقناهــم مــن الطيبات وفضّلناهــم على العالميــن م‬ ‫وقال فيهـم : لولقـد اخترناهـم على علم على العالميـن‬ ‫وجلعنـا منهـم أئمـة يهدون بأمرنـا لماّ‬ ‫د وقال فيهـم :‬ ‫كما‬ ‫صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ا وقال فيهم محمد‬ ‫-01-‬
  • 11. ‫فـي حديـث ابـن عباس الصـحيح : )عرضـت عليّـ المـم ،‬ ‫فرأيــت النــبي ومعــه الرهيــط ، والنــبي ومعــه الرجــل‬ ‫والرجلن ، والنـبي وليـس معـه أحـد ، إذ رفـع لي سـواد‬ ‫عظيــم فظننــت أنهــم أمتــي ، فقيــل لي : هذا موســى‬ ‫وقومـه( الحديـث. أمّـا الذيـن خرجوا عـن ملة موسـى فقـد‬ ‫وقعوا ف ــي الشرك كم ــا قال س ــبحانه : اوقالت اليهود‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫عزير بن ا ر وقال فيهم : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬ ‫أربابا من دون ا ا ثم قال : وما أمروا إل ّ ليعبدوا إلها‬ ‫واحدا ل إله إل ّ ه ـــو س ـــبحانه عمّ ـــا يشركون ا وقال‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫عنهـم : موقالت اليهود يـد ا مغلولة غلّت أيديهـم ولعنوا‬ ‫بمــا قالوا ا إذا فيهود اليوم ل علقــة لهــم بالذيــن آمنوا‬ ‫بموسى ـ عليه الصلة والسلم ـ ومن كتب لهم الرض‬ ‫المقدسـة وإنمـا هـم امتداد لمـن كفـر بموسـى والنـبياء‬ ‫مـن بعده ممـن حرّف التــوراة ، وخرج عـن ديـن التوحيـد‬ ‫وشـريعة موسى عليه الصلة والسـلم.‬ ‫٢ــ أغلب يهود اليوم ليسـوا مـن بنـي إسـرائيل ، بمعنـى أن‬ ‫الذيــن يحتلون فلســطين اليوم ليســوا مــن نســل بنــي‬ ‫إسرائيل الذين كانوا مع موسى عليه الصلة والسلم أو‬ ‫سـللتهم حيـث إن اليهود الذيـن يعتـبرون مـن نسـل بنـي‬ ‫إس ـرائيل وه ـم المعروفون بـ ـ) الس ـفاراديم ( ل يزيدون‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫عن ٠٢% من عدد اليهود في العالم ، مع ما داخل هذا‬ ‫-11-‬
  • 12. ‫العدد مـن امتزاج وتزاوج مـع جنسـيات وسـللت أخرى ،‬ ‫بمعنـى أن هذه النسـبة القليلة ليسـت نسـبة خالصـة مـن‬ ‫نسـل بنـي إسـرائيل ، أمّـا النسـبة الكـبرى مـن يهود اليوم‬ ‫والبالغة ٠٨% فليسوا من نسل اليهود الصليين ، بل هم‬ ‫مـن أصـول أوروبيـة وشرقيـة ومـن مختلف بلدان العالم ،‬ ‫وهـم المعروفون بــ )الشكنازيـم( حيـث دخلوا اليهوديـة‬ ‫ومـن‬ ‫بالتحول من دياناتهم الوثنية وغيرها.‬ ‫خلل هذه الحقيقــة التاريخيــة تســقط دعوى المحتليــن‬ ‫لفلسـطين بــ )الحـق التاريخـي( ويتضـح أنهـم محتلون ل‬ ‫عائدون ، وأن بلدهم وبلد آباءهـم هي تلك البلد التي‬ ‫قدموا منهـا ل التـي جاؤا إليهـا ، أمّـا النسـبة القليلة التـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫تعتبر من نسل بني إسرائيل فل حق لهم في فلسطين‬ ‫من وجهين :‬ ‫أو ً : أنه ـم خرجوا ع ـن دي ـن موس ـى الص ـحيح وحرّفوا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫التوراة ، وفلسطين أرض إسلمية ل حق لغير المسلمين‬ ‫فيها .‬ ‫ثاني ً : أن فلسـطين لم تكـن لبنـي إسـرائيل وإنمـا كانـت‬ ‫ا‬ ‫للجبارين ، وهم أهلها قبل بني إسرائيل ، وكتبها ا لبني‬ ‫إســرائيل وأذن لهــم بدخولهــا عندمــا كانوا على المنهــج‬ ‫الصحيح ، فلما انحرفوا ، سقط حقهم فيها.‬ ‫-21-‬
  • 13. ‫ومـــن خلل مـــا ســـبق تســـقط دعوى الحقـــّ‬ ‫التاريخي ، ويثبت بطلن هذه الدعوى جملة وتفصيل.‬ ‫٣ــ أن صـفات اليهود التـي ذكرهـا ا في القرآن ، ممتدة‬ ‫عـبر التاريـخ يتوارثونهـا جيل ً بعـد جيـل ، وأمـة بعـد أمـة ،‬ ‫وهي صفات الغدر والخيانة ، والجبن والبخل والدسائس‬ ‫والمؤامرات ، والعلو والســتكبار وغيرهــا مــن الصــفات‬ ‫التـي بينهـا ا سـبحانه وتعالى فـي القرآن ، وقـد تجلّت‬ ‫فـي اليهود الذيـن آذوا موسـى – عليـه الصـلة والسـلم –‬ ‫وخرجوا عــن شريعتــه ، وهــي صــفات جبليّــة خلقيــة‬ ‫ترسخت مع مرور الزمن وابتعادهم عن المنهج الصحيح‬ ‫، حتـى أصـبحت جزءا مـن دينهـم المحرّف وخصـائصهم‬ ‫الثابتــة ، يربّون عليهــا أبناءهــم يشبــّ عليهــا الصــغير ،‬ ‫ويشيـب عليهـا الكـبير ، ويُعلّمُـها مـن يدخـل فـي هذا الديـن‬ ‫من غيرهم ، ولم يسلم من تلك الصفات إل القليل منهم‬ ‫وهم الذين آمنوا بموسى عليه الصلة والسلم والتزموا‬ ‫بمـا جاء بـه ، قال سـبحانه : امنهـم أمـة مقتصـدة وكثيـر‬ ‫منهـم سـاء مـا يعملون م ولذلك نجـد القرآن وهـو يذكـر‬ ‫ص ـفات اليهود ل يعم ـم الحك ـم عليه ـم ، ب ـل يفرّق بي ـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المؤمنين وغيرهم نوجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا‬ ‫اوترى كثيرا منه ـــم‬ ‫ـ‬ ‫ص ـــبروا وكانوا بآياتن ـــا يوقنون‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يسـارعون فـي الثـم والعدوان وأكلهـم السـحت لبئس مـا‬ ‫-31-‬
  • 14. ‫اقل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّ‬ ‫كانوا يعملون‬ ‫أن آمن ّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم‬ ‫فاسقون ن .‬ ‫إن فقــــه هذه الحقائق والتعامــــل معهــــا جزء مــــن‬ ‫اسـتراتيجية التعامـل مـع اليهود والغفلة عـن ذلك سـتؤدي‬ ‫إلى خلل فــي التصــور والعتقاد والعمــل ، ممــا يؤخــر‬ ‫حسـم المعركـة ويطيـل أمدهـا ؛ لن مـا بنِـيَ على خطـأ‬ ‫ُ‬ ‫فمآله إلى بوار .‬ ‫الصراع في فلسطين صراع قديم :‬ ‫الصـراع هناك لم يكـن وليـد اليوم ، وإنمـا له جذوره فـي‬ ‫التاريـخ ، ولم يكـن ذلك الصـراع صـراعا عرقيا أو قوميا ،‬ ‫وإنما هو صراع بين الحق والباطل ، بين صاحب الحق‬ ‫وبين الدخيل ، بين الكفر والسلم ، وبيت المقدس كان‬ ‫على مرّ التاريـخ ملكا للمسـلمين ، وهـم النـبياء وأتباعهـم‬ ‫الموحدون ، وعندما تزيـغ طائفة عـن هذا الطريق يبعث‬ ‫ا مـن المؤمنيـن مـن يعيـد الحـق إلى نصـابه والبيـت إلى‬ ‫أهله ، بـل قـد يبعـث ا مـن يؤدب أولئك الذيـن خرجوا‬ ‫عـــن دينـــه وانحرفوا عـــن ســـبيله وطغوا واســـتكبروا‬ ‫وقضينـا إلى بنـي إسـرائيل فـي الكتاب لتفسـدن فـي‬ ‫ـ‬ ‫الرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا . فإذا جاء وعد أولهما‬ ‫-41-‬
  • 15. ‫بعثن ـا عليك ـم عبادا لن ـا أولي بأس شدي ـد فجاس ـوا خلل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الديار وكان وعدا مفعول ر وهكذا كان عندم ـا خرج بن ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إسرائيل عن دينهم وبغوا وطغوا بعث ا عليهم بختنصر‬ ‫، فقتلهم شرّ قتلة فكانوا عبرة في التاريخ .‬ ‫وبعدمـا خرج الروم عن دينهم ، وحرّفوا النجيـل أذن ا‬ ‫للمســلمين بفتــح بيــت المقدس ، فأصــبحت وليــة مــن‬ ‫وليات المسـلمين ل حـق للروم فيهـا سـوى القامـة التـي‬ ‫شرعها ا لهل الذمة بعقود وعهود .‬ ‫ولمـا ضعفـت الخلفـة السـلمية نقـض النصـارى العهود‬ ‫واستنجدوا ببني جلدتهم في الغرب ، فكان الصراع الذي‬ ‫طال أمده حتــى قيــض ا لهذه المــة نور الديــن الذي‬ ‫وضـع السـس لعودة بيـت المقدس إلى أهله ، ثـم جاء‬ ‫صلح الدين فكان الفتح على يديه ، بعد معركة حطّين ،‬ ‫فدخـل بيـت المقدس صـلحا كمـا دخلــه عمـر – رضـي ا‬ ‫عنـــه - فارتفعـــت رايات التوحيـــد على رايات الصـــليب‬ ‫والنواقيــس ، واســتمر المســلمون يســيطرون على تلك‬ ‫الرض المباركــة حتــى ضعفوا مرة أخرى وابتعدوا عــن‬ ‫دينهـم ، ودب ّـ الخلف بينهـم ، فجرت عليهـم سـنة ا فـي‬ ‫الم ـم مولو أن أه ـل القرى آمنوا واتقوا لفتحن ـا عليه ـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫بركات مـن السـماء والرض ولكـن كذبوا فأخذناهـم بمـا‬ ‫-51-‬
  • 16. ‫كانوا يكسبون ا فتحالفت قوى الكفر في أقطار الرض‬ ‫وجاؤوا بهذه الشرذمـة ، عقوبـة مـن ا للمسـلمين على‬ ‫فعلهم ولعلهم يرجعون .‬ ‫إن المتأمـل لهذا الصـراع فـي جميـع فتراتـه يدرك طبيعـة‬ ‫المعركــة ، وأنهــا بيــن الحــق والباطــل ، بيــن التوحيــد‬ ‫والشرك ، بين الكفر واليمان ، لم تكن المعركة – أبدا –‬ ‫عرقية ، أو قومية ، أو وطنية ، لم تكن بين جنس وجنس‬ ‫، وقـبيلة وقـبيلة مـن أجـل أرض أو تراب ، إن إدراك هذه‬ ‫الحقيقة يبين لنا كيف حدثت الهزيمة ولماذا تأخر النصر ،‬ ‫وكيـف يتحقـق النتصـار ف إنـا لننصـر رسـلنا والذيـن آمنوا‬ ‫يأولم ّا أصابتكم‬ ‫في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد‬ ‫مصـيبة قـد أصـبتم مثليهـا قلتـم أنـى هذا قـل هـو مـن عنـد‬ ‫أنفسكم م .‬ ‫إننا إنْ لم ندرك هذا المر ، ونعرف سرّه ، سنكون كمن‬ ‫يبحـث عـن الماء فـي أعالي الرمال ، بـل أصـدق مـن ذلك‬ ‫أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا‬ ‫جاءه لم يجده شيئا ه .‬ ‫إن فقه هذه الحقيقة التي ل جدال فيها ول ريب ، يجعلنا‬ ‫نضـع المور فـي نصـابها ونعيدهـا إلى جذورهـا ، ومـن‬ ‫ذلك أننا عندما ندعم إخواننا في فلسطين إنما ندعمهم‬ ‫-61-‬
  • 17. ‫لننا وهم مسلمون ، كلنا في خندق واحد ، ديننا واحد ،‬ ‫وقضيتنـا واحدة ، أمـا مـن عداهـم فهـم واليهود سـواء ،‬ ‫سـواء أكانوا عربا أم عجما ؟ ولدوا فـي أرض فلسـطين‬ ‫أو كانوا دخلء غرباء ؟‬ ‫ومن ذلك أننا بسبب قوة الصراع واختلط الحق بالباطل‬ ‫، وكثرة اللبس والتزييف قد ننكر حقائق ثابته ، خوفا من‬ ‫أن العتراف بها يسلب الحق من أيدينا ، وليس هذا هو‬ ‫الطريـق ، فمـا كان إنكار الحقائق وسـيلة لعادة الحـق‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وردّ الباطل في يوم من اليام .‬ ‫فنجــد أن اليهود يتمســكون لثبات أن لهــم حــق فــي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فلسـطين بمـا أحدثـه بعـض النـبياء فـي القدس- عليهـم‬ ‫وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم – فنأتي فننكر حدوث‬ ‫هذا المــر ، خوفا مــن ضياع الحــق مــن أيدينــا ، وهذا‬ ‫مسـلك وعـر وطريـق ل يوصـل إلى الحـق ، وكان الجدر‬ ‫والولى ، أن نبين أن ما أحدثه النبياء من بناء أو إصلح‬ ‫فـي بيـت المقدس أو المسـجد القصـى أيّـا كان نوعـه أو‬ ‫تاريخـه فهـو حجـة لنـا ، ودليـل إثبات لقضيتنـا ، لن النـبياء‬ ‫مسلمون ، ل علقة ليهود اليوم بهم ، ول حجة لهم فيما‬ ‫فعلوه ، ول نق ـف عنــد اختلف الســم ، فمــا بنــي فــي‬ ‫ـ‬ ‫المسجد فهو من المسجد ، ما دام من بناه نبيا أو رسولً‬ ‫-71-‬
  • 18. ‫قولوا آمنـا بالله ومـا أنزل إلينـا ومـا أنزل إلى إبراهيـم‬ ‫وإســماعيل وإســحاق ويعقوب والســباط ومــا أوتــي‬ ‫موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين‬ ‫ٍما كان إبراهيم يهوديا‬ ‫أحدٍ منهم ونحن له مسلمون‬ ‫ول نصـــرانيا ولكـــن كان حنيفا مســـلما ومـــا كان مـــن‬ ‫المشركيـن. إن أولى الناس بإبراهيـم للذيـن اتبعوه وهذا‬ ‫النبي والذين آمنوا وا ولي المؤمنين ي .‬ ‫وأشير هنا إلى مسألة وقع فيها اللبس والخطأ عند كثير‬ ‫من المسلمين ، وهو اعتقادهم بأن مسجد قبة الصخرة‬ ‫ليـس مـن المسـجد القصـى ، وإنمـا مسـجد عمـر هـو‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫القصـى ، وحقيقـة المـر أن كل المسـجدين مـن القصـى‬ ‫حيــث إن المســجد القصــى شامــل للمســجدين ولمــا‬ ‫بينهمـا ، وهـو بناء سـليمان عليـه السـلم- وكـل ذلك ملك‬ ‫للمسلمين ، ل حق لحد غيرهم فيه .‬ ‫-81-‬
  • 19. ‫فكرة الدولة اليهودية :‬ ‫عندمـا انحرف اليهود عـن الديـن الصـحيح الذي جاء بـه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫موســى – عليــه الصــلة والســلم – لم يســتقروا فــي‬ ‫أرض ، ولم يملكوا وطنا ملكا شرعيا ، وإنمــــــــــا كانوا‬ ‫يتنقلون فــي أصــقاع الرض ، فالتشرد مــن طــبيعتهم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والتفرق من خصائصهم .‬ ‫وكانوا يستغلون مـا معهـم مـن بقيـة ديـن ونصـوص توراة‬ ‫يســتفتحون بهــا على الذيــن كفروا ، وبهذا دخلوا يثرب ،‬ ‫وتمكنوا من السيادة عند الوس والخزرج افلما جاءهم‬ ‫مـا عرفوا كفروا بـه فلعنـة ا على الكافريـن ا وهكذا‬ ‫ديدنهم فالمكر والخديعة سفينتهم ، واستغفال الشعوب‬ ‫مطيتهم ، وعندما تم إجلؤهم من المدينة أول ً ، ثم من‬ ‫جزيرة العرب ثانيا ، لم يسـتقروا فـي أرض ولم يجتمعوا‬ ‫فـــي بلد، بـــل تفرقوا أيادي ســـبأ يوظلموا أنفســـهم‬ ‫فجعلناهـم أحاديـث ومزّقناهـم كـل ممزّق إن فـي ذلك‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لية لكل صبار شكور ة .‬ ‫لقـــــد عاش اليهود أقليات مســـــتضعفة فـــــي أرجاء‬ ‫المعمورة لم يدخلوا بلدا إل أحدثوا في ـــــــه فس ـــــــادا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ويسـعون فـي الرض فسـادا وا ل يحبـ المفسـدين‬ ‫ّ‬ ‫ن ولم يسـتوطنوا بلدا إل كانوا مصـدرا للقلقـل والفتـن ،‬ ‫-91-‬
  • 20. ‫يســتمدون أمنهــم مــن خوف الخريــن ولذلك كرهتهــم‬ ‫الشعوب ، لكــن لديهــم قدرة عجيبــة مبنيــة على الخداع‬ ‫والدســائس والمؤامرات فــي إقناع الخريــن بحاجتهــم‬ ‫إليه ـم ، ولذلك س ـيطروا على كثي ـر م ـن مقدرات المـم ،‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وبخاصة القتصادية منها ، لما جبلوا عليه من حب ّ المال‬ ‫وعدم التورع عـن أي وسـيلة تحقـق أهدافهـم ومآربهـم ،‬ ‫والذي يتأمل في تاريخ اليهود منذ قديم الزمان يصل إلى‬ ‫حقيقــة ل مراء فيهــا بأنهــم : إمــا أن يكونوا مســتعلين‬ ‫جباريــن ظالميــن ، أو أقليــة محتقريــن مســتضعفين ،‬ ‫والخيرة هـي السـمة السـائدة فـي تأريخهـم إل عندمـا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كانوا أه ـل ذم ـة ف ـي حم ـى الس ـلم ، فق ـد كف ـل له ـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫حقوقهـم ، ومنـع الخريـن مـن ظلمهـم ، ولكنهـم يخربون‬ ‫بيوتهم بأيديهم فاعتبروا يا أولي البصار.‬ ‫ولقـد وطـن اليهود أنفسـهم على هذا المـر ، ولم يكونوا‬ ‫يحلمون بأن يعودوا أمــة لهــا شأن ، أو دولة لهــا كيان ،‬ ‫ولذا فإن فكرة الدولة اليهوديـة فكرة طارئة ، لم يجتمـع‬ ‫اليهود على اليمان به ـا ، ب ـل هناك معارض ـة قويــة لدى‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫كثيــر منهــم ؛ لقامــة الدولة اليهوديــة ، وكان على رأس‬ ‫المعارضي ـن اليهودي اللمان ـي إنشتاي ـن ص ـاحب نظري ـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫النسـبية المشهور ، ويصـل الذي يعارضون فكرة الوطـن‬ ‫القومـي لليهود إلى أكثـر مـن ثلثـة ملييـن يهودي ، حيـث‬ ‫-02-‬
  • 21. ‫يرون أنهـا وسـيلة لجتماعهـم ليقتلوا ، كمـا يعرفون مـن‬ ‫نصوص التوراة ، ويرون أن بقاءهم أقليات تسيطر على‬ ‫مراكـــز النفوذ وأصـــحاب القرار ، دون أن يكونوا هـــم‬ ‫البارزيـن والظاهريـن للناس أولى وآمـن ، ممـا يمكنهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مـــن اللعـــب على المتناقضات ، دون أن يضعوا بيـــض‬ ‫الثعبان في سلة واحدة .‬ ‫إذا صــاحب فكرة الوطــن القومــي هــم الملحدة مــن‬ ‫اليهود ، وعلى رأسهم الصهيوني المعروف "هرتزل" ولم‬ ‫تكـن فلسـطين هـي الخيار الول لهـم وإنمـا كانـت هناك‬ ‫عدة دول منها أوغندا ، ولكن بعد دراسات دعمها الغرب‬ ‫النصــــراني وجدوا أن أرض فلســــطين هــــي الرض‬ ‫المناسبة لقامة دولتهم ، وبخاصة أن هناك نصوصا من‬ ‫التوراة تخدمهم ، كالنصوص الواردة في يهودا والسامرة‬ ‫، وأرض الميعاد ، وهيكل سليمان وهلم جرّا .‬ ‫ويكفي أن نعلم أن نسبة اليهود الذين في فلسطين بعد‬ ‫الهجرات المتوالية التي نظمتها الوكالة اليهودية وتعاونت‬ ‫معهـا الدول الكـبرى لم تتجاوز ٠٢% مـن عدد اليهود فـي‬ ‫العالم ، ولول التعاون الدولي والعتماد على النصـــوص‬ ‫التوراتيـة لترغيـب الهجرة إلى فلسـطين لمـا تحقـق نصـف‬ ‫هذا العدد ، وممـا هـو جديـر بالذكـر أنـه إلى قبيـل نهايـة‬ ‫-12-‬
  • 22. ‫القرن التاسع عشر – أي قبل المؤتمر اليهودي الذي قرر‬ ‫إقامة الدولة اليهودية في فلسطين – لم يكن يوجد في‬ ‫فلسطين من اليهود ســوى )٤٢( ألف يهودي فقط .‬ ‫وهنا سؤال مهم :‬ ‫هل إسرائيل دولة دينية أو علمانية ؟‬ ‫والجواب باختص ـار : إن إس ـرائيل دولة علماني ـة عنص ـرية‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫قامــــت على فكرة دينيــــة أي أن حكومات إســــرائيل‬ ‫حكومات علمانيـــة اســـتغلت الديـــن اليهودي لتحقيـــق‬ ‫أهدافهـا ، وهذا المـر ليـس بدعا فـي التاريـخ ، فكـم مـن‬ ‫دولة قامــت معتمدة على الديــن ، وهــي عــن الديــن‬ ‫بمعزل ، ولذلك نجد كثيرا من الدول العلمانية المعاصرة‬ ‫إذا واجهته ــا الزمات وخاف ــت أن ينفض ــّ م ــن حوله ــا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الناس ، اسـتغلت الديـن ولوّـحت بنصـوصه س فإذا ركبوا‬ ‫فـي الفلك دعوا ا مخلصـين له الديـن فلمّـا نجاهـم إلى‬ ‫البر إذا هم يشركون ر .‬ ‫والتاريخ يكرر نفسه ، ولكن أكثر الناس ل يعقلون .‬ ‫مراحل قيـــام إســرائيل :‬ ‫كان عدد اليهود فـي فلسـطين فـي نهايـة القرن التاسـع‬ ‫عشـر ل يزيـد عـن خمسـين ألفا، بـل كانوا قبـل عشريـن‬ ‫-22-‬
  • 23. ‫سـنة مـن هذا التاريـخ ل يزيدون عـن ٤٢ ألف يهودي ممـا‬ ‫يؤكـد أن اليهود زرعوا فـي فلسـطين شوكا وليسـوا مـن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫نبتها ، ولقد قامت إسرائيل على ثلث دعائم : -‬ ‫1.التخطيط اليهودي الماكر .‬ ‫2.التآمر الدولي .‬ ‫3.الخيانات العربية الضالعة بالولء للشرق والغرب‬ ‫.‬ ‫وهيأ لنجاح هذا الثالوث ضعف المسلمين وتفرقهم ، بل‬ ‫وتناحرهم وبخاصة بعد سقوط الدولة العثمانية ، بل إن‬ ‫القومييــن العرب ضالعون فــي مؤامرة إســقاط الدولة‬ ‫العثمانية .‬ ‫ويُمكن أن تختصر مراحل قيام إسرائيل بما يلي : -‬ ‫1.المؤتمـر اليهودي فـي سـويسرا عام ٧٩٨١م الذي‬ ‫أقرّ قيام وإنشاء وطن قومي لليهود .‬ ‫2.وع ــد بلفور – وزي ــر خارجي ــة بريطانيـــا – عام‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫٧١٩١م الذي وعــد اليهود بإنشاء وطــن قومــي‬ ‫لهم في فلسطين .‬ ‫-32-‬
  • 24. ‫3.قرار عصـبة المـم عام ٢٢٩١م بوضـع فلسـطين‬ ‫تحـت النتداب البريطانـي ممـا سـاعد بريطانيـا –‬ ‫بدعم دولي – على الوفاء بوعدها بإنشاء وطن‬ ‫قومي لليهود في فلسطين .‬ ‫4.مؤتمر سايكس بيكو وتقسيم الدول إلى مناطق‬ ‫استعمارية للدول الكبرى بعد الحرب العالمية .‬ ‫5.قيام دولة إسرائيل عام ٨٤٩١م .‬ ‫وبين تلك المراحل أحداث كبرى ل تخفى على من يعنى‬ ‫بتلك القضية.‬ ‫هــل كان هناك جهاد فــي فلســطين ؟ ونظريــة الدولة التــي ل‬ ‫تقهر‬ ‫منذ دخل اليهود إلى فلسطين وبدأوا في تنفيذ مخططهم‬ ‫لقامـة دولته ـم ، بدأ الجهاد هناك ، واتخ ـذ اشكال ً عدة ،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وعلى رأس ـها القتال المس ـلح وغالبا بص ـورة م ـا يس ـمى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫حرب العصــــابات وكان يقوى حينا ويضعــــف أحاييــــن‬ ‫أخرى ، كـل هذا مـن داخـل فلسـطين ، أمـا مـن خارجهـا‬ ‫فلم يكــن هناك أي مواجهــة مــع اليهود إل الجهاد الذي‬ ‫قام بـه المسـلمون بعـد قيام إسـرائيل وهـو مـا يسـمى‬ ‫بكتائب الخوان وهي مواجهة محدودة أحبطها القوميون‬ ‫قبــل اليهود ، وكذلك كانــت هناك معارك خاطفــة كمــا‬ ‫-42-‬
  • 25. ‫حدث فـي الكرامـة ونحوهـا ، أمـا مـا عدا ذلك فلم تدخـل‬ ‫إسـرائيل فـي أي حرب حقيقيـة مـع العرب – سـوى عام‬ ‫٣٧٩١م – وهـــــي حرب ذات أهداف محددة ، ولذلك لم‬ ‫يسمح بتجاوزها عندما تحققت تلك الهداف وأهمها :‬ ‫1.تحري ـك الوض ـع الذي كان يس ـيطر علي ـه الجمود‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫آنذاك .‬ ‫2.إعادة سـيناء إلى مصـر عربونا لن تتزعـم مصـر‬ ‫محادثات السلم .‬ ‫3.تهيئة المنطقة لمرحلة السلم مع اليهود .‬ ‫أم ـا م ـا عدا ذلك فلم تك ـن هناك مواجهات حقيقي ـة م ـع‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫اليهود، يقول أمين الحافظ وهو رجل علماني كان رئيسا‬ ‫لسـوريا فـي الخمسـينات : "لم يدخـل جيـش مـن الجيوش‬ ‫العربيــــة الحرب مــــع إســــرائيل عام ٨٤٩١م إل كتائب‬ ‫الخوان" .‬ ‫وقـد شهـد مثـل هذه الشهادة بهجـت أبـو غربيـة وهـو مـن‬ ‫المعاصرين للحداث المتخصصين في قضية فلسطين ،‬ ‫والذي يرجـع إلى مراكـز البحوث المتخصـصة يدرك هذه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الحقيقة بالدلة والبراهين .‬ ‫-52-‬
  • 26. ‫أمـا عام ٧٦٩١م فلم تكـن هناك أي مواجهـه بـل ضُربـت‬ ‫الطائرات العربيـة وهـي جاثمـة على الرض وكثيـر مـن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫قادتهــا فــي الملهــي والحانات ، وتــم احتلل ســيناء‬ ‫والجولن والضفـــة الغربيـــة فـــي ســـاعات معدودة ،‬ ‫ومراجع التاريخ خير شاهد على ذلك .‬ ‫إذا فنظريــة الدولة التــي ل تقهــر حدثــت مــع الهزيمــة‬ ‫النفســية التــي حلّت بالعرب وهــي مــن صــنع العلم‬ ‫العَربــي قبــل غيره ، وكانــت جزءا مــن الســتراتيجية‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫اليهوديــة فــي حرب المســلمين ، وإشاعــة الرعــب فــي‬ ‫قلوبهـم ، نمّاهـا وقوّاهـا الخيانات العربيـة المتواليـة التـي‬ ‫تزعمهــــــا القوميون والعلمانيون وحلفاء اليهود مــــــن‬ ‫المنافقيـن ، انسـجاما مـع ولئهـم للشرق والغرب ، حيـث‬ ‫كانوا ينفذون مـــا يمليـــه عليهـــم أســـيادهم حماة دولة‬ ‫إسرائيل وصنّاعها.‬ ‫وإل ّ فاليهود أذل وأحقر من أن تكون لهم دولتهم التي ل‬ ‫تقهــر ، والقرآن الكريــم وصــف نفســية اليهود وجبنهــم‬ ‫اضربت عليهم الذلة‬ ‫وصفا لم يصف به أحدا من البشر‬ ‫أينمــا ثقفوا إل بحبــل مــن ا وحبــل مــن الناس وباؤا‬ ‫بل‬ ‫بغضــب مــن ا وضربــت عليهــم المســكنة‬ ‫يقاتلونكـم جميعا إل فـي قرى محصـنة أو مـن وراء جدر‬ ‫-62-‬
  • 27. ‫بأسـهم بينهـم شديـد تحسـبهم جميعا وقلوبهـم شتـى م‬ ‫واليات فــي هذا الســياق كثيرة واضحــة ، فكيــف يكون‬ ‫لليهود كيان ل يقهـر ، ولو أتيـح للمسـلمين أن يدخلوا حربا‬ ‫حقيقية مع اليهود لما ثبتوا ساعة من نهار ةلن يضروكم‬ ‫إل أذى وإن يقاتلوك ـم يولوك ـم الدبار ث ـم ل ينص ـرون ل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫هذا كلم الحــق ســبحانه ، ومــن أصــدق مــن ا قيل ،‬ ‫ومن أصدق من ا حديثا ، وتأمل قوله سبحانه : نلنتم‬ ‫أشدّ رهبــة فــي صــدورهم مــن ا ذلك بأنهــم قوم ل‬ ‫يفقهون ن لتعلم خرافــة دولة إســرائيل التــي ل تقهــر ،‬ ‫ولتعلم أن واقعهــا الن مصــداق لقوله تعالى : موحبــل‬ ‫مـــــن الناس ن فلول هذا الحبـــــل مـــــن الناس لكان‬ ‫للمسلمين معها شأن آخر.‬ ‫ومـا فعله ويفعله أطفال الحجارة مـع اليهود ، مـن أقوى‬ ‫البراهيـن المعاصـرة على تعريـة تلك المزاعـم وسـقوط‬ ‫دعوى إسرائيل التي ل تقهر.‬ ‫استراتيجية حماية إسرائيل :‬ ‫إســرائيل دولة عنصــرية غريبــة غيــر مندمجــة مــع مــن‬ ‫حولهـا ، فهـي خليـط مـن شعوب يهوديـة غيـر متجانسـة ،‬ ‫متفاوت ـــة ف ـــي بيئته ـــا الجتماعي ـــة ، متعددة العراق‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والديانات والمذاهــب ، تنخــر فيهــا الطبقيــة والحزبيــة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫-72-‬
  • 28. ‫ةتحســبهم جميعا‬ ‫مجتمعــة الجســام مختلفــة القلوب‬ ‫وقلوبهم شتى م ومع ذلك فهي أقلية في وسط بيئة غير‬ ‫بيئتهـا وأرض غيـر أرضهـا ، مـع مـا يحمله ذلك الشعـب –‬ ‫صــاحب الرض – مــن عداء تاريخــي لهــا ، له أســبابه‬ ‫ودواعيـه ، وتلك الدولة واقعـة بيـن دول تتوجـس منهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ويتوجســـون منهـــا ، وهـــي تعلم أن شعوب تلك الدول‬ ‫تنتظر اللحظة التاريخية للنقضاض عليها ، وإعادة الحق‬ ‫إلى نصـابه ، وإسـرائيل تفقـه هذه الحقيقـة مهمـا حاول‬ ‫بعض حكام المنطقة أن يشعروها بالحماية والمان .‬ ‫وهي مع ذلك ل تملك مقومات الدولة المستقرة المنة ،‬ ‫وإنمـا تعتمـد على الدعـم الخارجـي اللمحدود ، عسـكريا‬ ‫واقتصاديا وسياسيا من الشرق والغرب .‬ ‫وتعامل ً مـع هذه الحقيقـة ، وإدراكا لهذا الواقـع مـن قبـل‬ ‫إســرائيل وحلفائهــا طرحــت عدة مشاريــع اســتراتيجية‬ ‫لحمايـة إسـرائيل وترسـيخ أقدامهـا ، وتجنيبهـا المخاطـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والمفاجآت أهمها : -‬ ‫1.إســرائيل الكبرى .‬ ‫2.تفتيت المنطقة )الدويلت والطائفية(.‬ ‫3.مرحلة الســــلم .‬ ‫-82-‬
  • 29. ‫4.الشرق أوسطية .‬ ‫أمـا النظريـة الولى فقـد ثبـت فشلهـا واسـتحالتها ، وذلك‬ ‫أنهــا لم تســتطع أن تحافــظ على أمنهــا واســتقرارها‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وسيطرتها على رقعة صغيرة ، ل تعادل إل نسبة صغيرة‬ ‫من مخطط إسرائيل الكبرى ، فكيف تستطيع أن تحافظ‬ ‫على أضعاف ذلك ، وقد أدرك زعماء إسرائيل فشل تلك‬ ‫الستراتيجية قبل حلفائها وخصومها.‬ ‫أمـا النظريـة الثانيـة فمـع مـا تحقـق فيهـا مـن نجاح محدود‬ ‫فقـد أدرك الجميـع صـعوبة العتماد عليهـا ، وبخاصـة بعـد‬ ‫حرب لبنان التي كانت منطلقا لتحقيق تلك الستراتيجية ،‬ ‫ثـم جاءت الحرب العراقيـة اليرانيـة ، ثـم حرب الخليـج،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ومحاولة تفكيـك العراق، كـل تلك الحداث ونتائجهـا أثبتـت‬ ‫فشل هذه الستراتيجية وصعوبة تحقيقها ، وأنها لم تكن‬ ‫بالسهولة التي رسمها المخططون لها ، ولذلك فل يمكن‬ ‫العتماد عليها لحماية أمن إسرائيل واستقرارها ، وأن ما‬ ‫تحق ـق م ـن تلك النظري ـة كان له س ـلبياته على إس ـرائيل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫نفسـها ، حيـث إن إحاطتهـا بدول صـغيرة ضعيفـة يسـهل‬ ‫اختراقها ويشكل هما لسرائيل نفسها ، وإسرائيل تدرك‬ ‫قبــل غيرهــا أن مصــلحتها أن تحاط بدول قويــة حليفــة‬ ‫تسهر على حمايتها وردع من يريد بها سوءا .‬ ‫-92-‬
  • 30. ‫أما مرحلة الســلم ، فسيأتي الحديث عنها لحقا .‬ ‫بقيـت النظريـة الرابعـة )الشرق أوسـطية( وهـي نظريـة‬ ‫سـياسية حديثـة ، جاءت مـن قبـل حلفاء إسـرائيل عندمـا‬ ‫أدركوا صعوبة نجاح الستراتيجيات الخرى ، وقد تزعمها‬ ‫"شمعون بيريـز" رئيـس وزراء إسـرائيل سـابقا ، ووزيـر‬ ‫خارجيتهـا حاليا زعيـم حزب العمـل ، والمرشـح للعودة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لرئاســة حكومــة إســرائيل مســتقبل ً إذ إن شارون جاء‬ ‫لمهمـة محدودة سـيرحل بعـد تنفيذهـا ، كمـا رحـل سـلفه‬ ‫)نتــن ياهــو( حيــث إن هؤلء يشكلون حرجا لحلفاء‬ ‫إسرائيل المدعين للديموقراطية وحرية الشعوب.‬ ‫وقد بدأت هذه النظرية قبل عدة سنوات ، وكان من أبرز‬ ‫ميادينهـا – المؤتمـر القتصـادي – الذي عقـد فـي المغرب‬ ‫والقاهرة والدوحة ، مع عقد تحالفات اقتصادية مع عدد‬ ‫من دول المنطقة .‬ ‫والعولمـة القادمـة ، وبالخـص منظمـة التجارة العالميـة‬ ‫قد تساهم في دفع هذه السترايتجية إلى المام .‬ ‫وهـــــي تقوم على أن تندمـــــج دول المنطقـــــة على‬ ‫اسـتراتيجية اقتصـادية وسـياسية ل ترتكـز على القوميـة أو‬ ‫الديـــن ، بـــل على رقعـــة جغرافيـــة محدودة )الشرق‬ ‫الوسط(.‬ ‫-03-‬
  • 31. ‫وهذه النظريــة ترعاهــا أمريكــا وتدعمهــا دول الغرب ،‬ ‫ويصـعب الجزم بمسـتقبلها حيـث إن المؤتمرات السـابقة‬ ‫لم تحقـق النجاح المنشود ، ونجاحهـا يعتمـد على شكـل‬ ‫مـا سـتكون عليـه المنطقـة بعـد إعادة ترتيبهـا فـي ظـل‬ ‫المتغيرات الدوليــة الجديدة واليام القادمــة حبلى بكــل‬ ‫جديد ، نسأل ا أن يكفينا شرها .‬ ‫هل اليهود والنصارى حلفاء ؟‬ ‫الدارس للتاريخ يدرك شدة العداء بين اليهود والنصارى ،‬ ‫فمنـذ محاولة قتـل عيسـى – عليـه الصـلة والسـلم – ثـم‬ ‫رفعه بعد ذلك ، والعداء مستحكم بين الطرفين ، والتهم‬ ‫تتوالى بينهما ، واستمر المر على ذلك منطلقا من عقيدة‬ ‫صلبة ذكرها القرآن ةوقالت اليهود ليست النصارى على‬ ‫شيـء وقالت النصـارى ليسـت اليهود على شيـء وهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يتلون الكتاب ن.‬ ‫وقـد شهـد التاريـخ صـورا مروعـة مـن بطـش النصـارى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫باليهود ، لن اليهود أقليــة والنصــارى أكثريــة ، وبخاصــة‬ ‫العداء م ــع الكاثولي ــك ، وعندم ــا دخ ــل الرومان بي ــت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المقدس جعلوه مقبرة لليهود ، وعندما سقطت الندلس‬ ‫– وكان اليهود يعيشون بأمان في ظل الحكم السلمي‬ ‫- بطــش بهــم النصــارى حتــى فروا إلى تركيــا ، وهــم‬ ‫-13-‬
  • 32. ‫المعروفون بيهود الدونمــة ، الذيــن ســاهموا مســاهمة‬ ‫فعالة في سقوط الدولة العثمانية وليس خبر مصطفى‬ ‫كمال عنــا ببعيــد ، وجزوا التراك جزاء ســنمار ، وفــي‬ ‫أوروبا بطش بهم كثير من حكام الغرب ، وخاصة هتلر ،‬ ‫وهذه حقيقة يجب العتراف بها ، لكن اليهود بالغوا فيها‬ ‫وفــي وصــفها ، مــن أجــل اســتغلل الغرب واســتجلب‬ ‫عطــف العالم ، ودفــع التاوات وبخاصــة مــن ألمانيــا ،‬ ‫وإنكار هذه الحقيق ـة لي ـس منهجا علميا ، والعتدال ه ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫الصحيح .‬ ‫هذه صـورة موجزة عـن علقـة اليهود بالنصـارى ، ولكـن‬ ‫ق ـد يس ـأل س ـائل فيقول : بماذا نفس ـر قوله تعالى ف ـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ســورة المائدة : ة يــا أيهــا الذيــن آمنوا ل تتخذوا اليهود‬ ‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض... ى الية‬ ‫فالجواب من وجهين ذكرهما المفسرون :‬ ‫الوجه الول :‬ ‫ذكره البغوي وابـن أبـي حاتـم وغيرهمـا ، ومعناه أنهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫أولياء بعــض ف ـي العون والنص ـرة إذا كان المــر يتعلق‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫بالمسلمين فهم يد واحدة ضدهم وفي حربهم وخلفهم‬ ‫.‬ ‫الوجه الثاني :‬ ‫-23-‬
  • 33. ‫وهـو أقوى - مـع أنـه ل يخالف الوجـه الول – وقـد ذكره‬ ‫صــاحب المنار فقال : ومعناه : أن اليهود بعضهــم أولياء‬ ‫وأنصار بعض ، والنصارى بعضهم أولياء وأنصار بعض ،‬ ‫ل أن اليهود أولياء وحلفاء النص ــارى ، والنص ــارى أولياء‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وحلفاء اليهود .‬ ‫وبهذا يسـتقيم تفسـير آيـة البقرة وآيـة المائدة ، وأحداث‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫التاريخ .‬ ‫إذا العداء متأصــل بيــن الفريقي ــن وهذا ل يمنــع مــن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫اتحادهم ضد المسلمين ماضيا وحاضرا .‬ ‫وقد حدث التغي ّر الكبير في العلقة بين اليهود والنصارى‬ ‫بعـد ظهور حركـة الصـلح الدينـي التـي قام بهـا "مارتـن‬ ‫لوث ـر" و "كالف ـن" وأضرابهم ـا ض ـد الكنيس ـة الكاثوليكي ـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫البابويـة التـي كانـت تفرض هيمنتهـا على الديـن والحياة ،‬ ‫ومـن ذلك احتكار تفسـير النصـوص الدينيـة ، فقـد طالبـت‬ ‫الحركــة الصــلحية البروتســتانتية بالرجوع المباشــر إلى‬ ‫النصــوص وترجمــة التوراة والنجيــل إلى اللغات الحيــة‬ ‫كاللماني ـــة والفرنس ـــية والنجليزي ـــة. وهن ـــا اعتق ـــد‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫البروتسـتانت حرفيـة تلك النصـوص ومنهـا مـا يتعلق بوعـد‬ ‫ا لبراهيـم عليـه السـلم وذريتـه بأن يعطيهـم الرض‬ ‫الواقعـة بيـن الفرات والنيـل ، وغيـر ذلك مـن النصـوص‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫-33-‬
  • 34. ‫الت ـي تفضّ ـل اليهود على غيره ـم وتعطيه ـم الح ـق فـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫العودة إلى فلســـطين حســـب مـــا هـــو فـــي التوراة‬ ‫المحرفـة ، ومـن هنـا نشأت الحركـة الصـهيونية فـي أول‬ ‫وقـد تفاقـم خطـر‬ ‫أمرها نصرانية ل يهودية .‬ ‫الصـهيونية النجيليـة فـي العقديـن الخيريـن مـن القرن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫العشريـن وأصـبحت مـن أكـبر قوى الضغـط فـي أمريكـا‬ ‫وأصــبح لزعمائهــا مكانــة متميزة ل ســيما فــي الحزب‬ ‫ول‬ ‫الجمهوري .‬ ‫يزال اليهود غيــر الصــهاينة ومعهــم الكاثوليــك وغيرهــم‬ ‫يعادون هذه الحركــة كمــا أن التجاه الليــبرالي يعاديهــا‬ ‫بشدة لسـباب أخرى ، لكـن كثيرا مـن الزعماء يداهنونهـا‬ ‫لمآرب سياسية وغيرها.‬ ‫وعلى كـل حال ل يسـتطيع أي باحـث أن يتجاهـل البعـد‬ ‫الدينـي فـي المواقـف السـياسية للدول البروتسـتانتية مثـل‬ ‫أمريكـا وبريطانيـا وألمانيـا ، وقـد سـاعد على ذلك اختراق‬ ‫الصــــهيونية للفاتيكان نفســــه الذي وصــــل إلى إعلن‬ ‫المجمــع المســكوني الشهيــر عــن تــبرئة اليهود مــن دم‬ ‫المســيح عليــه الســلم أي تكذيــب نصــوص أناجيلهــم‬ ‫وإبطال عقيدتهـم التـى اعتقدوهـا نحـو ألفـي سـنة ، هذا‬ ‫م ـع أن الدول الص ـليبية ف ـي الجملة تعت ـبر الس ـلم ه ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫العدو التاريخـي الدائم لهـا وترى فـي الحضارة السـلمية‬ ‫-43-‬
  • 35. ‫النـد والمقاب ـل للحضارة الغربيـة عام ـة بوجهيهـا الدينـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والعلماني .‬ ‫لماذا لم ننتصر ؟ :‬ ‫والنتصــار الذى نتحدث عنــه ، ونســعى إليــه هــو إخراج‬ ‫اليهود مـــن فلســـطين وتخليـــص بيـــت المقدس مـــن‬ ‫قبضتهــم ، وإقامــة دولة الس ـلم التــي تحكــم بشريعــة‬ ‫ـ‬ ‫محمد د في الرض المباركة .‬ ‫والنتصـار بهذا المفهوم لم يتحقـق بعـد ، جريانا مـع سـنة‬ ‫ا في المم، حيث إن عوامل النصر قد تخلفت فتخلفت‬ ‫ا أو لمـا أصـابتكم مصـيبة قـد أصـبتم مثليهـا قلتـم‬ ‫آثارهـا‬ ‫ى ومـا أصـابكم‬ ‫أنـى هذا قـل هـو مـن عنـد أنفسـكم‬ ‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ن .‬ ‫إنه من السهل جدا أن نعيد عوامل الهزيمة إلى عدونا ،‬ ‫ولكـن ليـس هذا هـو الطريـق الذي يوصـل إلى تحقيـق‬ ‫أهدافنا ، وإنما هو تسلية للذات وتبرير للهزيمة .‬ ‫ل يسـتطيع أحدٌ أن ينكـر دور أعدائنـا فيمـا حـل بنـا ، ولكـن‬ ‫هل ينتظر من العداء والخصوم إل ّ ذاك ، هل نتوقع من‬ ‫خصـمنا أن يسـلّم لنـا فلسـطين على طبـق مـن ذهـب ، أو‬ ‫يمكننا من رقابه نتصرف بها كيف شئنا ؟‬ ‫-53-‬
  • 36. ‫إننـا مـن أجـل أن نحقـق النصـر الذي ننتظـر لبـد أن نكون‬ ‫صـرحاء مـع أنفسـنا صـادقين مـع بعضنـا ، نشخّـص الداء‬ ‫دون مجاملة أو مواربة أو تبعيض ، فعندما وقعت بعض‬ ‫الهزائم – وهـــي محدودة – فـــي عهـــد النـــبي م نزل‬ ‫الوحــي يحدد مكامــن الهزيمــة الداخليــة التــي أحدثــت‬ ‫الهزيمة الخارجية ةويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم‬ ‫تغـن عنكـم شيئا وضاقـت عليكـم الرض بمـا رحبـت ثـم‬ ‫إذ تحسـونهم بإذنـه حتـى‬ ‫وليتـم مدبريـن م وفـي أحـد‬ ‫إذا فشلتم وتنازعتم في المر وعصيتم من بعد ما أراكم‬ ‫مـا تحبون منكـم مـن يريـد الدنيـا ومنكـم مـن يريـد الخرة‬ ‫ثم صرفكم عنهم ليبتليكم م .‬ ‫أرأيتم هذا البيان وهذا التحديد لعوامل الهزيمة ليس فيه‬ ‫إشارة واحدة إلى قوة العداء ومخططاتهــم وتربصــهم‬ ‫بالمؤمنيــن لن هذا مــن المــر المســلم بــه الذى جرى‬ ‫تقريره فـي مواضـع أخرى هودّ الذيـن كفروا لو تغفلون‬ ‫عـن أسـلحتكم وأمتعتكـم فيميلون عليكـم ميلة واحدة ن‬ ‫ل يرقبون فــــي مؤمــــن إل ً ول ذمــــة وأولئك هــــم‬ ‫نعضوا عليكم النامل من الغيظ ا.‬ ‫المعتدون‬ ‫وخلصـة المـر ، أننـا أضعنـا فلسـطين لضاعتنـا لمـر ا ،‬ ‫اوما أصـابكم‬ ‫فما وقع بلء إل بذنب ول رفع إل بتوبة‬ ‫-63-‬
  • 37. ‫نأو‬ ‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‬ ‫يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ن .‬ ‫وقال ل : ) إذا تبايعتــــم بالعينــــة ، ورضيتــــم بالزرع ،‬ ‫وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد ، سلّط ا عليكم ذلً‬ ‫ل ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم( الحديث.‬ ‫أ ّا لماذا تأخر النصر فأسبابه كثيرة أهمها ما يلي : -‬ ‫م‬ ‫1.أننــا لم نتلف أســباب ضياع فلســطين ، وبقينــا‬ ‫على بعدنـــا عـــن ا وتفريطنـــا فـــي أوامره‬ ‫ونواهيه ، سواء في داخل أنفسنا وبيوتنا وأسرنا‬ ‫، أو فــي عموم حياتنــا ومجتمعنــا ، ومشركــو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المــس أحســن حال ً مــن كفار زماننــا ، فأولئك‬ ‫اإذا ركبوا فــي الفلك دعوا ا مخلصــين‬ ‫كانوا‬ ‫له الديـن ه أمّـا هؤلء فزاد بلؤهـم وطغيانهـم‬ ‫وحربهم لله ورسوله ، وتعقبهم للمجاهدين في‬ ‫سبيله ، وركنوا إلى الذين ظلموا.‬ ‫2.تفرق المسلمين ، وبالخص الجماعات الجهادية‬ ‫، وهذا الخلف والتفرق أذه ـب ريحـ ـها وأوه ـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مـــن عزيمتهـــا نول تنازعوا فتفشلوا وتذهـــب‬ ‫ريحكم م .‬ ‫-73-‬
  • 38. ‫3.عدم وجود خطــة اســتراتيجية شاملة لمواجهــة‬ ‫اليهود ، وإنمـــا هـــي ردود أفعال، أو اســـتجابة‬ ‫لظروف معينــة ، أو اســتثمار لفرص محدودة ،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫تنتهى بانتهاء أسبابها ، ودواعيها .‬ ‫4.ضعـف المنهـج وعدم خلوصـه مـن الشوائب لدى‬ ‫كثير من الدعاة والجماعات السلمية والجهادية‬ ‫منهـا بالخـص ، وتفاوتهـا باللتزام بمنهـج أهـل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫السنّة والجماعة ، ولذلك تورط بعضها بتحالفات‬ ‫واتفاقات مشبوه ـــة ، م ـــع بع ـــض المنظمات‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫العلمانية وغيرها كالروافض والنصيريين .‬ ‫5.عدم إدراكنـا لطبيعـة المعركـة مـع اليهود ، وأنهـا‬ ‫معركـــــة عقيدة وديـــــن والنخداع ببعـــــض‬ ‫الستراتيجيات الغربية ، والمساهمة في تنفيذها‬ ‫كالســلم والتطــبيع والتعايــش الســلمي ، ممــا‬ ‫أضاع علينا زمنا طويل ً .‬ ‫6.انشغال الشعوب المسلمة بقضايا أخرى صرفتها‬ ‫ع ـن القضي ـة الس ـاس واشغلته ـا بنفس ـها ع ـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫عدوهـا ، ممـا زاد فـي ضعفهـا وتفرقهـا وهوانهـا‬ ‫وتناحرها فيما بينها .‬ ‫-83-‬
  • 39. ‫7.عدم الخ ـذ بأس ـباب القوة الحقيقي ـة ، والتخب ـط‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فـي هذا المـر ، ممـا مكـن العدو مـن أن يحقـق‬ ‫أهدافه بيسر وسهولة .‬ ‫8.الهزيمـة النفسـية ، والسـتجابة لمـا يبثـه العلم‬ ‫الغربـي والعربـي مـن أن دولة إسـرائيل دولة ل‬ ‫تقه ـر ، س ـاهم ف ـي ذلك الخيانات العربي ـة ف ـي‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫دخولها معارك مع إسرائيل ثم النسحاب أمامها‬ ‫دون حرب حقيقيــــة ، وإل لو صــــدقت العزائم‬ ‫لعرفنـا وأدركنـا خرافـة الدولة التـي ل تقهـر ، ومـا‬ ‫تحطيم خط بارليف عنا ببعيد ، مع ما نسج حوله‬ ‫مـــن خيالت وأوهام ، وإذا هـــو يتهاوى فـــي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫سـاعات معدودة ، ممـا يثبـت أن مفاتيـح النصـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ا وليـنصرنّ‬ ‫بأيدينا لو أردنا ذلك وأخذنا بأسبابه‬ ‫ا من ينصره إن ا لقوى عزيزا.‬ ‫في التجـــاه الصحيــح ]انتصارات على الطريق [ :‬ ‫ومـع كـل مـا ذكـر مـن مآس وجراحات وآللم ، ومـع مـا‬ ‫نعيشــه ويعيشــه إخواننــا فــي فلســطين – اليوم – مــن‬ ‫مصـائب تدع الحليـم حيرانـا ، فإن هناك بشائرا أصـبحت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫تلوح فـي الفـق ، تبشـر بأن المة بدأت تسـير فـي التجاه‬ ‫الصحيح وتحققت انتصارات ل يستهان بها هي من أهم‬ ‫-93-‬
  • 40. ‫الخطوات نحو النتصار الحقيقي بل ل يمكن أن يتحقق‬ ‫ذلك النتصار بدونها ، وقد لحظت أن الكثير ممن يتطرق‬ ‫لقضيـة فلسـطين لم ينتبـه أو ينبـه لهـا مـع أهميتهـا وآثارهـا‬ ‫على المدى القريــــب والبعيــــد وهذه الحقائق التــــي‬ ‫ســأذكرها ، ممــا يســاهم فــي إبعاد اليأس والقنوط ،‬ ‫ويشيـع المـل والتفاؤل فـي النفوس ، حيـث إن النفوس‬ ‫اليائسة والمتشائمة ل يمكن أن تنتصر على غيرها ، فإذا‬ ‫كانـت عاجزة عـن النتصـار على ذاتهـا فهـي عـن النتصـار‬ ‫على عدوّها أعجز. . وأهم هذه المكاسب ما يلي : -‬ ‫أول ً : كانـت المنظمات الفلسـطينية قبـل ثلثيـن سـنة تمل‬ ‫السـاحة ضجيجا وصـراخا بأنهـا سـتحرر فلسـطين ، وهذه‬ ‫المنظمات خليـط عجي ـب مـن المنظمات المنحرف ـة ع ـن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الصـراط المسـتقيم فمنهـا القوميـة والبعثيـة والشيوعيـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫والوطنيـة ، وقليـل منهـا السـلمية ، وكان كثيـر مـن الناس‬ ‫يحسـن الظـن بهذه المنظمات ويرى أنهـا قـد تسـاهم فـي‬ ‫تحريـر فلسـطين ، ولذلك وجدت الدعـم والتأييـد البشري‬ ‫والمالي والسـياسي مـن قبـل بعـض المسـلمين ، وظلوا‬ ‫ينتظرون تحرير بيت المقدس على أيدى تلك المنظمات ،‬ ‫وقد وقع هؤلء الذين أحسنوا الظن بها في الخطأ .‬ ‫-04-‬
  • 41. ‫إن هذه المنظمات منظمات عميلة للشرق والغرب‬ ‫ولي ـس لديه ـا أي برنام ـج جاد للحرب م ـع إس ـرائيل ، ب ـل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ليـس لديهـا أي برنامـج صـادق لتحريـر فلسـطين ، وإنمـا‬ ‫هي منظمات ذات مصالح خاصة ، ومن ثم فإنه ل يمكن‬ ‫لمثـل هذه المنظمات أن تحرر فلسـطين ، ول ينتظـر منهـا‬ ‫ذلك ، ومــع ذلك فكان هناك مــن يحســن الظــن بهــا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وينتظــر أن يكون الفرج على يديهــا ، فضاع علينــا زمــن‬ ‫طويـل ، وأهدرت أنفـس وأموال ، وجعلت الثقـة فـي غيـر‬ ‫أهلها .‬ ‫والنتص ــار الذي تحق ــق ه ــو س ــقوط تلك المنظمات ،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وسـقوط برامجهـا الكاذبـة ومـن ثـم سـقوط الثقـة بهـا‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وانكشافهــــا على حقيقتهــــا ، ولم يبــــق إل المنظمات‬ ‫الجهاديـة التـي تعلن قديما وحديثا أن الجهاد فـي سـبيل‬ ‫ا هـو الطريـق الصـحيح لتحريـر فلسـطين ومـا بقـي مـن‬ ‫منظمات غيــر إســلمية فهــي فــي طريقهــا إلى الزوال‬ ‫وســبب بقائهــا يعود لســباب ســياسية والناس يفقدون‬ ‫ثقته ــم به ــا يوما بع ــد يوم ، وك ــل يوم تقدم دليل ً على‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فشلها وضلوعها في الخيانة .‬ ‫ويتب ـع هذا النتص ـار – حي ـث ه ـو قري ـب من ـه – س ـقوط‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫دعوى الحكومات العربيـة – وبخاصـة الثوريـة منهـا – التـي‬ ‫-14-‬
  • 42. ‫كانـت تزعـم أنهـا سـتحرر فلسـطين ، بـل وترمـي إسـرائيل‬ ‫فـي البحـر ، والمؤسـف أن الناس قـد صـدقوا ذلك حينهـا ،‬ ‫ومـا علموا أنهـا شعارات كاذبـة ، ومزايدات مكشوفـة ثـم‬ ‫تكشفـت اليام عـن مؤامرات هؤلء ومحادثاتهـم السـرية‬ ‫مـع اليهود ، وولءهـم للشرق والغرب ، وأن مؤتمراتهـم‬ ‫ليسـت إل لسـكات الشعوب ، وامتصـاص غضبهـا ، وهـي‬ ‫بهذا تتواط ـأ م ـع العدو ف ـي تحقي ـق أهداف ـه ، وثب ـت أن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫أكثرهـــم صـــراخا ، وأعلهـــم صـــوتا أشدهـــم عمالة‬ ‫وأعمقهـــم ولء ، وإل ّ فأيـــن نتائج وثمار تلك المؤتمرات‬ ‫على مدى خمسين سنة .‬ ‫إن الوصـــــول إلى هذه الحقيقـــــة فيمـــــا يتعلق بتلك‬ ‫المنظمات وهذه الحكومات يع ــد انتص ــارا باهرا ، مم ــا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يجعـل المـة تسـير فـي التجاه الصـحيح ، وتبحـث عـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫طوق النجاة عنـد غيـر هؤلء ، وهذه مرحلة مهمـة مـن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مراحل الطريق الطويل المؤدي إلى النصر بإذن ا .‬ ‫ثانيا : بعد سنوات طويلة من المعارك الوهمية والهزائم‬ ‫المتوالية أمام إسرائيل وبعد الصراخ وبيانات الشجب‬ ‫والستنكار التي تصدرها القمم العربية ترسخت ، بل‬ ‫رسخت لدى الشعوب قناعة بأن إسرائيل دول ل تقهر ،‬ ‫تولى كبرها العلم العربي الذي أوصل المة إلى هذه‬ ‫-24-‬
  • 43. ‫الهزيمة النفسية ، ومن هنا كثر الحديث بأنه يستحيل‬ ‫إخراج إسرائيل من فلسطين ، وأن استمرارنا بهذا‬ ‫الطريق يعني مزيدا من الخسائر والهزائم ، ولذلك بدأت‬ ‫مرحلة خطيرة ، حيث طرحت استراتيجيات كبرى تطالب‬ ‫بالسلم والتعايش مع العدو ، وتطبيع العلقات مع‬ ‫الصهاينة ، وما كان أحد يستطيع أو يجرؤ على الحديث‬ ‫عنها قبل ٠٣ سنة تقريبا ، ولو فعل لتهم بالخيانة وبيع‬ ‫القضية ، وإن ننس فل ننسى مؤتمر الخرطوم المسمى‬ ‫بمؤتمر اللءات الثلث "ل صلح ، ل اعتراف ، ل‬ ‫مفاوضات" .‬ ‫وبعـد حرب رمضان بدأت مرحلة السـلم )سـلم القوياء(‬ ‫- زعموا – وكان الســـــــــــــادات عراب هذه المرحلة ،‬ ‫والعجيب كيف كان موقف العرب من رحلة السادات ثـم‬ ‫كيـف أصـبح ، فمـا هـي إل سـنوات وإذا العرب يسـيرون‬ ‫بالطريق نفسه الذي سار به السادات ، وأن موقفهم بعد‬ ‫رحلتــه المشؤمــة لم يكــن إل مشهدا ضمــن المســرحية‬ ‫الطويلة ، مـن أجـل ترويـض الشعوب وامتصـاص غضبهـا‬ ‫ثــــم تهيئتهــــا للمرحلة المقبلة ، وهكذا كان ، فبدأت تلك‬ ‫المرحلة العصيبة من تاريخ المة ، وتسابق العرب وفي‬ ‫مقدمتهـم قادة فلسـطين مـن العلمانييـن وأشباههـم لبيـع‬ ‫فلســــطين وإنهاء القضيــــة إلى البــــد –زعموا – وإذا‬ ‫-34-‬
  • 44. ‫المؤتمرات تعقــد مــع زعماء اليهود ، والمفاوضات على‬ ‫قدم وســـاق ، ثـــم تلهـــا توقيـــع المعاهدات ، وفتـــح‬ ‫الســفارات فــي بعــض الدول العربيــة ، وبدأت الزيارات‬ ‫الثنائيـــة ، والعقود التجاريـــة ، وأصـــبحت مصـــطلحات‬ ‫الســلم ، والتطــبيع ، والتعايــش مــع اليهود مصــطلحات‬ ‫تتكرر على مسـامعنا ، ويشدو بهـا العلم صـباح مسـاء ،‬ ‫وتعقـد لهـا المؤتمرات – ول تزال – وكانـت هناك أصـوات‬ ‫أخرى تـبين أن هذا ليـس هـو الطريـق لتحريـر فلسـطين ،‬ ‫وإنهاء القضيـة ، ولم يسمع لتلك الصـوات في حينها وما‬ ‫هــي إل ســنوات محدودة ، فإذا أركان الســلم تتهاوى ،‬ ‫والعهود تنقـض – مـن قبـل اليهود أنفسـهم - ، ول عجـب‬ ‫فـي ذلك فالذيـن نقضوا عهودهـم مـع ربهـم وأنـبيائهم ،‬ ‫أينتظر منهم أن يفوا بعهودهم مع أعدائهم ؟ رأو كلما‬ ‫عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ا ولكن العرب ل يعقلون‬ ‫ول يتعلمون ، وما ذاك إل لبعدهم عن كتاب ربهم وسنة‬ ‫نـبيهم ، وإل فالقرآن قـد كشـف عـن هذه الحقيقـة وركـز‬ ‫عليها في مواضع عدة .‬ ‫وفي السنّة قصة أسلف هؤلء من بني قريظة والنضير‬ ‫وبني قينقاع ومعاهدتهم لرسول ا ي ثم نقضهم لتلك‬ ‫العهود والمواثيــق ، وخياناتهــم المتكررة فــي التاريــخ‬ ‫-44-‬
  • 45. ‫ماضيا وحاضرا مــــن أقوى الدلئل على طبيعــــة هؤلء‬ ‫وسجيتهم ولكن قومي ل يفقهون .‬ ‫والنتصــار الذي بدأ يتحقــق ، هــو الفشــل المبكــر لتلك‬ ‫الستراتيجيات ، حيث لم يعد لها تلك القوة والزخم الذي‬ ‫طرحــت بــه ، وتراجــع منظّروهــا إلى الخلف بعــد أن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫أوقعتهـم إسـرائيل فـي حرج شديـد أمام شعوبهـم ، ومـع‬ ‫أن العرب لم يعلنوا هزيمتهـــم بعـــد ، ول يزالون يلهثون‬ ‫خلف ســــــــراب الســــــــلم ، فإن هذه المرحلة وتلك‬ ‫السـتراتيجيات قـد أعلنـت مبكرا عـن فشلهـا ، والمـر يسـير‬ ‫في هذا التجاه ، ولو كابر المكابرون ، وأصر المعاندون‬ ‫، فإن ذلك لن يغيـر مـن الحقيقـة شيئا ، وقـد تأسـف أميـن‬ ‫جامعــة الدول العربيــة لفشــل مرحلة الســلم ، وطالب‬ ‫بعـض النواب فـي الردن بوضـع خطـة للنسـحاب مـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫معاهدة الس ــلم التـــي س ــبق أن وقعهـــا الردن مـــع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إسـرائيل.‬ ‫إن الوصـول إلى هذه الحقيقـة على مسـتوى المـة أمـر‬ ‫مهــم ، وانتصــار حقيقــي حيــث يصــعب الوصــول إلى‬ ‫النتصــار الكــبر دون تحقيــق هذه النتيجــة ، وذلك أن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إفلس جميع النظريات والستراتيجيات التي ل تسير في‬ ‫التجاه الصحيح يختصر الطريق ويوحّـد الجهود ، ويقربنـا‬ ‫-54-‬
  • 46. ‫م ــن الوص ــول إلى الغاي ــة المنشودة [ وا غالب على‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون ه.‬ ‫ثالث ً :‬ ‫ا‬ ‫مـن النجازات المهمـة التي تحققـت فـي معركتنـا الطويلة‬ ‫مــع اليهود تهاوي دعوى "إســرائيل التــي ل تقهــر" على‬ ‫أيدي أطفال الحجارة ، وتحقيقه ـــم لم ـــا عج ـــز عن ـــه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الجنرالت وأصحاب الوسمة والنياشين ، بل هدم ما بناه‬ ‫أولئك الزعماء والقادة الذيـن على أكتافهـم قامـت نظريـة‬ ‫"الدولة التـي ل تقهـر" إن سـقوط تلك الدعوى فـي غايـة‬ ‫الهمية ، وذلك لن قيامها والترويج لها أدخل المة في‬ ‫هزيمــة نفســية حرجــة ، اســتغلها المتآمرون مــع اليهود‬ ‫لتقدي ــم تنازلت ضخم ــة ، بدعوى المحافظــة على م ــا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يمكـن الحفاظ عليـه ، وإنقاذ مـا يمكـن إنقاذه لننـا أمام‬ ‫دولة ل تقهـر فمـن العبـث اسـتمرار الصـراع معهـا ، فجاء‬ ‫هؤلء الطفال يحملون بأيديهـم الحجارة وعلى ألسـنتهم‬ ‫كلم ــة )ا أك ــبر( تدوي ف ــي الفاق وتهت ــز له ــا قلوب‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الظالمي ـن خوفا ورعبا [ وم ـا رمي ـت إذ رمي ـت ولك ـن ا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫رمى ].‬ ‫وأعجـب مـن ذلك وأقوى أثرا هذا الصـمود العجيـب مـن‬ ‫قبــل أولئك الطفال بالرغ ــم مــن البطــش والتنكيــل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫-64-‬
  • 47. ‫والعذاب الذى يصــــبّه اليهود صــــبا على هؤلء الفتيــــة‬ ‫وأسـرهم وبيوتهـم ولم يكـن القربون فضل ً عـن العداء‬ ‫يتصـورون اسـتمرار تلك المواجهـة أكثـر مـن أيام أو بضعـة‬ ‫أســابيع ، وإذا هــي وقــد مرّ عليهــا بضعــة أشهــر تزداد‬ ‫اشتعال ً وقوة ، علما أن المواجهة الولى لم يمض عليها‬ ‫إل عدة س ــنوات م ــع م ــا حدث فيه ــا م ــن مآس وآلم‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وجراحات توقع المراقبون أل ّ تعود إل بعد سنوات طويلة‬ ‫لقسـوة بطـش العدو وخذلن الصـديق ، ولكـن على قدر‬ ‫أهل العزم تأتي العزائم .‬ ‫إن فــي تلك المعركــة التــي خاضـــها ويخوضهــا أولئك‬ ‫البطال من الدروس والعبر ما نحن بأمس الحاجة إليه‬ ‫من أجل بناء رؤية شرعية متفائلة لمواجهتنا الطويلة مع‬ ‫اليهود [ لقــد كان فــي قصــصهم عــبرة لولى اللباب [‬ ‫]فاعتـبروا يا أولي البصار ].‬ ‫رابع ً :‬ ‫ا‬ ‫وأهم تلك النتصارات ، وأبعدها أثرا هو الوصول إلى أن‬ ‫الطريـق الوحيد لتحريـر بيت المقدس وتخليـص فلسـطين‬ ‫مــن اليهود هــو الجهاد فــي ســبيل ا ، نعــم الجهاد ل‬ ‫غيــر ، وهذه القناعــة لم تكــن تحدث عنــد كثيــر مــن‬ ‫المسـلمين إل بعـد فشـل جميـع النظريات والسـتراتيجيات‬ ‫-74-‬
  • 48. ‫الخرى ، ولن المــر لم يصــل إلى نهايتــه فــي فشــل‬ ‫مرحلة السلم ، حيث ل يزال هناك فئات من الناس ترى‬ ‫ف ــي الس ــلم مخرجا وعلجا ، لذلك فهناك م ــن ل يرى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الجهاد طريقا وســبيل ً . ولكننــي أتحدث عــن المبشرات‬ ‫ـ‬ ‫والنجازات ، حيــــث إن البدايات توصــــل إلى النهايات ،‬ ‫وفرق ك ـبير بي ـن الذي ـن كانوا ل يرون الجهاد س ـبيل ً قب ـل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫عشـر سـنوات ، وبيـن مـن يطالب بـه الن. لقـد كثـر مـن‬ ‫يطالب بالجهاد ، وأنـه هـو السـبيل لتحريـر فلسـطين حتـى‬ ‫رأينــا ذلك مــن بعــض الكتاب الذيــن لم يعرف عنهــم‬ ‫الحديـــث فـــي مثـــل هذه المور ، بـــل بعـــض الكتاب‬ ‫المنحرفيــن ، والذيــن كانوا قبــل فترة يســيرة ينظّرون‬ ‫لمرحلة الســلم والتعايــش مــع اليهود فإذا هــم اليوم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يطالبون بقتال اليهود ، حيث ل يصلح معهم إل ذاك .‬ ‫إنن ـي أدرك أن الوص ـول إلى هذه القناع ـة لي ـس بالم ـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫السـهل ، حيـث يقـف ضدهـا الشرق والغرب ، وتبعا لذلك‬ ‫يوحون إلى أوليائهــم بمحاربــة هذه النظريــة والوقوف‬ ‫ضدها بكل سبيل ، وذلك أنهم يدركون خطورتها وأثرها‬ ‫على مسـار القضيـة ، ومـن هنـا فإننـي أرى أن أي تجاوب‬ ‫مـع تلك القناعـة – بأن الجهاد هـو الحـل – على مسـتوى‬ ‫المـة يعدّ انتصـارا ولو كان يسـيرا ، كيـف وهـو أكـبر مـن‬ ‫-84-‬