1. أحمد فتحي
فن تحويل النغم لصور متحركة
جمال جبران
نسمع الن لعزف الفنان اليمني أحمد فتحي على عوده. ندرك،من النغمات
الفتتاحية أنه في الطريق لغناء"صنعانية"،)شعر عبد العزيز المقالح(. يتقدم
في عزفه واصل حدود المقطع الول:" صنعا ِية م ّتْ من الشارع
ن ر
َ َش)أول الصبح(، كان الزمن ظمآن والفجر اشتكى نار العطش. لكنها ل ّا
م غب
مشت سال الندى والورد ف ّح وانتعش". نتوقف ليذهب سما ُنا لمستوى
ع ت
آخر:النظر. هو اللحن هنا وقد نجح في تحويل الكلمات إلى صور
متحركة.هل نتخيل؟ لك ّا نرى الصنعانية فعل وهي تهبط برقة من الغنية
ن
لتمر على الشارع محدثة فيه ما أحدثت.من أين يأتي هذا اليقين؟
ينتهي الفنان من أغنيته مبتسما، كأنه استمع لما نفكر فيه."عندما نصل
لنقطة التوحد مع العود يصبح قادرا على إخراج مال يمكن تصوره"يقول
فتحي مضيفا"لم يخذلني العود ول مرة واحدة،أحادثه،أشكو إليه وهو ينصت
لي ويحدث أن يرد على تساؤلتي كأي صديقين".لكن ليحدث هذا التماهي
دفعة واحدة أو بضغطة زر.هناك نقطة ما لبداية ينبغي العودة إليها وتقول
لنا بدايته.
لم يعثر الطفل أحمد فتحي أو ف ّاح)لقبه الحقيقي(على مبتغاه في كل اللعاب
ت
التقليدية المرصوصة أمامه. كانت في رأسه لعبة أخرى بأوتار،تنادي على
أصابعه وعليه أمر تحويلها إلى أداة بين يديه.لعلبة زيت فارغة أو جالون
ماء فارغ يضع في طرفه يد خشبية وتمتد عليها أسلك رفيعة، لها أن تجعل
تلك اللعبة واقعا بين يديه.آلة عود في شكلها البدائي لم تلبث أن صارت
حقيقية بعد وقت قليل من الزمن.صار الولد صاحب العوام الثمانية مولعا
بها حد الهوس وترافقه ليل نهار. ومن هذه السن ق ّر الولد أن يكون عازف
ر
عود غير مكترث بشيء، خصوصا لبيه المنحدر من أسرة أشراف ترى
في الشتغال الموسيقي عيبا ل ينبغي أن يرتبط باسم العائلة.لكن الصغير
ليفقه شيئا في هذه المسائل الكبيرة على مستوى إدراكه،وبالتالي لم تكن
2. تعنيه مطلقا فازداد تعلقا بعشقه ليصبح في العاشرة مطرب الحي
والمدرسة.واستمر على هذه الحالة إلى وقوعه على فرصة ستعمل على
تغيير شكل حياته القادمة تماما.فحين جاء الفنان العدني أحمد قاسم)أحد كبار
الموسيقى في اليمن والجزيرة العربية(، إلى مدينة الحديدة )تقع على البحر
الحمر(لحياء حفل غنائي، اقتنص الصغير الفرصة وذهب للفندق الذي
ينزل فيه بعد ن سأل عن مكان إقامته.التقاه فعل،بعد انتظار طويل وطلب
منه أن يسمع عزفه."تعامل معي في البداية بمزاح خفيف لكنه ما أن استمع
لعزفي حتى انتبه وتبدلت نبرته"،قال أحمد فتحي. أخبره بعدها أن بإمكانه
أن يصير فنانا معروفا لكن عليه أن يهرب من هذه المدينة، "قال لي
بالحرف الواحد:أهرب إلى عدن".كان هذا في وقت كانت عدن)عاصمة
اليمن الجنوبي وقتها(، مقصدا لعشاق الغناء والطرب من الباحثين عن
فرصة لظهار مواهبهم. لم يتوقع أحمد قاسم أن يعمل العازف الصغير
بنصيحته ويجده بعد أيام واقفا أمام منزله في عدن وكان في الثانية عشرة
وقتها،"استضافني وعاملني كواحد من أولده ولم يبخل عل ّ بشيء.أدين
ي
بالكثير لهذا الرجل العظيم"، و الذى غير لقبه من )فتاح ( إلى فتحى ليصير
أحمد فتحى ، فقد كانت لحمد قاسم وجهة نظر تحترم فى إختيار السماء
فنيا .
بعدها دخل في تدريبات منتظمة معه إلى أن جاءت فرصته الذهبية أو هدية
القدر إليه:حفلة غنائية يشارك فيها فنانان من عمالقة الغناء العدني، محمد
مرشد ناجي ومحمد سعد عبد ال إضافة لقاسم. اقترح هذا الخير إشراك
أحمد في الحفل كنجم صاعد وهو ماكان. ينجح في حفلته ويجد نفسه
مضطرا لتكرار فقرته لكثر من مرة نزول عند رغبة الجمهور المحتشد.
في صباح اليوم التالي كان الطفل المعجزة،كما ُطلق عليه، حديث المدينة
أ
وخبرا رئيسيا في الصحافة العدنية.عندما وصل الخبر إلى الحديدة،أدرك
والد فتحي أن ابنه جاد في ذهابه مع العود حتى النهاية ماجعله ُرسل إليه
ي
طالبا عودته إلى البيت وهو ماكان.
تتوالى هدايا القدر لعازف العود الصغير حيث حضر رئيس الوزراء
د.حسن مكى –وقتها- الذى أعجب بالطفل أحمد محمد محمد فتحى فى حفل
3. مدرسى و اوصى به وزير المعارف أحمد جابر عفيف)أحد قادة التنوير في
اليمن الشمالي سابقا( مما دفع الوزير المستنير لتسهيل حصوله على منحة
دراسية إلى القاهرة." كن ُ أول طالب يحصل على فرصة لدراسة
ت
الموسيقى التي لم تكن في إطار المنح المتعارف عليها في اليمن المحتاج
وقتها لطلبة دارسين للطب والهندسة والعلوم الخرى".
وسافر الفتى بعد نيله الشهادة العدادية واضعا خطوته الولى والكبيرة في
طريق سيعرف نجاحات لحدود لها. تدرج في سّم التعليم الموسيقي واصل
ل
عند درجة الماجستير ليصبح بعدها ُد ّسا في المعهد الذي كان طالبا فيه.
مر
في التجاه العملي،كان يعرف أن القاهرة مدينة صعبة وليس من السهل
وضع اسمه في قائمة فنانيها.من هنا أدرك ضرورة تميزه كي يصل لمبتغاه
وليس غير العود من سيمكنه من هذا؛ العزف بطريقة لتشبه أحدا،تقديم هذه
اللة بشكل لم يألفه عشا ُها ويعرف هو كيف يفعل هذه التركيبة، صار رقما
ق
مميزا في الساحة لدرجة أن يقول الموسيقار المصري عمار الشريعي
عنه:"أحمد فتحي واحد من أهم عازفي العود في العالم".
لكن فتحي لم يتوقف عند هذا الحد،فذهب لنتاج ألبومات غنائية لقت
نجاحات لفتة إضافة لتأليف مقطوعات موسيقية.ل ّن لكبار الغنية العربية
ح
مثل وديع الصافي وأبو بكر سالم ولطفي بوشناق وسميرة سعيد وطلل
مداح و محمد الحلو و رباب و عبد المجيد عبد ال . عزف في أوبرا القاهرة
وباريس وسيدني وطوكيو وأوتاوا بكندا وأقام حفلت في واشنطن ومدريد.
خلل كل هذه التنقلت ليتوقف عن البحث واكتشاف مساحات أخرى
جديدة في آلة العود وتوثيق علقته بها.كما يتقدم في فعل مقاربات جديدة
للجملة الموسيقية اليمنية التي تمتلك من الثراء والعمق ما يغري الخرين
بإعادة تشكيلها ونسبها إليهم مؤكدا أن"مايحصل اليوم للموسيقى اليمنية
وتراثها من سطو واعتداء قد وصل حدا لم يعد السكوت معه ممكنا"،من
اليهود الصهاينة الذين أدعوا أن العديد من الغنيات اليمنية هى تراث
يخص اليهود وحدهم –مثل أغنية يا هزلى و صنعاء اليمن و غيرها .. ولهذا
يرى أن أرشفة هذا التراث وتوثيقه صار ضرورة ُّْحة.
مل
4. على هذا تسير حياة"ملك العود" كما ُطلق عليه،مع أنه ُفضل وصفه
ي ي
بالفنان اليمني.ل يأتي من سفر حتى يذهب لغيره، وتكون اليمن محطة
توقف دائمة بين كل سفر وآخر.عندما سألناه عن سبب تمسكه بالجنسية
اليمنية ولم يفعل كغيره من فنانين نالوا جنسيات أخرى، أظهر استغرابه من
سؤالنا" اليمن وطني فهل ُسأل عن تمسكي بجنسيته"،قال فتحي وصمت
أ
قليل ثم أضاف لنا:" اليمن مقيم في داخلي"، حتى من حصلوا على
جنسيات أخرى ، أعتقد ان اليمن سيظل بداخلهم ،و إن حدث و أننى حصلت
على جنسية أخرى فهل هذا يلغى إنتمائى لوطنى الم ؟؟
٥ تواريخ
٢٦٩١
الولدة في الحديدة)اليمن(
٤٧٩١
السفر إلى القاهرة
٨٩٩١
حصل على الماجستير برسالة عن"دور العود في مصاحبة الغناء اليمني"
٦٠٠٢
الدكتوراه الفخرية من جامعة الحديدة-اليمن
٠١٠٢
البدء في مشروع أرشفة التراث الموسيقي اليمني رقميا